ملكة بإحساسي
08-18-2011, 11:58 AM
نائلة بنت الفرافصة .. وقميص عثمان
الجزء الأول
إعداد: صالح السعيدي
الحدث التاريخي هو نواة التاريخ وسبب قيامه، والأبطال هم الذين يصنعون تاريخهم. ومثلما وجد أبطال من الرجال والنساء الذين أوفاهم التاريخ والمؤرخون حقهم ونالوا مكانتهم المميزة في الذاكرة الشعبية، وشاعت سيرهم، فان كثيرين غيرهم لا يقلون عن هؤلاء بطولة وتأثيرا، لم يأخذوا حقهم من الشهرة في الذاكرة الشعبية، ولم تنل سيرهم وأفعالهم حظها في الذيوع، أو ان انتشارها ظل محصورا في إطار مكاني محدود وفي افق معرفي ضيق.
.
قد يكون هؤلاء المغمورون معروفين لدى أهل العلم من المتخصصين والباحثين، أو مشهورين في بلدانهم أو طوائفهم أو جماعاتهم، لكن سيرتهم لم تتجاوز الإطار الجغرافي أو الزماني الذي صنعوا أحداثه.
نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة الكلبي، هي الزوجة الأخيرة للصحابي الخليفة عثمان بن عفان، وكان تسلسلها بين زوجاته الثامنة، وقد قدر لها أن تحضر تفاصيل المأساة الكبرى في تاريخ الإسلام التي تمثلت في اغتيال الخليفة الراشدي عثمان بن عفان،أمام عينيها ورأت قتلته وهم يمثلون بجسده. دافعت نائلة ببسالة عن زوجها حتى قام المهاجمون بقطع أصابعها. وبعد مقتله قامت بالدعوة للأخذ بثأره، وألهبت مشاعر بني أمية، وهي من قامت بإرسال قميص عثمان إلى دمشق ليعلق في أكبر مساجدها. واشتهر هذا الفعل حتى غدا «قميص عثمان» مثلاً متداولاً بين الناس إلى يومنا هذا، لكن صاحبة الفعل لم تنل من الشهرة، مثل ما نال القميص الذي أرسلته.
نسبها ونشأتها
نسبها، كاملاً نقلاً عن جمهرة النسب لابن الكلبي، هو نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل بن عبدالله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. جدها الأحوص بن عمرو، وقد رأس قومه، وكان إذا ارتحل ارتحلت قبائل قضاعة، وإذا اقام أقاموا، وله يقول الشاعر:
قضاعة إذ احلحهم يحلوا
وبرنحلون ميلا لا ارتحالا
عرفت منذ شبابها برجاحة العقل وحكيم الرأي، إضافة إلى جمالها، وهي زوجة لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه الأخيرة، ولدت من عائلة مسيحية من الكوفة.
وكان سبب زواجها بعثمان بدأ عندما تزوج سعيد بن العاص الأموي والي الكوفة هند بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، فبلغ ذلك الخليفة عثمان، فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنه قد بلغني أنك تزوجت امرأة من كلب، فاكتب إلي بنسبها وجمالها».
فكتب إليه: «أما بعد، فإن نسبها أنها بنت الفرافصة بن الأحرص، وجمالها أنها بيضاء مديدة القامة».
فكتب إليه: «إن كانت لها أخت فزوجنيها».
فزوجها له أخوها ضب وكان مسلماً، وحملها إلى عثمان في المدينة، وأنجبت له من الولد ثلاثًا: أم خالد وأروى وأم أبان الصغرى. واعتنقت الإسلام لاحقاً على يد عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت نائلة عنها بعضاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موقفها زمن الفتنة
كانت نائلة امرأة شجاعة، ولها كبير الدور في أتون الفتنة الكبرى، التي انتهت بمقتل الخليفة عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه بين أيديها. فعندما اشتدت المحنة على الخليفة على عثمان بن عفان، وأحكم المهاجمون عليه الحصار، صمدت معه، وتلقت عنه ضربات السيوف قبل أن تصل إليه. وما إن ألقى الرجال بحبالهم على أسوار منزله، ودخلوا عليه حتى أسرعت تنشر شعرها، فقال عثمان: «خذي خمارك، فإن حرمة شعرك، أعظم عندي من دخولهم علي». وحين هجم عليه أحدهم، وهوى عليه بسيفه، تلقت السيف بيدها، فقطعت أناملها، فصرخت على رباح غلام الخليفة عثمان، فأسرع نحو الرجل فقتله، وبينما كانت تهرع لإمساك سيف رجل ثان، تمكن الرجل من أن يقطع أصابع يدها الأخرى، وهو يدخل السيف في بطن عثمان ليقتله، وحين هموا بقطع رأس الخليفة عثمان ألقت عليه بنفسها، إلا أنهم لم يرحموا ضعفها، ولم يعرفوا لعثمان قدره، فحزوا رأسه، ومثلوا به، فصاحت والدم يسيل من أطرافها: «إن أمير المؤمنين قد قتل. إن أمير المؤمنين قد قتل».
ثم دخل أحد المهاجمين عقب مقتل الخليفة، فإذا رأس عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه في حجرها. فقال لها الرجل: «اكشفي عن وجهه».
قالت: ول.مَ؟
قال الرجل: أريد أن أل.طم حُرَّ وجهه، فقد أقسمت بذلك.
فقالت: أما ترضى ما قال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال فيه كذا وكذا.
فقال: اكشفي عن وجهه.
ثم هجم عليها فلطم وجه عثمان،.
وتُركت جثة عثمان في مكانها من دون أن يجرؤ أحد على تجهيزه ودفنه، فأرسلت نائلة إلى حويطب بن عبد العزى، وجبير بن مطعم، وأبي جهم بن حذيفة، وحكيم بن حزام، ليجهزوا عثمان، فقالوا: لا نقدر أن نخرج به نهاراً. وحين حل الظلام خرجوا به بين المغرب والعشاء نحو البقيع، وهي تتقدمهم بسراج ينير لهم وحشة الظلام، حتى تم دفنه بعد أن صلى عليه جبير بن مطعم، وجماعة من المسلمين.
ثم قالت ترثيه:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي
وقد غيبت عنا فضول أبي عمرو
والتجيبي هو قاتل عثمان.
وفاؤها لعثمان
بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان عاشت نائلة حافظة لذكراه، وظلت وفية له، فلم تتزوج وكانت من أجمل النساء. وكلما جاءها خاطب ردته، وكان من بين من تقدم لخطبتها معاوية بن أبي سفيان لكنها رفضت. وسألت النساء عما يعجب الخطاب فيها، فقلن لها: ثناياك (وكانت مليحة وأملح ما فيها ثغرها) فخلعت ثناياها، وأرسلت بهن إلى معاوية، وحين سئلت عما صنعت، قالت: «حتى لا يطمع في الرجال بعد عثمان».
.
الجزء الأول
إعداد: صالح السعيدي
الحدث التاريخي هو نواة التاريخ وسبب قيامه، والأبطال هم الذين يصنعون تاريخهم. ومثلما وجد أبطال من الرجال والنساء الذين أوفاهم التاريخ والمؤرخون حقهم ونالوا مكانتهم المميزة في الذاكرة الشعبية، وشاعت سيرهم، فان كثيرين غيرهم لا يقلون عن هؤلاء بطولة وتأثيرا، لم يأخذوا حقهم من الشهرة في الذاكرة الشعبية، ولم تنل سيرهم وأفعالهم حظها في الذيوع، أو ان انتشارها ظل محصورا في إطار مكاني محدود وفي افق معرفي ضيق.
.
قد يكون هؤلاء المغمورون معروفين لدى أهل العلم من المتخصصين والباحثين، أو مشهورين في بلدانهم أو طوائفهم أو جماعاتهم، لكن سيرتهم لم تتجاوز الإطار الجغرافي أو الزماني الذي صنعوا أحداثه.
نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة الكلبي، هي الزوجة الأخيرة للصحابي الخليفة عثمان بن عفان، وكان تسلسلها بين زوجاته الثامنة، وقد قدر لها أن تحضر تفاصيل المأساة الكبرى في تاريخ الإسلام التي تمثلت في اغتيال الخليفة الراشدي عثمان بن عفان،أمام عينيها ورأت قتلته وهم يمثلون بجسده. دافعت نائلة ببسالة عن زوجها حتى قام المهاجمون بقطع أصابعها. وبعد مقتله قامت بالدعوة للأخذ بثأره، وألهبت مشاعر بني أمية، وهي من قامت بإرسال قميص عثمان إلى دمشق ليعلق في أكبر مساجدها. واشتهر هذا الفعل حتى غدا «قميص عثمان» مثلاً متداولاً بين الناس إلى يومنا هذا، لكن صاحبة الفعل لم تنل من الشهرة، مثل ما نال القميص الذي أرسلته.
نسبها ونشأتها
نسبها، كاملاً نقلاً عن جمهرة النسب لابن الكلبي، هو نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل بن عبدالله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. جدها الأحوص بن عمرو، وقد رأس قومه، وكان إذا ارتحل ارتحلت قبائل قضاعة، وإذا اقام أقاموا، وله يقول الشاعر:
قضاعة إذ احلحهم يحلوا
وبرنحلون ميلا لا ارتحالا
عرفت منذ شبابها برجاحة العقل وحكيم الرأي، إضافة إلى جمالها، وهي زوجة لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه الأخيرة، ولدت من عائلة مسيحية من الكوفة.
وكان سبب زواجها بعثمان بدأ عندما تزوج سعيد بن العاص الأموي والي الكوفة هند بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، فبلغ ذلك الخليفة عثمان، فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنه قد بلغني أنك تزوجت امرأة من كلب، فاكتب إلي بنسبها وجمالها».
فكتب إليه: «أما بعد، فإن نسبها أنها بنت الفرافصة بن الأحرص، وجمالها أنها بيضاء مديدة القامة».
فكتب إليه: «إن كانت لها أخت فزوجنيها».
فزوجها له أخوها ضب وكان مسلماً، وحملها إلى عثمان في المدينة، وأنجبت له من الولد ثلاثًا: أم خالد وأروى وأم أبان الصغرى. واعتنقت الإسلام لاحقاً على يد عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت نائلة عنها بعضاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موقفها زمن الفتنة
كانت نائلة امرأة شجاعة، ولها كبير الدور في أتون الفتنة الكبرى، التي انتهت بمقتل الخليفة عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه بين أيديها. فعندما اشتدت المحنة على الخليفة على عثمان بن عفان، وأحكم المهاجمون عليه الحصار، صمدت معه، وتلقت عنه ضربات السيوف قبل أن تصل إليه. وما إن ألقى الرجال بحبالهم على أسوار منزله، ودخلوا عليه حتى أسرعت تنشر شعرها، فقال عثمان: «خذي خمارك، فإن حرمة شعرك، أعظم عندي من دخولهم علي». وحين هجم عليه أحدهم، وهوى عليه بسيفه، تلقت السيف بيدها، فقطعت أناملها، فصرخت على رباح غلام الخليفة عثمان، فأسرع نحو الرجل فقتله، وبينما كانت تهرع لإمساك سيف رجل ثان، تمكن الرجل من أن يقطع أصابع يدها الأخرى، وهو يدخل السيف في بطن عثمان ليقتله، وحين هموا بقطع رأس الخليفة عثمان ألقت عليه بنفسها، إلا أنهم لم يرحموا ضعفها، ولم يعرفوا لعثمان قدره، فحزوا رأسه، ومثلوا به، فصاحت والدم يسيل من أطرافها: «إن أمير المؤمنين قد قتل. إن أمير المؤمنين قد قتل».
ثم دخل أحد المهاجمين عقب مقتل الخليفة، فإذا رأس عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه في حجرها. فقال لها الرجل: «اكشفي عن وجهه».
قالت: ول.مَ؟
قال الرجل: أريد أن أل.طم حُرَّ وجهه، فقد أقسمت بذلك.
فقالت: أما ترضى ما قال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال فيه كذا وكذا.
فقال: اكشفي عن وجهه.
ثم هجم عليها فلطم وجه عثمان،.
وتُركت جثة عثمان في مكانها من دون أن يجرؤ أحد على تجهيزه ودفنه، فأرسلت نائلة إلى حويطب بن عبد العزى، وجبير بن مطعم، وأبي جهم بن حذيفة، وحكيم بن حزام، ليجهزوا عثمان، فقالوا: لا نقدر أن نخرج به نهاراً. وحين حل الظلام خرجوا به بين المغرب والعشاء نحو البقيع، وهي تتقدمهم بسراج ينير لهم وحشة الظلام، حتى تم دفنه بعد أن صلى عليه جبير بن مطعم، وجماعة من المسلمين.
ثم قالت ترثيه:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي
وقد غيبت عنا فضول أبي عمرو
والتجيبي هو قاتل عثمان.
وفاؤها لعثمان
بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان عاشت نائلة حافظة لذكراه، وظلت وفية له، فلم تتزوج وكانت من أجمل النساء. وكلما جاءها خاطب ردته، وكان من بين من تقدم لخطبتها معاوية بن أبي سفيان لكنها رفضت. وسألت النساء عما يعجب الخطاب فيها، فقلن لها: ثناياك (وكانت مليحة وأملح ما فيها ثغرها) فخلعت ثناياها، وأرسلت بهن إلى معاوية، وحين سئلت عما صنعت، قالت: «حتى لا يطمع في الرجال بعد عثمان».
.