نور
05-17-2010, 08:33 PM
في قصصهم عبرة ( 4) (http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=29194&scholar_id=125&series_id=1556)
الشيخ محمد العريفي
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم..
أما بعد أيها الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم لن نتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولن نتحدث عن حال أبي بكر ولا حال عمر ولا حال عثمان ولا علي..
بل أيضا لن نتحدث عن حال من أحوال أمتنا هذه، وإنما سأعود بكم سنوات إلى الوراء، لعلها تصل إلى آلاف السنين، لنقف على غريقين غرقا في البحر، هما غريقان غرقا في البحر، كلاهما قد غرق، وكلاهما قد دعا بنفس الدعاء... أحدهما زِيد عليه في البلاء حتى أُغرق وجُعل عبرة للمعتبرين، وأما الآخر فإنه رُفع عند الله تعالى، وكشف عنه كربه.. فمن هما هذان الغريقان ؟
من هما هذان الغريقان ؟ ولماذا استجاب الله تعالى لأحدهما، وجعل الله تعالى الآخر عبرة للمعتبرين إلى يومنا هذا ؟
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
اما الغريق الأول فهو ولي من أولياء الله تعالى، بل هو نبي من الأنبياء... هو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام، يونس أيها الأحبة، بعثه الله تعالى إلى قرية نينوى جهة العراق. بعثه إلى قوم كفرة دعاهم إلى الإسلام، وبيّن لهم نبذ عبادة الأصنام، وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له. لكنهم أبوا أن يدخلوا في الإسلام وتولوا عنه، فلما رأى يونس ذلك غضب عليهم، ثم مضى إلى البحر وأشار إلى سفينة في البحر ثم ركب على هذه السفينة ومضى.. هذه السفينة في الأصل لا تحمل إلا ثلاثة أو أربعة من الرجال، لكنه ركب فيها فصاروا خمسة.. فلما بدأت هذه السفينة تثقل بهم في البحر، ألقوا بعض متاعهم، فإذا السفينة لا تزال تثقل.. فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا لابد أن نلقي أحدنا في هذا البحر!! التفتوا يمنيا ويسارا، فاقترعوا بينهم فوقعت الفرعة على يونس عليه السلام.. فقالوا كيف نلقي نبيا في البحر!! هذا صعب.. فأعادوا القرعة مرة ثانية فوقعت على يونس عليه السلام... فأعادوها ثالثة فوقعت على يونس.ز فلما رأوا ذلكن قالوا له يا نبي الله، لا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك... فأخذوه ثم ألقوه في البحر. وأول ما ألقي في البحر قال الله تعالى في خبره {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=37&nAya=142&taf=KATHEER&tashkeel=0)} (الصافات:142).
ما قال الله تعالى أكله، لأنه لو قال أكله لاقتضى ذلك أن يكون الحوت قد مضغه بأسنانه وكسر عظامه، ثم بعد ذلك ذهب به إلى جوفه... لكن الله تعالى قال {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} إنما فقط أدخله إلى جوفه. وأوحى الله تعالى إلى الحوت أن لا تجرح له جلدا ولا تكسر له عظما. وإنما هو تأديب ليونس عليه السلام. فحين التقمه الحوت، نزل الحوت إلى قعر البحر.
هناك أماكن في قعر المحيطات لم تبلغها الغواصات ولا غيرها من هذه الأجهزة الحديثة، أول ما وصل إلى قعر البحر، سمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى. فلما سمع تسبيح الحصى قال الله عز وجل عنه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=21&nAya=87&taf=KATHEER&tashkeel=0)} ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر.. {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=21&nAya=87&taf=KATHEER&tashkeel=0) }(الانبياء: 87).
فارتفعت دعوته إلى السماء، فقرعت أبوابها ثم قالت الملائكة: يا ربي، هذا صوت معروف من عبد معروف في أرض غريبة.. من هذا يا ربي ؟ قال الله تعالى"" هذا عبدي يونس "" قالت الملائكة: يا ربي أفلا تذكر ما كان يفعل في الرخاء فتنجيه في البلاء ؟ قال الله تعالى: بلى. ثم قال الله عز وجل عن يونس {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=37&nAya=143&taf=KATHEER&tashkeel=0)} (الصافات:143).
متى كان من المسبحين ؟ أيام الرخاء كان من المسبحين، فنفعه ذلك لما وقع في الشدة {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=37&nAya=143&taf=KATHEER&tashkeel=0) * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&nSora=37&nAya=144&taf=KATHEER&l=arb&tashkeel=0)} (الصافات: 143-144).
إذن فالله تعالى نجّى يونس، ليس لأن أسمه يونس ولا لأنه من نينوى ولا لأن أمه فلانه أو أنّ أباه فلانا... كلا، وإنما نجى يونس لأن له عملا صالحا في الرخاء، فنفعه هذا العمل لما وقع في الشدة.
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى : ما كان ليونس صلاة في بطن الحوت، لكنه عمل عملا صالحا في الرخاء، فنفعه في الشدة. ثم قال: وإن العمل الصالح لا يزال بالعبد المؤمن يحرسه، فإذا زل أقامه...
هذا هو الغريق الأول الذي دعا الله تعالى بالتوحيد، فاستجاب الله تعالى دعاءه فكشف عنه بلاءه.
أما الغريق الثاني يا أحباب، فهو أطغى طاغية عرفه التاريخ، الذي لما زاد الله تعالى في ملكه وأعطاه شيئا من الأموال والجاه، بدأ يرفع نفسه على الناس ويقول: يا أيها الناس، أو قال يا أيها الملأ، ما علمت لكم من إله غيري... ليس هناك غله غيري!! ادعى الربوبية... فرعون هذا، أقبل عليه موسى عليه السلام، فدعاه إلى الله تعالى.. علمه الدين وبدأ يدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويقنعه بأنه بشر لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا... لكن فرعون تكبر عن ذلك وطغى. عندها، هدد فرعون موسى بأن يفعل به ويفعل من العذاب والنكال هو والسحرة... فلما رأى موسى عليه السلام ذلك، هرب موسى عليه السلام من بين يديه حتى وصل إلى البحر.. فلما وصل موسى إلى البحر، التفت فإذا فرعون وراءه، وإذا البحر أمامه! فقال اللذين مع موسى وكانوا حديثي عهد بالدين، قالوا: إنا لمدركون... أدركنا فرعون، انتهى الأمر ، سنقتل الآن! {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=26&nAya=62&taf=KATHEER&tashkeel=0)} (الشعراء:62).
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
فأوحى الله تعالى إلى موسى أن إضرب البحر، فضرب البحر فانشق، ومضى موسى عليه السلام. حين مضى موسى عليه السلام، جاء فرعون ليمضي من وراءه، فتلاطمت عليه الأمواج وبدأ يغرق، فلما بدأ يغرق نادى في الظلمات ، نادى في ظلمة البحر وأثناء الغرق.. ماذا قال ؟ قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين.. فارتفعت الدعوات إلى السماء. وحين وصلت قالت الملائكة : يا ربي، هذا صوت منكر من عبد منكر في أرض غريبة ، من هذا يا ربي ؟ هذا ما سمعناه من قبل يدعو ولا يستغفر ولا يقرأ القرآن ولا فتح له باب تسبيح ولا تحميد ولا صدقات ، من هذا؟ هذا صوت جديد علينا... من هذا؟؟ قال الله تعالى
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
هذا فرعون"، عندها زيد عليه في البلاء. فنزل جبريل وأخذ من طين البحر ووضعه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة ، ثم جعل الله تعالى البحر يتلاطم عليه حتى غرق، فقال الله عز وجل في خبره {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=10&nAya=91&taf=KATHEER&tashkeel=0) * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&nSora=10&nAya=92&taf=KATHEER&l=arb&tashkeel=0)} (يونس:91-92).
إذن أيها الأحبة، يونس عليه السلام دعا الله تعالى فاستجاب الله تعالى دعاءه وكشف عنه بلاءه، ذلك لأن له عملا صالحا في الرخاء.
وأما فرعون، فإنه بحث في صحائف عمله، فوجد قتلا ، فواحش ، شرب خمور ، ومراقص وغير ذلك... فكيف يستجيب الله تعالى لهذا العبد وقد فعل ما فعل...!
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
أيها الأحبة الكرام، لي وقفه مهمة هنا، وهي أن كثيرا منا إذا وقع في الكربات، رفع يديه إلى رب الأرض والسماوات وبدأ يستغيث بالله تعالى. إما كربه في ماله أو كربه في مرض أو مرض أحد أولاده أو غير ذلك... لماذا ندعو الله تعالى في كثير من هذه الأحيان، ثم لا نجد أن الله تعالى يستجيب ؟ لو نظر في صحائف أعمالنا.. أنت يا من تدعو، لو نظرت في صحائف عملك، تأمل إن كانت الأعمال التي تفعلها أصلا تقربك إلى الله عز وجل، أم أنها تبعدك عن الله تعالى؟ والله جل وعلا كريم وفضله واسع، ويحب الإحسان إلى عباده.. لكن كثيرا من الناس يعرضون عن الله تعالى وهو يدعوهم إليه... ولعلي أقف معكم وقفة مع من جاء من بعد يونس عليه السلام. موسى عليه السلام.
أيها الأخوة الكرام، كان مرة بين قومه، فانقطع عنهم المطر وأجدبت الأرض وكادوا أن يهلكوا... فأقبل إليه مجموعة من قومه ، قالوا : يا نبي الله، يا كليم الله، سوف نهلك! انقطت عنا المياه وأجدبت الأرض وهلكت الأموال وجاع الأطفال.. أفلا نخرج ونستسقي الله تعالى؟ فخرج موسى عليه السلام مع قومه، حتى إذا كانوا في الصحراء، صعد عليه السلام على مرتفع وبدأ يدعو الله تعالى " اللهم اسقنا، اللهم اسقنا"، وهو يدعو.. والسماء لا تزداد إلا حرارة، والشمس تزداد عليهم، وإذا الأرض تجدب، وإذا الأمور ليست كما عهد موسى عليه السلام من ربه.. ويدعو الله " اللهم اسقنا اللهم رحماك رحماك " والله تعالى لا يستجيب ...ثم قال الله تعالى لموسى : يا موسى! كيف أسقيكم وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ عشرين سنة ؟ فمُرهُ فليخرج من بين أظهركم، فإني به منعتكم القطر من السماء. فقال موسى " ياربي هؤلاء سبعون ألفا بين يدي يدعون... كيف ياربي أعرف هذا العاصي من بين هؤلاء ؟ فقال الله تعالى : بلى، نادِ في الناس الآن. نادِ فيهم واصرخ بهم، وأنا أبلغ صوتك إليهم جميعا... وأمر هذا العبد العاصي أن يخرج، فبدأ موسى عليه السلام يصرخ وقال : يا أيها العبد العاصي الذي يعصي الله تعالى منذ عشرين سنة، أخرج من بين أظهرنا، فإنه بك منعنا القطر من السماء..!!
فنظر ذلك العبد العاصي يمنة ويسرة، فلم ير أحدا قد خرج، فعلم أنه المقصود بالنداء... عندها انكسرت نفسه، ودمعت عينه، ورق قلبه، ووضع رأسه على ركبتيه وبكى.. وقال اللهم أنا عبدك عصيتك يا ربي منذ عشرين سنة وأنت تسترني... يا ربِّ فلا تفضحني اليوم على رؤوس بني إسرائيل... ولا يزال يدعو ويستغيث بالله تعالى، حتى أنزل الله تعالى عليهم القطر واجتمع فوقهم الغمام.. فقال موسى : يا رب أسقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد! فقال الله تعالى: نعم يا موسى، إنّ الذي به أسقيتكم هو الذي به منعتكم. قال موسى : يا ربي، فأرني ذلك العبد الطائع حتى أعرفه. فقال الله تعالى : لا يا موسى، لم أفضحه وهو يعصيني، أأفضحه بعد أن أطاعني ؟؟
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
والله تعالى أيها الإخوة هو الغفور الرحيم، لكن العبد يحتاج لأن يكون مقبلا على الله تعالى، لا مصرا على المعاصي. والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين من ذنوبهم. لكن متى يوجد هؤلاء من الناس!
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقني وإياكم لكل خير، وأن يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المستغفرين.. والله تعالى أجل وأكرم وأعلم. وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله...
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
الشيخ محمد العريفي
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم..
أما بعد أيها الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم لن نتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولن نتحدث عن حال أبي بكر ولا حال عمر ولا حال عثمان ولا علي..
بل أيضا لن نتحدث عن حال من أحوال أمتنا هذه، وإنما سأعود بكم سنوات إلى الوراء، لعلها تصل إلى آلاف السنين، لنقف على غريقين غرقا في البحر، هما غريقان غرقا في البحر، كلاهما قد غرق، وكلاهما قد دعا بنفس الدعاء... أحدهما زِيد عليه في البلاء حتى أُغرق وجُعل عبرة للمعتبرين، وأما الآخر فإنه رُفع عند الله تعالى، وكشف عنه كربه.. فمن هما هذان الغريقان ؟
من هما هذان الغريقان ؟ ولماذا استجاب الله تعالى لأحدهما، وجعل الله تعالى الآخر عبرة للمعتبرين إلى يومنا هذا ؟
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
اما الغريق الأول فهو ولي من أولياء الله تعالى، بل هو نبي من الأنبياء... هو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام، يونس أيها الأحبة، بعثه الله تعالى إلى قرية نينوى جهة العراق. بعثه إلى قوم كفرة دعاهم إلى الإسلام، وبيّن لهم نبذ عبادة الأصنام، وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له. لكنهم أبوا أن يدخلوا في الإسلام وتولوا عنه، فلما رأى يونس ذلك غضب عليهم، ثم مضى إلى البحر وأشار إلى سفينة في البحر ثم ركب على هذه السفينة ومضى.. هذه السفينة في الأصل لا تحمل إلا ثلاثة أو أربعة من الرجال، لكنه ركب فيها فصاروا خمسة.. فلما بدأت هذه السفينة تثقل بهم في البحر، ألقوا بعض متاعهم، فإذا السفينة لا تزال تثقل.. فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا لابد أن نلقي أحدنا في هذا البحر!! التفتوا يمنيا ويسارا، فاقترعوا بينهم فوقعت الفرعة على يونس عليه السلام.. فقالوا كيف نلقي نبيا في البحر!! هذا صعب.. فأعادوا القرعة مرة ثانية فوقعت على يونس عليه السلام... فأعادوها ثالثة فوقعت على يونس.ز فلما رأوا ذلكن قالوا له يا نبي الله، لا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك... فأخذوه ثم ألقوه في البحر. وأول ما ألقي في البحر قال الله تعالى في خبره {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=37&nAya=142&taf=KATHEER&tashkeel=0)} (الصافات:142).
ما قال الله تعالى أكله، لأنه لو قال أكله لاقتضى ذلك أن يكون الحوت قد مضغه بأسنانه وكسر عظامه، ثم بعد ذلك ذهب به إلى جوفه... لكن الله تعالى قال {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} إنما فقط أدخله إلى جوفه. وأوحى الله تعالى إلى الحوت أن لا تجرح له جلدا ولا تكسر له عظما. وإنما هو تأديب ليونس عليه السلام. فحين التقمه الحوت، نزل الحوت إلى قعر البحر.
هناك أماكن في قعر المحيطات لم تبلغها الغواصات ولا غيرها من هذه الأجهزة الحديثة، أول ما وصل إلى قعر البحر، سمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى. فلما سمع تسبيح الحصى قال الله عز وجل عنه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=21&nAya=87&taf=KATHEER&tashkeel=0)} ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر.. {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=21&nAya=87&taf=KATHEER&tashkeel=0) }(الانبياء: 87).
فارتفعت دعوته إلى السماء، فقرعت أبوابها ثم قالت الملائكة: يا ربي، هذا صوت معروف من عبد معروف في أرض غريبة.. من هذا يا ربي ؟ قال الله تعالى"" هذا عبدي يونس "" قالت الملائكة: يا ربي أفلا تذكر ما كان يفعل في الرخاء فتنجيه في البلاء ؟ قال الله تعالى: بلى. ثم قال الله عز وجل عن يونس {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=37&nAya=143&taf=KATHEER&tashkeel=0)} (الصافات:143).
متى كان من المسبحين ؟ أيام الرخاء كان من المسبحين، فنفعه ذلك لما وقع في الشدة {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=37&nAya=143&taf=KATHEER&tashkeel=0) * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&nSora=37&nAya=144&taf=KATHEER&l=arb&tashkeel=0)} (الصافات: 143-144).
إذن فالله تعالى نجّى يونس، ليس لأن أسمه يونس ولا لأنه من نينوى ولا لأن أمه فلانه أو أنّ أباه فلانا... كلا، وإنما نجى يونس لأن له عملا صالحا في الرخاء، فنفعه هذا العمل لما وقع في الشدة.
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى : ما كان ليونس صلاة في بطن الحوت، لكنه عمل عملا صالحا في الرخاء، فنفعه في الشدة. ثم قال: وإن العمل الصالح لا يزال بالعبد المؤمن يحرسه، فإذا زل أقامه...
هذا هو الغريق الأول الذي دعا الله تعالى بالتوحيد، فاستجاب الله تعالى دعاءه فكشف عنه بلاءه.
أما الغريق الثاني يا أحباب، فهو أطغى طاغية عرفه التاريخ، الذي لما زاد الله تعالى في ملكه وأعطاه شيئا من الأموال والجاه، بدأ يرفع نفسه على الناس ويقول: يا أيها الناس، أو قال يا أيها الملأ، ما علمت لكم من إله غيري... ليس هناك غله غيري!! ادعى الربوبية... فرعون هذا، أقبل عليه موسى عليه السلام، فدعاه إلى الله تعالى.. علمه الدين وبدأ يدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويقنعه بأنه بشر لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا... لكن فرعون تكبر عن ذلك وطغى. عندها، هدد فرعون موسى بأن يفعل به ويفعل من العذاب والنكال هو والسحرة... فلما رأى موسى عليه السلام ذلك، هرب موسى عليه السلام من بين يديه حتى وصل إلى البحر.. فلما وصل موسى إلى البحر، التفت فإذا فرعون وراءه، وإذا البحر أمامه! فقال اللذين مع موسى وكانوا حديثي عهد بالدين، قالوا: إنا لمدركون... أدركنا فرعون، انتهى الأمر ، سنقتل الآن! {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=26&nAya=62&taf=KATHEER&tashkeel=0)} (الشعراء:62).
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
فأوحى الله تعالى إلى موسى أن إضرب البحر، فضرب البحر فانشق، ومضى موسى عليه السلام. حين مضى موسى عليه السلام، جاء فرعون ليمضي من وراءه، فتلاطمت عليه الأمواج وبدأ يغرق، فلما بدأ يغرق نادى في الظلمات ، نادى في ظلمة البحر وأثناء الغرق.. ماذا قال ؟ قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين.. فارتفعت الدعوات إلى السماء. وحين وصلت قالت الملائكة : يا ربي، هذا صوت منكر من عبد منكر في أرض غريبة ، من هذا يا ربي ؟ هذا ما سمعناه من قبل يدعو ولا يستغفر ولا يقرأ القرآن ولا فتح له باب تسبيح ولا تحميد ولا صدقات ، من هذا؟ هذا صوت جديد علينا... من هذا؟؟ قال الله تعالى
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
هذا فرعون"، عندها زيد عليه في البلاء. فنزل جبريل وأخذ من طين البحر ووضعه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة ، ثم جعل الله تعالى البحر يتلاطم عليه حتى غرق، فقال الله عز وجل في خبره {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=10&nAya=91&taf=KATHEER&tashkeel=0) * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&nSora=10&nAya=92&taf=KATHEER&l=arb&tashkeel=0)} (يونس:91-92).
إذن أيها الأحبة، يونس عليه السلام دعا الله تعالى فاستجاب الله تعالى دعاءه وكشف عنه بلاءه، ذلك لأن له عملا صالحا في الرخاء.
وأما فرعون، فإنه بحث في صحائف عمله، فوجد قتلا ، فواحش ، شرب خمور ، ومراقص وغير ذلك... فكيف يستجيب الله تعالى لهذا العبد وقد فعل ما فعل...!
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
أيها الأحبة الكرام، لي وقفه مهمة هنا، وهي أن كثيرا منا إذا وقع في الكربات، رفع يديه إلى رب الأرض والسماوات وبدأ يستغيث بالله تعالى. إما كربه في ماله أو كربه في مرض أو مرض أحد أولاده أو غير ذلك... لماذا ندعو الله تعالى في كثير من هذه الأحيان، ثم لا نجد أن الله تعالى يستجيب ؟ لو نظر في صحائف أعمالنا.. أنت يا من تدعو، لو نظرت في صحائف عملك، تأمل إن كانت الأعمال التي تفعلها أصلا تقربك إلى الله عز وجل، أم أنها تبعدك عن الله تعالى؟ والله جل وعلا كريم وفضله واسع، ويحب الإحسان إلى عباده.. لكن كثيرا من الناس يعرضون عن الله تعالى وهو يدعوهم إليه... ولعلي أقف معكم وقفة مع من جاء من بعد يونس عليه السلام. موسى عليه السلام.
أيها الأخوة الكرام، كان مرة بين قومه، فانقطع عنهم المطر وأجدبت الأرض وكادوا أن يهلكوا... فأقبل إليه مجموعة من قومه ، قالوا : يا نبي الله، يا كليم الله، سوف نهلك! انقطت عنا المياه وأجدبت الأرض وهلكت الأموال وجاع الأطفال.. أفلا نخرج ونستسقي الله تعالى؟ فخرج موسى عليه السلام مع قومه، حتى إذا كانوا في الصحراء، صعد عليه السلام على مرتفع وبدأ يدعو الله تعالى " اللهم اسقنا، اللهم اسقنا"، وهو يدعو.. والسماء لا تزداد إلا حرارة، والشمس تزداد عليهم، وإذا الأرض تجدب، وإذا الأمور ليست كما عهد موسى عليه السلام من ربه.. ويدعو الله " اللهم اسقنا اللهم رحماك رحماك " والله تعالى لا يستجيب ...ثم قال الله تعالى لموسى : يا موسى! كيف أسقيكم وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ عشرين سنة ؟ فمُرهُ فليخرج من بين أظهركم، فإني به منعتكم القطر من السماء. فقال موسى " ياربي هؤلاء سبعون ألفا بين يدي يدعون... كيف ياربي أعرف هذا العاصي من بين هؤلاء ؟ فقال الله تعالى : بلى، نادِ في الناس الآن. نادِ فيهم واصرخ بهم، وأنا أبلغ صوتك إليهم جميعا... وأمر هذا العبد العاصي أن يخرج، فبدأ موسى عليه السلام يصرخ وقال : يا أيها العبد العاصي الذي يعصي الله تعالى منذ عشرين سنة، أخرج من بين أظهرنا، فإنه بك منعنا القطر من السماء..!!
فنظر ذلك العبد العاصي يمنة ويسرة، فلم ير أحدا قد خرج، فعلم أنه المقصود بالنداء... عندها انكسرت نفسه، ودمعت عينه، ورق قلبه، ووضع رأسه على ركبتيه وبكى.. وقال اللهم أنا عبدك عصيتك يا ربي منذ عشرين سنة وأنت تسترني... يا ربِّ فلا تفضحني اليوم على رؤوس بني إسرائيل... ولا يزال يدعو ويستغيث بالله تعالى، حتى أنزل الله تعالى عليهم القطر واجتمع فوقهم الغمام.. فقال موسى : يا رب أسقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد! فقال الله تعالى: نعم يا موسى، إنّ الذي به أسقيتكم هو الذي به منعتكم. قال موسى : يا ربي، فأرني ذلك العبد الطائع حتى أعرفه. فقال الله تعالى : لا يا موسى، لم أفضحه وهو يعصيني، أأفضحه بعد أن أطاعني ؟؟
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif
والله تعالى أيها الإخوة هو الغفور الرحيم، لكن العبد يحتاج لأن يكون مقبلا على الله تعالى، لا مصرا على المعاصي. والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين من ذنوبهم. لكن متى يوجد هؤلاء من الناس!
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقني وإياكم لكل خير، وأن يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المستغفرين.. والله تعالى أجل وأكرم وأعلم. وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله...
http://www.s3udy.net/pic/decoration003_files/51.gif