المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خديجة بنت خويلد المفترى عليها


كمال بدر
12-17-2010, 07:53 PM
خديجة بنت خويلد المفترى عليها

الشيخ (http://www.alukah.net/Authors/View/Sharia/646/)
إبراهيم بن صالح العجلان

معاشر المؤمنين:

ما أجملَ الحديثَ حينما يكون عن الطُّهر والعفاف! وما أروع الكلمات إذا دارَتْ حول الحشمة والحياء! ولكن أجمل من ذلك وأروع أن نرى هذا الطُّهر والحياء يتجسَّد في نساء سامقات، سطَع نَجْمُهن في دنيا الناس، وبقي أثرُهن نبعًا ومعينًا، تستسقي منه الأُمُّة عَبْر دهورها.

نقف - إخوة الإيمان - مع اسم يتلألأ في تاريخ الإسلام، كما يتلألأ القمَرُ ليلة البدر في أفق السماء.

مع من؟!

مع رمز الوفاء، ودُرَّة الصفاء، وسيِّدة النِّساء.

مع امرأة لم تشبه النِّساء في نقصهن، ولم يشبهنها في كمالِها، مع أُمِّنا، أمِّ المؤمنين خديجة - رضي الله عنها.

هذا الاسم الذي تَنْفَهق الأرواحُ لسماعه؛ حبًّا لها، ووفاءً لِجَميلها، فمَن هي خديجة؟

مَن هي خديجة، التي يُخْتطَف اسْمُها اليوم لِيُجعل ستارًا لإفساد المرأة في مُجتمعنا؟!

إنَّها خديجة بنت خويلد بن أسد القرشيَّة، ذاع صيتُها وعُرِفت في المجتمع الجاهلي بالطَّاهرة، فجاء الإسلام، فزادها شرفًا إلى شرفها.

جَمَعت خديجة خِصال الخير دون نساء قومِها، فامتازت بِحِدَّة الذَّكاء وبالعفاف والسَّخاء، وكان لها من شرف حسَبِها ونسبها وأدبِها ما جعل كلَّ شريف من قومها يُمنِّي نفسه بالزواج منها، كيف وهي بعد ذلك كلِّه كثيرةُ المال، ذات حُسْن وجمال؟!

كانت أمُّنا قبل الإسلام تستأجر الرِّجال في جَلْب تجارتِها، فبلغها خبَرُ ذلك الفتى القرشيِّ محمَّد، الذي ذاع صيته في مكَّة بالصِّدق والأمانة، فعرضَتْ عليه أن يتَّجِر في مالِها، فوافق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فخرج الصادق الأمين يستقدم البضائع من الشَّام، وكان معه في سفره هذا "مَيْسرة"، غلامٌ لِخديجة، فرأى هذا الغلامُ من حُسْنِ خلُقِ النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتعامله ما أعجبه، فحَفِظه ووعاه؛ لِيَزفَّ بعد ذلك إلى خديجة خبَرَ ما رآه.

فَرِحَت خديجة - رضي الله عنها - بِمَن ائتمنَتْه على تِجارتها، وازدادت فرحًا وارتياحًا أنَّها رأت أثرَ هذه التِّجارة في برَكةِ أرباحها، فرأَتْ أنَّ هذا الصادق الأمين هو الرَّجُل الذي كانت تنتظره، فأرسلت إلى النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تعرض نفسها عليه، فكانت الموافَقةُ وتَمَّ الزواج، وذلك قبل بعثة النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بخمسة عشر عامًا.

تزوَّج الكريمُ من الكريمة، والطيِّبات للطيِّبين، والطَّيبون للطيبات.

نزل الرُّوح الأمين على سيِّد المرسلين في غار حراء، فحصَل للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن الخوف والْهَلع ما جعله يقول لزوجته - وفؤادُه يرجف -: ((والله لقد خَشِيتُ على نفسي))، فتأتي الكلمات منها كالبلسم الشافي على القلب المضطرب، فقالت مطَمْئِنَة ومثبِّتة: "أَبْشِر، كلاَّ والله، لا يُخْزيك الله أبدًا؛ إنَّك لَتَصِل الرَّحِم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق"، فكانت - رضي الله عنها - أول مؤمنٍ ومصدِّق بهذا الدين.

قال ابنُ الأثير : خديجة أوَّل خَلْقِ الله إسلامًا بإِجْماع المسلمين، لم يتقدَّم عليها رجلٌ ولا امرأة.

بدأ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدعوة قومه إلى هذا الدِّين الجديد، فطاشَتْ لهذه الدَّعوة عقولٌ وأحلام، وقلَّ النَّصير، وعزَّ المُعِين، فكان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحفظ لخديجة تصديقَها ونُصرتَها، وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يقول عنها بعد وفاتِها: ((لقد صدَّقَتْنِي حين كذَّبَني الناس، وآمنَتْ بي حين كفَر بي الناسُ)).

وقفَتِ المرأة الصالحة مع زوجها في دعوته ورسالته، وهَمِّه ومعاناته، تدفع من مالها لِنُصرته، ومن عطفها لمواساته وتسليته، كم مرَّت بالنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من مواقفِ تصلُّبٍ ومعاندة ومُحادَّة، كادت نفسه تذهب معها حسرات على هذا الإعراض، حتى قال له ربُّه: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8] ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، فكانت خديجة - رضي الله عنها - نسمة نديَّة، تُخفِّف من آلامه وحسراته.

قال ابن إسحاق : كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يسمع شيئًا مما يكرهه من ردٍّ عليه، وتكذيبٍ له، إلا فرَّج الله عنه بِها إذا رجع إليها، تثبِّته وتُخفِّف عنه، وتصدِّقه وتهوِّن عليه أمر الناس، فرَضِي الله تعالى عنها.

عاش المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مكَّة حياة الاضطهاد، وقرَّر قومُه مُحاصرته في شِعْب أبي طالب، فاختارت المرأة الصالحة الوفيَّة، أن تنحاز إلى الشِّعب مع زوجها، مع أنَّها ليست من بني هاشمٍ ولا بني المطَّلِب، وإنَّما اختارت حياة الجوع والمسغبة ثلاث سنوات؛ نُصْرة وتأييدًا لزوجها.

وظلَّت أمُّ المؤمنين وفيَّة لزوجها، بفِعالِها وأقوالها، حتَّى ملكَتْ على النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلبه ووجدانه، فكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يقول عنها: ((لقد رُزِقْتُ حُبَّها)).

ولذا لم يتزوَّج عليها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى توُفِّيَت؛ إكرامًا ووفاء، وازداد مقامُ أمِّ المؤمنين إلى مقامها؛ أنَّها الأمُّ لبنات النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكانت - رضي الله عنها - مدرسة في التربية والتوجيه والتعليم، فخرجتْ من بيت النبوة بنات، كُنَّ مضْرِبَ المثل في العفَّة والحياء والوقار.

إخوة الإيمان:

انشقَّت السَّماء، ونزل الرُّوح الأمين على سيِّد المرسلين، برسالة من ربِّ العالمين، بشأن أُمِّ المؤمنين، فقال جبريل - عليه السَّلام -: ((يا رسول الله، أقْرِئ خديجة السَّلام من ربِّها ومنِّي، وبَشِّرْها ببيت في الجنة من قصَب، لا صخب فيه ولا نصَب)).

نعم، لقد استحقَّت من ربِّها هذا البيتَ الذي لا صخب فيه ولا ضجيج، مقابل ما تَحملتْه من صخب المشركين واستهزائهم وإيذائهم لِمَقام زوجها ومقامها، ولا نصَب فيه أيضًا؛ أيْ: فيه الراحة التامَّة؛ جزاء ما تعبت في أيامها الخالية، فعوَّضها ربُّها سبحانه من جزاء صنيعها.

إخوة الإيمان:

ولِصَلابة الإيمان، وكمال الخلُق، ورجاحة العَقْل؛ استحقَّت خديجةُ - رضي الله عنها - وسام الأفضليَّة بين النِّساء في الدُّنيا والآخرة، فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)).

عباد الله:

وفي السَّنَة العاشرة بعد البعثة، كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على موعد مع خَطْب اهتزَّ منه فؤادُه، واعتصر له قلبه، إنه مَشْهد توديع هذه المرأة الصالحة الطاهرة النَّاصرة، وودَّعَت دنياها، بعد أن قضت ربع قرْنٍ مع هذا الزَّوج الكريم والنبِيِّ العظيم، فلا تسَلْ عن مراراتِ الأحزان، وحسرات الآلام، التي عاشها النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم!

لقد فقد العضيد والنصير، الذي كان يخفِّف من أحزانه، ويَمْسح عنه غمومه.

فقدَ قطعةً من حياته، ورُكنًا من أركانه، فجثم الحزن على قلب النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغار في صدْرِه، حتَّى سُمِّي ذلك العام بعام الحزن؛ لأنَّ الحزن بدا على مُحيَّا رسول الْهُدى على فراق زوجته وعمِّه.

وظلَّ اسم خديجة ورَسْمُها في سُوَيداء قلب النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تتحرك بين جنبَيْه لواعجُ الشَّوق والحنين على أيامها وزمانِها، وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - كثيرًا ما يذكرها، ويذكر فضلها ونصرتَها، ويُعقب هذا الثَّناءَ بالاستغفار لها.

امرأة عجوز، تَدْخل بيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهشَّ لها المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبشَّ، وبالَغَ في إكرامها وحفاوتها، فتعجَّبَت عائشةُ - رضي الله عنها - من هذه الحفاوة، وزال عنها هذا التعجُّب حين عرفَتْ أن هذه المرأة صدِيقةٌ لخديجة.

كان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يتعاهد صديقات خديجة بالْهَدايا، رآه أهلُه مرارًا يذبح الشَّاة ثُمَّ يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها إلى صديقات خديجة.

كان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يَرِقُّ قلبُه رقَّة شديدة حين يرى أثرًا أو شيئًا من متاع خديجة، حتى إنه لَيُرَى أثر هذا التأثُّر على مُحيَّاه، واستمِع لِهذا المشهد الذي تقف له النُّفوس خاشعة، مترضِّيَة على أم المؤمنين.

وقعَتْ غزوة بدر، وأُسِر أبو العاص بن الربيع، زوج زينب بنت محمَّد مع مَن أُسِر، وكان الحُكْم في الأسرى أن يُطْلَق سراحُ كلِّ مَن فداه أقاربه وعشيرته، فرقَّت زينب لحال زوجها مأسورًا، فسعَتْ إلى خلاصه، فأرسلت مع عمرو بن الربيع، أخي زوجها، قلادةً لها، هذه القلادة يعرفها النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويعرف مهديتها وصاحبتها، والمناسبةَ التي أُهْديت فيها:

إنَّها القلادة التي زفَّتْها أمُّ المؤمنين خديجة لبنتها زينب ليلةَ عرسها، والَّتِي احتفظت بها زينب ولم تفرِّط فيها؛ تذكارًا لهذه المناسبة.

جاء عمرو بن الربيع، ونثر قلادة زينب بنت محمد بين يدي محمَّد لفِكاك أسيرها، فلمَّا رأى النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه القلادة، تذكَّر مُهْدِيتَها وصاحبتها، ورقَّ لحال ابنته فالتفَتَ إلى أصحابه مُشاورًا، وقال بصوت قد هدَّه الحزنُ والتأثُّر: ((إن رأيْتُم أن تُطْلِقوا لها أسيرها وتردُّوا عليها الذي لَها))؛ يعني: قلادتَها، فبادر الصَّحابة إلى فكاك الأسير، وردُّوا إلى زينب متاعها.

تلك - عباد الله - إضاءاتٌ سريعة، وإلْماحات خاطفة من سيرة سيِّدة النِّساء، فرضي الله تعالى عن خديجة وأرضاها، وأعلى في جنَّة الفردوس مأواها.

ساجده
12-18-2010, 04:58 PM
جزاك الله خيرا اخى

احسن الله اليك

كمال بدر
12-18-2010, 07:33 PM
جزاك الله خيرا اخى



احسن الله اليك




الأخت الفاضلة

جزاكِ الله خيراً على مروركم الطيب المبارك إن شاء الله .

همس الليالي
12-18-2010, 08:10 PM
الســــلام عليكم
أخي الكريم كمال
طرح رااائع وقيم
أثابك الرحمن وأسعـــدك في الدارين
دمت في حفظ الله ورعــايته

كمال بدر
12-19-2010, 03:10 AM
الســــلام عليكم

أخي الكريم كمال
طرح رااائع وقيم
أثابك الرحمن وأسعـــدك في الدارين

دمت في حفظ الله ورعــايته





الأخت الفاضلة

جزاكِ الله خيراً على مروركم الطيب المبارك إن شاء الله .

طارق سرور
12-20-2010, 01:26 AM
بارك الله فيك أخى كمال وجزاك خيرا عن هذا الطرح القيم

كمال بدر
12-20-2010, 03:13 AM
بارك الله فيك أخى كمال وجزاك خيرا عن هذا الطرح القيم



أخى الفاضل ... طارق ســـــــــرور

جزاكَ الله خيراً أخى الكريم على مروركم الطيب المبارك إن شاء الله .

نور
12-20-2010, 10:29 AM
رضى الله عنها
سلمت اخى
كمااااااال
طرح رائع وقيم بكل معانيه
بارك الله فيك
اجزل لك المثوبة والعطاء
http://www.aadd2.com/vb/../up-2/2010/pics//uploads/images/aadd2-0cf522df58.gif (http://www.aadd2.com/vb/../up-2/2010/pics//uploads/images/aadd2-0cf522df58.gif)

كمال بدر
12-20-2010, 12:31 PM
رضى الله عنها
سلمت اخى
كمااااااال
طرح رائع وقيم بكل معانيه
بارك الله فيك
اجزل لك المثوبة والعطاء
http://www.aadd2.com/vb/../up-2/2010/pics//uploads/images/aadd2-0cf522df58.gif (http://www.aadd2.com/vb/../up-2/2010/pics//uploads/images/aadd2-0cf522df58.gif)



الأخت الفاضلة

جزاكِ الله خيراً على مروركم الطيب المبارك إن شاء الله .