المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسطورة القارة المفقودة ..


مرمر
01-02-2008, 11:48 PM
كيفكم شباب
أتمنى أن تكونو بصحة وعافية
من منا لم يسمع عن أسطورة ( أطلانطس )؟!!
تلك القارة التي يحكى أنها كانت تقبع في وسط المحيط الأطلسي..
ثم غرقت في وسط البحر..
إن معظمنا _إن لم يكن كلنا_ قد سمع عنها..


في الأفلام الأمريكية على الأقل..


فالسؤال المحير ..
هل كان لأطلانطس وجود حقا؟
وهل صحيح أنها كانت تحوي حضارة عريقة؟!!


قبل أن تستعجل بالإجابة..
لنقرأ معا هذه المادة العلمية والتي قرأتها في أحد الكتب ..
فأحببت أن تشاركوني فيها ..
وسأجعل الموضوع على شكل فصول..
حتى ننتهي منها كلها ..
فلنبدأ..
على بركة الله..



الفصل الأول : المحاورة
غابت شمس الصيف أو كادت في ذلك اليوم من أيام عام 1968م ، وبهر مظهرها الفاتن طيارين أمريكيين ، كانا يحلقان فوق جزر ( البهاما ) ، حتى إن أحدهما هتف مشدوها :
- يا للروعة ! أظنني لن أمل هذا المشهد أبدا.
غمغم زميله ، وهو يراقب المشهد الساحر :
- صدقني يا رجل .. ما من مخلوق حي ، ينبض في جسده عرق واحد ، يمكنه أن يمل غروب الشمس ، فالمدهش أن هذا المشهد , على الرغم من تكراره يوميا , يختلف في كل مرة عن الأخرى ، حتى إن ..
بتر عبارته بغتة ، مع شهقة مكتومة ، وهو يحدق ذاهلا في بقعة ما ، بالقرب من الشاطئ , فهتف به زميله في قلق:
- ماذا حدث؟! هل أصابك مكروه؟!
كاد صوت الطيار ينفجر مع انفعاله الجارف , وهو يهتف :
- انظر .. هناك .. عند الشمال الغربي .. بالقرب من الشاطئ .. يا إلهي ! إنها .. إنها ..
بدا من الواضح أن انفعاله يمنعه من التعبير عما يدور في أعماقه بوضوح ، بل ويحبس الكلمات في حلقه أيضا , فتمتم زميله ، وهو يدير عينيه إلى حيث أشار :
- ما الذي يمكن أن ..
بتر عبارته بدوره , واكتظ كيانه كله بانفعال مماثل , وهو يحدق في بقايا جزرية , طفت على سطح المحيط بالقرب من الشاطئ ، حاملة بعض أطلال قديمة متآكلة , تشبه إلى حد ما المعابد الرومانية القديمة , واحتبست الكلمات في حلقه للحظات ، قبل أن يهتف بصوت مختنق :
- هذا لم يكن هنا أمس.
أجابه زميله وهو ينخفض بطائرته , ليدور حول البقايا والأطلال , وذك الانفعال لم يفارقه بعد :
- بالتأكيد .. لقد برز صباح اليوم .. أو مساء أمس على أقصى تقدير .
هتف الأول :
- ترى ما الذي يمكن أن يكونه هذا؟!
بذل زميله جهدا حقيقيا ؛ ليجيب السؤال , إلا أنه لم يستطع سوى أن ينطق بكلمة واحدة مختنقة :
- النبوءة.
سأله الطيار بمنتهى الدهشة :
- أية نبوءة؟!
أجابه زميله وهما يواصلان الدوران بطائرتيهما حول الأطلال التي بدت وكأنها توشك على الانهيار , بعد أن قضت مئات السنين , تحت سطح المحيط :
- نبوءة ( كايس ) .. لقد قال أنها ستظهر هنا.
هتف الطيار وقد تضاعفت دهشته :
- قال أنها ستظهر هنا؟! وما هذه بالضبط؟!
أجابه زميله في انفعال :
- الأسطورة.
ثم ارتجف صوته , مع تضاعف انفعاله , وهو يضيف :
- أسطورة ( أطلانطس ).
وكانت لحظة تاريخية..
بحق..
* * * * *
بدأ الأمر كله بمحاورة ..
محاورة سجلها لنا التاريخ قبل أربعة وعشرين قرنا من الزمان ..
ففي القرن الرابع قبل الميلاد , وحوالي عام 335 ق.م ، ذكر الفيلسوف الإغريقي الأشهر قصة ( أطلانطس ) , في اثنتين من محاوراته الشهيرة , وهما محاورة ( تيماوس ) , ومحاورة ( كريتياس )..
وفي محاوراته ، جمع ( أفلاطون ) بين أربعة , وهم : الفلكي الإيطالي ( تيماوس ) والشاعر المؤرخ ( كريتياس ) , والقائد العسكري ( هوموقراطيس ) , أما الشخص الرابع فكان ( أفلاطون ) نفسه ..


ولقد جمع ( أفلاطون ) _ في محاوراته _ الأربعة في منزل ( كريتياس ) , حيث دارت المحاورات بينهم , حول (أطلانطس) , التي أشار إليها ( هوموقراطيس ) , باعتبارها جزء من العالم القديم المندثر , وهنا راح ( كريتياس ) يروي القصة التي سمعها من أجداده , على لسان جده الكبر ( صولون ) ..


و ( صولون ) هذا شخص حقيقي , ومشرع أثيني كبير , زار ( مصر ) بالفعل عام 590 ق.م. , وروي أنه قد سمع من كهنة ( سايس ), وهي مدينة في شمال دلتا ( مصر ) قصة عن إمبراطورية أثينية عظيمة , سادت حوالي عام 9600 ق.م , وعاصرتها , في الزمن نفسه , إمبراطورية عظيمة أخرى , تسمى ( أطلانطس ) , تقع خلف أعمدة هرقل , أو( مضيق جبل طارق ) في زمننا هذا ..


وقبل أن يتبادر إلى الأذهان أن كهنة قدماء المصريين كانوا يقصدون قارة ( أمريكا ) بروايتهم هذه , يتابع (صولون) قائلا : إن تلك القارة كانت أكبر من شمال ( إفريقيا ) و ( آسيا الصغرى ) معا , وخلفها كنت هناك مجموعة من الجزر , تنتهي بقارة عظيمة أخرى ..


وفي قصتهم , قال كهنة المصريين القدامى , أن سكان ( أطلانطس ) كانوا يعيشون في سلام , وكانت قارتهم أشبه بجنة الله في الأرض , حتى سرت فيهم روح العدوان ورغبة الاستعمار , فانطلقوا يستولون على شمال إفريقيا , حتى حدود ( مصر ) , وجنوب أوروبا حتى ( اليونان ) , وكادوا يسيطرون على العالم أجمع , لولا أن تصدت لهم (أثينا) , وانقضت عليهم بأسلحة رهيبة ..


وفي القصة ، حدث دمار وخراب هائل , خلال ليلة واحدة , وتفجرت الزلازل والفيضانات , التي دفنت مقاتلي (أثينا) تحت الأرض , وأغرقت قارة ( أطلانطس ) كلها في قلب المحيط ..


القصة لم تسجلها أوراق البردي في مصر القديمة , ولم تحملها جدران المعابد الفرعونية ، ولكن سجلتها فقط محاورة ( كريتياس ) , التي كتبها ( أفلاطون ) ؛ ليضعنا أمام أكبر لغز حضاري في التاريخ ..


ترى هل نقل الفيلسوف الإغريقي المحاورة بأمانة , أم أن الأمر كله كان مجرد سر قصصي درامي أنيق , سجله (أفلاطون) في شكل محاورة ، حتى يطرح من خلاله أفكاره ، وتصوراته , ورؤيته للمدينة الفاضلة بشكل عام؟!
أربعة وعشرون قرنا من الزمان مرت ، دون أن يجيب مخلوق واحد هذا السؤال بشكل قاطع!!


وعلى الرغم من هذا , فحتى لحظة كتابة هذه السطور , ما زال هناك باحثين وعلماء آثار مغامرين يبذلون حياتهم نفسها , في سبيل العثور على دليل , يمكن أن يثبت وجود قارة ( أطلانطس) يوما..


أو حتى يؤكد جزءا من قصتها ..


أو أسطورتها ..


وأسطورة ( أطلانطس ) , كما جاءت في المحاورتين ، تبدأ منذ نشأة الحضارة على الأرض , عندما تم تقسيمها بين الآلهة , فكان قارة ( أطلانطس ) من نصيب ( بوسيدون ) إله البحر والزلازل.


وكما عودتنا الأساطير القديمة , يقع ( بوسيدون ) في غرام ( كليتو ) البشرية , التي تعيش في ( أطلانطس ) , ويقرر الاستئثار بها ؛ لذا فهو يحيط القارة بعدة حلقات متتالية من الأرض والماء , فيعزل القارة تماما ولكنه يزودها في الوقت ذاته بالغذاء والخير العظيم , الذي يخرج بوفرة من الأرض , ويفجر فيها نبعين من الماء , أحدهما بارد , والآخر ساخن..


ووفقا للأسطورة , أنجب ( بوسيدون ) و ( كليتو ) خمسة أزواج من التوائم الذكور , تم تقسيم حكم القارة بينهم , في ( اتحاد ملوك ) يرأسه الابن الأكبر ( أطلس ) والذي سميت القارة باسمه.


وعن لسان ( كريتياس ) وصف ( أفلاطون ) معابد وقصورا عظيمة , تزخر بها ( أطلانطس ) , ومعبد ( بوسيدون ) المغطى بالذهب الخالص , والتماثيل الهائلة , والعمارات المدهشة ..


الوصف جعل ( أطلانطس ) جنة موعودة على الأرض , ثم انتهى بدمارها الكامل الشامل , وغرقها في أعماق المحيط , الذي يحمل إلى يومنا هذا اسم المحيط الأطلسي..


وهكذا تكون الأساطير دوما ..
رائعة .. مدهشة .. خلابة ..


وكان يمكن أن يظل الأمر مجرد أسطورة , وقصة أنيقة جميلة , تتوارثها الأجيال , لولا أن حدث في العالم فجأة تطور جديد ..
تطور خطــــير..
للغاية ..

الفصل الثاني : حقيقة أم خيال
منذ تسعة وعشرين قرنا من الزمان , وحوالي عام 850 ق.م ، أي قبل ( أفلاطون ) بخمسمائة عام ، كتب الشاعر العظيم ( هوميروس ) ملحمتين عظيمتين ، هما ( الإلياذة ) و ( الأوديسة ) ..
وانبهرت الدنيا بما كتبه ( هوميروس ) , وانشغل الأدباء عبر العصور بخياله الجامح , وانهمك الدارسون لقرون وقرون ، في تحليل أفكاره وعباراته , وتصوراته البديعة المرهفة , ويتفاعلون بعقولهم وقلوبهم مع أسطورة المدينة الخيالية ( طروادة ) ، وذلك النسيج المبدع من الأفكار , الذي أحاط به ( هوميروس ) قصة حربها , بخيال جامح مثير ..

ومع مرور السنوات والقرون ، وقر في العقول والقلوب والأذهان أن ( طروادة ) هذه مكان خيالي , وأن حربها ليست سوى إبداع شاعر عظيم ، و ...

وفجأة , في عام 1871م ، جاء الأثري الألماني ( هينديش شليمان ) ؛ ليهدم كل هذا رأسا على عقب ، ويباغت العالم بحقيقة جديدة ..

حقيقة ( طروادة ) ..

ففي ذلك العام , وفي منطقة ( هيسارليك ) في شمال غرب ( تركيا ) , وفي نفس الموقع الذي حدده ( هوميروس ) في ملحمتيه الشهيرتين , كشف ( شليمان ) بقايا ( طروادة ) ..

كان الكل يسخر منه , عندما راح يبحث عن مدينة خيالية , حاملا معوله في يد , وملحمة ( هوميروس ) في اليد الأخرى , واتهموه بالحماقة والجنون , لأنه يبذل كل هذا الجهد , استنادا إلى ملحمتين أدبيتين , وليس إلى مراجع علمية أو تاريخية مؤكدة ..

ولكن ( شليمان ) فعلها , وعثر على ( طروادة ) , وانتشلها من بين الأنقاض , ومن تحت المال والركام ..

وهنا خرست كل الألسنة المعارضة والساخرة ..

وتحدثت ألسنة أخرى ..

ألسنة راحت تتساءل : لو أن ( طروادة ) , التي تعامل معها الكل باعتبارها خيال محض ، قد برزت من تحت الرمال، كحقيقة واقعية , تتحدى كل معارض , فماذا عن ( أطلانطس ) ؟!

هل يمكن أن تكون بدوها حقيقة؟!

هل؟!

هذا السؤال طرحه جمع هائل من العلماء , ومن الباحثين والدارسين ، والمهتمين بتاريخ وأسطورة ( أطلانطس ), وعلى رأسهم ( إيجنانيوس دونيللي ) ..

و ( دونيللي ) هذا شاب حاذق , ولد في ( فيلادلفيا ) الأمريكية ، عام 1831م ، وأثبت نشاطا وذكاء غير عاديين , طوال فترات صباه وشبابه ، حتى إنه استطاع أن ينضم إلى رابطة المحامين ، في الثانية والعشرين من عمره ، وهذا ما لم يكن يبلغه المجتهد حينذاك , قبل الثلاثين على الأقل ..

وفي الثامنة والعشرين من عمره , وإثر اهتمامه بالسياسة وشئونها ، تم انتخاب ( دونيللي ) كحاكم لولاية (مينوسيتا) ، وبعدها بأربع سنوات ، أصبح عضوا في ( الكونجرس ) ، الذي قضى فيه دورتين كاملتين ، مدتهما ثماني سنوات ، اشتهر خلالها بأنه خطيب مفوه ، ونائب محترم , ومحاور قادر على جذب انتباه واهتمام وتقدير واحترام كل من يتعامل معه ..

وعلى الرغم من كل هذا , كان ( دونيللي ) يعاني من وحدة شديدة ، بعد وفاة زوجته وانتقاله إلى ( واشنطن ) فراح يقضي كل وقته في القراءة , ويلتهم كتب مكتبة ( الكونجرس ) التهاما ..

ومن بين عشرات الموضوعات التي قرأها ودرسها ( دونيللي ) جذب انتباهه , وخلب لبه , وأشعل عقله موضوع واحد ..

( أطلانطس ) ..

وبنهم لا مثيل له , راح ( دونيللي ) يقرأ كل ما كتب عن ( أطلانطس ) في عشرات ، بل مئات الكتب ، ثم راح يجري دراساته الخاصة حولها , واهتم بشدة بكشف ( شليمان ) لبقايا ( طروادة ) ثم جمع كل هذا , بعد سنوات من العزلة و الدراسة , ليصدر كتابه ( أطلانطس وعالم ما قبل الطوفان ) في صيف عام 1882م ..

وفي صدوره ؛ ولأنه يحوي خلاصة عمر بأكمله , حقق هذا الكتاب شهرة واسعة ، ونجاحا منقطع النظير ، مما شجع ( دونيللي ) على أن يصدر ، في العام التالي مباشرة ، كتابه الثاني ( راجناروك .. عصر النار والدمار ) الذي ناقش وفند الكوارث الطبيعية ، التي يمكن أن تكون السبب , في دمار وغرق ( أطلانطس ) ..

وتعددت طبعات كتب ( دونيللي ) , وأيقظت عشرات التساؤلات في الرؤوس , وأشعلت عشرات الاستفسارات والاقتراحات ، خاصة وأنه قد ربط ما بين حضارات العالمين القديم والجديد ، وأثبت على _ نحو نظري _ أنه كان هناك حتما اتصال ما بين ( أوروبا ) والأمريكتين ، يتم عبر قارة وسيطة , هي ( أطلانطس ) ..

وف نظريته , افترض ( دونيللي ) أن ( أطلانطس ) كانت لها مستعمرات عديدة ، خارج حدودها ، وأن أقدمها هي (مصر) ، التي أكدت أن حضارتها هي صورة طبق الأصل ، من حارة ( أطلانطس ) القديمة ..

فقد كان يتصور ( دونيللي ) أن الحضارة المصرية القديمة قد ظهرت فجأة ، وأنها لم تمر بمراحل التطور المعتادة لكل حضارة ، وأن علومها قد نبتت من منبع مجهول ، مما جعله يفترض أن ذلك المنبه هو ( أطلانطس ) نفسها ..

إذن ، ففي رأيه نظريته ، كانت ( أطلانطس ) هي أم الحضارات ، وزعيمة العالم القديم _ إن صح القول _ والأصل الذي انتقلت أفرعه فيما بعد ، إلى كل مكان في العالم ..

وعلى الغم من أن أساطير مختلف الشعوب , تتفق فيما بينها على أن هناك حضارة قديمة فائقة , تفوقت يوما على كل من حولها , إلا أن ( أفلاطون ) نفسه ، في محاورتيه الشهيرتين ، لم يزعم أن ( أطلانطس ) هي أصل كل الحضارات , بل ولم يشر إلى ذلك حتى ..

ولذا فقد قوبلت نظرية ( دونيللي ) بتأييد شديد , من عدة جهات , وبهجوم عنيف للغاية من جهات أخرى ..

وكما يحدث لكل مفكر , يتجاوز الحدود المعتادة في عصره , تحول ( دونيللي ) إلى قديس في نظر البعض ، وإلى شيطان في نظر البعض الآخر ، إلا أن هذا لم يمنع الجانبين من الاعتراف , بأنه أول من وضع قواعد البحث عن قارة ( أطلانطس ) وأسطورتها المفقودة ، وأول من أسس ما يعرف باسم ( الأطلانطية ) ( Atlantiology ) أو العلم الذي يبحث أسس الحضارة الأطلانطية القديمة , ودلائل واحتمالات وجودها ، وهو علم معترف به ، في كافة أنحاء العالم المتحضر ..

وفي الوقت الذي احتدمت فيه المناقشات والمحاورات ، حول ( دونيللي ) ونظريته ، والذي بدأ فيه بعض الباحثين يعلنون أخطاءها ، ونقاط الضعف والغموض فيها ، وينشرون نظرياتهم المناهضة لها ، والحقائق العلمية المرتبطة بها ، فاجأ الأثري البريطاني سير ( آرثر إيفانز ) العالم كله بحقيقة جديدة , رجته من الأعماق ..

فمنذ سنوات طوال ، نقل الأثريون والمؤرخون أسطورة قديمة ، تدور في جزيرة ( كريت ) حول حب الملك (مينوس) ابن ( زيوس ) كبير الآلهة ، من بشرية تدعى ( أوروبا ) , وحول إنسان آلي من البرونز ، له جسم آدمي , ورأس ثور , كان يجوب شواطئ ( كريت ) الصخرية ، ليبعد عنها الغزاة , ويلقي على سفنهم الصخور الضخمة ..

وفي الوقت نفسه , كان هناك وحش آخر , يدعى ( المينوتورس ) ، له أيضا جسد إنسان ورأس ثور , سجنه الملك ( مينوس ) في قصر التيه ، أو ( اللابيرنث ) حيث يتم تقديم سبعة من خيرة شباب ( اليونان ) وسبع من خيرة بناتها كقربان له كل عام ، حتى جاء الفارس المغوار ( ثيسيوس ) ، فتحداه , وذبحه , وحفظ دماء شباب وبنات اليونان ..

أسطورة مبهرة مثيرة ، ككل الأساطير القديمة ، خلبت الألباب ، وحبست الأنفاس ، وشغلت العقول لقرون وقرون ، باعتبارها أيضا قريحة عقول متفوقة ، ونتاج خيال جامح , و ...

وفجأة ، نقل سير ( إيفانز ) كل هذا فجأة إلى عالم الواقع ..

ففي عام 1900م ، وبقيادة ( إيفانز ) ظهرت أطلال وآثار الحضارة المينوية القديمة في ( كريت ) ..

ذلك الكشف أثبت أن أهل ( كريت ) كانوا سادة عظام ، وتجارا ومستعمرين ، أخضعوا جيرانهم ، وحصلوا منهم على الجزية ..

وأثبت أيضا أن قصة ( مينوس ) لم تكن مجرد أسطورة ..

لقد كانت حقيقة ..

حقيقة تقلب كل الحسابات رأسا على عقب ..

وخصوصا حسابات الباحثين عن ( أطلانطس ) ..

وقبل أن يلتقط الناس أنفاسهم , ويستوعبوا كشف سير ( آرثر إيفانز ) المدهش ، كانت في انتظارهم مفاجأة جديدة..

مفاجأة مدهشة ..
الفصل الثالث : حضارة الرمال

في عام 1861م , كشف علماء الآثار أطلال قصر الملك ( آشور بانيبال ) , حاكم مملكة ( آشور ) , في القرن السابع قبل الميلاد ، وبين تلك الأطلال ، عثروا على أعظم كشف أثري وثقافي في المنطقة ..

عثروا على مكتبة كاملة سليمة تحوي آلاف الألواح الطينية , المكتوبة بأسلوب الكتابة المسمارية القديمة , والتي تضم ثروة هائلة من المعلومات , عن مختلف الأمور , وعلى رأسها قوائم وسجلات كاملة لأسماء المدن والأقاليم , والآلهة التي كانت تعبد أيامها , هذا إلى جانب مئات القصائد , وعشرات الأساطير , والقواميس أيضا ..

قواميس باللغة الآشورية ، وبلغات أقدم منها ، كالبابلية والسومرية , وقواميس تضم كلمات أشورية ومعانيها بلغات مختلفة , بل وطرق نطقها أيضا..

خمسة وعشرون ألفا , من الألواح المعرفية , تم نقلها جميعا إلى المتحف البريطاني في ( لندن ) , لوضعها تحت بصر ويد الباحثين , وعلماء اللغات القديمة ..

ومن بين عشرات العلماء , الذين انبهروا بهذه الذخيرة الأثرية المدهشة ، والذين قضوا عمرهم كله ، في دراسة الألواح والوثائق وترجمتها ، كان العالم البريطاني ( راولونسون ) , الذي عثر على اسم تردد أكثر من مرة فيها , وهو اسم ( ديلمون ) ..

لم يكن الاسم جديدا أو غريبا ، فقد تم العثور عليه قديما , في نقش على جدار قصر الملك ( سرجون الأشوري ) يسجل فتوحات الملك وانتصاراته الحربية ..

وعلى الرغم من أن أحدا سواه ، لم يتوقف كثيرا عند اسم ( ديلمون ) , فقد انشغل ( راولونسون ) به كثيرا , وراح يجمع المعلومات عن حضارة ( ديلمون القديمة ) التي وردت في النقوش القديمة , باعتبارها جنة الله في الأرض ..

ففي ( ديلمون ) كما تقول النقوش والأساطير , كانت الأرض دوما نظيفة ومشرقة , وكل شيء جميل وهادئ , حتى الأسد لا يفترس , والذئب يصادق الحمل , ولا أحد يمرض , أو يتألم , أو يبلغ من العمر عتيا ..

والحسناء في ( ديلمون ) لا تحتاج إلى الاستحمام ؛ لأن كل شي نظيف طاهر , والماء متلألئ , والدموع لا تزور العيون , و ... و ...

وصف أسطوري ومثالي للغاية , جعل ( ديلمون ) تبدو أشبه بأسطورة خيالية ، منها بحقيقة واقعية , يمكن الاقتناع بها , أو تصديق وجودها ..

ولكن ( راولونسون ) نشر أبحاثا تشير إلى العكس تماما , ووحده من دون كافة علماء الآثار , ظل يؤكد أن (ديلمون) حقيقة , بل ورصد طبيعتها , وآلهتها , وعلى رأسهم الإله ( أنزاك ) ..

وكالمعتاد , سخر الكل من أبحاث ( راولونسون ) ودراساته ، واتهمه البعض بالإغراق في الخيال , والغوص في عالم الأحلام ..

ثم جاء عام 1880م ، ليكتشف الرحالة البريطاني ( كابتن ديوراند ) حجرا قديما ، في مسجد في البحرين ، عليه كتابة مسمارية قديمة ، تمت ترجمتها بمنتهى الدقة لتظهر عبارة تقول :
((([ريمانوس] خادم الإله [أنزاك] ، من قبيلة عقير)))

وهنا ، تبدلت كل الآراء , وبدأ السؤال يطرح نفسه بشدة ..

ما حقيقة ( ديلمون ) ؟!

أهي حقيقة أم مجرد أسطورة , وردت في النقوش القديمة ؟؟

وكإجراء طبيعي , كلفت الجمعية الملكية الآسيوية ( راولونسون ) بهمة تحليل تقرير ( ديوراند ) ، والتعليق عليه.. وفي تقرير ، ربط ( راولونسون ) ما بين ( ديلمون ) و( البحرين ) , وأكد أن الأخيرة تنهض على أطلال الأولى ..

وفي عام 1900م ، ومن خلال بعثة أمريكية , من جامعة ( بنسلفانيا ) ، عثر ( هيلير يخت ) رئيس البعثة على خمسة وثلاثين ألف لوح سومري تحوي طنا من آخر المعلومات في ( نيبور ) وهي منطقة ما بين النهرين ، من بينها نص سومري ، يشير إلى ( ديلمون ) باعتبارها أرض العبور ، والمكان الذي تشرق منه الشمس ..

ولقد عاصر ( إيجنايتوس دونيللي ) هذا الكشف العظيم , وربط آخر مقالاته بين ( أطلانطس ) و ( ديلمون ) قبل أن يتوفاه الله تعالى في عام 1901م , تاركا الأمر كله لمن بعده ..

أما حضارة ( ديلمون ) نفسها , فقد انتظرت حتى الحرب العالمية الثانية , عندما أتى ( د. بيتر كورونوال ) لينقب في تلال المدافن في ( البحرين ) ، ويخرج بالأدلة والبراهين القاطعة على أن حضارة ( ديلمون ) لم تكن مجرد أسطورة , بل هي حقيقة , أعلنت عن نفسها , وأبرزت وجودها وآثارها للعالم كله ..

الأساطير إذن , تتحول ، واحدة بعد الأخرى , من عالم الخيال , إلى عالم الواقع والوضوح ..

( طروادة ) ..

و ( المينوتورس ) ..

و ( ديلمون ) ..

فماذا إذن عن ( أطلانطس ) ؟؟

ما الذي يمنع كونها أيا حقيقة واقعية , لقارة حكمت الدنيا يوما , قبل أن تودي بها كارثة رهيبة ، طبيعية أو صناعية ، فتغرق بكل ما فيها , ومن فيها , في أعمق أعماق المحيط الأطلسي ؟!

هذا ما طرحه الميثولجي الأسكتلندي ( لويس سبنس ) في مجلته ، ذات العمر القصير ، والتي حملت اسم الأسطورة نفسها ..

اسم ( أطلانطس ) ..

وعلى الرغم من أن ( سبنس ) هذا لم يحظ بالشهرة الشعبية ، والتي حظي بها نظيره ( دونيللي ) ، إلا أنه كرس جهوده للبحث عن القارة المفقودة , ووضع خمسة كتب حولها ، كان أشهرها ( مشكلة أطلانطس ) ، الذي نشر عام 1924م ، والذي فاز ( سبنس ) بسببه باحترام وترحيب المهتمين بأسطورة ( أطلانطس ) ، حتى إن أحدهم قال عنه : إنه أفضل كتاب نشر عن ( أطلانطس ) في التاريخ ..

وعلى عكس نقاط نظرية ( دونيللي ) الحماسية ، ناقش ( سبنس ) نظريته بأسلوب هادئ ، وعملي ، ودقيق ، شأن أي عالم محترم ؛ ليخلص منها إلى مجموعة من الحقائق ، تتلخص في أنه كانت هناك بالفعل قارة ضخمة ، تحتل منطقة شمال المحيط الأطلسي , وجزءا من جنوبه ، ولقد ظلت موجودة حتى أواخر العصر الميوسيني ، الذي يعود إلى ما يزيد على عشرة ملايين عام ، ثم بدأت تندثر ، نتيجة لعوامل طبيعية ، بركانية وزلزالية متعاقبة ، مما أدى إلى ظهور تكتلات جزرية , أهمها ( أطلانطس ) , بالقرب من مداخل الحر الأبيض المتوسط , وخلف أعمدة (هرقل) و( أنتيليا ) ، القريبة من جزر الهند الغربية الحالية ، وكانت الاتصالات تتم بينهم , عبر سلسة من الجزر الصغيرة..

ووفقا لنظرية ( سبنس ) ، لم تختف ( أطلانطس ) في يوم وليلة , كما قال ( أفلاطون ) , ولكنها ظلت قائمة , حتى العصر البليستوسيني ، قبل خمسة وعشرين ألف سنة ، تعرضت لمجموعة من الكوارث الطبيعية المتعاقبة ، حتى ما يقرب من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد , مما أدى في النهاية إلى غرقها نهائيا , في حين طلت ( أنتيليا ) صامدة لزم أطول , لتترك خلفها بعض البقايا النهائية , وهي جزر ( الأنتيل ) ..

وعلى عكس ( دونيللي ) قال ( سبنس ) إن حضارة ( أطلانطس ) لم تكن متقدمة تماما , وإنما كانت حضارة بدائية إلى حد كبير , إنها لم تعرف أبدا تشكيل أو استخدام المعادن ..

ووفقا لنظريته أيضا ، انتشر سكان ( أطلانطس ) ، بعد غرقها ، في أنحاء العالم القريبة , وكانوا النواة لعدد من الحضارات المعروفة ، مثل حضارة ( مصر ) ، و ( كريت ) , والحضارة الأزيلية في ( أوروبا ) ، والتي ظهرت قبل عشرة آلاف عام قبل الميلاد ، وهو نفس التاريخ _ تقريبا _ الذي حدده ( أفلاطون ) لغرق ( أطلانطس ) ثم عاد (سبنس) ليؤكد أن حضارات ( مصر ) و ( يوكاتان ) و ( بيرو ) قد ظهرت فجأة , ودون مقدمات ، لتنتقل من العصر الحجري إلى عصر التقدم , دون المرور بمراحل وسيطة , مما يوحي بأنها قد اكتسبت حضارتها من جهات أخرى ..

وهنا يقع ( سبنس ) في تناقض عجيب ، ما بين عدم تقدم ( أطلانطس ) , ونقلها علامات الحضارة إلى الآخرين ، ولكنه , على الرغم من هذا ، يحظى حتى هذه اللحظة ، باحترام وتقدير العديدين ، وإن لم يقدم دليلا ماديا واحدا على كل ما قاله ..

ولم يقدم غيره أيضا هذا الدليل المنشود ..

حتى ظهر ( إدجار كايس ) ..

ولقد قدم ( كايس ) الدليل بأسلوب مدهش ، لم يتصوره أو يتخيله أي مخلوق واحد ..

الفصل الرابع : النبوءة


مع بداية العقد الثاني , من القرن العشرين ، تضاعف اهتمام الأمريكيين فجأة بالتنبؤات والمتنبئين , وعادوا ينبشون المكتبات وكتب التاريخ بحثا عن مشاهير المتنبئين القدامى ، وانتشرت صرعة عجيبة لإثبات صحة تنبؤاتهم الماضية , وتأكيد حتمية حدوث تنبؤاتهم التالية ..

وفي مناخ كهذا , من الطبيعي أن ينتشر الجدل والخداع , وأن يظهر عشرات النصابين , الذين يدعون قدرتهم على قراءة الطالع ، وكشف الغيب , والتنبؤ بالأحداث المستقبلية ، خاصة وأن أحدا لا يمكنه معرفة ما سيحدث في المستقبل , مما يجعل الاعتراض على ما يقوله أي نصاب أمرا عسيرا للغاية ..

وفي وسط هذا كله , ظهر ( إدجار كايس ) ..

كان شابا هادئا , على عكس الآخرين , لا يميل إلى الاستعراض والتباهي , ويحمر وجهه خجلا كالعذراء , إذا ما وجه إليه أحدهم عبارة استحسان , أو كلمات إعجاب وتقدير , أو حتى جملة شكر أنيقة ..

وعلى عكس الآخرين أيضا , لم يكن ( كايس ) من ذلك النوع , الذي يمكن أن تلق عليه سؤالا عن أحداث مستقبلية فيضع أصابعه على جبهته , ويدير يده الأخرى في الهواء , ثم يخرج الجواب بأسلوب مسرحي مثير , بل كان يؤكد دوما أن التنبؤات أو الرؤى ، كما كان يحلو له تسميتها , تأتيه وقتما يشاء , وليس عندما يشاء هو ..

ففي لحظات عادية ، كان ( كايس ) يصاب بشرود مباغت ، وتنقلب عيناه داخل محجريهما ، على نحو عجيب , ويدخل فيما يشبه الغيبوبة ، وخلالها يلقي نبوءته , ثم لا يذكر الكثير عنها , عندما يستعيد وعيه بعد قليل ..

لأن ذلك الزمن كان يميل إلى المسرحية والاستعراض , تأخر ( كايس ) عن أقرانه , ولم يحظ بشهرتهم ، أو تلقي عليه الأموال الوفيرة مثلهم ..

ثم إنه أيضا لم يسع لهذا أبدا ..

حتى كانت فترة الثلاثينات , وما صحبها من اختناق اقتصادي رهيب , في الولايات المتحدة الأمريكية ..

أيامها ، وبينما راح البعض ينبش في تنبؤات ( نوستراداموس ) العراف الفرنسي الأشهر , بحثا عن أية نبوءة , تتحدث عن انفراج الأزمة , كشف أحدهم فجأة , أن كل تنبؤات ( كايس ) خلال السنوات العشر الأخيرة ، قد تحققت على نحو مدهش ، وفي نفس التوقيتات التي حددها في نبوءاته ..

وهنا تفجرت الشهرة فجأة ..

ومن كل صوب ..

واستيقظ ( كايس ) ذات صباح ، ليجد الصحفيين يحيطون بمنزله ، ومصابيح تصويرهم تسطع في وجهه ، وعشرات الأسئلة تنهال على أذنيه ..

وفي اليوم التالي ، كان ( كايس ) ضيفا على خمس شبكات إذاعية ، وصوره تملأ الصفحات الأولى ، في خمس وسبعين صحيفة , محلية وعامة ..

وخلال أسبوع واحد ، أصبح ( إدجار كايس ) أشهر عراف ، ليس في ( أمريكا ) وحدها , ولكن في العالم أجمع ..

ولسنا هنا بصدد سرد تنبؤات ( كايس ) , أو التحمس لها ، أو حتى مناقشة صحتها من عدمها ، ولكننا سنتوقف فقط عند نبوءة واحدة ، ترتبط ارتباطا وثيقا مباشرا , بالأسطورة التي نتحدث عنها ..

أسطورة ( أطلانطس ) ..

ففي يونيو عام 1940م ، وفي أثناء واحدة من نوبات غيابه عن الوعي ، الذي جعلته يوصف بأنه وسيط روحاني قوي ، أعلن ( كايس ) أن ( أطلانطس ) حقيقة , وأن أجزاء منها سوف تبرز من قلب المحيط الأطلنطي , في عام 1968م ، أو 1969م , وحدد تلك الأجزاء بأنها من الطرف الغربي للقارة الأسطورية , والمسمى ( بوسيديا ) ، وأنها ستظهر بالقرب من جزر ( البهاما ) ..

وأدهشت النبوءة العديدين , حتى أولئك الذين يؤمنون تماما بموهبة ( كايس ) , إذ لم تكن الظروف تحتمل الحديث عن أمر كهذا , والذي كان يتوقع منه نبوءة حول نهاية الحرب العالمية الثانية , التي بلغت أوجها حينذاك , والتي كادت تلتهم العالم كله ..

الكل كان ينتظر حديثا عن ( ألمانيا ) النازية ، أو ( هتلر ) ، أو حتى عن سقوط ( إنجلترا ) , فإذا به يتحدث عن (أطلانطس) وظهورها المنتظر , بعدما يزيد عن ربع قرن قادم من الزمان ..

وتجاهل معظم الناس نبوءة ( كايس ) حول ( أطلانطس ) ، وألقوها خلف ظهورهم ، وخصوصا مع تنبؤاته التالية ، التي أشارت أن الولايات المتحدة سترغم على دخول الحرب ، وأن ( روسيا ) ستسقط جزئيا في قبضة النازيين ، قبل أن تنهض لتهزمهم شر هزيمة فيما بعد ..

حتى المهتمين بعلوم قارة ( أطلانطس ) لم يتوقفوا كثيرا عند نبوءة ( كايس ) ، باعتبارها عن مستقبليات ، لا سبيل إلى التأكد منها في زمنهم ، أو حتى إيجاد المنطق العلمي لحدوثها بعد ..

ومرت السنوات ، وتحققت نبوءة ( كايس ) الخاصة بالحرب , ودخلت ( أمريكا ) الحرب العالمية الثانية مرغمة ، بعد أن قصف اليابانيون ميناء ( بيرل هاربور ) واجتاح النازيون ( روسيا ) ، ثم اندحروا على أبواب ( موسكو ) وراحوا يتراجعون ، وسط البرد والجليد , ليلقوا هزيمة ساحقة فيما بعد ، دفعت ( هتلر ) نفسه إلى الانتحار ..

ووسط هذا الخضم من الأحداث , نسى الكل نبوءة ( كايس ) الخاصة بقارة ( أطلانطس ) ..

نسوها تماما ..

ولكن عام 1968 جاء ، وظهرت معه تلك البقايا ، التي برزت من قلب المحيط ، بالقرب من جزر ( البهاما ) ..

تماما في نفس الزمان والمكان ، اللذين حددهما ( كايس ) في نبوءته القديمة ، منذ ما يزيد عم ربع القرن ..

ونستطيع أن نؤكد ، دون ذرة واحدة من المبالغة ، أن الخبر قد حبس أنفاس جميع الأمريكيين , والكاميرات تنقل صورة الأبنية الحجرية ، والأطلال القديمة , التي ظهرت بالقرب من سطح الماء ، عند شاطئ جزية ( بايمين ) ، إحدى جزر ( البهاما ) , وتسترجع مع المشاهدين نبوءة ( كايس ) القديمة , ثم تضيف إلى هذا آراء الخبراء وعلماء الآثار, الذين أكدوا أن طرز تلك المباني ، لا تشبه أية طرز حضارية قديمة معروفة ..

وكان هذا يعني أمرا واحدا لا غير ..

أن هذه بالفعل أطلال ( أطلانطس ) القديمة ..

وأن ( أطلانطس ) حقيقة ..

ومن سوء الحظ أن تلك الأطلال لم تبق في موضعها طويلا , إذ سرعان ما غاصت مرة أخرى في أعماق المحيط ، وعلى مسافات لم يكن من الممكن أن يبلغها بشر قط ..

فقط بقيت الصور , وتعليقات الخبراء , ونبوءة ( كايس ) القديمة ، وخيال وعقول الملايين ..

ولأن الوقت لم يسمح للعلماء والدارسين والباحثين بالتيقن من الأمر , والحصول على أدلة مادية , فقد بدؤوا يختلفون حول الأمر , بعد أسبوع واحد من غوص الأطلال ، عائدة إلى أعمق الأعماق ..

البعض استنكر الأمر كله ، وأصر على أنها مجرد مصادفة ، قد يبلغ احتمالها الواحد في كل ستة ملايين ، ولكنه احتمال وارد وقائم , وبخاصة مع غياب أي دليل مادي آخر ..

أما البعض الآخر فقد اقتنع تماما بما حدث ، واعتبر أن هذا أقوى دليل على وجود ( أطلانطس ) في تاريخ الأسطورة كلها ..

وبين أولئك وهؤلاء ، وقف ( تشارلز بيرلتز ) ..

و ( بيرلتز ) هذا بدأ حياته العملية كمترجم ، ثم لم يلبث أن اهتم بالظواهر الغريبة , والأمور غير المحسومة , في عالمنا الضخم , وشغف كثيرا بتعقب كل أمر غامض , والسعي خلف كل لغز عميق , بحثا عما يؤيده أو ينفيه ..

ومن هذا المنطلق , ولأن كتابه عن ( مثلث برمودا ) قد حقق نجاحا مدهشا , ومبيعات لم يحلم بها كاتب مثله , قرر ( بيرلتز ) , الذي هو في الوقت ذاته غواص بارع ، أن يغوص بنفسه , مع فريق من المعاونين ، في منطقة جزر (البهاما) ، بحثا عن أي دليل مادي ، على وجود ( أطلانطس ) ..

ولقد رفض العلماء التعليق على محاولة ( بيرلتز ) ، وتأييدها أو استنكارها , واكتفوا بالصمت ، وبهز الأكتاف في استهتار , وكأنهم خشوا اتخاذ موقف واضح , تثبت التطورات عكسه , فتهتز صورتهم في عيون الآخرين ، وتضيع هيبتهم ومصداقيتهم ، كعلماء لهم وزنهم في مجالاتهم ..

وغاص ( بيرلتز ) وفريقه ..

غاص في منطقة جزر ( البهاما ) , وحولها , و ...

وكانت في انتظارهم مفاجأة مذهلة ..

مفاجأة لا يمكن أن تخطر على عقل مخلوق ..

أي مخلوق ..


أبدا ..


الفصل الخامس : أطلال من الماضي

عندما غاص الكاتب والباحث الشهير ( تشارلز بيرلتز ) ، مع زميله خبير الغوص ( د. مانسوت فالنتين ) ، في أعماق المحيط الأطلسي ، بالقرب من جزر ( البهاما ) وحولها ، كانت غاية طموحاتهما أ؟ن يجدا بعض الصخور ، ذات التركيبات المنتظمة ، التي توحي بأنها من صنع الإنسان ، أو حتى تمثالا صغيرا , يؤكد الخبراء بأنه لا ينتمي إلى حضارة قديمة معروفة !!

ولكن كانت في انتظارهم مفاجأة !

بل مفاجآت !

ففي كتابه الذي حطم الأرقام القياسية للمبيعات ، والذي حمل اسم ( سر أطلانطس ) ، ذكر ( بيرلتز ) كيف أنه وفريقه قد عثروا على الكثير من الأطلال القديمة الغارقة ، بالقرب من جزر ( الكاريبي ) ، وعلى ما يبدو أشبه بمدينة كبيرة ، تستقر في قاع المحيط عند جزيرة ( هاييتي ) ثم كانت لحظة المجد ، عندما عثروا على طريق (بايمين) ..

وطريق ( بايمين ) هذا عبارة عن طريق مرصوف بالأحجار ، شمال جزيرة ( بايمين ) ، بدا موحيا بأن هذه المنطقة كانت يوما ما فوق سطح الماء , قبل أن تغرق ، وتختفي في أعماق المحيط ..

وبالقرب من ذلك الطريق , رصد ( بيرلتز ) وفريقه ما بدا أشبه بجدران ضخمة ، وأقواس نصر كبيرة ، وأهرامات ، وقواعد وأطلال قديمة , في حين رصد بعض الطيارين ، الذين ساهموا في حملة البحث ، على مسافة عشرة أميال من جزيرة ( أندراوس ) ، دائرة ضخمة من الصخور ، بدت أشبه بقواعد أساس لبناء هائل ..

ونشر ( بيرلتز ) كل هذا في كتابه ، وأيده بالصور والوثائق ، وشهادة الشهود , وأهمهم خبير الغوص ( فالنتين ) نفسه ..

وقامت الدنيا ولم تقعد ..

فالعلماء والخبراء , الذين لم يغادر أحدهم مكتبه ، أو يبذل ربع الجهد ، الذي بذله ( بيرلتز ) وفريقه ، استنكروا تماما ما جاء في كتابه الأخير ، وقالوا : إن طريق ( بايمين ) هذا مجرد مجموعة من الصخور ، تصادف أن تراصت على نحو منتظم , في أعماق المحيط !!

وهنا ، نشر ( بيرلتز ) و ( فالنتين ) مقالا مشتركا ، سخرا منه من نظرية وفكرة المصادفة هذه ، وقالا ما معناه : إنها حجة الفاشلين ؛ لأن الطبيعة لن تشكل الصخور على هيئة مكعبات ضخمة منتظمة الزوايا القائمة تماما ، وتفصلها فجوات متناسقة بشدة ، وتقطعها طرق أخرى على مسافات دقيقة متساوية ..

والأهم والأخطر ، أن الطبيعة لن تصنع قاعدة عمودية صخرية ، أسفل كل مكعب ، على هذا النسق المعماري الدقيق..

ولم يكتف ( بيرلتز ) و ( فالنتين ) بهذا المقال ، وإنما قاما بتصوير فيلم سينمائي للطريق الصخري ، تم عرضه على كل محطات التلفزيون الأمريكية تقريبا ..

وفي نفس الوقت ، تم العثور على طريق آخر ، بوساطة فريق آخر ، بالقرب من شواطئ جزيرتي ( يوكانان ) و (هندوراس) ..

طريق أكثر رحابة وضخامة ، ويمتد إلى داخل المحيط ، وكأنما يقود إلى شيء ما , أو مكان ما , هناك ذات يوم , منذ قديم الزمن ..

وبالقرب من ( فنزويلا ) ، عثر فريق ثالث في أعماق المحيط ، على سور طويل ، يبلغ امتداده مائة ميل !

ولكن يبدو أن عناد العلماء لا حدود له ، وأنهم في تلك المرحلة على الأقل ، كانوا يرفضون تماما الاعتراف بما كشفه غير المتخصصين ، أو من لا يحملون شهادات علمية متقدمة , مهما بلغ وضوحه وقوته ..

فالجيولوجيون اعترضوا على ذلك السور الطويل ، من منطلق أنه من المستحيل أن يبلغ سور من صنع البشر هذا الطول ..

وجاء الرد مرة أخرى ، على شكل فيلم سينمائي ، يرصد السور مع عبارة ساخرة ، تطالب الجيولوجيين بتفسير وجود ( سور الصين العظيم ) ، الذي يمتد لعدة آلاف من الكيلومترات ، مادام البشر ، من وجهة نظرهم ، لا يمكنهم بناء سور طويل !!

وفي هذه المرة سكت الجيولوجيون ..

وسكت العلماء كلهم ..

ولكنهم لم يعترفوا بما تم العثور عليه ..

أبدا ..

وعلى الرغم من كل هذا ، فقد تواصلت الكشوف ، التي اتخذت من نبوءة ( كايس ) طرف خيط لها ..

تواصلت من كل الاتجاهات ..

ففي قاع المحيط ، شمال ( كوبا ) ، رصد الروس أطلالا ضخمة ، تمتد على مساحة عشرة أفدنة كاملة ..

وفي الرصيف القاري لشمال ( بورتريكو ) ، كشفت ماسحة المحيطات الفرنسية ( أرشميدس ) حقيقة ، وليست أسطورة ..

العجيب أنهم لم يفعلوا ..

ولكن الأعجب أنهم ، على الرغم من تجاهلهم لكل هذا ، لم يتوقفوا قط عن البحث عن ( أطلانطس ) ، ووضع النظريات عنها ..

ولكن أبحاثهم اتخذت اتجاها جديدا هذه المرة ..

لقد تركوا المحيط الأطلنطي , وأعمدة ( هرقل ) ، وكل الدلالات التي جاءت في محاورتي ( أفلاطون ) ، وبدؤوا في وضع نظريات أخرى ..

بل وفي وضع ( أطلانطس ) نفسها ، في أماكن أخرى ، وغريبة ..
ومختلفة تماما ..

فالبعض قال أن حضارة ( كريت ) ، عرفت باسم الحضارة المينوية ، نسبة إلى ملكها ( مينوس ) ، هي في واقعها حضارة ( أطلانطس ) ، التي ذكرها ( كريتياس ) ، في محاورته الشهيرة ..

ولكن ( كريت ) لم تكن أبدا قارة ضخمة ، كما أنها ليست خلف أعمدة ( هرقل ) أو مضيق ( جبل طارق ) حاليا ..

صحيح أن ما عثر عليه فيها ، يشبه إلى حد كبير ما رواه ( أفلاطون ) عن ( أطلانطس ) ، وبالذات في الجزء الخاص بمطاردة الثيران ، للإمساك بها دون استخدام أية أسلحة , إلا انه من العسير الاقتناع بأن تلك المنطقة الصغيرة ، كانت متقدمة إلى ذلك الحد ..

ثم لماذا لا تكون حضارة ( كريت ) قد التقطت بعض ما جاء به الناجون من بقايا حضارة ( أطلانطس ) ، ومنها العادات والتقاليد ، وفكرة مطاردة الثيران بلا أسلحة أيضا؟!

ثم إن ( كريت ) لم تغرق أبدا ، وظلت موجودة ، في زمن ( أفلاطون ) ، وفيما قبله وبعده ، ولو أنها المكان الذي يقصده ، لأشار إليها مباشرة ، دون الحاجة إلى وضعنا في هذه الحيرة ..

وفي زمن كهنة الفراعنة ، الذين رووا القصة للمشرع الأثيني العظيم ( صولون ) ، كانت ( كريت ) أيضا موجودة وكان يمكن أن يذكروها ، دون حاجة إلى المواربة ..

النظرية مردود عليها إذن ، واضحة وضوح الشمس ، ولا تحتاج الكثير من الجهد ، لدحضها وتفنيدها ..

ولكن هناك نظرية أخرى أكثر غرابة ..

نظرية تقول : إن ( أطلانطس ) لم تغرق في أعماق المحيط الأطلنطي قط ..

بل ولم تغرق في أي محيط آخر ..

أو بحر آخر ..

لقد غرقت في قلب الرمال ..

نعم .. تقول النظرية الأخرى أن ( أطلانطس ) قد غرقت وسط رمال الصحراء الكبرى ، التي تمتد غرب ( ليبيا ) وشرق ( الجزائر ) ، وأن مصطلح الغرق هذا يعمي أنها قد دفنت تحت أطنان وأطنان من الرمال , على مدى الزمن!!

ومن وجهة نظر كاتب هذه المادة التي أنقلها لكم ، فهو يضع ألف علامة تعجب , بعد السطور السابقة ، فالغرق في أعماق المحيط يختلف تمام الاختلاف عن الغرق في الرمال , وعبقري مثل ( أفلاطون ) ، لم يكن ليضعنا أمام خطأ لغوي رهيب كهذا ..

وحتى كهنة المصريين أنفسهم ، ما كانوا ليقعوا في هذا الخطأ قط ..

وأنا شخصيا أؤيد فكرة كاتب هذه الدراسة تماما في شكوكه ..

ولكن العجيب أن أصحاب نظرية الغرق في الرمال كنت لديهم نقطة قوية ، يمكن أن تؤيد نظريتهم ..

نقطة تكمن في نهاية الصحراء المشار إليها ..

وبالتحديد في كهف من الكهوف ..

كهف عجيب ..


الفصل السادس : بلا أثر

في جنوب شرق الجمهورية الجزائرية ، تنتشر مجموعة من الكهوف ، في مرتفعات ( تاسيلي ) ، وتستقر هناك ، منذ آلاف السنين ..

وفي عام 1938م ، وفي أثناء رحلة استكشافية ، يقودها الرحالة الشهير ( برنبان ) ، تم اقتحام تلك الكهوف ، ربما لأول مرة ، ليجد أمامه هو وفريقه مفاجأة مذهلة ..

فعلى جدران أول كهف اقتحموه ، كانت هناك نقوشا ورسوما عجيبة لمخلوقات بشرية ( أو شبه بشرية ) تطير في السماء ، وترتدي أجهزة طيران مثيرة للغاية ، ونقوش أخرى لسفن فضاء ، أو لما بدا وكأنه سفن فضاء ، وهناك رسوم لرجال ونساء ، يرتدون الثياب الحديثة ، ويحملون المظلات ، ورسوم أخرى لضفادع بشرية , تحت سطح الماء ، في أزياء فضائية ..

واتسعت عيون الكل في ذهول مبهور ، و ( فركوها ) مرة , ومرة , ومرات , قبل أن يتأكدوا أن ما يرونه حقيقي ، ثم اكتفوا بعدها برصد المر , ونقل النقوش والرسوم إلى أوراقهم ، دون أن يدلوا بدلوهم في شأنها ، باعتبار أنهم مجرد رحالة ، وليسوا من علماء الآثار أو الجيولوجيا ..

وعلى الرغم من أن ( برنبان ) قد نشر مقالا عن كشفه هذا ، في واحدة من المجلات العلمية والكشفية الشهيرة إلا أن أحدا لم يوله الاهتمام الكافي ، أو يعتبر المر خارقا للمعتاد ..

بل لقد بلغ الأمر بالبعض أن تصوروا أن ما عثر عليه ( برنبان ) مجرد نقوش ورسوم حديثة ، لأصابع صبيانية عابثة , في أثناء رحلة كشفية ، أو حتى رحلة لهو معتادة ..

ثم جاء الرحالة ( هنري لوت ) ، عام 1956م ، وجذبته كهوف ( تاسيلي ) أليها ، فزارها حاملا معدات التصوير التي التقط بها مئات ومئات الصور لكل النقوش والرسوم ..

وعندما طالع الخبراء تلك الصور ، شاب شعر رؤوسهم ، من فرط الرهبة والانبهار ..

فالتقدير الأولي لعمر تلك الرسوم ، بناء على الصور ، كان ما يقرب من عشرة آلاف سنة !!

واندفع العلماء والباحثون إلى كهوف ( تاسيلي ) ، وقد جرفهم الحماس بقوة , وراحوا يفحصون الرسوم والنقوش عن قرب ، ويجرون عليها اختباراتهم العلمية ، والكربونية , و ...

وجاءت النتائج مذهلة ..

فالاختبارات كلها أجمعت ، على أن العمر الفعلي لتلك النقوش ، هو سبعة عشر ألف عام !!

مائة وسبعون قرنا من الزمان ، حملت إلينا نقوشا ، تتناسب ، أو ربما تفوق العصر الذي تم اكتشافها فيه !!

ويا له من لغز !!

لغز عجيب ، رهيب ، حمل لسنوات وسنوات اسم ( لغز كهوف تاسيلي ) ، حتى ظهرت تلك النظرية ، التي تقول :
إن ( أطلانطس ) كانت تستقر في ذلك المكان ، وغرقت في رمال الصحراء ..

عندئذ فقط .. اتخذ لغز كهوف ( تاسيلي ) أبعادا جديدة ..

فمن وجهة نظر المؤيدين لتلك النظرية ، كان أصحاب تلك النقوش هم الذين نجوا من دمار ( أطلانطس ) ، والذين لم يجدوا أمامهم ، بعد فناء حضارتهم ، سوى أن يتركوا لنا نقوشا غائرة ، لا يمحوها الزمن ، ليخبرونا بقصتهم ..

وليحذرونا منها أيضا ..

فمع ربط ( أطلانطس ) بتلك النقوش القديمة ، و ( المتقدمة جدا ) ، تطورت قصة دمر ( أطلانطس ) ، في النظريات المستحدثة ، وارتبطت بالتأثيرات التي شهدها العالم ، منذ سنوات قليلة _ آنذاك _ لتصبح لدينا قصة جديدة تماما ..

ونظرية مختلفة تمام الاختلاف ..

فما دام سكان ( أطلانطس ) كانوا متقدمين إلى هذه الدرجة ، كما تقول كهوف ( تاسيلي ) ، فهذا يعني أن فناء قارتهم لم يكن بسبب سلسلة من الكوارث الطبيعية المتتالية ، كما قال ( لويس سبنس ) ، مؤيدا ( إيجنا تيوس دونيللي ) ، وإنما كان كما وصفه ( أفلاطون ) تماما , في محاورتيه الشهيرتين ..

لقد فنت ( أطلانطس ) في يوم وليلة ..

فنت بواسطة انفجار ذري رهيب ، أو طاقة أخرى أكثر قوة ، لم نتوصل إليها في حضارتنا بعد !!

ويا لها من نظرية !!

لقد قلبت الأمور كلها رأسا على عقب ، ومزجت كل شيء ببعضه وخرجت إلينا بنتيجة عجيبة ، شديدة التوتر والتعقيد ، إلى أقصى حد ..

ولكن كيف نؤيد ( أفلاطون ) في جزء من قصته ، ثم نخالفه وبمنتهى الشدة في أجزاء أخرى منها ؟!

فقصة ( أطلانطس ) تبدأ منذ حصول ( بوسيدون ) ، إله البحر والزلازل ، على قارة ( أطلانطس ) ، عندما تم توزيع الأرض على الآلهة ..

كيف يمكن إذن أن يمنح مفكر كبير مثل ( أفلاطون ) ، قطعة من الصحراء ، بين ليبيا والجزائر ، لإله البحر ؟!

كيف يمكن أن يبدو هذا له منطقيا ، بأي حال من الأحوال ؟!

كيف؟!

من الواضح أن ( أفلاطون ) لم يكن يقصد الصحراء من قريب أو بعيد ، عندما ذكر قصة ( أطلانطس ) ..

ولكن ربما اختلط الأمر على ( كريتياس ) نفسه ، الذي انتقلت إليه القصة عبر جيلين من البشر ، بدءا من جده (صولون) الذي نقلها على لسان كهنة قدماء المصريين ، والذين تناقلوها بدورهم ، عبر عدة آلاف من السنين ..

كانت هناك إذن ألف فرصة وفرصة ، لتتحور الأمور ، وتتغير ، وتتبدل ، لتصبح محيطا ، من رواية إلى أخرى ، عبر قرون وقرون ..

هذا ما يؤكده مؤيدو نظرية الصحراء ..

وما يسخر منه مؤيدو نظرية الغرق في المحيط الأطلسي ، وعلى رأسهم ( تشارلز بيرلتز ) ، الذي تساءل ، في شيء من السخرية ، امتزج ببعض الغضب والحدة : {لو أن ( أطلانطس ) ظهرت واندثرت في قلب صحراء أفريقيا، فما الذي عثر عليه هو وفريقه ، في أعماق المحيط الأطلسي إذن ؟!}

كل جانب أصبحت له حججه القوية , ودلالاته المتينة ، واعتراضاته الحادة الحاسمة ، دون أن يتفوق الجانبان ، أو حتى يتقاربا ، حتى لحظة كتابة هذه السطور ..

وبقيت الأسطورة ..

بقيت ( أطلانطس ) ..

بقيت كأكبر لغز حضاري ، واجه فيه العلماء في عصر بلغت فيه التكنولوجيا أوجها ، وبلغت فيه تقنية البحث حدا لم تبلغه قط , أو حتى تقترب منه ، عبر التاريخ كله ..

التاريخ الذي نعرفه بالطلع ..

الشيء الجيد هو أن محاولات البحث عن أدلة وجود ( أطلانطس ) لم تتوقف لحظة واحد ، ولن تفتقر قط إلى التمويل الكافي ، والحماس اللازم , أو التقنية المتاحة ..

فالآن ومع بدايات القرن الحادي والعشرين , تجوب أعماق المحيط الأطلسي غواصات تجريبية نووية , يمكنها أن تصل إلى أعماق لم يبلغها بشر من قبل ، ولم يكن من الممكن أن تحتملها أية مركبة فيما مضى ..

وهناك وسائل فحص الأعماق وأعماق الأعماق بالأشعة السينية ، وموجات السونار المتفوقة ، والأشعة دون الحمراء ، وحتى بالأشعة الكونية ، التي تسقط على أرضنا في الفضاء ..

وقديما ، كان العثور على السفينة الغارقة ( تايتانيك ) يعد ضربا من الخيال المستحيل ، إلا أن المكتشفين قد نجحوا في العثور عليها ، وفي استخراج الثروات التي كانت تحملها أيضا ..

فهل يمكن أن يحدث هذا مع ( أطلانطس ) أيضا؟!

هل يمكن أن يأتي يوم ، ينتشل فيه العلماء أنقاضها من قاع المحيط ، أو ينتشلوها من بين الرمال ، كما فعلوا من قبل ، مع ( طروادة ) , و ( قصر التيه ) و ( ديلمون ) وغيرهم .

لو حدث هذا فستكون لحظة تاريخية بحق ، ونقطة تحول هائلة ، في تاريخ العالم كله ..

ففي لحظة العثور عليها ، ستنتقل ( أطلانطس ) من عالم الغموض والخيال إلى عالم الواقع والحقيقة ، وستنمحي تماما تلك الأسطورة الرائعة ، التي ألهبت العقول ، وخلبت الألباب ، وأرجفت القلوب ، لعدة قرون من الزمان ..

أسطورة القارة المفقودة ..

( أطلانطس )


تمت بحمد الله

بسمه أمل
01-02-2008, 11:58 PM
جميل ماخطته يداك من طرحك الطيب
جزاك الله خيرآ
الله يعطيك العافيه

همس الليل
01-03-2008, 06:03 PM
الاخت مرمر

رغم طول الموضوع ولكنه شيق جدا
وفعلا كلنا سمعنا عن القارة المفقودة
ولكن لا نستطيع تخمين اذا كانت موجودة بالفعل ام لا
وياتى هنا دور العلماء والمستكشفين فى القيام بالابحاث للتوصل الى حقيقة عملية على وجود القارة ام لا
ونحن ما علينا الا الانتظار لمعرفة الحقيقة
وفى الاخر العلم عند الله


تسلمين مرمر على الموضوع الشيق والمجهود

دمت بخير