المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كان من افكه الناس


بسبوسه
04-01-2008, 11:10 AM
الضحك والمرح و روح الفكاهة سلوك اجتماعي يرتبط بالإنسان دون غيره من المخلوقات ، فالإنسان حيوان ضاحك ، و قد اعتبره البعض فنًّا ابتدعته النفس البشرية لمواجهة ما في حياتها من شدة و قسوة و حرمان ، و لكن الحقيقة أنه آية من آيات الله في خلق البشر ، فهو سبحانه الذي ميّز الإنسان بالضحك والبكاء إلى جانب أشياء أخرى كثيرة على رأسها العقل والنطق قال تعالى : " وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى " ( سورة النجم ) .
و إسلامنا دين عظيم ، لا يصادر الفطرة البشرية و حاجة الإنسان إلى المرح والضحك والانبساط ، بل على العكس ، يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة ، و يحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشة ، و يكره الشخصية المكتئبة المتطيرة ، التي لا تنظر إلى الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود .
و أسوتنا في ذلك هو رسول الله ( ص ) فقد كان ـ رغم همومه الكثيرة والمتنوعة ـ يمزح و لا يقول إلا حقًّا ، و كان بسّامًا ، و كان لا يحدث بحديث ـ كما قال أبو الدرداء ـ إلا تبسم ، و كان يحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية ، يشاركهم في ضحكهم و لعبهم و مزاحهم ، كما يشاركهم آلامهم و أحزانهم و مصائبهم .
و قد وصف الصحابة رسول الله ( ص ) بأنه كان من أفكه الناس ، و كان في بيته ( ص ) يمازح زوجاته و يداعبهن ، و يستمع إلى أقاصيصهن ، فقد تسابق السيدة عائشة فسبقته في المرة الأولى ، و بعد مدة تسابق معها فسبقها ، فقال لها : " هذه بتلك " ، أي واحدة بواحدة .
و قد روي أنه وطّأ ظهره للحسن والحسين ، في طفولتهما ليركبا ، و يستمتعا دون تزمت و لا تحرج ، و قد دخل عليه أحد الصحابة و رأى هذا المشهد فقال : نعم المركب ركبتما ، فقال عليه الصلاة والسلام : " و نعم الفارسان هما " !
و في مرة أخرى وجدنا النبي ( ص ) يمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال لها : " يا أم فلان ، إن الجنة لا يدخلها عجوز ! " فبكت المرأة ، حيث أخذت الكلام على ظاهره ، فأفهمها ( ص ) : أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا ، بل شابة حسناء ، و تلا عليها قول الله تعالى في نساء الجنة : " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا " (الواقعة : 35 ـ 37) ، و كان ( ص ) يحب إشاعة السرور والبهجة في حياة الناس ، و خصوصًا في المناسبات مثل الأعياد والأعراس .
فالحياة رحلة شاقة ، حافلة بالمتاعب والآلام ، و لا يسلم الإنسان فيها من المصائب والمشاق والبلايا التي تعكر صفوها ، و لهذا كان الناس في حاجة إلى مواقف و محطات للترويح تخفف عنهم بعض عناء رحلة الحياة ، و كان لا بد لهم من أشياء يروحون بها عن أنفسهم ، حتى يضحكوا و يفرحوا و يمرحوا ، و لا يغلب عليهم الغم والحزن والنكد ، فينغص عليهم عيشهم ، و يكدر عليهم صفوهم ... و من هذه المحطات الفكاهة والمرح ، و كل ما يستخرج الضحك من الإنسان ، و يطرد الحزن من قلبه ، والعبوس من وجهه ، والكآبة من حياته .
و مواقف الضحك والمرح في حياة النبي ( ص ) كثيرة ، فقد روي أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان رجلاً دميمًا قبيحًا ، فلما بايعه النبي( ص ) قال : إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء ( يقصد عائشة ) ـ و ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب ـ أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها ؟! ، و عائشة جالسة تسمع ، فقالت : أهي أحسن أم أنت ؟ فقال : بل أنا أحسن منها و أكرم ، فضحك رسول الله ( ص ) من سؤالها إياه ؛ لأنه كان دميمًا .
و قال زيد بن أسلم : إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي( ص ) فقالت : إن زوجي يدعوك ، قال : " و من هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟" قالت : والله ما بعينه بياض ! فقال : " بلى إن بعينه بياضًا " فقالت : لا والله ، فقال( ص ) : " ما من أحد إلا بعينه بياض " .
و قد أذن النبي( ص ) للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده عليه الصلاة والسلام في أحد أيام الأعياد ، و كان يحرضهم و يقول : " دونكم يا بني أرفدة " و أتاح لعائشة أن تنظر إليهم من خلفه ، و هم يلعبون و يرقصون ، و لم ير في ذلك بأسًا و لا حرجًا .
واستنكر( ص ) يومًا أن تزف فتاة إلى زوجها زفافًا صامتًا ، لم يصحبه لهو و لا غناء ، و قال : " هلا كان معها لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو ، أو الغزل " . وفي بعض الروايات : " هلا بعثتم معها من تغني و تقول : أتيناكم أتيناكم ... فحيّونا نحييكم " .
و كان أصحاب النبي( ص ) و من تبعهم بإحسان في خير قرون الأمة يضحكون و يمزحون ، اقتداء بنبيهم ( ص ) واهتداء بهديه ، حتى إن رجلاً مثل عمر بن الخطاب ـ على ما عرف عنه من الصرامة والشدة ـ يروى عنه أنه مازح جارية له ، فقال لها : خلقني خالق الكرام ، وخلقك خالق اللئام ! فلما رآها ابتأست من هذا القول ، قال لها مبينًا : وهل خالق الكرام واللئام إلا الله عز و جل ؟
و قد اشتهر بعض الصحابة بالفكاهة في حياة النبي ( ص ) و أقره عليه ، واستمر على ذلك من بعده ، و قبله الصحابة ، و لم يجدوا فيه ما ينكر ، برغم أن بعض الوقائع المروية في ذلك لو حدثت اليوم لأنكرها البعض أشد الإنكار .
و من هؤلاء المعروفين بروح المرح والفكاهة والميل إلى الضحك والمزاح : " نعيمان بن عمر الأنصاري " ، الذي رويت عنه في ذلك نوادر عجيبة وغريبة ، و قد ذكروا أنه كان ممن شهد العقبة الأخيرة ، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق ، والمشاهد كلها .
و قد روى عنه الزبير بن بكار عددًا من النوادر الطريفة في كتابه " الفكاهة والمرح " قال : كان لا يدخل المدينة طُرفة إلا اشترى منها نعيمان ، ثم جاء بها إلى النبي( ص ) فيقول : هذا أهديته لك ، فإذا جاء صاحبها يطالب نعيمان بثمنها ، أحضره إلى النبي( ص ) قائلاً : أعط هذا ثمن متاعه ، فيقول : " أولم تهده لي ؟ " فيقول : إنه والله لم يكن عندي ثمنه ، و لقد أحببت أن تأكله يا رسول الله ! فيضحك ، و يأمر لصاحبه بثمنه .
و روى الزبير قصة أخرى من نوادر نعيمان قال : دخل أعرابي على النبي( ص ) و أناخ ناقته بفنائه ، فقال بعض الصحابة لنعيمان : لو عقرتها فأكلناها ، فإنا قد قرمنا إلى اللحم ؟ ففعل ، فخرج الأعرابي وصاح : واعقراه يا محمد ! فخرج النبي ( ص ) فقال : " من فعل هذا ؟ " فقالوا : نعيمان ، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباغة بنت الزبير بن عبد المطلب ، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد ، فأشار رجل إلى النبي ( ص ) حيث هو فأخرجه فقال له : " ما حملك على ما صنعت ؟ " قال : الذين دلوك عليَّ يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك قال : فجعل يمسح التراب عن وجهه و يضحك ، ثم دفع ثمنها للأعرابي .
و إذا كان بعض الحكماء والأدباء والشعراء قد ذموا المزاح ، و حذروا من سوء عاقبته ، و نظروا إلى جانب الخطر والضرر فيه ، و أغفلوا الجوانب الأخرى ، فإن ما جاء عن رسول الله ( ص ) و أصحابه أحق أن يتبع ، و هو يمثل التوازن والاعتدال الذي يتميز به المنهج الإسلامي في كل شؤون الحياة .
فالضحك والمرح والمزاح أمر مشروع في الإسلام ، و قد دلّت على ذلك النصوص القولية ، والمواقف العملية للرسول الكريم ( ص ) و أصحابه . و ما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلى شيء من الترويح يخفف عنها أدواء الحياة و قسوتها ، و تشعب همومها و أعبائها ، كما أن هذا الضرب من اللهو والترفيه يقوم بمهمة التنشيط للنفس ، حتى تستطيع مواصلة السير والمضي في طريق العمل الطويل ، كما يريح الإنسان دابته في السفر ، حتى لا تنقطع به .
فمشروعية الضحك والمرح والمزاح لا شك فيها ، و لكنها مقيدة بقيود و شروط لابُدَّ أن تُراعى ، منها : ألا يكون الكذب والاختلاق أداة الإضحاك للناس ، و ألا يشتمل على تحقير لإنسان آخر ، أو استهزاء به و سخرية منه ، إلا إذا أذن بذلك و رضي ، و ألا يترتب عليه تفزيع و ترويع لمسلم ، و ألا يهزل المسلم في موضع الجد ، و لا يضحك في مجال يستوجب البكاء ، فلكل شيء أوانه ، و لكل أمر مكانه ، و لكل مقام مقال .
والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب ، و أن يكون المزاح بقدر معقول ، و في حدود الاعتدال والتوازن ، الذي تقبله الفطرة السليمة ، و يرضاه العقل الرشيد ، و يلائم المجتمع الإيجابي العامل ، و لهذا كان التوجيه النبوي : " و لا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة .
فالإسلام يحض المسلم على أن يكون آلفا بساما مرحا خلوقا ، كريم الخصال ، حميد الفعال ، حسن المعشر . و لا مانع من أن يجمع المسلم مع الجد ـ الذي يسعى إليه ـ روح الدعابة ، و فكاهة الحديث ، و عذوبة المنطق ، و طرافة الحكمة .
و لكن ليس للإنسان أن ينطلق في الضحك والمرح والمزاح كما يشاء ، فهناك وقت للضحك و أوقات للجد والعمل ، والإفراط في أي شيء يخرجه من دائرة المباح إلى دائرة المحظور ، و قد قال عمر : " من كثر ضحكه قلّت هيبته ، و من مزح استخف به " . و قال الأحنف : " كثرة الضحك تذهب الهيبة ، و كثرة المزاح تذهب المروءة ، و من لزم شيئا عرف به " ، و قال أبو الحسن البصرى : " و أما الضحك فإن اعتياده شاغل عن النظر في الأمور المهمة ، مذهب عن الفكر في النوائب الملمة ، و ليس لمن أكثر منه هيبة و لا وقار" .
و من المحظور في الضحك أن يكون على حساب المبادئ الأخلاقية كالضحك على النكات الإباحية أو العدوانية ، ففي ذلك استخفاف بالعقول والأخلاق ، و يجب تجنب الكذب و قول الزور بهدف إضحاك الناس كالذين يتصدرون المجالس و يلفقون القصص المضحكة والحكايات المثيرة لإضحاك الناس و مباسطتهم ، فقد نهى الإسلام عن ذلك ، و هدد الرسول ( ص ) من يفعل ذلك بالويل في قوله ( ص ) : " ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ، ويل له " .



* المصدر : الإسلام للجميع [ مع اختصار ]

أحمد اسماعيل
04-01-2008, 01:18 PM
فمشروعية الضحك والمرح والمزاح لا شك فيها ، و لكنها مقيدة بقيود و شروط لابُدَّ أن تُراعى ، منها : ألا يكون الكذب والاختلاق أداة الإضحاك للناس ، و ألا يشتمل على تحقير لإنسان آخر ، أو استهزاء به و سخرية منه ، إلا إذا أذن بذلك و رضي ، و ألا يترتب عليه تفزيع و ترويع لمسلم ، و ألا يهزل المسلم في موضع الجد ، و لا يضحك في مجال يستوجب البكاء ، فلكل شيء أوانه ، و لكل أمر مكانه ، و لكل مقام مقال .
والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب ، و أن يكون المزاح بقدر معقول ، و في حدود الاعتدال والتوازن ، الذي تقبله الفطرة السليمة ، و يرضاه العقل الرشيد ، و يلائم المجتمع الإيجابي العامل ، و لهذا كان التوجيه النبوي : " و لا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة .


............



خلاصة رائعة لمقالة هامة توضح لنا الضحك وفائدته وحدوده بالتعامل بيننا


الاخت الكريمة ... بسبوسة


جزاك الله كل خير على طرحك القيم

دعواتى لكى بالصحة والعافية

همس الحب
04-02-2008, 01:43 PM
أسعدكي الله دوما أختي بسبوسة
موضوعك هادف وجميل
كله شفافيه وصدق


أنتظر مواضيعك هنا دوما
بارك الله لكي