نور
09-11-2008, 04:00 AM
محمد أعبد النّاس
عائض بن عبدالله القرني
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الناس: إن الأمم والشعوب والدول، تفتخر بعظمائها، وتبني بهم أمجادها وتؤسس التاريخ لمنقذيها، وما علمنا، ولا عرفنا، ولا رأينا، رجلاً أسدى لبني جنسه ولأمته من المجد والعطاء والتاريخ، أعظم ولا أجل من رسول الله .
أما ترى ما يفعل الإنجليز والألمان والفرنسيون والأمريكان بعظمائهم.
وعظماؤهم سفكة للدماء، ملاحدة وخونة، بنوا مجدهم على الجماجم والأشلاء، وسقوا زروع تاريخهم بدماء الضحايا والأبرياء، قتلوا الأطفال والنساء، وحاربوا الفضيلة والشرف، ونشروا العهر والرذيلة بين الشعوب.
فحرام حرام، أن يذكر رسول الله، عليه الصلاة والسلام، مع هؤلاء، أو أن يجعل في مصافّهم، أو يقارن بهم، إنه صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، إنه نبي وكفى، إنه رسول فحسب، تلقى تعاليمه من ربه تبارك وتعالى.
والعجيب أنهم من تعظيمهم لهؤلاء الجبناء، الأذلاء، الرخصاء، يُذرون على نبينا عليه الصلاة والسلام.
غريب هذا الأمر، وعجيب هذا التصرف.
إذا عيّر الطائي بالبخل مادرٌ وعيـّر قسًّا بالفهاهة باقـل
وقال السها للشمس أنت كسيفة وقال الدجا للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويانفس جدي إن دهرك هازل الرسول عليه الصلاة والسلام هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه.
واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته ، كيف عاش عبداً، ما هي عبادته لله، كيف كانت صلاته، كيف كان يصوم، ما هو ذكره لله تبارك وتعالى.
الله عز وجل يمدحه في القرآن بالعبودية في أشرف أحواله ، فيقول عنه: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [لاسراء:1].
ويقول عنه: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾[الجـن:19].
ويقول أيضاً: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ [الفرقان:1].
محمد أعبد الناس لله، وأشدهم له خشية.
يقول الله له: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾[الحجر:99]. يعني الموت لا كما قال المنحرفون: اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة، وقد كذبوا على الله إنما المعنى: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الحل والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر حتى يأتيك الموت ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿1﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴿2﴾ نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ﴿3﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴿4﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً ﴾ [المزمل:1-5].
يا أيها المزمل قم لإصلاح الإنسان، يا أيها المدثر في لحافه: قم لهداية البشرية، يا أيها المزمل في فراشه: قم لهداية الإنسانية، فقام عليه الصلاة والسلام، ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة وماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره، فما نام ولا فتر ولا هدأ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن والهم والغم، فيقول: ( أرحنا بها يا بلال )[1] أي بالصلاة. تأتيه المصائب والكوارث فيقول: ( أرحنا بها يا بلال ) تأتيه الفواجع والزلازل فيقول: ( أرحنا بها يا بلال ) يموت أبناؤه وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه، فيقول : ( أرحنا بها يا بلال ).
يقول : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) [2] ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر، كبر بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يده على صدره فيكون الله أعظم من كل شيء لأنه الكبير - سبحانه وتعالى - فيقف متواضعاً متبتلاً متخشعاً متذللاً أمام الواحد الأحد.
يقول عبد الله بن الشخير: (دخلت على رسول الله فوجدته يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء )[3] والمرجل: القدر إذا استجمع غلياناً.
ويقول حذيفة: قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، قال: فدخلت معه في الصلاة فافتتح سورة البقرة، فقلت يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى[4]، ما يقارب الست ساعات أو السبع ساعات مع الفقر والجوع، ومع الجهاد في النهار، ومع الزهد، ومع الدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، ومع شئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله، تفطرت قدماه، وتشققت رجلاه فتقول له زوجته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله كيف تفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ( أفلا أكون عبداً شكور )[5].
يقول عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله ، فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه[6].
الرسول عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله.
يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ القارئ منا خمسين آية، هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي إلى الصباح، حتى تسقط بردته من على كتفيه، كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب باب إلى الله.
ونحن أيها المسلمون: في سعد ورغد، في عيش رضي، في أمن وصحة، الموائد الشهية، الفلل البهية، المراكب الوطية، ومع ذلك نترك صلاة الجماعة إلا من رحم الله، أيُّ أمة نحن، أي قلوب نحملها، إذا لم نقم بالصلوات الخمس، كما أرادها الله عز وجل.
قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: مررت على رسول الله قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي هذه الليلة آيات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها قلت: ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ ﴿ 190﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران:190-191].
كيف ترقى رقيك الأولياء يا سماء ما طاولتها سماءُ
إنما مثلوا صفاتك للناس كمـا مثل النجوم المـاءُ
حن جذع إليك وهو جماد فعجيب أن يجمد الأحيـاءُ
كان عليه الصلاة والسلام يصوم، فيواصل الليل بالنهار، ثلاثة أيام وأربعة أيام، لا يأكل شيئاً فأراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل فقال: ( لا إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني )[7]، لا يطعمه طعاماً، ولا يسقيه شراباً، إنما حكماً ومعارفاً، وفتوحاتٍ ربانية وإلهامات إلهية.
عائض بن عبدالله القرني
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الناس: إن الأمم والشعوب والدول، تفتخر بعظمائها، وتبني بهم أمجادها وتؤسس التاريخ لمنقذيها، وما علمنا، ولا عرفنا، ولا رأينا، رجلاً أسدى لبني جنسه ولأمته من المجد والعطاء والتاريخ، أعظم ولا أجل من رسول الله .
أما ترى ما يفعل الإنجليز والألمان والفرنسيون والأمريكان بعظمائهم.
وعظماؤهم سفكة للدماء، ملاحدة وخونة، بنوا مجدهم على الجماجم والأشلاء، وسقوا زروع تاريخهم بدماء الضحايا والأبرياء، قتلوا الأطفال والنساء، وحاربوا الفضيلة والشرف، ونشروا العهر والرذيلة بين الشعوب.
فحرام حرام، أن يذكر رسول الله، عليه الصلاة والسلام، مع هؤلاء، أو أن يجعل في مصافّهم، أو يقارن بهم، إنه صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، إنه نبي وكفى، إنه رسول فحسب، تلقى تعاليمه من ربه تبارك وتعالى.
والعجيب أنهم من تعظيمهم لهؤلاء الجبناء، الأذلاء، الرخصاء، يُذرون على نبينا عليه الصلاة والسلام.
غريب هذا الأمر، وعجيب هذا التصرف.
إذا عيّر الطائي بالبخل مادرٌ وعيـّر قسًّا بالفهاهة باقـل
وقال السها للشمس أنت كسيفة وقال الدجا للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويانفس جدي إن دهرك هازل الرسول عليه الصلاة والسلام هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه.
واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته ، كيف عاش عبداً، ما هي عبادته لله، كيف كانت صلاته، كيف كان يصوم، ما هو ذكره لله تبارك وتعالى.
الله عز وجل يمدحه في القرآن بالعبودية في أشرف أحواله ، فيقول عنه: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [لاسراء:1].
ويقول عنه: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾[الجـن:19].
ويقول أيضاً: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ [الفرقان:1].
محمد أعبد الناس لله، وأشدهم له خشية.
يقول الله له: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾[الحجر:99]. يعني الموت لا كما قال المنحرفون: اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة، وقد كذبوا على الله إنما المعنى: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الحل والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر حتى يأتيك الموت ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿1﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴿2﴾ نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ﴿3﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴿4﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً ﴾ [المزمل:1-5].
يا أيها المزمل قم لإصلاح الإنسان، يا أيها المدثر في لحافه: قم لهداية البشرية، يا أيها المزمل في فراشه: قم لهداية الإنسانية، فقام عليه الصلاة والسلام، ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة وماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره، فما نام ولا فتر ولا هدأ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن والهم والغم، فيقول: ( أرحنا بها يا بلال )[1] أي بالصلاة. تأتيه المصائب والكوارث فيقول: ( أرحنا بها يا بلال ) تأتيه الفواجع والزلازل فيقول: ( أرحنا بها يا بلال ) يموت أبناؤه وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه، فيقول : ( أرحنا بها يا بلال ).
يقول : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) [2] ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر، كبر بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يده على صدره فيكون الله أعظم من كل شيء لأنه الكبير - سبحانه وتعالى - فيقف متواضعاً متبتلاً متخشعاً متذللاً أمام الواحد الأحد.
يقول عبد الله بن الشخير: (دخلت على رسول الله فوجدته يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء )[3] والمرجل: القدر إذا استجمع غلياناً.
ويقول حذيفة: قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، قال: فدخلت معه في الصلاة فافتتح سورة البقرة، فقلت يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى[4]، ما يقارب الست ساعات أو السبع ساعات مع الفقر والجوع، ومع الجهاد في النهار، ومع الزهد، ومع الدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، ومع شئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله، تفطرت قدماه، وتشققت رجلاه فتقول له زوجته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله كيف تفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ( أفلا أكون عبداً شكور )[5].
يقول عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله ، فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه[6].
الرسول عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله.
يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ القارئ منا خمسين آية، هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي إلى الصباح، حتى تسقط بردته من على كتفيه، كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب باب إلى الله.
ونحن أيها المسلمون: في سعد ورغد، في عيش رضي، في أمن وصحة، الموائد الشهية، الفلل البهية، المراكب الوطية، ومع ذلك نترك صلاة الجماعة إلا من رحم الله، أيُّ أمة نحن، أي قلوب نحملها، إذا لم نقم بالصلوات الخمس، كما أرادها الله عز وجل.
قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: مررت على رسول الله قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي هذه الليلة آيات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها قلت: ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ ﴿ 190﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران:190-191].
كيف ترقى رقيك الأولياء يا سماء ما طاولتها سماءُ
إنما مثلوا صفاتك للناس كمـا مثل النجوم المـاءُ
حن جذع إليك وهو جماد فعجيب أن يجمد الأحيـاءُ
كان عليه الصلاة والسلام يصوم، فيواصل الليل بالنهار، ثلاثة أيام وأربعة أيام، لا يأكل شيئاً فأراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل فقال: ( لا إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني )[7]، لا يطعمه طعاماً، ولا يسقيه شراباً، إنما حكماً ومعارفاً، وفتوحاتٍ ربانية وإلهامات إلهية.