نور
06-05-2009, 11:00 PM
ما هو تأثير الطلاق النفسي على الأطفال؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الاب الوحيد أو الام الوحيدة.. حلول مناسبة للأهل والاولاد
نتيجة الطلاق، الفراق، أو الوفاة يصبح الأولاد في عهدة أحد الوالدين.
في الحقيقة لا يمكن للأولاد أن ينموا بشكل سليم وطبيعي إلاّ في ظل أم تحضنهم وأب يرعاهم، وهم بطبيعتهم لا يفضلون واحداً على الآخر، فكلاهما مهم وأساسي للحصول على استراتيجية متينة وعلى توازن عقلي وجسدي، وكما أن الولد يحتاج إلى كل العناصر من حب وحنان وعطف، فهو يحتاج ايضاً إلى عناصر الشجاعة والقوّة والإقدام.
بعض الظروف الحياتية قد تجبره على أن يستمر في حياته بعيداً عن أحد الوالدين، بشكل مؤقت أو نهائي، من جراء أحداث مفاجئة عصفت بالرباط العائلي وأجبرته على القبول بالأمر الواقع.. وهذه الظروف الجديدة لا بد من أن تؤثر سلباً على حياة كل أطفالنا، وقد تعرض بعضهم إلى الصدمات النفسية التي تظهر بوضوح على مجمل تصرفاتهم وأوضاعهم المدرسية وعلاقاتهم مع رفاقهم.
في حال طلاق الزوجين: هذه المرحلة تتطلب الهدوء الفكري والحكمة والحنكة بالتصرف، لأنه يتوجب على كل منهما أن لا يكون أنانياً يترك جانباً قضايا أولاده ويمتنع عن الاستمرار بتأمين كل ما يلزمهم من النواحي المادية والمعنوية، فالطفل دائماً هو الضحيّة، ولا ذنب له بما يحدث بين الكبار من مشاكل ومتاعب تؤدي بهم إلى الانفصال الروحي والجسدي، هنا على الأهل أن يشرحوا لأولادهم ما حصل، وأن يقنعوهم بأنهم لن يتخلوا عنهم، مهما كانت الظروف، وإن هذا الطلاق لن يمس بهم، بل قد يكون الوسيلة الوحيدة للتفرغ لرعايتهم وتربيتهم.
في حال اهتمام الوالدين بأولادهم رغم الطلاق الحاصل، فإن الأولاد قد ينجحون بالتأقلم في هذا الجو الجديد، لذا فإننا نشدد على ضرورة إيجاد الحلول المناسبة للأهل وللأولاد خاصةً حتى لا يكونوا عرضة لتقلبات الزمن، وحتى لا يدفعوا هم وحدهم الثمن، نتيجة ما حصل بين الأب والأم.
أكثر حالات الطلاق تحصل بشكل غير مدروس من جراء تصلب أحد الزوجين، مما ينعكس سلباً على الأوضاع العائلية السائدة، وخاصةً على الأولاد، لذا فإنه يتطلب من الوالدين قبل الإقدام على هذا الحل السيء بنظرنا، التفكير ملياً بمصير الأولاد وبضرورة تأمين كل ما يتوجب لحمايتهم وتربيتهم حتى لا تكون نتائج الطلاق قاسية وخطيرة على حياة ومستقبل كل فرد من أفراد العائلة.
أما في حال وفاة أحد الوالدين: فإنه يتوجب إعارة الانتباه الشديد للحالة النفسية عند الأولاد، عن طريق محافظة الآخر على تربية كل فرد من أفراد العائلة، لتعويض كل ما فقدوه من جراء خسارة أحد الوالدين، قد يبدو ذلك مستحيلاً للوهلة الأولى في بداية الأمر، لكن علينا عدم التراجع والتخاذل بل الاندفاع نحو كل ما يمكن أن يؤمن للأولاد حياة سعيدة، تدفع عنهم المشاكل النفسية التي قد تعيق حياتهم المدرسية والعملية والاجتماعية.
وفي حال وجود أولاد صغار، قد يكون مصيبة أو كارثة اجتماعية تصيب العائلة وتعرضها للمجهول، ولكن وعي وذكاء ونباهة الآخر، يجب أن يحول دون هذا الانهيار عن طريق تأمينه لأكثر الطرق السليمة التي من شأنها المحافظة على التوازن النفسي والجسدي للأولاد، كما من شأنها أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً، بعد فترة من الزمن.
كم من الآباء أو الأمهات الذين يجبرون على تحمل المسؤولية العائلية بكاملها منفردين، للمحافظة على الوضع الداخلي الصحيح، وهذا يتطلب منهم عدّة أمور نذكر أهمها:
الاهتمام داخلياً بالوضع العائلي عن طريق تأمين كل ما يتطلبه المنزل وما يطلبه الأولاد من حنان وعطف وحب وقوة وشجاعة وقدرة على الاستمرار والصمود. الاهتمام خارجاً: عن طريق تأمين العمل المناسب الذي يتلاءم والوضع الجديد الحاصل، سعياً وراء لقمة العيش، حتى لا يشعر الأولاد في يوم من الأيام بشبح العوز المادي.
الفقدان المفاجىء لأحد ركني العائلة، لابد وأن ينعكس بشكل سلبي وواضح على الوضع الداخلي العام ومن ثم على تربية الأولاد، ولكن يجب أن يكون هذا الانعكاس السلبي مرحلياً وأن لا يؤثر لفترة طويلة من الزمن على مجمل الوضع العائلي؟ وهذا يتطلب قدرة وخبرة من المسؤول الآخر الذي يتوجب عليه التحلي بالصبر والشجاعة والصمود حتى لا يهوي والأولاد في مخاطر الزمان، وفي مطبات الأيام الحالكة، وقد يجد صعوبة في بداية الأمر، لكن الممارسة اليومية للأمر الواقع قد تبعث فيه الأمل وتشد من أزره للتصدي للمشاكل التي يمكن أن تعترض طريقه، وللعمل بشجاعة حتى يؤمن منفرداً ما كان يقوم به الزوجان معاً.
هذه الحالة الجديدة تشبه إلى حد كبير حالة من يريد أن يتسلق الجبل بمساعدة الآخرين، ومن يريد أن يتسلقه وحيداً دون أي معين، والذي يريد أن يتسلقه وعلى ظهره حمل ثقيل.
الحياة صراع مستمر، والمسؤولية كبيرة، والمنعطفات خطيرة، والمنحدرات وعرة، لكن القدرة على التصدي والصمود والثقة بالنفس تؤدي إلى انتصار الإنسان الذي يتوجب عليه أن يكون جبلاً يقهر الأيام الصعبة، والعواصف العاتية، ويحطم ألاعيب الزمن ويسخر من مطارقه مهما كان نوعها، والنجاح لقائد العائلة حتى ولو أصبح وحيداً أكيد. لأن الجرح ينزف ولأن النزيف يولد الألم، ولأن الألم يولد الغضب الأحمر الذي يفعل فعله في النفوس الكبيرة. إن هناك في المنزل آمالاً كثيرة معلقة على هذا الإنسان وهي التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، ونسأله أن يكتب له النجاح والانتصار حتى يخرج من هذه المأساة المرحلية ويعود إلى سابق عهده من الهدوء والوئام والسلام.
إن الحياة العائلية قد يشوبها بعض المآسي، وقد تلعب الأيام دوراً مأساوياً ضدّها فتؤلمها، لكن هذه الأيام لن تلعب دائماً هذا الدور، إذا وقفت الإرادة الجبارة لتضع حدّاً لكل هذه المآسي والمحن.
إن الإنسان قد يضطر للعيش وحيداً، نتيجة الطلاق - الفراق - الهجر او الوفاة.. لكن هذا الوضع الجديد يجب أن لا يحول دون استمراره في المحافظة على التربية المنزلية الصحيحة حتى لا يصدم الأولاد وحتى لا تكون المأساة كبيرة وخطيرة وحتى لا تخيم بظلها الثقيل على حياة ومستقبل كل فرد من أفراد العائلة، فالمستقبل هو أهم بكثير من المآسي العابرة.
لماذا الحلول السليمة أفضل في معالجة إضطرابات الأولاد؟
بعد أن تحدثنا ملياً عن الأساليب الطبيعية اللازمة للتربية العائلية الصحيحة، سنتكلم عن قوّة العضلات التي يعتمدها عدد كبير من الأهل، قاصدين من خلالها تأديب وتهذيب الأولاد. إنني لا أتهجم على هذا النمط من الأساليب القديمة، مع العلم بأنني من الذين لا يحبذون هذه الطريقة في التربية ولا أشجعها.
رغبتي الوحيدة تتمثل بضرورة حل المشاكل العائلية عن طريق المفاوضات المباشرة التي تعتبر خير أسلوب للبقاء على توازن عائلي صحيح وسليم.
الحلول السليمة تبقى أفضل من غيرها في معالجة أكثر الاضطرابات التي تصدر عن الأولاد. على كل حال وفي بعض الحالات القصوى، وفي حال نفاذ أكثر الحلول السلميّة اعتقد بأنه يتوجب على الأهل استعمال الشدّة، لمحاولة إعادة الولد الشاذ إلى الصراط المستقيم. بعض المواقف الشاذة التي يصدر عنها تأخر الولد وتراجعه وتقهقره والتي تنعكس بوضوح على مجمل دراسته ومستقبله وتعرض حياته للضياع الكامل، يجب لجمها عن طريق استعمال القوّة.
خلال هذه الفترة الصعبة من حياة العائلة، يجب الاستعانة بأحد أطباء النفس، لأنه قد يلعب دوراً مهماً في عملية إعادة الولد إلى صوابه. الواقع أن التصادم عن طريق قوّة العضلات لا يحدث إلا مع الأولاد الكبار داخل البيت الواحد، لأن الصغار نادراً ما يعاندون الأهل بشكل واضح كما يفعله عادةً الكبار.
مثال ذلك: أم لثلاثة أولاد.
الأول: فتى في الرابعة عشرة من عمره.
الثاني: فتى في السادسة عشرة من عمره.
الثالث: فتاة في السابعة عشرة من عمرها.
لم يكن للأم أي سلطة عائلية على أولادها الثلاثة بحيث أن الرفض كان تاماً لكل ما كانت تطلبه منهم، وبعد أن ضاقت ذرعاً من جراء هذا الوضع الشاذ والأليم في آن، مما يدل على مقدار تسلط الأولاد وعدم احترامهم للشرعية العائلية قررت أن تلجأ إلى مبدأ الإضراب العام بدل الاستمرار في إدارة شؤون المنزل مع التمنع عن إعطاء أولادها مصروفهم اليومي.
في البداية اعتقد الأولاد أن ما تفعله والدتهم هو مرحلي، وسوف تتراجع عن إضرابها هذا ذات يوم، معتمدين على ضعفها، وعاطفتها.. ولكن بعد فترة من الزمن، شعر الأولاد بجديّة ما تفعله والدتهم وبخطورة الوضع العائلي العام، كما شعروا بأهميتها وبضرورتها داخل المنزل، ومن ثم بوجوب مسالمتها ومصالحتها، هنا قبلت الأم العودة عن إضرابها وبإعادة الأجواء العائلية إلى طبيعتها على شرط مساعدتها من وقت إلى آخر وبالتناوب.
إن إعلان مبدأ الإضراب من جهة الأم. كان له الأثر الجيد على الوضع العائلي العام، لأنه ساعد على تراجع الأولاد عن غيهم وطغيانهم وحدّ من أنانيتهم، كما ساعد على اعترافهم بأهميتها وبضرورة التقرب منها ومساعدتها.
مثال آخر: عائلة لشاب في الثامنة عشرة من عمره، ترك المدرسة لأنه لا يحب العلم، لكنه من جهة ثانية لا يحب أن يعمل، يقضي أكثر أوقاته في المنزل والمقاهي ويدمن على التدخين ويعاشر شباب السوء، وبعد محاولات يائسة من قبل الأهل لإعادة ولدهم إلى رشده، وردعه عن الطريق الشاذ، قرر والده طرده نهائياً من المنزل، مع العلم بأن والدته كانت تتدخل دائماً لصالح ولدها.
في ذات يوم قال الأب لابنه: إذا كنت تريد متابعة دراستك، فأنا مستعد لإعادتك الى المدرسة التي ترغب. وإذا كنت لا ترغب بالعودة إلى المدرسة، ولا تريد مدرسيها، ولكن تحب العمل في حقل من الحقول، فلا بأس أيضاً، وأنا سأشجعك من كل قلبي، وسأساعدك حسب مقدرتي للنجاح في هذا المضمار، أما إذا كنت لا تريد أن تدرس ولا ترغب في العمل، بل تريد أن تبقى عالة على عائلتك ومجتمعك، فإنني أنذرك للمرّة الأخيرة، وأعطيك مهلة أسبوع للتفكير ملياً بما قلته لك، بعدها وفي حال رفضك لكل النصائح التي وجهتها لك، يمكنك ترك المنزل نهائياً، لأن الحالة أصبحت لا تطاق.
ولكن للأسف لم يحدث أي تبدل خلال الأسبوع، فطُرد الابن من المنزل، وأخذ يقضي أيامه متنقلاً ما بين جدته وجده وأقاربه وأصدقائه، إلى أن بدأ الجميع يتذمر من وضعه الشاذ، فقرر الإبن العمل في محطة للمحروقات، مع العلم بأنه كان يكره هذه المهنة كرهاً شديداً، ممّا مكنه من استئجار غرفة صغيرة لسكنه، وبعد فترة من الزمن، قرر العودة إلى المدرسة، وبعد أن تردد طويلاً اتصل بوالده، وعرض عليه مشروع الدراسة، فرحب والده بالفكرة وأعاده إلى المنزل، بعدها أخذ الابن يدرس من جديد إلى أن نال الشهادة الرسمية، وشهادة الاختصاص التي أمنت له مستقبلاً زاهراً، ومكاناً مرموقاً في المجتمع.
إذاً فالموقف الصارم والمتشدد الذي أخذه الأب عن طريق طرد ابنه من المنزل، كان قاسياً وعنيفاً، لكنه كان في الوقت نفسه مفيداً للإبن لأنه أشعره بقيمة نصائح الأب، ووضعه مباشرة أمام قساوة الحياة، مما دفعه إلى مواجهتها بما يتناسب وقدراته.
العودة إلى الطريق الصحيح لم تحصل إلاّ عن طريق استعمال القوة والحزم، من هنا كان موقف الأب الصارم ضرورياً، لأن بعض الصدمات النفسية قد تكون أشد وقعاً من الصدمات الجسدية التي تحصل عن طريق استعمال قوّة العضلات.
هنا، وفي مجال حديثنا عن التربية المنزلية أعود لأشدد على ضرورة استنفاذ جميع الوسائل التربوية السليمة لمعالجة شتى المشاكل العائلية العالقة، قبل التفكير باللجوء إلى مبدأ القوّة وخاصة قوة العضلات. إن كل مُعضلة عائلية، تشبه إلى حدٍ كبير العملية الجراحية التي تتطلب حتى تكون ناجحة فطنة وذكاء ونباهة وهدوء أعصاب وعمل سليم.
م0ن
الاب الوحيد أو الام الوحيدة.. حلول مناسبة للأهل والاولاد
نتيجة الطلاق، الفراق، أو الوفاة يصبح الأولاد في عهدة أحد الوالدين.
في الحقيقة لا يمكن للأولاد أن ينموا بشكل سليم وطبيعي إلاّ في ظل أم تحضنهم وأب يرعاهم، وهم بطبيعتهم لا يفضلون واحداً على الآخر، فكلاهما مهم وأساسي للحصول على استراتيجية متينة وعلى توازن عقلي وجسدي، وكما أن الولد يحتاج إلى كل العناصر من حب وحنان وعطف، فهو يحتاج ايضاً إلى عناصر الشجاعة والقوّة والإقدام.
بعض الظروف الحياتية قد تجبره على أن يستمر في حياته بعيداً عن أحد الوالدين، بشكل مؤقت أو نهائي، من جراء أحداث مفاجئة عصفت بالرباط العائلي وأجبرته على القبول بالأمر الواقع.. وهذه الظروف الجديدة لا بد من أن تؤثر سلباً على حياة كل أطفالنا، وقد تعرض بعضهم إلى الصدمات النفسية التي تظهر بوضوح على مجمل تصرفاتهم وأوضاعهم المدرسية وعلاقاتهم مع رفاقهم.
في حال طلاق الزوجين: هذه المرحلة تتطلب الهدوء الفكري والحكمة والحنكة بالتصرف، لأنه يتوجب على كل منهما أن لا يكون أنانياً يترك جانباً قضايا أولاده ويمتنع عن الاستمرار بتأمين كل ما يلزمهم من النواحي المادية والمعنوية، فالطفل دائماً هو الضحيّة، ولا ذنب له بما يحدث بين الكبار من مشاكل ومتاعب تؤدي بهم إلى الانفصال الروحي والجسدي، هنا على الأهل أن يشرحوا لأولادهم ما حصل، وأن يقنعوهم بأنهم لن يتخلوا عنهم، مهما كانت الظروف، وإن هذا الطلاق لن يمس بهم، بل قد يكون الوسيلة الوحيدة للتفرغ لرعايتهم وتربيتهم.
في حال اهتمام الوالدين بأولادهم رغم الطلاق الحاصل، فإن الأولاد قد ينجحون بالتأقلم في هذا الجو الجديد، لذا فإننا نشدد على ضرورة إيجاد الحلول المناسبة للأهل وللأولاد خاصةً حتى لا يكونوا عرضة لتقلبات الزمن، وحتى لا يدفعوا هم وحدهم الثمن، نتيجة ما حصل بين الأب والأم.
أكثر حالات الطلاق تحصل بشكل غير مدروس من جراء تصلب أحد الزوجين، مما ينعكس سلباً على الأوضاع العائلية السائدة، وخاصةً على الأولاد، لذا فإنه يتطلب من الوالدين قبل الإقدام على هذا الحل السيء بنظرنا، التفكير ملياً بمصير الأولاد وبضرورة تأمين كل ما يتوجب لحمايتهم وتربيتهم حتى لا تكون نتائج الطلاق قاسية وخطيرة على حياة ومستقبل كل فرد من أفراد العائلة.
أما في حال وفاة أحد الوالدين: فإنه يتوجب إعارة الانتباه الشديد للحالة النفسية عند الأولاد، عن طريق محافظة الآخر على تربية كل فرد من أفراد العائلة، لتعويض كل ما فقدوه من جراء خسارة أحد الوالدين، قد يبدو ذلك مستحيلاً للوهلة الأولى في بداية الأمر، لكن علينا عدم التراجع والتخاذل بل الاندفاع نحو كل ما يمكن أن يؤمن للأولاد حياة سعيدة، تدفع عنهم المشاكل النفسية التي قد تعيق حياتهم المدرسية والعملية والاجتماعية.
وفي حال وجود أولاد صغار، قد يكون مصيبة أو كارثة اجتماعية تصيب العائلة وتعرضها للمجهول، ولكن وعي وذكاء ونباهة الآخر، يجب أن يحول دون هذا الانهيار عن طريق تأمينه لأكثر الطرق السليمة التي من شأنها المحافظة على التوازن النفسي والجسدي للأولاد، كما من شأنها أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً، بعد فترة من الزمن.
كم من الآباء أو الأمهات الذين يجبرون على تحمل المسؤولية العائلية بكاملها منفردين، للمحافظة على الوضع الداخلي الصحيح، وهذا يتطلب منهم عدّة أمور نذكر أهمها:
الاهتمام داخلياً بالوضع العائلي عن طريق تأمين كل ما يتطلبه المنزل وما يطلبه الأولاد من حنان وعطف وحب وقوة وشجاعة وقدرة على الاستمرار والصمود. الاهتمام خارجاً: عن طريق تأمين العمل المناسب الذي يتلاءم والوضع الجديد الحاصل، سعياً وراء لقمة العيش، حتى لا يشعر الأولاد في يوم من الأيام بشبح العوز المادي.
الفقدان المفاجىء لأحد ركني العائلة، لابد وأن ينعكس بشكل سلبي وواضح على الوضع الداخلي العام ومن ثم على تربية الأولاد، ولكن يجب أن يكون هذا الانعكاس السلبي مرحلياً وأن لا يؤثر لفترة طويلة من الزمن على مجمل الوضع العائلي؟ وهذا يتطلب قدرة وخبرة من المسؤول الآخر الذي يتوجب عليه التحلي بالصبر والشجاعة والصمود حتى لا يهوي والأولاد في مخاطر الزمان، وفي مطبات الأيام الحالكة، وقد يجد صعوبة في بداية الأمر، لكن الممارسة اليومية للأمر الواقع قد تبعث فيه الأمل وتشد من أزره للتصدي للمشاكل التي يمكن أن تعترض طريقه، وللعمل بشجاعة حتى يؤمن منفرداً ما كان يقوم به الزوجان معاً.
هذه الحالة الجديدة تشبه إلى حد كبير حالة من يريد أن يتسلق الجبل بمساعدة الآخرين، ومن يريد أن يتسلقه وحيداً دون أي معين، والذي يريد أن يتسلقه وعلى ظهره حمل ثقيل.
الحياة صراع مستمر، والمسؤولية كبيرة، والمنعطفات خطيرة، والمنحدرات وعرة، لكن القدرة على التصدي والصمود والثقة بالنفس تؤدي إلى انتصار الإنسان الذي يتوجب عليه أن يكون جبلاً يقهر الأيام الصعبة، والعواصف العاتية، ويحطم ألاعيب الزمن ويسخر من مطارقه مهما كان نوعها، والنجاح لقائد العائلة حتى ولو أصبح وحيداً أكيد. لأن الجرح ينزف ولأن النزيف يولد الألم، ولأن الألم يولد الغضب الأحمر الذي يفعل فعله في النفوس الكبيرة. إن هناك في المنزل آمالاً كثيرة معلقة على هذا الإنسان وهي التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، ونسأله أن يكتب له النجاح والانتصار حتى يخرج من هذه المأساة المرحلية ويعود إلى سابق عهده من الهدوء والوئام والسلام.
إن الحياة العائلية قد يشوبها بعض المآسي، وقد تلعب الأيام دوراً مأساوياً ضدّها فتؤلمها، لكن هذه الأيام لن تلعب دائماً هذا الدور، إذا وقفت الإرادة الجبارة لتضع حدّاً لكل هذه المآسي والمحن.
إن الإنسان قد يضطر للعيش وحيداً، نتيجة الطلاق - الفراق - الهجر او الوفاة.. لكن هذا الوضع الجديد يجب أن لا يحول دون استمراره في المحافظة على التربية المنزلية الصحيحة حتى لا يصدم الأولاد وحتى لا تكون المأساة كبيرة وخطيرة وحتى لا تخيم بظلها الثقيل على حياة ومستقبل كل فرد من أفراد العائلة، فالمستقبل هو أهم بكثير من المآسي العابرة.
لماذا الحلول السليمة أفضل في معالجة إضطرابات الأولاد؟
بعد أن تحدثنا ملياً عن الأساليب الطبيعية اللازمة للتربية العائلية الصحيحة، سنتكلم عن قوّة العضلات التي يعتمدها عدد كبير من الأهل، قاصدين من خلالها تأديب وتهذيب الأولاد. إنني لا أتهجم على هذا النمط من الأساليب القديمة، مع العلم بأنني من الذين لا يحبذون هذه الطريقة في التربية ولا أشجعها.
رغبتي الوحيدة تتمثل بضرورة حل المشاكل العائلية عن طريق المفاوضات المباشرة التي تعتبر خير أسلوب للبقاء على توازن عائلي صحيح وسليم.
الحلول السليمة تبقى أفضل من غيرها في معالجة أكثر الاضطرابات التي تصدر عن الأولاد. على كل حال وفي بعض الحالات القصوى، وفي حال نفاذ أكثر الحلول السلميّة اعتقد بأنه يتوجب على الأهل استعمال الشدّة، لمحاولة إعادة الولد الشاذ إلى الصراط المستقيم. بعض المواقف الشاذة التي يصدر عنها تأخر الولد وتراجعه وتقهقره والتي تنعكس بوضوح على مجمل دراسته ومستقبله وتعرض حياته للضياع الكامل، يجب لجمها عن طريق استعمال القوّة.
خلال هذه الفترة الصعبة من حياة العائلة، يجب الاستعانة بأحد أطباء النفس، لأنه قد يلعب دوراً مهماً في عملية إعادة الولد إلى صوابه. الواقع أن التصادم عن طريق قوّة العضلات لا يحدث إلا مع الأولاد الكبار داخل البيت الواحد، لأن الصغار نادراً ما يعاندون الأهل بشكل واضح كما يفعله عادةً الكبار.
مثال ذلك: أم لثلاثة أولاد.
الأول: فتى في الرابعة عشرة من عمره.
الثاني: فتى في السادسة عشرة من عمره.
الثالث: فتاة في السابعة عشرة من عمرها.
لم يكن للأم أي سلطة عائلية على أولادها الثلاثة بحيث أن الرفض كان تاماً لكل ما كانت تطلبه منهم، وبعد أن ضاقت ذرعاً من جراء هذا الوضع الشاذ والأليم في آن، مما يدل على مقدار تسلط الأولاد وعدم احترامهم للشرعية العائلية قررت أن تلجأ إلى مبدأ الإضراب العام بدل الاستمرار في إدارة شؤون المنزل مع التمنع عن إعطاء أولادها مصروفهم اليومي.
في البداية اعتقد الأولاد أن ما تفعله والدتهم هو مرحلي، وسوف تتراجع عن إضرابها هذا ذات يوم، معتمدين على ضعفها، وعاطفتها.. ولكن بعد فترة من الزمن، شعر الأولاد بجديّة ما تفعله والدتهم وبخطورة الوضع العائلي العام، كما شعروا بأهميتها وبضرورتها داخل المنزل، ومن ثم بوجوب مسالمتها ومصالحتها، هنا قبلت الأم العودة عن إضرابها وبإعادة الأجواء العائلية إلى طبيعتها على شرط مساعدتها من وقت إلى آخر وبالتناوب.
إن إعلان مبدأ الإضراب من جهة الأم. كان له الأثر الجيد على الوضع العائلي العام، لأنه ساعد على تراجع الأولاد عن غيهم وطغيانهم وحدّ من أنانيتهم، كما ساعد على اعترافهم بأهميتها وبضرورة التقرب منها ومساعدتها.
مثال آخر: عائلة لشاب في الثامنة عشرة من عمره، ترك المدرسة لأنه لا يحب العلم، لكنه من جهة ثانية لا يحب أن يعمل، يقضي أكثر أوقاته في المنزل والمقاهي ويدمن على التدخين ويعاشر شباب السوء، وبعد محاولات يائسة من قبل الأهل لإعادة ولدهم إلى رشده، وردعه عن الطريق الشاذ، قرر والده طرده نهائياً من المنزل، مع العلم بأن والدته كانت تتدخل دائماً لصالح ولدها.
في ذات يوم قال الأب لابنه: إذا كنت تريد متابعة دراستك، فأنا مستعد لإعادتك الى المدرسة التي ترغب. وإذا كنت لا ترغب بالعودة إلى المدرسة، ولا تريد مدرسيها، ولكن تحب العمل في حقل من الحقول، فلا بأس أيضاً، وأنا سأشجعك من كل قلبي، وسأساعدك حسب مقدرتي للنجاح في هذا المضمار، أما إذا كنت لا تريد أن تدرس ولا ترغب في العمل، بل تريد أن تبقى عالة على عائلتك ومجتمعك، فإنني أنذرك للمرّة الأخيرة، وأعطيك مهلة أسبوع للتفكير ملياً بما قلته لك، بعدها وفي حال رفضك لكل النصائح التي وجهتها لك، يمكنك ترك المنزل نهائياً، لأن الحالة أصبحت لا تطاق.
ولكن للأسف لم يحدث أي تبدل خلال الأسبوع، فطُرد الابن من المنزل، وأخذ يقضي أيامه متنقلاً ما بين جدته وجده وأقاربه وأصدقائه، إلى أن بدأ الجميع يتذمر من وضعه الشاذ، فقرر الإبن العمل في محطة للمحروقات، مع العلم بأنه كان يكره هذه المهنة كرهاً شديداً، ممّا مكنه من استئجار غرفة صغيرة لسكنه، وبعد فترة من الزمن، قرر العودة إلى المدرسة، وبعد أن تردد طويلاً اتصل بوالده، وعرض عليه مشروع الدراسة، فرحب والده بالفكرة وأعاده إلى المنزل، بعدها أخذ الابن يدرس من جديد إلى أن نال الشهادة الرسمية، وشهادة الاختصاص التي أمنت له مستقبلاً زاهراً، ومكاناً مرموقاً في المجتمع.
إذاً فالموقف الصارم والمتشدد الذي أخذه الأب عن طريق طرد ابنه من المنزل، كان قاسياً وعنيفاً، لكنه كان في الوقت نفسه مفيداً للإبن لأنه أشعره بقيمة نصائح الأب، ووضعه مباشرة أمام قساوة الحياة، مما دفعه إلى مواجهتها بما يتناسب وقدراته.
العودة إلى الطريق الصحيح لم تحصل إلاّ عن طريق استعمال القوة والحزم، من هنا كان موقف الأب الصارم ضرورياً، لأن بعض الصدمات النفسية قد تكون أشد وقعاً من الصدمات الجسدية التي تحصل عن طريق استعمال قوّة العضلات.
هنا، وفي مجال حديثنا عن التربية المنزلية أعود لأشدد على ضرورة استنفاذ جميع الوسائل التربوية السليمة لمعالجة شتى المشاكل العائلية العالقة، قبل التفكير باللجوء إلى مبدأ القوّة وخاصة قوة العضلات. إن كل مُعضلة عائلية، تشبه إلى حدٍ كبير العملية الجراحية التي تتطلب حتى تكون ناجحة فطنة وذكاء ونباهة وهدوء أعصاب وعمل سليم.
م0ن