المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب "الرحيق المختوم" ..والذي يتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..


نور
03-28-2008, 10:29 AM
كتاب "الرحيق المختوم" ..والذي يتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..


رابط الكتاب:
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=230&CID=1 (http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=230&CID=1)
سنبدء بالجزء الاول منهالحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله أفضل الرسل وخاتم النبيين..
الجزء الأول...(صفحة 55-69)


نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأسرته

نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
اتفق كافة أهل السير والأنساب على نسب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبدأ منه صلى الله عليه وسلم وينتهي إلى عدنان‏.‏.واختلفوا على ما فوق ذلك..

فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم بن عبدمناف بن قُصَىّ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر بن كِنَانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة بن إلياس بنمُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عدنان‏.‏.ولا خلاف أن "عدنان" من ولد سيدنا إسماعيل..

الأسرة النبوية:
تعرف أسرته صلى الله عليه وسلم بالأسرة الهاشمية ـ نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف ـ وإذن فلنذكر شيئًا من أحوال هاشم ومن بعده‏:‏

1. هاشم ‏:‏

هو الذي تولى السقاية والرفادة من بني عبد مناف.
وكان هاشم موسرًا ذا شرف كبير.
وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وما سمى هاشمًا إلا لهشمه الخبز.
وهو أول من سن الرحلتين لقريش، رحلة الشتاء والصيف.
زوجته سلمى بنت عمرو أحد بني عدى بن النجار.
مات بغزة من أرض فلسطين.
ولدت امرأته سلمى عبد المطلب سنة 497 م، وسمته شيبة؛ لشيبة كانت في رأسه، وجعلت تربيه في بيت أبيها في يثرب، ولم يشعر به أحد من أسرتـه بمكـة.

http://www.lmyangel.com/sucai/line/6/0496.gif
2 ـ عبـد المطلب‏:‏

بعد وفاة هاشم صارت السقاية والرفادة إلى أخيه المطلب بن عبد مناف.
كان شريفًا مطاعًا ذا فضل في قومه، كانت قريش تسميه الفياض لسخائه.
عندما سمع بشيبة رحل في طلبه حتى قدم به مكة مردفه على بعيره، فقال الناس‏:‏هذا عبد المطلب، فقال‏:‏ ويحكم، إنما هو ابن أخى هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع.
عندما هلك المطلب بـ ‏[‏دمان‏]‏ من أرض اليمن، ولى بعده عبد المطلب، فأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون لقومهم،وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم‏.‏
ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت:
o حفر بئر زمزم: أنه أمر في المنام بحفر زمزم ووصف له موضعها، فقام يحفر، فوجد فيه الأشياء التي دفنها الجراهمة حين لجأوا إلى الجلاء، أي السيوف والدروع والغزالين من الذهب، فضرب الأسياف بابًا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين صفائح من ذهب، وأقام سقاية زمزم للحجاج‏.‏
ولما بدت بئر زمزم نازعت قريش عبد المطلب، وقالوا له ‏:‏أشركنا‏.‏قال‏:‏ ما أنا بفاعل، هذا أمر خصصت به، فلم يتركوه حتى خرجوا به للمحاكمةإلى كاهنة بني سعد هُذَيْم، وكانت بأشراف الشام، فلما كانوا في الطريق، ونفد الماء سقى الله عبد المطلب مطرًا، فلم ينزل عليهم قطرة، فعرفوا تخصيص عبد المطلب بزمزم ورجعـوا، وحينئذ نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء، وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة‏.‏

o وقعة الفيل: وكانت هذه الوقعة في شهر محرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يومًا أو بخمسة وخمسين يومًا ـ عند الأكثر ـ وهو يطابق أواخر فبراير أو أوائل مارس سنة 571 م..
وخلاصتها‏ أن أبرهة بن الصباح الحبشى، النائب العام عن النجاشى على اليمن،لما رأي العرب يحجون الكعبة بني كنيسة كبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة‏.‏ ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار بجيش عرمرم ـ عدده ستون ألف جندى ـ إلى الكعبة ليهدمها..
ولكن الله حمى بيته العتيق..وأرسل عليهم طيرا أبابيل..
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)الفيل


http://www.lmyangel.com/sucai/line/6/0496.gif

3ـ عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
أمـه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظَة بـنمـرة، وكـان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح؛ وذلك أن عبد المطلب لمـا تم أبناؤه عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه، فقيل‏:‏ إنه أقـرع بينهم أيهم ينـحـر ‏؟‏ فطـارت القرعــة على عـبد الله، وكــان أحـب النـاس إليه‏.‏فقال‏:‏اللهم هو أو مائة من الإبل‏.‏ ثم أقرع بينه وبين الإبل فطارت القرعة على المائة من الإبل.
وكانت الدية في قريش وفي العرب عشرًا من الإبل،فجرت بعد هذه الوقعة مائة من الإبل، وأقرها الإسلام، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أنا ابن الذبيحين‏]‏ يعنى إسماعيل، وأباه عبد الله‏.‏
مات بالمدينة ، ودفن في دار النابغة الجعدى، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه يقول أكثر المؤرخين.
وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنـة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

4. آمنة بنت وهب (أمه):
تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا.
تزوجها عبد الله وبني بها في مكة.


http://www.lmyangel.com/sucai/line/10/line01_30.gif

http://www.lmyangel.com/sucai/icon/6/shop_1.gifالمولد وأربعون عامًا قبل النبوةhttp://www.lmyangel.com/sucai/icon/6/shop_1.gif
ولـد سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم بشِـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين, الثاني عشر مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل، الموافق سنة 571 م.

إرهاصات البعثة:
روى ابــن سعــد أن أم رســول الله صلى الله عليه وسلم قالــت ‏:‏ لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام‏.
وسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما‏ وليس له إسناد ثابت.‏

الرضاعة:
أول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى الله عليه وسلم بأسبوع ـ ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب, وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب.
ثم أرضعته حليمة السعدية, وقد رأت من بركته صلى الله عليه وسلم ما قضت منه العجب وقد روت ذلك في حديث حسن بطرقه.
فقد كانت تشكو الفاقة والحاجة, فما حلّ النبي صلى الله عليه وسلم في حجرها حتى فاضت الأرزاق عليها, وأصبحت تعود شارفها (الناقة المسنة) حافلاً (أي ممتلئة باللبن) بعد إعياء وضعف, وتحل البركة, وتفيض النعمة ويدر صدرها حتى يشبع الرضيعان ويرتويا..

وتقول السيدة حليمة: فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا (أي قويا شديدا)‏.‏ قالت‏:‏ فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها‏:‏ لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت‏:‏ فلم نزل بها حتى ردته معنا‏.‏

شق الصدر:
وقع حادث شق صدره في السنة الرابعة من مولده على قول المحققين ، روى مسلم عن أنس‏:‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه،فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال‏:‏ هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في مكانه.

إلى أمه الحنون:
وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين‏.‏
ثم توفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة, وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بني النجار تزيره إياهم. فماتت وهي راجعة به إلى مكة.

في رعاية جده عبد المطلب:
بعد وفاة أمه أحاطه جده عبد المطلب برعايته..
قال ابن هشام‏:‏ كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، فكان رسول الله صلىالله عليه وسلم يأتى وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم‏:‏ دعوا ابني هذا، فوالله إن له لشأنًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع‏.

إلى عمه الشفيق:
بعد وفاة جده نهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.

بحيرا الراهب:
في إحدى المرات ارتحل به أبو طالب تاجرا إلى الشام حتى مروا ببحيرا الراهب, فعرف الرسول صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين‏.‏فقال له أبو طالب و أشياخ قريش‏:‏ ‏‏و‏ما علمك ‏بذلك‏؟‏ فقال‏:‏إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ‏وإنا نجده فيكتبنا‏، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة‏.

حرب الفِجار:
وقعت في سوق عُكاظ بين قريش وبين قيس عيلان..
وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينبل على عمومته (بنو كنانة)؛ أي يجهز لهم النبل للرمي‏.‏

حلف الفضول:
قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت".
وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها، فقد تعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانواعلى من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته.

حياة الكدح ورعيه صلى الله عليه وسلم للغنم:
قال صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم". فقال الصحابة: وأنت؟. فقال: "نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة".
وفي الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجرا إلى مكة في مال خديجة رضي الله عنها. وقد استأجرته على مالها لما بلغها عنه عليه الصلاة والسلام من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه.

زواجه بخديجة رضي الله عنها:
هي خديجة بنت خويلد..أفضل نساء قومها نسبا وثروة وعقلا يومئذ.

لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضى بذلك.
وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت‏.‏

وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم،ولدت له‏:‏ أولًاالقاسم ـ وبه كان يكنى ـ ثم زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد الله‏.‏ وكان عبدالله يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن،إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة رضي الله عنها، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به‏.

إعادة بناء الكعبة وقضية التحكيم:
تعرضت الكعبة لأكثر من سبب أدى إلى تصدع جدرانها وأوشكت على الانهيار..فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها.
وكانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومى، فأخذ المعول وقال‏:‏اللّهم لا نريد إلا الخير، ثم هدم ناحية الركنين، ولما لم يصبه شيء تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني.

ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه.
حتى دخل عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فحكموه فيما شجر بينهم فحكم بأن يُوضع الحجر في رداء ويحمله رؤساء القبائل المتنازعين كلٌ من طرف حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه.

حفظ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم:
فقد حمى الله سبحانه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في صغره من أن يقع في الخطايا والآثام التي كان الشباب يقترفها:

فقد كان يوافق قومه فيما كان حقا ويخالفهم فيما عداه. مثل: صيام عاشوراء.
وكان لا يشرب الخمر.
ولا يأكل مما ذُبح على النصب.
ولا يحضر للأوثان عيدا ولا احتفالا.
وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذه الرعاية الإلهية بقوله: ‏(‏ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى أكرمنى برسالته، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة‏:‏ لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب، فقال‏:‏أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا، فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب الله على أذنـى فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس‏.‏ فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة‏.‏‏.‏‏.‏ ثم ما هممت بسوء‏)‏‏.‏

وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق، فقال‏:‏ ‏(‏إزاري، إزاري‏)‏ فشد عليه إزاره‏.‏ وفي رواية‏:‏ فما رؤيت له عورة بعد ذلك‏.

نور
03-28-2008, 10:32 AM
الدروس والعبر والفوائد


1. وقعة الفيل:
كانت تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته؛ لأنّا حين ننظر إلى بيت المقدس نرى أن المشركين من أعداء الله استولوا على هذه القبلة مرتين بينما كان أهلها مسلمين، كماوقع لبُخْتُنَصَّر سنة 587 ق‏.‏م، والرومان سنة 70 م، ولكن لم يتم استيلاء نصارى الحبشة على الكعبة وهم المسلمون إذ ذاك، وأهل الكعبة كانوا مشركين‏.‏ وقد لفتت الوقعة أنظار العالم ودلته على شرف بيت الله، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى النبوة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة.





2. نسبٌ كريم:


فقد ولد في أشرف بيت من بيوت العرب، وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا»( رواه الترمذي بسند صحيح).


ولمكانة هذا النسب الكريم في قريش لم نجدها فيما طعنت به على النبي صلى الله عليه وسلم لاتضاح نسبه بينهم، ولقد طعنت فيه بأشياء كثيرة مفتراة إلا هذا الأمر.


وهذا يدلنا على أنه كلما كان الداعية إلى الله، أو المصلح الاجتماعي في شرف من قومه، كان ذلك أدعى إلى استماع الناس له.


صحيح أن الإسلام لا يقيم وزنا لشرف الأنساب تجاه الأعمال، ولكن هذا لا يمنع أن يكون الذي يجمع بين شرف النسب وشرف الفعل، أكرم وأعلى مكانا وأقرب نجاحا..
كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».





3. نشأته في الصحراء:


أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السنوات الأربع الأولى من طفولته في الصحراء في بني سعد، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، جريء الجنان، يحسن ركوب الخيل على صغر سنه قد تفتحت مواهبه على صفاء الصحراء وهدوئها، وإشراق شمسها ونقاوة هوائها.





4. بركة النبوة على بني سعد:


يقول تعالى: وَلَوْأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) الأعراف
عندما آمنت الجزيرة وأسلمت فتح الله عليها بركات السماء والأرض, وها هم العرب والمسلمون اليوم يصدون عن دين الله إلا في صور قليلة تحفظ ماء الوجه, ويتدثرون بأمزاق الجاهلية, فتدفع الأجيال المتعاقبة الثمن, من جوعها وعطشها, وأمنها واستقرارها, ها هي تدفع ثمن التخلف عن الدين, بالتخلف في كل الميادين!!.





5. حادثة شق الصدر:


هي أمارة يهتدي بها المؤمنون, علامة على طريق الإيمان. أما أن يظن الناس أن الشر يمكن أن يستأصل بعمل جراحي, فالأمر في باب المعجزات ليس كذلك, إنها قصة الإيمان, لا الأبدان.





6. وفاة أمه:


لقد كان لهذا اليتم حكمة أرادها الله تعالى, إذ أنه يُعد ليكون قدوة للناس كافة, وفي الناس من الأيتام والضعفاء ما لا يحصى عددا, ممن تنساهم المؤسسات والنظم, فيدعون الأيتام نهبة لليأس والإحباط والفقر والحاجة.
ولعله من هذه الناحية كان النص النبوي العظيم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا..





7. رعيه للغنم: فيه أمرين:


- قال ابن حجر: قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة؛ ليحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم, ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة والصبر..


- إن الدعاة الصادقين الشرفاء يربؤون بأنفسهم أن يعيشوا من صدقات الناس وأعطياتهم، وأية كرامة تكون لهم في نفوس قومهم بعد أن يهينوا أنفسهم بذل السؤال والاستجداء ولو لم يكن صريحا مكشوفا. وإنما ينبغي للداعية أن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي، أو مورد شريف لا استجداء فيه، ولا ذلة ولا مهانة.





8. الذكاء ورجاحة العقل من سمات الداعية الناجح:


فلا يتأهل لمركز الدعوة وقيادتها إلا الذكي النبيه، فالأغبياء والمتوسطون في نجابتهم أبعد الناس عن جدارة القيادة الفكرية، أو الإصلاحية، أو الروحية،وفي حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة دليل واضح على هذا.





9. إن استقامة الداعية في شبابه وحسن سيرته أدعى إلى نجاحه في دعوته إلى الله:


إذ لا يجد في الناس من يغمزه في سلوكه الشخصي قبل قيامه بالدعوة، وكثيرا ما رأينا أناسا قاموا بدعوة الإصلاح، وبخاصة إصلاح الأخلاق، وكان من أكبر العوامل في إعراض الناس عنهم ما يذكرونه لهم من ماض ملوث، وخلق غير مستقيم، بل إن الماضي السيء يكون مدعاة للشك في صدق هؤلاء الدعاة، بحيث يتهمون بالتستر وراء دعوة الإصلاح لمآرب خاصة، أو يتهمون أنهم ما بدؤوا بالدعوة إلى الإصلاح إلا بعد أن قضوا حاجتهم من ملذات الحياة وشهواتها، وأصبحوا في وضع أو عمر لا أمل لهم فيه بالاستمرار فيما كانوا يبلغون فيه من عرض أو مال أو شهرة أو جاه.


نعم إن الله يقبل توبة التائب المقبل عليه بصدق وإخلاص، ويمحو بحسناته الحاضرة سيئاته المنصرمة، ولكن هذا شيء غير الداعية الذي ينتظر لدعوته النجاح إذا استقامت سيرته وحسنت سمعته.

نور
03-28-2008, 10:38 AM
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله أفضل الرسل وخاتم النبيين..
الجزء الثاني (73-82)...
في ظلال النبوة والرسالة
تنقسم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن شرفه الله بالنبوة والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن الآخـر تمـام الامتياز، وهما‏:‏
1 ـ العهد المكي، ثلاث عشرة سنة تقريبًا‏.‏
2 ـ العهد المدني، عشر سنوات كاملة‏.‏

ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثلاث مراحل‏:‏
1 ـ مرحلة الدعوة السرية، ثلاث سنوات‏.‏
2 ـ مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‏.‏
3 ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة‏.‏ وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم‏.

في غار حراء:
ولما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم الاربعين, حبب إليه الخلاء , فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور, فيقيم فيه شهر رمضان , ويقضي وقته في العبادة والتفكير وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة, دبر الله له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات.
جبريل ينزل بالوحي :
ولما تكامل له اربعون سنة بدأت اثار النبوة تتلوح وتتلمع, فمن ذلك أن حجرا بمكة كان يسلم عليه, ومنها أنه كان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح, حتى مضت على ذلك ستة أشهر_ ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة_ فلما كان شهر رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى الله عليه وسلم بحراء أنزل إليه جبريل بايات من القران.
قالت عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم, فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فبق الصبح , ثم حبب إليه الخلاء, وكان يخلو بغار حراء, قيتحنث فيه_ وهو التعبد_ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله, ويتزود لذلك , ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها, حتى جاءه الحق وهو في غار حراء, فجاءه الملك فقال : اقرأ : فقلت: ماأنا بقارئ, فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد , ثم أرسلني فقال: اقرأ , فقلت : ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد, ثم أرسلني , فقال: اقرأ, فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة, ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)....فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده, فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني زملوني , فزملوه حتى ذهب عنه الروع , فقال لخديجة , مالي, وأخبرها الخبر , لقد خشيت على نفسي, فقالت خديجة: كلا , والله! مايخزيك الله أبدا, إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم وتقري الضيف , وتعين على نوائب الحق , فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة_ وكان امرءا تنصر في الجاهلية, وكان يكتب الكتاب العبراني, فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاءالله أن يكتب , وكان شيخا كبيرا قد عمي _ فقالت له خديجة : يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك, فقال له ورقة: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى , فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى , يا ليتني فيها جذعا, ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال : نعم , لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ,وإن يدركني يومك أنصرنكنصرا مؤززا, ثم لو ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي..
فترة الوحي:
روى البخاري: وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه ةسلم فيما بلغنا حزنا عدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال , فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال : يا محمد ! إنك رسول الله حقا, فيسكن لذلك جأشه, وتقر نفسه, فيرجع, فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك , فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.
جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية:
روى البخاري عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي, فقال :
فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء , فرفعت بصري قبل السماء, فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والآرض , فجئت منه حتى هويت إلى الآرض , فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني ’ فزملوني , فأنزل الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) إلى قوله (فَاهْجُرْ) , ثم حمى الوحي وتتابع....
وهذه الايات هي مبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم, وهي متأخرة عن النبوة بمقدار فترة الوحي . وتشتمل على نوعين من التكليف ,
النوع الأول : تكليفه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ والتحذير.
النوع الثاني : تكليفه صلى الله عليه وسلم بتطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى على ذاته, والالتزام بها في نفسه, وذلك في بقية الايات. فقوله (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) معناه خصه بالتعظيم , ولاتشرك به في ذلك أحد.
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم , فظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما! لم يسترح ولم يسكن, ولم يعش لنفسه ولا لأهله....
استطراد في بيان أقسام الوحي
أقسام ومراتب الوحي :-
1- الرؤيا الصادقة , وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم.
2- ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه.
3- أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه مايقول له, وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا .
4- أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس.
5- أنه يرى الملك في صورته التى خلق عليها.
6- ما أوحاه الله إليه , وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.
7- كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك.
وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله له كفاحا من غير حجاب , وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف.
المرحلة الأولى
من جهاد الدعوة إلى الله
ثلاث سنوات من الدعوة السرية :
كان من الحكمة أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية , لئلا يفاجأ أهل مكة بما يهيجهم.
الرعيل الآول:
وكان من الطبيعي أن يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام أولا على ألصق الناس به وال بيته, وفي مقدمتهم زوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد , ومولاه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وابن عمه علي بن أبي طالب-وكان صبيا يعيش في كفالة الرسول- وصديقه الحميم أبو بكر الصديق . وأسلم هؤلاء في أول يوم الدعوة.
ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام, فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه , فأسلم بدعائه عثمان بن عفانا لأموي , والزبير بن العوام الأسدي, وعبد الرحمن بن عوف , وسعد بن أبي وقاص الزهريان, وطلحة بن عبيد الله التميمي. فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام.
ومن أوائل المسلمين بلال بن رباح الحبشي , وأبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر, وأبو سلمة بن عبد الأسد, والأرقم بن أبي الأرقم المخزوميان , وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبد الله , وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف , وسعيد بن زيد العدوي , وامرأته فاطمة بنت الخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب , وخباب من الأرت وعبد الله بن مسعود الهذلي وخلق سواهم , وأولئك هم السابقون الأولون , وهم من جميع بطون قريش و أكثر من أربعين نفرا..
أسلم هؤلاء سرًا ,وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم ويرشدهم إلى الدين متخفيًا, لأن الدعوة كانت لاتزال فردية وسرية.
الصلاة:
وكان في أوائل ما أنزل الأمر بالصلاة,
وقد ذكر ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ّهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم , وقد رأى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وعليًًّا يصليان مرة , فكلمهما في ذلك , فلما عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات .
الخبر يبلغ إلى قريش إجماًلا :
وهكذا مرت ثلاثة أعوام، والدعوة لم تزل مقصورة على الأفراد، ولم يجهر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المجامع والنوادى،إلا أنها عرفت لدى قريش، وفشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به الناس، وقد تنكر له بعضهم أحيانًا، واعتدوا على بعض المؤمنين، إلا أنهم لم يهتموا به كثيرًا حيث لم يتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم، ولم يتكلم في آلهتهم‏.‏..
الدروس والعبر والفوائد
1- لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام مرتاحا لديانة قومه من قبل بعتثه .
2- هيئه الله للنبوة فحبب إليه العزلة والإنفراد.
3- كانت بداية نبوته بالرؤيا الصادقة.
4- بداية نزول الوحي عليه في غار حرء عندما بلغ الأربعين من العمر في ليله 27 من شهر رمضان.
5- فتور الوحي عنه لكي يطلب المزيد منه .
6- بداية الدعوة سرا في أهله والمقربين منه.
7- الأمر بالصلاة.
8- بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية أمره الله بالجهر بدعوته.

نور
03-28-2008, 10:44 AM
http://i31.tinypic.com/2m2gobs.gif


الجزء الثاني
في ظلال النبوة والرسالة
بعض الدروس المستفادة:
1. اعتزاله في غار حراء:
-إن الله إذا أراد لعبد أن يوجهه لدعوة الخير والإصلاح، ألقى في قلبه كره ما عليه مجتمعه من ضلال وفساد.
-يجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة، والحياة المضطربة من حوله، ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه إن قصرت في خير، أو زلت في اتجاه.
ولذلك كان التهجد وقيام الليل فرضاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستحباً في حق غيره، وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته، وللخلوة والتهجد والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول في أعقاب تهجده وعبادته: نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها.


http://i31.tinypic.com/2m2gobs.gif
2. فَتْرَة الوحى
يقول الكاتب:
وقد ظهر لى شىء غريب بعد إدارة النظر في الروايات وفي أقوال أهل العلم‏.‏ وهو أن هذه الأقوال والروايات تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور بحراء شهرًا واحدًا، وهو شهر رمضان من كل سنة، وذلك من ثلاث سنوات قبل النبوة،وأن سنة النبوة كانت هي آخر تلك السنوات الثلاث، وأنه كان يتم جواره بتمام شهر رمضان، فكان ينزل بعده من حراء صباحًا ـ أي لأول يوم من شهر شوال ـ ويعود إلى البيت‏.‏

وقد ورد التنصيص في رواية الصحيحين على أن الوحى الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفترة إنما نزل وهو صلى الله عليه وسلم راجع إلى بيته بعد إتمام جواره بتمام الشهر‏.‏

أقول‏:‏ فإذا ثبت أن أول نزول الوحى كان في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان فإن هذا يعنى أن فترة الوحى كانت لعشرة أيام فقط‏.‏ وأن الوحى نزل بعدها صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة‏.‏ ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم‏.

3. الكتمان والسرية حاجة دعوية وسياسة نبوية:
إن دعوة الإصلاح إذا كانت غريبة على معتقدات الجمهور وعقليته، ينبغي ألا يجهر بها الداعية حتى يؤمن بها عدد يضحون في سبيلها بالغالي والرخيص، حتى إذا نال صاحب الدعوة أذى، قام أتباعه المؤمنون بدعوته بواجب الدعوة، فيضمن بذلك استمرارها.
http://i31.tinypic.com/2m2gobs.gif
4. فضل الأوائل:
لقد أجهد أهل العلم أنفسهم , وهم يتابعون أول من أسلم ويحصون الرعيل الأول,
فما بال الأول, وما بال الآخر, وقد آمن كلٌ وحسن إسلامه؟!
يقول تعالى:
(لا يستوي منكم من أنفق قبلَ الفتحِ وقاتلَ أولئك أعظمُ درجةً من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا
وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) الحديد 10
أولئك منارات هدى, يرى الناس من خلالهم الطريق, فيمضون على خطى مسبوقة,
قد مهدها الصابرون, وسلكها السابقون الأولون..
(والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلةٌ من الأولين
وقليلٌ من الآخرين على سررٍ موضونة) الواقعة 10-15
فكوني أخيتي من السباقين, كوني رائدة وقائدة في أول الركب,
كوني من حملة الراية وسيري مع القافلة ولا تتأخري فيفوتك الكثير..

http://i31.tinypic.com/2m2gobs.gif
5.الخلوة شأن الصالحين:
والسر في الخلاء فراغ القلب وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ "ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" مِن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله..فالعزلة تعين على التفكر, وبها ينقطع عن مألوفات البشر, ويخشع قلبه.

6.أيهما أولى؛ الخلوة أم المخالطة:
يجوز للمسلم أن يخلو عن الناس, ويترك المخالطة, فقد يأتي على الناس زمان لا يصلح فيها المسلم إلا أن يأوي إلى شعف الجبال يتبع مواقع القِطر يفر بدينه من الفتن..(روى البخاري بهذا المعنى حديثا).
وللعلماء مذهبان في العزلة:
الأول: الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية, للقيام بالشعائر الإسلامية وتكثير سواد المسلمين, وإيصال أنواع الخير إليهم.
الثاني: العزلة أولى لتحقق السلامة.

7.صفات المستشار المؤتمن الذي يؤخذ برأيه:
-كاتب في وقت يعزُّ فيه القرطاس والقلم, في أمة أمية..
-صاحب دين في زمن الجاهلية.
-محنك مجرب.

نور
03-28-2008, 10:46 AM
المرحلـة الثانية: الدعــوة جهــارًا
.
.
أول أمـر بإظهار الدعـوة
وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى‏:‏"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ"‏ كانت هذه الآية في سورة الشعراء وهي سورة ذكرت فيها قصة موسى عليه ‏السلام وقد اشتملت هذه القصه على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السلام خلال دعوة فرعون وقومه إلى الله.
ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب عاقبة أمرهم وما سيلقونه من مؤاخذة الله إن استمروا عليه، وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم وليس للمكذبين‏.‏
الدعـوة في الأقربين
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا‏.‏ فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بادره أبو لهب وقال‏:‏هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة،وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به،فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلس‏.‏
ثم دعاهم ثانية وقال‏:‏ ‏(‏الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به،وأتوكل عليه‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏)‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون،وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا‏)‏‏.‏
فقال أبو طالب‏:‏ ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك‏.‏ وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به‏.‏ فوالله، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسى لا تطاوعنى على فراق دين عبد المطلب‏.‏
فقال أبو لهب‏:‏ هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب‏:‏ والله لنمنعه ما بقينا‏.‏

على جبل الصفا
وبعد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فعلا أعلاها حجرًا،ثم هتف‏:‏ ‏(‏يا صباحاه‏)‏وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم‏.‏
ثم جعل ينادى بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل‏:‏ ‏(‏يا بني فهر، يابني عدى، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب‏)‏‏.‏
فلما سمعوا قالوا‏:‏ من هذا الذي يهتف‏؟‏ قالوا‏:‏ محمد‏.‏ فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاءأبو لهب وقريش‏.‏
فلما اجتمعوا قال‏:‏ ‏(‏أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادى بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِىَّ‏؟‏‏)‏‏.‏
قالوا‏:‏ نعم، ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا‏.‏
قال‏:‏ ‏(‏إنى نذير لكم بين يدى عذاب شدي)، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت:"تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ".
‏كانت هذه الصيحـة العالية هي غاية البلاغ، فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم،وأن عصبة القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتى من عند الله‏.‏
الصدع بالحق وردود فعل المشركين:
ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى‏:‏‏"‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏"‏، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم‏:‏ ‏"‏يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(6,59,59))‏ ‏،وبدء يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد‏.‏
انفجرت مكة بمشاعر الغضب، وماجت بالغرابة والإستنكار، حين سمعت صوتا يجهر بتضليل المشركين وعبادة الاصنام فرعدت وبرقت وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة ويخشى أن تأتي على تقاليدها وموروثها.


المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة
وخلال هذه الأيام أهم قريشًا أمر آخر،وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أيام أو أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة، فقال لهم الوليد‏:‏ أجمعوا فيه رأيـًا واحدًا،ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا‏:‏ فأنت فقل، وأقم لنا رأيًا نقول به‏.‏قال‏:‏ بل أنتم فقولوا أسمع‏.‏ قالوا‏:‏ نقول‏:‏ كاهن‏.‏ قال‏:‏ لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه‏.‏ قالوا‏:‏ فنقول‏:‏مجنون، قال‏:‏ ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولاتَخَالُجِه ولا وسوسته‏.‏ قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ شاعر‏.‏ قال‏:‏ ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه وقَرِيضَه ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر،قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ ساحر‏.‏ قال‏:‏ ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم‏.‏ قالوا‏:‏ فما نقول‏؟‏ قال‏:‏ والله إن لقوله لحلاوة،‏[‏وإن عليه لطلاوة‏]‏ وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا‏:‏ ساحر‏.‏ جاء بقول هوسحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرءوعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك‏.‏
وفي الوليد أنزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر‏:‏” إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَوَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ‏".. (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(73,11,26))‏ ‏[‏من 11 إلى 26‏]‏
وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره‏.‏
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذى المَجَاز، يدعوهم إلى الله، وأبو لهب وراءه يقول‏:‏ لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب‏.‏
وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها‏.‏

نور
03-28-2008, 10:51 AM
أساليب شتى لمجابهة الدعوة
ولما فرغت قريش من الحج فكرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة فيمهدها‏.‏ وتتلخص هذه الأساليب فيما يلي‏:‏


1ـ السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك‏:‏
قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلىالله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون ‏{‏وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(14,6,6))‏‏[‏الحجر‏:‏6‏]‏، ويصمونه بالسحر والكذب ‏{‏وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(37,4,4))‏‏[‏ص‏:‏4]‏،وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة‏{‏وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(67,51,51))‏ ‏[‏القلم‏:‏51]‏،وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا‏:‏ هؤلاء جلساؤه ‏{‏مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(5,53,53))‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 53‏]‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(5,53,53))‏ ‏[‏الأنعام‏:‏53]‏،وكانوا كما قص الله علينا ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَامَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُواعَلَيْهِمْ حَافِظِينَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(82,29,33))‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 29‏:‏ 33]‏‏.‏

http://i30.tinypic.com/jpzj1s.gif

2ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة‏:‏
وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن‏:‏‏"‏أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(20,5,5))‏ ‏يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار،ويقولون‏:‏‏"‏بَلِ افْتَرَاهُ‏"‏ (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(20,5,5))من عند نفسه ويقولون‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(15,103,103))‏ وقالوا‏:‏ ‏"‏إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(24,4,4))‏ أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه‏.‏ ‏"‏وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(24,5,5))‏.


وأحيانا قالوا‏:‏ إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان‏.‏ قال تعالى ردًا عليهم‏:‏ "‏‏هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(25,221,222))‏ ، أي إنها تنزل على الكذاب الفاجرالمتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم علىّ كذبًا، وما وجدتم في فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان‏؟‏


وأحيانًا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعانى، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء، فهو شاعر وكلامه شعر‏.‏ قال تعالى ردًا عليهم‏:‏ ‏"‏وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ‏" (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(25,224,226))‏ وقالوا‏:‏‏"‏مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ‏". (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(24,7,7))‏ ‏
http://i30.tinypic.com/jpzj1s.gif

3 ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطيرالأولين‏:‏


كان المشركون بجنب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن، فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون، إذا رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلى ويتلو القرآن‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(40,26,26))‏ ‏[‏فصلت‏:‏26‏]‏ حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لميتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضًا عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة‏.‏


وكان النضر بن الحارث، أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بهاأحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول‏:‏ أنا و الله يامعشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول‏:‏بماذا محمد أحسن حديثًا مني‏.‏
وفي رواية عن ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لايسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول‏:‏ أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(30,6,6))‏‏[‏لقمان‏:‏ 6‏]‏‏.‏

http://i30.tinypic.com/jpzj1s.gif

الاضطهادات
أعمل المشركون الأساليب التي ذكرناها شيئًا فشيئًا لإحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، ولكنهم لمارأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان‏.‏
كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به‏، وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته‏، ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشًا، فتَخَشَّفَ جلده تخشف الحية‏.‏
واشترى أبوبكر رضي الله عنه هؤلاء الإماء والعبيد رضي الله عنهم وعنهن أجمعين، فأعتقهم جميعًا‏.‏ وقد عاتبه في ذلك أبوه أبو قحافة وقال‏:‏ أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أعتقت رجالًا جلدًا لمنعوك‏.‏ قال‏:‏ إني أريد وجه الله‏.‏فأنزل الله قرآنًا مدح فيه أبا بكر، وذم أعداءه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(91,14,16))‏ ‏[‏الليل‏:‏14‏:‏ 16]‏ وهو أمية بن خلف، ومن كان على شاكلته ‏{‏وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(91,17,21))‏ ‏[‏الليـل‏:‏17‏:‏ 21]‏ وهـو أبـوبـكـر الصديـق رضي الله عنه‏.‏





وفد قريش إلى أبي طالب
قال ابن إسحاق‏:‏ مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، فقالوا‏:‏يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضلل آباءنا،فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه،فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولًا رقيقًا وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه‏.‏ ولكن لم تصبر قريش طويلًا حين رأته صلى الله عليه وسلم ماضيًا في عمله ودعوته إلى الله، بل أكثرت ذكره وتذامرت فيه، حتى قررت مراجعة أبي طالب بأسلوب أغلظ وأقسى من السابق‏.‏


قريش يهددون أبا طالب
وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له‏:‏ يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أوننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين‏.‏
عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له‏:‏ يا بن أخي، إن قومك قد جاءونى فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال‏:‏ ‏(‏يا عم، والله لو وضعواالشمس في يمينى والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته‏)‏، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قالله‏:‏ اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشىء أبدًا.


قريش بين يدى أبي طالب مرة أخرى
ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في عمله عرفت أنأبا طالب قد أبي خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مجمع لفراقهم وعداوته مفي ذلك، فذهبوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة وقالوا له‏:‏ يا أبا طالب، إنهذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك،وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال‏:‏ والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه‏؟‏ هذا والله ما لا يكون أبدًا‏.‏ فقال المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد مناف‏:‏ والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدواعلى التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال‏:‏ والله ماأنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك‏.‏
ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفه عن الدعوة إلى الله، قررت أن يختار سبيلا قد حاولت تجنبه والابتعاد منه مخافة مغبته وما يؤول إليه، وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏



http://i30.tinypic.com/jpzj1s.gif

اعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم
واخترقت قريش ما كانت تتعاظمه وتحترمه منذ ظهرت الدعوة على الساحة،فقد صعب على غطرستها وكبريائها أن تصبر طويلًا، فمدت يد الاعتداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشوية والتلبيس والتشويش وغير ذلك‏.‏ وكان من الطبيعى أن يكون أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم، كان قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما‏.‏
ولما مات عبد الله ـ الابن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـاستبشر أبو لهب وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر‏.‏
وقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى عند البيت،وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض‏:‏ أيكم يجىء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم ‏[‏وهو عقبة بن أبي معيط‏]‏ فجاء بهفنظر، حتى إذا سجد النبي وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لوكانت لي منعة، قال‏:‏ فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم ‏[‏أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا‏]‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال‏:‏ ‏[‏اللهم عليك بقريش‏]‏ ثلاث مرات،فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قال‏:‏ وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة،ثم سمى‏:‏ ‏(‏اللّهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليدبن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط‏)‏ ـ وعد السابع فلم نحفظه ـ فوالذي نفسى بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القَلِيب، قليب بدر‏.‏
هذه صورة مصغرة جدًا لما كان يتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من الظلم والخسف والجور على أيدى طغاة المشركين، الذين كانوا يزعمون أنهم أهل الله وسكان حرمه‏.‏
وكان من مقتضيات هذه الظروف المتأزمة أن يختار رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفًا حازمًا ينقذ به المسلمين عما دهمهم من البلاء، ويخفف وطأته بقدرالمستطاع، وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوتين حكيمتين كان لهما أثرهما في تسيير الدعوة وتحقيق الهدف، وهما‏:‏


1 ـ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومى مركزا للدعوة ومقرًا للتربية‏.‏
2ـ أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة‏.‏

http://i30.tinypic.com/jpzj1s.gif



دار الأرقم
كانت هذه الدار في أصل الصفا، بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم،فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدى المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة‏.‏
ومما لم يكن يشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اجتمع بالمسلمين علنا لحاول المشركون بكل ما عندهم من القسوة والغلظة أن يحولوا بينه وبينما يريد من تزكية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما أفضى ذلك إلى مصادمة الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلًا‏.‏ فقد ذكر ابن إسحاق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب، فيصلون فيها سرًا، فرآهم نفر من كفار قريش،فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلًا فسال دمه، وكان أول دم هريق في الإسلام‏.‏
ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم، فكان من الحكمة السريةُ والاختفاء، فكان عامة الصحابة يُخْفُون إسلامهم وعبادتهم واجتماعهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين، لا يصرفه عن ذلك شىء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًا؛ نظرًا لصالحهم وصالح الإسلام‏.‏
.http://i30.tinypic.com/jpzj1s.gif

نور
03-28-2008, 10:55 AM
المرحلـة الثانية: الدعــوة جهــارًا


فوائد ولطائف:


1. دعوة الأهل والعشيرة:

هذه البداية الطبيعية للداعية المسلم , أن يبدأ بآله وعشيرته, فالأقربون أولى بالمعروف.





2. أعلى المنابر لدين الله تعالى:

"فعلا أعلاها حجرا"..إنه أعلى المنابر في تلك البلد, فيجب تسخير أعلى المنابر لدين الله تعالى, ولا يحسن الزهد فيها متعللا بورع أو شبهة, فنترك منابر الصدارة السياسية والاجتماعية ونحوها للفسقة وأقلام الردة والضلال.





3. استعمال مصطلح القوم: "يا صباحاه":

إنها رعاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم, أن يحسن نداء القوم بما ألفوا وعرفوا, ليسير المؤمنون على هديه صلى الله عليه وسلم فيصبروا, حتى يصعد بلال سطح الكعبة مكبرا ..فالساعة آتية ولكنكم تستعجلون.





4. "ألهذا جمعتنا؟"

نعم؛ لهذا الأمر يكون الجمع. ولكن الجاهلية الأولى ووليدتها المعاصرة لا ترى أن هذا الأمر يدعى له, أو يُجتمع عليه, أما أن تجمع الملايين على لعب الكرة أو المسارح, فهذا أمرٌ معتبر مستجاب له!!





5.(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِمِن رَّبِّكُمْ)

للمحنة فقهٌ آخر..وقد فقه ذلك أبو بكر رضي الله عنه, وهو يحاول أن يذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيعمد إلى كلمات لا تزيد اللهب اشتعالا, فكلمة "ربي الله" ليست مثل "لا إله إلا الله", فالجاهلية تقر بالربوبية لكنهم كانوا ينكرون توحيد الآلهة وجعلهم إلهاً واحداً.

فعمله رضي الله عنه أصل في المحافظة على الطاقات, وعدم الانجرار للمعارك الجانبية المفتعلة, مع المحافظة على العقيدة والدين..





6. ليس على الضعفاء حرج:

فها هو ابن مسعود يقول: "فأنا أرهب منهم" –أي أخاف- فلم يستطع أن يدافع عن نبيه صلى الله عليه وسلم..

فهذا عذر للذين لا يقدرون على مجابهة الباطل ومدافعته , فإن لم يكن كأبي بكر رضي الله عنه, ولم يستطع ما استطاع. فإن له في قول علي رضي الله عنه "فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر" عزاء وسعة, والناس منازل, ولكل ٍ فضله وجهاده وأجره..




7. الابتلاء سنة في الدعوات:

(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)





8. دار الأرقم:

إن على الداعية أن يجتمع بأنصاره على فترات في كل نهار أو أسبوع, ليتزودوا بالعلم والإيمان,

وليعلمهم طرق الدعوة وأساليبها, وإذا خشي على نفسه وجماعته وجب عليه أن يكون اجتماعه سرا..

نور
03-28-2008, 10:57 AM
الهجرة الأولى إلى الحبشة
_______________________________

كانت بداية الاعتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة،
ثم لم تزل تشتد يومًا فيومًا وشهرًا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة،
ونبا بهم المقام في مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل،
لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتن‏.‏
وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة‏.‏ كان مكونًا من اثنى عشر رجلًا
وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما‏:‏ ‏(‏إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام‏)‏
كان رحيل هؤلاء تسللًا في ظلمة الليل ـ حتى لا تفطن لهم قريش
وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش،
فيهم ساداتهم وكبراؤهم، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم،
ولم يكن أولئك الكفار سمعوا كلام الله من قبل؛ لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصى به بعضهم بعضًا،
من قولهم‏:‏ ‏{‏لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏26]‏ فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة،
وقرع آذانهم كلام إلهي خلاب، وكان أروع كلام سمعوه قط، أخذ مشاعرهم،
ونسوا ما كانوا فيه فما من أحد إلا وهو مصغ إليه، لا يخطر بباله شىء سواه،
حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏62‏]‏ ثم سجد،
لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدًا‏.‏ وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين،
فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين‏.‏
وسَقَطَ في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لَوَّى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه،
وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين،
وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير،
وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائما من قولهم‏:‏ ‏(‏تلك الغرانيـق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى‏)‏،
جاءوا بهذا الإفك المبـين ليعـتذروا عـن سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم،
وليس يستغـــرب هـذا مـن قـوم كانوا يألفون الكذب، ويطيلون الدس والافتراء‏.‏
وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية،
بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة،
فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة،
ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش‏.‏
ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم،
فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار،
ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى‏
.واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها،
فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر،
فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا‏.‏
وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلًا إن كان فيهم عمار،
فإنه يشك فيه، وثماني عشرة أوتسع عشرة امرأة‏.‏

http://www.al-wed.com/pic/6223.gif

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين،
وهما‏:‏ عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ
وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة،
وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم،
حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهديا ثم كلماه فقالا له‏:‏
أيها الملك، إنه قد ضَوَى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك،
وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛
لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه‏.‏
وقالت البطارقة‏:‏ صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم‏.‏
ولكن رأي النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعًا‏.‏
فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنًا ما كان‏.‏
فقال لهم النجاشي‏:‏ ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم،
ولم تدخلوا به في دينى ولا دين أحد من هذه الملل ‏؟‏
قال جعفر بن أبي طالب ـ وكان هو المتكلم عن المسلمين‏:‏ أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛
نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف،
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده،
ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث،
وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور،
وأكل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ
فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله، فعبدنا الله وحده،
فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا،
فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث،
فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك،
ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك‏.‏
فقال له النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء‏؟‏ فقال له جعفر‏:‏ نعم‏.‏ فقال له النجاشي‏:‏ فاقرأه على،
فقرأ عليه صدرًا من‏:‏ ‏{‏كهيعص‏}‏ فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخْضَلُوا
مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة،
انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون ـ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ـ فخرجا، فلما خرجا
قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم‏.‏
فقال له عبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه‏.‏
فلما كان الغد قال للنجاشي‏:‏ أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا،
فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنًا ما كان،
فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر‏:‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏
هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول‏.‏

http://www.al-wed.com/pic/6223.gif

محاولة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

ولما أخفق المشركون في مكيدتهم، وفشلوا في استرداد المهاجرين استشاطوا غضبًا، وكادوا يتميزون غيظًا،
فاشتدت ضراوتهم وانقضوا على بقية المسلمين، ومدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء،
وظهرت منهم تصرفات تدل على أنهم أرادوا القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
ليستأصلوا جذور الفتنة التي أقضت مضاجعهم، حسب زعمهم‏.‏
ومما روت لنا كتب السنة والسيرة من الأحداث التي تشهد القرائن بأنها وقعت في هذه الفترة‏:‏
أن عتيبة بن أبي لهب أتى يومًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أنا أكفر بـ ‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏1]‏
وبالذي ‏{‏ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏8‏]‏ ثم تسلط عليه بالأذى، وشق قميصه، وتفل في وجهه صلى الله عليه وسلم،
إلا أن البزاق لم يقع عليه، وحينئذ دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال‏:‏ ‏(‏اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك‏)‏، وقد استجيب دعاؤه صلى الله عليه وسلم،
فقد خرج عتيبة إثر ذلك في نفر من قريش، فلما نزلوا بالزرقاء من الشام طاف بهم الأسد تلك الليلة،
فجعل عتيبة يقول‏:‏ يا ويل أخي هو والله آكلى كما دعا محمد علىّ، قتلنى وهو بمكة، وأنا بالشام، ثم جعلوه بينهم،
وناموا من حوله، ولكن جاء الأسد وتخطاهم إليه، فضغم رأسه‏.‏
ومنها‏:‏ ما ذكر أن عقبة بن أبي مُعَيْط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان‏.‏
ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن إسحاق عن عبد الله ابن عمرو بن العاص
قال‏:‏ حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقالوا‏:‏ ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل، لقد صبرنا منه على أمر عظيم،
فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن،
ثم مر بهم طائفًا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها‏.‏
فوقف ثم قال‏:‏ ‏(‏أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح‏)‏،
فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع،
حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد، ويقول‏:‏ انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولًا‏.‏
فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم،
فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجمع ردائه،
وقام أبو بكر دونه، وهو يبكى ويقول‏:‏ أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله‏؟‏ ثم انصرفوا عنه.

نور
03-28-2008, 10:59 AM
إسلام حمزة رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

وسبب إسلامه‏:‏ أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ
حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادى قريش عند الكعبة، فجلس معهم،
وكانت مولاة لعبد الله بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة
من القَنَص مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة ـ
وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة ـ فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛
معدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه،
وقال له‏:‏ يا مُصَفِّرَ اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه ‏؟‏ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة،
فثار رجال من بني مخزوم ـ حى أبي جهل ـ وثار بنو هاشم ـ
حي حمزة ـ فقال أبو جهل‏:‏ دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا‏.‏
وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل، أبي أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره
فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز‏

http://www.al-wed.com/pic/6223.gif

إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

فقد أخرج الترمذى عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني
عن ابن مسعود وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏(‏اللّهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك‏:‏ بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام‏)‏
فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه‏.‏
وخلاصة الروايات ـ مع الجمع بينها ـ
في إسلامه رضي الله عنه‏:‏ أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته،
فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي،
وقد استفتح سورة ‏ {‏الْحَاقَّةُ‏}، فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال‏:‏
فقلت ـ أي في نفسي‏:‏ هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال‏:‏ فقرأ
{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏40، 41‏]‏
قال‏:‏ قلت‏:‏ كاهن‏.‏ قال‏: {‏ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏
إلى آخر السورة ‏[‏الحاقة‏:42، 43‏]‏ قال‏:‏ فوقع الإسلام في قلبي‏.‏
روى مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ سألت عمر بن الخطاب‏:‏
لأي شيء سميت الفاروق‏؟‏ قال‏:‏ أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسلامه‏.
‏ وقال في آخره‏:‏ قلت ـ أي حين أسلمت‏:‏ يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا‏؟‏
قال‏:‏ ‏(‏بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم‏)‏،
قال‏:‏ قلت‏:‏ ففيم الاختفاء‏؟‏ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين،
حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد،
قال‏:‏ فنظرت إلىّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها،
فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الفاروق‏)‏ يومئذ‏.‏

http://www.al-wed.com/pic/6223.gif

ممثل قريش بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ

وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين ـ حمزة بن عبد المطلب وعمـر بن الخطاب رضي الله عنهما
أخذت السحائب تتقشع، وأفاق المشركون عن سكرهم في تنكيلهم بالمسلمين،
قال ابن إسحاق‏:‏ حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظى قال‏:‏ حدثت أن عتبة بن ربيعة،
وكان سيدًا، قال يومًا ـ وهو في نادى قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده‏:‏
يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا‏؟‏
وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون،
فقالوا‏:‏ بلى، يا أبا الوليد، قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة،حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال‏:‏ يابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَةِ في العشيرة، والمكان في النسب،
وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم،
وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها‏.‏
قال‏:‏ فقال رسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قل يا أبا الوليد أسمع‏)‏‏.‏
قال‏:‏ يابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا
حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك،
وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده
عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه،
فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ـ أو كما قال له ـ
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه
قال‏:‏ ‏(‏أقد فرغت يا أبا الوليد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏(‏فاسمع منى‏)‏، قال‏:‏أفعل،
فقال‏: ‏ {‏ بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا
قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏1‏:‏ 5‏] ثم مضى رسول الله فيها،
يقرؤها عليه‏.‏ فلما سمعها منه عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره
معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى السجدة منها فسجد ثم قال‏:‏ ‏(‏قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك‏)‏‏.‏
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض‏:‏ نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد
بغير الوجه الذي ذهب به‏.‏ فلما جلس إليهم قالوا‏:‏ ما وراءك يا أبا الوليد‏؟‏
قال‏:‏ ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر
ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها بي،
وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه،
فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم،
فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم،
وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم،
وكنتم أسعد الناس به، قالوا‏:‏ سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه،
قال‏:‏ هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم‏.‏

http://www.al-wed.com/pic/6223.gif

موقف أبي طالب وعشيرته
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

أما أبو طالب فإنه لما واجه مطالبة قريش بتسليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم ليقتلوه،
ثم رأي في تحركاتهم وتصرفاتهم ما يؤكد أنهم يريدون قتله وإخفار ذمته ـ
مثل ما فعله عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام وعمر بن الخطاب ـ
جمع بني هاشم وبني المطلب، ودعاهم إلى القيام بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم،
فأجابوه إلى ذلك كلهم ـ مسلمهم وكافرهم ـ حَمِيَّةً للجوار العربي،
وتعاقدوا وتعاهدوا عليه عند الكعبة‏.‏ إلا ما كان من أخيه أبي لهب، فإنه فارقهم،
وكان مع قريش‏.‏

نور
03-28-2008, 11:00 AM
السيرة النبوية دروس وعبر

لـِ مصطفى السباعي


ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ


* إن في أمر الرسول أصحابه أولا وثانيا بالهجرة إلى الحبشة، ما يدل على أن رابطة الدين بين المتدينين

ولو اختلفت دياناتهم هي أقوى وأوثق من رابطتهم مع الوثنيين والملحدين.- إن ثبات المؤمنين على عقيدتهم بعد أن ينزل بهم الأشرار والضالون أنواع العذاب والاضطهاد،

دليل على صدق إيمانهم وإخلاصهم في معتقداتهم، وسمو نفوسهم وأرواحهم،
بحيث يرون ما هم عليه من راحة الضمير واطمئنان النفس والعقل،
وما يأملونه من رضا الله جل شأنه أعظم بكثير مما ينال أجسادهم من تعذيب وحرمان واضطهاد. - إن المبطلين لا يستسلمون أمام أهل الحق بسهولة ويسر، فهم كلما أخفقت لهم وسيلة

من وسائل المقاومة والقضاء على دعوة الحق، ابتكروا وسائل أخرى وهكذا
حتى ينتصر الحق انتصاره النهائي ويلفظ الباطل أنفاسه الأخيرة.

* إن المؤمن إذا كان واثقا من قوته لا يستخفي في عمله، بل يجاهر فيه، ولا يبالي بأعداء دعوته

ما دام واثقا من التغلب عليهم، كما فعل عمر رضي الله عنه حين هاجر،
وفي ذلك دليل أيضا على أن موقف القوة يرهب أعداء الله.- حين ييأس المبطلون من إيقاف دعوة الحق والإصلاح، وحين يفلت المؤمنون

من أيديهم ويصبحون في منجى من عدوانهم، يلجؤون آخر الأمر إلى قتل الداعية المصلح،
ظنا منهم أنهم إن قتلوه تخلصوا منه، وقضوا على دعوته.

* إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح، يفدي قائده بحياته،

ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها، فما فعله
علي رضي الله عنه ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم
تضحية بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* وفي إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

مع محاربتهم له وتصميمهم على قتله، دليل على أن أعداء الإصلاح
يوقنون في قرارة نفوسهم باستقامة الداعية وأمانته ونزاهته.

* إن تفكير قائد الدعوة، أو رئيس الدولة، أو زعيم حركة الإصلاح في النجاة

من تآمر المتربصين والمغتالين، وعمله لنجاح خطة النجاة ليستأنف
حركته أشد قوة ومراسا في ميدان آخر.


http://www.uaekey.com/ashkal/2/2flwsw1.gif

تعـليــق:
إن سيرة الحبيب محمد صلى الله علية وسلم طاقة ووقود


إن قلمي صغير في وصف ذالكـ الشعور الذي ينتابني وأنا أقرأ السيرة العطرة


كيف لا وأنا أعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابة رضي الله عنهم


ومابالكم بمن يعيش معهم في حلهم وترحالهم هل يمل؟


ومن يظن اني أبالغ في ذلكـ فليجرب !


لقد تعلمت منها كيف أدعو..بل وكيف اتعلم وكيف أعيش...



أسأل الله لكـِ الخير كلة وان يصرف عنكـِ الشر كله


أتمنى أن اكون قد أحسنت الإختصار


إن أصبت فمن الله وإن اخطأت فمن نفسي والشيطان


اللهم زدنا علما وانفعنا بما علمنا .


هذا وصلى الله على سيدنا ونبينامحمد وعلى آله وصحبه اجمعين.


http://www.al-wed.com/pic/5568.gif

نور
03-28-2008, 11:02 AM
الهجرة الأولى إلى الحبشة

فوائد ولطائف

1. هاجروا فرارًا بدينهم من الفتن

فالأمن أمن الإيمان..فإن ابتليت في المال والجسد والأهل والولد ثم تجد دينك سالماً..فاحمد الله تعالى على سلامة الدين والإيمان..فذلك خير الدنيا والآخرة...
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (55) النور



2. أدب السفراء عند الملوك والعظماء
يقول جعفر بن أبي طالب:أيها الملك..

فإن "من إجلال الله؛ إكرام ذي السلطان المُقسط" (جزء من حديث حسن لأبي داود)..



3. إثارة نخوة الكرام
ويتجلى ذلك في خطاب جعفر رضي الله عنه للنجاشي..
"خرجنا إلى بلدك, واخترناك على من سواك, ورغبنا في جوارك, ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك"

فاستثار بكلامه الرقيق عاطفة الملك المُقسط في النجاشي..



4. إحسان عرض المسألة
ويُفهم ذلك أيضا من خطاب جعفر..فكيف بسّط مفهوم الإسلام في كلمات قليلة..
وبالمقابل فضح الجاهلية وفضح عذابها للمؤمنين..



5. (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)
قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم‏.‏
في رواية أم سلمة رضي الله عنها قالت:
فقال له عبد الله بن أبي ربيعة -وكان أتقى الرجلين فينا-‏:‏ لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا..
فها هي ام سلمة تؤكد على منهج الإسلام الخالد في إنصاف الناس ولو كانوا أعداء..

http://www.lmyangel.com/sucai/line/6/0496.gif

6. شقائق الرجال..
فها هي المرأة المسلمة تتحمل مع زوجها المسلم العذاب والهجرة وتفر بدينها من الفتن..
وقد جاء خبر الهجرة من طريق أم سلمة, وأسماء بنت عميس,
وهذا مُشعر بأهمية دور المرأة المسلمة..
وتتكرر مواقف المرأة المسلمة في السلم والحرب, فتتضح صورة المساحة المتاحة للمرأة..
والمسئوليات العظام التي أوكلت إليها, بعد ما كانت تعاني من ضيق واحتقار وإهمال في عهود الجاهلية المظلمة..

فأين أنتِ أختي الحبيبة من هذا الدور العظيم وأين أنتِ من المساحات والميادين التي تنتظرك؟!..
هل تركتها للفاسقات لينشروا فيها الفساد والانحلال؟!!..
فالبدار البدار..كوني مثل أم سلمة وأسماء ورقية رضي الله عنهن أجمعين..
ارفعي الراية وسيري في درب الصالحات الداعيات..والله الموفق إلى سواء السبيل..

نور
03-28-2008, 11:07 AM
http://www.lakii.com/img/all/Jul06/dUh5Tb07020815.gif
المقاطعة العامة

ميثاق الظلم و العدوان

قال تعالى: " يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ولله متم نوره و لو كره المشركون"
لما قويت شوكة الإسلام وازداد عدد الداخلين فيه رغم كل وسائل الإضطهاد المستعملة من طرف المشركين, اجتمع كفار قريش في حنيف بني كنانة من وادي المحصب فاتفقوا على المقاطعة العامة الإقتصادية و الإجتماعية و كتبوا صحيفة: "أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا, و لا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتل"
علقت الصحيفة في الكعبة لتأخذ طابع القداسة, وحبس بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم و كافرهم وكافرهم -إلا أبا لهب- في شعب أبي طالب في محرم سنة سبع من البعثة

3 أعوام في شعب أبي طالب

اشتد الحصار, وضيق المشركون الخناق على المسلمين و منعوا عليهم المؤن و غالوا عليهم في الأسعار فكانوا يتقوتون بورق الشجر حتى بلغ بهم الجهد أقصاه فرثى لحالهم جتى بعض خصومهم, و لكن هذا لم يمنعهم من مواصلة الدعوة في مواسم الحج.

نقض صحيفة الميثاق

في محرم سنة 10 من البعثة و بعد ما يقرب الثلاث سنوات من الحصار, نقضت الصحيفة على أيد من كان كارها لها من المشركينو كان القائمون بذلك هشام ابن عمرو من بني عامر ابن لؤي-وهو من كان يوصل الطعام إلى بني هاشم متخفيا-, زهير بن أبي أمية المخزومي, المطعم بن عدي,أبو البخترى بن هشام, و زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد.
وأطلع الله رسوله صلى الله عليه و سلم أنه أرسل الأرضة على الصحيفة فأكلت كل ما فيها من ظلم إلا ذكر الله جل و علا, فأخبر عمه فجاءهم و أخبرهم بأمر الأرضة و قال: إن كان ابن أخي كاذبا خلينا بينكم و بينه, و إن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا و ظلمنا, فقبلوا و ظهرت لهم المعجزة القاصمة لهم, فنقضت الصحيفة و رأى المشركون آية عظيمة من آيات النبوة و لكن كما قال تعالى : "و إن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر"

آخر وفد قريش إلى أبي طالب

رغم فك الحصار إلا أن قريشا لم تكف الأذية عن المسلمين و بعثت إلى أبي طالب كآخر محاولة منها بعدما رأت من دنو أجله,و خوفا من أن يقال أنهم تناولوا رسول الله بعد موت عمه, بعثت إليه لمفاوضته و مساومة الرسول صلى الله عليه و سلم على ترك الدعوة, خاصة بعدما قويت شوكة الإسلام باسلام كبار القوم أمثال عمر و حمزة رضي الله تعالى عنهما,
فما كان منه صلى الله عليه و سلم إلا أن دعاهم إلى الإسلام فأبوا إلا الظلال, و في هؤلاء نزل قوله تعالى: "{‏ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ‏}‏ ‏ص‏:‏1‏:‏ 7‏‏‏.



http://www.lakii.com/img/all/Jul06/dUh5Tb07020815.gif
عام الحزن

وفاة أبي طالب

توفي أبو طالب في رجب سنة عشر من النبوة بعد فك الحصار ب6 أشهر, وهو على كفره, فحزن لذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم حزنا شديدا و قال "‏لأستغفرن لك ما لم أنه عنـه‏"‏، فـنزلت‏:‏‏{‏ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏التوبة‏:‏113‏‏ ونزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏}‏ ‏القصص‏:‏ 56‏‏‏.‏

خديجة إلى رحمة الله

كانت وفاتها رضي الله تعالى عنها سنة عشرة للنبوة و لها خمس و ستون سنة و رسول الله إذ ذاك في الخمسين من عمره
و قد كانت خديجة رضي الله تعالى عنهامن نعم الله الجليلة على رسوله صلى الله عليه و سلم, فهي التي آزرته و أعانته على الدعوة إلى الإسلام و شاركته أحرج الأوقات وواسته بنفسها و مالها و قد قال فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم : "آمنت بي حين كفر بي الناس, و صدقتني حين كذبني الناس, و أشركتنى في مالها حين حرمنى الناس، ورزقنى الله ولدها وحرم ولد غيرها‏"
و قد بشرها الله تعالى من فوق سبع سماوات على لسان جبريل عليه السلام ببيت من قصب, لا صخب فيه و لا نصب, فكان الجزاء من جنس العمل.

تراكم الأحزان

لقد اهتزت مشاعر الحزن و الألم في قلب رسول الله صلى الله عليه و سلم بفقدانه لسنده عمه أبي طالب و لزوجه خديجة رضي الله تعالى عنها خلال أيام معدودات, و توالت عليه المصائب من قومه فخرج إلى الطائف يرجو المأوى و النصرة على قومه, فلم يرى منهم غير الأذى,
وازداد الأذى على صحابته رضوان الله تعالى عنهم أجمعين, حتى سمي هذا العام بعام الحزن.

الزواج بسودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها

أسلمت قديما و هاجرت وزوجها الهجرة الثانية فمات بأرض الحبشة أو بعد الرجوع إلى مكة، ـ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة،
لما حلت بمكة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة 10 من النبوة ، وكانت أول امرأة تزوجها بعد وفاة خديجة، وكانت هي من وهبت نوبتها لعائشة رضي الله عنها أخيرًا‏.‏


http://www.lakii.com/img/all/Jul06/dUh5Tb07020815.gif

عوامل الصبر و الثبات


1- الإيمان بالله:

إنه لهم السبب الرئيسي لثبات المسلمين و صبرهم الذي يقف عنده الحليم حيران, لأن الإيمان المحكم يري متاعب الدنيا مهما عظمت تافهة في سبيل رضا الخالق جل في علاه فهو القائل {‏ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ‏}‏ ‏الرعد‏:‏17‏‏‏.

و يتفرع منه أسباب أخرى للثبات و المصابرة

2- قيادة تهوى إليها الأفئدة:

أي قائد هو الرسول صلى الله عليه و سلم بشيمه النبيلة, و جمال خلقه, و كمال نفسه, و شمائله الكريمة التي نصبته على رؤوس الخلائق, فلم يشك في عفته و أمانته و صدقه حتى أعداؤه فضلا عن محبيه, قال تعالى ‏‏{‏ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله ِ يَجْحَدُونَ‏}‏ ‏الأنعام‏:‏33‏‏‏. و لم يدعو على أحد من أعدائه إلا أيقن أنه هالك لا محالة.
هذا كان حال أعدائه, أما أصحابه فقد حل منهم محل الروح و النفس, و شغل منهم مكان القلب و العين و كان قبل النفس و المال و الأهل و الولد, فكانت النفوس تنجذب إليه انجذابا و كانوا ليرضون أن تدق أعناقهم و لا يخدش له ظفر أو يشاك شوكة رضي اللع تعالى عنهم أجمعين

3-الشعور بالمسؤولية:

فقد كان الصحابة واعيين بما على كواهلهم من المسؤولية التي لا يمكن الحياد عنها بأي حال و ما يترتب على الفرار من حصار الشعب.

5- الإيمان بالآخرة:

و هو ما كان يمدهم بفيض من القوة و الصبر بأنهم يقومون لرب العالمين و في سبيل الله, و أن الله على كل شيء بصير, فإما إلى نعيم دائم و إما إلى عذاب خالد, و كانوا {‏يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ‏}‏ ‏المؤمنون‏:‏60‏‏.

5-القرآن:

لقد كانت السور و الآيات تنزل من خالقهم مقيمة الحجج و البراهين على صدق الدعوة مرشدة المسلمين إلى الأسس المنيعة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي الحق {‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله ِ أَلا إِنَّ نَصْرَ الله ِ قَرِيبٌ‏}‏ ‏البقرة‏:‏214 ‏‏ ‏{‏الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏العنكبوت‏:‏1‏:‏ 3‏‏‏.‏
كما كانت الآيات ترد على على الكفار ردا مفحما مرغبة تارة و مرهبة تارة أخرى, و كانت تنزل كذلك مبشرة المسلمين ‏{‏يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ‏}‏ ‏ التوبة‏:‏21 ‏‏،و مصورة لهم صورة أعدائهم و ما الذي سيؤولون إليه ‏{‏يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ‏}‏ ‏القمر‏:‏48‏‏‏.‏

6- البشارات بالنجاح:

مع كل مالاقاه المسلمون من شدة إلا أنهم كانوا على يقين بأن الإسلام يهدف إلى القضاء على الجهل و الظلم و إقامة أمة اسلامية تقود البشرية جمعاء إلى مرضاة الله تعالى. و ما زاد في تثبيتهم الآيات التي كانت تنزل مبينة أحوالهم و أحوال أمم سابقة مبشرة بغلبة المؤمنين: قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ‏}‏ ‏الصافات‏:‏171‏:‏ 177‏‏،وقال‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏القمر‏:‏45‏‏، وقال‏:‏ ‏{‏جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ‏}‏ ‏ص‏:‏11‏‏. ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي الله ِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏النحل‏:‏41‏‏‏.‏ و عن قصة يوسف ‏:‏ ‏{‏لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ‏}‏ ‏يوسف‏:‏7‏‏‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ‏}‏ ‏إبراهيم‏:‏13، 14‏‏‏.‏ ‏{‏وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله ‏}‏ ‏الروم‏: ‏4، 5‏‏‏.‏

كما كان رسول الله الله صلى الله عليه و سلم على شدة ما أصابه, يشد من عزم أصحابه ببشارات كبرى تسمو بأنفسهم إلى الكمال و بآمالهم إلى جنان الخلد فكان يقول (‏يأيها الناس، قولوا‏:‏ لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في الجنة‏)‏‏.
فاستيقن الصحابة رضي اللع تعالى عنهم بقرب النصر العظيم

http://www.lakii.com/img/all/Jul06/dUh5Tb07020815.gif
الدروس و العبر

*رغم الأحداث الأليمة التي تهز الكيان البشري فإن من قوي إيمانه بالله و يقينه بوعده و نصرته, لا تزيده هذه الأحداث إلا تصميما على مواصلة الطريق و هكذا كان نبينا صلى الله عليه و سلم

*مع عظم ما مر به رسولنا صلى الله عليه و سلم, فإنه لم يزل يهتم بشؤون أصحابه, يحيطهم برعايته و يقف إلى جوارهم رغم مصائبه و فيه درس لنا بعدم الوقوف عند العقبات مهاما طالت بنا و اشتدت علينا.

*أهم درس لنا هنا أيضا أن الله تعالى يسخر لعبده المؤمن الموقن بعظم قدرة الله عز و جل على كل شيء, يسخر له من يحمي دعوته و حياته من الأذى, فيتخذ الأسباب فقط و يتوكل على الله.

*الزوجة الصالحة و المؤمنة لها أثر في نجاح الدعوة, و موقف خديجة رضي الله تعالى عنها لهو المثل الأعلى في تفاني المرأة في خدمة زوجها و دفعه قدما في طريق الخير.
*تزوجه من أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها في نفس عام الحزن حين خشي عليها من بطش قومها بعد وفاة زوجها لهو أعظم مثل يضرب على صفاء النفس و السعي على ما في النفس من أحزان.

* على قدر الثبات و الصبر يكون الجزاء و النصر.
* ثبات المؤمنين و التفافهم حول نبيهم صلى الله عليه و سلم كان أكبر برهان على قوة هذا الأمر و أنه تنزيل من رب العباد, و كان هذا أيضا في حد ذاته وسيلة للدعوة , فالعديد من القبائل تساءلوا عن هذا الدين الذي يجعل المرء يعرض عن الدنيا ابتغاء الكمال و الرقي بالنفس البشرية حيث أن هول الأحداث لم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتركون دينهم و أخلاقهم و شمائلهم النبيلة متخذين في ذلك أنبل الوسائل للوصول إلى أسمة الغايات

* شدة معاناة المسلمين و صبرهم على ما هم فيه كان من بين وسائل اعداد القوة لإرهاب العدو فليسوا بتجار دنيا بل يحرصون على الموت كما يحرص الكفار على الحياة

*التفاف الصحابة حول رسولهم صلى الله عليه و سلم و حول بعضهم بعضا زاد من أواصر المحبة و الأخوة و الإيثار لأنهم أحسوا بالمعاناة نفسها

*بيان ايمان صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم الحق لأن الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب, عاش صاحبه في جنة الدنيا و إن كان أفقر الناس, لهذا حرص الصحابة رضي الله تعالى عنهم على القيام بكل واجبات الدعوة مع ما هم فيه من حال عصيبة

*استمرار الحصار ما يقرب من 3 سنوات من دون معجزة إلاهية لهي درس من الله عز و جل أن المعجزات لا تأتي بالتخاذل و أن الفرج لا يكون إلا باتخاذ الأسباب مع التحلي بالصبر العظيم الذي يجعل للإنتصار طعما و نشوة لا توصفان

*قوة أحداث عام الحزن كان لها الأثر البالغ في قلوب الأتباع, حيث غرست في قلوبهم قوة الإيمان بالله جل و علا, و الصبر على مر القضاء و القدرة و الإلتجاء إلى رب الأرض و السماء, و عدم ترك الحق مهما كان الثمن, فقد كان رسول الله صلى الله عليه يقول لأصحابه (‏لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ـ زاد بيان الراوى ـ والذئب على غنمه‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ولكنكم تستعجلون‏)‏

*على أهل الإيمان أن يكونوا على استعداد في كل حين لما يحيكه أعداء الحق بهم, و ياله من دين لكل زمان, فما أشبه الليلة بالبارحة, فأعداء الله في كل مكان في حرب على الحق و أهله كما قال تعالى:{ ولا يزالون يقاتِلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } (البقرة: 217) وهم يستخدمون في ذلك من أساليب الحرب وأسلحتها ما يشبه ما تعرض له رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه ومن ذلك حصار الشعب فقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء، وأهلكوا الحرث والنسل. و كل هذا ليستكين المسلمون أو يرجعوا عما يدعون إليه و لكن هيهات.

لقد كسب الإسلام خلال فترة الحصار أنصارا كثر, باللإضافة إلى انقسام المشركين على أنفسهم عما فعلوه و ما حدث من الأرضة التي قيضها الله تعالى لأوليائه كمعجزة بعد 3 سنين أو ما يقرب من البلاء.
و رغم المعاناة و المشقة التي لحقت برسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته رضوان الله تعالى عنهم أجمعين, إلا أنها كانت لهم درسا من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه و سلم و إلى المؤمنين بين لهم فيه عظم هذا الأمر و أن أخذه لا يكون إلا بقوة, و الذود عنه و الجهاد له لا يكون إلا من مؤمنين و مؤمنات حقا فعلى المسلمين الصبر و الذود عن الدين مع اليقين بأن الله معهم و أن الفرج قريب


http://www.lakii.com/img/all/Jul06/dUh5Tb07020815.gif

آمل أن يكون تلخيصي واضح و خاليا من الأخطاء و من التكرار و ما توفيقي إلا بالله..

نور
03-28-2008, 11:10 AM
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف :


في السنة العاشرة من البعثة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها‏.‏


فلما انتهي إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة الإسلام، فردوا عليه رداً منكراً وفاجؤوه بما لم يكن يتوقع من الغلظة وسمج القول ،‏ فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم‏:‏ ‏[‏إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني‏]‏‏.‏


وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، يدعوهم فلا يستجيبون ، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، حتى اختضب نعلاه بالدماء ‏.‏ وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لابني ربيعة ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت ظلها ودعا :


‏(‏اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى‏؟‏ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى‏؟‏ أم إلى عدو ملكته أمري‏؟‏ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك‏)‏‏.‏ (حديث ضعيف لكنه دعاء يحبب إلى القلب ، فيه وفي كلماته من العظة الكثير)


فلما رآه ابنا ربيعة دعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له‏:‏ عَدَّاس، وقالا له‏:‏خذ قطفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل‏.‏ فلما وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه قائلًا‏:‏ ‏(‏باسم الله‏)‏ ثم أكل‏.‏


فقال عداس‏:‏ إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أي البلاد أنت‏؟‏ وما دينك‏؟‏ قال‏:‏ أنا نصراني من أهل نِينَوَى‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى‏)‏‏.‏ قال له‏:‏ وما يدريك ما يونس ابن متى‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي‏)‏، فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها‏.‏


ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا محزونًا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين ( جبلا مكة ) على أهل مكة‏.‏


فما كان من نبي الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه إلا أن قال : ( بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا‏ )‏‏.‏


ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أيامًا‏.‏ وخلال إقامته هناك بعث الله إليه نفرًا من الجن ذكرهم الله في موضعين من القرآن‏:‏ في سورة الأحقاف‏:‏ ‏{‏وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏29‏:‏ 31‏]‏‏.‏


وفي سورة الجن‏:‏ ‏{‏قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا‏}‏ إلـى تمـام الآيــة الخامـسة عشـر ‏[‏ الجن‏: ‏1: 15‏]‏‏.‏


والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم حضور ذلك النفر من الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارًا‏.‏


ومضى بعزم ٍ في طريق العودة إلى مكة.. فقال له زيد بن حارثة‏:‏ كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك‏؟‏ يعنى قريشًا، فقال‏:‏ ‏(‏يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه‏)‏‏.‏ وأرسل إلى المطعم بن عدي ليجيره فأجاره .. ودخل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مكة..
وقد حفظ للمطعم هذا الصنيع http://www.lakii.com/vb/images/smilies/smile.gif ، فقال في أسارى بدر‏:‏ ‏(‏لو كان المطعم بن عدى حيًا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لتركتهم له‏)‏‏.‏


عرض الإسلام علي القبائل والأفراد :


عند اقتراب موسم الحج كان الناس يأتون إلى مكة لأداء فريضة الحج، فانتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة، فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه ، ويطلب منهم أن يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه الله به‏.‏


القبائل التي عرض عليها الإسلام :


1 ـ بنو كلب‏:‏ دعاهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم‏.‏


2 ـ بنو حنيفة‏:‏ دعاهم فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منهم‏.‏


3 ـ بنو عامر بن صعصعة‏:‏ فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فقال بَيْحَرَة بن فِرَاس ‏[‏رجل منهم‏]‏‏:‏ والله، لو إني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال‏:‏ أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء‏)‏، فقال له‏:‏ أفَتُهْدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه‏.‏


المؤمنون من غير أهل مكة :


وكما عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على القبائل والوفود، عرض على الأفراد والأشخاص، وحصل من بعضهم على ردود صالحة، وآمن به عدة رجال بعد هذا الموسم بقليل، وهاك نبذة منهم‏:‏
سويد بن الصامت‏ - إياس بن معاذ‏ - أبو ذر الغفاري‏ - طُفَيْل بن عمرو الدَّوْسى‏ - ضماد الأزدى


ست نسمات طيبة من أهل يثرب


وفي موسم الحج من سنة 11 من النبوة مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى، فسمع أصوات رجال يتكلمون فعمدهم حتى لحقهم، وكانوا ستة نفر من شباب يثرب كلهم من الخزرج، وهم‏:‏
1 ـ أسعد بن زُرَارة
2 ـ عوف بن الحارث بن رفاعة ابن عَفْراء
3 ـ رافع بن مالك بن العَجْلان
4 ـ قُطْبَة بن عامر بن حديدة
5 ـ عُقْبَة بن عامر بن نابي
6 ـ جابر بن عبد الله بن رِئاب


وقد كان أهل يثرب يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة، إذا كان بينهم شيء، أن نبيًا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج، فنتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم‏.‏


فلما دعاهم الرسول عليه الصلاة والسلام قال بعضهم لبعض‏:‏ تعلمون والله يا قوم، إنه للنبى الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه، فأسرعوا إلى إجابة دعوته، وأسلموا‏.‏


وكانوا من عقلاء يثرب، أنهكتهم الحرب الأهلية التي مضت قريبًا، والتي لا يزال لهيبها مستعرًا، فأملوا أن تكون دعوته سببًا لوضع الحرب، ، فاستجابوا له ووعدوه أن يعودوا إليه في نفس الموسم من العام القادم
ولما رجع هؤلاء إلى المدينة حملوا إليها رسالة الإسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏


استطراد ـ زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة
وفي شوال من هذه السنة ـ سنة 11 من النبوة ـ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها بالمدينة وهي بنت تسع سنين‏.‏


الإســراء والمعــراج :


وبينما النبي صلى الله عليه وسلم يمـر بهذه المرحلة، وأخذت الدعوة تشق طريقًا بين النجاح والاضطهـاد، وبـدأت نجـوم الأمل تتلمح في آفاق بعيدة، وقع حادث الإسراء والمعـراج‏.‏ واختلف في تعيين زمنه هل كان في العام العاشر من بعثته صلى الله عليه وسلم أم بعد ذلك ،
وروى أئمة الحديث تفاصيل هذه الوقعة، وفيما يلي نسردها بإيجاز‏:‏
أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البُرَاق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إمامًا، وربط البراق بحلقة باب المسجد‏.‏
ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأي هنالك آدم أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السلام، وأقر بنبوته، وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره‏.‏
ثم عرج به إلى السماء الثانية فالثالثة.... وسلم على الأنبياء .. ثم رفع إلى سدرة المنتهى، حيث يسمع صَرِيف الأقلام‏.‏


ثم عرج به إلى الجبّار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مرّ على موسى فقال له‏:‏ بم أمرك ربك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بخمسين صلاة‏)‏‏.‏ قال‏:‏ إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل، حتى جعلها خمسًا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال‏:‏ ‏(‏قد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم‏)‏، فلما بعد نادى مناد‏:‏ قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى‏.‏


وأما قوله تعالى في سورة النجم‏:‏ ‏{‏ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏8‏]‏ فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، حيث رآى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته مرتين‏:‏ مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى، والله أعلم‏.‏


وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الـرحلة أمورًا عديدة‏:‏


- عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل‏:‏ هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك‏.‏


ورأي أربعة أنهار يخرجن من أصل سدرة المنتهى‏:‏ نهران ظاهران ونهران باطنان، فالظاهران هما‏:‏ النيل والفرات، عنصرهما‏.‏ والباطنان‏:‏ نهران في الجنة‏.‏ ولعل رؤية النيل والفرات كانت إشارة إلى تمكن الإسلام من هذين القطرين، والله أعلم‏.‏


- ورأى مالكًا خازن النار، وهو لا يضحك، وليس على وجهه بشر ولا بشاشة، وكذلك رأي الجنة والنار‏.‏


- ورأى أكلة أموال اليتامى ظلمًا لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون في أفواههم قطعًا من نار كالأفهار، فتخرج من أدبارهم‏.‏


- ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن أماكنهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم‏.‏


- ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب، إلى جنبه لحم غث منتن، يأكلون من الغث المنتن، ويتركون الطيب السمين‏.‏


- ورأى النساء اللاتى يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم، رآهن معلقات بثديهن‏.‏


- ورأى عيرًا من أهل مكة في الإياب والذهاب، وقد دلهم على بعير نَدَّ لهم، وقد صار ذلك دليلًا على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء‏.‏


فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له، حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا كفوراً..


وقد سُمي أبو بكر رضي الله عنه صديقًا؛ لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس‏.‏


العبر والعظات :
إذا تأملنا بداية ً في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وما انطوت عليه ، نستخلص الأمور التالية :


1- إن ما كان يلاقيه النبي عليه الصلاة والسلام من مختلف ألوان المحنة لا سيما هذا الذي رآه في ذهابه إلى الطائف إنما كان من جملة أعماله التبليغية للناس ، فكما أنه جاء يبلغنا العقيدة الصحيحة وأحكام العبادات والأخلاق والمعاملات كذلك جاء يبلغ المسلمين ما كلفهم الله به من واجب الصبر بل ويعلمنا فن الصبر على جميع الشدائد والمكاره في سبيل الله عز وجل..


2- إذا تأملنا في مشاهد سيرته صلى الله عليه وسلم مع قومه لوجدنا أن ما كان يجده عليه الصلاة والسلام من الأذى في هذه المشاهد قد يكون قاسياً شديداً ، بيد أننا سنجد في كل مشهد منها ما يعتبر رداً إلهياً على ذلك الإيذاء.. كي يكون في ذلك مواساة للرسول عليه الصلاة والسلام ..
ففي مشهد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وما اكتنفها من العذاب المضني : الإيذاء والخيبة ، تجد رداً إلهياً واضحاً على سفاهة أولئك الذين آذوه ، تجد ذلك في مظهر الرجل النصراني ( عداس ) حينما جاء يسعى إليه وفي يده طبق فيه عنب ثم انكب يقبل رأسه ويديه ورجليه وذلك عندما أخبره عليه الصلاة والسلام أنه نبي..


3- وفيما كان يفعله زيد بن حارثة رضي الله عنه من وقاية للرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه من حجارة السفهاء حتى إنه شج في رأسه عدة شجاج ، نموذج لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم بالنسبة لقائد الدعوة ..
وبما أننا قد كتب علينا ألا ندافع عنه جسداً فالدفاع عنه يتحقق على نحو آخر هو أن لا نضن على أنفسنا بالمحن والعذاب في سبيل الدعوة الإسلامية وأن نسهم بشيء من تحمل الجهد والمشاق التي تحملها النبي عليه الصلاة والسلام..
4- من قصة استماع نفر من الجن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي نفهم أن على المسلم أن يؤمن بوجود الجن وبأنهم كائنات حية كلفها الله عز وجل بعبادته كما كلفنا بذلك ..


5- يتضح لنا من الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة حول دخوله مكة أن كل ما لاقاه عليه الصلاة والسلام من معاناة في الطائف لم يكن له أي تأثير على ثقته بالله عز وجل أو على قوة عزيمته.. وذلك لأن يقين النبوة كان ثابتاً في قلبه صلى الله عليه وسلم فهو يعلم أنه إنما ينفذ أمر ربه ومما لا ريب فيه أن الله بالغ أمره وقد جعل لكل شيء قدراً ..
والموعظة لنا من هذا الأمر هي ألا تصدنا المحن والعقبات التي تكون في طريق الدعوة الإسلامية عن السير وألا تبث فينا روح الكسل مادمنا نسير بإيمان بالله وتوفيقه .. فمادام الله عز وجل هو الآمر فلا شك أنه هو الناصر أيضاً..


ونأتي إلى الدروس المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج :


1- جاءت ضيافة الإسراء والمعراج بعد رحلة الطائف تكريماً من الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام وتجديداً لعزيمته وثباته ودليلاً على أن هذا الذي يلاقيه من قومه إنما هي سنة الله مع محبيه .. وهي سنة الدعوة الإسلامية في كل عصر وزمن..


2- المعنى الموجود في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس :
وفي ذلك دلالة باهرة على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى .. ودلالة على العلاقة الوثيقة بين ما بعث به كل من عيسى بن مريم ومحمد بن عبد الله عليهما الصلاة والسلام.. وعلى ما بين الأنبياء من رابطة الدين الواحد ..
وفي ذلك دلالة على مدى ما ينبغي أن يوجد لدى المسلمين في كل عصر ووقت - وخاصة ً عصرنا - من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة وحمايتها من كل رجس.. وإعادتها إلى أصحابها المؤمنين ..


3- في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن على الخمر دلالة رمزية على أن الإسلام هو دين الفطرة الذي ينسجم في عقيدته وأحكامه كلها مع ما تقتضيه نوازع الفطرة الإنسانية الأصيلة..
وهذا من أسرار سعة انتشار هذا الدين العظيم وسرعة تقبل الناس له ..


- وفي دعوته صلى الله عليه وسلم لنفر من الخزرج في موسم الحج واستجابتهم له موعظة مهمة ..:
حيث بعد 11 سنة من هذا الجهاد والصبر والتعب وخوض الشدائد تأتي الثمار المنتظرة من خارج قريش .. بعيدة عن قومه عليه الصلاة والسلام .. وفي ذلك حكمة..: أن تسير الدعوة الإسلامية في سبيل لا تدع أي شك للمتأمل بها ، فكان أنصاره الأُول من غير بيئته وقومه حتى لا يظن ظان بأن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في حقيقتها دعوة قومية حاكتها رغبات قومه وظروف بيئته..


اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

نور
03-28-2008, 11:12 AM
الرحيق المختوم
الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد ... فهذا ما قدرت تلخيصه وجمعه من هنا وهناك بالإضافه على بعض التعديلات .
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي وأن ينفع به من قرأه أو كان سبب في نشره.
http://www.bsmlh.net/upp/up1/bsmlh_erDeTn3TKM.gif

بيعة الأنصار الأولى والثانية
بيعة العقبة الأولى
بعد الرحلة الرائعة التى شهدها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم و بعد تكذيب الكفار له و تصديق أصحابه رضى الله عنهم لرحلته المباركه , إستمر الرسول ينتهز فرصة مواسم الحج فيدعو الناس للإيمان بالله و ترك عبادة الأوثان .
و فى العام الحادى عشر من البعثة النبوية جاءت وفود من قبيلتى الأوس والخزرج و هى من اكبر القبائل فى المدينة , فجاءوا من المدينة إلى مكة , فأستمعوا لدعوة الرسول فآمنوا به و صدقوه .
و فى العام الثانى عشر من النبوة ، يوليو 621 م عادت هذه الجماعات الصغيرة و أخبروا قومهم بما سمعوا و رأوا , و بايعوا الرسول البيعة الأولى عند العقبة , و سُميت هذه البيعة - ببيعة النساء - أو بيعة العقبة الأولى .
نص البيعـــة :-

*روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال : (( تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئـاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وُفيّ منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئـاً فعوقب به في الدنيا ، فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله ، فأمره إلى الله ؛ إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه )) .
طلبوا من الرسول الكريم أنيرسل معهم تلميذه مصعب بن عمير ليعلمهم القرأن الكريم . و اجتهد مصعب بن عميرإجتهاد عجيب جدا لنشر الدعوةالإسلامية و كان- أول سفير فى الإسلام- ، سُمي بالمقرئ .
و بدأ الإسلام ينتشر فى المدينة فأسلم أبناء عمرو بن الجموح و أسلم بعدها عمرو بن الجموح ثم أسلم الطفيل بن عمرو و هو سيد قبيلة دوس و ذهب الطفيل يدعو فى قومةحتى أسلمت قبيلة دوس جميعاً و آتى بهم يبايعون الرسول و أنتشر الإسلام إنتشار هائل فى هذاالعام.




http://www.bsmlh.net/upp/up1/bsmlh_erDeTn3TKM.gif

بيعة العقبة الثانية
فى العام الثالث عشر من الدعوة الإسلامية أتى من المدينة ثلاثة و سبعون رجلاً و إمرأتان من قبيلتى الأوس و الخزرج فجلسوا مع الرسول و أتفقوا مع الرسول على تأييده فى دعوته النبيلة .
فبايعوه بهذه البيعة وتعرف أيضاً- ببيعة العقبة الكبرى - وجعل منهم اثنا عشر نقيباً : تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس .
نقباء الخزرج
1ـ أسعد بن زُرَارَة بن عدس‏.‏
2ـ سعد بن الرَّبِيع بن عمرو‏.‏
3ـ عبد الله بن رواحة بن ثعلبة‏.‏
4ـ رافع بن مالك بن العَجْلان‏.‏
5ـ البراء بن مَعْرُور بن صَخْر‏.‏
6ـ عبد الله بن عمرو بن حَرَام‏.‏
7ـ عبادة بن الصامت بن قيس‏.‏
8 ـ سعد بن عبادة بن دُلَيْم‏.‏
9ـ المنذر بن عمرو بن خُنَيْس‏.‏

نقباء الأوس
1ـ أُسَيْد بن حُضَيْر بن سِمَاك‏.‏
2ـ سعد بن خَيْثَمَة بن الحارث‏.‏
3ـ رفاعة بن عبد المنذر بن زبير‏.‏



ثم إنهم بايعوا الرسول على أن يحموه كأبنائهم و إخوانهم و لهم الجنة , و دعوا الرسول لزيارة مدينتهم فقبل الرسول دعوتهم ؛ وذلك لأسباب عديدة منها : أن الرسول كان يريد بلداً آمناً لينشر رسالة ربه عز و جل .

بنود البيعــة :-
* روى الإمام أحمد عن جابر ، قال جابر : قلنا يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال :
(( على السمع والطاعة في النشاط والكسل ،، وعلى النفقة في العسر واليسر ،، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،، وعلى أن تقوموا في الله ، لا تأخذكم في الله لومة لائم ،، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبنائكم ، ولكم الجنة )) .
أما أهل يثرب فقد وجدوا فى هذه البيعة حلفاً سياسياً يقوى شأنهم ضد اليهود وإجلائهم عن أراضيهم و يخفف العداوة بين أهل يثرب من الأوس و الخزرج , بجانب هذا فى المدينة بيتأخوال رسول الله و قبرأبيه عبد الله و فى منتصف الطريق يوجد قبر أمه رحمها الله ورضى عنها إن شاء الله
.

http://www.bsmlh.net/upp/up1/bsmlh_erDeTn3TKM.gif

خلاصة التلخيص..
تعقيب:
إنّ هاتين البيعتين فتحتا صفحة جديدة للمسلمين، لنشر الدين الإسلامي في المعمورة، بعد أن كسروا الطوق الذي فرضه جبابرة قريش عليهم، وذلك بفعل إيمانهم وصبرهم وجهادهم وثقتهم بالله سبحانه وتعالى، وعلى رأس كل هذه الأشياء والمقومات تقف قيادة الرسول الحكيمة، والتي تستند على بعد النظر، ودراسة الأحداث التي تدور في فلك قريش وما يدور حولها، دراسة موضوعية وافية، ووضع البدائل المناسبة للأزمات والمعضلات التي تواجه الإسلام
.

نور
03-28-2008, 11:14 AM
وقفات مع بيعة الأنصار

تأملوا معي المواقف التالية::

1. أنا منكم وأنتم مني:
أثناء مبايعة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة الثانية..اعترض القول ـ والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أبو الهيثم بن التَّيَّهَان، فقال‏:‏
يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا قاطعوها ـ يعنى اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله إن ترجع إلى قومك وتدعنا‏؟‏
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال‏:‏ ‏(‏بل الدَّمُ الدَّمُ، والهَدْمُ الْهَدْمُ، أنا منكم وأنتم منى، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم‏)‏‏.‏
يا حبيبي يا رسول الله ما أجمل خلقك وعظيم حِلمك وتواضعك..
هذه هي الأخوة الحقة يا أخواتي..أخوة الإسلام.."أنا منكم وأنتم مني"..
هذه الأخوة التي تجعل مؤمن من أهل يثرب يحنو على أخيه المستضعف في مكة..
ويتعصب له, ويغضب من ظالمه,وما ذلك إلا نتيجة الإيمان الراسخ بالله وبرسوله وبكتابه..
وبهذا الإيمان استطاع المسلمون أن يسجلوا على أوراق الدهر أعمالاً لا زالت آثارها تشهد لهم إلى يومنا هذا..

2. التأكيد من خطورة البيعة

قال ابن إسحاق‏:‏ لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نَضْلَة‏:‏ هل تدورن علام تبايعون هذا الرجل‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس‏.‏ فإن كنتم ترون أنكم إذا نَهََكَتْ أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزى الدنيا والآخرة‏.‏ وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نَهْكَة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخـرة‏.‏
قالوا‏:‏ فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الجنة‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه‏.‏

-أولا..يجب توضيح الصورة كاملة للناس وعدم الخداع..فالغاية لا تبرر الوسيلة في الدين الإسلامي..بل يجب لكي نصل إلى غاية سامية أن نستخدم وسيلة صحيحة ونبيلة..
-ولاحظوا ثبات الأنصار..لا تردد ولا تفكير!..
-وما الجزاء؟ الجنة وكفى بها من جائزة للصابرين المؤمنين المتقين..

3. لا بد من قائد
وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختاروا اثنى عشر زعيمًا يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسئولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة،
فقال للقوم‏:‏ أخرجوا إلىّ منكم اثنى عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم‏.‏
فتم اختيارهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس‏.

-هذا مَعلم مهم..فلا يصح أن يُترك الناس بدون هداة, يقومون عليهم, فيعلمونهم ويبصرونهم..
قال عمر رضي الله عنه : إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا منكم..
-لقد كان العربي فارسا, جوادا كريما, لكنه لم يك سلس القيادة, ولم يألف السمع والطاعة, فلذلك لا بد من بيعة حازمة ونقيب مُطاع..
-ومراعاة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكونوا من الأوس والخزرج,
درس في مراقبة أحوال الناس والسعي فيما يعينهم على الطاعة, فإن الأوسيين لم يكونوا ليرضوا أن يكون أمراؤهم ونقباؤهم من الخزرج..
وفي الناس في كل عصر أمور لا يصح تجاوزها..

نور
03-28-2008, 11:16 AM
**((..طلائع الهجرة..))**


بعد ان تمت بيعة العقبة الثانيةوتأسست للمسلمين قاعدة صلبة يرتكزون عليها

في خضم امواج الكفر والجهالة، أذن الرسول صلى الله علية وآله وسلم بعد هذا المكسب العظيم الهجرة إلى
المدينة المنورة. والهجرة تحمل بين طياتها معاني اهدار المصالح والتضحية بالنفس والاموال،
والسير نحو مستقبل مبهم..
والمسلمون قبلوا بالهجرة وهم يعلمون مدى ما سوف يعتريهم من صعوبات ا ان قوة ايمانهم لا تثني من عزمهم..

http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**(( 1.. نماذج تعذيب تفنن المشركين بها ضد المسلمين اثناء الهجرة..))**
النموذج الأول:
أول من هاجر هو : ابو سلمة بن عبد الاسد قبل العقبة الكبرى بسنة مع زوجتة وابنه الا اصهاره اخذوا منه زوجتة

ابنه فما كان من آل ابو سلمة الا ان ياخذوا ابنه من اهل زوجتة عنوة فتجاذبوه كلا الطرفين حتى خلعوا يده وذهبوا به.
فأ نفطر قلب ام سلمة على ولدها وزوجهاوضلت قرابة السنة تذهب الى نفس الموضع حينما افترقا وتبكي على حالة الضياع
والشتات، فرق قلب احد ذويها وطالب من اهله ان تلحق ام سلمة بزوجها فأ سترجعت ابنها ولحقت بزوجها.
وليس لها من خلق الله احد،ما ان وصلت الى التنعيم لقيها عثمان بن طلحة، وأرتحل بهاوبولدها الى المدينه المنورة،
ولما اشرفت طلا ئع قباء قال لها: زوجك في هذه القرية فأدخلي على بركة الله وأ نصرف الى مكة...

النموذج الثاني:
عندما أراد صهيب الرومي الهجرة قال له الكفار: لقد جإت الينا فقيراً حقيراُلاتلك شيء ، فعندما كثر مالك تريد ان تخرج به وبنفسك؟؟

فلن يكون لك هذا . فقال لهم: اتريدون المال خذوه واخلوا سبيلي . قالوا: نعم . فلما وصل الخبرالى الرسول صلى الله علية وآله وسلم
قال(( ربح صهيب ربح صهيب))...

النموذج الثالث:
تواعد عمر بن الخطاب وعياش بن ابي ربيعة وهشام بن العاص في موضع يصبحون عندة ومن ثم يهاجرون الى المدينة، فأ جتمع عمر بن الخطاب وعياش بن ابي ربيعة

دون هشام. خرج عمر رضي الله عنه ومعه 20 من الصحابة ، وعندما وصلوا قباء واخوه الحارث الى عياش وام الثلاثة واحدةفقلا له:
ان أمك قد نذرت الا يمس شعرها مشط ولا تستظل عن الشمس حتى تراك . فرق قلب عياش .فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ماهذا الا بقول لا يفتنوك به عن دينك
فأحذر الا انه ابى الا بالخروجليبر بأمه فأعطاه عمر ناقتة حتى اذا شك في قومه رجع بها.
وعندما ساروا ببعض الطريق امروهان ينيخ ناقتة ففعل انقضوا عليه ووثقوه ودخلوابه نهاراً مكة موثقاً...

إ ضاءة: بقي عياش وهشام في قيد الكفر حتى اذا هاجر الرسول صلى الله علية وآله وسلم قال يوماً من لي بعياش وهشام: قال الوليد: انا لك يارسول الله بهما

فحملهم مقيدين الى الرسول صلى الله علية وآله وسلم..

هذه النماذج الثلاثة توضح لنا مدى التعذيب الذي طال من اراد الهجرة وعلم به كفار قريش .

وبعد شهرين وبضعة ايام من بيعة العقبة اي يوم الخميس 26 من شهر صفر لم يبقى بمكةمن المسلمين الا الرسول صلى الله علية وآله وسلم وابو بكر الصديق وعلى بن ابي طالب جلسا معه بأمر من رسول الله صلى الله عيه وسلم
وبعض من المسلمين اجبروهم المشركين وحبسوهم كرهاً . اعد الرسول صلى الله علية وآله وسلم وابو بكر الصديق جهازهم با نتظار امر الخروج.
http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**((2 .. في دار الندوة برلمان قريش ..))**
حينما رأى المشركين أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد تجهزوا للخروج ، الى ديار الاوس والخزرج وماللمدينة من موقع استراتيجي ، دب في قلوب الكفار الخوف والقلقل، بسبب شخصية الرسول

المؤثرة والقياديةالتي قديستميل بها الاوس والخزرج وما لي ديارهم من شأن وكيف لا وهي الممر الآمن لتجارة قريش للشام ، وهذا بحد ذاته خطر بالغ في تمركز الدعوة الأسلامية في يثرب.
فما كان من نواب القبائل القرشية الا ان يعقدوا اجتماع طارىءفي دار الندوة بمكة وحضر الأجتماع كلاً من:

1- ابو جهل بن هشام عن قبيلة بني مخزوم

2- جبير بن مطعم ، وطعيمة بن عدي، والحارث بن عامر عن بني نوفل بن عبد مناف.
3- شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب عن بني عبد شمس بن عبد مناف.
4- النضر بن الحارث (وهومن القى على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم سلا جزور) عن بني عبد الدار.
5- أبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام عن بني أسد بن عبد العزى.
6- نبيه ومنبه ابنا الحجاج عن بني سهم.
7- أ مية بن خلف عن بني جمح.

http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**((3 .. النقاش والقرار الغاشم ..))**
وعند أجتماعهم الدنيئ حضرهم أبليس اللعين صورة شيخ من أهل نجد، فتذاكروا بأمر رسول الله صلى الله علية وآله وسلم اشار كلاُ برأي والشيخ يرده ولا يرضاه ،

قال ابو البختري : نحبسه بالحديد ونغلق عليه بابه حتى يموت ، كأمثال النابغة وزهير الشعراء فلم يرضه الشيخ.
الى ان قال أبو جهل نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً جلداَ قوياً
ونعطيه سيفاً صارماً ثم نضربه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه بين القبائل لماذا؟؟؟http://www.lakii.com/vb/images/smilies/confused.gif
حتى لاتدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع لاانهم لن يمكنهم معاداة القبائل كلها.ومن ثم يدفعون الدية..
فقال الشيخ وهو أبليس اللعين : لله در هذا والله الراي فتفرقوا على ذلك...
http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**((4 .. ماذا بعد القرار الغاشم ؟؟( هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم )..))**
جاء جبريل عليه السلام فأخبر النبي علية الصلاة والسلام ، بتلك المؤامرة وان الله أمرله بالخروج وان لا يبات في مضجعه تلك الليلة .

فذهب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى أبو بكر الصديق بالظهيرة وكان متقعاً وهذا اول مرة يذهب فيةالرسول عليه الصلاة والسلام الى أبو بكر وعندما وصل اليه امره ان يخرج كل من عنده بالبيت لماذا؟؟http://www.lakii.com/vb/images/smilies/confused.gif
لانه لايرد احد أن يفشي سره0 فقال له أبوبكر انما هم أهلك بأبي انت يارسول الله قل له الحبيب عليه الصلاة والسلام : أذن لي بالخروج قالت عائشة رضى الله عنها : رايت أبو بكر يبكي من الفرح.
فقال لأبو بكر : الصحبة يارسول الله فرد عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: نعم قال أبوبكر فخذ احدى راحلتي هاتين فقال : نعم بالثمن وعاد الى بيتة..

http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**((5 .. تطويق منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..))**
استعد كفار قريش لتنفيذ خطتهم صباحاً فاختاروا احد عشر رئيساً وهم:
1-أبوجهل بن هشام.

2- الحكم بن أبي العاص.
3- عقبة بن معيط.
4- النضر بن الحارث.
5- أمية بن خلف.
6- زمعة بن الأسود.
7- طعيمة بن عدي.
8- أبولهب
9- أبي بن خلف.
10- نبيه بن الحجاج.
11- منبه بن الحجاج.

فاجمعوا بالليل عند باب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم على يقين جازم من نجاح مؤ امرتهم .

ولن الله غالب على امره، وهو يجير ولا يجار عيه قال تعالى: (( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ))

نور
03-28-2008, 11:17 AM
*((6.. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يغادر بيتة..))**
أمر الرسول صلى الله عيه وآله وسلم سيدنا علي رضي الله عنه أن ينام في فراشه ويتغطى بردتة الحضرمية الخضراء اللون.وكفار قريش مجتمعين بالباب ، خرج النبي عليه الصلاة والسلام وأخذ حفنة من تراب

فذرها على رؤوسهم جميعاً وهو يتلوا قول الله تعالى(( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ )).أخذ الله ابصارهم فلم يرونه وذهب الى منزل أبو بكر الصديق ليلاً فخرجا
من خوخة أي تحة صغيرة خلف البيت في طريقهما الى غار ثور من جهة اليمن .
وكفار قريش يرصدونه عند بيته صلى الله عيه وآله وسلم فجاء رجل وقال لهم : ما تنتظرون ؟؟قالوا: محمد قال لهم : خبتم وخسرتم لقد مر بكم وأنطلق الىحاجتة فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم
ونظروا من صير الباب ليتأكدوا من وجود النبي في فراشة فأطمئنوا. فقام علي الصباح من فراشه وسقط بين ايديهم سألوه اين عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لاأعلم فأنهلوا عليه ضرباً ليرشدهم على مكانه.

**((7 .. من الـــدار الى الــــغـــار..))**
لم يعلم بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الا على وأبوبكر الصديق واهله رضي الله عنهم كان ذلك في ليلة 27 من شهر صفر السنة 14 من النبوة وقد استأجرعبد الله بن أريقط الديلمي وهو مشرك ليدل لهم

بالطريق ومن ثم يعود0 وهو يعم جيداً عليه الصلاة والسلام ان قريش ستجد بطلبه نحو طريق المدينة الشمال لذالك اختار طريق آخر وشديد الوعورة من جهة الجنوب من مكة . وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه
(( اللهم أنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد الّي فأسكني أحب البلاد إليك)) قد حفيت قدماة من وعورة الجبل فحمله أبوبكر الصديق الى غار ثور .


http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif

** (( 8.. إذ همـــا فــي الـــغــــار..))**
عندما وصلا الى الغار قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : والله لا تدخله حتى أدخله قبلك لماذا؟؟؟http://www.lakii.com/vb/images/smilies/confused.gif

لاان يكون بالغار شيء فيصيبه بدل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فأخذ أبوبكر يسد الشقوق ثم أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالدخول ونام حينئذ في حجره فلدغ عقرب رجل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عقرب برجله
وهو يتصبر لكي لايشعر النبي عليه الصلاة والسلام بشيء ويفيق الا ان دموع أبو بكر سقطت على وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : مالك يابي بكر قال: لدغت
قال له النبي عليه الصلاة والسلام فداك أبي وأمي فتفل على موضع اللدغة فشفي بالحال..
امر ابوبكر أبنه عبدالله ان ياتيهم بأخبار قريش كل يوم ليلاً ، وامر عامر بن فهيرة مولاه ان يرعى غنمه نهاراً لماذا؟؟http://www.lakii.com/vb/images/smilies/confused.gif
لتمحو الغنم أثر عبد الله بعد ذهابة الى مكة لمدة ثلاث أيام.
اما سيدنا علي رضي الله عنه ضل وبكل شجاعة يخفي الأمر، حينما يأسوا الكفار من عدم اعترافه لهم ذهبوا الى بيت أبوبكر الصديق فردت عليهم أسماء أن ابيها ليس هنا ولا تدري عن مكانه فلطمها أبوجهل علو وجهها حتى أسقط قرطها
وهي الي كانت تأتي بالطعام الى رسول الله عليه الصلاة والسلام وابيها الى الغار. جن جنون قريش فوضعوا مكافئة قدرها مائة ناقة لمن يأتي بهما حيين او ميتين
استخدمت قريش قائف للا ثر وهو سراقة بن مالك فوصل بهم الى باب الغار فانقطع الاثر وقد نسجت العنكبوت خيوطها وعشعشت حمامتان ببابه وأبو بكر خائف ويقول للنبي عليه الصلاة والسلام : لو أن احد من الكفار انزل بنظره الى موضوع قدمية لا رأنا
فقال له الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم : ما ظنك بأ ثنين الله ثالثهما. فرجعوا الكفار خائبين فهذه معجزة من الله.

قال الله تعالى: ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا

فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )).

أنشودة نور من الغار لمحمود الشيباني



http://epda3.net/iv/es410.ram (http://epda3.net/iv/es410.ram)


http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**(( 9 .. في الطريق الى المدينة ..))**
عندما يئست قريش واستنفذت جميع امورها بالجد والبحث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لثلاث ايام ، استعد الحبيب عليه الصلاة والسلام وصاحبه للخروج الى المدينة المنورة، وكانوا على اتفاق مع عبد الله بن اريقط

ان ياتي بالراحلتين بعدمضى ثلاث اياممن مكوثهم بغارثور والرسول عليه الصلاة والسلام قد اخذ احدى هذه الراحلتين بالثمن من أبو بكر الصديق رضى الله عنه لماذا؟؟؟؟http://www.lakii.com/vb/images/smilies/confused.gif
لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه عليه الصلاة والسلام في استكمال فضل الهجرة إلى الله..
ثم اتتهما أسماء بنت أبوبكر الصديق بطعامهم ونسيت ان تجعل له رباط فشقت رباطها با ثنين فعلقت به الطعام والاخرانطقت به
لذلك سميت بذات النطاقين وعادت بعد ذلك الى مكة.
وكما ارتحل معهم الدليل عبد الله ابن اريقط ليوصلهم طريق المدينةلم يمربه احد غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه..وسارا بطريقهم وأبوبكر الصديق تارة يمشي على يمين الرسول وتارة عن شمالة وتارة امامه ومن خلفه
هذا كله من شدة خوفه رضى الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الاان رجل من بني مدلج بصر بهم وهب الى قومه ليخبرهم وكان من بينهم سراقة بن مالك وحتى لايظفر الاخرين بالمكافئة قال: انما هما رجلان خرجا لطلب حاجة
وجلس قليلاً وامر لجاريته أن تخرج الفرس بعيد عن أعين القوم وانطلق به حتى وصل من مقربة للرسول عليه السلام وصاحبه سمع صوت قراءة النبي عليه الصلاة والسلام وهو لايلتفت اليه وأبوبكر الصديق يكثر الألتفات فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
فخا ست يد فرسه الى الركبتين بالتراب الى ان خاف على نفسه من دعا النبي عليه فطلب منه الآمن فعرض عليهم الزاد والمتاع ولكنهم ارادو من ان يخفي عليهم لايخبرعنهم أحد ثم سال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب له فكتب له أبوبكر بأمره في أديم
وفى له الرسول صلى عليه وآله وسلم يوم فتح مكة..


http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif


.**<<قــــصـــةأم مـــبــــعـــد>>**.
عندما مضى الرسول عليه الصلاة والسلام وأبوبكر الصديق مروا بخيمة وكان بها امأة أعرابية جلدة يقال لها أم معبد الخزاعية تطعم وتسقي من مربها فسألها هل ليك شيء نشتريه؟؟ فقلت: ليسلدى غير شاة صغيرة عازب

فمسح النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بيدة الكريمة على ضرعها سما ودعا فباعدت الشاة عن رجليها لماذاا؟؟http://www.lakii.com/vb/images/smilies/confused.gif
لاأمتلاء ضرعها بالحليب وحتى تسمح لرسول الله عليه الصلاة والسلام بحلبها وضع الاناء حتى امتلاء ثم حلبه مرة ثانية وامتلاء ثم غادروا من عندها. وبعدها ببرهة اتى زوج أم معبد ومعه غنمه الهالك الهزل وراى اللبن فقال لها: من اين لك باللبن والشاة عازب؟؟؟
فأسردت تقول :مرنا رجل مبارك وكيت وكيت فأسمعوا اخواتي معي ماذا تقول في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:http://www.lakii.com/vb/images/smilies/16.gif

ظاهر الوضضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثه أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر إذا صمت علاه الوقار وإذا تكلم علاه البهاء أجمل النساء وأبهاه من بعيد

وأحسنه وأحلاه من قيب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقة خرزات نظم يتحدرن ربعة لاتقتحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول
غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثم منظاً وأحسنهم قدراً له رفقاء يحفون به واذا قال أستمعوا لقوله واذا أمر تبادروا الى أمره محفود محشود لاعابس ولا منفد..

قال أبو معبد هذا والله صاحب قريش الذي تطلبه..

وأم مبعد يشهد لها التاريخ عبر العصور أنها افضل وادق واجمل وصف وصف به رسول الله عليه الصلاة والسلام هو وصفها وكأن السامع والقارئ ينظر اليه وهذا بسبب نظرتها الثا قبة مع العلم انها كانت لا تدرى بأنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


علم اهل مكة بوجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة عندما اقبل رجل من الجن يتغنى بأ بيات يسمعونه ولا يرونه كما ذكرت أسماء رضى الله عنها . في الطريق لقي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبا بريدة

ليظفر بالجائزة الا انه اسلم مكانه مع سبعين من قومه ، وكذلك لقي الرسول عليه الصلاة والسلام وأبوبكرالزبير مع المسلمين في تجارة من الشام فكساهم ثياباً بيضاء ..


صورة توضح طريق الهجرة وخيمة أم معبد وكذلك مكان قوم بني مدلج (http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-08-29/Pictures/2908.cul.p23n1.jpg)


http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**((10 .. الـــنــزول بـــقـــبـــاء.. ))**
بعدما غادر لرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكة وهو آسف لفراق قومه وصل الى قباء يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول وهي السنة الأولى من الهجرة وكان الأنصار يخرجون كل يوم ينتظرونه فإذا أشتد حر الشمس عليهم رجعوا إلى منازلهم .

الآ ان في يوم الاثنين هذا عندما هموا للذهاب الى منازلهم صعديهودي الى أطم وأبصر رسول الله عليه الصلاة والسلام مع أبو بكر الصديق ، فصرخ بأعلى صوته: يامعاشر العرب هذا صاحبكم قد جاء . فثاروا للقياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكبروا فرحاً به حتى نزل في بني عمرو بن عوف . وبطبيهة الحال الأنصارلم يروى رسول الله عليه الصلاة والسلام من قبل وظنوا ان أبوبكر الصديق هو الرسول حتى أصابت الشمس رسول الله عليه الصلاة والسلام فضلله أبوبكر رضى الله عنه بردائه
فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . بعد ذلك نزل الرسول عليه الصلاة والسلام عند كلثوم بن الهدم قيل سعدبن خيثمه لمدة ثلاثة أيام . واسس فيها مسجد قباء أول مسجد أسس بعد النبوة.
ظل سيدنا علي رضى الله عنه في مكةبأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام يؤدي الودائع الىاهلها ثم هاجر ما شياً على قديميه. خرج الرسول صلى الله عليه وأله وسلم بأمر الله مع ردفه أبوبكر الصديق فساروا الى المدينة المنورة الديار أخواله بني النجار
وأدرك الجمعة هناك..


http://www.3roos.com/upload/Flower1k.gif
**(( 11 .. الــــدخول فـــي المـــديـــنـــة..))**
صلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الجمعة في بني سالم بني عوف وكان معه مئه من المسلمين فهي أول جمعة صلاها في المدينة وأول خطبة خطبها في الأسلام.وغير اسمهامن يثرب الى المدينة، واهلها يعربون عن شدة فرحهم وينشدون بهذه الأبيات:
طلع الــبدر علينــا مــن ثنـــيات الوداع

وجب الشـــكر علينـــا مـــا دعــا لله داع
أيها المبعوث فينــــا جئت بـالأمـر المـطاع


أنشودة طلع البدر علينا:





ثم ركب راحلته القصوى فأخذوا بخطامها وهم يقولون: هلم إلى القوة والمنعة والسلاح

فيقول عليه الصلاة والسلام دعوها فإنها مأمورة. فسارت الى موضع المسجد اليوم وبركت في أرض لغلامين يتيمين.فأخذ أبوأيوب الأنصاري راحلته الى بيته فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( المرء مع رحله) فأقام عنده حتى بنى حجره ومسجده.
وبعد أيام وصلت زوجة الرسول صلى الله عليه آله وسلم سودة وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وعبد الله بن ابوبكر واهله ومن بينهم السيدة عائشة رضى الله عنها التي قالت : أصاب أبوبكر وبلال الحمى فذهبت الى الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم بلأمر فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد حباً ، وأحمها ، وبارك في صاعها ومدها ، وانقل حماها فا جعلها با لجحفة.
أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهجرته قد ترك مكة بظلام دامس فلما وصل المدينة أشرقت أنوارها وبهذا انتهت مرحلة من حياته ...


فصلى الله والتسليم دايم على المختار من حّى آل هاشم وعلى الأصحاب والأهل الأكرام هم الأخيار ذو النفس الآبية...

نور
03-28-2008, 11:19 AM
اضاءة بسيطة فوائد من هجرة الحبيب وصاحبه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم...
1- هاجرعليه الصلاة والسلام في الأخير خوفاً على أمته.
2-القتل والحبس والنفي وسائل لا إحباط الدعوة.
3- الصراع مستمر بين الخير والشر الى قيام الساعة.
4- استشعار الكمال من صفات ضعيف الأيمان.
5- أقتيال القائد وتشويه صورته في ا لمجتمع حتى لا يقتدى به أحد.
6-قبول الصديّق الصحبة دليل محبتة وحب الانسان للمغامرة تحديه الخطورة.
7- اسناد المهام الى أصحابها تمثلت في على بن أبي طالب والنوم في فراشه
وفيه دعوة لبناء الثقة في الأبناء منذ الصغر..
8-يأخذ الراحلة بالثمن يترفع فيه المسلم ان يطلب الشيء لذاتة وأن يكون عالة ولرسول صلى الله عليه وآله وسلم خير قدوة.
9- د ور عبد الله بن أريقط ليس بسيط بل له اثر كبير في أنجاح الدعوة لانه ادء الدور بقناعة تامة.
10- لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا الآخذ بالاسباب كاملة والتوكل على الله والبعد من الاحباط.
11- الثبات على المبدأ من أخلاق المؤمن ثابته راسخة لاتتغير.
12- اينما وضعت أقبل بوضعي أذاً اريد ان اظهر الدعوة على يدي بالذات.
13- مهما قابل المؤمن من فتن يضل ثابت لاان الله سينصره لامحالة.
14- كذلك يجب التقليل من السؤال لإعزاز النفس.
15-العمل و تصفية النية لله تميل لها القلوب والأرواح قبل الأجسام.
(( القائد يتحمل أكثير من غيرة اذا النصر يسبقه))


http://www.jaralqamr.com/smiles/smile_files/smile2_data/1049.gif
16- ضرورة الانتقال بالدعوة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين.
17- الحفاظ على طلائع الدعوة الإسلامية وتأمينها لتكون ركيزة من ركائز الدولة متمثلا ذلك في ابقاء مهاجري الحبشة.
18- اختيار المكان المناسب للدولة؛ الذي تتوفر فيه أسباب القوة المادية والموقع المتميز فضلا عن الأنصار أصحاب العقيدة الراسخة.
19- الإعداد والتخطيط وتأمين متطلبات العمل.
20- السرية في التحركات مع التمويه وإعفاء الأثر على العدو.
21- أهمية دور الشباب في الدعوة الإسلامية والذي تمثل في موقف عبد الله بن أبي بكر وعلى بن أبي طالب.
22- دور المرأة ومشاركتها الفاعلة مع الرجل في مهام الدعوة والذي تمثل في موقف عائشة وأسماء رضي الله عنهما ونساء المهاجرين.
23-حماية القيادة والدفاع المستميت عنها.
http://www.jaralqamr.com/smiles/smile_files/smile2_data/1049.gif

نور
03-28-2008, 11:21 AM
~~ مراحل الدعوة والجهاد في العهد المدني ~~
تقسيم العهد المدني إلى ثلاث مراحل ...

1-مرحلة أثيرت فيها القلاقل والفتن , وأقيمت فيها العراقيل من الداخل وبذلك زحفت الأعداء لأستئصال خضرائها من الخارج .

2-مرحلة ألهدنه مع الزعامة ألوثنيه , وتنتهي بفتح مكة .

3-مرحلة دخول الناس في الدين الله أفواجا , وهذه المرحلة تمتد إلى انتهاء حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)في ربيع الأول سنة 11 من الهجرة .




~~ الحالة الراهنة في ألمدينه عند الهجرة ~~

لم يكن معنى الهجرة هو التخلص من الفتنه والتعذيب فحسب , بل الهجرة تعني تعاونا على إقامة مجتمع جديد في بلد اّمن ولا شك أن الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو القائد والهادي في بناء هذا المجتمع وكانت إلية أزمة الأمور بلا نزاع ..

وكانت في ألمدينه ثلاثة أصناف من الأقوام يختلف كل واحد منها بنسبة إلى الأخر اختلافا واضحا , بالنسبة إلى الآخر,, هي ..
1- أصحابه الصفوة الكرام البررة رضي الله عنهم .
2- المشركين الذين لم يؤمنو بعد .
2-اليهود ..

أ- المسائل التي كان يواجهها بالنسبة إلى أصحابه هو أن ظروف المدينة كانت تختلف عن الظروف التي مرو بها في مكة ..
فكانو بمكة مقهورين لم يكن لهم من الأمر شي وكان الأمر بيد أعدائهم في الدين ,لذلك نرى السور المكية تقتصر على تفصيل المبادئ الإسلامية ,
أما في المدينة فكان أمر المسلمين بأيديهم منذ أول يوم , ولم يكن عليهم سيطرة أحد من الناس , قد أن لهم أن يكونوا مجتمعا جديدا مجتمعا إسلاميا يختلف في جميع مراحل الحياة عن الحياة الجاهلي ,, ولا يخفى أن تكوين أي مجتمع على هذا النمط لايمكن أن يستتب في يوم واحد أو شهر واحد أو حتى سنة , بل لابد من زمن طويل من الجهد والصبر والتشريع مع التثقيف والتدريب تدريجيا , وكان الله كفيلا بهذا التشريع , فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قائما بتنفيذ وتربية المسلمين وفقه (( هُوَ الذِي بَعَثَ في الأُميِنَ رسولا مِنهُم يَتلُوا عليهِم ءاياتهُ ويُزَكيِهم وَيُعِلمُهُمُ الكِتبَ والحِكمَهَ )) }الجمعة : 2{
وكان الصحابة رضي الله عنهم مقبلين عليه بقلوبهم ويتحلون بأحكامه ويستبشرون بها ((وإِذَا تُليت عَليهم ءاياته زَدتهم إيمانا)) }الأنفال{

كانت جماعه المسلمين مشتملة على قسمين :1
1-الأنصار الذين هم في أرضهم وديارهم ولا يهمهم من ذلك إلا مايهم الرجل وهو اّمن في سربه ..
2- المهاجرين الذين فاتهم كل ذلك , ونجوا بأنفسهم إلى مدينه ,ليس لهم ملجأ يأوون إليه ولأعمل يعملونه لمعيشتهم , وكان عددهم غير قليل وكانوا يزيدون فقد كان أذن بالهجرة لكل من امن بالله ورسوله,,
ولم تكن المدينة على ثرة طائلة فتزعزع ميزانها , وقد قامت القوات ألمعاديه بشبة مقاطعه اقتصاديه ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ب- أما القوم الثاني : هم المشركون من صميم القبائل المدينة ولم تكن لهم سيطرة على المسلمون ومنهم من كان يتردد في ترك دين الإباء , ولم يبطن العداوة والكيد للإسلام والمسلمين , ولم تمضي عليهم عليهم مدة قصيرة حتى اسلمو .
وكان فيهم من يبطن شديد العداوة على المسلمين وكان مضطر إلى إظهار الود نظرا للضر وف , وعلى رأسهم عبد الله بن أبي , وقد أظهر إسلامه بعد بدر عندما رأى الضر وف لا تساعده على شركه وأنه يحرم الفوائد الدنيويه ولكنه بقى مستبطنا الكفر وكان لا يجد مجالاً للمكيدة برسول الله (صلى الله عليه وسلم)وبالمسلمين إلا ويأتي بها .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ج- أما القوم الثالث فهم اليهود : الذين انحازوا إلى الحجاز زمن الاضطهاد الآشوري والروماني كما أسلفنا ,, ولكنهم بعد الانسحاب إلى الحجاز انصبغو بالصبغة العربية في الزي واللغة والحضارة حتى صار أسمائهم بالعربية وقامت بينهم وبين العرب علاقة الزواج , إلا أنهم تحفظوا بعصبيتهم الجنسية وكانوا يفتخرون بجنسيتهم الإسرائيلية وكانوا يسمون العرب بالسذج وأرذال متأخرون وان أموال العرب مباحة لهم يأكلونها كيف يشاءوا ,, ((قَالُوا لَيسَ عَلَيَناَ فيِ اّلأُميِنَ سَبِيلُُ))) آل عمران : 75 ) ولم يكن لهم تحمس في نشر دينهم غير جل بضاعتهم ألدينيه , الفأل والسحر والرقيه وأمثالها , وكانوا مهرة في فنون الكسب والمعيشة وكانت في أيديهم تجارة التمر والحبوب والخمر والثياب .
وكانوا أصحاب دسائس ومؤامرات وفساد.
وكانت في يثرب منهم ثلاثة قبائل مشهورة ..
بنو قينقاع حلفاء الخزرج .
بنو النضير .
بنو قريظة وكانتا حلفاء الأوس والخزرج .

فإن اليهود لم يرجى منهم أن ينظروا إلى الإسلام إلا بعين الحقد فالرسول الله صلى الله عليهم وسلم لم يكن من جنسيتهم حتى ليسكن جأش عصبيتهم الجنسية , وكانت دعوة الإسلام دعوة صالحة تؤلف بين أشتات القلوب وتطفئ نار البغضاء والعداوة وتدعو إلى التزام في الشؤون ,
أما اليهود كانت تستوطن العداوة منذ عرفو أن دعوة الإسلام تحاول الاستقرار في يثرب , وكانوا يعلمون بأنه نبي الله ويشهد بذلك ما رواه البخاري في إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه .الذي أسلم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم , المدينة في بني النجار جاءه مستعجلاً وألقى أليه أسئلة لا يعلمها ألا نبي ولما سمع ردوده صلى الله عليه وسلم ,اّمن به ساعته ومكانه وقال له أن اليهود قوم بهت ,,
وهذه أول تجربة تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود في أول يوم دخل فيه المدينة‏.‏هذا من حيث الداخلية من المدينة .
أما من ناحية الخارج فكان يحيط بها من يدين بدين قريش، وكانت قريش ألـد عـدو للإسلام جربت عليهم طوال عشرة أعوام كل أساليب الإرهاب والتهديد والمضايقة والتعذيب، والمقاطعة والتجويع، وأذاقتهم الويلات، وشنت عليهم حربًا نفسية مضنية مع دعاية واسعة منظمة، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة صادرت أرضهم وديارهم وأموالهم، وحالت بينهم وبين أزواجهم وذرياتهم ، وتغرى غيرها من مشركي الجزيرة ضد أهل المدينة، وفعلًا قامت بذلك كله حتى صارت المدينة محفوفة بالأخطار، وفي شبه مقاطعة شديدة قَلَّتْ لأجلها المستوردات، في حين كان عدد اللاجئين إليها يزيد يومًا بعد يوم، وبذلك كانت ‏‏حالة الحرب‏‏ قائمة بين هؤلاء الطغاة من أهل مكة ومن دان دينهم، وبين المسلمين في وطنهم الجديد‏.‏.
وكان من حق المسلمين أن يصادروا أموال هؤلاء الطغاة كما صودرت أموالهم، وأن يديلوا عليهم من التنكيلات بمثل ما أدالوا بها، وأن يقيموا في سبيل حياتهم العراقيل كما أقاموها في سبيل حياة المسلمين حتى لا يجدوا سبيلًا لإبادة المسلمين واستئصال خضرائهم‏.‏
وهذه هي القضايا والمشاكل الخارجية التي واجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما ورد المدينة بصفة رسولا هاديا وقائدا .

وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعالجة كل القضايا معالجه حكيمة . فعاملة كل قوم بما كانوا يستحقونه من الرأفة والرحمة أو الشدة ,,, حتى عاده المر إلى الإسلام وأهله في بضع سنوات ,,, وسيجد القارئ كل ذلك جليًا في الصفحات الآتية‏

نور
03-28-2008, 11:23 AM
~~ بناء مجتمع جديد ~~


(http://www.lakii.com/vb/uploader/smilies.php)



قد أسلفنا أن نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في بني النجار كان يوم الجمعة ‏‏12 ربيع الأول سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م‏ وأنه نزل في أرض أمام دار أبي أيوب، وقال‏:‏ ‏‏هاهنا المنزل إن شاء الله


ثم انتقل إلى بيت أبي أيوب رضي الله عنه
بناء المسجد النبوي
وأول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول ‏:‏


اللهم لا عيش إلا عيش الآخر ~~~~~~~~ فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في العمل حتى إن أحدهم ليقول‏ :
لئن قعدنا والنبي يعمل ~~~~~~~~ لذلك منا العمل المضلل
كانت في مكان البناء قبور المشركين فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل والشجرة فقطعت وصفت في قبلة المسجد وكانت القبلة إلى بيت المقدس , وجعلت له ثلاثة أبواب , وبني بيوتاً إلى جانبه وهي حجرا أزواجه صلى الله علية وسلم وأنقل إليها من بيت أبي أيوب ..
ولم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته و يلتقى وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبرلمان لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية ,,, وفي أوائل الهجرة شرع الأذان، تلك النغمة العلوية التي تدوى في الآفاق، وتهز أرجاء الوجود ..




المؤاخاة بين المسلمين كما قام النبي صلى الله عليه وسلم , ببناء المسجد مركز التجمع والصلح قام بعمل أخر من أروع من أروع ما يأثره الناس .
وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار آخى بينهم على المواساة , ويتوارثون على الموت دون ذوي الأرحام وإلى حين وقعت بدر أنزل الله عز وجل
((‏‏ ‏‏وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ‏)) }الأنفال: 75
معنى هذا الإخاء أن تذوب عصيبات الجاهلية وتسقط الفوارق النسب واللون والوطن ..فلا يكون الولاء إلا للإسلام ...



(http://www.lakii.com/vb/uploader/smilies.php)

ميثاق التحالف الإسلامي :‏

كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما كان بينهم من حزازات في الجاهلية,,,‏ وفيما يلي بنودها ملخصًا‏:‏

هذا الكتاب من محمد صلى الله عليه وسلم , بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن جاهد معهم :-
1ـ إنهم أمة واحدة من دون الناس‏.‏
2ـ المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على رببعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى .
3ـ وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل‏.‏
4ـ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم.
5ـ وإن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولد أحدهم‏.‏
6ـ ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر‏.‏
7ـ ولا ينصر كافرًا على مؤمن‏.‏
8 ـ وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم‏.‏
9ـ وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين .
10ـ وإن سلم المؤمنين واحد .
11 ـ وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله‏.‏
12 ـ وإنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن‏.‏
13 ـ وإنه من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول‏.‏
14 ـ وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه‏.‏
15 ـ وإنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة .
16 ـ وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمـد صلى الله عليه وسلم‏ ..


(http://www.lakii.com/vb/uploader/smilies.php)


أثر المعنويات في المجتمع
بهذه الحكمة وبهذا التدبير أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد مجتمع جديد، كانت صورته الظاهرة آثارًا للمعاني التي كان يتمتع بها أولئك الأمجاد بفضل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد هم بالتعليم والتربية، وتزكية النفوس، والحث على مكارم الأخلاق ..
سأله رجل‏:‏ أي الإسلام خير‏؟‏ قال‏ , ‏تطعم الطعام ، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏ .
وكان يقول صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من لا يأمن له جاره بوائقه) رواه مسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم (المؤمنون كرجل واحد , إن أشتكى عينه أشتكى كله , وإن أشتكى رأسه أشتكى كله) رواه مسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) متفق عليه صحيح البخاري .
وبجانب هذا كله يحث حثا شديدًا على الاستعفاف عن المسألة ,ويذكر فضائل الصبر والقناعة , وهكذا رفع معنوياتهم ومواهبهم , وزودهم بأعلى القيم والأقدار , حتى صاروا صورة لأعلى قمة من الكمال عرفت التاريخ البشر بعد الأنبياء ..
إن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يتمتع من الصفات المعنويه الظاهرة ومن الكمالات والمواهب والأمجاد ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال بما جعلته تهوى إليه الأفئدة وتتفانى عليه النفوس فما يتكلم بكلمة إلا ويتسابقون إلى التحلي به وإلى أمثالها .
وبهذا أستطاع النبي صلى الله عليه وسلم . أن يبني في ألمدينه مجتمًا جديدًا , أروع وأشرف مجتمع عرفه التاريخ .
وبهذه المعنويات الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه كل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها وحول مجرى التاريخ والأيام ...
وصلى الله على الحبيب المصطفى الذي اصطفاه قدوة للمسلمين وهادي الناس إلى الصراط المستقيم ..

نور
03-28-2008, 11:24 AM
~~ الاستفاده و العبر ~~
الهجرة هي أحدى أنواع الجهاد ((الّذينَ ءامَتُوا وَهَاجَرُا وجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأمواَلِهِم وأَنفُسِهِم أعظَمُ دَرََجةً عِندَ اللهِ وأوُلئِك هُمُ الفائِزُونَ)) - سورة التوبه الأيه : 2) . تعتبر الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة أهم حدث في التاريخ حيث تحول في تاريخه المسلمين .حيث تكونت دولة للدعوة والإسلام ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الموعظة والتربية بالقدوة العملية:
من الحقائق الثابتة أن النبي صلى الله عليه وسلم شارك أصحابه العمل والبناء، فكان يحمل الحجارة ، ويحفر الأرض بيديه كأي واحد منهم، فكان مثال الحاكم العادل الذي لا يفرق بين رئيس ومرؤوس، أو بين غني وفقير، فالكل سواسية أمام الله ، لا فرق بين مسلم وآخر إلا بالتقوى ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
-- بناء المسجد -- والمؤاخاة --
-يحثنا بناء المسجد على التعاون وجمع شمل المسلمين ونشر الخير والتوعية بين المسلمين وليكون مدرسة يتدارس فيه المؤمنون ومعهدا للطلاب العلم ليتفقهوا في أمور الدين ويكونون داعين إلى الله .
(( لا تَقُم فِيهِ أبَداً لَّمَسجِدٌ أُسِسَ علَى الَتقوَى مِن أَولِ يوٍم أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رجَالُُُ يُحِبُونَ أَن يَتَطَهَرُوا وَاللهُ يُحِبُ المُطهِرينَ)) سورة التوبه الآية 108 .

-ومن فضل تعليم في المسجد ,, عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما دخل مسجدنا هذا يتعلم خيراً أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله , ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له ) ..

-(أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنُبشت, ثم بالخرب فسوّيت وبالنخل فقطع):
أخذ العلماء من الحديث الأحكام التالية:
1. جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع.
2. جواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة.
3. جواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها.
4. جواز بناء المساجد في موضع المقبرة الدارسة.

- بذل عمار بن ياسر رضي الله عنه جهداً مميزاً, إذ كان الصحابة يحملون (لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين, فمرّ به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال: ويح عمّار تقتله الفئة الباغية):
استفاد العلماء من الحديث: جواز ارتكاب المشقة في عمل البر, وتوقير الرئيس والقيام عنه بما يتعاطاه العمل الصالح, وفضل بنيان المساجد, وإكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول.

-بنيان المسجد النبوي البسيط من اللبن والجريد إنما يدل على أن الأصل في بنيان المسجد هو القصد وترك الغلو وهذا ما فعله أيضا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب بعد ذلك, ولكن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين زاد فيه زيادة كثيرة.
وقد رخص في ذلك أبو حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال.
وقال ابن المنير: لما شيّد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسبَ أن يُصنع ذلك بالمساجد صوناً لها من الاستهانة.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
--الحب في الله أساس بنية المجتمع المدني--
الحث التعاون والصفح بين المسلمين .. قال الله تعالى ((إنمَا المُؤِمنون إخوَةٌ فَأصِلحُوا بَينَ أَخَويكُم واتقوا اللهَ لَعَلكم تُرحَمُون )) من سورة الحجرات الآية 10)

إن المؤاخاة على الحب في الله من أقوى الدعائم في بناء الأمة المسلمة.

نور
03-28-2008, 11:25 AM
معاهدة مع اليهود


بعد أن أرسى رسول الله صلى الله وعليه وسلم قواعد مجتمع جديد، بإقامة الوحدة العقدية والسياسية والنظامية بين المسلمين، بدأ بتنظيم علاقاته بغير المسلمين، وكان قصده بذلك توفير الأمن للبشرية جمعاء، مع تنظيم المنطقة في وفاق واحد ‏.‏

وأقرب من كان يجاور المدينة من غير المسلمين هم اليهود ، وهم وإن كانوا يبطنون العداوة للمسلمين، لكن لم يكونوا أظهروا أية مقاومة أو خصومة بعد، فعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة، فيما يلى أهم بنودها‏:


http://www.lakii.com/vb/smile/12_14.gif

- إن اليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم.

- وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏.‏

- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏.‏

- وإن بينهم النصح والنصحية، والبر دون الإثم‏.‏

- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه‏.‏

- وإن النصر للمظلوم‏.‏

- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏.‏

- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏.‏

- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها‏.‏

- وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم‏.‏

- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‏.‏

http://www.lakii.com/vb/smile/12_14.gif


وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة، ورئيسها ـ إن صح هذا التعبير ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين‏.‏


إضاءات::

* الوثيقة تكشف عن فكر سياسي رفيع المستوى، و فهم عميق لأسس الدولة، و تسقط دعوى من زعم أن الإسلام دين قوامه بين الإنسان و ربه؛ ليس له مقومات الدولة و التنظيم. فالدولة الإسلامية قد قامت منذ أول بزوغ فجرها على أسس دستورية و إدارية.

* الوثيقة تمثل تطور في مفاهيم الإجتماع السياسية، فقد أقرت مفهوم الحرية الدينية و ضربت مبدأ التعصب.

* العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي لليهود، حيث بات الكل خاضع لحكم القانون؛ ترد الأمور للدولة. و قد كان من الممكن أن تؤتي هذه المسألة العادة ثمارها لولا أن تغلبت لى اليهود طبيعتهم من حب للمكر و الغدر‏.




http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif




الكفاح الدامي



إستفزازات قريش واتصالهم بعبد الله بن أبي


زاد كفار مكة غيظاً أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمناً ومقراً بالمدنية، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي سلول- بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة - يطلبون إخراج النبي عليه السلام من بينهم، و إلا قاتلوهم.‏ ‏


وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة - وقد كان يحقد على النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لما يراه أنه استبله ملكه، فقد كاد قومه يجعلونه ملكاً على أنفسهم لولا أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وآمنوا به. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم، فقال‏:‏ ‏(‏لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر ما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقالوا أبناءكم وإخوانكم‏)‏، فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا‏.



إعلان عزيمة الصد عن المسجد الحرام


ثم أن سعد بن معاذ انطلق إلى مكة معتمراً، فاعترضه أبو جهل لدى الطواف و هدده.



قريش تهدد المهاجرين


تأكد لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهراً، أو في حرس من الصحابة‏، فقد روى عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلاً حتى نزل‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏}‏ ‏المائدة‏ 67‏، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس، انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل‏)‏‏.‏


ولم يكن الخطر مقتصراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يحدق بالمسلمين كافة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح، ولا يصبحون إلا فيه‏.




http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif




الإيذان بالقتال


في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة، أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين ولم يفرضه عليهم، قال تعالى‏:‏


‏{‏أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ‏}‏ ‏الحج‏ 39‏‏‏ ‏

وكان الإذن مقتصراً على قتال قريش، ثم تطور فيما بعد مع تغير الظروف حتى وصل إلى مرحلة الوجوب، وجاوز قريشاً إلى غيرهم، ولا بأس أن نذكر تلك المراحل بإيجاز قبل أن ندخل في ذكر الأحداث‏:‏

- اعتبار مشركي قريش محاربين؛ لأنهم بدأوا بالعدوان، فحق للمسلمين أن يقاتلوهم ويصادروا أموالهم دون غيرهم من بقية مشركي العرب‏.‏

- قتال كل من تمالأ من مشركي العرب مع قريش، وكذلك كل من تفرد بالاعتداء على المسلمين من غير قريش‏.‏

- قتال من خان أو تحيز للمشركين من اليهود الذين نبذوا ميثاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏

- قتال من بادأ بعداوة المسلمين من أهل الكتاب، كالنصارى، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏.‏

- الكف عمن دخل في الإسلام، فلا يتعرض لنفسه وماله إلا بحق الإسلام، وحسابه على الله‏.‏


ولما نزل الإذن بالقتال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبسط سيطرته على الطريق الرئيس الذي تسلكه قريش من مكة إلى الشام في تجاراتهم، واختار لذلك خطتين‏:‏

الأولى‏‏عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي كانت مجاورة لهذا الطريق، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق وما بين المدينة‏.‏

الثانية‏‏ إرسال البعوث واحدة تلو الأخرى إلى هذا الطريق‏.



http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif




الغزوات والسرايا قبل بدر


لتنفيذ هاتين الخطتين بدأ بالتحركات العسكرية فعلاً بعد نزول الإذن بالقتال وكانت أشبه بالدوريات الاستطلاعية، وكان المطلوب منها ‏:‏

* الإستكشاف والتعرف على الطرق المؤدية إلى مكة‏.

* عقد المعاهدات مع القبائل التي مساكنها على هذه الطرق‏.

* إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء‏.‏

* إنذار قريش عُقبَى طيشها، علها تشعر بتفاقم الخطر على اقتصادها فتجنح إلى السلم، حتى يصير المسلمون أحراراً في إبلاغ رسالة الله في ربوع الجزيرة‏.‏


فيما يلى أحوال هذه السرايا بالإيجاز‏:‏

- سرية سيف البحر

في رمضان سنة 1 هـ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه السرية حمزة بن عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين يعترضون عيراً لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجني ـ وكان حليفاً للفريقين جميعاً ـ بين هؤلاء وهؤلاء حتى جحز بينهم فلم يقتتلوا‏.‏ وكان لواء حمزة أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبيض‏.‏


-سرية رابغ‏

في شوال سنة 1 من الهجرة، بعث لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين رجلاً من المهاجرين، فلقى أبا سفيان - وهو في مائتين - على بطن رابغ، وقد ترامي الفريقان بالنبل، ولم يقع قتال‏.‏ ‏


- سرية الخرار

في ذي العقدة سنة 1 هـ، بعث لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلا يعترضون عيراً لقريش، وعهد إليه إلا يجاوز الخرار، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار، ويسيرون بالليل، حتى بلغوا الخرار صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت بالأمس‏.


إضاءة :: كل القادة من أهل الرسول عليه الصلاة و السلام، و هذا يدل على أنه لم يوفر أهله أبداً بل إستعملهم في المواقع الخطرة.


-غزوة الأبواء أو ودان‏

في صفر سنة 2 هـ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه في سبعين رجلاً من المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش، حتى بلغ ودان، فلم يلق كيداً.‏ وفي هذه الغزوة عقد معاهدة حلف مع بنى ضمرة‏‏.‏ و هذه أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.


إضاءة :: كان المقصد من موادعة القبائل إضعاف قريش، بحيث لا تتمكن من الإستعانة بقبيلة بينها و بين الرسول عليه السلام موادعة.



- غزوة بواط‏

في شهر ربيع الأول سنة 2 هـ، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه، يعترض عيراً لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمئة بعير، فبلغ بواطا من ناحية رضوى ولم يلق كيدا‏.‏


-غزوة سفوان

في شهر ربيع الول سنة 2 هـ، أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين على مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من أصحابه لمطارته، حتى بلغ وادياً يقال له‏:‏ سفوان من ناحية بدر، ولكنه لم يدرك كرزاً وأصحابه، فرجع من دون حرب، وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر الأولى‏.‏ ‏


- غزوة ذي العشيرة‏

في جمادى الأولى، وجمادى الآخرة سنة 2 هـ، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة من المهاجرين، ولم يكره أحداً على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيراً يعتقبونها، يعترضون عيراً لقريش، ذاهبة إلى الشام، فيها أموال لقريش فبلغ ذا العشيرة، فوجد العير قد فاتته بأيام، وهذه هي العير التي خرج في طلبها حين رجعت من الشام، فصارت سبباً لغزوة بدر الكبرى‏.‏ و في هذه الغزوة عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة عدم اعتداء مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة‏.


- سرية نخلة‏

في رجب سنة 2 هـ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه‏.‏ فسار عبد الله ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه‏:‏ ‏(‏إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكلة والطائف، فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهم‏)‏‏.‏ ‏

وسار عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة، وفيها عمرو بن الخضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم ابن كيسان مولى بني المغيرة‏.‏ فتشاور المسلمون وقالوا‏:‏ نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أو خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام‏.‏ أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، وتوقف عن التصرف في العير والأسيرين‏.‏

ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسماً هذه الأقاويل وأن ما عليه المشروكون أكبر وأعظم مما ارتكبه المسلمون، فقد انتهكت الحرمات كلها في محاربة الإسلام، واضطهاد أهله، ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرر سلب أموالهم وقتل نبيهم‏؟‏ فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة؟‏ ‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ‏}‏ ‏البقرة‏ 217‏.‏

وبعد ذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح الأسيرين, و ‏أدى دية المقتول إلى أوليائه‏.


إضاءة :: أول سرية استعمل فيها الرسول عليه السلام الكتاب المختوم، فبعض الناس يظنون أن نابليون هو أول من استعمله.



http://www.lakii.com/vb/smile/12_14.gif

تلكم السرايا والغزوات قبل بدر، لم يجر في احد منها سلب الأموال وقتل الرجال إلا بعد ما ارتكبه المشركون في قيادة كرز بن جابر الفهري، فالبداية إنما هي من المشركين مع ما كانوا قد أتوه قبل ذلك من الأفاعيل‏.‏

وبعد وقوع ما وقع في سرية عبد الله بن جحش تحقق خوف المشركين وتجسد أمامهم الخطر الحقيقي، وشعر هؤلاء المشركون بأن تجارتهم إلى الشام أمام خطر دائم، لكنهم بدل أن يأخذوا طريق الصلاح والموادعة، ازدادوا حقداً وعيظاً، وهذا هو الطيش الذي جاء بهم إلى بدر‏.


إضاءات ::

* يتجلى الجانب العسكري من شخصية الرسول عليه الصلاة و السلام، فنرى أنه رجل حرب أول كما هو رجل سلم أول.

* مع أنه لم يخض حربا قط و لا درس في كلية حربية، و مع ذلك فإن العالمين بأمور الحرب ليعجبون من خططه العسكرية و أسلوبه في التنفيذ و القيادة و تربية الجنود..

* بدأ حياته العسكرية بعمر 54، و هو عمر عادةتسرح فيه الجيوش أفرادها.

* لقد استنفد المشركون فرص السلام، و مع ذلك لم يبدأهم الرسول عليه السلام بالحرب مباشرة.. كانت حربا دفاعية من 2 إلى آخر 5 هـ و هذا يعطي فكرة عن طبيعة الإسلام و أنه لا يلجأ إلى الحرب إلا إذا استنفد كل الوسائل المتاحة.




http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif

نور
03-28-2008, 11:27 AM
http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif



أما المسلمون فقد فرض الله عليهم القتال بعد وقعة سرية عبد الله بن جحش في شهر شعبان سنة 2 هـ، وأنزل في ذلك آيات بينات‏:‏


‏{‏وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏البقرة‏‏190‏:‏ 193‏.‏


ثم لم يلبث أن أنزل الله تعالى عليهم آيات من نوع آخر، يعلمهم فيها طريقة القتال، ويحثهم عليه، ويبين لهم بعض أحكامه‏:‏


‏{‏فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ‏}‏ ‏محمد‏ 4‏:‏ 7‏‏‏.‏


ثم ذم الله الذين طفقت أفئدتهم ترجف وتخفق حين سمعوا الأمر بالقتال‏:‏


‏{‏فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏}‏ ‏محمد‏20‏‏.‏


وإيجاب القتال والحض عليه، والأمر بالاستعداد له هو عين ما كانت تقتضيه الأحوال، فالظروف كانت تقتضى عراكاً دامياً بين الحق والباطل، وكانت وقعة سرية عبد الله بن جحش ضربة قاسية على غيرة المشركين وحميتهم.‏



http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif



وقفة مع الإيذان بالقتال



أعطى الله تعالى المسلمين إشارة الإنتصاف من ظلم الكفار , بعد أن كانوا مكفوفين عن دفعه وهم في مكة , وقيل لهم: (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة).. وكان هذا الكف لحكمة قدرها الله ::


كان يراد أولا تطويع نفوس المؤمنين من العرب. فقد كانوا في الجاهلية شديدي الحماسة , يستجيبون لأول داع, ولا يصبرون على الضيم،. وبناء الأمة المسلمة التي تنهض بالدور العظيم الذي نيطت به هذه الأمة يقتضي ضبط هذه الصفات النفسية , وتطويعها لقيادة تقدر وتدبر.


الأمر الثاني، هو أن البيئة العربية , كانت بيئة نخوة ونجدة . وقد كان صبر المسلمين على الأذى , وفيهم من يملك رد الصاع صاعين , مما يثير النخوة ويحرك القلوب نحو الإسلام.


ومما يتعلق بهذا الجانب أن القيادة الإسلامية لم تشأ أن تثير حربا دموية داخل البيوت . فقد كان المسلمون حينذاك فروعا من البيوت. ولو أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم يومذاك , لكان معنى هذا الإذن أن تقوم معركة في كل بيت؛ مما كان يجعل الإسلام يبدو دعوة تفتت البيوت.. فأما بعد الهجرة فقد انعزلت الجماعة المسلمة كوحدة مستقلة، تواجه سلطة أخرى في مكة.



هذه بعض الأسباب التي تلوح للنظرة البشرية من وراء الحكمة في كف المسلمين في مكة عن دفع الفتنة والأذى . وقد يضاف إليها أن المسلمين إذ ذاك كانوا قلة , وهم محصورون في مكة , وقد يأتي القتل عليهم لو تعرضوا لقتال المشركين . فشاء الله أن يكثروا , وأن يتحيزوا في قاعدة آمنة , ثم أذن لهم بعد هذا في القتال .



طبيعة الجهاد في الإسلام


إنه الجهاد للعقيدة . لحمايتها من الحصار ; وحمايتها من الفتنة ; وإقرار رايتها في الأرض بحيث يرهبها من يهم بالاعتداء عليها قبل الاعتداء ; وبحيث يلجأ إليها كل راغب فيها لا يخشى قوة أخرى في الأرض تتعرض له أو تمنعه أو تفتنه . هذا هو الجهاد الوحيد الذي يأمر به الإسلام , ويقره ويثيب عليه .




من أحكام القتال في الإسلام


في أول آية من آيات القتال نجد التحديد الحاسم لهدف القتال :


( ‏وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ )


إنه القتال لله , لا لأي هدف آخر من الأهداف التي عرفتها البشرية في حروبها الطويلة . القتال في سبيل الله . لا في سبيل الأمجاد والاستعلاء في الأرض , ولا في سبيل المغانم والمكاسب ; ولا في سبيل الأسواق والخامات ; ولا في سبيل تسويد طبقة على طبقة أو جنس على جنس . .


و مع تحديد الهدف , تحديد المدى :


( وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )


العدوان يكون بتجاوز المحاربين المعتدين إلى غير المحاربين من الآمنين المسالمين الذين لا يشكلون خطرا على الدعوة الإسلامية ولا على الجماعة المسلمة , كالنساء والأطفال والشيوخ والعباد المنقطعين للعبادة من أهل كل ملة ودين . . كما يكون بتجاوز آداب القتال التي شرعها الإسلام , ووضع بها حدا للشناعات التي عرفتها حروب الجاهليات الغابرة والحاضرة على السواء.


وقد كان المسلمون يعلمون أنهم لا ينصرون بعددهم - فعددهم قليل - ولا ينصرون بعدتهم وعتادهم - فما معهم منه أقل مما مع أعدائهم - إنما هم ينصرون بإيمانهم وطاعتهم وعون الله لهم . فإذا هم تخلوا عن توجيه الله لهم وتوجيه رسول الله عليه الصلاة و السلام، فقد تخلوا عن سبب النصر الوحيد الذي يرتكنون إليه..



http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif



تحويل القبلة



وفي هذه الأيام - في شعبان سنة 2 هـ - أمر الله تعالى بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، وأفاد ذلك أن الضعفاء والمنافقين من اليهود الذين كانوا قد دخلوا صفوف المسلمين لإثارة البلبلة، انكشفوا عن المسلمين ورجعوا إلى ما كانوا عليه، وهكذا تطهرت صفوف المسلمين عن كثير من أهل الغدر والخيانة‏.‏


ولعل في تحويل القبلة إشارة لطيفة إلى بداية دور جديد لا ينتهي إلى بعد احتلال المسلمين هذه القبلة، أو ليس من العجب أن تكون قبلة قوم بيد أعدائهم، وإن كانت بأيديهم فعلا فلابد من تخليصها يوما ما إن كانوا على الحق‏.‏


وبهده الأوامر والإشارات زاد نشاط المسلمين، واشتد شوقهم إلى الجهاد في سبيل الله، ولقاء العدو في معركة فاصلة لإعلاء كلمة الله‏.‏ ‏



http://www.lakii.net/images/Feb05/hamama_fasel.gif




وقفة مع الحكمة في تحويل القبلة



كان التوجه إلى بيت المقدس - وهو قبلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى - سببا في اتخاذ اليهود إياهل في الإسلام , إذ أطلقوا في المدينة ألسنتهم بالقول , بأن اتجاه محمد ومن معه إلى قبلتهم في الصلاة دليل على أن دينهم هو الدين , وقبلتهم هي القبلة ; وأنهم هم الأصل , فأولى بمحمد ومن معه أن يفيئوا إلى دينهم لا أن يدعوهم إلى الدخول في الإسلام!..


وفي الوقت ذاته كان الأمر شاقا على المسلمين من العرب , الذين ألفوا في الجاهلية أن يعظموا حرمة البيت الحرام; وأن يجعلوه كعبتهم وقبلتهم.



لقد كان تحويل القبلة أولا عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية.. فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم.. ولما كان الإسلام يريد تخليص القلوب من كل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة. فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام , واختار لهم الاتجاه - فترة - إلى المسجد الأقصى , وليظهر من يتبع الرسول اتباع الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة, ممن ينقلب على عقبيه..


حتى إذا استسلم المسلمون , واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول عليه الصلاة و السلام، وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم , صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، والأمة المسلمة هي الوارثة لعهد الله مع إبراهيم وإسماعيل ; فطبيعي إذن ومنطقي أن ترث بيت الله في مكة , وأن تتخذ منه قبلة . .



إن في النفس الإنسانية ميلا فطريا إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن المشاعر المضمرة. على هذا الأساس الفطري أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها..


ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه كي يتميز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه.


ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم , التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء . ولم يكن هذا تعصبا ولا تمسكا بمجرد شكليات . وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات . كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة . وهذه البواعث هي التي تفرق قوما عن قوم , واتجاها في الحياة كلها عن اتجاه .


ثم هو نهى عن التلقي من غير الله ومنهجه الخاص الذي جاءت هذه الأمة لتحققه في الأرض . نهى عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم آخرين في الأرض . فالهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تتدسس في النفس لتقلد هذا المجتمع المعين . والجماعة المسلمة قامت لتكون في مكان القيادة للبشرية ; فينبغي لها أن تستمد تقاليدها - كما تستمد عقيدتها - من المصدر الذي اختارها للقيادة . . والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط . وهم خير أمة أخرجت للناس . فمن أين إذن يستمدون تصورهم ومنهجهم ? ومن أين إذن يستمدون تقاليدهم ونظمهم ? إلا يستمدوها من الله فهم سيستمدونها من الأدنى الذي جاءوا ليرفعوه !




http://www.lakii.com/vb/smile/12_77.gif

نور
03-28-2008, 11:29 AM
غزوة بدر الكبرى


لم يطل العهد بالعير العظيمة التي خرج لها (صلى الله علية وسلم ) ولم يدركها ويترقب رجوعها مرسلا طلائع الاستكشاف كلا من طلحه بن عبيد الله وسعيد بن زيد حتى جاءه خبر رجوعها فندب إليها أصحابه قائلا:هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفكموها .
لم يرغم رسول الله أحدا على الخروج حتى لم ينتظر من كان ظهره غائبا. لذلك لم يعتب أو يلوم أحدا على تخلفه .
كان عدد المجاهدين 313والانصار 240 والباقي من المهاجرين . وليس معهم سوى فرسين احدهما للمقداد والأخر للزبير بن العوام .و70من البعير تعاقبوها وقد استخلف رسول الله على المدينة أبا لبابه بن المنذر . قسم رسول الله الجيش إلى كتيبة المهاجرين ورايتها مع علي وكتيبة الأنصار ورايتها مع سعد بن معاذ أما حامل اللواء فهو مصعب من عمير وقائد الميمنة الزبير والميسرة المقداد أما القيادة العامة فبقيت مع الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بئر روما ثم أرسل ليعرف أخبار العير التي كان أبو سفيان قائدها وهو احد دهاه العرب الأربعة فكان يتحسس أخبار الرسول صلى الله علية وسلم حتى عرف انه عزم أن يوقع بالعير أرسل النذير إلى مكة .


أهل مكة :
تجهز أهل مكة جميعا ما تخلف إلا أبا لهب أرسل بدلا منه رجلا.بلغ الجيش المكي 1000 مقاتل معهم 100 من الفرس و700 من البعير .
قاد الجيش أبو جهل وقد تحالف مع قبائل بني بكر وقد تبدى إبليس لهم بصورة (سراقه بن مالك ) سيد بني هنانه وقال : إنا جار لكم فخرجوا مطمئنين يملاهم الحقد والرياء على سيد الخلق .
أما أبو سفيان فقد كان حزرا فغير الطريق وأرسل إلى مكة انه أصبح آمنا فارجعوا فأبى المشركين وأصروا على الحرب حتى تسمع العرب فلا يزالون يهابوهم أبدا .
أما بني زهرة فانسحبت وعادوا إلى مكة.


حال المسلمين :
كان المسلمين في ضيق وحرج فهم خرجوا من اجل العير ولم يكونوا قد استعدوا لمعركة كبرى فاستجار الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش فقام أبو بكر وعمر وأحسنوا ثم المقداد ولكن رسول الله كان ينتظر رأي الأنصار فساندة سعد بن معاذ قائدهم وحامل لوائهم قائلا : (( والله لان استعرضت بنا هذا البحر فخضته فخضناه معا )) فاطمئن رسول الله فما أروع هكذا لحمة بين القائد وشعبة
وسار حتى نزل قريبا من بدر وأرسل العيون للاستطلاع.



ليلة المعركة :
في تلك الليلة نزل المطر فشرب منه المسلمون واغتسلوا ورست الأرض تحت أقدامهم فكانت رحمة من الله عليهم وابلا على المشركين فقد أوحلت الأرض حتى لم يعودوا يقدرون على الارتحال إنها نعمة من الله يؤيد بها عباده المؤمنين في كل زمان ومكان فاصدق مع الله يكن الله معك .


تحرك الرسول ليسبق المشركين إلى أدنى ماء بدر ولكن الحباب بن منذر أشار إليه ان يتقدموا الى امام البئر ليكون لهم افضليه المكان فوافق الرسول ولم يكن عنيدا متشبثا برأيه ثم أشار علية سعد بن معاذ أن يبنوا له عريشا ليشرف على المعركة ويديرها فكان له ما اراد .
في ليلتها نام المسلمين مطمئنين واثقين بالله مؤمنين وذلك في 17\رمضان 2هـ .



أما قريش فقضت ليلتها في معسكرها بالعداوة القسوى وهم في نزاع بين راغب في المعركة وزاهدا فيها ولكن بإصرار ابو جهل كان له ما اراد.



في الصباح ترى الجمعان واقبل رسول الله على تسوية الصفوف الدعاء راجيا من الله التوفيق حاثا المسلمين على الصبر قائلا إن الصبر في مواطن إلباس مما يفرج الله به الهم وينجي من الغم.


استفتح القتال ثلاث من سادات قريش مع حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث فقتل المشركين وأصيب عبيدة فلما رأت قريش ذلك هبوا جميعا وكرو كرة رجل واحد فصد المسلمون الهجوم .



ثم حمل رسول الله حفنة من الرمل ونفخ في وجوههم وقال: (شاهت الوجوه فما بقي من المشركين احد إلا اصاب عينيه ووجهه وكانت معجزة من الله لرسوله وفي هذه الاثناء ايد الله عبادة المؤمنين بجند من الملائكة لتثبت من عزيمتهم وتشد من أزرهم ولما راى ابليس الملائكة وكان على شكل سراقة بن مالك نكص على عقيبة فتشبس به الحارث قائلا الى اين فوكزة ابليس وألقاه وقال إني أرى مالا ترون و القى بنفسه إلى اليم .



ثم أمر المسلمون بالهجوم بعد إن فتر عزم المشركين وامتص المسلمون حماستهم فاخذوا يأسرون ويقتلون حتى تمت على المشركين الهزيمة كان نشاطهم مذهلا وخاصتا ان رسول الله كان اقربهم الى المشركين فرفع ذلك من همتهم فما اجمل من القائد عندما يكون قريبا من رعيته!



اما الطاغية أبو جهل حاول أن يصد ويشد أزر الكفار ولكن هيهات هيهات فقط تصدعت صفوفهم وأراد الله أن يتم النصر للمسلمين والهزيمة للمشركين وجعل مصرع ابي جهل على يد غلامين من الانصار واجهز علية ابن مسعود ولو يعلم طغاة اليوم نهاية طغاة الامس فما نهاية الجبارين الا الهوان!


http://upload.arb7.com/uploads/e868a0e3fd.gif


من روائع الايمان في هذة المعركة :
حيث التقى الآباء بالأبناء والأخوة بالأخوة , خالفت بينهم المبادئ ففصلت بينهم السيوف وقد ظهرت في المعركة روائع من الوفاء فقد نهى رسول الله (صلى الله علية وسلم ) عن قتل أبي البختري لمعروف كان قد صنعه يوما.
ولم ينساه رسول الله حتى بعد سنوات فأين نحن من هذا الوفاء؟
ومن الروائع ايضا تمكن بلابل بن رباح من امية بن خلف الذي عزبة مرارا وتكرارا بكة فكان جزاء صبرة ان رفع الله بلالا ومكنة من ثارة ولو بعد حين فما جزاء الصبر الا فرج من الله (اللهم فرج عن امة حبيبك محمد انك على كل شيئ قدير)





قتلى الفريقين :
قتل من المسلمين 22 رجلا أما المشركين فقد قتل 70 واسر 70 واغلب زعمائهم وصناديلهم وبعد المعركة امر رسول الله بدفنهم وخاطبهم قائلا : (لقد وجدنا ماوعدنا الله حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا )
قال عمر بن الخطاب مستغربا: (اتكلم امواتا يا رسول الله)
فاجابة (ما انتم باسمع منهم ولكن لايجيبون )
فارحمنا اللهم حين مايوارينا الثراء حيث لاينفع مالا ولابنون إلا من اتى الله بقلب سليم .

نور
03-28-2008, 11:30 AM
الدروس والأحكام المستفادة من غزوة بدر


================================
اشتملت غزوة بدر على دروس وعظات وأحكام كثيرة يصعب جمعها في هذا الموضع, ونشير إلى أهمها فيما يلي:

1. جواز النكاية بالأعداء المحاربين بقتل رجالهم وأخذ أموالهم وحصارهم في الطرق التي يسلكونها..إضعافاً لمعنوياتهم واقتصادهم.
2. إرادة الله تبارك وتعالى للمسلمين نصرا مؤزرا أعظم مما كان يطمح إليه المسلمون من إرادة القافلة, كما قال سبحانه وتعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين).

3. الشورى مبدأ إسلامي أصيل وقد حصلت الشورى في الغزوة في أربع مواضع:

عند الخروج لطلب القافلة.
مشورة الحباب بن المنذر في نزول الجيش عند أقرب العيون.
مشورة سعد ببناء العريش للنبي صلى الله عليه وسلم.
4. حكم الاستعانة بأهل الشرك على أهل الشرك جائزٌ عند جمهور العلماء, وهو ما ذهب إليه أحمد والشافعي؛ بشرط أن يكون من يُستعان به حسن الرأي في المسلمين, فإن كان غير مأمون عليهم لم يجز الاستعانة به.
واستدل جمهور العلماء باستعانة النبي بصفوان بن أمية قبل إسلامه, وباستعانته بعبد الله بن أريقط في الهجرة, أما الاستعانة بالمشرك على المسلم فغير جائزة.

5. التنظيم والتعبئة العسكرية في الحرب, وتزويد الجيش بالأوامر القتالية ومنها أوامر استخدام السلاح. وكانت أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة للمسلمين: (إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم)..
والمعنى: أي استخدموا سلاح النبل أولا وذلك عن بُعد..وعند اقتراب المشركين من صفوف المسلمين استخدموا سلاح السيوف..

6. ينصر الله الفئة المؤمنة وإن قلّت, على الفئة الكافرة وإن كثرت..(كم من فئةٍ قليلة غلبت فئةً كثيرة

نور
03-28-2008, 11:33 AM
النشاط العسكري بين بدر وأحد


إن معركة بدر كانت أول لقاء مسلح بين المسلمين والمشركين، وكانت معركة فاصلة أكسبت المسلمين نصراً حاسماً شهد له العرب قاطبة‏.‏ والذين كانوا أشد استياء لنتائج هذه المعركة هم أولئك الذين منوا بخسائر فادحة مباشرة؛ وهم: المشركون، و اليهود ‏{‏لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏82‏]‏، وكانت في المدينة بطانة للفريقين دخلوا في الإسلام حين لم يبق مجال لعزهم إلا في الإسلام، وهم عبد الله بن أبي وأصحابه، ولم تكن هذه الفرقة الثالثة أقل غيظاً من الأوليين‏.‏
وكانت هناك فرقة رابعة، وهم البدو الضاربون حول المدينة، حيث خافوا أن تقوم في المدينة دولة قوية تحول بينهم وبين اكتساب قوتهم عن طريق السلب والنهب، فجعلوا يحقدون على المسلمين وصاروا لهم أعداء‏.‏
وبينما كانت المدينة وما حولها تظاهر بالإسلام، وتأخذ في طريق المؤامرات والدسائس الخفية كانت فرقة من اليهود تعلن بالعداوة، وتكاشف عن الحقد والغيظ، وكانت مكة تهدد بالضرب القاصم، وتعلن بأخذ الثأر والنقمة، وتهتم بالتعبئة العامة جهاراً.

وقد لعب المسلمون دوراً هاماً للقضاء على هذه الأخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من غاية التيقظ حول هذه الأخطار، وما كان عليه من حسن التخطيط للقضاء عليها، ونذكر في السطور الآتية صورة مصغرة منها‏:‏

1. غزوة بني سُلَيم بالكُدْر

الزمان: شوال سنة 2 هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أيام، أوفي المحرم للنصف منه.

المكان: (الكُدر) وهو ماء من مياه بني سليم يقع في نجد على الطريق التجارية الشرقية بين مكة والشام..
السبب: وصول الاستخبارات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن بني سليم وبني غَطَفَان تحشد قواتها لغزو المدينة.

الوقائع: باغتهم النبي صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب في عقر دراهم، وبلغ إلى منازلهم في موضع يقال له‏:‏ الكُدْر‏.‏ ففر بنو سليم.

الغنائم: خمسمائة بعير استولي عليها جيش المدينة، وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إخراج الخمس فأصاب كل رجل بعيرين، وأصاب غلاما يقال له‏:‏ ‏‏(‏يسار‏)‏ فأعتقه‏.‏
واستخلف في هذه الغزوة على المدينة سِبَاع بن عُرْفُطَة‏.‏ وقيل‏:‏ ابن أم مكتوم‏.‏


2. مؤامرة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم
كان من أثر هزيمة المشركين في وقعة بدر أن استشاطوا غضباً، وجعلت مكة تغلي كالمِرْجَل ضد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تآمر بطلان من أبطالها أن يقضوا على مبدأ هذا الخلاف والشقاق ومثار هذا الذل والهوان في زعمهم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
انطلق عمير بن وهب الجمحي حتى قدم المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه عمر بن الخطاب ـ وهو في نفر من المسلمين يتحدثون ما أكرمهم الله به يوم بدر ـ فقال عمر‏:‏ هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر‏.‏ ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يا نبي الله، هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه، قال‏:‏ ‏‏(‏فأدخله علي‏)‏، فأقبل إلى عمير فلَبَّبَهُ بحَمَالة سيفه، وقال لرجال من الأنصار‏:‏ ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه ـ قال‏:‏ ‏‏(‏أرسله يا عمر، ادن يا عمير‏)‏، فدنا وقال‏:‏ أنْعِمُوا صباحاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة‏)‏‏.‏
ثم قال‏:‏ ‏‏(‏ما جاء بك يا عمير ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه‏.‏
قال‏:‏ ‏‏(‏فما بال السيف في عنقك‏؟‏‏)‏ قال‏:‏قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً ‏؟‏
قال‏:‏ ‏‏(‏اصدقني، ما الذي جئت له ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ ما جئت إلا لذلك‏.‏
قال‏:‏ ‏‏(‏بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت‏:‏ لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك‏)‏‏.‏
قال عمير‏:‏ أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد شهادة الحق‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره‏)‏‏.‏
وأما صفوان فكان يقول‏:‏ أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر‏.‏ وكان يسأل الركبان عن عمير، حتى أخبره راكب عن إسلامه فحلف صفوان ألا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدا‏.‏
ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يديه ناس كثير‏.‏



3. نموذج من مكيدة اليهود‏‏



قدمنا بنود المعاهدة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود، وقد كان حريصاً كل الحرص على تنفيذ ما جاء في هذه المعاهدة، وفعلاً لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفاً واحداً من نصوصها‏.‏ ولكن اليهود الذين ملأوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود، لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة، وأخذوا في طريق الدس والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والاضطراب في صفوف المسلمين‏.‏ وهاك مثلاً من ذلك‏:‏
قال ابن إسحاق‏:‏ مر شاس بن قيس ـ وكان شيخاً ‏[‏يهودياً‏]‏ قد عسا ، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال‏:‏ قد اجتمع ملأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتي شاباً من يهود كان معه، فقال‏:‏ اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه‏:‏ إن شئتم رددناها الآن جَذَعَة ـ يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم ـ وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا‏:‏ قد فعلنا، موعدكم الظاهرة ـ والظاهرة‏:‏ الحَرَّة ـ السلاح السلاح، فخرجوا إليها ‏[‏وكادت تنشب الحرب‏]‏‏.‏


فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال‏:‏ ‏‏(‏يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم‏)‏
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس‏.‏
هذا نموذج مما كان اليهود يفعلونه ويحاولونه من إثارة القلاقل والفتن في المسلمين، وإقامة العراقيل في سبيل الدعوة الإسلامية، وقد كانت لهم خطط شتي في هذا السبيل‏.‏ فكانوا يبثون الدعايات الكاذبة، ويؤمنون وجه النهار، ثم يكفرون آخره؛ ليزرعوا بذور الشك في قلوب الضعفاء.



وكانوا يضيقون سبل المعيشة على من آمن إن كان لهم به ارتباط مإلى، فإن كان لهم عليه يتقاضونه صباح مساء، وإن كان له عليهم يأكلونـه بالباطل، ويمتنعون عن أدائه وكانوا يقولون‏:‏ إنما كان علينا قرضك حينما كنت على دين آبائك، فأما إذ صبوت فليس لك علينا من سبيل‏.‏
كانوا يفعلون كل ذلك قبل بدر على رغم المعاهدة التي عقدوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصبرون على كل ذلك؛ حرصاً على رشدهم، وعلى بسط الأمن والسلام في المنطقة‏.‏

4. بنو قَينُقَاع ينقضون العهد‏
لكنهم لما رأوا أن الله قد نصر المؤمنين نصراً مؤزراً في ميدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوكة وهيبة في قلوب القاصي والداني‏.‏ تميزت قدر غيظهم، وكاشفوا بالشر والعداوة، وجاهروا بالبغي والأذي‏.‏
وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدي، وحـذرهم مغـبة البغـي والـعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم‏.‏


روي أبو داود وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع‏.‏ فقال‏:‏ ‏‏(‏يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ‏ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ‏}‏ ‏[‏آل عمران 12، 13‏]‏‏.‏
كان في معني ما أجاب به بنو قينقاع هو الإعلان السافر عن الحرب، ولكن كظم النبي صلى الله عليه وسلم غيظه، وصبر المسلمون، وأخذوا ينتظرون ما تتمخض عنه الليإلى والأيام‏.‏

وازداد اليهود ـ من بني قينقاع ـ جراءة، فقلما لبثوا أن أثاروا في المدينة قلقاً واضطراباً، وسعوا إلى حتفهم بظلفهم، وسدوا على أنفسهم أبواب الحياة‏.‏

سبب الغزوة: روي ابن هشام عن أبي عون‏:‏ أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ـ وهي غافلة ـ فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ـ وكان يهودياً ـ فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع‏.‏

الوقائع: وحينئذ نفذ صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستخلف على المدينة أبا لُبَابة بن عبد المنذر، وأعطي لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب، وسار بجنود الله إلى بني قينقاع، ولما رأوه تحصنوا في حصونهم، فحاصرهم أشد الحصار
وقذف الله في قلوبهم الرعب ـ فهو إذا أرادوا خذلان قوم وهزيمتهم أنزله عليهم وقذفه في قلوبهم ـ فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا‏.‏
وحينئذ قام عبد الله بن أبي بن سلول بدور نفاقه، فألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدر عنهم العفو، ولم يزل يلح على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وهبهم له، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها، فخرجوا إلى أذْرُعَات الشام، فقل أن لبثوا فيها حتى هلك أكثرهم‏.‏
الغنائم: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أموالهم، فأخذ منها ثلاث قِسِي ودرعين وثلاثة أسياف وثلاثة رماح، وخمس غنائمهم، وكان الذي تولي جمع الغنائم محمد بن مسلمة‏.‏
الزمان: كان ذلك يوم السبت للنصف من شوال سنة 2 هـ، ودام الحصار خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة.


5. غزوة السَّوِيق
السبب: كان أبو سفيان يفكر في عمل قليل المغارم ظاهر الأثر، يتعجل به؛ ليحفظ مكانة قومه، ويبرز ما لديهم من قوة، وكان قد نذر ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً، فخرج في مائتي راكب ليبِرَّ يمينه.
الوقائع: سار حتى نزل بصدْر قَناة إلى جبل يقال له‏:‏ ثَيبٌ، من المدينة على بَرِيد أو نحوه، ولكنه لم يجرؤ على مهاجمة المدينة جهاراً، فقام بعمل هو أشبه بأعمال القرصنة، فإنه دخل في ضواحي المدينة في الليل مستخفياً تحت جنح الظلام، فأتي حيي بن أخطب، فاستفتح بابه، فأبي وخاف، فانصرف إلى سَلاَّم بن مِشْكَم سيد بنِي النضير، وصاحب كنزهم إذ ذاك، فاستأذن عليه فأذن، فَقَرَاه وسقاه الخمر، وبَطَن له من خبر الناس، ثم خرج أبو سفيان في عقب ليلته حتى أتي أصحابه، فبعث مفرزة منهم، فأغارت على ناحية من المدينة يقال لها‏:‏ ‏[‏العُرَيض‏]‏، فقطعوا وأحرقوا هناك أصْْوَارًا من النخل، ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما، وفروا راجعين إلى مكة‏.‏
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فسارع لمطاردة أبي سفيان وأصحابه، ولكنهم فروا ببالغ السرعة، وطرحوا سويقاً كثيراً، يتخففون به، فتمكنوا من الإفلات، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قَرْقَرَةِِ الكُدْر، ثم انصرف راجعاً‏.‏
الغنائم:حمل المسلمون ما طرحه الكفار من سويقهم من أزوادهم وتمويناتهم ، وسموا هذه المناوشة بغزوة السويق‏.‏
الزمان: وقعت في ذي الحجة سنة 2 هـ بعد بدر بشهرين، واستعمل على المدينة في هذه الغزوة أبا لبابة بن عبد المنذر‏.‏

6. غزوة ذي أمر

وهي أكبر حملة عسكرية قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل معركة أحد.
زماننها: قادها في المحرم سنة 3 هـ‏.‏
وسببها: أن استخبارات المدينة نقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً كبيراً من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا، يريدون الإغارة على أطراف المدينة.
الوقائع: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين مقاتلاً ما بين راكب وراجل، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان‏.‏
وفي أثناء الطريق قبضوا على رجل يقال له‏:‏ جُبَار من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه إلى الإسلام فأسلم، فضمه إلى بلال، وصار دليلاً لجيش المسلمين إلى أرض العدو‏.‏

وتفرق الأعداء في رءوس الجبال حين سمعوا بقدوم جيش المدينة‏.‏ أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصل بجيشه إلى مكان تجمعهم، وهو الماء المسمي ‏[‏بذي أمر‏]‏ فأقام هناك صفراً كله ـ من سنة 3 هـ ـ أو قريباً من ذلك، ليشعر الأعراب بقوة المسلمين، ويستولي عليهم الرعب والرهبة، ثم رجح إلى المدينة‏.‏


7. قتل كعب بن الأشرف
كان كعب بن الأشرف من أشد اليهود حنقاً على الإسلام والمسلمين، وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتظاهرا بالدعـوة إلى حربه‏.‏
كان من قبيلة طيئ ـ من بني نَبْهان ـ وأمه من بني النضير، وكان غنياً مترفاً معروفاً بجماله في العرب، شاعراً من شعرائها‏.‏ وكان حصنه في شرق جنوب المدينة خلف ديار بني النضير‏.‏
ولما بلغه أول خبر عن انتصار المسلمين، وقتل صناديد قريش في بدر قال‏:‏ أحق هذا ‏؟‏ هؤلاء أشراف العرب، وملوك الناس، والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها‏.‏
ولما تأكد لديه الخبر، انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ويمدح عدوهم ويحرضهم عليهم، ولم يرض بهذا القدر حتى ركب إلى قريش، فنزل على المطلب بن أبي وَدَاعة السهمي، وجعل ينشد الأشعار يبكي فيها على أصحاب القَلِيب من قتلى المشركين، يثير بذلك حفائظهم، ويذكي حقدهم على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعوهم إلى حربه.
وعندما كان بمكة سأله أبو سفيان والمشركون‏:‏ أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه‏؟‏ وأي الفريقين أهدي سبيلاً‏؟‏ فقال‏:‏ أنتم أهدي منهم سبيلا، وأفضل، وفي ذلك أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏ النساء‏:‏ 51‏]‏‏.‏
ثم رجع كعب إلى المدينة على تلك الحال، وأخذ يشبب في أشعاره بنساء الصحابة، ويؤذيهم بسلاطة لسانه أشد الإيذاء‏.‏
وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏من لكعب بن الأشرف ‏؟‏ فإنه آذى الله ورسوله‏)‏، فانتدب له محمد بن مسلمة، وعَبَّاد بن بشر، وأبو نائلة ـ واسمه سِلْكَان بن سلامة، وهو أخو كعب من الرضاعة ـ والحارث بن أوس، وأبو عَبْس بن جبر، وكان قائد هذه المفرزة محمد بن مسلمة‏.‏
وقد اتفق هؤلاء الأبطال على خطة حتى يخرجوه من حصنه وهو مطمئنٌ لهم..
وفي ليلة مُقْمِرَة ـ ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 3 هـ ـ اجتمعت هذه المفرزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشيعهم إلى بَقِيع الغَرْقَد، ثم وجههم قائلاً‏:‏ ‏‏(‏انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم‏)‏، ثم رجع إلى بيته، وطفق يصلى ويناجي ربه‏.‏
وانتهت المفرزة إلى حصن كعب بن الأشرف، فهتف به أبو نائلة، فقام لينزل إليهم، فقالت له امرأته ـ وكان حديث العهد بها‏:‏ أين تخرج هذه الساعة ‏؟‏ أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم‏.‏
قال كعب‏:‏ إنما هو أخي محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة أجاب، ثم خرج إليهم وهو متطيب ينفح رأسه‏.‏
وقد كان أبو نائلة قال لأصحـابـه‏:‏ إذا ما جاء فإني آخذ بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، فلما نزل كعب إليهم تحدث معهم ساعة، ثم قال أبو نائلة‏:‏ هل لك يا بن الاشرف أن نتماشى إلى شِعْب العجوز فنتحدث بقية ليلتنا ‏؟‏ قال‏:‏ إن شئتم، فخرجوا يتماشون، فقال أبو نائلة وهو في الطريق ‏:‏ ما رأيت كالليلة طيباً أعطر ، وزهي كعب بما سمع ، فقال‏:‏ عندي أعطر نساء العرب ، قال أبو نائلة ‏:‏ أتأذن لي أن أشم رأسك ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ، فأدخل يده في رأسه فشمه وأشم أصحابه ‏.‏
ثم مشى ساعـة ثم قال ‏:‏ أعود ‏؟‏ قال كعب‏:‏ نعم ، فعاد لمثلها ‏.‏ حتى اطمأن ‏.‏
ثم مشى ساعة ثم قال‏:‏ أعود ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ، فأدخل يده في رأسه، فلما استمكن منه قال‏:‏ دونكم عدو الله ، فاختلفت عليه أسيافهم، لكنها لم تغن شيئاً، فأخذ محمد بن مسلمة مِغْوَلاً فوضعه في ثُنَّتِهِ، ثم تحامل عليه حتي بلغ عانته، فوقع عدو الله قتيلاً، وكان قد صاح صيحة شديدة أفزعت من حوله، فلم يبق حصن إلا أوقدت عليه النيران‏.‏
ورجعت المفرزة وقد أصيب الحارث بن أوس بذُبَاب بعض سيوف أصحابه فجرح ونزف الدم، فلما بلغت المفرزة حَرَّة العُرَيْض رأت أن الحارث ليس معهم، فوقفت ساعة حتي أتاهم يتبع آثارهم، فاحتملوه، حتي إذا بلغوا بَقِيع الغَرْقَد كبروا، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم، فعرف أنهم قد قتلوه، فكبر، فلما انتهوا إليه قال‏:‏ ‏‏(‏أفلحت الوجوه‏)‏، قالوا‏:‏ ووجهك يا رسول الله، ورموا برأس الطاغية بين يديه، فحمد الله على قتله، وتفل علي جرح الحارث فبرأ، ولم يؤذ بعده‏.‏
ولما علمت اليهود بمصرع طاغيتها كعب بن الأشرف دب الرعب في قلوبهم العنيدة، وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتوانى في استخدام القوة حين يري أن النصح لا يجدي نفعاً لمن يريد العبث بالأمن وإثارة الاضطرابات وعدم احترام المواثيق، فلم يحركوا ساكناً لقتل طاغيتهم، بل لزموا الهدوء، وتظاهروا بإيفاء العهود، واستكانوا، وأسرعت الأفاعي إلى جحورها تختبئ فيها ‏.‏

وهكذا تفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم ـ إلي حين ـ لمواجهة الأخطار التي كان يتوقع حدوثها من خارج المدينة، وأصبح المسلمون وقد تخفف عنهم كثير من المتاعب الداخلية التي كانوا يتوجسونها، ويشمون رائحتها بين آونة وأخري ‏.‏


8. غزوة بُحْران

وهي دورية قتال كبيرة، قوامها ثلاثمائة مقاتل، قادها الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الآخر سنة 3 هـ إلى أرض يقال لها‏:‏ بحران ـ وهي مَعْدِن بالحجاز من ناحية الفُرْع ـ فأقام بها شهر ربيع الآخر ثم جمادى الأولى ـ من السنة الثالثة من الهجرة ـ ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حرباً‏.‏


9. سرية زيد بن حارثة
وهي آخر وأنجح دورية للقتال قام بها المسلمون قبل أحد.
الزمان: وقعت في جمادي الآخرة سنة 3 هـ‏.‏

وتفصيلها‏:‏ أن قريشاً بقيت بعد بدر يساورها القلق والاضطراب، وجاء الصيف، واقترب موسم رحلتها إلى الشام، فأخذها هَمٌّ آخر‏.‏

ودارت المناقشة حول هذا الموضوع، فقال الأسود بن عبد المطلب لصفوان لقريش ـ وهو الذي نخبته قريش في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام ‏:‏ تنكب الطريق على الساحل وخذ طريق العراق ـ وهي طريق طويلة جداً تخترق نجداً إلى الشام، وتمر في شرقي المدينة على بعد كبير منها، وكانت قريش تجهل هذه الطريق كل الجهل ـ فأشار الأسود بن عبد المطلب على صفوان أن يتخذ فُرَات بن حَيَّان ـ من بني بكر بن وائل ـ دليلاً له، ويكون رائده في هذه الرحلة‏.‏

وخرجت عير قريش يقودها صفوان بن أمية، آخذة الطريق الجديدة، إلا أن أنباء هذه القافلة وخطة سيرها طارت إلى المدينة‏.‏
وجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقته حملة قوامها مائة راكب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، وأسرع زيد حتى دهم القافلة بغتة ـ على حين غرة ـ وهي تنزل على ماء في أرض نجد يقال له‏:‏ قَرْدَة ـ بالفتح فالسكون ـ فاستولي عليها كلها، ولم يكن من صفوان ومن معه من حرس القافلة إلا الفرار بدون أي مقاومة‏.‏

الغنائم: أسر المسلمون دليل القافلة ـ فرات بن حيان، وقيل‏:‏ ورجلين غيره ـ وحملوا غنيمة كبيرة من الأواني والفضة كانت تحملها القافلة، قدرت قيمتها بمائة ألف، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغنيمة على أفراد السرية بعد أخذ الخمس، وأسلم فرات بن حيان على يديه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكانت مأساة شديدة ونكبة كبيرة أصابت قريشاً بعد بدر، اشتد لها قلق قريش وزادتها هما وحزناً‏.‏ ولم يبق أمامها إلا طريقان،إما أن تمتنع عن غطرستها وكبريائها، وتأخذ طريق الموادعة والمصالحة مع المسلمين، أو تقوم بحرب شاملة تعيد لها مجدها التليد، وعزها القديم، وتقضي على قوات المسلمين بحيث لا يبقي لهم سيطرة على هذا ولا ذاك، وقد اختارت مكة الطريق الثانية، فازداد إصرارها على المطالبة بالثأر، والتهيؤ للقاء المسلمين في تعبئة كاملة، وتصميمها على الغزو في ديارهم، فكان ذلك وما سبق من أحداث التمهيد القوي لمعركة أحد‏.

نور
03-28-2008, 11:35 AM
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

http://www.lakii.com/vb/images/smilies/96.gif غزوة أحد http://www.lakii.com/vb/images/smilies/96.gif



استعداد قريش لمعركة ناقمة

على اثر الهزيمة الساحقة التي منيت بها في معركة بدر و التي قتل فيها الصناديد و الأشراف، اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين تشفي غيظها و تروي غلة حقدها، و أخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.
و كان عكرمة بن أبي جهل ، و صفوان بن أمية و أبو سفيان بن حرب و عبد الله بن أبي ربيعة أكثر زعماء قريش نشاطا و تحمسا لخوض المعركة
و أول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان، و التي كانت سببا لمعركة بدر، و قالوا للذين كانت فيها أموالهم : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم ( ظلمكم) و قتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أم ندرك منه ثأرا، فأجابوا لذلك، فباعوها و كانت ألف بعير ، و المال خمسين ألف دينار ، و في ذلك أنزل الله تعالى: ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون).
ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين.


قوام جيش قريش و قيادته:

لما استدارت السنة، كانت مكة قد استكملت عدتها و اجتمع إليها من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل من قريش و الأحابيش، إضافة إلى النساء اللواتي بلغ عددهن خمسة عشر امرأة.
و كان سلاح النقليات في هذا الجيش ثلاثة آلاف بعير ، و من سلاح الفرسان مائتا فرس ، جنبوها طول الطريق، و كان سلاح الوقاية سبعمائة درع. و كانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن حرب ، و قيادة الفرسان إلى خالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبي جهل.أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار.


جيش مكة يتحرك:

تحرك الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام نحو المدينة، و كانت الثارات القديمة و الغيظ الكامن يشعل البغضاء في القلوب، و يشف عما سوف يقع من قتال مرير.


الاستخبارات النبوية تكشف حركة العدو:

أسرع العباس بن عبد المطلب الذي كان يرقب حركات قريش و استعداداتها العسكرية بإرسال رسول الى النبي صلى الله عليه و سلم ، بعد تحرك جيش قريش، ضمنها جميع تفاصيل الجيش.
قرأ الرسالة على النبي صلى الله عليه و سلم، و هو في مسجد قباء، أبي بن كعب، فأمره بالكتمان ، و عاد مسرعا الى المدينة ليتبادل الرأي مع قادة المهاجرين و الأنصار.


استعداد المسلمين للطوارى:

ظلت المدينة في حالة استنفار عام لا يفارق رجالها السلاح حتى و هم في الصلاة، استعدادا للطوارى.
و قام الصحابة بحراسة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و قامت على مداخل المدينة و أنقابها حراسة مشددة خوفا من أن يؤخذوا على غرة، كما قامت دوريات من المسلمين برصد تحركات العدو.


الجيش المكي الى أسوار المدينة:

و تابع جيش مكة سيره على الطريق الغربية الرئيسية المعتادة.
ثم واصل سيره حتى اقترب من من المدينة، فسلك وادي العقيق، ثم انحرف منه الى ذات اليمين حتى نزل قريبا بجبل أحد، في مكان يقال له: عينين، في بطن السبخة من قناة على شفير الوادي-الذي يقع شمالي المدينة بجنب أحد، فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة.


المجلس الاستشاري لأخذ خطة الدفاع:

نقلت استخبارات المدينة أخبار جيش مكة خبرا بعد خبر حتى الخبر الأخير عن معسكره، و حينئذ عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلسا استشاريا عسكريا أعلى، تبادل فيه الرأي لاختبار الموقف، و أخبرهم عن رؤيا رآها، قال: " إني قد رأيت و الله خيرا، رأيت بقرا يذبح، و رأيت في ذباب سيفي ثلما، و رأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة"، و تأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون، و تأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، و تأول الدرع بالمدينة.
ثم قدم رأيه الى صحابته ألا يخرجوا من الكدينة و أن يتحصنوا بها، فان أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بشر مقام و بغير جدوى، و أن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، و النساء من فوق البيوت، و كان هذا هو الرأي. ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول- رأس المنافقين- و كان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء الخزرج.
غير أن جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاتهم الخروج يوم بدر و غيرهم أشاروا على الرسول صلى الله عليه و سلم بالخروج و كان في مقدمتهم عمه حمزة بن عبد المطلب.
و أمام حماسة الصحابة و الحاحهم ، نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند رغبتهم و استقر الرأي على الخروج من المدينة و اللقاء في الميدان السافر.


تكتيب الجيش الاسلامي و خروجه الى ساحة القتال:

صلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة، فوعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد، و أخبر أن لهم النصر بما صبروا، و أمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بذلك.
و قسم النبي صلى الله عليه و سلم جيشه الى ثلاث كتائب:
كتيبة المهاجرين، و أعطى لواءها مصعب بن عمير العبدري
كتيبة الأوس من الأنصار، أعطى لواءها أسيد بن حضير.
كتيبة الخزرج من الأنصار ، و أعطى لواءها الحباب بن المنذر.

و كان الجيش متألفا من ألف مقاتل فيهم مائة دارع، و لم يكن فيهم من الفرسان أحد.


استعراض الجيش:

عندما وصل الى مقام يقال له: " الشيخان" استعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشه، فرد من استصغره و لم يره مطيقا للقتال و كان منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب و أسامة بن زيد و غيرهم.


المبيت بين أحد و المدينة:

و في هذا المكان أدركهم المساء، فصلى المهرب و العشاء ، و بات هنالك، و اختار خمسين رجلا لحراسة المعسكر يتجولون حوله، و كان قائدهم محمد بن مسلمة الأنصاري ، بطل سرية كعب بن الأشر ف، و تولى ذكوان بن عبد قيس حراسة النبي صلى الله عليه و سلم خاصة.


تمرد عبد الله بن أبي و أصحابه:

قبل طلوع الفجر بقليل أدلج، حتى إذا كان بالشوط صلى الفجر، و كان بمقربة جدا من العدو ، فقد كان يراهم و يرونه، و هناك تمرد عبد الله بن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر- ثلاثمائة مقاتل- قائلا: ما ندري علام نقتل أنفسنا ؟ و متظاهرا بالاحتجاج بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك رأيه و أطاع غيره.
و لكن هدفه من وراء ما فعل هو إحداث البلبلة و الاضطراب في جيش المسلمين، في ذلك الظرف الدقيق، على مسمع و مرأى عدوهم، حتى ينحاز عامة الجيش عن النبي صلى الله عليه و سلم، و تنهار معنويات من يبقى معه و بذلك يتشجع العدو.
و كاد المنافق أن ينجح في تحقيق بعض ما كان يهدف إليه، فقد همت طائفتان- بنو حارثة من الأوس، و بنو سلمة من الخزرج- أن تفشلا ، و لكن الله تولاهما، فثبتتا، و عنهما يقول الله عز و جل:
( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا و الله وليهما و على الله فليتوكل المؤمنون 122)
آل عمران.


بقية الجيش الإسلامي الى أحد:

بعد هذا التمرد و الانسحاب، قام النبي صلى الله عليه و سلم ببقية الجيش- و هم سبعمائة مقاتل- ليواصل سيره نحو العدو، و كان معسكر المشركين يحول بينه و بين أحد في مناطق كثيرة، فقال: " من رجل يخرج بنا على القوم من كثب من طريق لا يمر بنا عليهم". فقال أبو خثيمة: أنا يا رسول الله، ثم اختار طريقا قصيرا الى أحد يمر بحرة بني حارثة و بمزارعهم، تاركا جيش المشركين الى الغرب.
و نفذ رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقبلا المدينة، و جاعلا ظهره الى هضاب جبل أحد، و على هذا صار جيش العدو فاصلا بين المسلمين و بين المدينة.


خطة الدفاع:

عبأ رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشه، و هيأهم صفوفا للقتال، فاختار منهم فصيلة من الرماة الماهرين ، قوامها خمسون مقاتلا، و أعطى قيادتها لعبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري الأوسي البدري، و أمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الشمالية من وادي قناة- و عرف فيما بعد بجبل الرماة- جنوب شرق معسكر المسلمين، على بعد حوالي مائة و خمسين مترا من مقر الجيش الإسلامي.
و الهدف من ذلك هو ما أبداه رسول الله صلى الله عليه و سلم في كلماته التي ألقاها الى هؤلاء الرماة، فقد قال لقائدهم:" انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك" و قال للرماة: " احموا ظهورنا، فان رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، و إن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا"، و في رواية البخاري أنه قال: " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، و إن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم"..
أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، و جعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن الأسود، و كان الى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد، و جعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين و رجالاتهم المشهورين بالنجدة و البسالة، الذين يوزنون بالآلاف.تتجلى عبقرية قيادة الرسول صلى الله عليه و سلم العسكرية في هاته الخطة الحكيمة و الدقيقة جدا التي وضعها. و لا يمكن لأي قائد مهما تقدمت كفاءته أن يضع خطة أدق و أحكم من هذه.
و هكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة ثلاثة هجرية.


الرسول ينفث روح البسالة في الجيش:

نهى الرسول صلى الله عليه و سلم الناس عن الأخذ في القتال حتى يأمرهم، و ظاهر بين درعين ( أي لبس درعين)، و حرض أصحابه على القتال و حضهم على المصابرة و الجلاد عند اللقاء، و أخذ ينفث روح الحماسة و البسالة في أصحابه.


تعبئة الجيش المكي:

أما المشركون فعبأوا جيشهم حسب نظام الصفوف، فكانت القيادة العامة الى أبي سفيان صخر بن حرب الذي تمركز في قلب الجيش، و جعل على الميمنة خالد بن الوليد- و كان إذ ذاك مشركا- و على الميسرة عكرمة بن أبي جهل، و على المشاة صفوان بن أمية، و على رماة النبل عبد الله بن أبي ربيعة.أما اللواء فكان الى مفرزة من بني عبد الدار.


مناورات سياسية من قبل قريش:

حاولت قريش قبيل نشوب المعركة إيقاع الفرقة و النزاع داخل صفوف المسلمين. فقد أرسل أبو سفيان الى الأنصار يقول لهم: خلوا بيننا و بين أبن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا الى قتالكم.و لكن أين هذه المحاولة أمام الإيمان الذي لا تقوم له الجبال، فقد رد عليه الأنصار ردا عنيفا، و أسمعوه ما يكره.
و اقتربت ساعة الصفر،/ و تدانت الفئتان، فقامت قريش بمحاولة أخرى لنفس الغرض عن طريق عميل خائن يسمى أبا عامر الفاسق- و اسمه عبد عمرو بن صيفي، و كان يسمى الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم الفاسق، و كان على رأس الأوس في الجاهلية، خرج الى الأنصار لينفث سمه و يحضهم على أن ينفضوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن إيمانهم القوي حال دون وصول هذا الخائن الى غرضه.
و هكذا باءت كل محاولات قريش الرامية الى إحداث الفرقة بين المسلمين بالفشل.


جهود نسوة قريش في التحميس:

قامت نسوة قريش بنصيبهن من المشاركة في المعركة، تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، فكن يتجولن في الصفوف، و يضربن بالدفوف، يستنهضن الرجال و يحرضن على القتال، و يثرن حفائظ الأبطال، و يحركن مشاعر أهل الطعان و الضراب و النضال، فتارة يخاطبن أهل اللواء فيقلن:


وبها بني عبد الدار
وبها حماة الأدبار
ضربا بكل بتار

و تارة يأززن قومهن على القتال و ينشدن:


إن تقبلوا نعانق
و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق.


أول وقود المعركة:

تقارب الجمعان و تدانت الفئتان، و آنت مرحلة القتال، و كان أول وقود المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، و كان من أشجع فرسان قريش، يسميه المسلمون كبش الكتيبة. خرج و هو راكب على جمل يدعو الى المبارزة، فأحجم عنه الناس لفرط شجاعته، و لكن تقدم إليه الزبير و لم يمهله ، بل وثب إليه وثبة الليث حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض فألقاه عنه و ذبحه بسيفه.
و رأى النبي صلى الله عليه و سلم هذا الصراع الرائع فكبر، و كبر المسلمون و أثنى على الزبير، و قال في حقه:" إن لكل نبي حواريا، و حواري الزبير".


ثقل المعركة حول اللواء و ابادة حملته:

ثم اندلعت نيران المعركة، و اشتد القتال بين الفريقين في كل نقطة من نقاط الميدان، و كان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، فقد تعاقب بنو عبد الدار لحمل اللواء بعد قتل قائدهم طلحة بن أبي طلحة.
و بعد ابادة عشرة من بني عبد الدار ممن تعاقبوا على حمل اللواء، تقدم غلام لهم حبشي- اسمه صؤاب- فحمل اللواء و قاتل ببسالة فاق بها مواليه حتى تقطعت يداه فبرك على اللواء بصدره حتى قتل و هو يقول: اللهم هل أعززت؟ يعني هل أعذرت؟
و بعد قتل هذا الغلام، سقط اللواء على الأرض و لم يحمله أحد.


القتال في بقية النقاط:

و بينما كان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، كان القتال المرير يجري في سائر نقاط المعركة، و كانت روح الإيمان قد سادت صفوف المسلمين ، فانطلقوا خلال جنود الشرك انطلاق الفيضان تتقطع أمامه السدود، و هم يقولون: "أمت، أمت" كان ذلك شعارا لهم يوم أحد.
أقبل أبو دجانة معلما بعصابته الحمراء، آخذا بسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم، مصمما على أداء حقه، فقاتل حتى أمعن في الناس، و جعل لا يلقى مشركا إلا قتله، و أخذ يهد صفوف المشركين هدا.
و قاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الليوث المهتاجة، فبالإضافة الى مشاركته الفعالة في ابادة حاملي لواء المشركين، فعل الأفاعيل بأبطالهم الآخرين، حتى صرع و هو في مقدمة المبرزين، و لكن لا كما تصرع الأبطال و جها لوجه في ميدان القتال، و إنما كما يغتال الكرام في حلك الظلام.


مصرع أسد الله حمزة بن عبد المطلب:

يقول قاتل حمزة وحشي بن حرب: كنت غلاما لجبير بن مطعم، و كان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش الى أحد قال لي جبير: انك ان قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس – و كنت حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطى بها شيئا- فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة و أتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس هدا ما يقوم له شيء. فو الله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني اذ تقدمني إليه سباع بن عبد العرى فلما رآه حمزة قال له: هلم إلي يا بن مقطعة البظور- و كانت أمه ختانة- قال فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه.
قال و هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في ثنته- أحشائه- حتى خرجت من بين رجليه، و ذهب لينوء نحوي فغلب، و تركته و إياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت الى العسكر فقعدت فيه، و لم يكن لي بغيره حاجة، و إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة عتقت.


السيطرة على الموقف:

برغم هذه الخسارة الفادحة التي لحقت المسلمين بقتل أسد الله و أسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، ظل المسلمون مسيطرين على الوقف كله. فقد قاتل الأبطال من الصحابة أمثال أبو بكر و عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و غيرهم قتالا فل عزائم المشركين ، و فت في اعضادهم.


من أحضان المرأة الى مقارعة السيوف و الدرقة:

و كان من الأبطال المغامرين يومئذ حنظلة الغسيل- و هو حنظلة بن أبي عامر، و أبو عامر هو الراهب الذي سمي بالفاسق، و الذي مضى ذكره قريبا- كان حنظلة حديث عهد بالعرس، فلما سمع هواتف الحرب و هو على امرأته انخلع من أحضانها، و قام من فوره إلى الجهاد، فلما التقى بجيش المشركين في ساحة القتال أخذ يشق الصفوف حتى خلص إلى قائد المشركين أبي سفيان، و كاد يقضي عليه لولا أن أتاح الله له الشهادة، فقد شد على أبي سفيان ، فلما استعلاه و تمكن منه رآه شداد بن الأسود فضربه حتى قتله.


نصيب فصيل الرماة في المعركة:

و كانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى الله عليه و سلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الاسلامي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق ثلاث مرات ليحطموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر، حتى يتسربوا إلى ظهور المسلمين فيحدثوا البلبلة و الارتباك في صفوفهم و ينزلوا عليهم هزيمة ساحقة، و لكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث.


الهزيمة تنزل بالمشركين:

هكذا دارت رحى الحرب الزبون، و ظل الجيش الإسلامي الصغير مسيطرا على الموقف كله حتى خارت عزائم المشركين، و أخذت صفوفهم تتبدد عن اليمين و الشمال و الأمام و الخلف، كأن ثلاثة آلاف مشرك يواجهون ثلاثين ألف مسلم لا بضع مئات قلائل، و ظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة و اليقين.
و أخذت قريش في الانسحاب، و لجأت إلى الفرار و نسيت ما كانت تتحدث به في نفسها من أخذ الثأر و الوتر و الانتقام، و إعادة العز و المجد و الوقار.


غلطة الرماة الفظيعة:

بينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على أهل مكة لم يكن اقل روعة من نصر بدر، و قعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما ، و أدت إلى خسائر فادحة في ، و كادت تكون سببا في مقتل النبي صلى الله عليه و سلم.
فعلى الرغم من الأوامر التي وجهها الرسول صلى الله عليه و سلم إلى هاته الفرقة، لما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض: الغنيمة الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟
أما قائدهم عبد الله بن جبير، فقد ذكرهم بأوامر الرسول صلى الله عليه و سلم، و قال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه و سلم؟
و لكن الأغلبية الساحقة لم تلق لهذا التذكير بالا، و قالت: و الله لتأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. ثم غادر أربعون رجلا أو أكثر من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، و التحقوا بسواد الجيش ليشاركوه في جمع الغنائم. و هكذا خلت ظهر المسلمين، و لم يبق فيها الا ابن جبير و تسعة أو أقل من أصحابه و التزموا مواقفهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا.


خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش الإسلامي:

انتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة الذهبية، فكر بسرعة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة الجيش الإسلامي ، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير و أصحابه إلا البعض الذين لحقوا بالمسلمين، ثم انقض على المسلمين من الخلف، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشركون المنهزمون بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين، و أسرعت امرأة منهم و هي عمرة بنت علقمة الحارثية- فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب، فالتف حوله المشركون و لاثوا به، و تنادى بعضهم بعضا، حتى اجتمعوا على المسلمين، و ثبتوا للقتال، و أحيط المسلمون من الأمام و الخلف، ووقعوا بين شقي الرحى.


موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ في مفرزة صغيرة- تسعة نفر من أصحابه- في مؤخرة المسلمين، كان يراقب المسلمين و مطاردتهم المشركين، إذ بوغت بفرسان خالد بن الوليد مباغتة كاملة، فكان أمامه طريقان: إما أن ينجو- بالسرعة- بنفسه و بأصحابه التسعة إلى ملجأ مأمون، و يترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدور، و إما أن يخاطر بنفسه فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله، و يتخذ بهم جبهة قوية يشق بها الطريق لجيشه المطوق إلى هضاب أحد.
و هناك تجلت عبقرية رسول الله صلى الله عليه و سلم و شجاعته المنقطعة النظير، فقد رفع صوته ينادي أصحابه: "إلي عباد الله " ، و هو يعرف أن المشركين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، و لكنه ناداهم و دعاهم مخاطرا بنفسه في هذا الظرف الدقيق.
و فعلا فقد علم المشركون فخلصوا إليه، قبل أن يصل إليه المسلمون.


تبدد المسلمون في الموقف:

أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إلا أنفسها، فقد أخذت طريق الفرار، و تركت ساحة القتال، و هي لا تدري ماذا وراءها؟ وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها، و انطلق بعضهم إلى ما فوق الجبل.
و رجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين، و التبس العسكران فلم يتميزا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض.
و بينما الناس في هاته الفوضى و الارتباك، إذ سمعوا صائحا يصيح : إن محمدا قد قتل، فطارت بقية صوابهم، و انهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من الأفراد، فتوقف من توقف منهم عن القتال، و ألقى بأسلحته مستكينا، و فكر آخرون بالاتصال بعبد الله بن أبي- رأس المنافقين- ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان. و مر بهؤلاء أنس بن النضر، و قد ألقوا ما بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم..(بقية الحديث في صحيح البخاري).
و بمثل هذا الاستبسال و التشجيع عادت إلى جنود المسلمين روحهم المعنوية، و رجع إليهم رشدهم و صوابهم، فعدوا عن فكرة الاستسلام أو الاتصال بابن أبي.


احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه و سلم:

و بينما كانت تلك الطوائف تتلقى أواصر التطويق، و تطحن بين شقي رحى المشركين، كان العراك محتدما حول رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد ذكرنا أن المشركين لما بدأوا عمل التطويق لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا تسعة نفر، فلما نادى المسلمين:" هلموا إلي، أنا رسول الله" ، سمع صوته المشركون فعرفوه ، فكروا إليه و هاجموه، و مالوا عليه بثقلهم قبل أن يرجع اليه أحد من المسلمين، فجرى بين المشركين و بين النفر التسعة من الصحابة عرك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب و التفاني و البسالة.





نسأل الله أن يتقبل منا ان شاء الله و أن يجمعنا مع الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم.

نور
03-28-2008, 11:51 AM
احرج ساعه فى حياة الرسول


احتدام القتال حول رسول الله


لما بدأ المشركين بالتطويق لم يكن مع الرسول الا تسعه نفرفلما نادى المسلمين سمع صوته المشركون فهاجموه قبل ان يرجع اليه احد من من جيش المسلمين فجرى بينخم عراك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والبساله.


لم يبق مع الرسول غير طلحه ابن عبيد الله وسعد بن ابى الوقاص كانت احرج ساعه للرسول وفرصه ذهبيه للمشركين للقضاء على الرسول ورماه عتبه بن ابى وقاص بالحجاره فوقع لشقه واصيبت رباعيته اليمنى ،وضربه عبد الله بن قمئهعلى عاتقه بالسيف ثم ضرب على وجنتيه صلى الله عليه وسلم ضربه اخرى عنيفه وهنا ظهرت بطوله وبساله طلحه بن عبيد الله الذى تقطعت اصابعه .
وفى هذاالظرف الحرج انزل الله نصره بالغيب . عن سعد قال رايت رسول الله يوم احد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كأسد القتال وما رأيتهما من قبل يعنى جبريل وميكائيل.


*بدايه تجمع الصحابه حول الرسول
لم يكادوا المسلمون الذين كانوا فى الصفوف الاولى يرون تغير الموقف او يسمعوا صوت الرسول حتى اسرعوا اليه لئلا يصل النبى مكروها الا انهم وصلوا وقد لقى الرسول ما لقى من جراحات .فأقاموا حوله سياجا من اجسادهم وسلاحهم وبالغوا فى وقايته من ضربات العدو وكان اول من رجع اليه ابو بكر الصديق.
تضاعف ضغط المشركين بتضاعف عددهم وبالطبع قد اشتدت حملاتهم على المسلمين


*قام المسلمون ببطولات نادره وتضحيات رائعه ومنها كان ابو طلحه يسور نفسه بين يدى الرسول ليقيه من سهام العدو ،وام عماره التى قاتلت بن قمئه وضربته عده ضربات بسيفهاوقاتل مصعب بن عمير بضراوه بالغه فكان اللواء بيده فضربه ابن قمئه فقطع يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطع يده اليسرى وقتله فظنه ابن قمئه رسول الله لما بينهما من شبه فانصرف الى المشركين وصاح أن محمد قتل وعندما شاع الخبر خارت عزائم الكثير من الصحابه.


*اشاعه مقتل رسول الله ادى الى انهيار معنويات المسلمين وارتباك صفوفهم الا ان هذا الخبر خفف من هجمات المشركين الذين اشتغلوا بتمثيل قتلى المسلمين


*الرسول يواصل المعركه وينقذ الموقف
قامت الصحابه ببطولات نادره وحينئذ استطاع الرسول ان يشق طريقه الى جيشه المطوق فعرفه كعب بن مالك فنادى ابشروا هذا رسول الله فأشار اليه ان اصمت حتى لا يعرف موضعه المشركين وتجمع حوله المسلمون ثم اخذ الرسول فى الانسحاب المنظم الى شعب الجبل وهو يشق طريقه بين المشركين الذين اشتد هجماتهم لعرقله الانسحاب الا ان عبقؤيه خالد فشلت امام عبقريه الرسول.


*مقتل ابى بن خلف
ادرك ابى بن خلف رسول الله فى الشعب وهو يقول اين محمد؟ لانجوت ان نجا فلما دنا منه تناول الرسول حربه وابصر ترقوته فطعنه طعنه فى عنقه فلما رجع الى قريش وقد احتقن الدم قال قتلنى محمد قالوا له والله ان بك بأٍ قال ان محمد بمكه قال (انا اقتلك) فوالله لو بصق على لقتلنى فمات عدو الله.


*كان اخر هجوم للمشركين بقياده ابوسفيان وخالد بن الوليد للنيل من المسلمين فقال الرسول (اللهم ينبغى لهم ان يعلونا) فقاتل عمر بن الخطاب و رهط من المهاجرين حتى اهبطوهم من الجبل .


*رجع المشركون الى مقرهم بعد ان كانوا على شبه اليقين من مقتل الرسول واشتغلوا بتمثيل المسلمين فبقرت هند بنت عتبه كبد حمزه فلاكتها واتخذت من الاذان والانوف خلاخيل.


*كان ابو دجانه يضرب الكافر ضربه تبلغ وركه وتفرقه فرقتين وهذا يدل على مدى استعداد المسلمين للقتال حتى نهايه المعركه وكذلك موقف السيده عائشه حيث جاءت ومعها نسوة من المومنين لتسقى المسلمين


* لما استقر رسول الله فى مقره من الشعب خرج على بن ابى طالب حتى ملا درقته ماء من المهراس فجاء به الى الرسول ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه وغسل من وجهه الدم فلما رأت فاطمه ان الدم يزيد اخذت من الحصير فأحرقتها فألصقتها فأستمسك الدم وجاء محمد بن سلمه بماء عذب فشرب منه الرسول وصلى الظهر قاعدا وصلى خلفه المسلمون قعود.


*لما تهيأ المشركين للانصراف اشرف ابى سفيان على الجبل ليشتم المسلمين فأجابه عمر قائلا قتلانا فى الجنه وقتلاكم فى النار.


*كان موعد التلاقى فى بدر فى العام التالى بعد ان امتطوا المشركين الابل متوجهين الى مكه وبعده فرغ المسلموين لتفقد القتلى والجرحى وقد بعت رسول الله زيد بن ثلبت يطلب سعد بن الربيع فوجده وهو بأخر رمق وبلغه ان الرسول يسلم عليه وبلغه سعد ان يقول للرسول انه يجد ريح الجنه. وكذلك الاصيرم وهو فى رمقه الاخير بعد ان اصيب وكان آمن وقاتل فى أحد فقال رسول الله هو من اهل الجنه قال ابو هريره ولم يصل لله صلاه قط. ووجدوا فى الجرحى فزمان ولما اشتد به الجرح نحر نفسه فقال رسول اللله هو من اهل النار وعلى العكس رجل من يهود بن ثعلبه قاتل لنصرة الرسول فقتل فقال الرسول محيرق خير يهود.


*جمع الشهداء ودفنهم
اشرف الرسول على الشهداء فقال ( أنا شهيد على هؤلاء انه ما من جريح يجرح فى الله الا والله يبعثه يوم القيامه يدمى جرحه, اللون لون الدم والريح ريح المسك ) . امر الرسول الصاحابه ان ردوا قتلاهم بعد ان نقلوهم الى المدينه فيدفنوهم فى مضجعهم وآلا يغسلوا ويدفنوا بثيابهم وكان يدفن الاثنين والثلاثه فى قبر واحد ودفن عبدالله بن عمر و عمرو بن الجموح فى قبر واحد لما كان بينهم من المحبه. ووجدوا نعش حنظله فوق الارض يقطر منه الماء فأخبرهم الرسول أن اللملائكه تغسله. اشتد حزن الرسول لما رآى ما بعمه واخيه فى الرضاعه حمزه وجاءت عمته صفيه تريد ان تنظر اخاها حمزه فأمر الرسول ابنها الزبير ان يصرفها ولكنها قالت لاحتسبن وأصبرن ان شاء الله . وقال ابن مسعود ما رايت الرسول باكيا قط أشد من بكائه على حمزه وضعه فى البله ثم وقف على جنازته وانتحب حتى شهق من البكاء. ولم يوجد لحمزه كفن وكذلك مصعب بن عمير الا برده ملحاه تغطى الرأس وعلى الاقدام الاّذخر فكان منظر الشهداء مريعا يفتت الاكباد. *الرسول يثنى على ربه عز وجل ويدعوه


روي الإمام أحمد‏:‏ لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏استووا حتى أثني على ربي عز وجل).
فقال ( اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضب ،ولا هادى لمن اضللت ، ولا مضل لمن هديت ، و معطى لما منعت ولا مانع لما عطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مبعد لمل قربت اللهم ابسط علينا بركاتك ورجمتك وفضلك ورزقك ).


*الرجوع الى المدينه ونوادر الحب والتفانى
من احدى هذه النوادر لقيته فى الطريق خمته بنت جحش منعى اليها أخاها عبدالله بن جحش فأستغفرت له ثم نعى خالها حمزه بن عبد المطلب فأستغفرت له ثم نعى زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولوت . فقال رسول الله: أن زوج المرآه منها لبمكان.


*الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينه
انتهى رسول الله مساء يوم السبت السابع منة شوال سنه 3 هجريه الى المدينه وناول سيفه ابنته فاطمه فقال ( أغسلى عن هذا دمه ،فوالله قد صدقنى) وناولها على بن ابى طالب سيفه فقال هذا ايضا فأغسلى عنه دمه والله لقد صدقنى اليوم فقال رسول الله (لئن صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وابو دجانه).


* قتلى الفريقين
قتلى المسلمين كانوا 70 والغالبيه من الانصار فقتل منهم 65 و41 من الخزرج و24 منالاوس وقتل رجل من اليهود اما شهداء المهاجرين فكانوا اربعه. اما قتلى المشركين ذكر ابن اسحاق انهم 22 قتيلا ولكن تلاحصاء الدقيق يقيد ان عددهم 37 والله اعلم.


*حاله الطوارى فى المدينه
بات المسلمون فى المدينه ليله الاحد 8 من شوال سنه 3 من الهجره بعد الرجوع من المعركه فى حاله طوارى وقد انهكهم التعب يحرسون انقاب المدينه ومداخلها ويحرسون قائدهم رسول الله.


* غزوة حمراء الاسد
بات الرسول يفكر فى الموقف وخاف ان المشركين أن فكروا فى أنهم لم يستفيدوا من النصر الذى كسبوه فى ساحه القتال يرجعوا من الطريق لغزو المدينه فصمم على ان يقوم بعمليه مطاردة الجيش المكى فناد رسول الله الناس الى لقاء العدو وقال ( لا يخرج معنا الا من شهد القتال ) فساروا المسلمون حتى بلغوا حمراء الاسد وعسكروا هناك فقدم هناك معبد بن معبد الخزاعى فأسلم ويقال أنه كان على شرك ولكنه كان ناصحا لرسول الله فقال يا محمد والله قد عز علينا ما اصابك فى اصحابك فآمره رسول الله ان يلحق بأبى سفيان فيخذله . وقبل ان يتحرك اى سفيان بجيشه لحقه معبد ابن ابى معبد الخزاعى وقد شن عليه حرب اعصاب دعائيه عنيفه واخبره ان محمد قد خرج فى اصحابه يطلبكم فى جمع لم ارى مثله قط وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكى وأخذه الرعب فلم ير العافيه الا فى مواصله الانسحاب بيد ان أن ابى سفيان قام بحرب اعصاب دعائيه ضد جيش المسلمين فقد مر به زكب من عبد القيس يريد المدينه فقال ابلغو محمد أنا قد جمعنا الكره لنستأصله واصحابه فمر الركب على الرسول واخبروه بما قال فقال المسلمون ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمه من الله وفضل ولم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) أل عمران .
اقام الرسول اربعه ايام بحمراء الاسد ثم رجع الى المدينه وقد أخذ أبا غزه الجمحى الذى عذر وحرض الناس بشعره بعد ان من عليه الرسول بفقره وكثره بناته فآمر الزبير او عاصم بن ثابت فضرب عنقه وكذلك معاويه ابن المغيره الجاسوس آمر رسول الله زيد بن حارثه وعمار بن ياسر فتعقباه فقتلاه . وتعتبر غزوة حمرة الاسد جزء من غزوة أحد وتتمه لها .


تلك هى غزوة أحد التفوق العسكرى كان للمشركين وخسارة الارواح كانت فى جانب المسلمين . ولكنالجيش المكى لم يستطيع احتلال معسكر المسلمين الذين قاوموا ببساله ولم يقع احدهم فى آسر المشركين .
كل ذلك يؤكد ان المشركين نجحوا فى الحاق الخسائر بالمسلمين مع الفشل فى هدفهم وهو ابادة جيش المسلمين بعد عمل التطويق بل يؤكد تعجيل ابى سفيان فى الانسحاب انه خاف على جيشه فى غزوة حمراء الاسد. فالفريقين متماثلين كل غير غالب .


* القرآن يتحدث حول المعركه
صرح القرآن بلاسباب التى ادت الى الخساره وابدى النواحى الضعيفه التى لم تزل موجوده فى طوائف اهل الايمان بالنسبه لواجبهم. وتحدث ايضا عن موقف المنافقين وما كان فى باطنهم من العداوة والدس والمؤامره هم واخوانهم اليهود. قال تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء فأمنوا بالله ورسله وأن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم )


*الحكم والغايات المحمودة فى هذه الغزوة
1- تعريف المسلمين سوء عاقبه المعصيه وشؤم ارتكاب النهى وذلك لما ترك الرماه موقفهم الذى آمرهم الرسول الا يبرحوا منه.
2- عادة الرسل الابتلاء وتكون لهم العاقبه والحكمه ، انهم لو انتصروا لدخل فى المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من المنافق فعرف المسلمين ان لهم عدوا فتحرزوا منهم
3-ان الله هيأ لعباده المؤمنين منازل فى دار كرامته لا تبلغها اعمالهم ، ومحق الكافرين بطغيانهم.

نور
03-28-2008, 11:56 AM
السرايا والبعوث بين أحدوالأحزاب
كان لمأساة أحد أثر سيئ على سمعة المؤمنين، فقد ذهبت ريحهم، وزالت هيبتهم عن النفوس، وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب، وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر، وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين، بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم‏.‏

موجز لبعض مظاهر المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين:
* لم يمض على معركة أحد شهران حتى تهيأت بنو أسد للإغارة على المدينة‏.‏
* ثم قامت قبائل عَضَل وقَارَة في شهر صفر سنة 4هـ بمكيدة تسببت في قتل عشرة من الصحابة.
* وفي نفس الشهر نفسه قام عامر بن الطُّفَيل العامري بتحريض بعض القبائل حتى قتلوا سبعين من الصحابة، وتعرف هذه الوقعة بوقعة بئر مَعُونَة.
* ولم تزل بنو نضير خلال هذه المدة تجاهر بالعداوة حتى قامت في ربيع الأول سنة 4 هـ بمكيدة تهدف إلى قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وتجرأت بنو غَطَفَان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي الأولي سنة 4 هـ‏.‏



وفيما يلي شيء مما جري بين المسلمين والأطراف الأخرى:
سرية أبي سلمة‏
السبب: عندما نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛‏سارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلاً من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة، وعقد له لواء‏.‏

الوقائع: وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم، فتشتتوا في الأمر،وأصاب المسلمون إبلا وشاء لهم فاستاقوها، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لميلقوا حرباً‏.‏

الزمان: محرم سنة 4 هـ‏.‏
وعاد أبوسلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات‏.‏



بعث عبد الله بن أُنَيس‏‏
الزمان: الخامس من شهر محرم سنة 4 هـ.
السبب: نقلت الاستخبارات أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد الجموع لحرب المسلمين.

الوقائع: أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أنيس ليقضي عليه‏.‏
وظل عبد الله بن أنيس غائباً عن المدينة ثماني عشرة ليلة، ثم قدم وقد قتل خالداً وجاء برأسه، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه عصا وقال‏:‏ ‏(‏هذه آية بيني وبينك يوم القيامة‏)‏، فلما حضرته الوفاة أوصي أن تجعل معه في أكفانه‏.‏



بعث الرَّجِيع‏
الزمان: شهر صفر من نفس السنة - 4هـ ـ .
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عَضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم إسلاماً، وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم عشرة وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب ـفذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع ـ وهو ماء لهُذَيلِ بناحية الحجاز بين رَابِغ وجُدَّة ـ استصرخوا عليهم حياً من هذيل يقال لهم‏:‏ بنو لَحْيَان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى لحقوهم، فأحاطوا بهم ـ وكانوا قد لجأوا إلى فَدْفَد ـوقالوا ‏:‏ لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً‏.‏ فأما عاصم فأبي من النزول وقاتلهم في أصحابه، فقتل منهم سبعة بالنبل، وبقي خُبَيب وزيد بن الدَّثِنَّةِ ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخري، فنزلوا إليهم ولكنهم غدروا بهم وربطوهم بأوتار قِسِيهم فرفض الرجل الثالث أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة، وكانا قتلا من رءوسهم يوم بدر، فأما خبيب فمكث عندهم مسجوناً فلما أجمعوا على صلبه قال ‏:‏دعوني حتى أركع ركعتين، فتركوه فصلاهما، فلما سلم قال‏:‏ والله لولا أن تقولوا‏:‏إن ما بي جزع لزدت، ثم قال‏:‏ اللّهم أحْصِهِمْ عَدَدًا، واقتلهم بَدَدًا ، ولا تُبْقِ منهم أحدا.
ثم قال‏ له أبو سفيان‏:‏ أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه،وأنك في أهلك‏؟‏ فقال‏:‏ لا والله، ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه‏.‏ ثم صلبوه ووكلوا به من يحرس جثته، فجاء عمرو بن أميةالضمري، فاحتمله بخدعة ليلاً، فذهب به فدفنه، وكان الذي تولي قتل خبيب هو عقبة بن الحارث، وكان خبيب قد قتل أباه حارثاً يوم بدر‏.‏
وفي الصحيح أن خبيباً أول من سن الركعتين عند القتل، وأنه رئي وهو أسير يأكل قِطْفًا من العنب، وما بمكة ثمرة‏.‏
وأما زيد بن الدَّثِنَّة فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه‏.‏
وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ـ وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ـ فبعث الله عليه مثل الظُّلَّة من الدَّبْر ـ الزنابيرـ فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء‏.‏ وكان عاصم أعطي الله عهداً ألا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً‏.‏ وكان عمر لما بلغه خبره يقول‏:‏ يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته ‏.‏



مأساة بئر مَعُونة‏
وفي الشهر نفسه الذي وقعت فيه مأساة الرَّجِيع وقعت مأساة أخري أشد وأفظع من الأولي، وهي التي تعرف بوقعة بئر معونة‏.‏
وملخصها‏:‏ أن أبا براء عامر بن مالك المدعو بمُلاَعِب الأسِنَّة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، ولكنه طلب من رسول الله أن يبعث معه جماعة من أصحابه إلى أهل نَجْد يدعونهم إلى الإسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل إلا بعد أجارهم أبو براء, فبعث معه سبعين رجلا، وأمّر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمُعْنِقَ لِيمُوت ، وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم.
فساروا يحتطبون بالنهار، يشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن ويصلون بالليل،حتى نزلوا بئر معونة ـ وهي أرض بين بني عامر وحَرَّة بني سُلَيْم ـ فنزلوا هناك، ثمبعثوا حرام بن مِلْحَان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيْل، فلم ينظر فيه، وأمر رجلاً فطعنه بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم، قال حرام ‏:‏ الله أكبر، فُزْتُ ورب الكعبة‏.‏
ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم، فأجابته عُصَيَّة ورِعْل وذَكَوان، فجاءوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

النتيجة: قتل سبعين رجل من خيرة رجال المسلمين إلاكعب بن زيد بن النجار، فإنه عاش حتى قتل يوم الخندق‏.‏
وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر، فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه، وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من مُضَر جَزَّ عامر ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه‏.‏

وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذه المأساة، ولأجل مأساةالرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة ، تألما شديداً، وتغلب عليه الحزن والقلق ،حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه‏.‏ ففي الصحيح عن أنس قال ‏:‏ دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحاً، يدعو في صلاة الفجر على رِعْل وذَكْوَان ولَحْيَان وعُصَية، ويقول‏: ‏‏(‏عُصَية عَصَتْ الله ورسوله‏)‏، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد‏:‏ ‏(‏بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه‏)‏ فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قُنُوتَه ‏.‏



غزوة بني النضير‏
قد أسلفنا أن اليهود كانوا يتحرقون على الإسلام والمسلمين إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب وضرب، بل كانوا أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعاً من الحيل ؛ لإيقاع الإيذاء بالمسلمين دون أن يقوموا للقتال مع ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق، ولكنهم بعد وقعة أحد تجرأوا، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سراً، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين ‏.‏

سبب الغزوة: بعد مأساة بئر معونة رجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاملاً معه أنباء المصاب الفادح، ولما كان عمرو في الطريق ، نزل في ظل شجرة، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو، وهو يري أنه قد أصاب ثأر أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، فقال ‏: ‏‏(‏لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما‏)‏.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير في نفر من أصحابه،وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين ـ وكانذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ـ فقالوا ‏:‏ نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك‏.‏ فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلى وطائفة من أصحابه‏.‏
وبينما هو ينتظر تآمر اليهود على قتله بيد أشقاهم عمرو بن جحاش..ولكن جبريل نزل من عند رب العالمين على رسوله صلى الله عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعاً وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا ‏:‏ نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما هَمَّتْ به يهود‏.‏

الأمر بالجلاء: وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم ‏:‏ ‏(‏اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشراً، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه‏)‏‏.‏ ولم يجد يهود مناصاً من الخروج، فأقاموا أياماً يتجهزون للرحيل، بيد أن رئيس المنافقين ـ عبد الله بن أبي ـ بعث إليهم أن اثبتوا وتَمَنَّعُوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم (‏لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ)[‏الحشر‏:‏11‏]‏ وتنصركم قريظةوحلفاؤكم من غطفان‏.‏
فطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك‏.‏

الحصار: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب حيي بن أخطب كبر وكبرأصحابه، ثم نهض لمناجزة القوم، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلىبن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهي إليهم فرض عليهم الحصار‏.‏
والتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها, وفي ذلك أنزل الله تعالى‏:‏‏(‏مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ‏)‏[‏الحشر‏:‏ 5‏]‏‏.‏
واعتزلتهم قريظة، وخانهم عبد الله بن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فلم يحاول أحد أن يسوق لهم خيراً، أو يدفع عنهم شراً، ولهذا شبه سبحانه وتعالى قصتهم، وجعل مثلهم‏: ‏‏(‏كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ) ‏[‏الحشر‏:‏ 16‏]‏
ولم يطل الحصار ـ فقد دام ست ليال فقط، وقيل ‏:‏ خمس عشرة ليلة ـ حتى قذف الله في قلوبهم الرعب, فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نحن نخرج عن المدينة‏.‏ فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح‏.‏

نهاية الحصار: نزلوا على حكم رسول الله، وخربوا بيوتهم بأيديهم، ليحملوا الأبواب والشبابيك، بل حتى حمل بعضهم الأوتاد وجذوع السقف، ثم حملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فترحل أكثرهم وأكابرهم كحيي بن أخطب وسلاَّم بن أبي الحُقَيق إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلم منهم رجلان فقط ‏:‏ يامِينُ بن عمرو وأبو سعد بن وهب، فأحرزا أموالهما‏.‏

الغنائم: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح بني النضير، واستولي على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعاً وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفاً‏.‏
وكانت أموال بني النضير وأرضهم وديارهم خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يضعها حيث يشاء، ولم يخَمِّسْها لأن الله أفاءها عليه، ولم يوجِف المسلمون عليها بِخَيلٍ ولا رِكاب، فقسمها بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنهأعطي أبا دُجَانة وسهل بن حُنَيف الأنصاريين لفقرهما‏.‏ وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكُرَاع عدة في سبيل الله‏.‏

وبهذا النصر الذي أحرزه دون قتال وتضحية توطد سلطانهم في المدينة، وتخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم، وأمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفرغ لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد، وتواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذالة وكفران، وبلغت بهم الجرأة إلى أن أرادواالقيام بجر غزوة على المدينة‏.‏
زمانها: كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة 4 من الهجرة، أغسطس 625م.
وأنزل الله في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها, وكان ابن عباس يقول عن سورة الحشر ‏:‏ قل ‏:‏ سورة النضير ‏.‏



غزوة نجد ‏
نقلت إليه استخبارات المدينة بتحشد جموع البدو والأعراب من بني مُحَارِب وبني ثعلبة من غَطَفَان، فسارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج، يجوس فيافي نجد، ويلقي بذور الخوف في أفئدة أولئك البدو القساة؛ حتى لا يعاودوا مناكرهم التي ارتكبها إخوانهم مع المسلمين‏.‏
وأضحي الأعراب الذين مردوا على النهب والسطو لا يسمعون بمقدم المسلمين إلا حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، وهكذا أرهب المسلمون هذه القبائل المغيرة، وخلطوا بمشاعرهم الرعب، ثم رجعوا إلى المدينة آمنين‏.‏



غزوة بدر الثانية‏‏
استدار العام وحضر الموعد المضروب مع قريش ـ في غزوة أحدـ وحق لمحمد صلى الله عليه وسلم وصحبه أن يخرجوا ؛ ليواجهوا أبا سفيان وقومه.
ففي شعبان سنة 4هـ يناير سنة 626م خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده في ألف وخمسمائة، وكانت الخيل عشرة أفراس، وحمل لواءه على بن أبي طالب، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وانتهي إلى بدر، فأقام بها ينتظر المشركين‏.‏

وأما أبو سفيان فخرج في ألفين من مشركي مكة، ومعهم خمسون فرساً، حتى انتهي إلى مَرِّ الظَّهْرَان على بعد مرحلة من مكة فنزل بمَجَنَّة ـ ماء في تلك الناحية‏.‏
خرج أبو سفيان من مكة متثاقلاً يفكر في عقبي القتال مع المسلمين،وقد أخذه الرعب، واستولت على مشاعره الهيبة، فلما نزل بمر الظهران خار عزمه، فاحتال للرجوع، وخطب في قومه وأخبرهم بنيته بالرجوع. ويبدو أن الخوف والهيبة كانت مستولية على مشاعر الجيش أيضاً، فقدرجع الناس ولم يبدوا أي معارضة لهذا الرأي، ولا أي إصرار وإلحاح على مواصلة السير للقاء المسلمين‏.‏

وأما المسلمون فأقاموا ببدر ثمانية أيام ينتظرون العدو، وباعوا ما معهم من التجارة فربحوا بدرهم درهمين، ثم رجعوا إلى المدينة وقد انتقل زمام المفاجأة إلى أيديهم، وتوطدت هيبتهم في النفوس، وسادوا على الموقف‏.‏
وتعرف هذه الغزوة ببدر الموعد، وبدر الثانية، وبدر الآخرة، وبدرالصغرى‏.‏



غزوة دُوَمة الجندل‏
مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر الصغري في المدينة ستة أشهر، ثم جاءت إليه الأخبار بأنالقبائل حول دومة الجندل ـ قريباً من الشام ـ تقطع الطريق هناك، وتنهب ما يمر بهاوأنها قد حشدت جمعاً كبيرا تريد أن تهاجم المدينة، فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة سِبَاع ابن عُرْفُطَة الغفاري، وخرج في ألف من المسلمين لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة 5هـ، وأخذ رجلاً من بني عُذْرَة دليلاً للطريق يقال له‏:‏مذكور‏.‏
خرج يسير الليل ويكمن النهار حتى يفاجئ أعداءهم وهم غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب‏.‏

وأما أهل دومة الجندل ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحداً، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً، وبث السرايا وفرق الجيوش، فلم يصب منهم أحداً، ثم رجع إلى المدينة، ووادع في تلك الغزوة عيينة بن حصن.



بهذه الإجراءات السريعة الحاسمة، وبهذه الخطط الحكيمة الحازمة نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بسط الأمن، وتنفيذ السلام في المنطقة، والسيطرة على الموقف، وتحويل مجري الأيام لصالح المسلمين، وتخفيف المتاعب الداخلية والخارجية التي كانت قد توالت عليهم وأحاطت بهم من كل جانب، فقد سكت المنافقون واستكانوا، وتم إجلاء قبيلة من اليهود، وبقيت الأخري تظاهر بإيفاء حق الجوار، وبإيفاء العهود والمواثيق، واستكانت البدو والأعراب، وحادت قريش عن مهاجمة المسلمين، ووجد المسلمون فرصة لنشر الإسلام وتبليغ رسالات رب العالمين‏.‏

نور
03-28-2008, 12:10 PM
غزوة الخندق :
كانت غزوة الخندق سنة 5 هجري __ بداية الحصار كانت في شوال __ ونهايته في ذي القعدة .

اليكم القصة :

لم يتعظ اليهود بعد ان نفوا الى خيبر عقاباً لهم ..بل بدؤا يتآمرون على المسلمين _ خرج 20 رجلاً من زعمائهم وسادات بني النضير الى قريش بمكة . ليحرضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوهم بمناصرتهم .
فاستجابت قريش .
وهكذا ..فعلوا مع غطفان التي استجابت لهم __ وبدأو يدعون قبائل العرب فاستجاب لهم من استجاب .

نجحت خطة اليهود ...حيث خرج :
من الجنوب :- قريش _كنانة _وحلفائهم من تهامة

يقودهم ابو سفيان وكانوا 4000 آلاف مقاتل
من الظهران بنو سليم
ومن الشرق :- قبائل غطفان

اتجهت هذه الجيوش نحو المدينة على الموعد الذي تعاقدت عليه .

كان جيش الكفار يصل الى 10000 آلاف مقاتل .
_إستشار الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته فقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : يارسول الله إنا كنا بارض فارس اذا حوصرنا خندقنا علينا ، ولقد كانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب من قبل .

__فبدأ الصحابة بالتنفيذ يقودهم نبينا صلوات ربي وسلامه عليه
كل 10 رجال _______يحفرون 40 ذراعاً .

_كانت الحرات والجبال وبساتين النخيل تحيط بالمدينة من كل جانب عدا الشمـــــــــــال ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم كخبير عسكري يعلم ان زحف مثل هذا الجيش الكبير ومهاجمة المدينة لايمكن ان يكون الا من الشمال لذلك جعل الخندق في الشمال .

_ استمر المسلمين في الحفر حتى انهكهم التعب والجوع ...قال ابو طلحة رضي الله عنه : شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر ، فرفع رسول الله عليه الصلاة والسلام عن حجرين .

وقد حصلت بهذه الغزوة المعجزات ولآيات للنبي صلى الله عيه وسلم .
__ كان المسلمون يحفرون بالنهار ويرجعون الى اهلهم في المساء .

__اكتمل الخندق قبل وصول جيش الاحزاب ..... وصلت قريش ونزلت بمجتمع الاسيال من رومة بين الجرف وزعابة واقبلت غطفان ومن تبعها ونزلت بذنب نقمي بجوار أحد .

__كانت هذه الغزوة المحك لبعض المؤمنين فقد كشفت عن المنافقين وضعفاء النفوس الذين تخاذلوا عندما رأوا جيش الكفار قال تعالى : (( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ماوعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ومازادهم إلا إيمانهم وتسليماً ))

وقال تعالى : (( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ماوعدنا الله ورسوله إلا غرورا ))

__ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش به 3000 آلاف مقاتل جعلوا جبل سلع من خلفهم والخندق بينهم وبين الكفار واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم وامر النساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة .

_فوجئ المشركين بالخندق ..ففرضوا الحصار على المسلمين مع انهم لم يكونوا مستعدين له عندما خرجوا من ديارهم لان الخندق مكيدة لم تعرفها العرب من قبل .

__كان المسلمون يرشقون الكفار بالنبال حتى لايقتربوا من الخندق او يهيلوا عليه التراب .

__ومع ذلك وفي ظل هذه الظروف الحالكة لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ..ففي الصحيحين ان عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش فقال : يارسول الله ما كدت ان اصلي حتى كادت الشمس ان تغرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وان والله ماصليتها ، فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان ، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها ، فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب .
وقد استاء رسول الله لفوات هذه الصلاة حتى دعا على المشركين .

__في هذه المراماة قتل 6 من المسلمين و 10 من المشركين وقتل واحد او اثنين منهم بالسيف ورمي سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم .

__وفي هذه الاثناء قطعت بني قريظة عهدها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأوا يتعرضون للحصن الذي تحصنت به نساء المسلمين وصبيانهم . لكن الصحابية صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها تصدت لاحد اليهود وقتلته عندما حاول ان يقتحم الحصن فظن اليهود ان النبي صلى الله عليه وسلم ترك رجالا ً في الحصن .

___ ويشاء الله سبحانه وتعالى ان يخذل العدو ويهزمهم ويهيأ لذلك الاسباب :

*** حيث اسلم رجل من غطفان وهونعيم بن مسعود الاشجعي فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بانه قد اسلم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم الا ان وضع خطة عسكرية وهي ان يفرق بين جيوش الكفار وذلك بان يذهب هذا الصحابي الجليل الى كل حزب ويوقع بين تلك الاحزاب .

*** كما ارسل الله سبحانه وتعالى على المشركين جندا ً من الريح اقتلعت خيامهم وأكفأت قدورهم .

*** كما ارسل سبحانه وتعالى جندا من الملائكة يزلزلونهم ويلقون الرعب والخوف في قلوبهم .

وهكذا تفرقت هذه الاحزاب وارتحلت واستجاب الله لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين .

نور
03-28-2008, 12:12 PM
غزوة بني قريظة :


كانت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة 5 هجري .


اليكم القصة :


عندما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة بعد انتهاء غزوة الخندق جاءه جبريل عليه السلام عند الظهر فأمره بان يذهب ويقاتل بني قريظة


وسار جبريل عليه السلام في موكبه من الملائكة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ليقاتل معه .


__أمر الرسول صلى الله عليه وسلم كل من أراد الجهاد أن لايصلين العصر الا في بني قريظة


@ هنا انقسم الصحابة الى قسمين :
قسم صلى العصر وسار الى بني قريظة وقالوا بانه صلى الله عليه وسلم اراد ان يستعجلهم .


القسم الاخر لم يصلي العصر حتى وصل الى بني قريظة وعملوا بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .


فما كان منه صلوات ربي وسلامه عليه الا ان أيدهم جميعا ً @


__استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدنة ابن ام مكتوم واعطى الراية لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه .


__وهكذا تحرك الجيش نحو بني قريظة أرسالاً حتى لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ....فكانوا 3000 آلاف مقاتل
والخيل 30 فرساً .


___وفرضوا الحصار على حصون بني قريظة .


___عندما إشتد الحصار عليهم عرض عليهم رئيسهم ( كعب بن أسد ) 3 آراء :


**** اما ان يسلموا ويدخلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه فيؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم .


**** واما ان يقتلوا ذراريهم ونساءهم بايديهم ويخرجوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف .


**** واما ان يهجموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم السبت ويقاتلوهم فيه لانهم أمنوا ان يقاتلوهم فيه .


فلم يستجيبوا لاحد هذه الآراء


__ولم يكن أمامهم الا ان ينزلوا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم . فبعثوا للنبي وطلبوا منه ان يرسل لهم أبا لبابة حليفهم ليستشيروه ، فقال لهم أ، ينزلوا لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أشار بيده إلى حلقه يقصد الذبح _فعلم أنه خان الله ورسوله _فمضى على وجهه الى ان وصل الى المسجد النبوي وربط نفسه سارية المسجد وحلف أن لايحله الا رسول الله .


__مع ذلك نزلت قريظة لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم مع انه باستطاعتهم ان يتحملوا الحصار الطويل لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار والحصون المنيعة فلقد قذف الله الرعب في قلوبهم .


__كان المسلون يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء وإضافة إلى أنهم لم يكن هناك فاصل بين هذه الغزوة وغزوة الخندق .


___أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باعتقال الرجال فوضعت القيود في أيديهم وذلك باشراف محمد بن سلمة الانصاري .
___جعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال .
___ أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الى سعد بن معاذ الذي كان مصابا ً في المدنية وأمره بان يحكم فيهم :
فأمر برجالهم ان يقتلوا ويبادروا وان تسبى الذراري وتؤخذ الاموال .....وذلك لغدرهم بالمؤمنين وحملهم السلاح عليهم . ( ومن ضمن من قتل حيي بن اخطب الذي تعاون مع بني غطفان وقريش ونقض عهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . )



___ اما من اسلم منهم فقد حقنوا دمائهم وأموالهم وذراريهم .
___ قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة بعد أن أخرج منها الخمس :
فأسهم للفارس منهم 3 أسهم سهمان للفرس وسهم للفارس


وأسهم للراجل سهما ًواحداً .


وبعث من السبايا الى نجد ليبتاع خيلاً وسلاحاً .


___إصطفى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ( ريحانة بنت عمرو بن خناقة ) فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه ، وقيل أنه أعتقها وتزوجها سنة 6 هجرية وماتت وهي راجعة من حجة الوداع فدفنها بالبقيع .
___ استجيبت دعوة سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وضرب له خيمة بجوار المسجد النبوي ليكون قريبا ً من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فانتقضت جراحه وتفجرت وسال منها الدم فمات منها رضي الله عنه فاهتز لموته عرش الرحمن .


___ قتل في حصار بني قريظة رجل واحد من المسلمين وهو ( خلاد بن سويد ) الذي طرحت عليه الرحا امرأة من قريظة فقتلت بعد ذلك .
ومات في الحصار أبو سنان بن محصن .


___ أما أبو لبابة فنزلت توبته على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج لصلاة الصبح أطلقه بعد 6 ليال ِ .
____ دام الحصار 25 ليلة .


____ أنزل الله تعالى في غزوتي الأحزاب وبني قريظة آيات تتلى الى يومن هذا في سورة الاحزاب

نور
03-28-2008, 12:13 PM
النشاط العسكري بعد هذه الغزوة
مقتل سلام بن أبي الحقيق (و كنيته أبو رافع ) في ذي القعدة أو ذي الحجة سنة 5 هـ‏.‏
رغبت الخزرج في إحراز فضيلة مثل فضيلة الأوس , فاستأذنوا في قتله حيث كان من أكابر مجرمي اليهود الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين .و اذن لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم , و نهى عن قتل النساء و الصبيان , و خرجت مفرزة قوامها خمسه رجال من بني سلمه أميرهم (عبد الله بن عتيك) .
اتجهت المفرزة نحو خيبر حيث كان الحصن, فلما دنوا وقت الغروب و راح الناس بسرحهم طلب عبد الله بن عتيك من رفاقه أن يجلسوا مكانهم و أن ينطلق و يحاول الدخول . و فعل .
فدخل و مَكَن فلما دخل الناس و أغُلق الباب, اخذ الأقفال و فتح الباب لرفاقه.
و كان ابو رافع يسمر الناس عنده , فانتظر حتى ذهب عنه أهل السمر و دخل , و صار كلما دخل بابا أغلقه خلفه حتى يعيق الوصول إليه في حال اكتشاف أمره.فلما انتهى إليه و لم يعرف مكانه , و كان المكان مظلما فصار يناديه فلما أجابه هوى عليه بالسيف و لم يتأكد من قتله , فكمن له و ضع ضبيب السيف في بطنه حتى خرج من ظهره و تأكد من موت عدو الله . فخرج و عند خروجه انكسرت ساقه فعصبها بعمامته ثم جلس عند الباب يتأكد من الأمر, فلما صاح الديك صاح الناعي: انعي إليكم أبا رافع تاجر أهل الحجاز.فانطلق لأصحابه و قال لهم : النجاء فقد قتل الله أبا رافع, و انتهوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فاخبروه بالأمر . فقال: ابسط رجلك. فمسح عليها فكأنما لم يشتكيها. هذه روايه البخارى(ملخصه)


سرية محمد بن مسلمة‏‏ لعشر ليال خلون من المحرم سنة 6 هـ
(أول سرية بعد الفراغ من الأحزاب وقريظة، و قوامها ثلاثين راكباً‏)
تحركت السرية إلى بطن بني بكر بنكلاب‏.‏ فلما أغارت عليهم هربوا، فاستاق المسلمون نعما وشاء، وقدموا المدينة لليلة بقيت من المحرم ومعهم ثُمَامَة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، كان قد خرج متنكراً لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مسيلمة الكذاب ، فأخذه المسلمون، فلما جاءوابه ربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ماذا عندك يا ثمامة‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فَسَلْ تعط منه ماشئت، فتركه، ثم مرّ به مرة أخري ؛ فقال له مثل ذلك، فرد عليه كما رد عليه أولاً ، ثم مر مرة ثالثة فقال ـ بعد ما دار بينهما الكلام السابق‏:‏ ‏(‏أطلقوا ثمامة‏)‏، فأطلقوه،فذهب فاغتسل، ثم جاءه فأسلم، وقال‏:‏ والله، ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى، والله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إلى من دينك، فقد أصبح دينك أحب الأديان إلى، وإن خيلك أخذتني وأناأريد العمرة، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم على قريش قالوا‏:‏ صبأت يا ثمامة، قال‏:‏ لا والله، ولكني أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فانصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامـة يخلي إليـه حمل الطعـام، ففعـل رسـول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏




غزوة بني لَحْيَان‏ (ربيع الأول أو جمادي الأولي سنة 6 هـ
رأي الرسول صلى الله عليه و سلم أن الوقت قد آن لأن يأخذ من بني لحيان ثأر أصحابه المقتولين بالرجيع، فخرج إليهم في في مائتين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأظهر أنه يريد الشام، ثم أسرع السير حتى انتهي إلى بطن غُرَان حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم،وسمعت به بنو لحيان فهربوا في رءوس الجبال ثم بعث عشرة فوارس إلى كُرَاع الغَمِيم لتسمع به قريش، ثم رجع إلى المدينة‏.‏


متابعة البعوث والسرايا‏
تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إرسال البعوث والسرايا :


1ـ سرية عُكَّاشَة بن مِحْصَن إلى الغَمْر (ربيع الأول أو الآخر سنة 6هـ‏).


‏ خرج عكاشة في أربعين رجلاً ، ففر القوم، وأصاب المسلمون مائتي بعير ساقوها إلى المدينة‏.‏

2 ـ سرية محمد بن مَسْلَمَة إلى ذي القَصَّة (ربيع الأول أو الآخرسنة 6 هـ)‏

خرج ابن مسلمة في عشرة رجال إلى ذي القصة في ديار بني ثعلبة، فكمن القوم لهم ـ وهم مائة ـ فلما ناموا قتلوهم إلا ابن مسلمة فإنه أفلت منهم جريحاً‏.‏

3 ـ سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة ( ربيع الآخر سنة 6 هـ).

بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على إثر مقتل أصحاب محمد بن مسلمة ومعهأربعون رجلاً ، فساروا ليلتهم مشاة، ووافوا بني ثعلبة مع الصبح فأغارواعليهم ، وأصابوا رجلاً واحداً فأسلم، وغنموا نَعَماوشاء‏.‏

4ـ سرية زيد بن حارثة إلى الجَمُوم ( ربيع الآخر سنة 6هـ ـ)

خرج إليهم زيد فأصاب امرأة من مُزَيْنَة يقال لها‏:‏ حليمة، فدلتهم على محلة من بني سليم أصابوا فيها نعما وشاء وأسري، فلما قفل زيد بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزينية نفسهاوزوجها‏.‏

5 ـ سرية زيد إلى العِيص في سبعين ومائةراكب) جمادي الأولي سنة 6 هـ)

وفيها أخذت أموال عير لقريش كان قائدها أبو العاص خَتَن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏وأفلت أبو العاص، فاستجار بزينب ، وسألها أن تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد أموال العير عليه ففعلت، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس برد الأموال من غير أن يكرههم، فردوا الكثير والقليل والكبير والصغير حتى رجع أبو العاص إلى مكة، وأدي الودائع إلى أهلها، ثم أسلم وهاجر، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بالنكاح الأول بعد ثلاث سنين ونيف، كما ثبت في الحديث الصحيح ردهــا بالنـكاح الأول ؛ لأن آيــة تحريم المسلمات على الكفار لم تكن نزلت إذ ذاك.

6 ـ سرية زيد أيضاً إلى الطَّرِف أو الطَّرِق ) جمادي الآخر سنة 6هـ‏).

‏ خرج زيد في خمسة عشر رجلاً إلى بني ثعلبة فهربت الأعراب، فأصاب من نَعَمِهِم عشرين بعيراً، وغاب أربع ليال‏.‏

7 ـ سرية زيد أيضاً إلى وادي القري ( رجب سنة 6 هـ‏.).‏

خرج زيد فياثني عشر لاستكشاف حركات العدو ، فهجم عليهم سكان وادي القري ؛ فقتلوا تسعة، وأفلتت ثلاثة فيهم زيد بن حارثة‏.‏

8 ـ سرية الخَبَط ـ (تذكر هذه السرية في رجب سنة 8 هـ، ولكن السياق يدل على أنها كانت قبل الحديبية؛لأن المسلمين لم يكونوا يتعرضون لعير قريش بعد الصلح )

بعث النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، أميرهم أبو عبيدة بن الجراح، لرصد عيراً لقريش، فأصابهم جوع شديد حتى أكلوا الخبط، فسمي جيش الخبط، فنحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقي إليهم البحر دابة ، فأكلوا منه نصف شهر، وتزودوا من لحمة وَشَائِق، فلما قدموا المدينة، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال‏:‏ ‏(‏هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمة شيء تطعمونا‏؟‏‏)‏ فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه‏.‏





غزوة بني المُصطلق أو غزوة المريسيع ( شعبان سنة 5 أو 6 هـ)



تأتى اهمية هذه الغزوة فى انها وقعـت فيـها وقـائـع أحدثـت البلبلـة والاضطـراب فـي المجتمـع الإسلامي، وتمخضت عن افتضاح المنافقين، والتشريعات التعزيرية التي أعطت المجتمع الإسلامي صورة خاصة من النبل والكرامة وطهارة النفوس‏.‏ ونسرد الغزوة أولاً، ثم نذكر تلك الوقائع‏.‏

وسببها أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق سارفي قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث لتحقيق الخبر، فأتاهم، وكلمهم،ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر‏

وبعد أن تأكد لديه صلى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، وكان رئيس بني المصطلق قد وجه عينًا ؛ ليأتيه بخبرالجيش الإسلامي، فألقي المسلمون عليه القبض وقتلوه‏.‏

ولما بلغهم مسير رسول الله صلى الله عليهوسلم وقتله عينه، خافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المُرَيْسِيع ـ بالضم فالفتح مصغراً، اسم لماء من مياههم في ناحية قُدَيْد إلى الساحل ـ فتهيأوا للقتال‏.‏ وَصَفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد، فكانت النصرة وانهزم المشركون وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، قتله رجل من الأنصار ظناً منه أنه من العدو‏.‏

وكان من جملة السبي‏:‏ جُوَيْرِيَة بنت الحارث سيد القوم، وقعت في سهم ثابت ابن قيس، فكاتبها، فـأدي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجهـا، فأعـتق المسلـمون بسبـب هـذا التزويـج مـائـة أهـل بيـت مـن بنـي المصطلق قـد أسلمـوا، وقـالـوا‏:‏أصهـار رسول الله صلى الله عليه وسلم‏



دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق‏‏
كان عبد الله بن أبي يَحْنَقُ على الإسلام والمسلمين، لانه كانيري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي استلبه ملكه‏.‏ وقد ظهر حنقه هذا وتحرقه منذ بداية الهجرة قبل أن يتظاهر بالإسلام، وبعد أن تظاهر به‏. و المواقف الشاهدة على ذلك كثيرة.



ولم يكن يفكر إلا في تشتيت المجتمع الإسلامي وتوهين كلمة الإسلام‏.‏وكان يوإلى أعداءه، وقد تدخل في أمر بني قينقاع ، وكذلك جاء في غزوة أحدمن الشر والغدر والتفريق بين المسلمين، وإثارة الارتباك والفوضي في صفوفهم بما مضي‏.‏

وكانت له اتصالات ببني النضير يؤامر معهم ضد المسلمين حتى قاللهم‏:‏ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) ‏

وكذلك فعل هو وأصحابه في غزوة الأحزاب من إثارة القلق والاضطراب وإلقاء الرعب والدهشة في قلوب المؤمنين ما قصه الله تعالى في سورة الأحزاب‏:‏ ‏ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا إلى قوله‏:‏ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (12-20)‏ الاحزاب.

و لقد علم الاعداء بان سبب غلبة الاسلام و المسلمون ليس هو التفوق المادي وكثرة السلاح والجيوش والعدد، وإنما السبب هي القيم والأخلاق والمثل التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي.

و لقد عرفوا أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكنعن طريق استخدام السلاح، فقرروا أن يشنوا حرباً ضد الدين من ناحيةالأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أول هدف لهذه الحرب. و لأن ‏ المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين، ولكونهم سكان المدينة، كان يمكن لهم الاتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين‏.‏ تحمل المنافقون مسؤلية هذه الحرب ،وكان على رأسهم ابن أبي‏.‏

و حينما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، بعد أن طلقها زيد بن حارثة, و جد المنافقون فى ذلك نقطتين لإثارة المشاغب ضد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الأولى‏:‏ أن زوجته هذه كانت زوجة خامسة، والقرآن لم يكن أذن في الزواج بأكثر من أربع نسوة، فكيف صح له هذا الزواج‏؟‏

الثانية‏:‏ أن زينب كانت زوجة ابنه ـ مُتَبَنَّاه ـ فالزواج بها من أكبر الكبائر،حسب تقاليد العرب‏.‏

واختلقوا قصصاً وأساطير، ونشروا هذه الدعاية المختلقة نشراً بقيت آثاره في كتب التفسير والحديث إلى هذاالزمان، وقد أثرت تلك الدعاية أثراً قوياً في صفوف الضعفاء حتى نزل القرآن بالآيات البينات فيها شفاء لما في الصدور، وينبئ عن سعة نشر هذه الدعاية أن الله استفتح سورة الأحزاب بقوله‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)‏ الاحزاب

هذا كان قبل غزوة بني المصطلق، وكانالنبي صلى الله عليه وسلم يكابد كل ذلك بالصبر واللين والتلطف، وكان عامة المسلمين يحترزون عن شرهم، أو يتحملونه بالصبر ؛ إذ كانوا قد عرفوهم بافتضاحهم مرة بعد أخر يحسب قوله تعالى‏:‏ ‏ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)


يتبع.....

نور
03-28-2008, 12:15 PM
دور المنافقين في غزوة بني المصطلق


فى هذه الغزوة وجدوا متنفسين للتنفس بالشر، فأثاروا الارتباك الشديد في صفوف المسلمين، والدعايةالشنيعة ضد النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏

الاول : قول المنافقين‏:‏ ‏[‏لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منهاالأذل‏]‏

بعد الفراغ من الغزوة و الاقامهً علىالمُرَيْسِيع، ووردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير ، فازدحم هواخر من الانصار على الماء فاقتتلا، فصرخ الانصارى‏:‏ يامعشر الأنصار، وصرخ اخير عمر‏:‏ يا معشر المهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليهوسلم‏:‏ ‏(‏أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم‏؟‏ دعوها فإنها مُنْتِنَة‏)‏، وبلغ ذلكعبد الله بن أبي بن سلول فغضب ـ وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث ـوقال‏:‏ أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كماقال الأول‏:‏ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنالأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم‏:‏ هذا ما فعلتم بأنفسكم،أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكملتحولوا إلى غير داركم‏.‏

فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليهوسلم وعنده عمر، فقال عمر‏:‏ مُرْ عَبَّاد بن بشر فليقتله‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏فكيف ياعمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه‏؟‏ لا ولكن أَذِّنْ بالرحيل‏)‏، وذلك فيساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال‏:‏ لقد رحتفي ساعة منكرة‏؟‏ فقال له‏:‏ ‏(‏أو ما بلغك ما قال صاحبكم‏؟‏‏)‏ يريد ابن أبي،فقال‏:‏ وما قال‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منهاالأذل‏)‏، قال‏:‏ فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنتالعزيز، ثم قال‏:‏ يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومهلينظمون له الخَرَز ليتوجوه، فإنه يري أنك استلبته ملكاً‏.‏

ثم مشي بالناس يومهم ذلك حتى أمسي، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْر يومهمذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مَـسَّ الأرض فوقعوانياماً‏.‏ فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث‏.‏

أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم، وحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، فقال من حضر منالأنصار‏:‏ يا رسول الله عسي أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قالالرجل‏.‏ فصدقه، قال زيد‏:‏ فأصابني هَمٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل الله‏:‏ ‏إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ إلى قوله‏:‏ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (1- 8) المنافقون فأرسل إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إن الله قد صدقك‏)‏‏.‏



وكان ابن هذا المنافق ـ وهو عبد الله ـ رجلاً صالحاً من الصحابةالأخيار، فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبيقال له‏:‏ والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهالعزيز وأنت الذليل، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له فخلي سبيله، وكان قدقال عبد الله ابن عبد الله بن أبي‏:‏ يا رسول الله، إن أردت قتله فمرني بذلك، فأناوالله أحمل إليك رأسه‏.‏



الثانى: حديث الإفك



وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وملخصها‏:‏ أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بهارسول الله صلى الله عليه وسلم معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها، ففقدت عقداً فرجعت تلتمسه فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هَوْدَجَها فظنوها فيه فحملوا الهودج، فرجعت عائشة إلى منازلهم، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها،والله غالب على أمره، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المُعَطَّل‏:‏ إنا لله وإناإليه راجعون،وكان صفوان قد عَرَس في أخريات الجيش ؛ لأنه كان كثير النوم، فلما رآها عرفها، وكانيراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلته فركبتها، وما كلمهاكلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، حتى قدم بها، وقد نزلالجيش في نحر الظهيرة، فلما رأي ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته، ووجد عدو الله ابن أبي متنفساً، فجعل يستحكي الإفك ويشيعه، ويذيعه،، وكان أصحابه يتقربونبه إليه، فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول الله صلى الله عليهوسلم لايتكلم، ثم استشار أصحابه في فراقها، فمنهم من اشار أن يفارقها ، ، وأشار غيره بإمساكها ‏.‏ فقام على المنبر يستعذر من عبد الله ابن أبي، فاشارت الأوس بقتله فأخذت الخزرج، وهي قبيلةابن أبي ـ الحمية القبلية، فجري بينهما كلام تثاور له الحيان، فخفضهم رسول الله صلىالله عليه وسلم حتى سكتوا وسكت.

‏ أما عائشة فلما رجعت مرضت ، وهي لاتعلم شيئاً، الا أنها كانت تستغرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملته لها ، فلمانَقِهَتْ خرجت مع أم مِسْطَح إلى البَرَاز ليلاً، فعثرت أم مسطح ، فدعتعلى ابنها، فاستنكرت ذلك عائشة منها، فأخبرتها الخبر، فرجعت عائشة واستأذنت رسولالله صلى الله عليه وسلم ؛ لتأتي أبويها ، ثم أتتهما بعد الإذن حتىعرفت جلية الأمر، فجعلت تبكي، حتى ظنت أن البكاء فالق كبدها، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فتشهد وقال‏:‏ ‏(‏أما بعد يا عائشة،فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنبفاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب اللهعليه‏)‏‏.‏

وحينئذ قَلَص دمعها فقالت‏:‏ والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم،وصدقتم به، فلئن قلت لكم‏:‏ إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك،ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه بريئة ـ لتُصَدِّقنِّي، والله ما أجد ليولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف، قال‏:‏ ‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) يوسف.

ثم تحولت واضطجعت، ونزل الوحي ساعته، فَسُرِّي عن رسول الله صلىالله عليه وسلم وهو يضحك‏.‏ فكانت أول كلمة تكلم بها‏:‏ ‏(‏يا عائشة، أما الله فقدبرأك‏)‏، فقالت لها أمها‏:‏ قومي إليه‏.‏‏.‏ فقالت عائشة ـ إدلالاً ببراءة ساحتها،وثقة بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلاالله‏.‏

و اقيم الحد على اهل الافك ولم يُحَدّ الخبيث عبد الله بن أبي إما لأن الحدود تخفيف لأهلها، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، وإماللمصلحة التي ترك لأجلها قتله والذي أنزله الله بشأن الإفك هو قوله تعالي‏:‏ ‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ..(11)العشر الايات من سورة النور



البعوث والسرايا بعد غزوة المُرَيْسِيع



سرية عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب ، في شعبان سنة 6 هـ‏.‏

أقعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه وعممه بيده، وأوصاه بأحسن الأمور فيالحرب، وقال له‏:‏ ‏(‏إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم‏)‏، فمكث عبد الرحمن بن عوف ثلاثةأيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم القوم.

سرية على بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفَدَك، في شعبان سنة 6 هـ‏.‏

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعاً يريدون أن يمدوا اليهود‏.‏ فبعثإليهم علياً في مائتي رجل، وكان يسير الليل ويكمن النهار، فأصاب عيناً لهم، فأقرأنهم بعثوه إلى خيبر ودل العينعلى موضع تجمع بني سعد، فأغار عليهم علي، فأخذ خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنوسعد بالظُّعنُ، وكان رئيسهم وَبَر بن عُلَيْم‏.‏

سرية أبي بكر الصديق أو زيد بن حارثة إلى وادي القري، في رمضان سنة 6هـ‏.‏

كان بطنمن فَزَارة يريد اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث اليهم أبا بكر الصديق ‏:‏ وخرجوا حتى إذا صلوا الصبح فشنوا الغارة، و وردوا الماء، فقتل أبو بكر من قتل، و اسروا طائفة وفيهم امرأة هي أم قِرْفَة، معها ابنتهامن أحسن العرب فبعث بها إلى مكة،وفدي بها أسري من المسلمين هناك‏.‏

سرية كُرْز بن جابر الفهري إلى العُرَنِيِّين، في شوال سنة 6 هـ، وذلك أن رهطاً منعُكَل وعُرَينَة أظهروا الإسلام، وأقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول اللهصلى الله عليه وسلم في ذود في المراعي، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلماصحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل، وكفروا بعدإسلامهم، فبعث في طلبهم كرزاً الفهري في عشرين من الصحابة، ودعا على العرنيين‏:‏‏(‏اللّهم أعم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مَسَك‏)‏، فعمي الله عليهمالسبيل فأدركوا، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسَمُلَتْ أعينهم، جزاء وقصاصاً بما فعلوا،ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا.

ويذكر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضَّمْرِي مع سلمة بنأبي سلمة، في شوال سنة 6 هـ‏.‏ أنه ذهب إلى مكة لاغتيال أبي سفيان ؛ لأن أبا سفيانكان أرسل أعرابياً لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، بيد أن المبعوثين لم ينجحا فيالاغتيال لاهذا ، ولا ذاك‏.



‏ هذه هي السرايا والغزوات بعد الأحزاب، وبني قريظة، و هى لم تكن الا مصادمات خفيفة، فليست هذه البعوث إلا دورياتاستطلاعية، أو تحركات تأديبية ؛ لإرهاب الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد‏.‏وتظهر مجري الأيام ان الامر قد أخذ في التطور بعد غزوة الأحزاب،وأن أعداء الإسلام كانت معنوياتهم في انهيار متواصل، و يئسوا منكسر الدعوة الإسلامية وخَضْد شوكتها، إلا أن هذا التطور ظهر جلياً بصلح الحديبية،فلم يكن الصلح إلا الاعتراف بقوة الإسلام.

نور
03-28-2008, 12:25 PM
.Ooعمرة الحديبيةoO..
سببها:
وقعت في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وكان من أمرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل البيت هو وصحابته آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون شيئا.


فأمر الناس أن يتجهزوا للخروج إلى مكة معتمرين، لا يريد حربا لقريش ولا قتالا، فخرج معه المهاجرون والأنصار يحدوهم الشوق إلى رؤية بيت الله الحرام بعد أن حرموا من ذلك ست سنوات، وخرج معهم من شاء من الأعراب، وساق أمامه صلى الله عليه وسلم وهو ما يساق إلى البيت الحرام من الإبل والنعم تعظيما للبيت وتكريما، وأحرم بالعمرة من مكان يسمى بذي الحليفة، ليعلم الناس وقريش خاصة أنه لا يريد قتالا، وكان عدد من خرج معه نحوا من ألف وخمسمائة، ولم يخرجوا معهم بسلاح إلا سلاح المسافر (السيوف في أغمادها).





محاولات قريش لصد المسلمين عن البيت الحرام
1. عقدت قريش مجلسا استشاريا قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما كان..وجمعوا الأحابيش (عرب من بطون بني كنانة)..وجمعوا الجموع..


2. عندما وصل إلى «عسفان» جاء من يقول له: هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا وقد لبسوا جلود النمور يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب! ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني، كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله حتى يظهره الله، أو تنفرد هذه السالفة».



3. فلما وصل الحديبية - وهي مكان قريب من مكة بينها وبين طريق جدة الآن- جاءه بعض رجال من خزاعة يسألونه عن سبب قدومه، فأخبرهم أنه لم يأت إلا ليزور البيت ويعتمر، فرجعوا وقالوا لهم: إنكم تعجلون على محمد، لم يأت لقتال، إنما جاء زائرا لهذا البيت. فقالوا: لا والله لا يدخلها عليهم عنوة أبدا، ولا يتحدث العرب عنا بذلك.


4. ثم بعثوا عروة بن مسعود الثقفي ليتحدث إلى الرسول بهذا الشأن، وبعد حديث وأخذ ورد بين عروة وبعض الصحابة، عاد إلى قريش وحدثهم عما رأى من حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهيبتهم له، ورغبتهم في الصلح معه، فأبوا ذلك.


5. ولما رأي شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب، رغبة زعمائهم في الصلح فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليلاً، ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثاً تشعل نار الحرب، وفعلاً قد قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلاً فهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمد بن مسلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعاً‏.‏

ورغبة فـــي الصلــح أطلـق سراحهم النبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنـهم، وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 24‏]‏





عثمان بن عفان سفيرا إلى قريش:
ثم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أهل مكة ليؤكد لهم الغرض من مجيء الرسول وصحابته، وأبطأ عثمان، فأشيع بين المسلمين أنه قد قتل، فقال الرسول عندئذ: لا نبرح حتى نناجز القوم (نقاتلهم).





بيعة الرضوان:
ثم دعا المسلمين إلى البيعة على الجهاد، والشهادة في سبيل الله، فبايعوه تحت شجرة هناك من أشجار الطلح على عدم الفرار، وأنه إما الصلح، وإما الشهادة.





إبرام الصلح:
ولما علمت قريش بأمر البيعة، خافوا ورأوا الصلح معه وأرسلت قريش لذلك سهيل بن عمرو ليتم هذا الصلح، وأخيرا تم هذا الصلح، على ما رغبت قريش:


1. على أن يرجع هذا العام ويعود من قابل فيقيم ثلاثا معه سلاح الراكب: الرماح والسيوف في أغمادها.
2. على وضع الحرب بين الفريقين عشر سنين.
3. وأن من أتى من عند محمد إلى مكة لم يردوه، وأن من أتى محمدا من مكة ردوه إليهم.
4. من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق‏.


فعز ذلك على المسلمين، وأخذ بعضهم يجادل النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء من شروطها، ومن أشدهم في ذلك عمر، حتى قال رسول الله: « إني عبد الله ولن يضيعني» ثم أمر الرسول أصحابه بالتحلل من العمرة فلم يفعلوا ذلك في موجة من الألم، لما حيل بينهم وبين دخول مكة، ولما شق عليهم من شروط الصلح فبادر عليه السلام بنفسه، فتحلل من العمرة، فتبعه المسلمون جميعا، وقد ظهرت فيما بعد فوائد هذه الشروط التي صعبت على المسلمين ورضي بها الرسول، لبعد نظره ورجحان عقله، وإمداد الوحي له بالسداد في الرأي والعمل.





من نتائج الصلح:
1. رد أبي جندل:‏‏

فجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته‏:‏ يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم‏)‏‏.‏

2. الإباء عن رد المهاجرات:
بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي‏:‏ ‏(‏وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا‏)‏ ، فلم تدخل النساء في العقد رأساً‏.‏ وأنزل الله في ذلك‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ‏}‏، حتى بلغ ‏{‏بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 10‏]‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلخ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 12‏]‏، فمن أقرت بهذه الشروط قال لها‏:‏ ‏(‏قد بايعتك‏)‏، ثم لم يكن يردهن‏.‏

وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم‏.‏


3. أزمة المستضعفين:
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واطمأن بها، انفلت رجل من المسلمين، ممن كان يعذب في مكة، وهو أبو بَصِير، رجل من ثقيف حليف لقريش، فأرسلوا في طلبه رجلين، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فخرجا به ولكنه خادعهم وقتل أحدهم..
وقال للرسول صلى الله عليه وسلم لما أتاه‏:‏ يا نبي الله، قد والله أوْفَي الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ويل أمه، مِسْعَر حَرْبٍ لو كان له أحد‏)‏، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتي سِيفَ البحر، وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة‏.‏ فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم‏.‏ فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقدموا عليه المدينة‏.‏





فتحاً مبيناً:
هذا وقد سمى الله هذه الغزوة فتحا مبينا، حيث قال: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّم َمِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [ الفتح: 1-3] فطابت نفوس المسلمين بهذه الآية..


ثم تحدث عن مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: { إِنَّ الَّذِين َيُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [ الفتح: 10].
ورضي عن أصحاب بيعة الرضوان تحت الشجرة فقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [ الفتح: 18].


وتحدث عن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت سببا في غزوة الحديبية، فقال: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [ الفتح: 27].


ولعل هذه إشارة إلى فتح مكة الذي كان ثمرة من ثمار صلح الحديبية، كما سنذكره في الدروس والعظات إن شاء الله، ثم أتبع ذلك بتأكيد غلبة هذا الدين وانتصاره، فقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28]




إسلام أبطال من قريش‏‏
وفي سنة 7 من الهجرة بعد هذا الصلح أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، ولما حضروا عند النبـي صلى الله عليه وسلم قـال‏:‏ ‏(‏إن مكـة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها‏)‏‏.‏

نور
03-28-2008, 12:28 PM
المرحلة الثانية: طور جديد

إن صلح الحديبية كان بداية طور جديد في حياة الإسلام والمسلمين، فقد كانت قريش أقوي قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام انكسر أقوي جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة ـ قريش وغَطَفَان واليهود ـ .‏
أما اليهود فكانوا قد جعلوا خيبر بعد جلائهم عن يثرب وكرا للدس والتآمر، وأخذوا يخططون للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أو لإلحاق الخسائر الفادحة بهم، ولذلك كان أول إقدام حاسم من النبي صلى الله عليه وسلم بعدهذا الصلح هو شن الحرب الفاصلة على هذا الوكر‏.‏
ثم إن هذه المرحلة التي بدأت بعد الصلح أعطت المسلمين فرصة كبيرة لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها، وقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال، وبرز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري ؛ ولذلك نري أن نقسم هذه المرحلة إلى قسمين‏:‏
1 ـ النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء‏.‏
2 ـ النشاط العسكري‏.‏

وقبل أن نتابع النشاط العسكري في هذه المرحلة، نتناول موضوع مكاتبةالملوك والأمراء ؛ إذ الدعوة الإسلامية هي المقدمة طبعاً، بل ذلك هو الهدف الذي عاني له المسلمون ما عانوه من المصائب والآلام، والحروب والفتن، والقلاقل والاضطرابات‏.‏

مكاتبة الملوك والأمراء
في أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام‏.‏
وقد كان يختم الكتب بختم مكتوب عليه: محمد رسول الله -كل كلمة في سطر-.‏
واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، وقدجزم العلامة المنصورفوري أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل هؤلاء الرسل غرة المحرم سنة سبع من الهجرة قبل الخروج إلى خيبر بأيام‏.‏ وفيما يلي نصوص هذه الكتب، وبعض ما تمخضت عنه‏.‏

1 ـ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة (أصْحَمَة بن الأبْجَر) ‏:‏
روي البيهقي عن ابن إسحاق نص كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وهو هذا‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ هذا كتاب من محمد رسول الله إلى النجاشي، الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدي، وآمن بالله ورسوله، وشهد أنلا إله إلاالله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبه ولا ولداً، وأن محمدًا عبده ورسوله،وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم، ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(2,64,64))‏ فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك‏)‏‏.‏

ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أخذه النجاشي، ووضعه على عينه، ونزل عن سريره على الأرض، وأسلم على يد جعفربن أبي طالب، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهاك نصه‏:‏
‏(بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، الله الذي لا إله إلا هو، أمابعد‏:‏
فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسي، فورب السماءوالأرض إن عيسي لا يزيد على ما ذكرت تُفْرُوقا، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت بهإلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابك، فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً، وقد بايعتك،وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين‏)‏‏.‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم بهم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر‏.‏

وتوفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الهجرة بعد تبوك، ونعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته، وصلي عليه صلاة الغائب، ولما مات وتخلف على عرشه ملك آخر كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً آخر، ولا يدري هل أسلم أم لا‏؟‏‏.‏

2 ـ الكتاب إلى المقوقس ملك مصر (جُرَيْج بـن مَتَّي) ‏:‏
وكتــب النبــي صلى الله عليه وسلم إلى المُقَوْقِس ملك مصر والإسكندرية‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط، ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(2,64,64))‏‏)‏
واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بَلْتَعَة‏.‏ ‏

قال المقوقس فيما قاله لحاطب ‏:‏ إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمربمزهود فيه‏.‏ ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب،ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوي، وسأنظر‏.‏
وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد‏:‏
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهمامكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك‏)‏‏.‏

ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة دُلْدُل، بقيت إلى زمن معاوية ، واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مارية سرية له، وهيالتي ولدت له إبراهيم‏.‏ وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت الأنصاري‏.‏

3 ـ الكتاب إلى كسرى ملك فارس‏:‏
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فـارس، سـلام على من اتبع الهدي، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك‏)‏‏.‏

واختار لحمل هذا الكتاب عبد الله بن حذافة السهمي، فدفعه السهمي إلى عظيم البحرين، فلما قرئ الكتاب على كسرى مزقه، وقال في غطرسة‏:‏ عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏مزق الله ملكه‏)‏، وقد كان كما قال، فقد كتب كسرى إلى بَاذَان عامله على اليمن‏ لكي يرسل إلى رسول الله رجلين جلدين يحضرانه إليه، وبعثهما بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن ينصرف معهما إلى كسري، فلما قدما المدينة، وقابلا النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحدهما‏:‏ إن شاهنشاه ‏[‏ملك الملوك‏]‏ كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره بأن يبعث إليك من يأتيه بك، وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قولاً توعده فيه، فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يلاقياه غداً‏.‏

وفي ذلك الوقت علم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي أن كسرى قد قُتل على يد ابنه ، فلما غدوا عليه أخبرهما بذلك‏. ‏فقالا‏:‏ هل تدري ما تقول‏؟‏ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب هذا عنك، ونخبره الملك‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له‏:‏ إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى ‏!‏ وينتهي إلى منتهي الخف والحافر، وقولا له‏:‏ إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك، وملكتك على قومك من الأبناء‏)‏، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، وبعد قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه، وقال له شيرويه في كتابه‏:‏ انظر الرجل الذي كان كتب فيه أبي إليك، فلا تهجه حتى يأتيك أمري‏.‏
وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن‏.‏

4 ـ الكتاب إلى قيصر ملك الروم‏:‏
روى البخاري ـ ضمن حديث طويل ـ نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم هرقل، وهو هذا‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدي، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ‏{‏ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًاوَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(2,64,64))‏‏)‏ ‏[‏آلعمران‏:‏64‏]‏‏.‏
واختار لحمل هذا الكتاب دَحْيَة بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري، ليدفعه إلى قيصر، وقد روي البخاري عن ابن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، كانوا تجاراً بالشام، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال‏:‏ أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي‏؟‏ قال أبو سفيان‏:‏ فقلت‏:‏ أنا أقربهم نسباً،فقال‏:‏ أدنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه‏:‏ إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا على كذباً لكذبت عليه‏.‏

فسأله عدة أسئلة وابو سفيان يجيبه..ثم قال للترجمان‏:‏ قل له‏:‏ سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب،وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها‏.‏ وسألتك‏:‏ هل قال أحد منكم هذا القول قبله‏؟‏فذكرت أن لا‏.‏ قلت‏:‏ لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت‏:‏ رجل يأتسي بقول قيل قبله‏.‏ وسألتك‏:‏ هل كان من آبائه من ملك‏؟‏ فذكرت أن لا‏.‏ فقلت‏:‏ فلو كان منآبائه من ملك قلت‏:‏ رجل يطلب ملك أبيه‏.‏ وسألتك‏:‏ هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أنيقول ما قال‏؟‏ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب علىالله‏.‏ وسألتك‏:‏ أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم‏؟‏ فذكرت أن ضعفاء هم اتبعوه، وهم أتباع الرسل‏.‏ وسألتك‏:‏ أيزيدون أم ينقصون‏؟‏ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمرالإيمان حتى يتم‏.‏ وسألتك‏:‏ أيرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه‏؟‏ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب‏.‏ وسألتك‏:‏ هل يغدر‏؟‏ فذكرت أن لا،وكذلك الرسل لا تغدر‏.‏وسألتك‏:‏ بماذا يأمر‏؟‏ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله،ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف،فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنهأنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه‏.‏

ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، قال‏:‏ فقلت لأصحابي حين أخرجنا‏:‏ لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كَبْشَة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله على الإسلام‏.‏

هذا ما رآه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد كان من أثره عليه أنه أجاز دحية بن خليفة الكلبي، حامل كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمال وكسوة، ولما كان دحية بحِسْمَي في الطريق لقيه ناس من جُذَام، فقطعوها عليه، فلم يتركوا معه شيئاً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته، فأخبره،فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمي، وهي وراء وادي القري، فيخمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام، فقتل فيهم قتلاً ذريعاً، واستاق نَعَمهمونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، والسبي مائة من النساءوالصبيان‏.‏

وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرعزيد بن رِفَاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الاحتجاج إلى النبي صلى اللهعليه وسلم، وكان قد أسلم هو ورجال من قومه، ونصروا دحية حين قطع عليه الطريق فقبلالنبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه، وأمر برد الغنائم والسبي‏.‏
وعامة أهل المغازي يذكرون هذه السرية قبل الحديبية، وهو خطأ واضح،فإن بعث الكتـاب إلى قيـصر كـان بعد الحديبية ؛ ولذا قال ابن القيم‏:‏ هذا بعد الحديبية بلا شك‏.‏

5 ـ الكتاب إلى المنذر بن سَاوِي‏:‏
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏[‏أما بعد، يا رسول الله، فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهممن أحب الإسلام وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلى فيذلك أمرك‏]‏‏.‏
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى المنذر بنساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك‏.‏ ومن أقام على يهودية أومجوسية فعليه الجزية‏)‏‏.‏

6 ـ الكتاب إلى هَوْذَة بن علي صاحب اليمامة‏:‏
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن على صاحب اليمامة‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي،سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهي الخف والحافر، فأسلم تسلم،وأجعل لك ما تحت يديك‏)‏‏.‏
واختار لحمل هذا الكتاب سَلِيط بن عمرو العامري، فلما قدم سليط على هوذة بهذا الكتاب مختوماً أنزله وحياه، وقرأ عليه الكتاب، فرد عليه رداً دون رد،وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك‏)‏، وأجاز سليطاً بجائزة، وكساه أثواباً من نسج هجر‏.‏
فقدم بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه فقال‏:‏ ‏(‏لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد، وباد ما في يديه‏)‏‏.‏

فلما انصرف رسول الله من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة مات،فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبي، يقتل بعدي‏)‏، فقال قائل‏:‏ يا رسول الله، من يقتله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏أنت وأصحابك‏)‏، فكان كذلك‏؟‏‏.‏

7 ـ الكتاب إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني صاحب دمشق‏:‏
كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقي لك ملكك‏)‏‏.‏
واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة، ولماأبلغه الكتاب رمي به وقال‏:‏ ‏[‏من ينزع ملكي مني‏؟‏ أنا سائر إليه‏]‏، ولم يسلم‏. ‏واستأذن قيصر في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فثناه عن عزمه، فأجاز الحارث شجاع بن وهب بالكسوة والنفقة، ورده بالحسني‏.‏

8 ـ الكتاب إلى ملك عُمَان‏:‏
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم كـتاباً إلى ملـك عمان جَيْفَر وأخيه عبد ابني الجُلَنْدَي، ونصه‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدي، أما بعد‏:‏
فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما ‏[‏أن تقرا بالإسلام‏]‏ فإن ملككما زائل، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما‏)‏‏.‏
واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص رضي الله عنه قال عمرو‏:‏ فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد ـ وكان أحلم الرجلين، وأسهلهما خلقاً ـ فقلت‏:‏ إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك، فقال‏:‏ أخي المقدم على بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك.

ثم أخذ يسأله عما يدعو إليه رسوله..وماذا فعلت قريش به, وسأله بماذا يأمر دينه وعن ماذا ينهى..

قال عمرو ‏:‏ فمكثت ببابه أياماً، وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوماً فدخلت عليه، فأخذ أعوانه بضبعي فقال‏:‏ دعوه، فأرسلت فذهبت لأجلس،فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال‏:‏ تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففض خاتمه، وقرأ حتى انتهي إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أنيرأيت أخاه أرق منه، قال‏:‏ ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت‏؟‏ فقلت‏:‏ تبعوه، إما راغبفي الدين، وإما مقهور بالسيف‏.‏ قال‏:‏ ومن معه‏؟‏ قلت‏:‏ الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هدي الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحداً بقي غيرك في هذه الحَرجَة، وأنت إن لم تسلم اليوم وتبعته توطئك الخيل وتبيد خضراءك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال، قال‏:‏ دعني يومي هذا، وارجع إلى غداً‏.‏
فرجعت إلى أخيه فقال‏:‏ يا عمرو، إني لأرجو أن يسلم إن لم يَضِنَّ بملكه، حتى إذا كان الغد أتيت إليه، فأبي أن يأذن لي‏.‏ فانصرفت إلى أخيه، فأخبرتهأني لم أصل إليه، فأوصلني إليه، فقال‏:‏ إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلاً ما في يدي، وهو لاتبلغ خيله ها هنا، وإن بلغت خيله لقيت قتالاً ليس كقتال من لاقي‏.‏ قلت‏:‏ أنا خارج غداً، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال‏:‏ما نحن فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إلى، فأجاب إلىالإسلام هو وأخوه جميعاً، وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم، وخليا بيني وبين الصدقة،وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني‏.‏
وسياق هذه القصة تدل على أن إرسال الكتاب إليهما تأخر كثيراً عن كتب بقية الملوك، والأغلب أنه كان بعد الفتح‏.‏
وبهذه الكتب كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أبلغ دعوته إلى أكثر ملوك الأرض، فمنهم من آمن به ومنهم من كـفر، ولكن شغل فكره هؤلاء الكافرين، وعرف لديهم باسمه ودينه‏.

نور
03-28-2008, 12:30 PM
النشاط العسكري بعد صلح الحديبية

غزوة الغابة أو غزوة ذي قَرَد‏‏
غزوة خيبر ووادي القُري (‏في المحرم سنة 7 هـ‏)‏
سرية أبَان بن سعيد‏
بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة



غزوة الغابة أو غزوة ذي قَرَد‏‏
هذه الغزوة حركــة مطـاردة ضد فصيلة من بني فَزَارة -بقيادة عبد الرحمن الفزاري- قامت بعمل القرصنة في لِقَاحِ (الإبل الحوامل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وهي أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وقبل خيبر‏.‏

وخلاصة الروايات عن سلمة بن الأكوع بطل هذه الغزوة أنه قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع غلامه رَبَاح، وأنا معه بفرس أبي طلحة، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، فقلت‏:‏ يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلغه أبا طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمت على أكَمَة، واستتقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً‏:‏ يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل..
.................
‏ فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، فإذا أولهم أخرم، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود، فالتقي عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه، ولحق أبو قتادة بعبد الرحمن فطعنه فقتله، وولي القوم مدبرين، فتبعتهم أعدو على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له‏:‏ ذو قَرَد، ليشربوا منه، وهم عطاش، فأجليتهم عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم والخيل عشاء، فقلت‏:‏ يا رسول الله، إن القوم عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما عندهم من السَّرْح، وأخذت بأعناق القوم، فقال‏:‏ ‏(‏يا بن الأكوع‏.‏ ملكت فأسجح‏)‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏إنهم ليقرون الآن في غطفان‏)‏‏.‏
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة‏)‏‏.‏ وأعطاني سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه على العَضْبَاء راجعين إلى المدينة‏.‏
استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في هذه الغزوة ابن أم مكتوم، وعقد اللواء للمقداد بن عمرو‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
غزوة خيبر ووادي القُري (‏في المحرم سنة 7 هـ‏)‏

وكانت في أواخر المحرم للسنة السابعة من الهجرة.
و (خيبر) واحة كبيرة يسكنها اليهود على مسافة مائة ميل من شمال المدينة جهة الشام.

وسببها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمن جانب قريش بالصلح الذي تم في الحديبية، قرر تصفية مشكلة التجمعات اليهودية فيما حول المدينة بعد أن صفى اليهود من المدينة نفسها، وقد كان لليهود في خيبر حصون منيعة، وكان فيها نحو من عشرة آلاف مقاتل، وعندهم مقادير كبيرة من السلاح والعتاد، وكانوا أهل مكر وخبث وخداع، فلا بد من تصفية مشكلتهم قبل أن يصبحوا مصدر اضطراب وقلق للمسلمين في عاصمتهم (المدينة) ولذلك أجمع الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج إليهم في أواخر المحرم.
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
الخروج إلى خيبر‏
قال المفسرون‏:‏ إن خيبر كانت وعدا وعدها الله تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 20‏]‏ يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر‏.‏

فخرج إليهم في ألف وستمائة مقاتل، منهم مائتا فارس، واستنفر من حوله ممن شهد الحديبية، وسار حتى إذا أشرف على خيبر قال لأصحابه: قفوا، ثم عاد فقال: « اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن [حملن] ، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله».

اتصال المنافقين باليهود‏‏
فقد أرسل رأس المنافقين عبد الله بن أبي إلى يهود خيبر يحذرهم.. فلما علم ذلك أهل خيبر، أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق وهَوْذَة بن قيس إلى غطفان يستمدونهم ؛ لأنهم كانوا حلفاء يهود خيبر، ومظاهرين لهم على المسلمين، وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا المسلمين‏.‏

الطريق إلى خيبر‏
وسلك رسول صلى الله عليه وسلم في اتجاهه نحو خيبر جـبل عــصر ـ بالكسر، وقيل‏:‏ بالتحريك ـ ثم على الصهباء، ثم نزل على واد يقال له‏:‏ الرجيع، وكان بينه وبين غطفان مسيرة يوم وليلة، فتهيأت غطفان وتوجهوا إلى خيبر، لإمداد اليهود، فلما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حساً ولغطاً، فظنوا أن المسلمين أغاروا على أهاليهم وأموالهم فرجعوا، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر‏.‏

ثم سلك طريق مَرْحَب إلى خيبر..

بعض ما وقع في الطريق‏
1 ـ عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر‏:‏ يا عامر، ألا تسمعنا من هنيهاتك‏؟‏ ـ وكان عامر رجلاً شاعراً ـ فنزل يحدو بالقوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من هذا السائق‏)‏ قــالوا‏:‏ عــامر بــن الأكوع، قال‏:‏ ‏(‏يرحمه الله‏)‏‏:‏ قال رجل من القوم‏:‏ وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به‏.‏
وكانوا يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لإنسان يخصه إلا استشهد ، وقد وقع ذلك في حرب خيبر‏.‏

2 ـ ولما دنا من خيبر وأشرف عليها قال‏:‏ ‏(‏قفوا‏)‏، فوقــف الجيش، فــقال‏:‏ ‏(‏اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، أقدموا، بسم الله‏)‏‏.‏

الجيش الإسلامي إلى أسوار خيبر‏‏
وبات المسلمون الليلة الأخيرة قريبًا من خيبر، ولا تشعر بهم اليهود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي قومًا بليل لم يقربهم حتى يصبح، فلما أصبح صلي الفجر بغَلَس، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون، بل خرجوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا‏:‏ محمد، والله محمد والخَمِيس (الجيش)، ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الله أكبر، خربت خيبر، الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين‏)‏‏.‏

حصون خيبر‏‏
وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيها خمسة حصون‏:‏
1 ـ حصن ناعم‏.‏ 2 ـ حصن الصَّعْب بن معاذ‏.‏
3 ـ حصن قلعة الزبير‏.‏ 4 ـ حصن أبي‏.‏
5 ـ حصن النِّزَار‏.‏

والحصون الثلاثة الأولي منها كانت تقع في منطقة يقال لها‏:‏ ‏(‏النطاة‏)‏ وأما الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمي بـ (الشَّقِّ)‏.‏

أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون فقط‏:‏
1 ـ حصن القَمُوص ‏[‏وكان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير‏]‏‏.‏
2 ـ حصن الوَطِيح‏.‏
3 ـ حصن السُّلالم‏.‏
وفي خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية، إلا أنها كانت صغيرة، لا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
معسكر الجيش الإسلامي‏‏

ولما وصلوا إليها نزل النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من أحد حصون خيبر يسمى (حصن النطاة) وقد جمعوا فيه مقاتلتهم، فأشار الحباب بن المنذر بالتحول، لأنه يعرف أهل النطاة معرفة جيدة، وليس قوم أبعد مدى ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون على مواقع المسلمين، فالنبل منهم سريع الانحدار إلى صفوف المسلمين، ثم إنهم قد يباغتون المسلمين في الليل مستترين بأشجار النخيل الكثيرة، فتحول الرسول مع المسلمين إلى موضع آخر.
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
التهيؤ للقتال وبشارة الفتح‏‏
ولما كانت ليلة الدخول ـ وقيل‏:‏ بل بعد عدة محاولات ومحاربات ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ‏[‏يفتح الله على يديه ‏]‏‏)‏ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال‏:‏ ‏(‏أين علي بن أبي طالب‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله، هو يشتكي عينيه، قال‏:‏ ‏(‏فأرسلوا إليه‏)‏، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرئ، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال‏:‏ يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال‏:‏ ‏(‏انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم‏)‏‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
بدء المعركة وفتح حصن ناعم‏‏
وابتدأت المعارك، وأول حصن هاجمه المسلمون من حصونهم الثمانية هو حصن ناعم‏.‏
وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف‏.‏ وأخذ المسلمون يفتتحون منها حصنا بعد حصن، إلا الحصنين الأخيرين، فقد رغب أهلها في الصلح على حقن دماء المقاتلة، وترك الذرية والخروج إلى أرض خيبر بذراريهم، وألا يصحب أحد منهم إلا ثوبا واحدا، فصالحهم على ذلك، وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم إن كتموا شيئا، ثم غادروهما فوجد المسلمون فيهما أسلحة كثيرة، وصحائف متعددة من التوراة، فجاء اليهود بعد ذلك يطلبونها، فأمر بردها إليهم.
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
فتح حصن الصعب بن معاذ‏‏
وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة‏.‏
روي ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا‏:‏ لقد جهدنا، وما بأيدينا من شيء، فقال‏:‏ ‏(‏اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غَنَاء، وأكثرها طعامًا ووَدَكًا‏)‏‏.‏ فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعامًا وودكًا منه‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
فتح قلعة الزبير‏
وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل حصون النَّطَاة إلى قلعة الزبير، وهو حصن منيع في رأس قُلَّةٍ ، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصار، وأقام محاصرًا ثلاثة أيام، فجاء رجل من اليهود، وقال‏:‏ يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا ما بالوا، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك‏.‏ فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
فتح قلعة أبي‏
وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء‏.‏ وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجري قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
فتح حصن النَّزَار‏
كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلا للاقتحام فيه‏.‏ أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، وللاشتباك مع قوات المسلمين، ولكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة‏.‏
وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا به القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخري، بل فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم‏.‏

وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النَّطَاة والشَّقِّ، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخري إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
فتح الشطر الثاني من خيبر‏
ولما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح ناحية النطاة والشق، تحول إلى أهل الكتيبة التي بها حصن القَمُوص‏:‏ حصن بني أبي الحُقَيْق من بني النضير، وحصن الوَطِيح والسُّلالم، وجاءهم كل فَلِّ كان انهزم من النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن‏.‏
فلما أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الناحية ـ الكتيبة ـ فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يومًا، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح‏.‏

وبعد المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد‏‏
وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالا كثيرا لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير‏.‏
وذكر ابن القيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابني أبي الحقيق، وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هو ابن عم كنانة‏.‏
وسبي رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروسًا حديثة عهد بالدخول‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
الغنائم‏‏
روى البخاري ما يدل على كثرة مغانم خيبر ..عن ابن عمر قال‏:‏ ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة قالت‏:‏ لما فتحت خيبر قلنا‏:‏ الآن نشبع من التمر ، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين‏‏
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه‏.‏

ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقَبَّلَ ما بين عينيه وقال‏:‏ ‏(‏والله ما أدري بأيهما أفرح‏؟‏ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر‏)‏‏.‏
وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري يطلب توجيههم إليه، فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم جاءوا إلى المدينة قبل ذلك‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
الزواج بصفية‏‏
ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كِنَانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال‏:‏ يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فقال‏:‏ اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال‏:‏ ‏(‏ادعوه بها‏)‏‏.‏ فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خذ جارية من السبي غيرها‏)‏، وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعًا إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروسًا بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسَّوِيق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها‏.‏
ورأى بوجهها خضرة، فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي‏.‏ فقال‏:‏ تمنين هذا الملك الذي بالمدينة‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
أمر الشاة المسمومة‏
أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم، شاة مَصْلِيَّةً، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقيل لها‏:‏ الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع، فَلاَكَ منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال‏:‏ ‏(‏إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم‏)‏، ثم دعا بها فاعترفت، فقال‏:‏ ‏(‏ما حملك على ذلك‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ قلت‏:‏ إن كان ملكًا استرحت منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها‏.‏
وكان معه بِشْر بن البراء بن مَعْرُور، أخذ منها أكلة فأساغها، فمات منها‏.‏
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولا، فلما مات بشر قتلها قصاصا‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/5f864536f1.gif
القتلى:
وقد بلغ عدد قتللى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين، واستشهد من المسلمين خمسة عشر.

http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif
فَـدَك‏‏
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بعث مُحَيِّصَة بن مسعود إلى يهود فَدَك، ليدعوهم إلى الإسلام، فأبطأوا عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما عامل عليه أهل خيبر، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة؛ لأنه لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif
وادي القُرَي‏
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القري، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب‏.‏
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مِدْعَم ـ عَبْدٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال الناس‏:‏ هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلا، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا‏)‏، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشِرَاك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏شراك من نار أو شراكان من نار‏)‏‏.‏

ثم عَبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فتبارزوا حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام‏.‏
وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا‏.‏
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القري أربعة أيام‏.‏ وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها ـ كما عامل أهل خيبرـ‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif
تَيْمَـــاء‏‏
استسلموا وبعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بأموالهم‏.‏ وكتب لهم بذلك كتابا وهاك نصه‏:‏ هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif
العودة إلى المدينة‏
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير‏:‏ ‏(‏الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا‏)‏‏.‏

وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif

سرية أبَان بن سعيد‏
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما كان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجبًا عليه، فوافي النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد افتتحها‏.‏
والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7هـ، وقد ورد ذكرها في البخاري‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ لم أعرف حال هذه السرية‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif
بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة
غزوة ذات الرِّقَاع‏
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب الثلاثة تفرغ تمامًا للالتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخري‏.‏
ولفرض الشوكة ـ أو لاجتماع البدو الذين كانوا يتحشدون للإغارة على أطراف المدينة ـ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع‏.‏

وملخص ما ذكره أهل السير حول هذه الغزوة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع بني أنمار أو بني ثعلبة وبني مُحَارِب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعمائة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له‏:‏ نخل، على بعد يومين من المدينة، ولقي جمعاً من غطفان، فتقاربوا وأخاف بعضهم بعضاً ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف‏.‏وفي رواية البخاري‏:‏ وأقيمت الصلاة فصلي بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلي بالطائفة الأخري ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان‏.‏

وفي البخاري عن جابر‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق الناس في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه‏.‏ قال جابر‏:‏ فنمنا نومة، فجاء رجل من المشركين‏:‏ فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ أتخافني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، قال‏:‏ فمن يمنعك مني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الله‏)‏‏.‏ قال جابر‏:‏ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتًا‏.‏ فقال لي‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قلت‏:‏ الله، فها هو ذا جالس‏)‏، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية أبي عوانة‏:‏ فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏(‏من يمنعك مني‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ كـن خـير آخـذ، قال‏:‏ ‏(‏تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏؟‏‏)‏ قال الأعرابي‏:‏ أعاهدك على ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال‏:‏ فخلي سبيله، فجاء إلى قومه، فقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس‏.‏

كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعد الغزوة نري أن هذه القبائل من غطفان لم تجترئ أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئاً فشيئاً حتى استسلمت، بل وأسلمت، حتى نري عدة قبائل من هذه الأعراب تقوم مع المسلمين في فتح مكة، وتغزو حُنَيْناً، وتأخذ من غنائمها، ويبعث إليها المصدقون فتعطي صدقاتها بعد الرجوع من غزوة الفتح، فبهذا تم كسر الأجنحة الثلاثة التي كانت ممثلة في الأحزاب، وساد المنطقة الأمن والسلام، واستطاع المسلمون بعد ذلك أن يسدوا بسهولة كل خلل وثلمة حدثت في بعض المناطق من بعض القبائل، بل بعد هذه الغزوة بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ؛ لأن الظروف في داخل البلاد كانت قد تطورت لصالح الإسلام والمسلمين‏.‏
http://www.arb-msn.com/up/uploads/a53d4ea2dc.gif

وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شوال سنة 7 هـ‏.‏

وبعث في خلال ذلك عدة سرايا‏.‏ وهاك بعض تفصيلها‏:‏
1 ـ سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني المُلَوَّح بُقدَيْد، في صفر أو ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏ كان بنو الملوح قد قتلوا أصحاب بشير بن سُوَيْد، فبعثت هذه السرية لأخذ الثأر، فشنوا الغارة في الليل فقتلوا من قتلوا، وساقوا النعم، وطاردهم جيش كبير من العدو، حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل عظيم حال بين الفريقين‏.‏ ونجح المسلمون في بقية الانسحاب‏.‏

2 ـ سرية حِسْمَي، في جمادي الثانية سنة 7 هـ، وقد مضي ذكرها في مكاتبة الملوك‏.‏

3 ـ سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة، في شعبان سنة 7 هـ، ومعه ثلاثون رجلاً‏.‏ كانوا يسيرون الليل ويستخفون في النهار، وأتي الخبر إلى هوازن فهربوا، وجاء عمر إلى محالهم فلم يلق أحداً، فانصرف راجعاً إلى المدينة‏.‏

4 ـ سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بناحية فَدَك، في شعبان سنة 7هـ في ثلاثين رجلاً‏.‏ خرج إليهم واستاق الشاء والنعم، ثم رجع فأدركه الطلب عند الليل، فرموهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه، فقتلوا جميعاً إلا بشير، فإنه ارْتُثَّ إلى فدك، فأقام عند يهود حتى برأت جراحه، فرجع إلى المدينة‏.‏

5 ـ سرية غالب بن عبد الله الليثي، في رمضان سنة 7 هـ إلى بني عُوَال وبني عبد ابن ثعلبة بالمَيْفَعَة، وقيل إلى الحُرَقَات من جُهَيْنَة، في مائة وثلاثين رجلاً، فهجموا عليهم جميعاً، وقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء، وفي هذه السرية قتل أسامةُ بن زيد نَهِيكَ بن مِرْدَاس بعد أن قال‏:‏ لا إله إلا الله، فلما قدموا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كبر عليه وقال‏:‏ ‏(‏أقتلته بعد ما قال‏:‏ لا إله إلا الله‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ إنما قالها متعوذاً قال‏:‏ ‏(‏فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب‏؟‏‏)‏‏.‏

6 ـ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر، في شوال سنة 7 هـ في ثلاثين راكبًا‏.‏ وذلك أن أسِير أو بشير بن زارم كان يجمع غطفان لغزو المسلمين، فأخرجوا أسيرًا في ثلاثين من أصحابه، وأطمعوه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمله على خيبر، فلما كانوا بقَرْقَرَة نِيَار وقع بين الفريقين سوء ظن أفضي إلى قتل أسير وأصحابه الثلاثين‏.‏ ذكر الواقدي هذه السرية في شوال سنة ست قبل خيبر بأشهر‏.‏

7 ـ سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجَبار ‏[‏بالفتح، أرض لغطفان، وقيل‏:‏ لفَزَارَة وعُذْرَة‏]‏، في شوال سنة 7 هـ في ثلاثمائة من المسلمين، للقاء جمع كبير تجمعوا للإغارة على أطراف المدينة، فساروا الليل وكمنوا النهار، فلما بلغهم مسير بشير هربوا، وأصاب بشير نعما كثيرة، وأسر رجلين، فقدم بهما المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما‏.‏

8 ـ سرية أبي حَدْرَد الأسلمي إلى الغابة، ذكرها ابن القيم في سرايا السنة السابعة قبل عمرة القضاء، وملخصها‏:‏ أن رجلا من جُشَم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيسًا على محاربة المسلمين‏.‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم، فوصلوا إلى القوم مع غروب الشمس، فكمن أبو حدرد في ناحية، وصاحباه في ناحية أخري، وأبطأ على القوم راعيهم حتى ذهبت فحمة العشاء، فقام رئيس القوم وحده، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم يتكلم، فاحتز أبو حدرد رأسه، وشد في ناحية العسكر، وكبر، وكبر صاحباه وشدا، فما كان من القوم إلا الفرار، واستاق المسلمون الثلاثة الكثير من الإبل والغنم‏.‏

نور
03-28-2008, 12:32 PM
قبل أن نتابع باقي الغزوات..يجب أن نقف مع الصراع مع اليهود في المدينة:

أولا..أسباب عداوة اليهود للمسلمين:

1. أن الله سبحانه وتعالى خص العرب بآخر نبي ولم يجعله منهم..

2. أدركوا بأن طمعهم في أن تكون لهم السيادة على المدينة؛ في خطر وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار في عقيدة واحدة..

3. لم يعد بإمكانهم الاستفادة من الخلافات السابقة بين الأوس والخزرج.

4. لم يعد بإمكانهم احتكار التجارة لمصالحهم الشخصية..


http://www.arb-msn.com/up/uploads/c21e32eeb9.jpghttp://www.arb-msn.com/up/uploads/c21e32eeb9.jpghttp://www.arb-msn.com/up/uploads/c21e32eeb9.jpg


ثانيا..مظاهر عدوان اليهود:

1. حاولوا تعجيز النبي والتشكيك في نبوته..

2. حاولوا سحره وحاولوا اغتياله.

3. تآمروا مع المنافقين والمشركين في مكة ضد المسلمين..

4. حاولوا الوقيعة بين الأوس والخزرج..


http://www.arb-msn.com/up/uploads/c21e32eeb9.jpghttp://www.arb-msn.com/up/uploads/c21e32eeb9.jpghttp://www.arb-msn.com/up/uploads/c21e32eeb9.jpg


ثالثا..بعض العبر والعظات من المعارك التي خاضها المسلمون مع اليهود (بني النضير-بني قريظة-خيبر):


*كشفت هذه المعارك عن الصفات النفسية والعدوانية لدى اليهود والمتمثلة في:


1. الحقد اليهودي لانتصار المسلمين في معركة بدر..فهم يفرحون لانتصار المشركين ويحزنون لانتصار المسلمين.

2. الطبيعة المتآمرة لليهود عبر التاريخ مع أعداء المسلمين.

3. الغدر ونقض العهود.

4. استخدامهم لمختلف الوسائل العدوانية القبيحة ليحصلوا على مرادهم..

5. اعتدادهم بالأسباب المادية وظنهم بأنها ستمنعهم من المسلمين..


* عرض القرآن لأحداث غزوة بني النضير في سورة الحشر يؤكد على حقيقة أن النصر من عند الله.

(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر).

وعلى أن السلاح الرباني لا يخطئ أبدا..

(فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)..


* أحكام فقهية مستنبطة:

1. جواز قِتال من نقضَ العهد من المشركين.


2. تحريم لحوم الحمر الأهلية..

وهنا تفصيل الفتوى..

http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=804&Option=FatwaId (http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=804&Option=FatwaId)


3. كل مجتهد في الفروع مصيب فلا يُعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد, وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا بسبب اجتهاده.


4. جواز تأخير الصلاة لمن اشتغل بأمر الحرب.


5. جواز محاربة الكفار ومقاتلتهم في الأشهر الحرم.


6. جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم.


7. قبول هدية الكافر..

نور
03-28-2008, 12:33 PM
عمرة القضاء
لما هَلَّ ذوالقعدة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية،فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوي النساء والصبيان‏.‏ وساق ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن جُنْدُب الأسلمي، وأحرم للعمرة من ذي الحُلَيْفَة، ولبي، ولبي المسلمون معه، وخرج مستعداً بالسلاح والمقاتلة، خشية أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يَأجُج وضع الأداة كلها‏:‏ الحَجَف والمِجَانّ والنَّبْل والرِّماح، وخلف عليها أوس بن خَوْلِي الأنصاري في مائتي رجل، ودخل بسلاح الراكب‏:‏السيوف في القُرُب‏.‏

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحَجُون ـ وقد صف المشركون ينظرون إليه ـ .
فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمِحْجَنِه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز متوشحاً بالسيف.‏
فقال عمر‏:‏ يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر‏؟‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏خَلِّ عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل‏)‏‏.‏

ورَمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا‏:‏ هؤلاء الذين زعمتم أن الحمي قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذاوكذا‏.‏
ولما فرغ من الطواف سعي بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قال‏:‏ ‏(‏هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر‏)‏، فنحر عند المروة، وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، ثم بعث ناساً إلى يَأْجُج، ليقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون فيقضون نسكهم ففعلوا‏.‏

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فلما أصبح مناليوم الرابع أتوا علياً فقالوا‏:‏ قل لصاحبك‏:‏ اخرج عنا فقد مضي الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بسَرِف فأقام بها‏.‏

ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادى، يا عم يا عم، فتناولها علي، واختصم فيها على وجعفر وزيد، فقضي النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر ؛لأن خالتها كانت تحته‏.‏

زواجه بميمونة بنت الحارث
وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها إياه، وبني بهابسرف‏.‏


وسميت هذه العمرة بـ عمرة القضاء ؛ إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحُدَيْبِيَة، أو لأنها وقعت حسب المقاضاة ـ أي المصالحة ـ التي وقعت في الحديبية،والوجه الثاني رجحه المحققون، وهذه العمرة تسمي بأربعة أسماء‏:‏ القضاء، والقَضِيَّة، والقصاص، والصُّلح‏.‏

السرايا بعد هذه العمرة:
وقــد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرجـوع مـن هذهالعمرة عدة سرايا، وهي كما يلي‏:‏
1ـ سرية ابن أبي العوجاء، في ذي الحجة سنة 7 هـ في خمسين رجلاً‏.‏بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سُلَيْم ؛ ليدعوهم إلى الإسلام، فقالوا‏:‏ لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتالاً شديداً‏.‏ جرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو‏.‏

2ـ سرية غالب بن عبد الله إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفَدَك، في صفر سنة 8 هـ‏.‏ بعث في مائتي رجل، فأصابوا من العدو نعما، وقتلوا منهم قتلي‏.‏

3ـ سرية ذات أطلح في ربيع الأول سنة 8 هـ‏.‏ كانت بنو قُضَاعَة قد حشدت جموعاً كبيرة للإغارة على المسلمين، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلمكعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلاً، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهـم، وأرشقوهم بالنبل حتى استشهد كلهم إلا رجل واحد، فقد ارْتُثَّ من بين القتلي‏.‏

4ـ سرية ذات عِرْق إلى بني هوازن، في ربيع الأول سنة 8 هـ‏.‏ كانتبنو هوازن قد أمدت الأعداء مرة بعد أخري فأرسل إليها شُجَاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلاً، فاستاقوا نَعَما من العدو، ولم يلقوا كيداً‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/5ba28bce39.gif

معركة مؤتة
وهذه المعركة أكبر لقاء مُثْخِن، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون فيحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مقدمة وتمهيد لفتوح بلدان النصاري، وقعت فيجمادي الأولي سنة 8 هـ.

و (مؤتة) قرية على مشارف الشام، تسمى الآن بـ (الكرك) جنوب شرق البحر الميت.

سبب المعركة‏
وسبب هذه المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَي‏.‏ فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكانعاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه‏.‏
وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب‏.‏

أمراء الجيش ووصية رسول الله صلى الله عليهوسلم إليهم‏
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال‏:‏ ‏(‏إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة‏)‏ ، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة‏.‏
وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا مَنْ هناك إلىالإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم‏:‏ ‏(‏اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولاتهدموا بناء‏)‏‏.‏


تحرك الجيش الإسلامي، ومباغتته حالةرهيبة‏‏
وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان، من أرضالشام، مما يلي الحجاز الشمإلى، وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآبمن أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لَخْم وجُذَام وبَلْقَيْن وبَهْرَاء وبَلِي مائة ألف‏.‏

المجلس الاستشاري بمَعَان‏
تشاور المسلمون على أن يكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يمدهم بالرجال، وإما أن يأمرهم بأمر آخر..

ولكن عبد الله بن رواحة عارض هذا الرأي، وشجع الناس، قائلاً‏:‏ ياقوم، والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون‏:‏ الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدي الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة‏.‏ وأخيراً استقر الرأي على ما دعا إليه عبدالله بن رواحة‏.‏

بداية القتال، وتناوب القواد‏
وابتدأ القتال، فقاتل زيد حتى قتل، ثم استلم اللواء بعده جعفر بن أبي طالب، فقاتل على فرسه، ثم اضطر للنزول عنها فقاتل مترجلا، فقطعت يمينه ، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاحتضن اللواء حتى قتل رضي الله عنه، ووجد فيه بضع وسبعون جرحا ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل، ثم اتفق المسلمون على إمرة خالد بن الوليد للجيش - وكانت هذه أول معركة يحضرها في الإسلام-.
وقد روي البخاري عن خالد بن الوليد قال‏:‏ لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية‏.‏
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي،قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال‏:‏ ‏(‏أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم‏)‏‏.‏

نهاية المعركة‏
ومع الشجاعة البالغة والبسالة والضراوة المريرتين، كان مستغرباً جداً أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أما تيارات ذلك البحر الغطمطم من جيوش الروم‏.‏ ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته ونبوغه في تخليص المسلمين مما ورطوا أنفسهم فيه‏.‏
وما زال يستعمل دهاءه الحربي حتى أنقذ الجيش الإسلامي من الفناء، ثم عاد به إلى المدينة.

خطة خالد
لما أصبح اليوم الثاني غيّر أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمته ساقه، وميمنته ميسرة، وعلى العكس، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم، وقالوا‏:‏ جاءهم مدد، فرعبوا، وصار خالد ـ بعد أن تراءي الجيشان، وتناوشا ساعة ـيتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً، مع حفظ نظام جيشه، ولم يتبعهم الرومان ظناً منهم أنالمسلمين يخدعونهم، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء‏.‏
وهكذا انحاز العدو إلى بلاده، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين، حتى عادوا إلى المدينة‏.‏

قتلى الفريقين‏‏
كانت هذه أول معركة يخوضها المسلمون خارج جزيرة العرب ضد الروم,
واستشهد يومئذ من المسلمين اثنا عشر رجلاً، أما الرومان، فلم يعرف عدد قتلاهم، غير أن تفصيل المعركة يدل على كثرتهم‏.‏

أثر المعركة‏‏
--أولا.. لم يحصل المسلمون بها على الثأر، الذي عانوا مرارتها لأجله.

-- لكنها كانت كبيرة الأثر لسمعة المسلمين، وأكدت على أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته، وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله، وأن صاحبهم رسول الله حقاً‏.

--‏ ومن آثارها, أن الكثير من القبائل جنحت بعد هذه المعركة إلى الإسلام، فأسلمت بنو سُلَيْم وأشْجَع وغَطَفَان وذُبْيَان وفَزَارَة وغيرها‏.‏

--وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان، فكانت توطئة وتمهيداً لفتوح البلدان الرومانية، واحتلال المسلمين الأراضي البعيدة النائية‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/5ba28bce39.gif

سرية ذات السَّلاسِل‏‏
سببها::لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموقف القبائل العربية ـالتي تقطن مشارف الشام ـ في معركة مؤتة من اجتماعهم إلى الرومان ضد المسلمين، شعر بمسيس الحاجة إلى القيام بحكمة بالغة توقع الفرقة بينها وبين الرومان، وتكون سبباً للائتلاف بينها وبين المسلمين، حتى لا تتحشد مثل هذه الجموع الكبيرة مرة أخري‏.‏

واختار لتنفيذ هذه الخطة عمرو بن العاص ؛ فبعثه إليهم في جمادي الآخرة سنة 8 هـ على إثر معركة مؤتة ؛ ليستألفهم، ويقال‏:‏ بل نقلت الاستخبارات أن جمعاً من قُضَاعَة قد تجمعوا، يريدون أن يدنوا من أطراف المدينة، فبعثه إليه، ويمكن أن يكون السببان اجتمعا معاً‏.‏

وأمره أن يستعين بمن مر به من بَلِي وعُذْرَةَ وبَلْقَيْنِ‏.‏ فسار الليل وَكمَنَ النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فبعث رافع بن مَكِيثٍ الجُهَنِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، وعقد له لواء، وبعث له سراة المهاجرين والأنصار ـ فيهم أبو بكر وعمر ـوأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا‏.‏ فلما لحق به أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو‏:‏ إنما قدمت على مددا، وأنا الأمير، فأطاعه أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس‏.‏

وسار حتى وطئ بلاد قُضَاعَة، فدوخها حتى أتي أقصي بلادهم، ولقي فيآخر ذلك جمعاً، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا‏.‏

وذات السلاسل ‏[‏بضم السين الأولي وفتحها‏:‏ لغتان‏]‏ بقعة وراء وادي القُرَي، بينها وبين المدينة عشرة أيام‏.‏ وذكر ابن إسحاق أن المسلمين نزلوا على ماء بأرض جُذَام يقال له‏:‏ السلسل، فسمي ذات السلاسل‏.‏

http://www.arb-msn.com/up/uploads/5ba28bce39.gif

سرية أبي قتادة إلى خضرة‏
كانت هذه السرية في شعبان سنة 8 هـ ؛ وذلك لأن بني غَطَفَان كانوا يتحشدون في خَضِرَة ـ وهي أرض مُحَارِب بنَجْد ـ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلاً، فقتل منهم، وسَبَي وغنم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة‏.‏

نور
03-28-2008, 12:35 PM
•.•°•.غزوة فتح مكة.•°•.•

قال ابن القيم‏:‏ هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين , واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين , من أيدي الكفار والمشركين , وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء , وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء , ودخل الناس به في دين الله أفواجا , وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا . اهـ.

سبب الغزوة‏‏
نقضت قريش بنداً من بنود المعاهدة بمعونتها قبيلة بني بكر على خزاعة فأصابوا منهم رجالاً، وتناوشوا واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل
وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي ، فخرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس, فقال ‏:‏

يارب إني ناشد محمدا.......حلفنا وحلف أبيه الأتلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا.......ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا.......وقتلونا ركعا وسجدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا.......وادع عباد الله يأتوا مددا


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نصرت يا عمرو بن سالم) .
أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح‏
و سرعان ما أحست قريش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلساً استشارياً، وقررت أن تبعث قائدها أبا سفيان ممثلاً لها ليقوم بتجديد الصلح‏.‏
ولم يستطع أبو سفيان عمل شيء ولم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث معه فضلاً عن تجديد الصلح فرجع لقريش خائباً .

التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء‏‏
وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بتجهيز الجيش الإسلامي لغزو مكة وتكتم المسلمون على الأمر
ولما حاول حاطب بن أبي بلتعة كشف الأمر لقريش ، ليحمي أهله في مكة أوحى الله لنبيه صلى الله عليه وسلم برسالة حاطب فلم تصل لقريش . وقد تاب الله على حاطب .
فلم يبلغ إلى قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وتهيئهم للزحف والقتال‏.‏

الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة‏‏
ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك 8 هـ، غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة متجهاً إلى مكــة، في عشرة ألاف من الصحابة رضي الله عنهم، واستخـلف على المدينة أبا رُهْم الغفاري‏.‏
ولما كان بالجُحْفَة ـ أو فوق ذلك ـ لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً، ثم لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان ابن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية، فأعرض عنهما، لما كان يلقاه منهما من شدة الأذي والهجو، ثم قبلهما . وأسلما .

الجيش الإسلامي ينزل بمَرِّ الظَّهْرَان‏‏
وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، ثم فأفطر، وأفطر الناس معه‏.‏ و نزل بمر الظهران ـ وادي فاطمة ـ نزله عشاء، فأمر الجيش، فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار.

أبو سفيان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏
وجاء أبو سفيان مع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، فلما رآه قال‏:‏ ‏(‏ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك‏؟‏ لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغني عني شيئاً بعد‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله‏؟‏‏)‏، قال‏:‏ بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك‏:‏ أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيء‏.‏ فقال له العباس‏:‏ ويحك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قبل أن تضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادة الحق‏.‏
قال العباس‏:‏ يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن‏)‏‏.‏

الجيش الإسلامي يغادر مر الظهران إلى مكة‏‏
وفي هذا الصباح ـ صباح يوم الثلاثاء للسابع عشر من شهر رمضان سنة 8 هـ ـ غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خَطْمِ الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها، ففعل.
فمرت القبائل على راياتها، كلما مرت به قبيلة قال‏:‏ يا عباس، من هذه‏؟‏ فيقول ـ مثلا ـ سليم، فيقول‏:‏ ما لى ولِسُلَيْم‏؟‏ ثم تمر به القبيلة فيقول‏:‏ يا عباس، من هؤلاء‏؟‏ فيقول‏:‏ مُزَيْنَة، فيقول‏:‏ ما لي ولمزينة‏؟‏ حتى نفذت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال‏:‏ مالي ولبني فلان‏؟‏ حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يري منهم إلا الحَدَق من الحديد، قال‏:‏ سبحان الله‏!‏ يا عباس، من هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال‏:‏ ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة‏.‏ ثم قال‏:‏ والله يا أبا الفضل، لقد أصبح مُلْكُ ابن أخيك اليوم عظيماً‏.‏ قال العباس‏:‏ يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال‏:‏ فنعم إذن‏.‏

قريش تباغت زحف الجيش الإسلامي‏
فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته‏:‏ يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به‏.‏ فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن‏.‏ قالوا‏:‏ قاتلك الله، وما تغني عنا دارك‏؟‏ قال‏:‏ ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن‏.‏ فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، ووبشوا أوباشاً لهم، وقالوا‏:‏ نقدم هؤلاء، فإن كان لقريش شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا‏.‏ فتجمع سفهاء قريش وأخِفَّاؤها مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالخَنْدَمَة ليقاتلوا المسلمين‏.

‏ الجيش الإسلامي يدخل مكة‏
وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الطريق التي كلفت الدخول منها‏.‏
فأما خالد وأصحابه فلم يلقهم أحد من المشركين إلا أناموه‏.‏ وقتل من أصحابه من المسلمين كُرْز بن جابر الفِهْرِي وخُنَيْس بن خالد بن ربيعة‏.‏ كانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً، وأما سفهاء قريش فلقيهم خالد وأصحابه بالخَنْدَمَة فناوشوهم شيئا من قتال، فأصابوا من المشركين اثني عشر رجلاً، فانهزم المشركون.
وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا‏.‏
وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحَجُون عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل المسجد الحرام ويطهره من الأصنام‏
ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول‏:‏ ‏{‏جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏81‏]‏، ‏{‏قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏49‏]‏ والأصنام تتساقط على وجوهها‏ .‏
وكان طوافه على راحلته، ولم يكن محرماً يومئذ، فاقتصر على الطواف، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها، فرأي فيها الصور، ورأي فيها صورة إبراهيم، وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ يستقسمان بالأزلام، فقال‏:‏ ‏(‏قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط‏)‏‏.‏ ورأي في الكعبة حمامة من عيدان، فكسرها بيده، وأمر بالصور فمحيت‏.‏

الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة ثم يخطب أمام قريش‏
ثم أغلق عليه الباب، وعلى أسامة وبلال، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب حتى إذا كان بينه وبينه ثلاثة أذرع وقف، وجعل عمودين عن يساره، وعموداً عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه ـ وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ـ ثم صلي هناك‏.‏ ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحد الله، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفاً ينتظرون ماذا يصنع‏؟‏ فأخذ بعضادتي الباب وهم تحته، فقال‏:‏
‏(‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثُرَة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين، إلا سِدَانَة البيت وسِقاية الحاج، ألاوقتيل الخطأ شبه العمد ـ السوط والعصا ـ ففيه الدية مغلظة، مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولاد‏.‏
يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب), ثم تلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير‏}‏‏.‏

لا تثريب عليكم اليوم
ثم قال‏:‏ ‏(‏يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال‏:‏ ‏(‏فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته‏:‏ ‏{‏لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ‏}‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء‏)‏‏.‏

مفتاح البيت إلى أهله
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده فقال‏:‏ اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك ـ وفي رواية أن الذي قال ذلك هو العباس ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أين عثمان بن طلحة‏؟‏‏)‏‏.‏ فدعي له، فقال له‏:‏ ‏(‏هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء) .

بلال يؤذن على الكعبة
وحانت الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد فيؤذن على الكعبة، وأبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد، والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب‏:‏ لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه‏.‏ فقال الحارث‏:‏ أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته‏.‏ فقال أبو سفيان‏:‏ أما والله لا أقول شيئًا، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء‏.‏ فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏:‏ ‏(‏لقد علمت الذي قلتم‏)‏ ثم ذكر ذلك لهم‏.‏
فقال الحارث وعتاب‏:‏ نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك‏.‏

صلاة الفتح أو صلاة الشكر
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثماني ركعات في بيتها ـ وكان ضحى ـ فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح، وأجارت أم هانئ حموين لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ‏)‏، وقد كان أخوها علي بن أبي طالب أراد أن يقتلهما، فأغلقت عليهما باب بيتها، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ذلك‏.‏

إهدار دم رجال من أكابر المجرمين
وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم عبد العزى بن خطل، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن الأخطل، كانت تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب، وهي التي وجد معها كتاب حاطب‏.‏
فأما ابن أبي سرح فجاء به عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشفع فيه، فحقن دمه، وقبل إسلامه بعد أن أمسك عنه رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله، وكان قد أسلم قبل ذلك وهاجر، ثم ارتد ورجع إلى مكة‏.‏
وأما عكرمة بن أبي جهل، ففر إلى اليمن، فاستأمنت له امرأته، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته، فرجع معها وأسلم وحسن إسلامه‏.‏
وأما ابن خطل فكان متعلقًا بأستار الكعبة، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فقال‏:‏ ‏(‏اقتله‏)‏ فقتله‏.‏
وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبدالله، وكان مقيس قد أسلم قبل ذلك، ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، ثم ارتد ولحق بالمشركين‏.‏
وأما الحارث فكان شديد الأذى لرسول الله بمكة، فقتله علي‏.‏
وأما هبار بن الأسود فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجرت، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها، ففر هبار يوم مكة ثم أسلم وحسن إسلامه‏.‏
وأما القينتان فقتلت إحداهما، واستؤمن للأخرى فأسلمت، كما استؤمن لسارة وأسلمت‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي، قتله على‏.‏ وذكر الحاكم أيضاً ممن أهدر دمه كعب بن زهير، وقصته مشهورة، وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح، ووحشي بن حرب، وهند بنت عتبة امرأه أبي سفيان، وقد أسلمت، وأرنب مولاه ابن خطل أيضاً قتلت، وأم سعد قتلت، فيما ذكر ابن إسحاق، فكملت العدة ثامنية رجال وست نسوة.

إسلام صفوان بن أمية، وفضالة بن عمير
لم يكن صفوان ممن أهدر دمه، لكنه بصفته زعيماً كبيراً من زعماء قريش خاف على نفسه وفر، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة، فلحقة عمير وهو يريد أن يركب البحر من جدة إلى اليمن فرده، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اجعلني بالخيار شهرين‏.‏ قال: ‏(‏أنت بالخيار أربعة أشهر‏)‏ ثم أسلم صفوان، وقد كانت امرأته أسلمت قبله، فأقرهما على النكاح الأول‏.‏

وكان فضالة رجلاً جريئا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الطواف؛ ليقتله، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما في نفسه فأسلم‏.‏

تخوف الأنصار من بقاء الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة
ولما تم فتح مكة على الرسول صلى الله عليه وسلم - وهي بلده ووطنه ومولده - قال الأنصار فيما بينهم‏:‏ أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها - وهو يدعو على الصفا رافعاً يديه - فلما فرغ من دعائة قال‏:‏ ‏(‏ماذا قلتم‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم‏)‏‏.‏

أخذ البيعة
وحين فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا‏.‏

إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة وعمله فيها
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يومًا يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الآيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها، ونادى مناديه بمكة‏:‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره‏.‏

السرايا والبعوث
1ـ ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان ـ سنة 8 هـ ـ ليهدمها وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم‏.‏ وكان سدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها‏.‏ ولما رجع إليها سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏هل رأيت شيئا‏؟‏‏)‏ قال ‏:‏ لا قال‏:‏ ‏(‏فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها‏)‏ فرجع خالد متغيظًا قد جرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال‏:‏ ‏(‏نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا‏)‏‏.‏

2ـ ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه وهو صنم لهذيل برهاط، على قرابة 150 كيلوا مترا شمال شرقي مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن‏:‏ ما تريد‏؟‏ قال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال‏:‏ لا تقدر على ذلك قال‏:‏ لم ‏؟‏ قال تمنع قال‏:‏ حتى الآن أنت على الباطل‏؟‏ ويحك فهل يسمع أو يبصر‏؟‏ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئا، ثم قال للسادن‏:‏ كيف رأيت‏؟‏ قال‏:‏ أسلمت لله‏.‏

3ـ وفي الشهر نفسه بعث سعد بن زيد بن الأشهلي في عشرين فارسًا إلى مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم، فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها‏:‏ ما تريد‏؟‏ قال‏:‏ هدم مناة، قال‏:‏ أنت وذاك، فأقبل إليها سعد، وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها، فقال لها السادن‏:‏ مناة دونك بعض عصاتك‏.‏ فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وكسره، ولم يجدوا في خزانته شيئًا‏.‏

4ـ ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال من نفس السنة ـ 8هـ ـ إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا‏:‏ أسلمنا، فجعلوا يقولون‏:‏ صبأنا، صبأنا‏.‏ فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيرًا، فأمر يومًا أن يقتل كل رجل أسيره فأبى ابن عمر وأصحابه حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال ‏:‏ ‏(‏اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالدًا‏)‏ مرتين‏.‏
وكانت بنو سليم هم الذين قتلوا أسراهم دون المهاجرين والأنصار وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم.

تلك هي غزوة فتح مكة، وهي المعركة الفاصلة والفتح الأعظم الذي قضى على كيان الوثنية قضاء باتًا، ولم يترك لبقائها مجالا ولا مبررا في ربوع الجزيرة العربية، فقد كانت عامة القبائل تنتظر ماذا يتمخض عنه العراك والاصطدام الذي كان دائرًا بين المسلمين والوثنيين وكانت تلك القبائل تعرف جيدا أن الحرم لا يسيطر عليه إلا من كان على الحق.

نور
03-28-2008, 12:37 PM
البعوث والسرايا بعد الرجوع من غزوة الفتح
وبعد الرجوع من هذا السفر الطويل الناجح أقام رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم بالمدينة يستقبل الوفود، ويبعث العمال، ويبث الدعاة، ويَكْبِتُ من بقيفيه الاستكبار عن الدخول في دين اللّه ‏.‏ وهاك صورة مصغرة من ذلك‏.‏
المصدقون‏‏
قد عرفنا أن رجوع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلىالمدينة كان في أواخر أيام السنة الثامنة، فما هو إلا أن استهل هلال المحرم من سنة 9 هـ، وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المُصَدِّقين إلى القبائل، وهذه هيقائمتهم‏:‏
1 ـ عُيَيْنَةُ بن حصن إلى بني تميم‏.‏
2 ـ يزيد بن الحُصَيْن إلى أسْلَم وغِفَار‏.‏
3 ـ عَبَّاد بن بشير الأشهلي إلى سُلَيْم ومُزَيْنَةَ‏.‏
4 ـ رافع بن مَكِيث إلى جُهَيْنَة‏.‏
5 ـ عمرو بن العاص إلى بني فَزَارَة‏.‏
6 ـ الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب‏.‏
7 ـ بشير بن سفيان إلى بني كعب‏.‏
8 ـ ابن اللُّتِْبيَّة الأزدي إلى بني ذُبْيَان‏.‏
9 ـ المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ـ وخرج عليه الأسود العنسي وهوبها‏.‏
10 ـ زياد بن لبيد إلى حضرموت‏.‏
11 ـ عدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد‏.‏
12 ـ مالك بن نُوَيْرَة إلى بني حَنْظَلَة‏.‏
13ـ الزِّبْرِقَان بن بدر إلى بني سعد ـ إلى قسم منهم‏.‏
14 ـ قيس بن عاصم إلى بني سعد ـ إلى قسم آخر منهم‏.‏
15 ـ العلاء بن الحضرمي إلى البحرين‏.‏
16 ـ علي بن أبي طالب إلى نجران ـ لجمع الصدقة والجزية كليهما‏.‏
لم يبعث هؤلاء العمال كلهم في المحرم سنة 9 هـ، بل تأخر بعث عدةمنهم إلى اعتناق الإسلام من تلك القبائل التي بعثوا إليها‏.‏
السرايا‏
وكما بعث المصدقون إلى القبائل، مَسَّتِ الحاجة إلى بعث عدة منالسرايا مع سيادة الأمن على عامة مناطق الجزيرة، وهاك لوحة تلك السرايا‏:‏
1ـ سرية عيينة بن حصن الفزاري ـ في المحرم سنة 9 هـ ـ إلى بني تميم،، وسببها‏:‏ أن بني تميم كانوا قدأغروا القبائل، ومنعوهم عن أداء الجزية‏.‏
2ـ سرية قُطْبَة بن عامر إلى حي من خَثْعَم بناحية تَبَالَة، بالقربمن تُرَبَة في صفر سنة 9 هـ ،فشن الغارة جميعاً، وقتل قطبةمع من قتل، وساق المسلمون النَّعَم والنساء والشاء إلى المدينة‏.‏
3ـ سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كِلاَب في ربيع الأولسنة9هـ‏.‏ بعثت هذه السرية إلى بني كلاب ؛ لدعوتهم إلى الإسلام، فأبوا وقاتلوا،فهزمهم المسلمون، وقتلوا منهم رجلاً‏.‏
4ـ سرية علقمة بن مُجَزِّرِ المُدْلِجي إلى سواحل جُدَّة في شهرربيع الآخر سنة 9هـ في ثلاثمائة‏.‏بعثهم إلى رجال من الحبشة،كانو يقومون باعمال القرصنةبالقرب من سواحل جدة ، فلما سمعوا بمسير المسلمين إليهم هربوا‏.‏
5ـ سرية على بن أبي طالب إلى صنم لطيئ يقال له‏:‏ الفُلْس ـ ليهدمهـ في شهر ربيع الأول سنة 9 هـ‏.‏ بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في خمسينومائة، على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة علىمحلة آل حاتم مع الفجر، فهدموه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبيأخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام، ولما جـاءوا إلى المدينة استعطفت أخـت عـدي بـن حاتم رسول اللّه صلىالله عليه وسلم، قائلـة‏:‏ يا رسول اللّه، غاب الوافد،وانقطع الوالد، وأنا عجوزكبيرة، ما بي من خدمة، فمُنَّ على، منّ اللّه عليك‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏من وافدك‏؟‏‏)‏قالت‏:‏ عدي بن حاتم،‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏الذي فر من اللّه ورسوله‏؟‏‏)‏ ثم مضي، فلما كانالغد قالت مثل ذلك، وقال لها مثل ما قال أمس‏.‏ فلما كان بعد الغد قالت مثل ذلك،فمن عليها، وكان إلى جنبه رجل ـ تري أنه على ـ فقال لها‏:‏ سليه الحِمْلان فسألتهفأمر لها به‏.‏
ورجعت أخت عدي بن حاتم إلى أخيها عدي بالشام، فلما لقيته قالت عنرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها، ائته راغباً أوراهباً، فجاءه عدي بغيرأمان ولا كتاب‏.‏ فأتي به إلى داره، فلما جلس بين يديه حمداللّه وأثني عليه، ثم قال‏:‏ ما يُفِرُّكَ‏؟‏ أيُفِرُّك أن تقول‏:‏ ‏(‏لا إله إلااللّه‏؟‏ فهل تعلم من إله سوى اللّه‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا‏.‏ ثم تكلم ساعة ثم قال‏:‏‏(‏إنما تفر أن يقال‏:‏ اللّه أكبر، فهل تعلم شيئاً أكبر من الله‏؟‏‏)‏ قال‏:‏لا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصاري ضالون‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فإنيحَنِيف مسلم، فانبسط وجهه فرحاً، وأمر به فنزل عند رجل من الأنصار، وجعل يأتي النبيصلى الله عليه وسلم طرفي النهار‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق عن عدي‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لماأجلسه بين يديه في داره قال له‏:‏ ‏(‏إيه يا عدي بن حاتم، ألم تكن رَكُوسِيّا‏؟‏‏)‏قال‏:‏ قلت‏:‏ بلي، قال‏:‏ ‏(‏أو لم تكن تسير في قومك بالمِرْبَاع‏؟‏‏)‏‏.‏قال ‏:‏قلت‏:‏ بلي‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإن ذلك لم يحل لك في دينك‏)‏‏.‏ قال‏:‏ قلت أجل واللّه‏.‏قال‏:‏ وعرفت أنه نبي مرسل، يعرف ما يُجْهَل‏.‏
غـــزوة تبـــوك في رجب سنة 9هـ
إن غزوة فتح مكة كانت غزوة فاصلة بين الحق والباطل، لم يبق بعدهامجال الظن في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عند العرب، ولذلك تغيرت الامور، ودخل الناس في دين اللّه أفواجاً ـ ـ وانتهت المتاعب الداخلية، واستراح المسلمونلتعليم شرائع اللهّّ، وبث دعوة الإسلام‏.‏
سبب (http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=230&CID=38#TOPTOP) الغزوة
ان قوة الرومان تعرضت للمسلمين سابقا وكان بداية التعرض بقتل سفير الرسول صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن عميرالأزدي ـ على يدي شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبيصلى الله عليه وسلم إلى عظيم بُصْرَي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بعد ذلكسرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطداماً عنيفاً في مؤتة، ولم تنجح في أخذالثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهموبعيدهم‏.‏
وكان قيصريدرك اثر معركة مؤتة على المسلمين وعلى القبائل العربية التي تطمح بالاستقلال عنالرومان ،ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا كان خطراً يتقدم ، ويهددالثغور الشامية التي تجاور العرب، فكان يري أن القضاء يجب على قوة المسلمين قبل أنتتجسد في صورة خطر عظيم لا يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القلاقل والثورات فيالمناطق العربية المجاورة للرومان‏.‏
ونظراً إلى هذه المصالح، لم يقض قيصر بعد معركة مؤتة سنة كاملة حتىأخذ يهيئ الجيش مـن الرومـان والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهزلمعركة دامية فاصلة‏.‏
الأخبار العامة عن استعداد الرومان وغَسَّان‏
وكانت الأنباء تترامي إلى المدينة بإعداد الرومان ؛ للقيام بغزوةحاسمة ضد المسلمين، حتى كان الخوف يحيط بهم فلا يسمعون صوتا الا وظنوه زحف الرومان ، وهذا يدل على خطورة الموقف الذي كان المسلمن يواجهونه بالنسبة للرومان ، ويزيد ذلك تأكداً ما فعله المنافقون حينما سمعوا الأنباء، فبرغم ما رآه هؤلاء المنافقون من نجاح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في كل الميادين، طفق هؤلاء المنافقون يأملون في تحقق ما كانوا يتربصونه من الشر بالإسلام وأهله‏.‏ ونظراً إلى قرب تحقق آمالهمأنشأوا وكرة للدس والتآمر، في مسجد الضِّرَار، أسسوه تفريقاًبين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله، وعرضوا على رسول اللّه صلى الله عليهوسلم أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين فلا يفطنوا ما يؤتي به فيهذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، ، فيصير وكرةمأمونة لهم، ولكن رسول اللّه صلى الله عليه وسلمأخر الصلاة فيه ـ إلى قفوله من الغزوة ـ لشغله بالجهاز، ففشلوا وفضحهماللّه، حتى قام الرسول صلى الله عليه وسلم بهدم المسجد بعد القفول من الغزو، بدل أنيصلي فيه‏.‏
ظروف :‏
و كان ما يزيد الطين بلة أن الوقت كان فصل القيظ الشديد، وكانالناس في عسرة وجدب من البلاء ، وكانت الثمار قد طابت، فكانوا يحبونالمقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال ، ومعهذا كله كانت المسافة بعيدة، والطريق وعرة صعبة‏.‏
الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر القيام بإقدام حاسم‏
كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الظروف بنظر أدق من ذاك ، إنه كان يري أنه لو تواني وتكاسل عن غزو الرومان ، وتركهم ليجوسوا خلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الإسلام، وتزحف إلى المدينةسيكون له أسوأ أثر في سمعةالمسلمين العسكرية، فالجاهلية التي هلكت بعد هزيمتها في حنين ستحيا مرة أخري، والمنافقون الذين يتربصون بالمسلمين،ويتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق سيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم منالخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية ضد المسلمين من الأمام، وهكذا يخفق كثير منالجهود التي بذلها هو أصحابه في نشر الإسلام، وتذهب المكاسب التي حصلوا عليها بعدحروب دامية ودوريات عسكرية متتابعة متواصلة‏.‏‏.‏‏.‏ بغير جدوي‏.‏
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعرف كل ذلك جيداً، ولذلك قررالقيام ـ مع ما كان فيه من العسرة والشدة ـ بغزوة فاصلة يخوضها المسلمون ضد الرومانفي حدودهم، ولا يمهلونهم حتى يزحفوا إلى دار الإسلام‏.‏


الإعلان بالتهيؤ لقتال الرومان‏‏
،أعلن الرسول القتا ل وابلغ الصحابة بالتهيؤ، وبعث إلى القبائل وأهل مكة يستنفرهم‏.‏ ، ونزل جزء من سورة براءة لحضهم علىالجهاد و رغبهمرسول اللّه في بذل الصدقات، وإنفاق كرائم الأموال في سبيلاللّه‏.‏
المسلمون يتسابقون إلى التجهز للغزو‏‏
ولم يسمع المسلمون صوت رسول اللّه يدعو إلى قتال الروم إلا وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة ،وأخذت القبائل تهبط إلى المدينة من كل صوب ، ولم يرض أحد أن يتخلف عن الغزوة ـ إلا الذين في قلوبهم مرض وإلا ثلاثة نفر ـ حتى كان يجيءأهلالحاجة والفاقة يستحملون رسول اللّه ؛ ليخرجوا إلى قتالالروم، فإذا قال لهم‏:‏ ‏{‏لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْتَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(8,92,92))‏‏[‏التوبة‏:‏92‏]‏‏.‏
كما تسابق المسلمون في بذل الصدقات، كان عثمان بنعفان قد جهز عيراً للشام، مائتا بعير بأقتابها ا، ومائتا أوقية، فتصدق بها،ثم تصدق بمائة بعير بأحلاسها ، ثم جاء بألف دينار فنثرها في حجره صلى اللهعليه وسلم، فكان رسول اللّه يقلبها ويقول‏:‏ ‏(‏ما ضَرَّ عثمانما عمل بعد اليوم‏)‏ ، ثم تصدق وتصدق حتى بلغ مقدار صدقته تسعمائة بعير ومائة فرسسوى النقود‏.‏
وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضة، وجاء أبو بكر بماله كلّهولم يترك لأهله إلا اللّه ورسوله ـ وكانت أربعة آلاف درهم ـ وهو أول من جاءبصدقته‏.‏ وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال كثير، و طلحة وسعد بن عبادةومحمد بن مسلمة، كلهم جاءوا بمال‏.‏ وجاء عاصم بن عدي بتسعين وَسْقًا من التمر،وتتابع الناس بصدقاتهم ‏.‏ وبعثت النساء ما استطعن من مَسَك ومعاضد وخلاخل وقُرْطوخواتم‏.‏
ولم يمسك أحد يده، إلا المنافقون ‏{‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَالْمُطَّوِّعِي نَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَإِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(8,79,79))‏‏[‏التوبة‏:‏ 79‏]‏‏.‏

الجيش الإسلامي إلى تبوك‏‏
وهكذا تجهز الجيش، فاستعمل رسول اللّه علىالمدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، وقيل‏:‏ سِبَاع بن عُرْفُطَةَ، وخلف على أهله علىبن أبي طالب ، وغَمَصَ عليه المنافقون، فخرج فلحق بالرسول ، فرده وقال‏:‏ ‏(‏ألا ترضى أن تكون مني بمنزلةهارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏.‏
وتحرك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم الخميس نحو الشمال يريدتبوك، وبسبب كبر الجيش ـ ،لم يستطع المسلمون أن يجهزوهتجهيزاً كاملاً، بل كانت في الجيش قلة شديدة من الزاد والمراكب، فكانثمانية عشر رجلاً يعتقبون بعيراً واحداً، وربما أكلوا أوراق الأشجار حتى تورمتشفاههم، واضطروا إلى ذبح البعير ـ مع قلتها ـ ليشربوا ما في كرشه من الماء، ولذلكسمي هذا الجيش جيش العُسْرَةِ‏.‏
ومر الجيش الإسلامي في طريقه إلى تبوك بالحِجْر ـ ديار ثمود الذينجابوا الصخر بالواد، أي وادي القُرَى ـ فاستقي الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسولاللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تشربوا من مائها ولا تتوضأوا منه للصلاة، وماكان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئاً‏)‏، وأمرهم أن يستقوا منالبئر التي كانت تردها ناقة صالح رسول الله‏.‏
تكونوا باكين‏)‏، ثم قَنعَ رأسه وأسرع وفي الصحيحين عن ابن عمر قال‏:‏ لما مر النبي صلى الله عليه وسلمبالحجر قال‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أنبالسير حتى جاز الوادي‏.‏
واشتدت في الطريق حاجة الجيش إلى الماء حتى شكوا إلى رسول اللّه،فدعا اللّه، فأرسل اللّه سحابة فأمطرت حتى ارتوي الناس، واحتملوا حاجاتهم منالماء‏.‏
وكان دأب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الطريق أنه كان يجمع بينالظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع التقديم وجمع التأخيركليهما‏.‏
الجيش الإسلامي بتبوك‏‏
عسكرالجيش الإسلامي بتبوك، ، وهو مستعد للقاء العدو، وقامرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيهم خطيباً، فخطب خطبة بليغةا ، حتى رفع معنوياتهم، وأما الرومانوحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب، فلم يجترئواعلى التقدم واللقاء، ، فكان لذلك أحسن أثرإلى سمعة المسلمين العسكرية ، وحصل بذلكالمسلمون على مكاسب سياسية كبيرة ، لعلهم لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناكاصطدام بين الجيشين‏.‏
جاء يُحَنَّةُ بن رُؤْبَةَ صاحب أيْلَةَ، فصالح الرسول صلى اللهعليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جَرْبَاء وأهل أذْرُح، فأعطوه الجزية، وكتب لهمرسول اللّه كتاباً فهو عندهم، وصالحه أهل مِينَاء على ربعثمارها، وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أُكَيْدِرِدُومَة الجَنْدَل في أربعمائة وعشرين فارساً، ـ فتلقاه خالد في خيله، فأخذه وجاء بهإلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه، وصالحه ، وأقر بإعطاء الجزية، فقاضاه مع يُحَنَّة على قضيةدُومَة وتبوك وغيرهم‏.‏
وأيقنت القبائل أن اعتمادها على الروم قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين، وهكذا توسعت حدود الدولةالإسلامية، حتى لاقت حدود الرومان مباشرة الرومان
الرجوع إلى المدينة‏‏
ورجع الجيش الإسلامي من تبوك منتصرا، ، وكفيالله المؤمنين القتال، وفي الطريق عند عقبة حاول اثنا عشر رجلاً من المنافقين الفتكبالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه حينما كان يمر بتلك العقبة كان معه عمار يقودبزمام ناقته، وحذيفة ابن اليمان يسوقها، وأخذ الناس ببطن الوادي ‏.‏ فبينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وصاحباه يسيران إذسمعوا وكزة القوم من ورائهم، قد غشوه وهم ملتثمون، فبعث حذيفة فضرب وجوه رواحلهمبمِحْجَن كان معه ، فأرعبهم اللّه، فأسرعوا في الفرار ، وأخبر رسولاللّه بأسمائهم، وبما هموا به، فلذلك كان حذيفة يسمي بصاحب سر الرسول ، وفي ذلك يقول اللّه تعالي‏:‏ ‏{‏وَهَمُّواْ بِمَا لَمْيَنَالُوا‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(8,74,74))‏ ‏[‏التوبة‏:‏74‏]‏‏.‏
ولما لاحت للنبي صلى الله عليه وسلم معالم المدينة من بعيد قال‏:‏‏(‏هذه طَابَةُ، وهذا أحُدٌ، جبل يحبنا ونحبه‏)‏، وتسامع الناس بمقدمه، فخرج النساءوالصبيان والولائد يقابلن الجيش بحفاوة بالغة ويقلن‏:‏
طلع البـدر علينا ** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ** ما دعا للع داع
وكانت عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك ودخوله في المدينة في رجبسنة 9هـ ، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوماً، أقام منها عشرين يوماً في تبوك،والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوبًا‏.‏ وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلى اللهعليه وسلم‏.‏


المُخَلَّفون‏‏
وكانت هذه الغزوة اختباراً شديداً من اللّه،امتاز به المؤمنون من غيرهم، حيث يقول‏:‏‏{‏مَّا كَانَاللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَالْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(2,179,179))‏‏[‏ آل عمران‏:‏179‏]‏‏.‏ فقد خرج لهذهالغزوة كل من كان مؤمناً صادقاً، حتى صار التخلف أمارة على نفاق الرجل، فكان الرجلإذا تخلف وذكروه لرسول اللّه قال لهم‏:‏ ‏(‏دعوه، فإن يكن فيهخير فسيلحقه اللّه بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه‏)‏، فلم يتخلف إلا من حبسهمالعذر، أو الذين كذبوا اللّه ورسوله من المنافقين ‏.‏ نعم كان هناك ثلاثة نفر من المؤمنينالصادقين تخلفوا من غير مبرر، وهم الذين أبلاهم اللّه، ثم تاب عليهم‏.‏
ولما دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد، فصليفيه ركعتين ثم جلس، فأما المنافقون فجاءوايعتذرون ، و يحلفون له، فقبل منهم علانيتهم، وبايعهم،واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللّه‏.‏
وأما النفر الثلاثة من المؤمنين ـ وهم كعب بن مالك،ومُرَارَة بن الربيع، وهلال بن أمية ـ فاختاروا الصدق، فأمر رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم الصحابة ألا يكلموا هؤلاء الثلاثة، وجرت ضد هؤلاء الثلاثة مقاطعة شديدة ، حتى تنكرت لهم الأرض ،وبلغت بهم الشدة إلى أنهم بعد أن قضوا أربعين ليلة من بداية المقاطعة أمروا أنيعتزلوا نساءهم، حتى تمت على مقاطعتهم خمسون ليلة، ثم أنزل اللّه توبتهم‏:‏ ‏{‏وَعَلَىالثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَارَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَاللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(8,118,118))‏ ‏[‏التوبة‏:‏118‏]‏‏.‏
وفرح المسلمون، و الثلاثة فرحاً شديدا ، وكان أسعد يوم من أيام حياتهم‏.‏
وأما الذين حبسهم العذر فقد قال تعالى فيهم‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءوَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌإِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(8,91,91))‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 91‏]‏‏.‏ وقال فيهمرسول اللّه حين دنا من المدينة‏:‏ ‏(‏إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً، ولاقطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العُذْرُ‏)‏، قـالوا‏:‏ يا رسول اللّه، وهــمبالمدينة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏وهم بالمدينة‏)‏‏.‏

أثر الغزوة‏‏
وكان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين على جزيرةالعرب، فقد تبين للناس أنه ليس لأي قوة من القوات أن تعيش في العرب سوي قوةالإسلام، وبطلت بقايا أمل وأمنية كانت تتحرك في قلوب بقايا الجاهليين والمنافقينولذلك لم يبق للمنافقين أن يعاملهم المسلمون بالرفق واللين، وقد أمراللّه بالتشديد عليهم، حتى نهي عن قبول صدقاتهم، وعن الصلاة عليهم، والاستغفار لهموالقيام على قبرهم، وأمر بهدم وكرة دسهم وتآمرهم التي بنوها باسم المسجد، وأنزلفيهم آيات افتضحوا بها افتضاحاً تاماً، لم يبق في معرفتهم بعدها أي خفاء، كأنالآيات قد نصت على أسمائهم لمن يسكن بالمدينة‏،
و يجدر بنا الذكر ان اهم نتائج هذه الغزوة تتابعالوفود وتكاثرها بلغ إلى القمة بعد هذه الغزوة‏.‏

نزول القرآن حول موضوع الغزوة‏
نزلت آيات كثيرة من سورة براءة حول موضوع الغزوة، نزل بعضها قبلالخروج، وبعضها بعد الخروج ـ وهو في السفر ـ وبعض آخر منها بعد الرجوع إلى المدينة،وقد اشتملت على ذكر ظروف الغزوة، وفضح المنافقين، وفضل المجاهدين ، وقبولالتوبة من المؤمنين الصادقين، الخارجين منهم في الغزوة والمتخلفين، إلى غير ذلك منالأمور‏.‏
بعض الوقائع المهمة في هذه السنة
وفي هذه السنة وقعت عدة وقائع لها أهمية في التاريخ‏:‏
1 ـ بعد قدوم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من تبوك وقع اللعان بينعُوَيْمِر العَجْلاني وامرأته‏.‏
2 ـ رجمت المرأة الغامدية، التي جاءت فاعترفت على نفسها بالفاحشة،رجمت بعدما فطمت ابنها‏.‏
3 ـ توفي النجاشي أصْحَمَة، ملك الحبشة، في رجب، وصلي عليه رسولالله صلاة الغائب في المدينة‏.‏
4 ـ توفيت أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فيشعبان، فحزنعليها حزناً شديداً، وقال لعثمان‏:‏ ‏(‏لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها‏)‏‏.‏
5 ـ مات رأس المنافقين عبد اللّه بن أبي بن سَلُول بعد مرجع رسولاللّه صلى الله عليه وسلم من تبوك، فاستغفر له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وصليعليه وقد نزل القرآن بعد ذلك بعدم الصلاة عليه
‏.‏
العبر والعظات والفوائد
1-نلاحظ ان في مرحلة السرايا والبعوث انجز الرسول( صلى الله عليه وسلم)
دعوة ربه وكانت تسير الدعوة بشكل دفاعي مع الشكل السلمي
2- دخل الرسول( صلى الله عليه وسلم) في هذه المرحلة بقتال اولئك الذين بلغتهم الدعوة ففهموها ولكن استكبروا عن الايمان واللاذعان لها حقداًََ
3- الاثر النفسي الرائع الذي خلفته غزوة مؤتة في نفوس المسلمين حيث لم يعبئوا بأعداد الروم والمشركين الهائلة وقدموا أنفسهم للشهادة الوحد تلو الآخر
العبر والعظات بغزو تيوك
1-حكمة الله عز وجل في هذه الغزوة بان يكتفي من جهاد المسلمين بالجهد العظيم الذي بذلوه والمشقات الجسمية التي تحملوها وبذاك برهنوا على صدق إيمانهم بالله ومحبتهم له
2-أهمية الجهاد بالمال وتسابق المسلمين لتجهز للغزوة كل حسب استطاعته
3-تبين رسول الله للمسلمين كراهة دخولهم ديار الأمم التي أهلكها الله بكفرهم
4- تبين هذه الغزوة مشروعية اخذ الجزية من اهل الكتاب
4- افتضاح أمر المنافقين وإظهار مدى خطورتهم على المسلمين إذ كان في هذه الغزوة تميز المنافقين عن الصادقين
5- جواز الجمع بين الصلوات
6- موقف رسول الله الشديد مع المسلمين الذين تخلفوا عن الغزوة وما يدل ذلك الا على تكريمهم وتشريفه بقبول التوبة من الصادقين
7- الأثر الكبير الذي تركته غزوة تبوك في بسط نفوذ المسلمين على جزيرة العرب و كثرة تتابع الوفود بعد هذه الغزوة

نور
03-28-2008, 12:38 PM
المرحلة الثالثة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم..


المرحلة الثالثة


وهي آخر مرحلة من مراحل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ تمثلالنتائج التي أثمرتها دعوته الإسلامية بعد جهاد طويل وعناء ومتاعب وقلاقل وفتنواضطرابات ومعارك وحروب دامية واجهتها طيلة بضعة وعشرين عامًا‏.‏كان الفتح حدًاوكان فتح مكة هو أعظم فتح حصل عليه المسلمون في هذه الأعوام، ‏.‏


ويمكن أن نقسم هذه المرحلة إلى صفحتين‏:‏


1ـ صفحة المجاهدة والقتال‏.‏


2ـ صفحة تسابق الشعوب والقبائل إلى اعتناق الإسلام‏.‏


وهاتان الصفحتان متلاصقتان تناوبتا في هذه المرحلة


غـزوة حنين
بعدفتح مكة دانت قريش للرسول بعد بغيها ،و لم تمتنع عنالاستسلام إلا بعض القبائل الشرسة القوية المتغطرسة، وفي مقدمتها بطون هوازن وثقيف،واجتمعت إليها نَصْرٌ وجُشَمٌ وسعد بن بكر وناس من بني هلال ـ وكلها من قيس عَيْلانـ رأت هذه البطون من نفسها عزا وأنَفَةً أن تقابل هذا الانتصار بالخضوع، فاجتمعتإلى مالك ابن عوف النَّصْري، وقررت المسير إلى حـرب المسلمين‏.‏
مسير العدو ونزولـه بأوطاس‏
ولما أجمع القائد العام ـ مالك بن عوف ـ المسير إلى حرب المسلمين،ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فسار حتى نزل بأوْطَاس ـ وهو واد في دارهَوَازِن بالقرب من حُنَيْن، لكن وادي أوطاس غير وادي حنين، وحنين واد إلى جنب ذيالمجَاز، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات‏.‏

مُجَرِّب الحروب يُغَلِّط رأيالقائد‏‏

ولما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دُرَيْدُ بن الصِّمَّةِ ـوهو شيخ كبير، ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب وكان شجاعاً مجرباً ـ قال دريد‏:‏بأي واد أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ بأوطاس، قال‏:‏ نعم مَجَالُ الخيل، لا حَزْنٌ ضَرسٌ ، ولاسَهْلٌ دَهِس، مإلى أسمع رُغَاء البعير، ونُهَاق الحمير، وبُكَاء الصبي، وثُغَاءالشاء‏؟‏ قالوا‏:‏ ساق مالك بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فدعا مالكاًوسأله عما حمله على ذلك، فقال‏:‏ أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم،فقال‏:‏ راعي ضأن واللّه، وهل يرد المنهزم شيء‏؟‏ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجلبسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحْتَ في أهلك ومالك، ثم سأل عن بعض البطونوالرؤساء، ثم قال‏:‏ يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بَيْضَة هوازن إلى نحور الخيلشيئاً، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم، ثم الْقَ الصُّبَاة على متون الخيل،فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزتَ أهلك ومالك‏.‏

ولكن مالكاً ـ القائد العام ـ رفض هذا الطلب قائلاً‏:‏ واللّه لاأفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك، واللّه لتطيعني هوازن أو لأتَّكِئَنَّ على هذا السيفحتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فقالوا‏:‏ أطعناك‏.‏ فقالدريد‏:‏ هذا يوم لم أشهده ولم يَفُتْنِي‏:‏

يا ليتنـي فيها جـَذَعْ ** أخُبُّ فيها وأضَعْ

أقود وطْفَاءَ الزَّمَــعْ ** كأنها شـاة صَدَعْ[/center]
سلاح استكشاف العدو‏
وجاءت إلى مالك عيون كان قد بعثهم للاستكشاف عن المسلمين وقد تفرقت أوصالهم، قال‏:‏ ويلكم، ما شأنكم‏؟‏ قالوا‏:‏ رأينا رجالاً بيضاعلى خيل بُلْق، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما تري‏.‏
سلاح استكشاف رسول اللّه صلى الله عليهوسلم‏
ونقلت الأخبار إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمسير العدو، فبعثأبا حَدْرَد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيهبخبرهم، ففعل‏.‏
الرسول صلى الله عليه وسلم يغادر مكة إلىحنين‏‏
وفي يوم السبت ـ السادس من شهر شوال سنة 8 هـ ـ غادر رسول اللّه صلىالله عليه وسلم مكةـ وكان ذلك اليوم التاسع عشر من يوم دخوله في مكة ـ خرج في اثنيعشر ألفاً من المسلمين ؛ عشرة آلاف ممن كانوا خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهلمكة‏.‏ وأكثرهم حديثو عهد بالإسلام واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها،واستعمل على مكة عَتَّاب بن أسيد‏.‏
ولما كان عشية جاء فارس، فقال‏:‏ إني طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنابهوازن على بكرة آبائهم بِظُعُنِهم ونَعَمِهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسولاللّه صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء اللّه‏)‏،وتطوع للحراسة تلك الليلة أنس بن أبي مَرْثَد الغَنَوي‏.‏

وقد كان بعضهم قال نظراً إلى كثرة الجيش‏:‏ لن نُغْلَبَ اليوم، وكانقد شق ذلك على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏
الجيش الإسلامي يُباغَتْ بالرماةوالمهاجمين‏‏
وصل الجيش الإسلامي إلى حنين، الليلة التي بين الثلاثاء والأربعاءلعشر خلون من شوال، وكان مالك بن عوف قد سبقهم، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي،وفرق كُمَنَاءه في الطرق والمداخل والشعاب ، وأصدر أمره بأنيرشقوا المسلمين أول ما طلعوا، ثم يشدوا شدة رجل واحد‏.‏
وبالسَّحَر عبأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جيشه، وعقد الألويةوالرايات، وفرقها على الناس، وفي عَمَاية الصبح وصل المسلمون وادي حنين ، فبينا هم ينحطونإذا تمطر عليهم النبال، وإذا كتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانشمرالمسلمون راجعين،وتفرقوا ، وكانت هزيمة منكرة،
وانحاز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جهة اليمين وهو يقول‏:‏‏(‏هَلُمُّوا إلى أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد اللّه‏)‏ ولم يبق معهإلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار‏.‏ تسعة على قول ابن إسحاق، واثنا عشرعلى قول النووي، والصحيح ما رواه أحمد والحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود،قال‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولي عنه الناس وثبت معه ثمانونرجلاًمن المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا ولم نُوَلِّهم الدُّبُر، ورويالترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال‏:‏ لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين،وما مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلممائة رجل‏.‏
وحينئذ ظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها، فقدطفق يركض بغلته قبل الكفار وهو يقول‏:‏
‏(‏أنــا النبي لا كَذِبْ ** أنا ابن عبد المطلب‏)‏
رجوع المسلمين واحتدام المعركة‏
وأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمه العباس ـ وكان جَهِيَرالصوت ـ أن ينادي الصحابة، قال العباس‏:‏ فقلت بأعلى صوتي‏:‏ أين أصحابالسَّمُرَة‏؟‏ قال‏:‏ فوالله لكأن عَطْفَتَهُم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر علىأولادها، فقالوا‏:‏ يا لبيك، يا لبيك‏.‏ ويذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر عليه،فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله،فيؤم الصوت، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا‏.‏
وصرفت الدعوة إلى الأنصار‏:‏ يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثمقصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأخري كماكانوا تركوا الموقعة، وتجالد الفريقان مجالدة شديدة، ونظر رسول اللّه صلى الله عليهوسلم إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال‏:‏ ‏(‏الآن حَمِي الوَطِيسُ‏)‏‏.‏ ثمأخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب الأرض، فرمي بها في وجوه القوموقال‏:‏ ‏(‏شاهت الوجوه‏)‏، فما خلق اللّه إنساناً إلا ملأعينيه تراباً من تلكالقبضة، فلم يزل حَدُّهُم كَلِيلاً وأمرهم مُدْبِرًا‏.‏

نور
03-28-2008, 12:40 PM
انكسار حدة العدو وهزيمتهالساحقة‏
وما هي إلا ساعات قلائل ـ بعد رمي القبضة ـ حتى انهزم العدو هزيمةمنكرة، وقتل من ثَقِيف وحدهم نحو السبعين، وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مالوسلاح وظُعُن‏.‏
وهذا هو التطور الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْأَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُالأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُسَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْتَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءالْكَافِرِينَ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(8,25,26))‏ ‏[‏التوبة‏:‏25، 26‏]‏

حركة المطاردة‏‏ تفرق العدو بعد انهزامه
وصارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نَخْلَة،وطائفة إلى أوْطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس طائفة من المطاردينيقودهم أبو عامرالأشعري، ،فتقاتلوا ثم انهزم جيشالمشركين، وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر الأشعري‏.‏
وطاردت طائفة أخري من فرسان المسلمين فلول المشركين في نخلة، فأدركت دُرَيْدَ بن الصِّمَّة فقتله ربيعة بن رُفَيْع‏.‏
وأما معظم فلول المشركين الذين لجأوا إلى الطائف، فتوجه إليهم رسولاللّه صلى الله عليه وسلم بنفسه بعد أن جمع الغنائم‏.‏

الغنائم‏
وكانت الغنائم‏:‏ السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرون ألفاً ،والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، أمر رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم بجمعها، ثم حبسها بالجِعْرَانَة، وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري، ولميقسمها حتى فرغ من غزوة الطائف‏.‏
وكانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية ؛ أخت رسول اللّه صلىالله عليه وسلم من الرضاعة، فلما جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت لهنفسها، فعرفها بعلامة فأكرمها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، ثم منّ عليها، وردّهاإلى قومها‏.‏

غزوة الطائف‏‏
تعدهذه الغزوة في الحقيقة امتداد لغزوة حنين، لأن معظم فلولهَوَازن وثَقِيف دخلوا الطائف مع القائد العام ـ مالك بن عوف النَّصْرِي ـ وتحصنوابها، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من حنين وجمع الغنائمبالجعرانة، في الشهر نفسه ـ شوال سنة 8 هـ‏.‏
وقدم خالد بن الوليد جيش في ألف رجل، ثم سلك رسولالله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، فنزل قريباً من حصن، وعسكر هناك، وفرض الحصار على أهل الحصن‏.‏
ودام الحصار مدة غير قليلة، ففي رواية أنس عند مسلم‏:‏ أن مدةحصارهم كانت أربعين يوماً، وعند أهل السير خلاف في ذلك، فقيل‏:‏ عشرين يوماً،وقيل‏:‏ بضعة عشر، وقيل‏:‏ ثمانية عشر، وقيل‏:‏ خمسة عشر‏.‏
ووقعت في هذه المدة مراماة، ومقاذفات،
وأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ كجزء من سياسة الحرب لإلجاءالعدو إلى الاستسلام ـ أمر بقطع الأعناب وتحريقها، فقطعها المسلمون قطعاً ذريعاً،فسألته ثقيف أن يدعها للّه والرحم، فتركها للّه والرحم‏.‏
ونادى مناديه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيما عبد نزل من الحصن وخرجإلينا فهو حر، فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلاً ، ‏]‏ ـ فأعتقهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل منالمسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الحصن مشقة شديدة‏.‏
ولما طالت مدة الحصار واستعصي الحصن، وأصيب المسلمون بما أصيب من رشقالنبال وبسكك الحديد المحماة ـ وكان أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ـاستشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نَوْفَل بن معاوية الدِّيلي فقال‏:‏ هم ثعلبفي جحر، إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك، وحينئذ عزم رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم على رفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس، إنا قافلونغداً إن شاء اللّه، فثقل عليهم وقالوا‏:‏ نذهب ولا نفتحه‏؟‏ فقال رسول اللّه صلىالله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اغدوا على القتال‏)‏، فغدوا فأصابهم جراح، فقال‏:‏ ‏(‏إناقافلون غداً إن شاء اللّه‏)‏ فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول اللّه صلىالله عليه وسلم يضحك‏.‏
ولما ارتحلوا واستقلوا قال‏:‏ قولوا‏:‏ ‏(‏آيبون تائبون عابدون،لربنا حامدون‏)‏‏.‏
وقيل‏:‏ يا رسول اللّه، ادع على ثقيف، فقال‏:‏ ‏(‏اللّهم اهد ثقيفا،وائت بهم‏)‏‏.‏

قسمة الغنائم بالجِعْرَانَة‏‏
مكث رسول اللة بالجعرانة بعد عودته من الطاثف بضع عشرة ليلة لا يقسم الغنائم، يبتغي أن يقدم عليه وفدهوازن تائبين فيحرزوا ما فقدوا، ولكنه لم يجئه أحد، فبدأ بقسمة المال، ، فكان المؤلفة قلوبهم أول من أعطي وحظيبالأنصبة الجزلة‏.‏
أعطي أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل، فقال‏:‏ ابنييزيد‏؟‏ فأعطاه مثلها، فقال‏:‏ ابني معاوية‏؟‏ فأعطاه مثلها، وأعطي حكيم بن حزاممائة من الإبل، ثم سأله مائة أخري، فأعطاه إياها‏.‏ وأعطي صفوان بن أمية مائة منالإبل، ثم مائة ثم مائة ـ كذا في الشفاء ـ وأعطي الحارث بن الحارث بن كَلَدَة مائةمن الإبل، وكذلك أعطي رجالا من رؤساء قريش وغيرها مائة مائة من الإبل وأعطي آخرينخمسين خمسين وأربعين أربعين، حتى شاع في الناس أن محمداً يعطي عطاءً، ما يخافالفقر، فازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى اضطروه إلى شجرة، فانتزعت رداءهفقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس، ردوا علي ردائي، فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد شجرتهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً‏)‏‏.‏
ثم قام إلى جنب بعيره فأخذ من سنامه وبرة، فجعلها بين إصبعه، ثمرفعها، فقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس، واللّه مالى من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس،والخمس مردود عليكم‏)‏‏.‏
وبعد إعطاء المؤلفة قلوبهم أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زيدبن ثابت بإحضار الغنائم والناس، ثم فرضها على الناس، فكانت سهامهم لكل رجل إماأربعاً من الإبل، وإما أربعين شاة، فإن كان فارساً أخذ اثني عشر بعيراً أو عشرينومائة شاة‏.‏

الأنصار تَجِدُ على رسول اللّه صلى الله عليهوسلم‏
لم تُفْهَم هذه القسمة التي قسمها الرسول أولالأمر، فأُطْلِقتْ ألسنة شتي بالاعتراض‏.‏
روى ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ لما أعطي رسول اللّه صلىالله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن فيالأنصار منها شيء، وَجَدَ هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القَالَةُ،حتى قال قائلهم‏:‏ لقي واللّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعدبن عبادة فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك فيأنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً فيقبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء‏.‏قال‏:‏ ‏(‏فأين أنت من ذلكيا سعد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فاجمع لي قومكفي هذه الحظيرة‏)‏‏.‏ فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال منالمهاجرين فتركهم فدخلوا‏.‏ وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال‏:‏لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمداللّه، وأثني عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏يا معشر الأنصار، ما قَالَهٌ بلغتني عنكم،وَجِدَةٌ وجدتموها على في أنفسكم‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه‏؟‏ وعالة فأغناكماللّه‏؟‏ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم‏؟‏‏)‏ قالـوا‏:‏ بلـي، اللّه ورسولـه أمَنُّوأفْضَلُ‏.‏
ثم قال‏:‏ ‏(‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بماذانجيبك يا رسول اللّه‏؟‏ للّه ورسوله المن والفضل‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أما واللّه لو شئتملقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ‏:‏ أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك،وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك‏)‏‏.‏
‏(‏أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لَعَاعَةٍ من الدنياتَألفَّتُ بها قوماً ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم‏؟‏ ألا ترضون يا معشرالأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلىرحالكم‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناسشِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللّهم ارحم الأنصار، وأبناءالأنصار، وأبناء أبناء الأنصار‏)‏‏.‏
فبكي القوم حتى أخْضَلُوا لِحَاهُم وقالوا‏:‏ رضينا برسول اللّه صلىالله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا‏.‏

قدوم وفد هوازن‏‏
وبعد توزيع الغنائم أقبل وفد هوازن مسلماً، وهم أربعة عشر رجلاًورأسهم زهير ابن صُرَد، وفيهم أبو بُرْقَان عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منالرضاعة، فأسلموا وبايعوا ثم قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، إن فيمن أصبتم الأمهاتوالأخوات، والعمات والخالات، وهن مخازي الأقوام‏:‏
فامنن علينا رسول اللّه في كـرم ** فإنـك المرء نرجـوه وننتظر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
وذلك في أبيات‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن معي من ترون، وإن أحب الحديث إلىأصدقه، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ ما كنا نعدل بالأحسابشيئاً‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إذا صليت الغداة ـ أي صلاة الظهر ـ فقوموا فقولوا‏:‏ إنانستشفع برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين، ونستشفع بالمؤمنين إلى رسولاللّه صلى الله عليه وسلم أن يرد إلينا سبينا‏)‏، فلما صلي الغداة قاموا فقالواذلك‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما ما كان لي ولبني عبد المطلبفهو لكم، وسأسأل لكم الناس‏)‏، فقال المهاجرون والأنصار‏:‏ ما كان لنا فهو لرسولاللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال الأقْرَع بن حابس‏:‏ أما أنا وبنو تميم فلا‏.‏وقال عُيَيْنَة بن حِصْن‏:‏ أما أنا وبنو فَزَارَة فلا‏.‏وقال العباس بنمِرْدَاس‏:‏ أما أنا وبنو سُلَيْم فلا‏.‏ فقالت بنو سليم‏:‏ ما كان لنا فهو لرسولاللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال العباس بن مرداس‏:‏ وهنتموني‏.‏
فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن هؤلاء القوم قد جاءوامسلمين، وقد كنت استأنيت سَبْيَهُمْ، وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساءشيئاً، فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك، ومن أحب أن يستمسكبحقه فليرد عليهم، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء اللّه علينا‏)‏، فقالالناس‏:‏ قد طيبنا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنا لا نعرف منرضي منكم ممن لم يرض، فارجعوا حتى يرفع إلينا عُرَفَاؤكم أمركم‏)‏، فردوا عليهمنساءهم وأبناءهم، لم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن، فإنه أبي أن يرد عجوزاً صارتفي يديه منهم، ثم ردها بعد ذلك، وكسا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم السبي قبطيةقبطية‏.‏
العمرة والانصراف إلىالمدينة‏
اعتمررسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد تقسمة الغنائم فيالجِعْرَانة ، ،ورجع إلى المدينةبعد أن ولي على مكة عَتَّاب بن أسيد، وكان رجوعه إلى المدينة ودخوله فيها لست ليالبقيت من ذي القعدة سنة 8 هـ‏.‏
العبر والعظات
1-تعتبر غزوة حنين درسا بالعقيدة الإسلامية للمسلمين إذ بينت أن الكثرة لا تفيدهم إذ لم يكونوا صابرين ومتقين
2- مشروعية بث العيون بين الأعداء لمعرفة شأنهم وأخبارهم
3- إمكانية أن يستعين الإمام بأسلحة من المشركين لقتال أعداء المشركين وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين استعان بأسلحة من صفوان بن أمية
4- جرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب حين تفرقت جموع المسلمين في الوادي ولم يبق سواه
5- الجهاد لا يعني الحقد على الكافرين وذالك تجلى عندما دعا الرسول لثقيفاً بالهداية
6- سياسة الإسلام نحو المؤلفة قلوبهم حيث نستدل انه يجوز للإمام أن يزيد بالعطاء لمن يتألف قلوبهم بالإسلام بالقدر الذي تدعو له المصلحة
7- فضل الأنصار ومدى محبة رسول الله لهم

نور
03-28-2008, 12:42 PM
حج أبي بكر رضي الله عنه
في ذي القعدة أو ذي الحجــة من سنة ـ 9 هـ ـ بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أبــا بكر الصديق رضي الله عنه أميراً على الحج، ليقيم بالمسلمين المناسك‏.‏ ثم نزلت أوائل سورة براءة بنقض المواثيق ونبذها على سواء، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب ليؤدي عنه ذلك.

وبعث أبو بكر رضي الله عنه رجالاً ينادون في الناس‏:‏ ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُرْيَان‏.‏ وكان هذا النداء بمثابة إعلان نهاية الوثنية في جزيرة العرب، وأنها لا تُبْدِئُ ولا تُعِيدُ بعد هذا العام‏.

نظرة على الغزوات

دلّت هذه الغزوات على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكبر قائد عسكري في الدنيا، وأشدهم وأعمقهم فراسة وتيقظاً، إنه صاحب عبقرية فذة في هذا الوصف.

لم يخض معركة من المعارك إلا في الظرف ومن الجهة اللذين يقتضيهما الحزم والشجاعة والتدبير.

لم يفشل في أي معركة من المعارك التي خاضها لغلطة في الحكمة وما إليها من تعبئة الجيش وخطة القتال وغيرها‏.‏ ولم يقع ما وقع في أُحد وحنين إلا من بعض الضعف في أفراد الجيش ـ في حنين ـ أو من جهة معصيتهم أوامره وتركهم التقيد والالتزام بالحكمة والخطة اللتين كان أوجبهما عليهم من حيث الوجهه العسكرية‏.

ثباته مجابهاً للعدو، عند هزيمة المسلمين في غزوتي أحد وحنين.. واستطاع بحكمته الفذة أن يخيبهم في أهدافهم ـ كما فعل في أحد ـ أو يغير مجري الحرب حتى يبدل الهزيمة انتصاراً -كما في حنين-.

استطاع بهذه الغزوات فرض الأمن وبسط السلام، وإطفاء نار الفتنة، وكسر شوكة الأعداء في صراع الإسلام والوثنية، وإلجائهم إلى المصالحة، وتخلية السبيل لنشر الدعوة.

أنشأ طائفة كبيرة من القواد، الذين لاقوا بعده الفرس والرومان في ميادين العراق والشام.

استطاع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بفضل هذه الغزوات أن يوفر السكني والأرض والحرف والمشاغل للمسلمين.

غير أغراض الحروب وأهدافها التي كانت تضطرم نار الحرب لأجلها في الجاهلية للنهب والسلب والقتل والإغارة والظلم والبغي والعدوان، وأخذ الثأر، والفوز بالوَتَر، وكبت الضعيف، وتخريب العمران، وتدمير البنيان، وهتك حرمات النساء، والقسوة بالضعاف والولائد والصبيان، وإهلاك الحرث والنسل، والعبث والفساد في الأرض. فصارت هذه الحرب ـ في الإسلام ـ جهاداً في تحقيق أهداف نبيلة ، وأغراض سامية، وغايات محمودة.

كما شرع للحروب قواعد شريفة ألزم التقيد بها على جنوده وقوادها، ولم يسمح لهم الخروج عنها بحال‏.‏ روي سليمان بن بريدة عن أبيه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوي اللّه عز وجل، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال‏:‏ ‏(‏اغزوا بسم اللّه، في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا، فلا تغلوا، ولاتغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏ وكان يأمر بالتيسير ويقول‏:‏ ‏(‏يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا‏)‏‏.‏
الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً
قال عمرو بن سلمة‏:‏ كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم‏:‏ ماللناس‏؟‏ ما للناس‏؟‏ ما هذا الرجل‏؟‏ ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيقولون‏:‏ يزعم أن اللّه أرسله، أوحي إليه، أوحي اللّه كذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون‏:‏ اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق‏.‏ فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال‏:‏ جئتكم واللّه من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً‏.‏ فقال‏:‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وهذا الحديث يدل مدي أثر فتح مكة في تطوير الظروف، وتعزيز الإسلام، ولذلك نري الوفود تقصد المدينة تترى في هذين العامين ـ التاسع والعاشر ـ ونرى الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً، حتى إن الجيش الإسلامي الذي كان قوامه عشرة آلاف مقاتل في غزوة الفتح، إذا هو يزخر في ثلاثين ألف مقاتل في غزوة تبوك قبل أن يمضي على فتح مكة عام كامل، ثم نري في حجة الوداع بحراً من رجال الإسلام ـ مائة ألف من الناس أو مائة ألف وأربعة وأربعون ألفا منهم ـ يموج حول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالتلبية والتكبير والتسبيح والتحميد، تدوي له الآفاق، وترتج له الأرجاء‏.‏

نور
03-28-2008, 12:44 PM
الـوفـــود
والوفود التي سردها أهل المغازي يزيد عددها على سبعين وفداً، ولا يمكن لنا
استقصاءها، وليس كبير فائدة في بسط تفاصيلها، وإنما نذكر منها إجمالاً ماله
روعة أو أهمية في التاريخ:

1 ـ وفد عبد القيس‏:‏
كانت لهذه القبيلة وفادتان‏:‏ الأولي سنة خمس من الهجرة أو قبل ذلك‏.‏
أول من اسلم منهم رجل تاجر منهم يقال له مُنْقِذُ بن حيان . ثم عاد إلى قومه بكتاب
رسول الله فأسلموا جميعا وتوافدوا إليه.
والوفادة الثانية كانت سنة الوفود.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كبيرهم الأشج العصري:‏ ‏(‏إن فيك
خصلتين يحبهما اللّه‏:‏ الحلم والأناة‏)‏‏.‏

2 ـ وفد دَوْس‏:
كانت وفادة هذه القبيلة في أوائل سنة سبع، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخيبر
، وقد قدمنا حديث إسلام الطُّفَيْل بن عمرو الدوسي، وأنه أسلم ورسول اللّه صلى الله
عليه وسلم بمكة، ثم رجع إلى قومه، فلم يزل يدعوهم إلى الإسلام، ويبطئون عليه
حتى يئس منهم، ورجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فطلب منه أن يدعو
على دوس، فقال‏:‏ ‏(‏اللهم اهد دوساً‏)‏‏.‏ ثم أسلم هؤلاء، فوفد الطفيل بسبعين أو ثمانين
بيتا من قومه إلى المدينة في أوائل سنة سبع، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم
بخيبر، فلحق به‏.‏

3 ـ رسول فَرْوَة بن عمرو الجُذَامي‏:‏
كان فروة قائداً عربياً من قواد الرومان، عاملاً لهم على من يليهم من العرب، وكان
منزله مَعَان وما حوله من أرض الشام، أسلم بعد ما رأي من جلاد المسلمين
وشجاعتهم، وصدقهم اللقاء في معركة مؤتة سنة 8 هـ، ولما أسلم بعث إلى رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم رسولاً بإسلامه، وأهدي له بغلة بيضاء، ولما علم الروم
بإسلامه أخذوه فحبسوه، ثم خيروه بين الردة والموت، فاختار الموت على الردة،
فصلبوه بفلسطين على ماء يقال له‏:‏ عفراء، وضربوا عنقه‏.‏

4 ـ وفد صُدَاء‏:‏
جاء هذا الوفد عقب انصراف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الجِعْرَانة سنة 8
هـ ، وذلك أن رسول اللّّه صلى الله عليه وسلم هيأ بعثاً من أربعمائة من المسلمين،
علم به زياد بن الحارث الصدائي، فجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
جئتك وافداً على مَنْ ورائي، فاردد الجيش وأنا لك بقومي، فرد الجيش من صدر
قناة، وجاء الصدائي إلى قومه فرغبهم في القدوم على رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم، فقدم عليه خمسة عشر رجلاً منهم، وبايعوه على الإسلام، ثم رجعوا إلى
قومهم، فدعوهم ففشا فيهم الإسلام، فوافي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منهم مائة
رجل في حجة الوداع‏.

5 ـ قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى‏:‏
كان من أشعر العرب، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف سنة 8هـ ، كتب إلى كعب بن زهير
أخوه بُجَيْر بن زهير أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قتل رجالاً بمكة ممن كانوا يهجونه ويؤذونه، ومن بقي من شعراء قريش هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فَطِرْ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، وإلا فانج إلى نجاتك، فجاء المدينة، ونزل على رجل من جُهَيْنَةَ، وصلي معه
الصبح، فلما انصرف أشار عليه الجهني، فقام إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏‏.‏ قال‏:‏ أنا كعب بن زهير، فوثب عليه رجل من الأنصار يستأذن ضرب عنقه، فقال‏:‏ ‏(‏دعه عنك، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه‏)‏‏.‏

6 ـ وفد عُذْرَة‏:‏
قدم هذا الوفد في صفر سنة 9 هـ، وهم اثنا عشر رجلاً فيهم حمزة بن النعمان، فرحب بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبشرهم بفتح الشام، ونهاهم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها‏.‏ أسلموا وأقاموا أياماً ثم رجعوا‏.‏

7 ـ وفد بَلِي‏:‏
قدم في ربيع الأول سنة 9 هـ، وأسلم وأقام بالمدينة ثلاثاً، وقد سأل رئيسهم أبو الضُّبَيْب عن الضيافة هل فيها أجر‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نعم، وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة‏)‏، وسأل عن وقت الضيافة، فقال‏:‏ ‏(‏ثلاثة أيام‏)‏، وسأل عن ضالة الغنم، فقال‏:‏ ‏(‏هي لك أو لأخيك أو للذنب‏)‏، وسأل عن ضالة البعير‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏مالك وله‏؟‏ دعه حتى يجده صاحبه‏).

8 ـ وفد ثقيف‏:‏
كانت وفادتهم في رمضان سنة 9 هـ، وقصة إسلامهم أن رئيسهم عروة بن مسعود الثقفي جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من غزوة الطائف في ذي القعدة سنة 8 هـ قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم عروة، ورجع إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام ـ وهو يظن أنهم يطيعونه ؛ لأنه كان سيدا مطاعاً في قومه، فلما دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل حتى قتلوه، ثم أقاموا بعد قتله أشهراً، ثم رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب مَنْ حولهم من العرب ـ الذين كانوا قد بايعوا وأسلموا ـ فأجمعوا أن يرسلوا رجلاً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكلموا عَبْد يالِيل بن عمرو، وعرضوا عليه ذلك فأبي، وقال‏:‏ لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً، فبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك، فصاروا ستة فيهم عثمان بن أبي العاص الثقفي، وكان أحدثهم سناً‏.‏

فلما قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو يدعوهم إلى الإسلام، حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضية صلح بينه وبين ثقيف، يأذن لهم فيه بالزنا وشرب الخمور وأكل الربا، ويترك لهم طاغيتهم اللات، وأن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يقبل شيئاً من ذلك، فخلوا وتشاوروا فلم يجدوا محيصاً عن الاستسلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فاستسلموا وأسلموا، واشترطوا أن يتولي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هدم اللات، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم أبداً‏.‏ فقبل ذلك، وكتب لهم كتاباً، وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي ؛ لأنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم الدين والقرآن‏ ‏(‏وكان من أعظم الناس بركة لقومه في زمن الردة، فإن ثقيفاً لما عزمت على الردة قال لهم‏:‏ يا معشر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلاماً، فلا تكونوا أول الناس ردة، فامتنعوا عن الردة، وثبتوا على الإسلام‏)‏‏.‏

ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة، وخوفهم بالحرب والقتال، وأظهر الحزن والكآبة، وأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سألهم الإسلام وترك الزنا والخمر والربا وغيرها وإلا يقاتلهم‏.‏ فأخذت ثقيفاً نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقي اللّه في قلوبهم الرعب، وقالوا للوفد‏:‏ ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل‏.‏ وحينئذ أبدي الوفد حقيقة الأمر، وأظهروا ما صالحوا عليه، فأسلمت ثقيف‏.‏
وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجالاً لهدم اللات، أمر عليهم خالد بن الوليد، ورجع خالد مع مفرزته إلى رسول اللّْه صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، وحمد الله على نصرة نبيه وإعزاز دينه‏.

9 ـ رسالة ملوك اليمن‏:‏
وبعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك قدم كتاب ملوك حِمْيَر، وهم الحارث بن عبد كُلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان، وقَيْلُ ذي رُعَيْن وهَمْدَان ومُعَافِر، ورسولهم إليه صلى الله عليه وسلم مالك بن مرة الرَّهَاوي، بعثوه بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، وكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بَيَّنَ فيه ما للمؤمنين وما عليهم، وأعطي فيه المعاهدين ذمة اللّه وذمة رسوله إذا أعطوا ما عليهم من الجزية وبعث إليهم رجالاً من أصحابه أميرهم معاذ بن جبل.

10 ـ وفد همدان‏:‏
قدموا سنة 9هـ بعد مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك، فكتب لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كتاباً أقطعهم فيه ما سألوه، وأمر عليهم مالك بن النَّمَطَ، واستعمله على من أسلم من قومه، وأسلم سائرهم على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكتب على ببشارة إسلامهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏(‏السلام على همدان، السلام على همدان‏)‏‏.‏


11 ـ وفد بني فَزَارَة‏:‏
قدم هذا الوفد سنة 9هـ بعد مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك، قدم في بضعة عشر رجلاً جاءوا مقرين بالإسلام، وشكوا جدب بلادهم، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فرفع يديه واستسقي، وقال‏:‏ ‏(‏اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحْي بلدك الميت، اللهم اسقنا غَيْثاً مُغِيثاً، مريئًا مَرِيعاً، طَبَقاً واسعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللّهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولاهَدْم ولا غَرَق ولا مَحْق، اللّهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء‏)‏‏.‏
12ـ وفد نجران‏:‏
وكانت وفادة أهل نجران سنة 9هـ، وقوام الوفد ستون رجلاً منهم أربعة وعشرون من الأشراف، فيهم ثلاثة كانت إليهم زعامة أهل نجران‏.
ولما نزل الوفد بالمدينة، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم سألهم وسألوه، ثم دعاهم إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن فامتنعوا، وسألوه عما يقول في عيسي عليه السلام، فمكث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومه ذلك حتى نزل عليه‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏59: 61‏]‏‏.‏
ولما أصبح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخبرهم بقوله في عيسي ابن مريم في ضوء هذه الآية الكريمة، وتركهم ذلك اليوم ؛ ليفكروا في أمرهم، فأبوا أن يقروا بما قال في عيسي‏.‏ فلما أصبحوا وقد أبوا عن قبول ما عرض عليهم من قوله في عيسي، وأبوا عن الإسلام دعاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة.

ثم اجتمع رأيهم على تحكيم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في أمرهم، فجاءوا وقالوا‏:‏ إنا نعطيك ما سألتنا‏.‏ فقبل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منهم الجزية، وصالحهم على ألفي حُلَّة ‏ ومع كل حلة أوقية، وأعطاهم ذمة اللّه وذمة رسوله‏.‏ وترك لهم الحرية الكاملة في دينهم، وكتب لهم بذلك كتاباً، وطلبوا منه أن يبعث عليهم رجلاً أميناً، فبعث عليهم أمين هذه الأمة أبا عبيدة بن الجراح؛ ليقبض مال الصلح‏.‏

ثم طفق الإسلام يفشو فيهم، فقد ذكروا أن السيد والعاقب (من أسيادهم وكانوا في الوفد) أسلما بعد ما رجعا إلى نجران، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عليّا ؛ ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، ومعلوم أن الصدقة إنما تؤخذ من المسلمين‏.

13 ـ وفد بني حنيفة‏:‏

كانت وفادتهم سنة 9 هـ، وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم مُسَيْلِمة الكذاب نزل هذا الوفد في بيت رجل من الأنصار، ثم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، ما عدا مسيلمة الكذاب فإنه لم يحضر مع سائر الوفد إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أري قبل ذلك في المنام أنه أتي بخزائن الأرض، فوقع في يديه سواران من ذهب، فكبرا عليه وأهماه، فأوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا، فأوَّلَهُمَا كذابين يخرجان من بعده، فلما صدر من مسيلمة ما صدر من الاستنكاف ـ وقد كان يقول‏:‏ إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته ـ جاءه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وفي يده قطعة من جريد، ومعه خطيبه ثابت بن قيس بن شَمَّاس، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فكلمه، فقال له مسيلمة‏:‏ إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك، فقال‏:‏ ‏(‏لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر اللّه فيك، ولئن أدبرتَ ليعقرنك اللّه، واللّه إني لأراك الذي أرِيتُ فيه ما رأيتُ، وهذا ثابت يجيبك عني‏)‏، ثم انصرف‏.‏
وأخيراً وقع ما تَفَرَّسَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن مسيلمة لما رجع إلى اليَمَامة حتى ادعي أنه أشرك في الأمر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فادعي النبوة، وأحل لقومه الخمر والزنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه نبي، وافتتن به قومه فتبعوه وأصفقوا معه، حتى تفاقم أمره، وكتب إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كتاباً قال فيه‏:‏ إني أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر، ولقريش نصف الأمر، فرد عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بكتاب قال فيه‏:‏ ‏(‏إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين‏)‏‏.‏
14ـ وفد بني عامر بن صَعْصَعَة‏:‏

كان فيهم عامر بن الطُّفَيْل عدو اللّه وأرْبَد بن قيس ـ أخو لَبِيد لأمه ـ وخالد بن جعفر، وجَبَّار بن أسلم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم، وكان عامر هو الذي غدر بأصحاب بئر مَعُونة، فلما أراد هذا الوفد أن يقدم المدينة تآمر عامر وأربد، واتفقا على الفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء الوفد جعل عامر يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، ودار أربد خلفه، واخترط سيفه شبراً، ثم حبس اللّه يده فلم يقدر على سله، وعصم اللّه نبيه، ودعا عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجعا أرسل اللّه على أربد وجمله صاعقة فأحرقته، وأما عامر فنزل على امرأة سَلُولِيَّةٍ، فأصيب بغُدَّةٍ في عنقه فمات وهو يقول‏:‏ أغدة كغدة البعير، وموتا في بيت السلولية‏.‏
15ـ وفد تُجِيب‏:‏
قدم هذا الوفد بصدقات قومه مما فضل عن فقرائهم، وكان الوفد ثلاثة عشر رجلاً، وكانوا يسألون عن القرآن والسنن يتعلمونها، وسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها، ولم يطيلوا اللبث، ولما أجازهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثوا إليه غلاماً كانوا خلفوه في رحالهم، فجاء الغلام، وقال‏:‏ واللّه ما أعْمَلَنِي من بلادي إلا أن تسأل اللّه عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي، فدعا له بذلك‏.‏ فكان أقنع الناس، وثبت في الردة على الإسلام، وذكر قومه ووعظهم فثبتوا عليه، والتقي أهل الوفد بالنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخري في حجة الوداع سنة 01 هـ‏.‏

16ـ وفد طيِّـئ‏:‏


قدم هذا الوفد وفيهم زَيْدُ الخَيْلِ ، فلما كلموا النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليهم الإسلام أسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن زيد‏:‏ ‏(‏ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه‏)‏، وسماه زيد الخير‏.‏

وهكذا تتابعت الوفود إلى المدينة في سنتي تسع وعشر، وقد ذكر أهل المغازي والسير منها وفود أهل اليمن، والأزْد وبني سعد هُذَيْم من قُضَاعَة، وبني عامر بن قَيْس، وبني أسد، وبَهْرَاء وخَوْلان ومُحَارِب وبني الحارث بن كعب وغَامِد وبني المُنْتَفِق، وسَلامان، وبني عَبْس، ومُزَيْنَة، ومُرَاد، وزُبَيْد، وكِنْدَة، وذي مُرَّة، وغَسَّان، وبني عِيش، ونَخْع ـ وهو آخر الوفود، توافـد فـي منتصف محـرم سنة 11هـ في مائتي رجـل ـ وكانت وفادة الأغلبية من هذه الوفود سنة 9 و 01 هـ، وقد تأخرت وفادة بعضها إلى سنة 11 هـ‏.‏

وتَتَابُع هذه الوفود يدل على مدي ما نالت الدعوة الإسلامية من القبول التام، وبسط السيطرة والنفوذ على أنحاء جزيرة العرب وأرجائها، وأن العرب كانت تنظر إلى المدينة بنظر التقدير والإجلال، حتى لم تكن تري محيصاً عن الاستسلام أمامها، فقد صارت المدينة عاصمة لجزيرة العرب، لا يمكن صرف النظر عنها، إلا أننا لا يمكن لنا القول بأن الدين قد تمكن من أنفس هؤلاء بأسرهم ؛ لأنه كان وسطهم كثير من الأعراب الجفاة الذين أسلموا تبعاً لسادتهم، ولم تكن أنفسهم قد خلصت بعد عما تأصل فيها من الميل إلى الغارات، ولم تكن تعاليم الإسلام قد هذبت أنفسهم تمام التهذيب‏.‏

وقد وصف القرآن بعضهم بقوله في سورة التوبة‏:‏ ‏{‏الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏97، 98‏]‏

وأثنى على آخرين منهم فقال‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏ التوبة:99]‏‏.‏
أما الحاضرون منهم في مكة والمدينة وثقيف، وكثير من اليمن والبحرين، فقد كان الإسلام فيهم قوياً، ومنهم كبار الصحابة وسادات المسلمين‏.

نور
03-28-2008, 12:45 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على النبي المختار سيد المرسلين الأبرار صلى الله عليه وسلم.
لقد أشرقت الأرض بمقدمه صلى الله عليه وسلم وانجلى الظلام ببعثته عليه السلام وكم أعتصر الحزن تلك القلوب الطاهرة والنيرة بضوء الأيمان وذلك عند نباء وفاته .
فيما يلي سأعرض لكم جزء (نجاح الدعوه واثرهاـــــــ الر الرفيق الأعلى) من كتاب الرحيق المختوم مع عرض بعض الفوائد التي استخلصتها أثناء قراتي لهذا الجزء .

وقبل أن نتقدم خطوة أخري إلى مطالعة أواخر أيام حياة الرسول صلى الله عليه وسلم،ينبغي لنا أن نلقي نظرة إجمالية على العمل الجلل الذي هو فذلكة حياته، والذي امتاز به عن سائر الأنبياء والمرسلين، حتى توج اللّّه هامته بسيادة الأولين والآخرين‏

1ـإنه صلى الله عليه وسلم قيل له‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّاقَلِيلًا‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(72,1,2))‏ الآيات ‏[‏المزمل‏:‏1، 2‏]‏‏.‏ و‏{‏ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ‏قُمْ فَأَنذِرْ‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(73,1,2))‏ ‏[‏المدثر‏:‏1، 2‏]‏ الآيات، فقام وظل قائماً أكثرمن عشرين عاماً يحمل على عاتقه عبء الأمانة الكبري في هذه الأرض، عبء البشرية كلهاوعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى‏

عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عاماً، لا يلهيه شأن عن شأن في خلالهذا الأمد، حتى نجحت الدعوة الإسلامية على نطاق واسع تتحير له العقول، فقد دانت لهاالجزيرة العربية، وزالت غبرة الجاهلية عن آفاقها، وصحت العقول العليلة حتى تركتالأصنام بل كسرت، أخذ الجو يرتج بأصوات التوحيد، وسمع الأذان للصلوات يشق أجواءالفضاء خلال الصحراء التي أحياها الإيمان الجديد، وانطلق القراء شمالاً وجنوباً،يتلون آيات الكتاب، ويقيمون أحكام اللّه‏


2_وتوحدت الشعوب والقبائل المتناثرة، وخرج الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة اللّه، فليس هناك قاهر ومقهور، وسادات وعبيد، وحكام ومحكومون، وظالم ومظلوم، وإنما الناس كلهم عباد اللّه، إخوان متحابون، متمثلون لأحكامه، أذهب اللّه عنهم عُبِّيَّةَ الجاهلية ونخوتها وتعاظمها بالآباء، ولم يبق هناك فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب‏.‏



لما قامت هذه الدعوة بدورها في حياة البشرية، خلصت روح البشر من الوهم والخرافة، ومن العبودية والرق، ومن الفساد والتعفن، ومن القذارة والانحلال، وخلصت المجتمع الإنساني من الظلم والطغيان، ومن التفكك والانهيار، ومن فوارق الطبقات، واستبداد الحكام، واستذلال الكهان، وقامت ببناء العالم على أسس من العفة والنظافة، والإيجابية والبناء، والحرية والتجدد، ومن المعرفة واليقين، والثقة والإيمان، والعدالة والكرامة، ومن العمل الدائب لتنمية الحياة، وترقية الحياة، وإعطاء كل ذي حق حقه في الحياة‏.‏
فــــــــــــأئده:ـ
اـ إستجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر الدعوه
2ـ صبره وتحمله المشاق للوصول الى إعلاء كلمة التوحيد وإلى وحدة الصف الإسلامي
3ـ على الداعيه الى الاسلام الصبر لان طريق الدعوه طريق شاق
4_اساس التفاضل بين المسلمين التقوى
حجـة الــوداع
تمت أعمال الدعوة، وإبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد على أساس إثبات الألوهية للّه، ونفيها عن غيره، وعلى أساس رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن هاتفاً خفياً انبعث في قلب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يشعره أن مقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذا على اليمن سنة 01هـ قال له ـ فيما قال‏:‏ ‏(‏يا معاذ، إنك عسي ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري‏)‏، فبكي معاذا خشعاً لفراق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏
وشاء اللّه أن يري رسوله صلى الله عليه وسلم ثمار دعوته، التي عاني في سبيلها ألواناً من المتاعب بضعاً وعشرين عاماً، فيجتمع في أطراف مكة بأفراد قبائل العرب وممثليها، فيأخذوا منه شرائع الدين وأحكامه، ويأخذ منهم الشهادة على أنه أدي الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة‏.‏



أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بقصده لهذه الحجة المبرورة المشهودة، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم للرحيل ، فتَرَجَّل وادَّهَنَ ولبس إزاره ورداءه وقَلَّد بُدْنَه، وانطلق بعد الظهر، حتى بلغ ذا الحُلَيْفَة قبل أن يصلي العصر، فصلاها ركعتين، وبات هناك حتى أصبح‏.‏ فلما أصبح قال لأصحابه‏:‏ ‏(‏أتاني الليلة آت من ربي فقال‏:‏ صَلِّ في هذا الوادي المبارك وقل‏:‏ عمرة في حجة‏)‏‏.‏
صفة احرامه :ـ



وقبل أن يصلي الظهر اغتسل لإحرامه، ثم طيبته عائشة بيدها بذَرِيَرة وطيب فيه مِسْك، في بدنه ورأسه، حتى كان وبَيِصُ الطيب يري في مفارقه ولحيته، ثم استدامه ولم يغسله، ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلي الظهر ركعتين، ثم أهل بالحج والعمرة في مُصَلاَّه، وقَرَن بينهما، ثم خرج، فركب القَصْوَاءَ، فأهَلَّ أيضاً، ثم أهَلَّ لما استقلت به على البَيْدَاء‏.‏
صفة حجه صلى الله عليه وسلم:ـ



واصل سيره حتى قرب من مكة، فبات بذي طُوَي، ثم دخل مكة بعد أن صلي الفجر واغتسل منصباح يوم الأحد لأربع ليال خلون من ذي الحجة سنة 01هـ ـ وقد قضي في الطريق ثمانيليال، وهي المسافة الوسطي ـ فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت، وسعي بين الصفاوالمروة، ولم يَحِلَّ ؛لأنه كان قارناً قد ساق معه الهدي، فنزل بأعلى مكة عندالحَجُون، وأقام هناك، ولم يعد إلى الطواف غير طواف الحج‏.وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ـ وهو يوم التَّرْوِيَة ـ توجه إلىمني، فصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ـ خمس صلوات ـ ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، فأجاز حتى أتي عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بَنَمِرَة، فنزل بها،حتى إذا زالت الشمس أمر بالقَصْوَاء فرحلت له، فأتي بطن الوادي، وقد اجتمع حوله مائة ألف وأربعة وعشرون أو أربعة وأربعون ألفاً من الناس، فقام فيهم خطيباً، وألقى هذه الخطبة الجامعة‏:‏
‏(‏أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً‏)‏‏.‏
‏(‏إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا،في بلدكم هذا‏.‏ ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهليةموضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هُذَيْل ـ وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله‏)‏‏.‏
‏(‏فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏)‏‏.‏
‏(‏وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب اللّه‏)‏‏.‏
‏(‏أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم،وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم،وأطيعوا أولات أمركم، تدخلوا جنة ربكم‏)‏‏.‏
‏(‏وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نشهد أنك قدبلغت وأديت ونصحت‏.‏
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس‏:‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏ ثلاث مرات‏.‏
وكان الذي يصرخ في الناس بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ وهوبعرفة ـ ربيعة بن أمية ابن خَلَف‏.‏
وبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليهقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏} (http://java******%3cb%3e%3c/b%3E:openquran(4,3,3))‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏]‏،ولما نزلت بكي عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما يبكيك‏؟‏‏)‏ قال‏:‏أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص،فقال‏:‏ ‏(‏صدقت‏)‏‏.‏
وبعد الخطبة أذن بلال ثم أقام، فصلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلمبالناس الظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتي الموقف،فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخَرَات ، وجعل حَبْل المشاة بين يديه، واستقبلالقبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القُرْص‏.‏
وأردف أسامة، ودفع حتى أتي المُزْدَلِفَة، فصلي بها المغرب والعشاءبأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلي الفجرحين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتي المَشْعَرَ الحرام،فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلّله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسْفَر جِدّا‏.‏
فَدَفَع ـ من المزدلفة إلى مني ـ قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتى أتي بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطي التي تخرجعلى الجمرة الكبري، حتى أتي الجمرة التي عند الشجرة ـ وهي الجمرة الكبري نفسها،كانت عندها شجرة في ذلك الزمان، وتسمي بجمرة العَقَبَة وبالجمرة الأولي ـ فرماهابسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصي الخَذْف، رمي من بطن الوادي، ثم انصرفإلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أعطي علياً فنحر ما غَبَرَ ـ وهي سبعوثلاثون بدنة، تمام المائة ـ وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت فيقِدْر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مَرَقِها‏.‏
ثم ركب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلي بمكةالظهر، فأتي على بني المطلب يَسْقُون على زمزم، فقال‏:‏ ‏(‏انزعوا بني عبد المطلب،فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم‏)‏، فناولوه دلواً فشرب منه‏.‏
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ـ عاشر ذي الحجة ـ أيضاًحين ارتفع الضحي، وهو على بغلة شَهْبَاء، وعلى يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد ،وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، فقد روي الشيخان عن أبي بكرة قال‏:‏خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال‏:‏ ‏(‏إن الزمان قد استدار كهيئتهيوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادي وشعبان‏)‏‏.‏
وقال‏:‏ ‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال‏:‏ ‏(‏أليس ذا الحجة‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ بلي‏؟‏ قال‏:‏‏(‏أي بلد هذا‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغيراسمه، قال‏:‏ ‏(‏أليست البلدة‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ بلي‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فأي يوم هذا‏؟‏‏)‏قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ فسكت حتى ظننا أنه سيسمية بغير اسمه، قال‏:‏ ‏(‏أليس يوم النحر‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ بلي‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامكحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا‏)‏‏.‏
‏(‏وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏.‏
‏(‏ألا هل بلغت‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فَرُبَّ مُبَلَّغ أوعي من سامع‏)‏‏.‏
فــــــــــــــــــائده:ـ


1_إن أول ما يلفت النظر في حجة الوداع هذا الجمهور الضخم الذين حضروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مختلف أنحاء الجزيرة العربية، مؤمنين به، مصدقين برسالته، مطيعين لأمره، وقد كانوا جميعاً قبل ثلاثة وعشرين سنة فحسب على الوثنية والشرك، ينكرون مبادئ رسالته، ويعجبون من دعوته الى التوحيد، وينفرون من تنديده بآبائهم الوثنيين، وتسفيهه لاحلامهم، بل كان كثير منهم قد ناصبوه العداء، وتربصوا به الشر، وبيتوا على قتله، وألبّوا عليه الجموع، وجالدوه بالسيوف والرماح، فكيف تم هذا الانقلاب العجيب في مثل هذه المدة القصيرة،
2ـوكيف استطاع صلى الله عليه وسلم أن يحول هذه الجموع من وثنيتها وجاهليتها وترديها وتفرقها الى توحيد الله وعلم ذاته وصفاته، واجتماع الكلمة، ووحدة الهدف والغاية؟ وكيف كسب حب هذه القلوب بعد عداوتها، وهي المعروفة بشدة الشكيمة وعنف الخصام؟ ألا إن إنساناً مهما بلغت عبقريته، ودهاؤه، وقوة شخصيته ليستحيل أن يصل إلى هذا في مئات السنين، وما سمعنا بهذا في الأولين والآخرين، إن هو إلا صدق الرسالة، وتأييد السماء، ونصرة الله، ومعجزة الدين الشامل الكامل الذي أتم الله به نعمته على عباده، وختم به رسالاته للناس، وأراد أن ينهي به شقاء أمة كانت تائهة في دروب الحياة، مستذلة للأهواء العصبيات، وأن يدلها على طريق الهداية، ويفتح أعينها لأشعة الشمس، ويقلدها قيادة الأمم، ويحوُّل بها مجرى التاريخ، ويمحي بها مهانة الانسان، ويورثها الحكمة والكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب.
مائة وأربعة عشر ألفاً كانوا له مكذبين، فأصبحوا له مصدقين، وكانوا له محاربين، فأصبحوا له مذعنين، وكانوا له مبغضين، فأصبحوا له محبين، وكانوا عليه متمردين، فأصبحوا له طائعين، كل ذلك في ثلاث وعشرين من السنين.. ذلك هو صنع الله الحق المبين، فتعالى الله عما يشركون، وتنزهت ذات رسوله عما يقول الملحدون، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
3ـما يلفت النظر في حجة الوداع هذا الخطاب القوي الحكيم الذي خاطب به رسول الله الناس أجمعين، وتلك المبادئ التي أعلنها بعد إتمام رسالته ونجاح قيادته، مؤكدة للمبادئ التي أعلنها في أول دعوته، يوم كان وحيداً مضطهداً، ويوم كان قليلاً مستضعفاً، مبادئ ثابتة لم تتغير في القلة والكثرة، والحرب والسلم، والهزيمة والنصر، وإعراض الدنيا وإقبالها، وقوة الأعداء وضعفهم، بينما عرفنا في زعماء الدنيا تقلباً في العقيدة والمبدأ، وتبايناً في الضعف والقوة، وتغيراً في الوسائل والأهداف، يظهرون خلاف ما يبطنون، وينادون بغير ما يعتقدون، ويلبسون في الضعف لبوس الرهبان، وفي القوة جلود الذئاب، وما ذلك إلا لأن هؤلاء رسل المصلحة، وأولئك رسل الله وشتان بين من يحوم فوق الجيف، وبين من يسبح في بحار النور، شتان بين الذين يعملون لأنفسهم، وبين الذين يعملون لإنسانيتهم، شتان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن ?الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون? [البقرة: 257].
4ـ الدروس العمليه اللتي يستفيدها المسلمين من صفة حجه عليه السلام
5ـ على الدعاه والأئمه الاستفاده من سيرته صلى الله عليه وسلم وليكن لهم قدوه في الوعظ والارشاد

آخر البعوث‏
1ـكانت كبرياء دولة الرم قد جعلتها تأبي حق الحياة على من آمن بالله ورسوله، وحملها على أن تقتل من أتباعها من يدخل في الإسلام، كما فعلت بفَرْوَة بن عمرو الجُذَامِي، الذي كان والياً على مَعَان من قبل الروم‏.‏
2ـونظراً إلى هذه الجراءة والغطرسة، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز جيشاً كبيراً في صفر سنة 11هـ، وأمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أنيوطئ الخيل تُخُوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، يبغي بذلك إرهاب الروم وإعادةالثقة إلى قلوب العرب الضاربين على الحدود، حتى لا يحسبن أحد أن بطش الكنيسة لامعقب له، وأن الدخول في الإسلام يجر على أصحابه الحتوف فحسب‏.‏
3ـ وتكلم الناس في قائد الجيش لحداثة سنه، واستبطأوا في بعثه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارةأبيه من قبل، وايم الله، إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلى، و إنهذا من أحب الناس إلى بعده‏)‏‏.‏وانتدب الناس يلتفون حول 4ـأسامة، وينتظمون في جيشة، حتى خرجوا ونزلواالجُرْف، على فَرْسَخ من المدينة، إلا أن الأخبار المقلقة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ألزمتهم التريث، حتى يعرفوا ما يقضي الله به، وقد قضي الله أن يكون هذا أول بعث ينفذ في خلافة أبي بكر الصديق‏.‏
فــــــــــــائده:ـ


1ـثم يتجلى من جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش لأسامة بن زيد وهو شاب في سن العشرين وتحت لوائه شيوخ المهاجرين والأنصار، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهم من هم في سبقهم الى الاسلام، وحسن بلائهم فيه، وتقدمهم في السن والمكانة على أسامة، ان في هذا سنة حميدة من سنن الاسلام في الغاء الفوارق بين الناس من جاه وسنٍّ وفضل، وتقديم الكفء الصالح لها مهما يكن سنِّه ومكانته،
2ـ ثم في رضى هؤلاء العظماء الذين أثبت التاريخ من بعد أن التاريخ لم ينجب مثلهم في عظمتهم وكفاءاتهم، على أن يكونوا تحت إمرة أسامة الشاب، ما يدل على مدى التهذيب النفسي والخلقي الذين وصلوا اليه بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدايته وتربيته وإرشاده.
3ـسابقة عظيمة لم تعهدها أمة من الأمم، تدل على وجوب فسح المجال لكفاءات الشباب وعبقرياتهم، وتمكينهم من قيادة الأمور حين يكونون صالحين لذلك،
4ـ ورضي الله عن أسامة الشاب، وهنيئاً له ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفاءة قيادته وصدق عزيمته، وحسن إسلامه، رضي الله عنه وجعله قدوة لشبابنا المؤمنين العاملين.

طلائع التوديع تظهر في عبارته وتتضح في افعاله :
1- أعتكف في رمضان عشرين يوما وكان لايعتكف إلا عشرة ايام.
2- تدارسه جبريل القران مرتين
3- قوله صلى الله عليه وسلم في جحة الوداع( إني لا ادري لعلي لاالقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا)
4- قال وهو يرمي جمرة العقبة( خذوا عني مناسككم لعلي لااحج بعد عامي هذا .)
5- أنزلت عليه سورة النصر في اوسط ايام التشريق فعرف انه الوداع وانه نعيت اليه نفسه
فـائــده :

1_حرصه صلى الله عليه وسلم على الاستزاده من الاجر والثواب وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما حالنا نحن .، وعلينا الحرص على فعل الخيرات والاستعداد ليوم البعث والحساب
2_حرصه على تمسك المسلمين بالنسك الصحيح بعد وفاته ولكن نسأل الله العفو والسلامه من البدع التى ظهرت في الحج وغيره .فعلينا الحذر منها ونشر التوعيه لمن حولنا
*************************************************
اليوم : اوائل صفر 11هجريه.
في سنة 11هجريه خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد وصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات ثم انصرف إلى المنبر وقال( أني فرطتكم وأني شهيد عليكم وأني والله لا أنظر الى حوضي الان وقد اعطيت مفاتيح خزائن الأرض او مفاتيح الأرض واني والله ما أخاف ان تشركو بعدي ولكني اخاف عليكم أن تتنافسوا فيها .)
فــائــده :
حرصه صلى الله عليه وسلم على عقيدة المسلمين وعلى وحدة الصف الاسلامي حتى بعد وفاته .وخوفه على امته من التنافس على الحياة الدنيا وزينتها وهذا مايحصل الان وكم نرى ونسمع نزاعات بين افراد وقبائل من اجل قطعة ارض اوتقسيم ارث ،نسأل الله العفو والسلامه اللهم لاتجعل الدنيا اكبر همنا
*********************************************
ثم خرج الى اهل البقيع وأستغفر لهم وقال : السلام عليكم ياأهل المقابر ليهن لكم ما اصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه , أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم تتبع اخرها اولها والاخره شر ن الاولى .وبشرهم قائلا: ( أنا بكم للاحقون )
فــائــده :

من هذا الحديث يتضح لنا تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الفتنه التى ظهرت والتى ستظهر وقانا الله واياكم منها .
بداية مرضه صلى الله عليه وسلم :
اليوم الاثنين / 29صفر / 11هجريه
شعر صلى الله عليه وسلم بصداع في راسه وارتفعت حرارته حتى كانوا يجدون حرها فوق العصابه التى تعصب بها راسه .
صلى بالناس وهو مريض 11يوما .
أيام مرضه كانت 13او14 يوما
الأسبوع الاخير
أزداد المرض على الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل يسأل أزواجه (أين انا غدا)
ففهمنا مراده فأذن له يكون حيث شاء
أنتقل الى منزل السيدة عائشه رضى الله عنها فكانت السيده عائشه رضى الله عنها تقرأ المعوذات والادعيه التى حفضتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تنفث على نفسه وتمسحه بيده رجاء بركته .
فـائـده :
تفهم ازواجه رضى الله عنهن لمراده وهذا من حرصهم على ارضاءه صلى الله عليه وسلم .
المحبه والاولفه التى ببين ازواجه صلى الله عليه وسلم .
محبته لعائشه وحرصه ان يكون عندها في ايامه الاخيره .
ليت الزوجات في هذا الزمان يحرصون على رضاء ازواجهم ويقتدين بأمهات المؤمنين رضي الله عنهم .

اليوم الأربعاء : قبل وفاته بخمسة أيام.
أشتد عليه المرض مما زاد الحراره فأشتد به الوجع وغمى عليه قال( هريقوا على سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج الى الناس فأعهد اليهم ).
ثم دخل المسجد وهو معصوب الرأس وخطب في الناس وقال (لعنة الله على اليهود والنصارى أتخذوا قبور أنبايئهم مساجد )
وقال (لاتتخذوا قبري وثنناً يعبد)
فــائــده :
حرصه صلى الله عليه وسلم على بث تعاليم الاسلام الصحيحه وهو في مرض الموت .
خوفه على أمته من الشرك اللذي يقع فيه الكثير الان وقانا الله وأياكم من الشرك وأهله .

وعرض نفسه للقصاص قائلا(من كنت جلدة له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمة له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه )
فــائــده:
أنظرى الى مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يأخذ كل ذي حق حقه وهو المنزهه من كل سوء فأين نحن منك يارسول الله فكم تنتشر الغيبه والنميمه والبغضاء والشحناء وكم بطشنا بأيدنا وكم تسلط البعض على الاخر بالسب والشتم نسأل الله التوبة النصوح .
ثم نزل وصلى الظهر وجلس على المنبر وعاد الى مقالته الاولى فالشحناء وغيرها فقال رجل أنى لي عندك ثلاث دراهم فقال أعطه يافضل .
فـائــده :
شدة حرصه على أن يأخذ كل ذى حق حقه ونحن نرى الان يقترض عند الحاجه وعندماتتيسر أموره لايرد الدين ولكن الى متى .
لقد وصى بالانصار فقال ( أن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم امرا يضر فيه احدا او ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم .
فـائــده :
أعترافه صلى الله عليه وسلم بفضل الأنصار وعرفانه بجميلهم وحبه لهم فليكن لا أولى الفضل مكان بيننا .

قال عليه الصلاة والسلام (أن عبدا خيره الله من يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فختار ما عنده )
قال ابو سعيد الخدري فبكى ابو بكر قال فديناك بآبائنا وامهاتنا فعجبنا له .
فـائــده :
هل عرفتم من هو ذلك الرجل أنه محمد عليه الصلاة والسلام لقد خيره الله بين ما عنده وبين زهرة الحياة الدنيا وقد أختار ما عند الله وماعند الله خير وأبقى على ما في الدنيا من نعيم زائل فعلمي أخيتي أن نعيم الدنيا زائل وأعملي لجنة عرضها السموات والأرض .

*******************************************
ثم قال عليه الصلاة والسلام(أن من أمن الناس في صحبته وماله ابو بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لا اتخذت ابو بكر خليلا ولكن أخوة الأسلام ومودته لايبقين في المسجد بابا اللا سد اللا باب ابي بكر )
فـائــده :
بين فضل ابي بكر رضي الله عنه وليكن خير قدوة لنا في محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وأتباع أوامره .
يوم الخميس قبل الوفاة بأربع أيام .
1- أشتد به الوجع أوصى بثلاث وصايا
أخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب
إجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه
أما الثالث الاعتصام بالكتاب والسنه أو تنفيذ جيش أسامه
وكان صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس جميع صلاوته حتى ذلك اليوم ( يوم الخميس قبل الوفاه بأربع أيام )
وقد صلى في ذلك اليوم صلاة المغرب عند العشاء زاد ثقل المرض بحيث لم يستطع الخروج الى المسجد وصلى بالناس ابو بكر .
فـائــده :
حرصه على أن تبقى جزيرة العرب وهي بلاد الأسلام في ذلك الوقت خالية من الكفر والشرك ووصيته بالصلاة والحفاظ عليها قلما نجد من يحافظ عليها الآن .
قبل يوم أو يومين من وفاته يوم السبت أو الأحد .
وجد في نفسه خفه فخرج بين رجلين لصلاة الظهر وابو بكر يصلى بالناس فلما رآه ابو بكر ذهب ليتاخر أومأ اليه بأن لايتاخر قال (أجلساني الى جنبه )فأجلساه الى يسار ابي بكر فكأن ابو بكر يقتدى بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمع الناس بالتكبير .
فـائــده :
حرصه على صلاة الجماعه ووحدة الصف الأسلامي .
قبل يوم من وفاته عليه الصلاة والسلام
يوم الأحد قبل يوم الوفاه
1- أعتق النبي صلى الله عليه وسلم غلمانه وتصدق بسبع دنانير كانت عنده ووهب للمسلمين أسلاحته .
فـائــده :
حرصه على فعل الخير من عتق وصدقه في آخر أيامه فأين نحن من فعل الخيرات .
أخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم .
يوم الأثنين ربيع الاول سنة 11هجريه
بينما كان المسلمون في صلاة فجر يوم الأثنين وابوبكر يصلى بهم لم يفاجئهم اللا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشه فنظر اليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك فكانت هذه اخر صلاة ثم لم يأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة أخرى .
فـائــده :
تبسمه وسروره من وحدة الصف الأسلامي وأن أتم الله نعمة الأسلام والمسلمين .
لما أرتفع الضحى دعى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت قالت عائشه فسألنا عن ذلك فقالت سر النبي أنه يقبض في وجعه اللذي توفي فيه فبكيت ثم سرني فأخبرني أن أول أهله اتبعه فضحكت وبشر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين .
فـائــده :
فضل السيدة فاطمة رضي الله عنها أول من يقبض من أهله بعده وسيدة نساء العالمين .
*********************************************
ودعى الحسن والحسين فقبلهما وأوصى بهما خيرا ودعى أزواجه ووعظهن وذكرهن وطفق الوجع يشتد ويزيد فأوصى الناس فقال الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم .
فـائــده :
حبه للحسن والحسين ومدى عطفه عليهما
حرصه على وعظ أزواجه
بيان فضل الصلاه وهو في اشدالمه فما اكثر المتهاونين بالصلاه جهلا وكسلا منهم فلابد ان يكون للاهل دور في توعية ابنائهم هدى الله الجميع الى مايحب ويرضى

أخيرا الأحتضار
ضحى يوم الأثنين 12 ربيع الأول 11هجريه .عمره 63 سنه وأربعة أيام
بدأ الأحتضار فأسنتدته عائشه أليها وكانت تقول أن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته.
دخل عبدالرحمن بن أبي بكر وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرايته ينظر اليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت أخذه لك ؟ فأشار براسه أن نعم , فتناولته ،فأشتد عليه، فقلت له:الينه لك.فأشار برأسه أن نعم، فلينته.وفي روايه انه استن به كأحسن ماكان مستنناوبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء ويمسح بها وجهه يقول (لااله اللا الله أن للموت سكرات ) وبعد أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو أصبعه وشخص بصره نحو السقف وتحركة شفتاه فأصغت اليه عائشه وهو يقول مع "مع اللذين أنعمت عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين اللهم أغفرلي وأرحمني والحقني بالرفيق الاعلى اللهم الرفيق الاعلى " كرر الكلمة الاخيرة ثلاثا ولحق بالرفيق الاعلى .
فـائــده :
فضل السيدة عائشه رضى الله عنها
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها وفي يومها وعلى صدرها وجمع الله بين ريقه وريقها فليكن لنا في أمهات المؤمنين أسوة حسنه فقد كن نعم الزوجات البارات ونعم الفقيهات الصالحات .
بيان منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مع اللذين أنعم الله عليهم من النببين والصدقين والشهداء والصالحين .
شدة سكرات الموت على سيد الخلق والمرسلين المنزهه من كل ذنب فكيف بنا نحن اللهم أرحمنا وأحسن خاتمتنا .

موقف الصحابه بعد موته

‏‏
وتسرب النبأ الفادح، وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها‏ ولا يوجد

حب في الدنيا يبلغ حب هؤلاء الصحابة الأبرار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد هداهم الله به، وأنقذهم من الظلمات إلى النور، وغير حياتهم، وفتح عقولهم وأبصارهم، وسما بهم إلى مراتب القادة العظماء، ثم هو في حياته مربيهم وقاضيهم ومرشدهم يلجؤون اليه في النكبات، ويسترشدونه في الحوادث، ويأخذون خرج أبو بكر الى الناس، فخطب فيهم وقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً، فان محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فان الله حيٌّ لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: ?وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين? [آل عمران: 144]. فلما تلاها أبو بكر أفاقوا من هول الصدمة، وكأنهم لم يسمعوها من قبل، قال أبو هريرة: قال عمر: فوالله ما هو الا أن سمعت أن أبا بكر تلاها فعقرت – أي دهشت وتحيرت – حتى وقعت الى الأرض وما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
فائـــــــــــده
أولهما: أن الصحابة دهشوا لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لكأن الموت لا يمكن أن يأتيه، مع أن الموت نهاية كل حي، وما ذلك إلا لحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حباً امتزج بدمائهم وأعصابهم، والصدمة بفقد الأحباب تكون على قدر الحب، ونحن نرى من يفقد ولداً أو أباً كيف يظل أياماً لا يصدق أنه فقده، وأي منه خطاب الله لهم وحديثه اليهم وتعليمه لهم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع ذلك كله، فأي صدمة أبلغ من هذه الصدمة وأشدها أثراً.
ثانيهما: أن موقف أبي بكر دل على أنه يتمتع برباطة جأش وقوة أعصاب عند النكبات لا يتمتع بها صحابي آخر. وهذا ما جعله أولى الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثبت ذلك في حركة الردة في جزيرة العرب

التجهيز وتوديع الجسد الشريف إلى الأرض‏‏

ووقع الخلاف في أمرالخلافة قبل أن يقوموا بتجهيزه صلى الله عليه وسلم، فجرت مناقشات ومجادلات وحوار وردود بين المهاجرين والأنصار في سَقِيفة بني ساعدة، وأخيرًا اتفقوا على خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ومضي في ذلك بقية يوم الاثنين حتى دخل الليل، وشغل الناس عن جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان آخر الليل ـ ليلة الثلاثاء ـ مع الصبح، وبقي جسده المبارك على فراشه مغشي بثوب حِبَرَة، قد أغلق دونه الباب أهله‏.‏
ويوم الثلاثاء غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يجردوه من ثيابه، وكان القائمون بالغسل‏:‏ العباس وعليّا، والفضل وقُثَم ابني العباس، وشُقْرَان مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلي، فكان العباس والفضل وقثم يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلى يغسله، وأوس أسنده إلى صدره‏.‏
وقد غسل ثلاث غسلات بماء وسِدْر، وغسل من بئر يقال لها‏:‏ الغَرْس لسعد بن خَيْثَمَة بقُبَاء وكان يشرب منها‏.‏
ثم كفنوه في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِيَّة من كُرْسُف، ليس فيها قميص ولا عمامة‏.‏ أدرجوه فيها إدراجًا‏.‏
واختلفوا في موضع دفنه، فقال أبو بكر‏:‏ إني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما قبض نبي إلا دفن حيث يـقبض‏)‏، فرفع أبو طلحة فراشه الذي توفي عليه، فحفر تحته، وجعل القبر لحداً‏.‏
ودخل الناس الحجرة أرسالاً، عشرة فعشرة، يصلون على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أفذاذاً، لا يؤمهم أحد، وصلي عليه أولاً أهل عشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الصبيان، ثم النساء، أو النساء ثم الصبيان‏.‏
ومضى في ذلك يوم الثلاثاء كاملاً، ومعظم ليلة الأربعاء، قالت عائشة‏:‏ ما علمنا بدفن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المسَاحِي من جوف الليل ـ وفي رواية‏:‏ من آخر الليل ـ ليلة الأربعاء‏.‏
فائــــــــــده


مهما اختلفت اراء المسلمين تتحد كلمتهم وتتفق ارائهم في النهايه
كرامة الرسول محفوظة حتى بعد موته فلم يجرد من ثيابه
مبداء الإسلام الشورى والتشاور في كل شيء حتى في مكان دفنه عليه السلام
حرص الصحابة ونساءهم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
فبأبي أنت وأمي يا رسول الله

وهكذا انطوت صفحة مشرقه من صفحات الامه الاسلاميه معطرة بالسيره النبويه العطره
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم انك حميد مجيد

نور
03-28-2008, 12:48 PM
البيت النبوي



كان البيت النبوي في مكه قبل الهجره يتألف منه عليه الصلاة والسلام ومن زوجته خديجه بنت خويلد وهي اول من تزوجه من النساء ولم يتزوج عليها غيرها وكان له من منها ابناء وبنات اما الابناء فلم يعش منهم احد واما البنات فهن : زينب ورقيه وام كلثوم وفاطمه .
ومعلوم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتاز عن امته بحل التزوج باكثر من اربع زوجات لاغراض كثيره فكان من عقد عليهن ثلاثة عشره امراه منهن تسع مات عنهن واثنتان توفيتا في حياته واما السراري فالمعروف انه تسرى باثنتين .

ومن نظر الى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عرف جيدا ان زواجه بهذا العدد الكثير من النساء لم يكن لاجل انه وجد بغتة في نفسه قوة عارمه من الشبق لايصبر معها الا مثل هذا العدد الكثير من النساء بل كانت هناك اغراض آخرى اجل واعظم من الغرض الذي يحققه عامة الزواج , فا تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم الى مصاهرة ابي بكر وعمر بزواجه بعائشه وحفصه وكذلك تزوجيه ابنته فاطمه بعلي بن ابي طالب وتزوجيه ابنتيه رقيه ثم ام كلثوم بعثمان بن عفان يشير الى انه يبغي من وراء ذلك توثيق الصلات بالرجال الاربعه الذي عرف بلاءهم وفداءهم لللا سلام في الازمات التي مرت به وشاء الله ان يجتازها بسلام.

ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتزكية وتثقيف قوم لم يكونوا يعرفون شيئا من آداب الثقافه والحضاره والتقيد بلوازم المدينه والمساهمه في بناء المجتمع وتعزيزه والمبادئ التى كانت اسسا لبناء المجتمع الاسلامي لم تكن تسمح للرجال ان يختلطوا بالنساء فلم يكن يمكن تثقيفهن مباشره مع المراعاه لهذه المبادئ مع ان مسيس الحاجه الى تثقيفهن مباشره لم يكن اهون واقل من الرجال بل كان أشد وأقوى .
واذن فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم سبيل الا ان يختار من النساء المختلفه الاعمار والمواهب ما يكفي لهذا الغرض فيزكيهن ويربيهن ويعلمهن الشرائع والاحكام ويثقفهن بثقافة الاسلام حتى يعدهن لتربية البدويات والحضريات العجائز منهن والشابات فيكفين مؤنة التبليغ في النساء وقد كان لامهات المؤمنين فضل كبير في نقل احواله صلى الله عليه وسلم المنزليه للناس خصوصا من طالت حياته منهن كعائشه فانها روت كثيرا من افعاله واقواله.

هذا وكانت عشرته صلى الله عليه وسلم مع امهات المؤ منين في غاية الشرف والنبل والسمو والحسن كما كن في اعلى درجة من الشرف والقناعه والصبر والتواضع والخدمه والقيام بحقوق الزواج مع انه كان في شظف من العيش لايطيقه احد قال انس : ما اعلم النبي صلى الله عليه وسلم راى رغيفا مرفقا حتى لحق بالله ولاراى شاة سميطا بعينه قط وقالت عائشه : ان كنا لننظر الى الهلال ثلاثة اهلة في شهرين وما اوقدت في ابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار . فقال لها عروه: ما كان يعيشكم ؟ قالت : الاسودان ، التمر والماء ومع هذا الشظف والضيق لم يصدر منهن ما يوجب العتاب الا مره واحده حسب مقتضى البشريه وليكون سببا لتشريع الاحكام فانزل آية التخيير
( ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياه الدنيه وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحا جميلا وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخره فان الله اعد للمحسنات منكن آجرا عظيما ) الاحزاب 28 .29
تم بحمد الله

أحمد اسماعيل
03-28-2008, 12:59 PM
نور ... المتألقة بعطائك ومواضيعك القيمة



مشاء الله كتاب أكثر من رائع بابوابه وشرحه القيم

تسلسل وشرح يسهل الفهم ويعطى المتلقى المعلومة بكل سهولة

سيرة عطرة لاشرف الخلق نبينا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم

جزاك الله كل الخير وجعل ما تقومى به فى ميزان حسناتك

تقبلى منى كل الود والاحترام

بحر النسيان
09-07-2008, 03:24 PM
http://www.al-qatarya.org/qtr/qatarya_P7q3HgAuE4.gif

طارق سرور
06-28-2011, 06:13 PM
طرح قمة فى الإفادة والنفع

جزاك الله خيرا عنه اختى نوووور

ملكة بإحساسي
06-30-2011, 10:49 AM
جزاكِ الله خيرا حبيبتي
بارك الله فيك طرح موفق ورائع ومميز
بوركت الله يعطيك العافيه
ادام الله نبض قلبك ودمتي تظللك السعاده
وزودك الله من تقاهـ، ومن النار وقاكـ
وللفضيله هداكـ والفردوس سُكناكـ
حفظكـ من أوجدكـ

سوسو كاتي
11-15-2011, 11:39 AM
واااااويا طنط نور
ايه العسل ده