المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قواعد نبويـة د. عمر بن عبـد الله المقبل ..


نور
12-01-2012, 03:15 PM
"قواعد نبويـة [10/50] د. عمر بن عبـد الله المقبل ..


القاعدة النبويـــــــــــــــــــ ـــــة التاسعة



"لا ضرر ولا ضــــــــــــــــــــــــ ــرار"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من آتاه ربه جوامع الكلم في أقواله، وعظيم الأخلاق في أفعاله، أما بعد:
فمرحباً بكم أيها القراء الكرام في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "قواعد نبوية" والتي نتذاكر فيها قاعدة من القواعد النبوية، وجوامع الكلم المصطفوية، التي دلّ عليها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور:
"لا ضرر ولا ضرار".
وقبل أن ندخل في بيان شيء من دلالات هذه القاعدة؛ يحسن أن أشير إلى أن هذا الحديث الذي اشتملت عليه هذه القاعدة لا تخلو طريق من طرقه التي روي بها من مقال عند أئمة الحديث - رحمهم الله - إلا أن له طرقاً كثيرة جعلت بعض الحفاظ يجزم بقوته وثبوته.
قال الحافظ ابن رجب - رحمــــــــــــــــــــــ ـه الله -:
"وقد ذكر الشيخ رحمه الله - يعني النووي - أن بعض طرقه تُقَوى ببعض، وهو كما قال، وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث، وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم، واحتجوا به، وقول أبي داود: إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها؛ يُشعِر بكونه غير ضعيف، والله أعلم" (1)ا.ه- كلامه رحمه الله.
إذا تبين هذا، فليعلم أن هذا الحديث قاعدةٌ من القواعد الجليلة الجامعة لكل خير، الناهية عن كل شر؛ لهذا يعتبره الفقهاء من أهم قواعد الدين، حتى قال أبو داود - كما سبق -: "الفقه يدور على خمسة أحاديث – ومنها حديث -: "ولا ضرر ولا ضرار" (2).
وقال ابن عبــــــــــــــــدالبر: "وهو لفظ عام متصرف في أكثر أمور الدنيا، ولا يكاد أن يحاط بوصفه، إلا أن الفقهاء ينزعون به في أشياء مختلفة" (3).
فجدير بالمسلم أن يتعلم هذه القاعدة، ويعرف ما تيسر له من تطبيقاتها؛ ليفيد منها في حياته العلمية والعملية.
أيها الإخـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــوة:
ثمة سؤال يُطْرحُ ههنا: ما معنى الضرر والضرار المنفيين ههنا؟ وهل هما شيء واحد أم بينهما فرق؟
والجواب: أن من أهل العلم من قال: إنه لا فرق بينهما، ومنهم - وهو الأشهر وعليه الأكثر - أن بينهما فرقاً: فقيل: إن الضرر هو الاسم، والضرار الفعل، فالمعنى: أن الضرر نفسه منتف في الشرع، وإدخال الضرر بغير حق كذلك.
وقيل: الضرر: أن يدخل على غيره ضرراً بما ينتفع هو به، والضرار: أن يدخل على غيره ضرراً بلا منفعة له به، كمن منع ما لا يضره ويتضرر به الممنوع، ورجح هذا القول طائفة، منهم ابن عبد البر، وابن الصلاح.
وقيل: الضرر أن يضر بمن لا يضره - أي يقع الضرر منه ابتداءً -، وأما الضرار: فبأن يضر بمن قد أضر به على وجه غير جائز. وبكل حال فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الضرر والضرار بغير حق (4).
أيها الإخـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــوة:
ولما كانت هذه القاعدة بالمحل الذي نوّه به الأئمة - رحمهم الله - كان على طالب العلم أن يجتهد في فهم معناها جيداً، والنظر في بعض تطبيقاتها.
والمطالع في كتب الفقهاء يجد أن هذه القاعدة حاضرة الاستدلال في أبواب كثيرة من الفقه؛ في البيوع، والرهون، والأنكحة، والطب، والجنايات، والقصاص؛ إذ مبناها على دفع ومنع سائر أنواع الضرر إلا بدليل؛ لأن قوله: "لا ضرر" نكرة في سياق النفي؛ فتعم جميع أنواع الضرر، والمراد بها المُضارَّة المقصودة والمتعمدة.
وأما إذا فعل الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به - لا لقصد الإضرار - فليس بمضار.
وبكلِّ حال فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّما نفى الضرر والضرار بغير حق.
فأما إدخالُ الضرر على أحدٍ بحق - إمَّا لكونه تعدَّى حدودَ الله، فيعاقَبُ بقدر جريمته، أو كونه ظلمَ غيره، فيطلب المظلومُ مقابلتَه بالعدلِ - فهذا غير مرادٍ قطعاً، وإنما المرادُ: إلحاقُ الضرر بغيرِ حقٍّ ، وهذا على نوعين:
أحدهما: أنْ لا يكونَ في ذلك غرضٌ سوى الضرر بذلك الغير؛ فهذا لا ريبَ في قُبحه وتحريمه.
والنوع الثاني: أن يكون له غرض آخر صحيح، مثل أن يتصرف في ملكه بما فيه مصلحة له، فيتعدى ذلك إلى ضرر غيره، أو يمنع غيره من الانتفاع بملكه توفيراً له، فيتضرر الممنوع بذلك، ففي هذه الصورة تفاصيل ليس هذا موضع ذكرها" (5).
والحاصل: "أن الضرار محرم، لا يجوز تمكين صاحبه منه، فعلى الإنسان أن يكون مقصودُه نفع الخلق، والإحسان إليهم مطلقاً، وهذا هو الرحمة التي بُعث بها محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ". (6)
أيها الإخـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــوة الكرام:
ومن تأمل في الواقع،؛ فإنه سيجد صوراً من خرق هذه القاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، ولعلنا نذكر بعض هذه الصور، ليتوقاها من وقع فيها، ويحذر من الوقوع فيها من سلمه الله منها:


1 - الإضرار بالوصية: وهذه الصورة مما نص القرآن على النهي عنها، قال الله تعالى:"مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً"[النساء: 12] قال الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: الإضرار في الوصية من الكبائر، ثم تلا هذه الآية.
ومن صور الإضـــــــــــــــــــــ ـــــرار في الوصية:
- أن يخص بعض الورثة بزيادة على فرضه الذي فرضه الله له، فيتضرر بقية الورثة بتخصيصه.
- وتارة بأن يوصي لأجنبي بزيادة على الثلث، فتنقص حقوق الورثة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الثلث والثلث كثير" .
وعلى الإنسان أن يتقي الله في هذا الأمر، ولا يحملنه حب أحد الورثة أو بغضه على انتقاص حقه، فإن الله تعالى يقول:"وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْـــــــــــــــــــدِ لُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُـــــــــــــــــ ــــــــــــونَ"[المائدة: 8].
وليتأمل المؤمن ختم هذه الآية الكريمة بقوله:"إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" فلا ينفع المضار أن يتحايل، أو يراوغ، فإن الله مطلع على قصده ومراده، ولينظر من يجور في وصيته أو يضار فيها في لحظة قدومه على الله، وأن الله سيحاسبه، وعليه أن يسأل نفسه: ماذا لو كان والده أو مورثه قصد الإضرار به، هل يرضى بذلك؟ فليثق أن الورثة لا يرضون، وليتذكر هذا المضار في وصيته - أيضاً - أن من أسرع الآثار السيئة لهذا الجور: النزاع بين الورثة، والتفرق والتشتت، مما يجعل ورثته شماتةً للأعداء.
وأعرف شخصياً إخوة بنين وبنات، وصلت الخصومة بينهم إلى المحاكم بسبب جور الوالد وعدم عدله، فصاروا شماتة للناس، نسأل الله العافية.
2 - ومن صور الإضرار التي يقع فيها بعض الناس: الرجعة في النكاح، قال تعالى:"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ"
[البقرة: 231].
فدل ذلك على أن من كان قصده بالرجعة المضارة، فإنه آثم بذلك، وهذا كما كانوا في أول الإسلام قبل حصر الطلاق في ثلاث يطلق الرجل امرأته، ثم يتركها حتى يقارب انقضاء عدتها، ثم يراجعها، ثم يطلقها، ويفعل ذلك أبداً بغير نهاية، فيدع المرأة لا مطلقة ولا ممسكة، فأبطل الله ذلك، وحصر الطلاق في ثلاث مرات" (7).
وإنني أذكّر إخواني ممن قد يقع في ذلك - بعد تخويفه بعقوبة الله - أن يسأل نفسه: هل يرضى أن يقع هذا على موليته؟!
وخلاصة ما سبق الحديث فيه عن هذه القاعدة النبوية
"لا ضرر ولا ضـــــــــــــــــــرار"يذكر في الآتي:
1.أنه متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار بما يليق به شرعاً.
2.أن الضرر يزال، كالرد بالعيب، وغيره مما يدخل تحت هذه القاعدة المأخوذة من الحديث.
3.النهي عن المجازاة بأكثر من المثل.
4.منع التصرف في ملك الإنسان بما يتعدى ضرره إلى الغير على غير الوجه المعتاد.
هذا ما تيسر إيراده من معاني هذه القاعدة النبوية العظيمة: "لا ضرر ولا ضرار"، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يرزقنا العدل في أقوالنا وأفعالنا، وأن يجنبنا الظلم دقيقه وجليله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى لقاء قريب – بمشيئــــــــــــــــــــ ـــــة الله -
في قاعدة جديــــــــــــــــــــــ ــــــــدة بإذن الله.
منقول

توتى العمدة
12-01-2012, 03:21 PM
ما شاءالله
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك
وإختيارك القيّم
رزقك المولى الجنة ونعيمها
وجعل ما كُتِبَ في موازين حسناك

ندى الورد
12-02-2012, 12:09 AM
جزاك الله خير الجزاء حبيبتى
وشكرا لطـــرحك الهادف واختيارك القيم
رزقك المولى الجنـــــــــــــة ونعيمها
وجعلـ ما كتب في موازين حســــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة وأجزل لك العطـــاء
الله يطيـــــكى العــافية
دمتى بالف خير
لكى أرق التحيـا

طارق سرور
12-02-2012, 12:53 PM
طرح رائع وقيم ونافع بإذن لله

جزاك الله خيرا عنه اختى نووووور