شبكة صدفة

شبكة صدفة (http://www.aadd2.net/vb/index.php)
-   الشعر العربى القديم والحديث (http://www.aadd2.net/vb/forumdisplay.php?f=21)
-   -   محمود درويش (http://www.aadd2.net/vb/showthread.php?t=155379)

نور 08-25-2012 06:00 PM

محمود درويش
 
'عائد الى الجليل؟'

صبحي حديدي


كأنّ إرادة تراجيدية غاشمة، أشبه بعاصفة عاتية عمياء، أخذت في الآونة الأخيرة تقوده عنوة إلى قَدَرَيْن لا ثالث لهما: إمّا أن يسير إلى الموت بقدميه، ساعياً إلى ملكوته، طامعاً في هزيمته للمرّة الثالثة (بعد موتَيْن سريريين، سنة 1984 وسنة 1998)؛ أو أن ينتظر ـ مكتوف اليدين، متعب القلب، واهن الشرايين ـ مجيء الموت إليه، ساعة تشاء الإرادة الغاشمة. كانت هذه حال محمود درويش وهو يقلّب الأمرين، والأمرّين، مع نفسه أوّلاً، ثمّ مع أطبائه ثانياً، ولكن مع أصدقائه أيضاً، حتى مَن كان بينهم لا يميّز بين البطين الأيسر والشريان الأبهر. أمّا قلب الشاعر، العاكف على أكثر من مخطوط شعري قيد الإنجاز، فقد كان يتقلّب على نار غير هادئة أبداً.
فريق أوّل من الأطباء اعتبر أنّ درويش، بعد أن توسّع قطر الأبهر عنده إلى أكثر من 6،،5، صار مثل رجل يحمل في قلبه لغماً قابلاً للإنفجار في أية لحظة، في أيّ يوم أو أسبوع أو شهر، ولا مناص بالتالي من جراحة دقيقة لتبديل الأجزاء من الشريان. فريق آخر، على رأسه ذلك الجرّاح الفرنسي العجوز المعلّم الذي كان وراء المآل السعيد لمحنة 1998، كان شديد التحذير من مخاطر العمل الجراحي، وكان يتوجس خيفة من المضاعفات الخطيرة التي قد تطرأ دون حسبان، ودونما قدرة كافية على ضبطها، حتى بعد نجاح العملية. والحال أنّ درويش استقرّ على الخيار الأوّل، وبعد ظهيرة 6 آب (أغسطس) الجاري كان قلبه قد أنجز نصف انتصار بعد نجاح الجراحة، وتوجّب أن يكتمل الإنتصار ـ الثالث، على امتداد ربع قرن ـ عندما يغادر الشاعر غرفة العناية الفائقة، بشريان أبهر متجدد. تبادلنا زفّ البشرى، نحن حفنة أصدقائه ممّن تحتّم علينا أن نقبض على جمرة السرّ في ما جرى ويجري في مشفى 'ميموريال هيرمان' في هيوستون، تكساس، فكانت الدقائق تحرقنا قبل أن نحرقها. ثمّ تعاقبت الأنباء الصاعقة، جلطة خلف أخرى، وانهياراً بعد آخر، واضمحلالاً لفسحة الأمل الضئيلة مقابل تضخّم السؤال القاتل: هل غادرنا، حقاً، مرّة وإلى الأبد؟ وهل انقطعت، نهائياً، مشروعاته الشعرية التي تضاعفت في السنوات القليلة الماضية، وتزاحمت: غزيرة في الكمّ، دائبة التجديد في الكيف، تأسيسية بقدر ما هي تراكمية، تنشقّ عمّا قبلها دون أن تقطع معه أو تنقطع عنه، مدهشة في استفزازنا بقدر مصالحتنا؟ وهل كانت تلك الأخيرة، قبل أن يطير صباحاً إلى هيوستون، ختام لياليه الباريسية حقاً؟ آخر عشاء، وآخر نبيذ، وآخر فنجان قهوة، وآخر نكتة، وآخر مخطوطة، وآخر مصافحة؟ بعد أن تأكد نبأ رحيله، خرجت أسير على غير هدى كحاطب ليل، أصارع إغواء استرجاع تفاصيل تلك البرهة من خريف 1976، حين تعرّفت عليه للمرّة الأولى، في بيت متواضع لصديق مشترك كان يسكن مخيّم اليرموك بدمشق. هل تلاشت التفاصيل لأني أستثقل اليوم ما كنت قد وجدت كلّ السراح في قوله آنذاك: أنّ مشروع محمود درويش الشعري ينبغي أن يكون أعلى، لأنه أرفع وأغنى وأكثر وعداً، من أن يؤسر في تسمية واحدة، ملتبسة، هي 'شعر المقاومة'؟ كان ذلك الطرح أقرب إلى الهرطقة آنذاك، وكان في الحدّ الأدنى استفزازياً لشاعر المقاومة الأجمل، النجم اللامع المدلل النزق السابح في الأضواء.
وكنت أحسب الرأي ذاك فاتحة خصومة أبدية، حتى العام 1988 حين التقيت بالراحل في باريس، فأدركت أنّ العكس كان هو الصحيح: لم يجد الإستفزاز وقعاً حسناً في نفسه فحسب، بل لقد استطابه لأنه أصلاً كان محور تفكيره في تلك السنوات التي كانت حبلى بأكثر من محمود درويش واحد: قلق في موضوعاته وأشكاله وأدواته، عارم التوق إلى التحديث، عازف أكثر فأكثر عن ذلك 'الحبّ القاسي' الذي ناشدنا أن نقلع عنه في تثمين شعره خاصة، و'شعر المقاومة عامة. كذلك أدركت، وبرهنت السنوات المتعاقبة، أنّ ذلك اللقاء الأوّل كان عتبة صداقة كبرى، في ما يخصّني على الأقلّ، سوف تتجاوز بكثير صلة الناقد بالمبدع، بل لعلّ هذه الأخيرة كانت في نهاية المطاف آخر مشاغلنا. وهكذا فإنني، في فقده اليوم، لا أخسر فقط شاعراً كبيراً كنت وأظلّ أعتبره أعلى ذروة بلغها الشعر العربي في العقود الثلاثة الأخيرة، وأحد أكبر شعراء الإنسانية المعاصرة، بل أخسر كذلك صديقاً كبيراً، وأخاً قريباً لم تلده أمّي. وإذا كانت واقعة مخيّم اليرموك قد راوغت ذاكرتي، فإني في المقابل لم أفشل في استرجاع تفاصيل تلك البرهة الباريسية الأخيرة، حين كنت أودّعه على باب فندق الـ 'ماديسون' في حيّ الـ 'سان جيرمان'، صحبة أكرم هنية، رئيس تحرير صحيفة 'الأيام' الفلسطينية ورفيقه في الرحلة إلى هيوستون. ذكّرته بأمر يجب أن يستكمله عند مروره في باريس عائداً إلى عمّان، فأجابني بابتسامة غامضة: 'هذا إذا رجعنا'! وأعترف، هنا، أنني تعاملت مع إجابته بخفّة المطمئن، لأني كنت على ثقة مطلقة بأنه عائد، أكثر عافية وحيوية؛ وكان حرياً بي أن أتلمّس ما انطوت عليه نبرته من نيّة في اعتماد الخيار القدري الأوّل: أن يسير إلى الموت بقدميه، مردّداً تلك الفاتحة الشهيرة من إحدى أجمل قصائده: 'نحبّ الحياة/ إذا ما استطعنا إليها سبيلا'.
وبين استفاقة من تخدير ودخول في غيبوبة، خلال تلك الساعات المتثاقلة التي أعقبت نجاح العملية وانهيار جسده وظيفة بعد أخرى، هل أسعفه اللسان لكي يوصي، مجدداً وبحزم، أن يكون الجليل مثواه الأخير والوحيد؟ وهل امتلك من اليقظة ما يكفي لكي يتلو ذلك المقطع الختامي من قصيدة 'جدارية'، مطوّلته العبقرية التي كانت ثمرة محاورة الموت سنة 1998: 'أمّا أنا ـ وقد امتلأتُ بكلّ أسباب الرحيل ـ فلستُ لي أنا لست لي أنا لست لي...'.


نور 08-25-2012 06:00 PM

رد: محمود درويش
 
محمود درويش: التعاقد الشاقّ

صبحي حديدي



يحتلّ محمود درويش موقعاً فريداً قلما حظي به شاعر في الثقافة العربية الحديثة، ولا يقارن نفوذه الأدبي إلا بالنفوذ الخاص الذي تمتّع به كبار الشعراء العرب في أطوار ازدهار الشعر، حين كان الشاعر أشبه بنبيّ الأمّة، والناطق المعبّر عن كيانها، وعرّافها الذي يستبصر أقدارها الماضية والحاضرة، وتلك الكامنة في مجهول لا يرى معلومه سواه، في السموّ والانتصار كما في الانكسار والهزيمة. وفي ثقافات الأمم تكررت على الدوام تلك البرهة الاستثنائية التي تُلقى فيها على عاتق شاعر مهمة كبرى مثل التقاط الوجدان الجَمْعي للأمّة، وتحويل الشعر إلى قوّة وطنية وثقافية، روحية ومادية، جمالية ومعرفية. ولقد توفّرت للشاعر أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لبلوغ هذا الموقع، وحدث أحياناً أن كان التفاعل بين هذين النوعين من الأسباب في صالح مشروع درويش الشعري في حصيلته، كما حدث في أحيان أخرى أنّ ضغط الشروط الموضوعية ألزم الشاعر بدفع برنامجه الجمالي إلى الصفّ الثاني والسماح للمهمة الوطنية باحتلال الصفّ الأول. ولكنه في الحالتين أثبت حساسية فائقة تجاه تطوير لغته وأدواته وموضوعاته، خصوصاً في العقدين الأخيرين من مسيرته الشعرية حين استقرّت كثيراً معادلة العلاقة التبادلية الوثيقة بين تطوير جمالياته الشعرية وتطوّر نفوذه الأخلاقي والثقافي في الوجدان العربي.
وفي طليعة الأسباب الموضوعية يأتي انتماء الشاعر إلى تلك الحركة الشعرية الغنية التي كانت تتطوّر في فلسطين المحتلة منذ مطلع الستينات على يد شعراء مثل توفيق زياد وسميح القاسم وسالم جبران ودرويش نفسه، ثم اكتشفها العالم العربي في أوج هزيمة 1967، فأطلق عليها اسم اشعر المقاومةب في غمرة الحاجة الماسة إلى بدائل خَلاصية تخفف وطأة الاندحار وتعيد الأمل إلى روح تعرّضت لجرح عميق. ورغم أن هذه الحركة الشعرية لم تكن منفصلة عن التيارات العامة في الشعر العربي آنذاك، فإنها مع ذلك حملت نكهة خاصة مختلفة، نابعة جوهرياً من موضوعات ذات حساسية وجدانية (الأمل، المقاومة، الأرض، الهوية الوطنية)، وكذلك من أشكال في التعبير لم تكن مألوفة في الشعر العربي آنذاك.
وبين مجموعة شعرية وأخرى أخذت سلطة درويش الأدبية تتعاظم وتترسخ، فأدرك أن موقع الشاعر الناطق باسم الوجدان الجمعي للأمة يقتضي قبل أي شيء آخر تطوير الموضوعات والأدوات والأساليب التي تضمن للشعر أن يواصل الحياة تحت اسم وحيد هو الشعر، وأن لا ينقلب إلى تعاقد سكوني شبه إيديولوجي بين الشاعر الذي ارتقى إلى مصاف النبيّ، وبين الوجدان الجمعي الذي أسلم للشاعر قسطاً كبيراً من الحق في تكييف الميول وردود الأفعال. ومنذ هذا الطور واصل درويش وفاءه لتعاقد ثنائي ـ شاقّ وخلاّق ـ مع موقعه كشاعر: تعاقد مع مشروع شعري لا بدّ له من أن يتطور ويتكامل وفق دينامية متصاعدة، وتعاقد مع قارىء عنيد عريض يتشبث بالطور الراهن من خطاب شاعره النبي لأنه يجد فيه الملاذ.
والمراقب للمشهد الشعري العربي المعاصر لا يجد صعوبة كبيرة في ملاحظة السلطة الأدبية الكبيرة التي يحظى بها شعر درويش، في مسألة الشكل والتجريب بصفة خاصة. فالشعراء الذين يقلدونه لا يجدون حرجاً في وضوح هذا التقليد وصراحته، والذين يزعمون الاستقلال عن منجزاته لا ينجحون غالباً في إخفاء الضغوطات الداخلية التي يمارسها شعره على خياراتهم الأسلوبية واللغوية والمجازية، مثلما على تجاربهم الشكلية. والواقع أنّ مشروع درويش الشعري يمارس، في الحالتين، تأثيرات إيجابية تصبّ في صالح تطوير تيارات الشعر العربي المعاصر.
''' في 13 آذار (مارس) 1941 ولد محمود درويش في قرية االبروةب التي تقع مسافة 9 كيلومترات شرق عكا، وكان الابن الثاني في أسرة فلاّحية تتكون من ثمانية أفراد، خمسة أولاد وثلاث بنات. ولقد عاش طفولة بريئة في أحضان هذه القرية الوادعة الواقعة على هضبة خضراء ينبسط أمامها سهل عكا. في سنّ السابعة اتوقفت ألعاب الطفولةب كما يعبّر في وصف ليلة النزوح من االبروة'، تحت ضغط العمليات العسكرية التي شنتها العصابات الصهيونية بهدف تفريغ قرى الجليل من الفلسطينيين. وفي هذا يقول درويش: إني أذكر كيف حدث ذلك... أذكر ذلك تماماً: في إحدى ليالي الصيف، التي اعتاد فيها القرويون أن يناموا على سطوح المنازل، أيقظتني أمّي من نومي فجأة، فوجدت نفسي مع مئات من سكان القرية أعدو في الغابة. كان الرصاص يتطاير من على رؤوسنا، ولم أفهم شيئاً مما يجري. بعد ليلة من التشرّد والهروب وصلت مع أقاربي الضائعين في كلّ الجهات، إلى قرية غريبة ذات أطفال آخرين. تساءلت بسذاجة: أين أنا؟ وسمعت للمرّة الأولى كلمة البنانب.
يخيلّ إليّ أنّ تلك الليلة وضعت حدّاً لطفولتي بمنتهى العنف.
فالطفولة الخالية من المتاعب انتهت. وأحسست فجأة أنني أنتمي إلى الكبار. توقفت مطالبي وفُرضت عليّ المتاعب. منذ تلك الأيّام التي عشت فيها في لبنان لم أنس، ولن أنسى إلى الأبد، تعرّفي على كلمة الوطن. فلأوّل مرّة، وبدون استعداد سابق، كنت أقف في طابور طويل لأحصل على الغذاء الذي توزعه وكالة الغوث. كانت الوجبة الرئيسية هي الجبنة الصفراء. وهنا استمعت، لأوّل مرّة، إلى كلمات جديدة فتحت أمامي نافذة إلى عالم جديد: الوطن، الحرب، الأخبار، اللاجئون، الجيش، الحدود... وبواسطة هذه الكلمات بدأت أدرس وأفهم وأتعرّف على عالم جديد، على وضع جديد حرمني طفولتيب.
بعد سنة تسلّل درويش، برفقة عمّه والدليل الذي يعرف مجاهل الدروب في الجبال والوديان، عائداً إلى فلسطين ليستقرّ في قرية ادير الأسد'، لأنّ قريته الأصلية االبروةب كانت قد هُدمت تماماً وأقيمت بدلاً عنها مستوطنة إسرائيلية. ولم يطل الوقت حتى فهم الفتى أنه فقد أرض الأحلام الأولى نهائياً: 'كلّ ما في الأمر هو أنّ اللاجىء قد استبدل عنوانه بعنوان جديد. كنتُ لاجئاً في لبنان، وأنا الآن لاجىء في بلادي (...) وإذا أجرينا مقارنة بين أن تكون لاجئاً في المنفى، وأن تكون لاجئاً في الوطن، وقد خبرت النوعين من اللجوء، فإننا نجد أن اللجوء في الوطن أكثر وحشية. العذاب في المنفى، والأشواق وانتظار يوم العودة الموعود، شيء له ما يبرره.. شيء طبيعي. ولكن أن تكون لاجئاً في وطنك، فلا مبرر لذلك، ولا منطق فيهب.
وفي مدرسة القرية كان المدير والأساتذة يحبّون هذا الفتى المتفوّق في الدراسة والرسم، والذي كان يحاول كتابة الشعر الموزون على غرار قصائد الشعر العربي القديم، وكانوا يخبئونه كلما كانت الشرطة الإسرائيلية تأتي إلى القرية لأنه يُعتبر في حكم االمتسلل'، وكانوا يحذّرونه من الاعتراف بأنه كان في لبنان، ويعلّمونه أن يقول إنه كان مع إحدى القبائل البدوية في الشمال.
وكان اللجوء إلى الشعر هو أحد أشكال بحث محمود درويش عن اوطن لغويب يخفّف من حدّة النفي داخل الوطن الحاضر والغائب معاً. وفي وصف ذلك يقول درويش: بدأت علاقتي بالشعر عن طريق علاقتي مع المغنّين الفلاحين، المنفيين من قبل الشرطة. كانوا يقولون أشياء غريبة على درجة من الجمال بحيث أنني لم أكن أفهمها، ولكني كنت أشعر بها (...) وهكذا وجدت نفسي قريباً من أصوات الشعراء الجوّالين المغنّين، وفيما بعد أخذت أستمع إلى الشعر العربي الكلاسيكي الذي يروي مغامرات عنترة وسواه من الفرسان، فاجتذبني هذا العالم وصرت أقلّد تلك الأصوات، وأخترع لنفسي خيولاً وفتيات، وأحلم في سنّ مبكرة أن أتحوّل إلى شاعر (...) وقد مررت بتجربة مبكرة علمّتني أنّ ما أفعله، وما ألعبه، هو أخطر بكثير مما أتصوّر. ذات يوم دُعيت لإلقاء قصيدة في المدرسة، ومن الغرابة أنّ المناسبة كانت ذكرى استقلال إسرائيل. وكنت وقتها في الثانية عشرة من عمري، وكتبت شيئاً سمّوه قصيدة، تحدثت فيها عن عذاب الطفل الذي كان فيّ، والذي شُرّد وعاد ليجد االآخرب يقيم في بيته، ويحرث حقل أبيه. قلت ذلك كلّه ببراءة شديدة. وفي اليوم التالي استدعاني الحاكم العسكري، وهدّدني بشيء خطير جداً. ليس بسجني، بل بمنع أبي من العمل. وإذا مُنع أبي من العمل، فإنني لن أتمكن من شراء الأقلام والأوراق لكي أكتب. ساعتها فهمت أنّ الشعر حكاية أكثر جدّية مما كنت أعتقد، وكان عليّ أن أختار بين أن أواصل هذه اللعبة الأكثر جدّية مما أتصوّر، أو أن أتوقف عنها. وهكذا علّمني الاضطهاد بأنّ الشعر قد يكون سلاحاً'.
ولقد واصل محمود درويش اللعبة! وبين عام 1961 و1967 سُجن خمس مرّات. كانت الأسرة قد انتقلت من ادير العدسب إلى قرية ثانية هي االجديدة'، وأمّا محمود فقد استقرّ في مدينة حيفا، وانتسب إلى الحزب الشيوعي، وعمل في صحيفتي االاتحادب واالجديدب اللتين كانتا المنفذ الإعلامي الشرعي الوحيد للعرب الفلسطينيين. وفي عام 1971 قطع درويش دورة دراسية في موسكو وظهر فجأة في القاهرة، فأثار خروجه ضجة كبرى واستُقبل في العالم العربي بترحاب كبير. بعد إقامة في القاهرة استغرقت سنتين، انتقل درويش إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وعمل رئيساً لتحرير فصلية اشؤون فلسطينية'، ثمّ أسّس الفصلية الثقافية االكرملب التي ستصبح أهمّ دورية ثقافية عربية. وفي عام 1982، إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، غادر درويش إلى تونس ثمّ إلى باريس التي بقي فيها حتى عام 1995 حين عاد إلى رام الله، فلسطين، واستأنف إصدار االكرملب من هناك.
''' ويمكن تقسيم تطوّر تجربة محمود درويش الشعرية إلى المراحل التالية: 1 ـ مرحلة االطفولة الشعريةب وتمثّلها مجموعة اعصافير بلا أجنحةب (1960) التي سيتخلّى عنها درويش سريعاً لأنها، بالفعل، كانت تمثّل محاولات مبكّرة لا تعكس صوته الخاصّ بقدر ما تردّد أصداء تأثّره بالشعر العربي الكلاسيكي والحديث الرومانتيكي.
2 ـ االمرحلة الثوريةب وتمثّلها مجموعته اأوراق الزيتونب (1964)، حين انتقل درويش من الهمّ الذاتي إلى الهواجس الجماعية، والحلم الثوري، والتغنّي بالوطن، وتثبيت الهويّة (كما في قصيدته الشهيرة ابطاقة هوية'، التي ستشتهر باسم آخر هو السطر الاستهلالي فيها: اسجّل أنا عربيب والتي تحوّلت إلى أيقونة لأفكار المقاومة والصمود والإعلان عن الهويّة، في الشارع العربي العريض أكثر بكثير من الشارع الفلسطيني نفسه)، وحسّ الالتزام الثوري، والتضامن الإنساني والأممي (كما في قصائده اعن إنسان'، واعن الأمنياتب والوركاب).
3 ـ االمرحلة الثورية ـ الوطنية'، وتمثلها مجموعاته اعاشق من فلسطينب (1966)، واآخر الليلب (1967) واالعصافير تموت في الجليلب (1969) واحبيبتي تنهض من نومهاب (1970). وفي هذه المرحلة كان شعر درويش قد أصبح جزءاً أساسياً من الحركة التي عُرفت في العالم العربي باسم اشعر المقاومة'، وضمّت شعراء من أمثال توفيق زياد وسميح القاسم. وكان شعره يتطوّر ضمن المنطق ذاته والموضوعات ذاتها، ولكنه امتاز عن أقرانه في خصائص عديدة بينها غزارة إنتاجه، والأفق الإنساني الأعرض لموضوعات قصائده، وحسن توظيفه للأسطورة والرموز الحضارية الشرق أوسطية والهيللينية، وبراعته في أسطَرة الحدث اليومي والارتقاء به إلى مستوى ملحمي في الآن ذاته، ورهافة ترميزه للمرأة بالأرض، ومزجه بين الرومانتيكية الغنائية والتبشير الثوري، وسلاسة خياراته الموسيقية والإيقاعية، وحرارة قاموسه اللغوي، وميله إجمالاً إلى الصورة الحسية بدل الذهنية.
4 ـ امرحلة البحث الجمالي'، وهي التي تبدأ مع خروج درويش إلى العالم العربي وانتقاله من القاهرة إلى بيروت. لقد أراد البرهنة على أنّه شاعر صاحب مشروع جمالي منذ البداية وقبل أيّ 'تصنيفب آخر، وأنّ اقتران تجربته بـ اشعر المقاومةب لا يعني أنه لم يكن يسعى إلى تطوير موضوعاته وأدواته ولغته الشعرية على نحو يتفاعل مباشرة مع حركة الحداثة الشعرية العربية ويغني تيّاراتها. في عبارة أخرى هذه هي مرحلة اصراعب محمود درويش مع قارئه العربي الذي أحبّه وأراد أن يسجنه في صورة اشاعر المقاومةب فقط، في حين أنّ درويش كان يعاند في البرهنة على أنّ شاعر المقاومة ينبغي أن يكون شاعراً حقيقياً أوّلاً، وشاعراً جيّداً ثانياً وأساساً.
ومنذ سنة 1972، حين صدرت مجموعته اأحبّك أو لا أحبّك'، وهي الأولى له خارج فلسطين، واصل محمود درويش تطوير مشروعه الشعري على نحو منتظم وعنيد، بحيث كانت كلّ مجموعةجديدة تشكّل نقلة أسلوبية عن المجموعة التي سبقتها: امحاولة رقم 7ب (1973) تضمنت مزجاً بين الموضوع الغنائي والاستعادة التاريخية ـ الأسطورية للمكان الفلسطيني ـ الكنعاني (كما في قصائد االنزول من الكرملب واالخروج من ساحل المتوسطب واطريق دمشقب)؛ ومجموعة اتلك صورتها وهذا انتحار العاشقب (1975) مثّلت نقلة أكثر وضوحاً نحو القصيدة الطويلة التي تمزج بين التأمّل الغنائي والسرد الملحمي؛ ومجموعة اأعراسب التي تعود إلى الموضوع الوطني ولكن ضمن صياغات إنسانية ـ ملحمية أوسع، وأخرى تسجيلية ذات ارتباط بوقائع محدّدة في الزمان الفلسطيني (كما في قصائد اكان ما سوف يكونب واأحمد الزعترب واقصيدة الأرضب).
5 ـ االمرحلة الملحمية'، وهي التي تعقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982 وخروج الفلسطينيين من لبنان إلى بحر جديد وتيه جديد. وفي هذه المرحلة كتب درويش قصيدته الطويلة الشهيرة امديح الظلّ العاليب (1983) التي صنّفها في ما بعد تحت تسمية اقصيدة تسجيليةب لأنها تصف أجواء مقاومة الاجتياح، ومعنى مدينة بيروت، ومجزرة صبرا وشاتيلا، وأسئلة الوجود الفلسطيني بعد الخروج إلى أوديسة جديدة. وإلى هذه المرحلة تنتمي أيضاً مجموعة احصار لمدائح البحرب (1984) التي احتوت على اقصيدة بيروتب بوصفها العمل الشعري الطويل الثاني الذي يكمل ملحمة الخروج الفلسطيني من لبنان.
6 ـ االمرحلة الغنائية'، وهي تشمل القصائد التي كتبها درويش في باريس، وظهرت بعدئذ في مجموعتَيه اهي أغنية، هي أغنيةب (1986)، واوردٌ أقلّ' (1986). وفي هذه القصائد استمرّ البحث الجمالي الذي بدأ في بيروت وانقطع فجأة مع الاجتياح الإسرائيلي وخروج الفلسطينيين من لبنان، وبدا أنّ درويش يتفرّغ أكثر من ذي قبل لهواجس الذات والتأمّل الميتافيزيقي، والمحاورة الغنائية بين الشاعر والعالم. وهي أيضاً مرحلة استكشاف مسائل الشكل والبنية الموسيقية للقصيدة، إذْ كتب درويش الرباعيات، وحاول محاكاة إيقاع العزف المنفرد في الموسيقى، وكتب القصيدة القصيرة المعتمدة على االفقرةب الشعرية المتصلة بدل السطور، أو القصيدة الطويلة المعتمدة على قصائد قصيرة من عشرة سطور (كما في مجموعته اورد أقلّ'). ولعلّ هذه الفترة هي أكثر مراحل تجربة درويش قلقاً وتجريباً وتطويراً وخصوبة.
7 ـ االمرحلة الملحمية ـ الغنائية'، وتمثلها قصائد مجموعتَيه اأرى ما أريدب (1990) واأحد عشر كوكباً' (1992). وهذه هي المرحلة التي شهدت عودة درويش إلى القصائد الطويلة والمشهد الملحمي العريض الذي لا يقهر النبرة الغنائية حتى وهو يستعيد الموضوع التاريخي، والذي ينفتح على تجارب إنسانية تراجيدية كبرى (المغول، الهنود الحمر، الأندلس، طروادة) ويبحث للفلسطيني عن موقع فيها، للفلسطيني ذاته أوّلاً ثمّ للإنسانية بعدئذ. وفي هذه المرحلة كان درويش يستكمل الفصل الأنضج من تجربته في مصالحة الموضوع الملحمي مع الموضوع الغنائي، وكان يقدّم صياغة فذّة لمراوحة الفلسطيني بين صورة البطل الملحمي الملتَقط على هيئة ضحية، وصورة الفلسطيني العادي الواقف أمام منعطف السلام واستحقاقات اتفاقية أوسلو. وكان درويش يرسم صورة شعرية رفيعة لآلام وآمال هذه المراوحة.
8 ـ امرحلة الموضوعات المستقلّة'، وتشمل مجموعتَي الماذا تركتَ الحصان وحيداً' (1995) التي تدور حول موضوعة السيرة الذاتية للشاعر منذ الطفولة وحتى الآن، كما تدوّن سيرة المكان حين تحتويه الجغرافيا وينبسط فيه التاريخ، وسيرة دلالات المكان حين تنقلب إلى محطات للجسد وعلامات للروح؛ ومجموعة اسرير الغريبةب (1999) التي تدور حول موضوعة قصيدة الحبّ إجمالاً، وااغتراب الرجل في المرأة والمرأة في الرجل ودمجهما معاً' كما يقول درويش. هذه هي مرحلة التفات درويش إلى شؤون نفسه كشاعر وإنسان، وإلى شؤون الفلسطيني بعد أن غادر مرحلة االبطولةب وانتقل إلى مرحلة اليوميّ والعاديّ.
وضمن مرحلة الموضوعات المستقلة هذه يمكن احتساب مجموعتين صدرتا ضمن سياقات خاصة، شخصية ذاتية تخصّ الشاعر، وأخرى وطنية عامة تخصّ الأوضاع في فلسطين. وهكذا صدرت اجداريةب (2000)، وهي قصيدة طويلة تقارب الـ 1000 سطر، لكي تسجّل سلسلة تأملات ملحمية كثيفة في موضوعة الموت على خلفية رمزية وأسطورية وتاريخية محتاشة بتوتر الوجود ومقاومة العدم وموقع الشعر والفنون في هذا الخضمّ كلّه، وذلك من وحي تجربة شخصية عاشها الشاعر حين خضع لعملية جراحية دقيقة في القلب سنة 1998. كما صدرت احالة حصارب (2000) لتدوّن يوميات الفلسطيني في سنوات استشراس آلة الاحتلال العسكرية والأمنية الإسرائيلية قبل وبعد مجزرة جنين وأعمال النسف والتصفيات الجسدية وبناء الجدار العنصري العازل. ولكنّ اليوميات لم تكن تسجيلاً حزيناً أو محزناً لعذابات الفلسطيني، بل أرادت أساساً القول إنه باق على قيد الحياة، يقاوم في صيغة آدمي من لحم ودمّ وليس في صيغة أسطورة ملحمية ورمز بطولي. 9 ـ المرحلة الراهنة في شعر درويش تستأنف برنامج البحث الجمالي والفنّي الذي بدأه الشاعر في بيروت مطلع السبعينيات وفي باريس مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن في نطاق محدد أكثر هذه المرّة، هو تطوير شكل القصيدة العربية المعاصرة وجَسْر الهوّة بين الشكلين الرئيسيين السائدين في الكتابة الشعرية الراهنة، أي قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. ولأنّ درويش يؤمن بثراء البنية الإيقاعية للشعر العربي، وأنها ما تزال غنية وخصبة وقابلة للكثير من التطوير والتجريب، فإنّ هاجسه في المجموعات اللاحقة انصبّ على التطوير المرن والحيوي للتفعيلة عبر تطويعها ضمن تشكيلات موسيقية سلسة الوقع وخافتة الصوت تكفل تقريب المسافة بين الوزن والنثر. هذه هي السمة الكبرى في مجموعتَي الا تعتذر عمّا فعلتب (2004)، وبكزهر اللوز أو أبعدب (2005)، وكانت النماذج المبكرة لهذا البحث الجمالي والفنّي قد تبدّت كذلك في اسرير الغريبةب (1999)، لكنها لا ريب تبلغ ذروة دراماتيكية في كتاب درويش الأخير افي حضرة الغيابب (2006) الذي شاء الشاعر أن يطلق عليه صفة انصّ' لأنه في الواقع يستكشف أرحب آفاق شعرية النثر، وينجز صيغة فريدة وفذّة من امتزاج الشعر والنثر في قول ينفكّ عنهما معاً ويشكّل جنساً مستقلاً جبّار الإيحاء وعبقريّ التأثير. وأمّا عمله الشعري الأخير اأثر الفراشة'، 2008، الذي يجمع بين التفعيلة والنصوص النثرية، فقد كان أكثر أعمال درويش اقتراباً من قصيدة النثر، خصوصاً وأنّ الشاعر تعمّد إنصاف الوزن حين أعاد إنتاج تشكيلات إيقاعية عالية تذكّر بتقنيات قصيدته في أواسط السبعينيات، كما أنصف النثر حين تلمّس شعريته على نحو جمالي ولغوي غير مسبوق في نتاجه. وإلى جانب الأعمال الشعرية (وهي 23 حتى الآن) كان درويش قد اعتاد كتابة المقال السياسي والثقافي منذ أيّام عمله في صحيفتَي االاتحاد واالجديدب في الداخل، وخلال رئاسته لتحرير الشهرية الثقافية اشؤون فلسطينيةب في بيروت خلال السبعينيات، وتأسيسيه لمجلة االكرمل'، الفصلية الثقافية الأشهر في العالم العربي، التي صدرت في بيروت، ثم انتقلت بعدئذ إلى نيقوسيا، وعادت مؤخراً إلى رام الله. ومقالات درويش جُمعت في الكتب التالية: ااشيء عن الوطن'، 'وداعاً أيتها الحرب، وداعاً أيها السلام'، 'يوميات الحزن العادي'، 'في وصف حالتنا'، 'عابرون في كلام عابر'، مجموعة االرسائلب المتبادلة مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، وبحيرة العائدب الذي ضمّ منتخبات من مقالاته على امتداد عقدين.
غير أنّ كتابه النثري الأشهر يظلّ 'ذاكرة للنسيان'، وهو عمل شبه روائي يصوّر فيه درويش تفاصيل العيش اليومي تحت الحصار الإسرائيلي لبيروت سنة 1982 على نحو مذهل في بساطته وعمقه وشاعريته العالية. وقد اشتهر كثيراً ذلك المقطع الذي يصف فيه درويش نضاله من أجل الانتقال تحت القصف من صالون البيت إلى المطبخ لصنع فنجان قهوة، وكيف تحوّل غلي القهوة إلى طقس إنساني فريد واستثنائي.
''' وإذا كان مشروع محمود درويش الشعري هو مشروع تراجيدي في الجوهر، لأنّ 'وعي الفلسطيني بالتراجيديا عالٍ بدرجة تكفي لكي يتماهى مع أي تراجيديا منذ الإغريق وحتى الآنب حسب تعبيره، فإن الملحمية الغنائية هي السمة المركزية في هذا المشروع. لقد حاول اإطلاق اللغة الشعرية في أفق ملحمي يكون فيه التاريخ مسرحاً لمناطق شعرية فسيحة تتسع لتجوال غير محدود للشعوب والحضارات والثقافات، ولبحث عن عناصر الهوية الذاتية ضمن اختلاط وتصادم وتعايش الهويات'، كما يقول الشاعر عن نفسه.(1) 'ناقد من سورية يقيم في باريس (1) نُشر هذا النصّ، بالفرنسية أولاً، في مختارات درويش الشعرية La terre nous est 'troite، التي صدرت سنة 2000 عن دار النشر الفرنسية غاليمار، في سلسلتها الشعرية الشهيرة، باختيار الشاعر وترجمة الياس صنبر. وقد تمّ تحديث النصّ بما يتيح الإشارة إلى أعمال درويش الجديدة.


نور 08-25-2012 06:01 PM

رد: محمود درويش
 
توني موريسون ومحمود درويش: فعل القراءة وتأزّم التمثيل

ستيفن هيث



http://www.minfo.gov.ps/Docs/10m15.jpg
أزمة موضوع الدراسات الأدبية، وفكرة الأدب ومقاربته كما تطرحها النظرية الأدبية الحديثة، هي أزمة مفارقة تناقضية في إمكاناتها ومؤثراتها (1). الأدب يُزاح ويُجزّأ ويُنتزع من أيّ جوهر هوية منفصل (فتَزيغُ الحدود هنا بين الخطابَيْن الأدبي وغير الأدبي)، ويجري إغراق الأدب أكثر فأكثر في النَصّية (اما من هويّة بذاتها لأية كتابةب كما يجزم جاك دريدا)، ويُردّ الأدب داخل تلك النَصّية ذاتها الى جنون الكلمات (االمرء أبعد ما يكون عن القراءة حين يمسك بالنص في موضع معيّن، في استخراج أطروحة ما، معنى ما أو حقيقة'، دريدا أيضاً). وذلك الاستبدال، وتلك العودة إلى النصّانية والقراءات البلاغية، توجد جميعها في ترابط وثيق مع ضغوطات كبرى على الموضوع وعلى الأدب: ضغوطات من وسائل الإعلام والشبكات الإخبارية؛ ومن التمييع الثقافي للمعنى؛ ومن الفروقات المثارة حول أية هويّة، وحول الهوية الوطنية أساساً. (...) ومسألة تمثيل Representation الأدب تعيدنا إلى ذلك التمثيل الذي يجمع المشكلات معاً، بنهاياتها الفضفاضة وفروقاتها وكسورها ومآزقها. وإذا كان ثمة ما نطلق عليه اليوم اسم االأدب'، بمعنى أغراضه، فهو كتابة وقراءة الصراع من أجل التمثيل، وفهم ذلك على أنه استكشاف للاختلاف والتشابه، وللتعبير عن الهويّات الاجتماعية ـ التاريخية وتناقضاتها، وهو تدقيق ونقد وصياغة تعابير التمثيل ذاته: لغته، نظامه، علاماته. والأدب بذلك، وفي هذا الإدراك لواقعه، هو حالة إفراط. إفراط لجهة الهويّة على سبيل المثال، مثلما لمساءَلة الهوية، للّغة في موضعها مثلما للّغة في اشتغالها، وللعمل مثلما للنص.
حالة من هذا النوع أشارت إليها توني موريسون (2) في عرضها لوضعية الكاتبة السوداء وعلاقتها مع تراث الرواية كجنس حكائي، والشكل الذي ينفتح في سيرورة انكشاف تفكيكي ـ حواري Deconstructive-Dialogic لطُرُز الهويّة والشكل، تلك التي تتأكد في الوقت ذاته ضمن عمليات التصريح بالهوية والمطالبة بها. أو هي أيضاً، وبصورة مختلفة، حالة قصيدة اعابرون في كلام عابرب للشاعر الفلسطيني محمود درويش، التي تنطق بمطمح إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة فلسطين المستقلة، وتعبّر بقوّة عن أحاسيس وتجارب أمّة ووطن، وتفعل ذلك في القصيدة بوصفها قصيدة أوّلاً. بدورها اكلمات عابرةب تنقل وتحوّل التمثيل المُعطى، متحركة ضمن حالة تبادل من الـ انحنب والـ اأنتم'، وتترك الأشياء على قلق. إنها تكتب تاريخاً مختلفاً في الحقيقة، ولكنها تكتب ذلك على وجه التحديد: تكتب تاريخاً للحاضر.
وقصيدة درويش تذكرة دراماتيكية بحقيقة الفعل الرمزي بوصفه فعلاً، كما تذكّر بحقيقة الأدب داخل العالم. في ذروة الانتفاضة، 'ثورة الحجارة'، تصبح القصيدة موضوع نقاش في الكنيست، وتستفزّ حالة واسعة من فعل القراءة وتأزّم التمثيل. إنها تذكرة دراماتيكية، وحقيقة عامة: النضال في سبيل التمثيل مسألة أدبية وسياسية معاً، وهذا لا يعني دمج الإثنين في مكوِّن واحد لـ ااختزالب الأدب إلى سياسة كما يُقال، بقدر ما يعني تأكيد التمثيل على وجه الدقة. المسألة بالتالي تتصل بالأدب فعلياً، بقوّة النتاج ليس ضمن أُطُر الحدود القديمة أو الجديدة ـ القديمة للنصّ أو النصّانية، وليس ضمن أيّ مجال تخصّصي منفصل أو معرفة شاملة كاملة باللغة، التي هي في واقع الأمر نظرية قصوى.
امقاومة النظرية هي... مقاومة القراءة'، هكذا يعلّق بول دي مان وهو يسعى إلى توصيف النظرية كحالة خاصة لصيقة بالمعرفة الأدبية والنصية. اإن من واجب الناقد أن يؤمّن أشكال المقاومة للنظرية'، هكذا يردّ إدوارد سعيد وهو يسعى لتوصيف النظرية كشكل تجريدي من خصوصية السيرورة التاريخية. الأدب ينتج نوع الأفعال والعلائق التي يحتاج الانتباه التمثيلي إلى التركيز عليها الآن، وحيث يجري إدراك مسائل الإيديولوجيا والقيمة، والصراع من أجل التمثيل في عملية الكتابة ـ القراءة التي هي جوهر الأدب. والصراع اليوم، في ميدان تقييم الأدب، ملزَم سياسياً باجتراح أشكال جديدة تنطوي على الانخراط بدل الإنابة، وتعتمد على تآلفات إنسانية ذات مغزى أكثر من اعتمادها على أغلبيات مسجلة.
ترجمة: ص. ح.
هوامش: (1) ستيفن هيث Heath أستاذ الأدب الحديث في جامعة كامبرج (بريطانيا)، والنصّ فقرات من المحاضرة الاستهلالية لمنهاج االنظرية الأدبية الحديثةب الذي افتُتح للمرّة الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) 1988. وقد نُشر النصّ الكامل للمحاضرة في العدد الثاني (صيف 1989) من فصلية Critical Quarterly.
(2) الروائية الأمريكية الحائزة على جائزة نوبل للآداب، 1993.


نور 08-25-2012 06:01 PM

رد: محمود درويش
 
محمود درويش في رحلته الأخيرة إلى فلسطين: صفّوا على نعشي سبع سنابل خضراء ... أدونيس: أحب أن أبكي

(أدونيس)
http://www.minfo.gov.ps/Docs/Coffee_12.jpg_200_-1.jpg
بين ضوء الكلام، وظُلمة الزمن، عاش محمود درويش.
الأول أسنده إليه الفلسطينيون والعرب لكي يُطفئ الجحيم بماء الفراديس. جعلوا منه مَطْهَراً يتجاوزون به خيبة العدل والسياسة، ورمزاً يلجأون إليه لكي يحنّوا ويتذكروا حيناً، ولكي يستشرفوا ويأملوا، حيناً آخر.
وهو عبء احتضنه، وإن كان طاغياً عليه، وهذّبه وارتقى به، وقرَنَ فيه بين الألم المرير والمتعة العالية، وبين الفجيعة والجمال. وفي ذلك صارع العبءَ الآخرَ، عبء الزمن، وآخاه واحتضنه كذلك.
كتب شعره كمثل كيمياء تحوّل الموت الى حركة حية، وتخترع الشطآن حتى للقوارب المحطّمة. وحيثما اغتربَ، أقام عاصمة للأمل، جاعلاً من الشعر أرضاً أخرى، وسماء أخرى.
لكن ماذا تقول لك الكتابة حين تنهار فوق صدرك ذروةٌ من ذرواتها؟ خصوصاً ان محمود درويش لم يكن، بالنسبة إليّ، مجرّد صديق. كان أخاً قريباً، وشريكاً حميماً في الحياة التي جمعتنا في بيروت، قبل الحصار، وفي أثنائه، وبعده في باريس. كنّا في هذه المدينة الفريدة نبني جسور الشعر ونربط الأفق بالأفق.
وكنا في بيروت نفتح لغاتنا على الرياح الأربع. وفي بهاء الصداقة كنا نحتفل – في بيتنا، كل سنة، باليوم الذي ولد فيه مع نينار التي ولدت في اليوم نفسه: 13 آذار.
كان يأخذها بين ذراعيه، فتقول له بطفولتها الشاعرة: «أنت كبير، وأنا صغيرة. شو استفدنا؟».
مع ذلك، فيما بعد، في غلواء الصداقة، والتباس علاقاتها، باعَدَت بيننا الحياة. غير ان الخيط الذي يصل الضوء بالضوء لم ينقطع بيننا ابداً.
الآن، أحب أن أبكي.
محمود درويش "في حضرة الغياب"
http://www.minfo.gov.ps/Docs/p01-03-23435.jpg محمود درويش في صورة من عام 2007 في بيروت. جمانة حداديعود الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الى وكر النسور في الجليل، لينضمّ الى الأرض التي جعلها أرضاً ليس للبطولة فحسب ولكن خصوصاً لكل شعر حقيقي عظيم.
قبل ساعات قليلة كان محمود لا يزال في قلب المحنة الخطيرة، يواجه وضعا صحياً بالغ الحرج، ويخضع للتنفس الاصطناعي في أحد مستشفيات هيوستن، تكساس، بعدما أخضع في 6 آب الجاري لعملية جراحية معقدة في القلب تولاها الجراح العراقي حازم صافي، وتضمنت اصلاح ما يقارب 26 سنتيمترا من الشريان الابهر الذي تعرّض أخيراً لتوسع شديد وخطر.
وقد سبق ان اجريت وهي التي كتب على أثرها "جداريته" الشهيرة. لكن القلب الذي ظل وفياً للشاعر، على رغم عطبه الجليل، حاملاً معه أعباء الشعر والأرض والتاريخ، لم يستطع أن يكمل المسيرة، فدخل في عطب الغيبوبة العظيمة، تاركاً الشاعر وحيداً "في حضرة الغياب".
ها قلبكَ، يا محمود، كان، قبل قليل، يرفرف فوق الحافة المهيبة من جديد، وكنا نسأل أن لا تأخذه الحافة الى الأبعد منها.
فقد علّمنا قلبكَ، يا محمود، أنه لم يكن غريباً على أطوار الحافة وأمزجتها. فهي، كالأقدار، كالأرض، كالشعر، كانت ملعبه الأثير. حفظ قلبكَ فخاخها وفجواتها ومطباتها، غيباً، وعن ظهر قلب، كما تُحفَظ القصائد، وكما تُحفَظ الأرض، فلم يخطئ حدودها يوماً، ولم تدوّخه يوماً سكرة هوتها العظيمة. وقد ظل قلبك يتلاعب بالحافة، وتتلاعب به الحافة، الى أن أخذته، أمس، اليها.
قبل قليل، كنا نقول إن القلب إذا كان مثل قلبكَ، لا بدّ يعرفها، هذه الحافة، جيداً. وكنا نقول، ودائماً قبل قليل، إن القلب الذي مثل قلبكَ، يعرف جيداً، أنها الحافة الصعبة، الحرون، الكاسرة، المغوية، والتي ليس من حافات بعدها. وكنا نقول، إن قلبكَ، شأنكَ، شأن شعركَ، وشعبكَ، مرصودٌ لمثل هذه المناطق المحفوفة التي تشبه طعم المستحيل. لكنكَ، كالنسور المحلّقات، كالقصائد المحلّقة، كالفينيق، كنتَ، حتى قبل قليل، إذا نزلتَ في وادٍ، فشأنكَ أن لا تتحطم، أو تحترق، أو تسقط في عدم. وكنا نقول، شأنكَ فقط أن تعرف طريق الرجوع. وكنا نقول، أنتَ لا بدّ راجعٌ الى شعركَ، على طريق الراجعين. وكنا نقول سترجع. لا مفرّ.
كنا نقول إن القلب، قلبكَ، يعرف هذا كلّه. ويعرف قَدَره جيداً. وكان قَدَره يقول له أن يكمل الطريق، لا أن يخون.
لكن القلب الذي اختبرك طويلاً أيها الشاعر الكبير، عاد لا يستطيع أن يظل يختبر. كنتَ، أيها الشاعر، حتى قبل القليل القليل من الوقت، لا تبخل على القلب بالاختبار. كنتَ تداويه بما يليق بكَ وبه، ليعود اليكَ والى شعركَ وشعبك. وكنتَ تنده هذا القلب، بأسراره بألغازه بكلماته، فيعرف حدوده معك، ويصعد دائماً من هاوية الى حيث تقيم النسور. وقبل قليل كنا نسألك أن تنادي قلبكَ هذا على الفور. وقبل قليل كنا نلحّ عليكَ أن تناديه الآن، وأن لا ترجئ الى غد. وأن تزجره، وأن تزلزله، وأن تهزّه من تعب، وأن تبلسمه بشعرك، ليعرف القلب حينئذ ماذا ينبغي له أن يفعل. وكنا نقول: هو لا بدّ فاعلٌ. وكنا نقول: سيفعل.
لبنان منذ ساعات قليلة كان كلّه يناديكَ، يا محمود، لا أنا وحدي. شعراؤه، كتّابه، أهله، كانوا يسألونكَ أن تخاطب القلب الجريح باللغة التي يفهمها هذا القلب الجريح. وكنا نقول حتى قبل قليل، إن الوقت هو الآن وقت اللغة، أيها الشاعر، لا وقت الأطباء فقط. وكنا نسألك أن تنادي قلبكَ باللهجة التي لا يتقنها سوى الشعر. ومَن مثلكَ، كان يعرف ما به هذا القلب. وكيف يعود ليخفق في صدركَ، في شعركَ، مثلما يخفق ضمير الأرض في شعب فلسطين.
شعراء لبنان، كتّابه، وأهله، كانوا حتى قبل القليل القليل من الوقت، يسألون قلبكَ الشفاء، وكنا نسألك أن ترسل الى قلبكَ نداءنا اليه، مشفوعاً بالرجاء، بل بالحب الكبير.
لكننا، مثلك الآن، نفهم ماذا يعني أن يخرج القلب على الحافة ولا يعود يعرف الطريق اليك.
لا بدّ أن القلب طار، كما العصافير، كما النسور، لينضمّ الى وكر النسور في أرض الجليل.




نور 08-25-2012 06:02 PM

رد: محمود درويش
 
الرجل الذي ضيع في الأحلام .. عمره

عبد الحليم قنديل

بدا الخبر ذابلا منهكا كأنك سمعته مرارا من قبل، رسالة على الهاتف المحمول تقول: مات المهندس إبراهيم شكري بعد صراع طويل مع المرض، مات الشيخ الذي عاش 92 سنة في وضع 'الشهيد الحي'. مات إبراهيم شكري غريبا غربة الإسلام في آخر الزمن، وكأن البلد الذي أحبه، والأمة التي عاش لأجلها، كأنه لابلد ولا أمة، ولا وفاء لمن ضحىّ، مات الرجل على سريره، وهو الذي خاض ألف معركة، ونجا من ألف جرح، مات وهو في العزلة، ويعاني الإحباط والإنكار والاستبعاد من السياسة المصرية، وهو الذي صنع أسطورة حياة يندر مثيلها .
ولد إبراهيم شكري في زمن الحرب العالمية الأولى، ولم يكن يحتاج للعمل بالسياسة، بل ربما لم يتوقع له أحد أن يفعلها، فقد ولد وفي يده ملعقة من ذهب، ولد كأبن باشا، آلاف الفدادين من الأراضي الزراعية الخصبة بحوزة الأسرة، وحياة كلها في الرغد وتمام النعيم، لكن روح الشاب 'التولستوي' كانت متمردة، فقد كان واحدا من اثنين وصلا لعضوية مجلس النواب قبل الثورة، وبنفوذ الأسر الإقطاعية الكبرى كغيرهم، لكنهما كانا نائبين من طراز مختلف، فقد قدما أول قانون للإصلاح الزراعي في تاريخ مصر، ولم يقبل المشروع بالطبع في مجلس يسيطر عليه كبار الملاك الزراعيين، لكن إبراهيم شكري تعامل مع نفسه وأملاكه، وكأن القانون صدر بالفعل، وراح يوزع قطعا من أرضه التي ورثها على صغار الفلاحين، ووضع أمواله في خدمة جماعات السياسة الشابة المتمردة، كان رفيقا لأحمد حسين خطيب الغضب الجامح، وكان ممولا وحيدا ـ ربما ـ لحركة مصر الفتاه في الثلاثينيات، وللحزب الإشتراكي الذي أعقبها في الأربعينيات، وكان قريبا جدا من فتحي رضوان المحامي وأول وزير الثقافة في عهد عبد الناصر فيما بعد، كان رضوان وحسين وإبراهيم شكري رموزا على تمرد بميول وطنية وإسلامية واجتماعية، وفي مشهد سياسة كان محجوزا لإخوان حسن البنا في الظل، ولكبار الملاك الزراعيين وعملاء الإنجليز والقصر الملكي في مشاهد التأليف والانفضاض الوزاري .
وطوال سبعين سنة، كان إبراهيم شكري القاسم المشترك الأعظم في السياسة المصرية، أصيب برصاص الإنكليز في انتفاضات الطلاب أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، كان الطلاب يدعون الأحزاب لجبهة موحدة معادية للاحتلال البريطاني، وينادون بالعودة إلى دستور 1923، وتفجرت المواجهات دامية، وسقط عشرات الطلاب في المظاهرات، وكان أولهم الشهيد عبد الحكم الجراحي رفيق إبراهيم شكري (وقد أوصى أن يدفن إلى جواره على طريق صلاح سالم بالقاهرة)، فيما ظل شكري على قيد الحياة بعد شفائه من جروح الرصاص، وبعد أن راح في غيبوبة طويلة، ونقل إلى المشرحة تمهيدا لدفنه، ومن وقتها عرف باسم 'الشهيد الحي'.
والتحق ـ فيما بعد ـ مع رفاقه المتمردين بقافلة تأييد ثورة الضباط الأحرار، وشغل منصب المحافظ أكثر من مرة، ثم دارت دورة الزمان ضد الأحلام، وارتد السادات على الثورة، وحاول استمالة شكري وعينه وزيرا للزراعة، إلا أن الرجل كان يخفي في نفسه حس المعارضة لكل ما يجري، كان يدرك أن الأوضاع تعود تدريجيا إلى أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 1952، ويسعى للعودة إلى المعارضة التي انتسب إليها قبل الثورة، وفي ظروف جديدة، وهيئ للسادات ـ بغباوة مفرطة ـ أن شكري يصلح لدور المعارضة المستأنسة، وساعد السادات في إنشاء حزب العمل الاشتراكي أواخر السبعينيات، ولم تمض غير شهور حتى انقلب شكري إلى سيرته الأولى، وتحول حزب العمل ـ برئاسة شكري ـ إلى خصم لدود لكامب ديفيد ولنظامها، وإلى موئل لجماعات من الوطنيين والناصريين كانت ممنوعة من العمل بالسياسة، وإلى محطة حنين لرجال 'مصر الفتاة' القدامى، وتكون خليط سياسي ـ بزعامة إبراهيم شكري ـ أقرب لأحزاب يسار الوسط، وفيما بدا إبراهيم شكري في صورة الراعي الطيب، فقد أفرزت الظاهرة رجالا ونساء من المعارضين المؤثرين بشدة في الرأي العام، كان أولهم ـ بالطبع ـ فتحي رضوان الذي سجن في العهد الملكي وفي أواخر العهد الساداتي، وحلمي مراد الذي تساءل ـ في الوقت المبكر ـ عن بدعة السيدة الأولى، وعن نفوذ جيهان السادات ومن بعدها سوزان مبارك، ثم عادل حسين الذي التحق بالحزب في أواسط الثمانينيات، وكان له الدور البارز في إعادة صياغة هوية حزب العمل، كان عادل حسين يؤمن ـ كما قال لي مرارا ـ بما يسميه 'الناصرية آخر موديل'، وكان يسعى لتحويل حزب العمل إلى مزيج من التيارين القومي والإسلامي، وكان تركيزه هائلا على الاستفادة من الحجم الكبير لجماعة الإخوان، وهكذا نشأ ما سمي 'التحالف الإسلامي'، والذي آلت إليه زعامة المعارضة الرسمية في برلمان 1987، بدا أن عود حزب العمل يشتد، وبدا الهجوم الرسمي مركزا على شخص عادل حسين الذي حظي بدعم ورعاية وتأييد إبراهيم شكري، فقد ظل الرجل مخلصا لآل حسين، ودعم خط عادل حسين وفاء بحق شقيقه الأكبر أحمد حسين، فقد كان شكري من طراز رومانسي فريد، وظلت جريدة 'الشعب' ـ الناطقة بلسان حزب العمل ـ تؤثر بشدة في الرأي العام طوال التسعينيات، ولم يكد يطوي القرن أوراقه وحوادثه، حتى وقعت الواقعة، وانقلب نظام مبارك ـ وريث السادات ـ على إبراهيم شكري وحزبه بالجملة، وتقرر حل الحزب وإغلاق الجريدة في سنة 2000، كان إبراهيم شكري قد وصل وقتها إلى عامه الرابع والثمانين، وظن النظام أن الرجل ـ مع تقدم السن ووهن الصحة ـ ربما يميل إلى المساومة، لكن الرجل صمم على أن يحتفظ بصفحته بيضاء وبسيرته ناصعة، ولجأ إلى القضاء الذي انتصف له مرارا وتكرارا، وأصدر عشرات الأحكام بعودة جريدة حزب العمل للصدور، لكن النظام الذي يحتقر القانون ويدهس القضاء صمم على رفض التنفيذ، وهكذا بدا ان شكري قد أحيط به، حاصره الإحباط المستعجل، وذهب إلى العزلة والمرض، ولم تعد تسمع عنه أو تقرأ له، وإلى حد تصورت معه أجيال أن إبراهيم شكري قد مات، وغادر الدنيا من زمن، بينما كان الرجل وحيدا مع أمراض الشيخوخة في بيته المعزول، و يشكو إلى الله ما لحق به من عنت الظالمين .
ذهب شكري إلى العزلة بغير اختيار، وإلى خيمة الصمت المطبق، وهو الذي كان ملء السمع والبصر، فقد جرحته الإهانه، وهو الذي جعل حياته سيرة شرف، انتهى وحيدا إلى اجترار الأحزان، وربما تأمل ما يجري حوله، وأحس أن الزمن لم يعد زمنه، فقد بدت حياته كلها ـ في المحصلة ـ كأنها قبض ريح، عاش يحلم بمصر أفضل، وقد رآها تتدهور من سئ إلى الأسوأ، وتنحدر إلى هاوية بلا قرار، عاش حياته مناضلا من أجل حقوق العمال والفلاحين، وانتهت القصة إلى دهس آدمية المصريين بغالبيتهم الساحقة، ناصر ثورة يوليو، ورأى انجازاتها تمحى من الوجود واحدا بعد الآخر، كانت فلسطين قضية عمره كما كانت قضيـــــة كل المصريين، وكان بيته هو المنزل المفضل لاستضافة أبــــــو عمار رمز الثورة الفلسطينية، وانتهى الأمر إلى ما عرف ونعرف، أعلام السفارة الإسرائيلية على حافة النــــــيل، وهدايا الغاز والبترول المصري لإسرائيل، ومهانة استضافة الإسرائيليين في بيت الرئيس، كان شكري ـ السياسي الرومانسي ـ أشبه بالوتر الحساس، والكل يذكر ماذا فعل شكري في جنازة الشهيد سليمان خاطر، كان الشهيد قد مات غيلة في السجن الحربي، وبعد ان اتهم بقتل إسرائيليين في سيناء، وبكى شكري الفتى سليمان كأنه ابنه، ولم يكن يدري أنه ـ هو الآخر ـ سيموت وحيدا، فهو الرجل الذي ضيع في الأحلام عمره . كاتب من مصر


نور 08-25-2012 06:02 PM

رد: محمود درويش
 
محمـود درويـش: آن لـي أن أعـود!
http://www.minfo.gov.ps/Docs/11591-1.JPG
هاتف الوداع:
سأهزم الموت بالموت!
قال محمود درويش: لم اشأ ان اغادر من دون ان أودعك... لقد حسمت أمري وقررت ان أواجه الموت، مرة اخرى...
نضح القلق في صوتي وأنا احاول فتح باب النقاش مجدداً: ولكن الأطباء في بيروت قد نصحوك
ـ أعرف، وكذلك الأطباء في فرنسا... لكنها معركتي!
قلت: هذه معركة غير متكافئة.
ـ أعرف، وأعرف أيضا أنه لا بد منها. لم أعد أطيق مواصلة هذا التحدي. لقد سئمت ان أعيش في قلب موتي. أتعرف، من الممتع أن تنازل الموت، ولكنك في لحظة ما ستكتشف ان لعبتك مفضوحة. ان تعرف انه يعرف انك تعرف النتيجة، وأنك تعابثه.
ـ ولكنك يا محمود لست فرداً لتقرر وحيداً ما يشترك معك الناس فيه...
قاطعني: اعرف ما سوف تقوله، لست ملك نفسك، وليس لك ان تقرر. تصور: أنا ملكية عامة! في كل تصرفاتي عليّ الا اكون أنا.
انتبه! يجب الا تقبل وردة من تلك الحسناء. انتبه! أنت تمثل القضية فلا يجوز ان تضحك بصوت عال! ويجب ان يكون كلامك مدروساً. لقد بلغ الامر ببعض الناس ان استنكروا ذهابي الى مدينتي، بحجة انها صارت تحت الحكم الاسرائيلي! ونسوا انني حتى حينما اكون في رام الله فأنا تحت الحكم الاسرائيلي! لن اتحدث عن الدول الاخرى... ثم انني عشت نصف عمري تحت هذا الاحتلال، وأنا اكثر من يعرفه بينكم جميعا، حتى لا اقول انني احد القلائل الذين يعرفونه حقا.
ـ بل أردت أن أحدثك عنك بوصفك ملكية خاصة لمحمود درويش... لقد حذرك الأطباء من ان اي جراحة قد تحرك الوحش الكامن في شرايينك!
قاطعني ضاحكا: حتى الكولسترول عند محمود درويش مختلف
ـ انه مثلك، جبار! ألست جباراً علينا جميعا
ـ ولكنه جبار عليّ فقط! انه يفرض عليّ التحدي بين ان اعيش أسيره ما تبقى من عمري وبين ان أهزمه ولو بالموت.
ـ كأنك تتحدث عن الانتصارات العربية التي يقدم فيها هدايا مجانية الى اسرائيل.
وختم محمود درويش مكالمته الوداعية بأن قال انه لن يبتعد عن مكانه لانه منذ زمن طويل بات يعيش خارج المكان والزمان لان شعره صاره...
(ذكريات شخصية من زمن محمود درويش)
طلال سلمان


ودّع أصدقاءه ولم يعتذر
شاعر الأوذيسّة الفلسطينية
هذه المرة لن يكتب محمود درويش جدارية أخرى. لن يخدع الموت الذي طالما خرج منه ناجياً من عاشق مثله في الوقت الضائع وما بعد الحياة، يدرك ان الموت خصه كما خصته الحياة. لم يخطفه. ضرب له موعداً عرفه وسار إليه بقدميه. لم تكن تجربة درويش مع الموت سوى صورة موازية للصراع. إذا كان شعر درويش هو شعر الخيار الوحيد فإن الموت على سن هذا الخيار. لطـالما غنى درويش شهداء القضايا الخاسرة، والأرجح انه كــان يعــرف ان في سيره إلى موته ذروة في هذا الغناء، انها القصــيدة غير المكتوبة التي أتمها بجسده. ســيكون جســده عندها موازياً للمكان، سيــكون موته لحظة في هــذا الوعــي الشقي.. حيــن حانت الساعة، ســار درويش إلى موعـده أنيـقاً ومستـويا. ودع أصــدقاءه ولم يعـتذر.
لم يكن غناء درويش في ما بعد بطولياً انتصارياً جريئاً. لقد تحرر من القصيدة الوطنية داخـل القصــيدة الوطنية، وصارع الجمهور داخل الجمــهور. انــها سلطــة على الجمهور طمح معها درويش إلى إعــادة تربيــته وتأهــيله: لكنها موهبة كبيرة جعـلت درويش في آن واحـد شاعراً شعبياً وطليعياً، نجماً ونخبوياً. درويش كـان يتــحرر ويحرر في آن معـاً. لقـد تخلص في العـلن من رواسب، وكان يمكن لتجربة علنية كـهذه ان تمتد وأن تغدو مثلاً. ليســت المسألة في الشـكل فـقط، انها مسألة رؤيا. فالــشاعر الفلسطيني وجـد نفـسه مغنـي الأوذيســة الفلســطينية وشــهداء القضية الخاسرة. لقــد تحــول إلى شــاعر مرات، وغــدا شــعره مع الوقـت مرثية كبرى.
امتلك محمود درويش غير الشعر ذكاء نادراً وعقلاً تحليلياً وفكاهة. لم يهتم لكتابة الشعر فحسب، بل بصورة الشاعر أيضاً. لم يطور شعره فحسب، لكنه بنى استقلاله ووعيه النقدي. ومع الوقت كان يزداد نضجاً وإصغاء. لقد انقصف في ربيعه. دعك من العمر. انقصف في ربيعه وهو الآن أفتى منه في بعض شبابه.
عباس بيضون



إلى أين تأخذني يا أبي
كتب محمود درويش:
... آية الكرسي، والمفتاح لي. والباب والحراس والأجراس لي.
... لي ما كان لي. وقصاصة الورق التي انتزعت من الإنجيل لي، والملح من أثر الدموع على جدار البيت لي..
واسمي، إن أخطأت لفظ اسمي، بخمسة أحرف أفقية التكوين لي:
ميم / المتيم والميتم والمُتَمم ما مضى
حاء / الحديقة والحبيبة، حيرتان وحسرتان
ميم / المغامر والمعد المستعد لموته
الموعود منفيا، مريض المشتهى
واو / الوداع، الوردة الوسطى
ولاء الولادة أينما وجدت، ووعد الوالدين
دال / الدليل، الدرب، دمعة، دارة درست، ودوري يدللني ويدميني
وهذا الإسم لي... ولأصدقائي، أينما كانوا،
ولي جسدي المؤقت حاضراً أم غائباً...
متران من هذا التراب سيكفيان الآن... لي متر و٧٥ سنتيمتراً... والباقي لزهر فوضوي اللون، يشربني على مهل.
ولي ما كان لي: أمسي، وما سيكون لي، غدي البعيد، وعودة الروح الشريد كأن شيئا لم يكن...
... أما أنا وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل ـ فلست لي. أنا لست لي أنا لست لي... (جدارية ١٩٩٩)
[[[
سطراً سطراً أنثرك أمامي بكفاءة لم أُوتها إلا في المطالع
وكما أوصيتني، أقف الآن باسمك كي أشكر مشيعيك إلى هذا السفر الأخير، وأدعوهم إلى اختصار الوداع...
ولنذهبن معاً أنا وأنت في مسارين: أنت إلى حياة ثانية وعدتك بها اللغة، في قارئ، قد ينجو من سقوط نيزك على الأرض.
وأنا إلى موعد أرجأته أكثر من مرة، مع موت وعدته بكأس نبيذ أحمر في إحدى القصائد...
فلأذهب إلى موعدي، فور عثوري على قبر لا ينازعني عليه أحد من غير أسلافي، بشاهدة من رخام لا يعنيني إن سقط عنها حرف من حروف أسمي، كما سقط حرف الياء من اسم جدي سهواً. (جدارية)
... يقول على حافة الموت: لم يبق بي موطئ للخسارة، حر أنا قرب حريتي وغدي في يدي... سوف أدخل، عما قليل، حياتي، وأولد حراً بلا أبوين، وأختار لإسمي حروفاً من اللازورد. (حالة حصار)


نور 08-25-2012 06:02 PM

رد: محمود درويش
 
غنــاء الخســارة
عباس بيضون


هذه المرة لن يكتب محمود درويش جدارية اخرى. هذه المرة لن يخدع الموت الذي خرج منه ناجياً من قبل. من عاش مثله في الوقت الضائع وما بعد الحياة يدرك ان الموت خصه كما خصته الحياة. لم يخطفه وحده. عرف ساعته وصار إليها بقدمه.
لم يكن محمود درويش يعتبر الموت عرساً كما اعتبره جلال الدين الرومي لكنه لم يكن بالنسبة له مجرد فراغ. لقد حمله في قلبه وأحشائه وتحول الى طرف في معادلته الشعرية والحياتية. اضيف الى الكلام وإلى السلوك كملح للحقيقة وعمق غير منظور. كان النزوح والموت شراعا محمود درويش والحق انه استدخلهما وجعل منهما واقعاً خاصاً. صنع منهما تلك الأوديسة الفلسطينية التي راحت مع الزمن الى اسطورة خاصة وعقدة انطولوجية. هنا المكان وهنا الزمان ومحمود درويش يبحر بين الاثنين ولا يرسو هنا او هناك.
لا بد انها عملية ترميز وتأويل استقطبت كل حياة درويش وكل مشروعه، التوسط بين الجسد والمكان، بين الرحيل والمقام وبين المملكة المفقودة والزمن الحاضر. هذه العملية هي جدل شعر محمود درويش ومدار حياته، جعل درويش من الرمز الفلسطيني ميتافيزياءه الخاصة وكما هي غالبا مهمة الشاعر، عَقْدُ الحوار بين السماء والارض، غدت السماء ارضا شخصية، انعقد الحوار بين الجسم والمكان وتم للمكان ان يغدو جسما. لنقل ان الموت الذي خرج منه الشاعر خرج منه بجسد تلتقي عنده السماء بالأرض. ربما من مخاض الموت الذي لم يكن سوى صورة موهلة مجسمة للنزوح والفقدان خرج جزء كبير من »حقيقة الشعر الدرويشي«. اذا كان درويش ضرب للموت موعداً فلأنه كان يعلم انه كان دائما قريبا ولان ما بينهما لم يعد سرقة وغصبا.
ضرب للموت موعدا لانه مذ حل في كلامه ووجد عبارة وصورة صار في الخارطة الشخصية للشاعر. اذا كان شعر محمود درويش غالبا شعر الخيار الوحيد الذي يغدو مع الوقت ميزة وأفقاً. اذا كانت مرثية الهزيمة التي تتحول الى قيمة اخلاقية، اذا كان تعريفه الضمني للشعر هو الرثاء وهو غناء المغلوبين فإن البقاء على سن الهزيمة والخيار الاجباري هو ايضا المقياس التراجيدي للحرية والنبل. والارجح ان تجربة درويش مع الموت هي الصورة البؤرية لهذا الصراع. حين حانت الساعة كان الموت على سن الرمح ولم يكن هناك خيار آخر ولا اقل فداحة وكعادته لم يعتذر محمود درويش. سار الى موعده انيقا ومستويا. ودع اصدقاءه بوجه مرفوع ومضى الى حيث يقيس ايضا نفسه.
كان محمود درويش في عز مجده حينما تأكد ان هذا المجد بحجم الالتباس الذي يولده، شاعر فلسطيني وشاعر الثورة وشاعر القضية. لم يكن الشاعر غير دار بأن فلسطين هي موضوعه الغالب. ولم يكن ليتنصل من التزام واع بقضيته، لكن ما فهمه درويش هو ان الليل يمكن ان لا يكون اسود والموضوع والمناسبة ليسا واحداً لدى جميع الشعراء او الكتّاب فهم يتمايزون فيهما ويختلفون.
لم يكن غناء درويش فيما بعد غناء حربيا بطوليا انتصارياً كما وسم الغناء الوطني، ولم يحب درويش ان يحشر في هذا الغناء العربي الحماسي، في سبيل ذلك كان الشاعر العربي الاول الذي يصارع جمهوره ويصارع موضوعه ويصارع اسمه وشهرته. يذكر الجميع عقدة »سجّل أنا عربي«. لم يخسر محمود درويش جمهوره.
كان قادراً على ان يضع في الشعر اكبر نسبة ممكنة من ذاته، ان يرد الشاعر الى طراوة وبساطة فاتنتين، على ان يقول الشخصي بلغة العام، على ان يكون نفاذا وقريبا في آن معا، على ان يبدأ من بداهة ليغربها ويخصصها ويستدخلها فيما بعد، على ان يزوّج الغناء للفكرة. على ان يقول النثر بصيغة الشعر، كل هذه ملكات تصدر عن قوة الموهبة. وحدها تقدر على ان تستدخل كل الحافظة الشعرية وحدها قادرة على لم عناصر متفارقة اساسا وادماجها في تركيبة واحدة.
قوة الموهبة جعلت من درويش يتحرر من القصيدة الوطنية داخل القصيدة الوطنية، ومن الجمهور داخل الجمهور. بل هي التي جعلت من محمود درويش في الان نفسه شاعرا شعبيا ومجددا، وان يكون نجماً ونخبوياً وأن يكتب بحرية من دون ان يخشى العزلة، وأن يورط عامة ادبية بأعمال شخصية وتأملية، وأن يحول قصيدة عن تجربة موت الى أثر رائج، الارجح ان محمود درويش امتلك من سلطته على الجمهور قدرة ان يكون حراً وأن يطمح الى تركيبة الجمهور وتأهيله، مع ذلك فإن المسألة ليست في سلطة درويش وحدها، انها في عملية ان يتحرر ويحرر في آن معا.
لقد تخلص في العلن وفي تجربة مكشوفة من رواسب لم تكن لتفسده فحسب بل وتفسد جمهوره معه. ليس النفس الحربي الانتصاري البطولي مطابقا بالضرورة لجمهور مغلوب ومرضوض ومغدور بحسب رأيه، والارجح ان ماعافه محمود درويش هو بالضبط هذا النفس الانتصاري الذي يحول الادب تقريبا الى تزوير، لم تكن هذه مسألة شكل فحسب كانت اكثر من ذلك مسألة رؤيا.
محمود درويش ليس شاعر حماسة. انه باختصار شاعر مرارة ويمكننا بسهولة ان ندرج شعره تحت عنوان الرثاء. الارجح ان موضوع درويش الاساسي كان الخسارة والفقدان وبكلمة واحدة فإن موضوعه الاساس هو الهزيمة. انها رؤيا تولدت لدى محمود درويش بالتدريج. لم ينكر درويش الصراع بالطبع لكنه قرر غالبا انه ايضا في الاسم والذاكرة والبقاء وليست الخسائر فيه سوى تراث اضافي ومخاض للمستقبل. غنى محمود درويش من سماهم وولت ويتمان شهداء القضية الخاسرة وغنى الخاسرين والمغلوبين بنبل الخسارة وتحليق التراجيديا.
لم يكن حظ درويش من الحياة واحداً. لقد وصل بسرعة وسهولة الى نجاح مطلق، وبات نجما في بلاد العرب ونجما في غير بلاد العرب. وكرس حياته كلها للشعر بدون اي تطلب اخر. لعل درويش من »النجوم« القليلة التي ليست زائفة.
صارع محمود حظه وما جاءه بسهولة اعاد ابتكاره بنفسه. لكن محمود درويش كان يملك »حضورا« يوازي شعره بذكاء لماح وعقل تحليلي وفكاهة وفتنة. لم لا محمود درويش فاتن والارجح ان طلته وصوته واداءه فتنت جمهوره ايضا، بالتأكيد كان درويش النجم يملك ذلك الوعي الشفاف الذي يجعله يفرز الثقافة من المواصفات الاجتماعية، لم يكن الشعر غايته فحسب بل وجه الشاعر وصورته وشخصيته. في ذكائه لم يكن يكره شيئا كالبلادة والسخف وهما في الغالب مصير النجوم. لقد اعاد ابتكار نفسه وسط الجمهور.
لم يطور شعره فحسب ولكن بنى استقلاله وفرديته ورؤيته الخاصة. ومع الوقت كان محمود درويش يزداد وعياً لشخصه ولشعره. مع الوقت كان يزداد نضجا ونقديه... وإصغاء وتواضعا. زالت عناصر استفزاز في شخصيته. تخلص من حدة وصعوبة وظهرت فيه ليونة وسلاسة ما كانتا اساسا في طبعه، كان يغدو اكثر فأكثر فردا ومستقلا وشاعرا، انها اللحظة المناسبة ليمكر الحظ وليسترد هداياه. لا اعرف كم ترك وراءه من قصائد اعرف ان الشاعر الذي فيه كان لا يزال عامراً. لقد انقصف في ربيعه. دعك من العمر.
انقصف محمود درويش في ربيعه. هو حينها افتى منه في شبابه. لقد تصالح مع الخسارة، خسارته الخاصة وخسارة شعبه. لم يعد متشنجا ولكن هادئاً وحكيماً. لقد وجد شعبه يوم وجد نفسه ايضا. كان قادراً على ان يكون مع الاضعف وان يدين، ولو بهدوء، الذين يحولون الضعف الى حماقة وإهدار. جازف بأن لا يكون لكل الفلسطينيين ولكل العرب. لم يعد للاجماع حين وجد »جــمهوره« يقتتل في الساحات. انها المرارة حين لا تكون الخسارة نبيلة وحين تتحول الى ضغينة عائلية مرثيه غدت اكثر تركيبا وتعدداً. انها مرثية من يخسرون خسارتهم او يبيعونها بخسارة اضافية. محمود درويش الذي كان قادراً على ان يقول اكثر نفسه شعراً، وربما اكثر واقعه، قال كثيراً وكثيراً جداً لكن الواقع مثقوب وبلا قاع ولا نهاية لنزيفه.
عباس بيضون

نور 08-25-2012 06:03 PM

رد: محمود درويش
 
الشعراء لا يموتون

مرسيل خليقة

»وأعشق عمري
لأني
اذا مت
أخجل من دمع أمي«
ربما هي المرة الوحيدة التي خجل فيها محمود درويش لأنه رحل قبل رحيل أمه، ترك لها الدمع لكي تبكيه ولم يترك لها شعراً لترثيه. أنا الذي حملت شعره وسافرت به بعيداً، أنا الذي حمل ترابه وحنينه الى أمه و»ريتاه« وزيتونه وكرمله، هل تصدقونني إن قلت لكم إن الشعراء لا يموتون لكنهم يتظاهرون بالموت؟


كأن كل شيء قد انتهى

شوقي بغدادي

يخيل لي الآن ان كل شيء قد انتهى، وان كل مساعي القادة والزعماء العرب خطابة وعملاً لن تستطيع ان توقف موجة اليأس الطامية حين تمر الاعوام ولا نسمع شعراً جديداً لمحمود درويش.
في السنوات الاخيرة وقد اتسع هذا المستنقع من الدم والوحل الذي تتخبط فيه الآن الأخوة الأعداء في فلسطين، بدأت أفقد الأمل بقدرة »فتح« او »حماس« او »منظمة التحرير« بأكملها على ان تصون للذبالة للواهية لشعلة الأمل الباقي. كان محمود درويش وحده يصنع المعجزة: أن يحافظ في وجدان قرائه على الشعلة الذابلة هذه حين نقول لأنفسنا بعد قراءته: كيف يمكن لقضية تبدع شاعراً بهذا المستوى ان تكون باطلة. مهددة بالضياع؟ لقد استطاع شعر محمود درويش ان يعوضني عن »أبو عمار« و»أبو جهاد« والشهداء الكثر الآخرين. وأن يعيد لي بعض الثقة بأن خلفاءهم الأحياء سيصنعون المفاجأة المرتقبة منذ اكثر من ستين عاماً ما دام هناك شاعر كبير مثل محمود درويش حليفاً لهم اذ استطاع ان يقنع العالم اجمع ان الجمال الشعري قادر ان يحقق معجزة الأمل على الأقل ان لم نحقق معجزة الانجاز الوطني الأكبر.
الآن سوف تتزاحم القصائد والخطب والمقالات في رثاء الفقيد، ولكنهم حين يصمتون أخيراً ـ وسوف يصمتون بالتأكيد ـ سيتأكد الجميع ان غياب شاعر بهذا المستوى الرفيع لن يعوض، تماماً كما لم يعوض المتنبي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وأن الشعر بعد محمود درويش لن ينقذه أحد من التفتت والركاكة والتكلف إلا بقدر ما تتلبس للشاعر الجديد روح محمود وعبقريته. ان الخلوة الآن مع شعر محمود درويش صارت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وهي وحدها التي سوف تحمينا من تسونامي العصر وهي تجرف كل التقاليد الحلوة والخصوصيات الحميمة والقيم الرفيعة كي تروج للفيديو كليب الخاوي الا من الهيجان والتهافت والانصياع العصبي.
بمن استشهد الآن وأن أحاول إقناع أحد المتشككين بالقضية الأم بعد رحيلك يا محمود؟ لن تستطيع كل خطب الزعماء السياسيين ومقالات المفكرين العتاة أن تمدني بالعون الذي كان يمدني به شعر محمود درويش الجميل والمتجدد وجماله باستمرار!
ما أبأسنا بعدك يا محمود!

نفعل ما يفعله الصاعدون إلى الله

روجيه عساف

إلى محمود درويش ـ العنوان: فلسطين
شاعر الحصار الذي يقلـّص الوقت
ونذير المطر الذي لا يصدّه الجدار
لسان حال الشهيد الذي يرتسم على الأرض
ومنشد اليقين المقبل الذي لا ريب فيه.

رحيلك يولـّد في أنفسنا قلقاً عميقاً، جزعاً لا يكبح
من سيخطّ تجاعيدنا على جبين العالم؟
من سيحوّل تفجّعنا إلى قصيدة تتحدّى الانحلال؟
من سيقلب الأحرف بين الألم والأمل وبين الرعش والشعر؟

رحلــت وانتــصرت على الموت، كما قلت
أمّا نحن الأحياء،
فنعاني من الحصار، ويحدّ بصرنا الجدار، ولا نسمع صوت الشهيد، ولا خبر اليقين.

غير أنّه لن يبقى واحدٌ منـّا وحيداً
مع قصائدك
» في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها
ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت،
لا وَقْتَ للوقت.
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:
ننسى الأَلمْ«.

روجيه عسّاف ـ العنوان: فلسطين

نور 08-25-2012 06:03 PM

رد: محمود درويش
 
يا لاعب النرد.. انهض!

احمد الطيبي

إنهض... إنهض...
فلسطين كلها والعرب
تحمل قلوبها إليك... لتنهض...
حاصر حصارك... إقهر مرضك
وانهض...
قم من نومك المؤقت...
إنتفض... وانهض
لا تغادرنا قبل أن ترتوي
بقهوة أمك... وقبل أن
تعود أبداً لحيفا...
الجبل ينتظر... والزيتون
الوديان تصبو... والسنديان
»وعندما أغلقوا باب قلبي عليّ
وأقاموا الحواجز فيّ
ومنع التجول... صار قلبي حارة
وضلوعي حجارة...
وأطل القرنفل... وأطل القرنفل«
إذ جاءك الموت قل له:
ليس موعدنا اليوم... فلتبتعد
وتعال غداً أو بعد غدٍ...
يا لاعب النرد تسألنا: من أنا؟
أنت نحن... كلنا
أنت سرمدية الأسطورة
وجمال فلسطين وعبق العروبة
أنت اللانهاية...أنت نور النفق

يا لاعب النرد...
تسألني طفلتي الصغيرة:
من سيلقي عليّ الوردة الحمراء
بعد اليوم؟
إنهض... إنهض محمود
فالحاكورة وشجراتها... زيتونها
وسنديانها تسأل...
اين رفيق الدرب..؟
قلت: ما أقساها الحروب.
يموت الجنود ولا يعرفون من انتصر!
فمن سيكتب قصيدة النصر غيرك؟
ما اقساك أيها المرض.
تغفو ولا تعرف حجم الدموع
تغيب فجأة ولا تعرف كم هو الحب لك!
أو أنك تعرف...
وكأنك قد مُتُّ قبل الآن...
تعرف هذه الرؤيا، وتعرف أنك
تمضي الى ما لست تعرف، ربما
ما زلت حيّا في مكان ما، وتعرف
ما تريد...
ستصير يوما ما تريد«.

إنهض واصرخ في وجهنا:
غبت قليلاً كي أعود... وأعيش
ولتحيا فلسطين...
فألقي عليكم وردتي الحمراء...


نور 08-25-2012 06:04 PM

رد: محمود درويش
 
جيش كامل
فاروق شوشة

لدينا كثيرون في فلسطــين وفي سائر أرجاء العالم العربي، كثيرون بالمئات وبالألوف يصــلحون أن يكونوا سـاسة ومــسؤولين ووزراء وحاملي حقائب وأصحاب مهام، لكن الشاعر الشاعر أو الشــاعر الضمير عملة نادرة، ومحمود درويش رحمه الله كان واحدا من هذه العملة النادرة، كان حضوره يعادل جيشا بكامله، وصوته الممتلئ بالوعي واليقين والإنسانية كان أغلى وأنفس من ألوف الحناجر الجوفاء التي تمتلئ بالصخب وتكاد تنفجر من جلجلة الألفاظ وتقول كلاما لا يبقى بعد جفاف الحبر الذي كتب به وازدحام الورق الذي تساقط عليه، لكن صوت محمود درويش سيظل ملء القلوب والعقول، صوت فلسطين وضميره إلى العالم وقصيدتها التي لن تموت.

محمود صورتنا الأخيرة
هيثم حقي

قالها يوماً عن البحر. أليس محمود درويش بحر الشعر العميق الغور؟! أليس محمود درويش صورتنا، صورة جيلنا الذي ولد مع النكبة وشب مع الهزيمة ورفض الاستسلام لواقع مرير وبحث عن العدالة في الماركسية والديموقراطية الاجتماعية، وحاول صوغ مشروع جديد لنهضة تبدو مستحيلة. أليس محمود درويش صورتنا بجانبها المبهر. بشعره الذي وضعه في مصاف كبار شعراء الدنيا. فهو بكل المقاييس من كبار الكبار، بل إنه بعد رحيل نيرودا الأكبر في الشعر توهجاً وعمقاً وتجديداً.
بدأت علاقتي بشعر محمود درويش منذ أربعين عاماً، قبل أن ألتقيه شخصياً وتنشأ بيننا مودة وصداقة عمّقها ذلك الألق الذي لم يتوقف في شعره. فأحببته إنساناً وأكبرته شاعراً مجيدأ من الذين يجود الزمان بمثلهم مرة كل مئة عام.
كنت طالباً في موسكو عندما قرأت قصائده الأولى التي صنفها جيلنا المهزوم بعنوان شعر المقاومة الفلسطينية. ولأنني كنت أدعى إلى حفلات الطلبة العرب لقراءة الشعر، فقد تخصصت بقراءة شعر درويش في كل هذه الأمسيات العربية. وكانت الحماسة على أشدها لشعر جديد بموسيقاه ودلالاته. وحين أخرجت مسلسل »ردم الأساطير«، الذي استقيت عنوانه من قصيدة كنت أقرأها دائماً في حفلات موسكو، ألا وهي رائعته المبكرة »يوميات جرح فلسطيني«، اتصلت يومها بمحمود طالباً تسجيلها بصوته الذي يتغلغل إلى أماكن في القلب قل أن تزورها الحروف والصور. استغرب أنني أذكر تلك القصيدة، فلم يكن يعلم بعمق العلاقة بيني وبين شعره إلا يومها. سجّل لي محمود المقطع الذي جعلته مقدمة لمسلسلي. وعدت إلى صوته من جديد في »ذكريات الزمن القادم« ليعلن »مديح الظل العالي«.
لم تنقطع يوماً هذه العلاقة الوشيجة بيني وبين محمود الإنسان والشاعر حتى اللحظة الأخيرة، حين أخبرني الصديق رياض الريس بحرج وضعه الصحي. يومها أحسست بأن الأرض تميد بي حقاً. فعالم ليس فيه محمود درويش عالم شديد الرمادية، اللون الذي كرهه محمود كثيراً.
بعد أمسية حيفا وقصيدته التي وصف فيها عودته. بدا وحيداً عميقاً. تواصلنا عبر الهاتف، أبلغته وهالا إعجابنا وخوفنا عليه من وحدته، وكفكفنا دموعنا خجلاً من أن يحس بها، فالتقطها واعترف بأنه أصبح شديد التأثر وأصبحت دمعته سخية مثلي. قالت له هالا مازحة لتكسر ألم الابتعاد: ألم ترنا بين الحضور في حيفا؟ أجاب: بلى، فقد كنتم في الصف الثاني، رأيتكم وقرأت الشعر لكم.
وتباعدت بيننا المسافات إلى أن قرأت قصيدته الأخيرة »لاعب النرد«. كان قد غادر للعلاج في هيوستن. ولم أعبر له عن عمق محبتي وإعجابي.
محمود درويش صورتنا الأخيرة. أجل صورة جيلنا من لحظة النكبة إلى لحظة الوداع. فمن سيكمل التعبير عن مصائبنا وأمانينا بعد الآن؟!


نور 08-25-2012 06:04 PM

رد: محمود درويش
 

يفاجئونك بموتهم
محمد عبد الله

بعض الأشخاص يذكرونك بأنك ستموت، منهم محمود درويش وجوزيف سماحة. كل يوم هناك وجبة موت. الموت مفهوم. لكن هناك أشخاصا يفاجئونك بموتهم. يؤكدون لك أن الموت حتمي في الحياة، ونقتنع بأننا سنموت. يقول درويش: »مطر ناعم في خريف بعيد/ والعصافير زرقاء زرقاء/ والأرض عيد/ ألا لا تقولي إنني غيمة في المطار/ فأنا لا أريد من بلادي/ التي سقطت من زجاج القطار/ غير منديل أمي وأسباب موت جديد«.


حيوية متفجرة
جودت فخر الدين

المكانة التي يحتلها محمود درويش في أدبنا الحديث مكانة فريدة، وأبرز ما فيها أنها لم تستقر على ثوابت أو إنجازات نهائية، بل ظلت جياشة، محفوفة بالقلق، خصوصا في مراحلها الأخيرة. لقد ظلت تجربة درويش الشعرية حيوية ومتفجرة على الدوام، ربما هي كفلسطين، بل هي فلسطين في تحولاتها المأسوية، وفي تقلبها المرير في العذاب والأمل. لكن محمود درويش عاش القلق على أنواعه، وبالأخص ذلك القلق الإبداعي الذي توهجت قصائده في ضوئه.
أمير المفاجآت
غسان مطر

هل حقا مات؟ اذاً في الأمر خيانة، فمحمود لا يتنازل بهذه السهولة. صحيح انه كان في شعره أمير المفاجآت، لكن ان كان مات حقاً فهو قد فاجأ نفسه هذه المرة، فقصيدة موته لا تعجبنا، ولو نشرت في الأرض كلها، ورددها الناس كلهم، لأنها قصيدة يتساوى فيها محمود مع كل الذين يموتون ومحمود لا يتنازل بهذه السهولة. إذاً في الأمر خيانة. ثمة من يريدنا أن نصدق ذلك لنكسر أقلامنا، او ثمة من يريدنا ان ننسى فلسطين وشمس الحرية، او ان نشعر باليتم، ليجتاحنا طوفان الهزيمة. هل حقاً مات؟ تأكدوا جيداً من الخبر، محمود لا يتنازل بهذه السهولة.

نور 08-25-2012 06:04 PM

رد: محمود درويش
 
محمـود درويــش بشعــره
(النصوص من اختيار هنادي سلمان)
http://www.minfo.gov.ps/Docs/115619-1.JPG

لم أكن بعد أعرف عادات أمي، ولا أهلها عندما جاءت الشاحنات من البحر. لكنني كنت أعرف رائحة التبغ حول عباءة جدي ورائحة القهوة الأبدية منذ ولدت كما يولد الحيوان الأليف هنا، دفعة واحدة. ... نحن أيضاً لنا صرخة في الهبوط إلى حافة الأرض.
لكننا لا نخزن أصواتنا في الجرار العتيقة... أحلامنا لا تطل على عنب الآخرين... نحن أيضاً لنا سرنا عندما تقع الشمس عن شجر الحور: تخطفنا رغبة في البكاء على أحد مات من أجل لا شيء مات، وتجرفنا صبوة لزيارة بابل أو جامع في دمشق، وتذرفنا دمعة من هديل اليمامات في سيرة الوجع الخالدة.
ـ ... إلى أين تأخذني يا أبي؟
ـ إلى جهة الريح يا ولدي...
ـ ومن يسكن البيت من بعدنا يا أبي؟
ـ سيبقى على حاله مثلما كان يا ولدي!
... تحسس مفتاحه مثلما يتحسس أعضاءه، واطمأن. ... »يا ابني تذكر، هنا صلب الإنجليز أباك على شوك صبارة ليلتين، ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا إبني، وتروي لمن يرثون بنادقهم سيرة الدم فوق الحديد...«.
ـ ... لماذا تركت الحصان وحيداً؟
ـ كي يؤنس البيت، يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها...
[[[
... ويقول أب لإبنه: كن قوياً كجدك! واصعد معي تلة السنديانة الأخيرة \ يا ابني تذكر: هنا وقع الإنكشاري عن بغلة الحرب فاصمد معي لنعود.
ـ متى يا أبي؟
ـ غداً، ربما بعد يومين يا ابني !
[[[
... هل تعبت من المشي يا ولدي، هل تعبت ؟
ـ نعم يا أبي.
ـ ... نعود إلى البيت، هل تعرف الدرب يا ابني؟ نعم يا أبي...
ـ هل تعرف البيت، يا ولدي؟
مثلما أعرف الدرب أعرفه: ياسمين يطوق بوابة من حديد ودعسات ضوء على الدرج الحجري وعباد شمس يحدق في ما وراء المكان... وفي باحة البيت بئر وصفصافة وحصان وخلف السياج غد يتصفح أوراقنا.
ـ يا أبي هل تعبت؟ أرى عرقاً في عيونك؟
ـ يا ابني تعبت.. أتحملني ؟
ـ مثلما كنت تحملني يا أبي، وسأحمل هذا الحنين إلى أولي وإلى أوله وسأقطع هذه الطريق إلى آخري وإلى أخره. (لماذا تركت الحصان وحيداً ١٩٩٥)
[[[
هناك، عرفت من آثار النكبة المدمرة ما سيدفعك إلى كراهية النصف الثاني من الطفولة. فإن كنزة صوف واحدة، منتهية الصلاحية، لا تكفي لعقد صداقة مع الشتاء . ستبحث عن الدفء في الرواية، وستهرب مما أنت فيه إلى عالم متخيل مكتوب بحبر على ورق. أما الأغاني فلن تسمعها إلا من راديو الجيران. أما الأحلام فلن تجد متسعاً لها في بيت طيني، مبني على عجل كقن دجاج، يحشر فيها سبعة حالمين، لا أحد منهم ينادي الآخر باسمه منذ صار الإسم رقماً. الكلام إشارات يابسة تتبادلونها في الضرورات القصوى، كأن يغمى عليك من سوء التغذية...
تتذكر مذاق العسل الجارح الذي كان جدك يرغمك على تناوله فتأبى، وتهرب من مشهد جدتك التي تضع المنخل على وجهها لتتقي عقصات النحل وتقطف الشهد بيد جريئة. كل شيء هنا برهان على الخسارة والنقصان. كل شيء هنا مقارنة موجعة مع ما كان هناك. وما يجرحك أكثر هو أن »هناك« قريبة من »هنا«. جارة ممنوعة من الزيارة. ترى إلى حياتك التي يتابعها مهاجرون من اليمن دون أن تتدخل في ما يفعلونه بها، فهم أصحاب الحق الإلهي وأنت الطارئ اللاجئ. (لماذا تركت الحصان وحيداً).
[[[
وعشت لأن يداً إلهية حملتك من عين العاصفة إلى واد غير ذي زرع. وعشت في منزلة الصفر، أو أقل أو أكثر.
... وعشت لأن يداً إلهية أنقذتك من حادثة. عشت في كل مكان كمسافر في قاعة انتظار في مطار يرسلك، كبريد جوي، إلى مطار... عابراً عابراً بين اختلاط الهنا بالهناك، وزائراً متحرراً من واجبات التأكد من أي شيء.
وعشت لأن كثيراً من الرصاص الطائش مرّ من بين ذراعيك ورجليك ولم يصبك في قلبك، كما لم يشج حجر طائر في رأسك. (في حضرة الغياب ٢٠٠٦)
[[[
على هذه الأرض ما يستحق الحياة: على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارت تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق لأنك سيدتي، أستحق الحياة. (ورد أقل).
[[[
أحبك خضراء. يا أرضُ خضراءَ. تفاحة تتموج في الضوء والماء. خضراء. ليلك أخضر. فجرك أخضر. فلتزرعيني برفق... برفق يد الأم، في حفنة من هواء. أنا بذرة من بذورك الخضراء. (لاعب النرد)
[[[
وحين أعود للبيت و حيداً فارغاً، إلا من الوحدة / يداي بغير أمتعة، وقلبي دونما ورده / فقد وزعت ورداتي على البؤساء منذ الصبح... وحين أعود للبيت
أحس بوحشة البيت وأخسر من حياتي كل ورداتي وسرّ النبع.. نبع الضوء في أعماق مأساتي وأختزن العذاب لأنني وحدي بدون حنان كفيك / بدون ربيع عينيك! ... (قصيدة »أغنية«)
[[[
إن لم تكن حجراً يا حبيبي فكن قمراً في منام الحبيبة.. كن قمراً. هكذا قالت امرأة لابنها في جنازته. (حالة حصار)
[[[
مات ما فات فمن يكتب قصيدة في زمان الريح والذرة يخلق أنبياء.
... قصائدنا بلا لون بلا طعم بلا صوت إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت وإن لم يفهم البسطاء معانيها فأولى أن نذريها ونخلد نحن للصمت (عن الشعر)
[[[
تفاحةٌ للبحر، نرجسة الرخام، فراشةٌ حجريةٌ بيروت
شكل الروح في المرآة
وصف المرأة الأولى ورائحة الغمام
بيروت من تعب ومن ذهب، وأندلس وشام.
فضّة، زبد، وصايا الأرض في ريش الحمام.
وفاة سنبلة، تشرّد نجمة بيني وبين حبيبتي بيروت.
لم أسمع دمي من قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمي... و تنام ...
من مطر على البحر اكتشفنا الإسم، من طعم الخريف وبرتقال
القادمين من الجنوب، كأنّنا أسلافنا نأتي إلى بيروت كي نأتي إلى
بيروت ... (بيروت)
[[[
يسألني المتعبون، أو المارة الحائرون عن إسمي فأجهله.. إسألوا عشبة في طريق دمشق! وأمشي غريباً وتسألني الفتيات الصغيرات عن بلدي
فأقول: أفتش فوق طريق دمشق وأمشي غريباً ويسألني الحكماء المملون عن زمني فأشير / حجر أخضر في طريق دمشق / وأمشي غريباً
ويسألني الخارجون من الدير عن لغتي فأعد ضلوعي وأخطئ / إني تهجيت هذي الحروف فكيف أركبها؟
دال. ميم. شين. قاف فقالوا: عرفنا - دمشق! ابتسمت. شكوت دمشق إلى الشام كيف محوت ألوف الوجوه وما زال وجهك واحد! (طريق دمشق)
[[[
(إلى جمال عبد الناصر)
متى يا رفيقي؟ متى يا عزيزي؟ متى نشتري صيدلية بجرح الحسين.. ومجد أميّة ونبعث في سدّ أسوان خبزاً وماء ومليون كيلواط من الكهرباء؟
أتذكر؟ كانت حضارتنا بدوياً جميلا يحاول أن يدرس الكيمياء ويحلم تحت ظلال النخيل بطائرة.. وبعشر نساء ولست نبياً ولكن ظلك أخضر.. نعيش معك نسير معك نجوع معك وحين تموت نحاول ألا نموت معك ففوق ضريحك ينبت قمح جديد وينزل ماء جديد و أنت ترانا.
نسير
نسير
نسير . (الرجل ذو الظل الأخضر)
[[[
أغلقوا المشهد/ انتصروا/ عبروا أمسنا كله، غفروا/ للضحية أخطاءها عندما اعتذرت/ عن كلام سيخطر في بالها، غيروا جرس الوقت/ وانتصروا...
... التفتنا إلى دورنا في الشريط الملوّن، لكننا لم نجد نجمةً للشمال ولا خيمةً للجنوب. ولم نتعرّف على صوتنا أبداً. لم يكن دمنا يتكلّم في الميكروفونات في ذلك اليوم، يوم اتّكأنا على لغةٍ بعثرت قلبها عندما غيّرت دربها. لم يقل أحدُ لامرئ القيس: ماذا صنعت بنا وبنفسك؟، فاذهب على درب قيصر، خلف دخان يطلّ من الوقت أسود. واذهب على درب قيصر، وحدك، وحدك، وحدك، واترك لنا، ههنا، لغتك! (خلاف، غير لغوي، مع امرئ القيس)
[[[
خسرت حلماً جميلاً، خسرت لسع الزنابق، وكان ليلي طويلاً، على سياج الحدائق، وما خسرت السبيلا. (موال)
[[[
وسآتي إلى ظل عينيك.. آت/ وردة أزهرت في شفاه الصواعق، قبلة أينعت في دخان الحرائق فاذكريني.. إذا ما رسمت القمر فوق وجهي، وفوق جذوع الشجر مثلما تذكرين المطر وكما تذكرين الحصى والحديقة واذكريني، كما تذكرين العناوين في فهرس الشهداء. أنا صادقت أحذية الصبية الضعفاء أنا قاومت كل عروش القياصرة الأقوياء لم أبع مهرتي في مزاد الشعار المساوم لم أذق خبز نائم لم أساوم لم أدق الطبول لعرس الجماجم و أنا ضائع فيك بين المراثي وبين الملاحم بين شمسي وبين الدم المستباح جئت عينيك حين تجمد ظلي والأغاني اشتهت قائليها أريد مزيداً من العمر كي يعرف القلب أهله، وكي أستطيع الرجوع إلى... ساعة من تراب. (ورد أقل)
[[[
من أنا؟ أنشيد الأناشيد أم حكمة الجامعة؟ وكلانا أنا وأنا شاعر وملك وحكيم على حافة البئر، لا غيمة في يدي ولا أحد عشر كوكباً على معبدي. ضاق بي جسدي ضاق بي أبدي وغدي...
وكلما صادقت أو آخيت سنبلة تعلمت البقاء من الفناء وضده: »أنا حبة القمح التي ماتت لكي تحضر ثانية. وفي موتي حياة ما...
فنم هادئاً إذا ما استطعت إلى ذلك سبيلا / ونم هادئاً في كلامك واحلم بأنك تحلم، نم هادئاً ما استطعت، سأطرد عنك البعوض ودمع التماسيح، والأصدقاء الذين أحبوا جروحك وانصرفوا عنك حين جعلت صليبك طاولة للكتابة.
نم هادئاً قرب نفسك/ نم هادئاً، سوف أحرس حلمك، وحدي ووحدك في هذه الساعة/ الأرض عالية كالخواطر عالية والسماء مجازية كالقصيدة زرقاء، خضراء، بيضاء، بيضاء، بيضاء، بيضاء. (في حضرة الغياب).


نور 08-25-2012 06:05 PM

رد: محمود درويش
 
العالـم العربـي يـودّع محمـود درويـش
(ا ف ب، رويترز، يو بي آي، ا ش ا)
شاعر المقاومة محمود درويش رحل.. ليكتشف الفلسطينيون، والعرب وكل مَن آمن بقضيته، أن هناك دوماً مكاناً لمزيد من الحزن.
ومع وفاة درويش، انهالت التعازي إلى وطنه، من زعماء عرب، وقوى سياسية، وحزبية، ومثقفين، أجمعوا على أن رحيل عاشق فلسطين سيخلّف خواء.. لن تتمكن من سده سوى أشعاره، مطالبين بدفن الراحل، في قريته البروة، بعدما تحدثت أوساط فلسطينية عن احتمال دفنه في رام الله، بعد الجنازة الكبيرة التي ستقيمها له السلطة الفلسطينية غداً هناك.
توفي درويش، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين، الذين ساهموا في بناء الشعر العربي الحديث، أمس الأول عن ٦٧ عاماً، في مستشفى في هيوستن، في ولاية تكساس، جنوب الولايات المتحدة، حيث كان يخضع لعملية في القلب.
وعلى الفور، نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، »نجم فلسطين وفارس فرسانها«، الذي »سيترك غيابه فراغاً كبيراً في حياتنا الثقافية والسياسية والوطنية«، معلناً الحداد العام ثلاثة أيام في الأراضي الفلسطينية.
وفي عمان، قال السفير الفلسطيني عطا الله خيري إن عباس سيوفد رئيس الديوان الرئاسي رفيق الحسيني إلى الولايات المتحدة و»سيرسل طائرة إلى هيوستن لنقل جثمان درويش إلى عمان«، حيث »ستجري له مراسم وداع غداً (الثلاثاء)، قبل نقله إلى رام الله«، مضيفاً أن عباس طلب من الجهات الفلسطينية مخاطبة السلطات الإسرائيلية، لدفن درويش في مسقط رأسه في الجليل.
وقالت وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني أبو دقة إن فلسطين ستودع »عاشقها« في جنازة رسمية غداً الثلاثاء، تقام في الضفة الغربية، مرجحةً أن تكون »الأكبر منذ وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات«.
ورجّح عضو المجلس الوطني الفلسطيني في عمان حمادة فراعنة أن يدفن جثمان درويش في رام الله، قرب ضريح عرفات، في حال رفضت إسرائيل دفنه في قريته »البروة« في الجليل.
واتحد الفلسطينيون، من حركتي فتح وحماس، حزناً على وفاة درويش، الذي نعاه النائبان العربيان في الكنيست محمد بركة وأحمد الطيبي، حيث أوقف التلفزيون التابع للسلطة في الضفة الغربية بث برامجه العادية، فيما فتحت وزارة الثقافة الفلسطينية التابعة لحكومة إسماعيل هنية المقالة بيتا لتقبل التعازي بدرويش في قطاع غزة، كما أصدر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة، بيانَين نعيا فيهما الشاعر الراحل.
وطالب الوزير العربي في الحكومة الإسرائيلية غالب مجادلة، في رسالة وجهها إلى رئيس الحكومة ايهود أولمرت، بدفن الشاعر في قريته.
عربياً، وجّه الرئيس السوري بشار الأسد برقيتي تعزية إلى عباس، والى أسرة درويش. كما بعث الملك الأردني عبد الله برقية مماثلة.
وفي القاهرة، نعى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى »شاعر فلسطين والعرب«.
وفي لبنان، أرسل رئيس البرلمان نبيه بري برقية تعزية، واتصل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بعباس معزياً، وبدوره أبرق رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري إلى عباس. كما نعاه الحزب التقدّمي الاشتراكي، ورئيس ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي، ووزير الإعلام اللبناني طارق متري، والمؤتمر القومي العربي، واتحاد الكتّاب اللبناني، والأسير اللبناني المحرر سمير القنطار.
كي نعمل معاً من أجل أن تستعيد الأرض كلامها


وجهت مجموعة من اصدقاء الشاعر الكبير محمود درويش هذا النداء:
في هذه اللحظات المليئة بالأسى، ونحن نودع شاعرنا الكبير محمود درويش، نرى الحزن مرسوما على خريطة فلسطين، ونشعر بفداحة الخسارة التي جاءت تتويجا لزمن الخسارات الذي نعيش.
هذا النداء موجه الى اهلنا في فلسطين الذين كان درويش وسيبقى شاعر الحلم والمعنى في ارضهم. وهو نداء يتعلق بحق شاعر الجليل في ان يعانق ارض الجليل ويستريح في المكان الذي شهد ولادته الشعرية، وملأ قصائده بعطر اللوز والزيتون.
يحق لابن الجليل وشاعره ان يدفن في ارضه، ويجب ان لا يكون في مقدور احد ان يمنع هذا الفلسطيني الكبير من العودة الأخيرة الى بلاده.
هذا نداء موجه الى الجميع، كي نعمل معا من اجل ان تستعيد الأرض جسد كلامها، الذي صار شعرا عظيما كتبه شاعر عظيم.
وقع النداء: طه محمد علي، انطوان شلحت، رمزي سليمان، محمد بكري، محمد علي طه، محمد نفاع، سهام داوود، انطون شماس، ليلى شهيد، سليم بركات، مارسيل خليفة، الياس صنبر، محمد برادة، فاروق مردم، صبحي حديدي، عباس بيضون، فواز طرابلسي ، الياس خوري.



نور 08-25-2012 06:05 PM

رد: محمود درويش
 
كلنا موتى منفى
وديع سعادة
كل ما كتبه محمود درويش كان من أجل وطن، ومات بلا وطن.
قبله مات عرب كثيرون من دون أوطان. مات عرب كثيرون في الأحلام الخائبة.
وبعده، وبعدهم، سيموت كثيرون أيضاً في المنافي.
إنها أوطان تلد ناساً كي تنفيهم أوطان أخرى. أو أوطان تلد ناساً كي تنفيهم أوطانهم. أو أوطان تلد ناساً كي يعيشوا في أوطانهم منفيين... لا، إنها المنافي وليست الأوطان!
كل ما حلم به محمود درويش هو الوطن، ومات بلا وطن. مثل درويش حلم كثيرون وكثيرون لا يزالون يحلمون. وكلهم ماتوا ويموتون بلا وطن.
العرب كلهم يحلمون أحلاماً شبيهة بحلم محمود درويش. كلهم يحلمون بوطن. وكما مات درويش، يموتون كلهم الميتة ذاتها. يموتون كلهم في الحلم الخائب.
نادراً ما نرى مواطنين وشعراء وأدباء ومثقفين غربيين يموتون خارج أوطانهم، فلماذا نرى هذا الكم الهائل من العرب يموت في المهاجر والمنافي؟!
فهل الأوطان العربية حلم مستعصٍ؟
هل الأوطان العربية رهينة حلمين: حلم يجهضه الخارج وحلم يجهضه الداخل؟
حلم، إن لم يجهضه الغرباء أجهضه أهل بيته؟
كم من العرب يعيشون في المنافي ويموتون في المنافي؟!
كم من العرب نفاهم الغرباء من أوطانهم؟ وكم من العرب نفتهم أوطانهم؟ وكم من العرب يعيشون في أوطانهم منفيين؟!
... فيا صديقي محمود درويش، أنت وشعبك لستما حالة استثنائية.
كلنا يا صديقي نعيش بلا أوطان ونموت بلا أوطان.
كلنا حلم وطن... وموتى منفى.


تليق بك الحياة
زاهي وهبي
قبل شهرين كان آخر لقاء لي بمحمود درويش. زرته في بيته "العمّاني" برفقة الصديقين الدكتور أسعد عبد الرحمن والمطربة الجليلية (نسبة الى الجليل الفلسطيني) أمل مرقس. ما ان فتح الباب حتى بادرته قائلاً:
- كلما تقدمتَ في السن ازددتَ وسامة وشباباً (وكان أكثر نحافةً مما اعتدته).
- ليس المرء كما تظن يا زاهي، قال لي كمن يضمر شيئاً.
فهمتُ من جوابه أن قلبه عاود مشاكسته، وخصوصاً حين اخبرني أنه ذاهب الى اميركا لإجراء عمل طبي. واتفقنا على اللقاء في بيروت فور عودته.
قلتُ: هذه المرة ستأتي الى بيروت بلا التزامات عامة. لا أمسيات ولا ندوات. سوف ادعوك الى لقاء ثالث في "خليك بالبيت" وستكون الدعوة مجرّد ذريعة لنسهر ونخرج ونصعد الى الجبل. ستكون زيارة لأجل الحياة، مازحته ضاحكاً.
وافق محمود من دون أن يجادلني كعادته في مسألة التوقيت. فكّرتُ: كم تغّير. وكل تغيّر فيه كان دوماً نحو الأفضل. نحو مزيد من الشفافية والرقّة والتواضع.
في جلستنا الأخيرة تحادثنا في أمور كثيرة، ومازحنا قائلاً إننا قاطعناه عن متابعة مباراة كرة القدم من جملة مباريات كأس الأمم الأوروبية. وكانت كرة القدم احدى متع محمود درويش، هذا الشاعر الذي لا يشبه الشعراء الآخرين، لكنه يشبه الشعر الى حد التماهي. حتى بيته كان مختلفاً عن منازل الشعراء. "بيت شعر" اكثر مما هو بيت شاعر. قلت له ذلك. فحدثني عن بيتي وسألني عن رابعة ودالي. وسألته عن أمور كثيرة. وكنتُ كمن يسأل أخاً أكبر.
في طريق العودة اهديت الى أمل مرقس نسخة من كتابي "تتبرّج لأجلي" وأشرت الى قصيدة عنوانها "تليق بك الحياة"، كتبتها قبل نحو خمس سنوات لمحمود درويش. قالت امل: إقرأها لي، فقرأت:
"لا تعتذر عما فعلت/ قم في صيحة الديك/ في صوت المؤذن/ توضأ واكتب قصيدتك/ في الصباح لك أن ترشق الجندي بحجر/ أن تقطف وردة لعاشقة الورد/ أن تجد وقتا لاشيائك الحميمة/ أن تنتقي قميصا ربيعي المزاج/ أن ترفع صوت الموسيقى عاليا/ أن تخفف قليلا وطأة هذا الاحتلال./ لك ان تفعل ما تشاء/ صدّقني يليق بك الصيف/ مثلما يليق بك الشتاء/ إذن.../ لك ان تقاتل/ ولك ان تغني/ أن تطلق غزالة من اسر الخيال/ أن ترجع فتى مفتول الساعد والاحلام/ أن تتغاوى بشيب التجارب والمحن./ لك أن تفعل ما يحلو لك/ لك أن ترى في مدينتي ما تريد/ ولي ان اجعل قصائدك خبز الفقراء/ ليس الحزن ما يجعلك استثنائيا/ ولا الموت المتربص بك عند ناصية الايام/ حبك للحياة جدير بالحياة/ واخطاؤك الصغيرة لا تستحق الاعتذار/ إذن/ لا تعتذر عما فعلت/ وامش كما تشاء/ معتدل القامة
أو سنبلة ملأى/ ناحلاً، مائلاً/ أخضر الابتسامات/ ابتسم لتغيط الجندي المكفهر خلف بندقيته/ غنّ/ غناؤك يعكر مزاج الجنرال/ غنّ
ليس الحزن ما يجعلك استثنائياً/ بل دفاعك الرائع عن معنى الحياة".

•••

سوف يُكتب الكثير عن محمود درويش، ويمتزج الحبر بالدموع، سوف يُكتب عن شعره الذي لطالما اغضب المحتل الإسرائيلي وافزعه، وعن "فلسطينه" التي عشقها حتى الرمق الأخير، وعن نجمته بيروت، عن ريتا وعصافير الجليل، عن حصانه الذي تركه وحيداً، وسرير الغريبة الذي يشتاق دفء قصيدته، وعن أثر الفراشة الذي لن تقدر جرافات الاحتلال على محوه من ذاكرة فلسطين. مثلما سوف يُكتب عن شاعريته وفرادته وتمرّده حتى على شعره وجمهوره.
أما انا فسوف انتظره في بيروت مردداً "تليق بك الحياة" في الحياة وفي الموت الذي في حالة محمود درويش لا يكون كلياً.


نور 08-25-2012 06:06 PM

رد: محمود درويش
 
مسيح جديد
محمد علي شمس الدين

لستُ أدري الى اين ذهب محمود درويش. هل عاد ليسلك تلك الرحلة التي وصفها في "جداريته"؟ هذا الشاعر مات اكثر من مرّة. لقد مات كثيراً حتى أمات الموت. وإنني اعرفه. أعرف أنه لم يكن يخاف من الموت. ولكنني أنا كنت أخاف عليه وما كانه. لأن رحلة الغامض لعلها اكثر رعباً من رحلة الشهادة.
دخل هذا الشاعر في معركة شرسة مع بدائل الموت منذ فتح عينيه في مكان هو فيه وليس فيه، له ولا يملكه. وعلى زمان أنشب في عينيه اشرس مخالب التاريخ. منذ تلك اللحظة ومحمود درويش يدافع الموت بعينيه كطفل يدافع الوحشة بصفاء نظرته، بالبراءة.
لستُ ادري اين هو الآن محمود درويش. أيواصل العذاب؟ أيلقي قصائده هناك على غيمة، حيث ليس ثمة من جمارك، ولا كلاب سلطة، ولا قتلة. أم أنه، وهذا ما لا اريده، يواصل العذاب؟ إني أخاف.
آخر مرة رأيته فيها، كنا في القاهرة، في الملتقى الأول للشعر العربي والعالمي. قرأنا في أمسية واحدة. وحين جلسنا في المقهى حدّقتُ في عينيه. اكتشفتُ شيئاً لم اكن اعرفه فيه. قلتُ له: "يا محمود، ما زال شكل وجهك شاباً، ولكن الحظ أن لك حاجبين أشيبين تماماً. لماذا حاجباك أبيضان الى هذا الحد؟". كان يستر حاجبيه بنظارتيه ولم اكن قد تفرّستُ في عينيه قبل ذلك. دخلتُ في بئر عميقة من ذاك الشغف المجنون بالحياة والحرية، في غابة.
كان محمود درويش يكاد يدافع عن قاتليه، وشعره يقول ذلك. كان قد انقسم في آخر شعره اثنين في جسد واحد: القاتل والقتيل. وكان القتيل يبكي قاتله، لأن نبض الشعر عند محمود تجاوز الوطن نحو دراما الإنسان بذاته. وأنا على العموم لم أكن منحازا كثيرا الى شعره السياسي ولكنني كنت شديد الانحياز الى جداريته، هذه الجدارية العجيبة التي دخل فيها الشاعر دخولاً في ذاته، بعدما زار الموت وعاد منه. لم يتكلم عن وطن، ولم يتكلم عن فلسطين. تكلم عن رحلته العجائبية، وأحببته جدا هنا. لقد زار آخر من الشعراء الكبار الموت وعاد منه اول مرة، هو نزار قباني. ولكنه لم يكتب بعد هذه الزيارة أثرا يشير إليها.
محمود غلب الموت بالموت. إنه مسيح جديد.


في كامل أسطورته
شوقي بزيع
يصعب على المرء، مهما أوتي من قوة اللغة وبلاغتها، أن يتفحص ملامح مثل هذه اللحظة، وهي تغرق في سديمها المبهم وتتشكل خارج كل ما يمكن الكلام أن يرسمه من معالم وإشارات. اللغة الآن عمياء وكسيحة، وهي تخوض أقصى امتحان لها أمام غياب شاعر أحبها ووهب لها حياته وروحه وشغاف قلبه. هل كان ينبغي لمحمود درويش ان يغيب لكي نكتشف في ضوء غيابه كم نحن هائمون الآن على وجوهنا وأقلامنا وكلماتنا، وكم المساحة الشاغرة التي خلّفها وراءه لا يمكن أحداً أن يردمها من بعده؟ لعله بعودته الى احشاء التراب الأم يخفف عن نفسه وعنّا هذا العبء القائم على ردم الهوّة بين امومة اللغة وأمومة الأرض. كانت الكتابة عنده على جمالها رديفة النقصان، وكان يريد في ضوء المنفى أن يستعيد فلسطينه المشغولة بالكلمات. وربما كان يريد أن يوفّر على الشعراء عناء الوقوع مثله في فخ البلاغة، ولذلك بدا كسيزيف راغباً في حمل الصخرة وحده على كتفيه.
محمود درويش هو من بين القلّة يغيبون في كامل أسطورتهم. ذلك انه لم ينفق جسده ونضارة وجهه كما فعل الآخرون، ولم يمت عجوزاً ولا شيخاً. مات وقصيدته أيضاً في أوج ريعانها. فهو لم يقبل كما فعل كثيرون سواه أن يقتات من فضلات أعماله السابقة. بل كان يؤثر أبداً أن ينقلب على نفسه وأن يحوّلها الى ساحة عراك مستمرة بين الممكن والمتخيّل، وبين المتحقق والمحلوم به. لعله من بعض وجوهه يستعيد تجربة المتنبي بامتياز، فإذا كان الثاني قد أنصت الى كل الأصوات التي سبقته مستوعباً كل ما تناهى إليه من مساقط شعرية سابقة عليه، من امرئ القيس وحتى ابي تمام، فإن محمود درويش قد فعل الشيء نفسه مصغياً الى نبض الحداثة الشعرية ومتلقفاً أصواتها المتعددة ليعيدها الى الحياة بشكل مختلف، ولتهضم قصيدته كل ما تلقفته من نسغ الكتابة محوّلاً إياها كما الشجرة الى ثمار ناضجة وبعيدة عن الأصل.
وإذا كان لمدينة أن تشعر بالثقل في هذه اللحظات، فهي بيروت بالذات، لأن محمود درويش كان جزءا من المعنى الذي ابتكرته لنفسها على مدى العقود الأخيرة. كان جزءا من مختبرها اليومي الذي واجهت به تحديات العصر وقيم الحداثة والذي انفجر في ما بعد تمزقات وشظايا وحروبا اهلية. تماما كما انفجر جهد محمود درويش بعدما ضاق ذرعاً بشياطين اللغة التي سكنته. وإذا كان لكل منهما صليبه، فلكل منهما قيامته ايضاً. وهي قيامة ليست ناجزة في أي حال، بل علينا نحن، كل من زاويته، ان نذهب بها حتى نهايتها الأخيرة.


إلى اللقاء بعد قليل بعد عامين وجيل
رامي الأمين

كان ذلك في معرض بيروت الدولي للكتاب في العام 2007 حينما كان محمود درويش يوقّع كتابه "كزهر اللوز أو أبعد" في جناح "دار رياض الريس للنشر". يومذاك، تقدمت إليه برفقة ناشرة كتابي "أنا شاعر كبير" لينا كريدية، حاملاً باكورتي الشعرية بين يديّ. أخذت لينا الكتاب من يدي وقدّمته إلى محمود درويش. قالت له: "هذا الشاب الصغير، شاعر كبير"، ثم قلبت الكتاب بين يديه لتريه ما كتب على الغلاف الخلفي.
كان يضع رجلاً على رجل، ويبتسم، حينما راح يقرأ بهدوء جميل المقطع المكتوب على الغلاف، وكان فيه: "أنا شاعر صغير/ لذا يحق لي ما لا يحق لكبار الشعراء/ من هنا، أستطيع أن أموت باكراً على سبيل المثال/ أو أن اتوقف عن النمو/ ويحق لي أن اسرق مقطعاً من قصيدة "ريتا والبندقية" لمحمود درويش/ لأن الصغار لا يحاسبون على أفعالهم السيئة/ ولأن الله يحبهم/ ويكره محمود درويش...". قرأه كاملاً، ثم رفع نظره إليّ وابتسم وقال: "هناك سوء تفاهم هنا، من يكره الآخر، أنا أم الله؟".
ضحكنا كلنا، أنا، لينا كريدية ورياض الريّس الذي كان جالساً إلى جانب محمود درويش. قلت له إن الشعور ربما يكون متبادلاً. قبل أن يقلب الكتاب ويرى العنوان، قال إن العنوان يجب أن يكون "أنا شاعر كبير". وابتهج عندما أصاب.
أعاد إليّّ نسخة الكتاب، فكتبت عليها إهداءً: "إلى محمود درويش، الله لا يحب الشعراء الكبار لأنهم يقارعونه". وهو كتب لي إهداءً على نسخة من كــــتابه "كـــــزهر اللـــوز أو أبعد": "إلى الشاعر رامي الأمين، بالمزيد من التقدم والنجاح". ما عناني في إهدائه، أنه أعطاني صفة الشاعر. شعرت كأني انتزعت اعترافاً من شاعر كبير بأني أنا شاعر وكان هذا يكفيني ويزيد.
عندما ورد خبر موته على التلفزيون شعرت بهول انتصار الله الدائم والحتميّ على الشعراء. عندما مات نيتشه كتب مناصرون للكنيسة: "نيتشه قد مات"، في ردّ على عبارته الشهيرة "الله قد مات". وفي ذلك الردّ من السخرية والألم ما يفوق القدرة على التحمّل.
ورد خبر آخر على الشاشات يقول إن محمود درويش لم يمت بعد، وإن حالته حرجة في المستشفى في تكساس. لكني كنت أعرف أن الرهان على بقائه على قيد الحياة كان خاسراً، مثل رهاننا على الإنتصار على فكرة الوجود.
فعلها ومات. لم ينتصر، ولم ينهزم. مات وحسب.
وعلينا، نحن الشعراء، أن نكتب كي نحرسه من "هواة الرثاء"، وأن نقول له كما كان يقول للشهداء عندما يذهبون إلى نومهم: "تصبح على وطن" يا محمود درويش. سلّم لنا على ممدوح عدوان ومحمد الماغوط وبدر شاكر السياب. وإلى اللقاء، "بعد قليل... بعد عامين وجيل...".

هيئات سياسية وثقافية
نعت "حامل ذاكرة فلسطين"

ابرقت امس شخصيات سياسية وهيئات ثقافية الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس معزية برحيل الشاعر محمود درويش. كما تلقى مسؤولون فلسطينيون اتصالات مواساة من سياسيين، على رأسهم رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، نوهوا بمساهماته الشعرية لفلسطين ولبنان.
وأعلنت ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الحداد ثلاثة أيام، على ان تقبل التعازي في دار نقابة الصحافة اللبنانية اليوم الاثنين وغداً الثلثاء وبعده الاربعاء من الرابعة عصرا حتى الثامنة مساء.
• رئيس مجلس النواب نبيه بري ابرق معزياً الى عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز دويك المعتقل في اسرائيل، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون. ومما جاء في البرقية: "بعد محمود درويش ستصبح يوميات الحزن الفلسطينية استثنائية بالألم والمرارة والأمل. معا سنواصل الحلم الفلسطيني، ومعا سنفتح بوابات العيون على شمس فلسطين المضيئة على تلال الكرمل ويافا وجبل الزيتون ودائما القدس. الشعراء لا يموتون لنا الرحمة ولفلسطين العزة".
• وزير الإعلام طارق متري اتصل بممثل "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان عباس زكي، وابرق الى عباس معزياً "بمن رحل به قلبه، بعيدا منا". و
نعى متري الراحل واصفاً اياه بأنه "فلسطيني بالاختيار الحر، وله انتماء الى بيروت، بالاختيار أيضا، يبحث فيها عن طفولة جديدة ودور لا يغلق عليه أو يضيق. ولم يغب عنه مرة، أن سلام لبنان حق له، وحرية فلسطين حق لها، وأن طريقنا الى السلام والحرية واحد. وواحد هو السعي لكي نستحق حقنا".
• وزير الثقافة تمام سلام ابرق الى وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني ابو دقة معزيا. واعتبر ان "الشعر الفلسطيني سيؤرخ لفترة ما قبل محمود درويش وما بعد رحيله. فقد كان عملاقا نسج الكثيرون على منواله في العقود الماضية". كما اتصل سلام بزكي مواسياً.
• النائب سعد الحريري ابرق الى عباس معزيا بـ"حامل ذاكرة فلسطين وقضيتها، الذي رفع راية ضد النسيان في أصقاع العالم كما حمل قضية لبنان الذي عاش فيه، وكتب فيه وعنه، وبخاصة عن عاصمته بيروت أجمل وأروع نصوص الصمود في وجه العدوان والظلم".
• ممثل "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان عباس زكي نعى "شاعر الوطن والشعب، عاشق فلسطين، زين شبابها، قصيدتها الأبدية، ومغنيها الأجمل(...)، والصوت الفلسطيني الموحد العصي على الإلغاء والتبديد المتمسك بزيتونة القدس، و زهر اللوز في الجليل، وكرمل حيفا، وتراب البروة في عكا".
كما نعى الراحل: "تيار المستقبل"، و"اتحاد الكتاب اللبنانيين"، و"الحركة الثقافية اللبنانية"، و"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، والمكتب الثقافي لحركة "امل" والـ"المؤتمر القومي العربي" و"الحزب التقدمي الاشتراكي".

نور 08-25-2012 06:06 PM

رد: محمود درويش
 
محمود درويش الذي عرفت

عبد الباري عطوان
http://www.minfo.gov.ps/Desktop/10z55.jpg

عندما التقيته للمرة الأخيرة، قبل ثلاثة أسابيع، على مائدة عشاء في مطعم ايطالي اختاره بعناية في جادة 'سان جرمان' المفضلة للشعراء والكتّاب والمثقفين في العاصمة الفرنسية 'باريس'، وبحضور الصديق المشترك، الناقد والأديب صبحي الحديدي، كان محمود درويش قلقاً لسببين، الأول أن القنصلية الأمريكية في القدس المحتلة لم تمنحه تأشيرة دخول (فيزا) لمراجعة المستشفى المتخصص بالشرايين في هيوستن رغم أنه تقدم بطلب في هذا الخصوص قبل أربعة أشهر، والثاني ان نتائج الفحوص الأخيرة التي أجراها لدى طبيبه في باريس لم تكن مطمئنة، فالشريان الأورطي متضخم ويمكن أن ينفجر في أي لحظة، ولا علاج إلا بعملية زرع اخرى، ولكن العملية مثلما قال له الطبيب الفرنسي تعني أحد أمرين.. الموت أو الشلل شبه الكامل. سألني بغتة عما اذا كان جسمي مؤلفا للكوليسترول مثل جسمه.. لم يتركني أجيب وواصل قائلا بأن عقله يكتب الشعر، وجسمه 'يؤلّف' الكوليسترول اللعين، ويبدو... واصل مازحاً، أن انتاج الجسم أغزر كثيراً من انتاج العقل، ولكنه انتاج قاتل للأسف.
غيّرنا موضوع الحديث، وانتقلنا إلى موضوع تأشيرة الدخول التي ينتظرها، ويستعجلها، وكأنه يستعجل شهادته، ولقاء ربه، كان غاضباً على الأمريكان، ومعاملتهم له وكأنه زوج ابنة اسامة بن لادن أو أخته، أخذوا بصماته، وطلبوا منه توقيع عدة طلبات مرفوقة برزمة من التحاليل الطبية والرسائل المتبادلة مع المستشفى الأمريكي، ومع ذلك ورغم وساطة 'الرئيس' محمود عباس، وتدخل السيدة كوندوليزا رايس مثلما همس البعض في أذني لاحقاً، فقد كان الجواب دائماً بأن الرد لم يأت بالموافقة من وزارة الأمن الداخلي، وعليه الانتظار. امتد بنا الحديث في ردهة فندقه المفضل، وهو بالمناسبة الفندق نفسه الذي كان يرتاده الراحل ادوارد سعيد، حتى الساعة الثانية والنصف صباحاً، وشعرت انه يخشى الليل ويستعجل الصباح، أو ربما أراد أن يطيل أمد اللقاء، والأحاديث عن شعراء قصيدة النثر الذي قال انهم دمروا الشعر، ووصفهم بالفدائيين الذين يملكون جرأة غير عادية في القاء شعرهم في قاعات خالية إلا من بعض اصدقائهم وزوجاتهم وبعض الأقارب.
كان يخشى هؤلاء، ويبتعد عن الصدام معهم فهم مراكز قوى مدججة بالأسلحة، أو 'مافيات' تهيمن على الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات العربية، ويجاملون بعضهم البعض، ويكرهون بعضهم البعض، واذا تصالحوا فلفترة قصيرة كان يسميها 'تحالفات الخمس دقائق'، ولكنهم والرأي للمرحوم محمود، يتوحدون ضد غيرهم من شعراء الوزن والموسيقى، ناهيك عن شعراء القوافي. قلت له سنلتقي في باريس لنحتفل بسلامتك، عندما تتوقف فيها في طريق عودتك، وفي المطعم نفسه المتخصص بطبق الحبّار الذي تحب، نظر إليّ وقال 'إذا عدت'، ثم تساءل: لا أعرف ما إذا كنت سأوافق على العملية الجراحية أم لا، ولكن الشيء الوحيد الذي أعرفه أنني لن أعود 'مشلولاً'، فإما في تابوت أو سيرا على قدمي.
افترقنا في اليوم التالي، عاد الى رام الله عن طريق عمّان، وعدت إلى لندن، ليهاتفني بعد ثلاثة أيام بأنه وجد الفيزا في انتظاره، وأنه سينطلق مع أواخر شهر تموز (يوليو) إلى هيوستن وبصحبته صديقه الصدوق أكرم هنية رئيس تحرير صحيفة 'الأيام' الفلسطينية، وسألني عن أصداء قصائده التي خص بها 'القدس العربي'، فشرحت له كمّ الردود الهائلة عليها في موقعنا الالكتروني، وشعرت كم كان مرتاحاً وسعيداً.
محمود درويش كان دائماً يعيش حالة قلق كلما كتب قصيدة جديدة، وكأنها القصيدة الأولى التي يكتبها في حياته، يسأل عما اذا كانت جيدة، وتصلح للنشر، فننهره بمودة، ونستغرب أسئلته هذه، ولكنه يقسم، وهو صادق، انه لا يعرف ما اذا كانت جيدة أم لا، ويريد رأينا قبل النشر وبعده، ثم بعد ذلك تدخل الطمأنينة إلى قلبه المتعب.
لم نعرف أن الحكومة الأمريكية اسدت إلينا معروفاً كبيراً عندما تلكأت في منحه الفيزا، فقد ابقته بيننا أربعة شهور، انجز خلالها اثنتين من أعظم قصائده، وشارك في عدة أمسيات احداها في رام الله، والثانية اقيمت في ملعب كرة قدم في جنوب فرنسا، ومحاضرة في باريس وسط نخبة من كبار الأدباء الفرنسيين، فقد يأتي الخير من باطن الشر الأمريكي.
لم يحدث أن اسيء فهم شخص في الثقافة العربية مثل محمود درويش، حيث ظلت تهمة الغرور تلاحقه من قبل الكثيرين، ولكنه لم يكن مغروراً ولا متكبراً، وانما شخص 'خجول' لا يفضل الاختلاط كثيرا بمن لا يعرف، ويتجنب الثناء والاطراء، وهو الذي يملك أرصدة ضخمة منهما على امتداد حياته الادبية. فهو لا يستطيع، كما كان يقول لي دائماً، أن يكون صديقاً للملايين من معارفه ومحبيه، ويحتاج إلى الخصوصية التي يتقوقع في داخلها في لحظات حياته بعيداً عن الأضواء.
عندما كان يقيم في باريس، وبالذات بعد استقالته من عضوية اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية احتجاجاً، ورفضاً، لاتفاقية أوسلو، واجه ظروفاً مالية صعبة جداً، فقد قرر الرئيس الراحل ياسر عرفات وفي خطوة مؤسفة، وقف الغالبية العظمى من مخصصاته المالية، ومن بينها أجرة الشقة المتواضعة التي كان يعيش فيها (غرفتان وصالة)، وكان بيننا اتصال هاتفي يومي في الساعة الثانية عشرة بتوقيت لندن، وفي احدى المرات، ولظروف قاهرة تتعلق بمشاكل مادية واجهتنا في الصحيفة استدعت قدوم محصلي الديون لمصادرة اجهزتنا وطاولاتنا وما تبقى من اثاثنا الهرم، لم اهاتفه كالعادة لمدة يومين فاتصل بي في اليوم الثالث غاضباً ومزمجراً بسبب انقطاعي عن الاتصال.
فاجأني عندما قال انه يعيش على هذه المكالمة اليومية، فهو لم يعد يستقبل غير مكالمتين فقط، الأولى مكالمتي المعتادة، والثانية من شخص عابر سبيل، وتساءل هل طلبتني في أي يوم من الأيام ولم تجدني، قلت لا.. قال معنى هذا أنني لا أخرج من البيت لأني لا أملك ما يجعلنى أخرج إلى القهوة أو المطاعم فقطعاً سيلتف حولي المحبون، ولا استطيع دفع الفاتورة. شعرت بالصدمة، فهذا الشاعر الكبير لا يجد من يهاتفه، وربما أحس بهذا التساؤل في ذهني، وقال: الأمر بسيط جداً: لا نقود.. ولا نفوذ.. ولا يهود.. وشرح لا نقود لأن الرئيس عرفات أوقف مخصصاته، ولا نفوذ أي لم يعد عضواً في اللجنة التنفيذية وقريباً من الرئيس مما يمكنه من حل مشاكل المحتاجين أو توظيف بعضهم، وأخيراً لا يهود.. أي أنه ليس منخرطاً في المفاوضات التي كانت على أشدها، حتى يكون في قلب الحدث الاعلامي والسياسي.
محمود درويش واجه 'خيبات أمل' كثيرة في حياته، ولكن أبرزها في رأيي، خيبة أمله في الشعب الفلسطيني عندما لم يثر غاضباً ضد اتفاقات اوسلو، فقد توقع هذه الغضبة، واراد ان يكون مع الشعب، لا مع الموقعين عليها، ولكن هذا الشعب فاجأه عندما رقص في معظمه طرباً، وصدق 'أكاذيب' قيادته بأن السلام قادم والدولة الفلسطينية المستقلة على بعد أربع سنوات فقط.
خيبة الأمل هذه اجبرته على ان يخفف من معارضته، وأجبرته ان يعود الى رام الله لانه لم يعد يستطيع العيش في باريس، وحتى لا يتهم بانه، وهو أحد المتشددين في الاصرار على حق العودة، رفض ممارسة هذا الحق عندما سنحت له الفرصة، مضافا الى ذلك ان معظم اصدقائه في تونس عادوا ولا يريد ان يتخلف عن الركب، وحرص ان يترك مسافة بينه وبين السلطة.
اما خيبة الأمل الثانية فتمثلت في رأيه بالأداء الفلسطيني، والفشل الكامل في اقامة المؤسسات والحكم النموذجي الذي كان يأمله، وفوق كل هذا انهيار المشروع الوطني الفلسطيني الذي كانت تبشر به السلطة وقادتها واتساع دائرة الفساد المالي بصورة مرعبة، وقال لي في احدى المرات ان امنيته ان يهاجر مرة اخرى الى باريس ويعيش في استديو صغير (غرفة واحدة) ويقضي بقية حياته هناك، ولكن ما يمنعه هو الخوف من الاتهام بانه يرفض الوطن، والتضحية من اجله.
محمود درويش استقال من كل مؤسسات منظمة التحرير، واعاد اصدار مجلة 'الكرمل'، ورفض كل ضغوط الرئيس الراحل عرفات لتوزيره في حكومة السلطة، وفضل ان تكون دائرته في رام الله صغيرة جدا، محصورة في مجموعة اصدقاء، بعضهم شعراء وكتاب، واكثرهم من الناس العاديين البعيدين عن الوسط الثقافي. لانه كان يبحث عن الجلسة المرحة للهروب من ضغوط مرضه، وامراض المثقفين المستعصية، من غيرة وحسد ونميمة مثلما كان يقول.
كان يكره القيود، ولهذا لم يتزوج ثالثة، كان يكره ان تشاركه امرأة حياته، وكان يفضل دائما ان يكون سريره مملكته، كنا نلتقي بصفة دورية في باريس، وكان يحب الحديث عن النساء ومغامراته، وفي احدى المرات سألته كيف تطلق 'فلانة' بعد ستة اشهر وبهذه السرعة، قال لي: وهل تعتقد ان ستة اشهر فترة قصيرة، لقد طوّلت اكثر من اللازم.
محمود درويش أحب العرب جميعا، ولم يكن غريبا ان تكون اقوى قصائده في بواكيره الاولى 'سجل انا عربي'، وكان يشعر بمودة خاصة تجاه ابناء المغرب العربي الذين بادلوه الحب بحب اسطوري، ولذلك لم يتردد في قبول دعواتهم لإلقاء اشعاره في تونس والجزائر والمغرب في فترات متقاربة.
ربما تكون المملكة العربية السعودية من الدول القليلة التي لم يزرها مطلقا، وهناك قصة غريبة وراء ذلك، فقد جاء احدهم يفاتحه قبل عشرين عاما بدعوة لحضور مهرجان الجنادرية الثقافي السنوي في وسط نجد، وعندما سئل عن الجهة المنظمة قالوا له انها 'الحرس الوطني'، فقال وما علاقة العسكر بالثقافة، ألا توجد رابطة او نقابة او هيئة تتولى هذه المهمة غير الحرس الوطني؟ وكانت هذه الكلمات نهاية العرض.
كان مولعا بالتدخين، وبعد عمليته الجراحية الاولى التي تكللت بالنجاح، قال له الطبيب ان اول شيء يجب ان يفعله ان يتوقف عن التدخين، فقال له دعنا 'نتفاوض'، فقال له الطبيب لا مفاوضات ولا تنازلات، فرد عليه: واذا توقفت عن التدخين ماذا سيحدث؟ فقال الطبيب: سيطول عمرك عدة سنوات، فقال له: سأستمر في التدخين، وليقصر عمري، لانه يعني تقصير شيخوختي. ولكنه اضطر للتوقف كليا بعد عمليته الثانية، وظل يجلس بالقرب من المدخنين ليستنشق ما هو محروم منه.
محمود درويش لم يعش الشيخوخة مطلقا وغادرنا وهو في قمة عطائه وعنفوانه وأناقته، وشخصيته المحببة، وتعليقاته الساخرة اللاذعة، شيء واحد لم يحققه، وهو الذي دخل قلوب وعقول الملايين، عدم حصوله على 'جائزة نوبل' التي ترشح لها عدة مرات في السنوات الاخيرة.
بعد محمود درويش لن يكون الشعر بالقوة نفسها او بالسحر نفسه، سيكون شعرا مختلفا، فبرحيله رحلت ظاهرة شعراء يملأون ملاعب كرة القدم بالمعجبين والمعجبات، ليس في الوطن العربي وانما في المنافي الاوروبية.
خسرته صديقا عزيزا، ورمزا من رموز هذه الأمة التي ربما لن تتكرر الا بعد قرون. محمود درويش اقول وداعا.


نور 08-25-2012 06:06 PM

رد: محمود درويش
 
شاعر التحولات الفلسطينية وعميد الشعرية العربية يرحل في بلد الهندي الاحمر وهو يبحث للشعراء عن قمر يصلح لقصيدة حب

لندن ـ 'القدس العربي': من ابراهيم درويش: يرحل الشاعر وتبقى كلماته كلمات نزجيها لنعزي انفسنا بمصاب وفاة شاعر لكنها في لحظتنا الفلسطينية الحاضرة لا تكفي لأن تعزينا بمصاب رحيل الشاعر محمود درويش (1941 -2008) الذي رحل في مدينة هيوستن/ تكساس الامريكية بعد عملية جراحية خضع لها قبل ايام، وبعد معاناة مع مرض القلب لزمه منذ عام 1997. درويش لم يكن شاعرا عاديا مثلما لم تكن قصيدته عادية، فهو كان مبدعا اخلص لمهنته كشاعر، تنفس الشاعر ومن خلاله وعبره زفر احزان قومه الفلسطينيين داخل مناطق الـ 48 وفي منافيهم. خرج للعالم عبر قصائد غنتها الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، وعاش عنفوان المد القومي العربي وشهد انهياره، انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية كاتبا وباحثا وصحافيا، ولحقها في المنافي التي توزعتها، كان داخل السياسة الفلسطينية التي مثلتها مؤسسات منظمة التحرير وخارجها، ظلمته السياسة وكرمه الشعر. درويش يظل اهم صوت شعري في الحركة الشعرية العربية منذ اكد صوته الاول عام 1960 وظل منجزه الشعري الاهم خلال العقود الاربعة الاخيرة. نكتب عنه اليوم ونحس بفداحة الخسارة، يرحل درويش الاكثر قراءة بين شعراء العربية اليوم والوجه الاكثر شهرة بين اقرانه ونعرف ان كاتب 'بطاقة هوية' و 'بيروت' و'جدارية' و'عابرون في كلام عابر' و'اعراس' و'عاشق من فلسطين' و'اوراق الزيتون' لن يكون بيننا منذ اليوم. لقد صعد على 'سلّم الله' كما قال، تاركا فلسطين التي احلها موقع الاسطورة المعمدة بالتاريخ والقداسة تبكي فقيدها الاوحد. ليس من بين شعراء فلسطين منذ بداية التمدد الاستعماري على الوطن الجريح من سجل بعنفوان وحب وعمق اسطوري مثلما سجل درويش معنى الرحيل والموت الفلسطيني. ولا يوجد بين شعراء فلسطين والحركة الشعرية العربية الحديثة من عاش مهموما بالقصيدة وكيف يبني الشعر حكاية وسردا لفلسطين كي يواجه 'الجنرال الذي يتناول المهدئات' حتى ينسى وجود الفلسطيني في الارض التي زعمها لنفسه عبر مقولات التاريخ والدين، في قصيدته 'عابرون في كلام عابر' التي قرأها رئيس الوزراء الاسرائيلي يتسحاق شامير واعتبرها اليمين الاسرائيلي قصيدة 'ابادة'، وهي القصيدة التي كتبها بعد ولادة الانتفاضة الثانية.
عندما غادر محمود درويش فلسطين عام 1970 كان العالم العربي قد استفاق على جودة الصوت القادم من داخل الوطن المحتل، الصوت الذي لا يتكلم الا العربية الفصيحة، وكان قد انجز العديد من الاعمال الشعرية التي كانت تحمل تفاؤل الفلسطيني وثقته بالنصر وايمان اليساري بالتحرر الوطني، الشاعر الذي كتب 'اوراق الزيتون' (1964) و'عاشق من فلسطين' (1966) و'آخر الليل'. بعد خروجه عرف درويش ان 'عمله' هو الشعر، ولهذا قرر ان يخلص للشعر بالدرجة الاولى، ومارس الكتابة الصحافية والادبية التي انتجها عندما كتب في صحيفة 'الاتحاد' و'الجديد' الحيفاويتين. واصبح محرراً في مجلة 'شؤون فلسطينية' ومحررا لمجلة 'الكرمل' التي اصدرها في الثمانينات واعاد إصدارها في التسعينات من القرن الماضي في رام الله وهي من اهم المجلات الادبية العربية. وافتتاحيتها فيها قدمت صورة عن شاعر مهموم بالقصيدة وقضايا المقاومة والوطن.
واثناء اقامته في باريس ساهم في بعض المجلات العربية هناك وتبادل الرسائل مع الشاعر سميح القاسم وقد نشرت في كتاب لاحقا. جل اسهام درويش كان في حقل الشعر ولكنه اصدر في النثر الذي يرقى للشعر منها 'يوميات الحزن العادي' و'وداعا ايها الحرب وداعا ايها السلم'. ومن نثره البالغ القوة كتابته اعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 في الجزائر. تظل دواوين محمود درويش الاكثر توزيعا من اعمال اقرانه، وكانت مشاركته في المهرجانات وحفلات القاء اشعاره مناسبة لتجميع اعداد كبيرة من المحبين والمريدين له. وفي بيروت كانت مناسبات الالقاء صورة عن العنفوان الثوري والصوت العالي للثورة ولكنها لاحقا تلبست ثوبا اكثر هدوءاً وغالبا ما صاحبت حفلاته الشعرية الموسيقى. زار درويش عواصم العالم مغنيا لفلسطين وعاشقا منها ولها. وعاش في عدة عواصم كبيروت وباريس وعمان ورام الله اضافة لتونس وقبرص.
ولد الشاعر محمود في قرية البروة في الجليل الفلسطيني لعائلة فقيرة نزحت عام 1947. رحلت عائلته للبنان ثم تسللت عائدة لفلسطين وعاش ودرس في مدارس دير الاسد وكفر ياسيف. انضم مبكرا للحزب الشيوعي وعمل في حركة الشبيبة الشيوعية، بدأ يكتب الشعر مبكرا اثناء الدراسة، وبعد ذلك اخذ ينشر في مجلات الحزب، وتعرض لمضايقات الشرطة الاسرائيلية، حيث فرضت عليه الاقامة الجبرية اكثر من مرة بتهم تتعلق بنشاطاته السياسية. في عام 1970 ارسل للاتحاد السوفييتي السابق للدراسة لكن لم يعد وبعد عام سافر لمصر وعمل فترة في صحيفة 'الاهرام' وانتقل بعدها لبيروت كي يعمل في مؤسسات الثورة كاتبا ومسؤولا عن الدائرة الثقافية ومديرا لمركز الابحاث الفلسطيني، وعضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي استقال منها عام 1993. كما شغل منصب رئيس رابطة الكتاب الفلسطينيين. حصل درويش على جائزة لوتس عام 1969 وجائزة المتوسط عام 1980 وعلى درع الثورة الفلسطينية 1981 وعلى عددٍ كبير من الجوائز العربية والاجنبية. كانت اولى اعماله الشعرية 'عصافير بلا اجنحة' التي صدرت في عكا عام 1960 وبعدها اصدر خلال نصف قرن تقريبا عشرين مجموعة شعرية وكتابات نثرية. يظل محمود درويش شاعراً ليس محليا او عربيا /قوميا بل في تحولاته اصبح شاعرا انسانيا وعالميا دخلت تجربته وتجربة بلاده في التجربة الابداعية العالمية، وعليه تدرس من خلال هذا المنظور. قدم درويش للجماهير قصائده التي غناها المتظاهرون والفنانون العرب. ترجمت قصائده لأكثر من 22 لغة. يرحل الشاعر الكبير بعيدا عن فلسطين في بلد الهندي الاحمر وقد اختاره منفاه الاخير بنفسه، لان المنفى هو خلفية المشهد الملحمي.
درويش الذي يواصل قائلا 'ادافع عن حاجة الشعراء الى الغد والذكريات معا وادافع عن شجر ترتديه الطيور، بلادا ومنفى وعن قمر لم يزل صالحا لقصيدة حب'. شاعرنا الكبير زفر زفرته الاخيرة هناك وقد قال لنا عندما توحد مع غرناطة وابو عبدالله الاحمر 'ووداعا لتاريخنا هل انا من سيغلق باب السماء الاخيرة؟ انا زفرة العربي الاخيرة'... طبعا سياق القصيدة مختلف هنا لكننا نود ان نقول ان محمود درويش كان زفرة الشعر الاخيرة. فيا خسارة الشعر ولوعته لأنه امامنا والاجيال بعدنا وقت طويل لأن يجود الزمان علينا بفلتة مثله.


نور 08-25-2012 06:07 PM

رد: محمود درويش
 
غاب وترك بطاقة هوية وكسرة خبز وفنجان قهوة
الحداد يعم فلسطين على درويش واسرائيل ترفض طلبا للسلطة بدفنه في الجليل والجنازة غدا برام الله




رام الله ـ غزة ـ 'القدس العربي''من وليد عوض واشرف الهور:'انقطعت أنفاسه ولم تعد، لكن صباح العاشقين لا زال يشرق، تدق معه قلوب فلسطين في الجليل وعكا وغزة ورام الله وتقول لنا الحاضر والمستقبل ولنا الدنيا هنا والآخرة.'أخذ الموت محمود درويش لكن بين الصفحات ظلت كلماته، تغني لأحمد الزعتر، وتقول أنه العربي الذي يحمل بطاقة رقمها خمسون ألفا، وأنه العنيف كالنسور والرقيق كالمتفائل، وأنه الفلسطيني الحنون لخبز وقهوة أمه، وأنه الذي حذر من غضب الفلسطيني وقال النار أولها غضب. غاب عن العيون وخلد للعقول كلمات العشق لفلسطين لأرضها وبرها وبحرها وقمحها وملحها وجرحها، وقال للآخرين ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا، وحذرهم من العيش في فلسطين وقال فاخرجوا من أرضنا من برنا من بحرنا.
تأثر وحزن كما حزنت فلسطين من الشقاق والقتال الفلسطيني، وعن الفرقة بين شطري الوطن، غزة ورام الله وقال في قصيدة أنت منذ الآن غيرك 'من يدخل الجنة أولاً؟ مَنْ مات برصاص العدو، أم مَنْ مات برصاص الأخ؟'.
كانت ساعات مساء السبت الأشد وطأة على محبي محمود درويش، حين تفاجئوا بالإعلان الممهد لوفاته بخبر 'الانتكاسة الحادة' في الحالة الصحية ليحبسوا الأنفاس لفترة قلت عن مدة دورات العقرب الكبير للساعة، قبل أن يؤكد وفاة فارس فلسطين الأول.
كان حديث الصالونات الثقافية منذ أن غادر رام الله قاصداً ولاية تكساس الأمريكية للعلاج، بعض المحبين توقعوا عودته من هناك مفارقاً للحياة ليدفن مرة أخرى كالجنين في بطن فلسطين، وعزوا ذلك لما شاهدوه من علامات على وجهه في أمسيته الأخيرة، وآخرون لم يتوقعوا هول الخبر، بعضهم لم يخف دموعه، وآخرون قالوا أن الموت قاهر.. وقاهر وقاهر، وقال آخرون أنه سيكون خالد في كل فلسطين.
لم تكن إلا دقائق على الإعلان الرسمي عن وفاته الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى انهمرت برقيات التعزية والرثاء لشاعر فلسطين الكبير محمود درويش.
وعم الحداد امس الاراضي الفلسطينية حدادا على وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي رفضت سلطات الاحتلال الاسرائيلي السماح بدفنه في مسقط رأسه بمنطقة الجليل داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وطلبت السلطة من اسرائيل السماح بدفن درويش في داخل الاراضي المحتلة عام 1948 الا انها رفضت الامر الذي اضطر السلطة لترتيب جنازة له برام الله غدا حيث سيوارى الثرى هناك.
وأعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه امس ان مراسم تشييع درويش ستجري غدا الثلاثاء مشيرا الى انه سيوارى الثرى في مدينة رام الله.
وقالت وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني أبو دقة إن جنازة درويش ستكون على الأرجح الأكبر منذ وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004 وستقام في مدينة رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية.
هذا وغيب الموت مساء السبت درويش عن عمر يناهز 67 عاما جراء خضوعه لعملية جراحية في القلب في مشفى بالولايات المتحدة الامريكية. وتعرض الشاعر درويش لمضاعفات خطيرة عقب إجرائه عملية قلب مفتوح الأربعاء الماضي في مستشفى 'ميموريال هيرمان' في ولاية تكساس الأمريكية، وأجرى العملية الجراح العراقي الأصل حازم صافي، أحد أمهر الجراحين في الولايات المتحدة، وتضمنت إصلاح ما يقارب 26 سنتيمتراً من الشريان الأبهر (الأورطي)، الذي كان قد تعرض لتوسع شديد تجاوز درجة الأمان الطبيعية المقبولة طبياً.
توحد الفرقاء الفلسطينيون في نعيه ونعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشاعر درويش واعلن الحداد العام لثلاثة أيام في اراضي السلطة تكريما لروحه، وقال في بيان وجه للفلسطينيين ' كم هو مؤلم على قلبي وروحي ان انعي للشعب الفلسطيني والامة العربية والاسلامية وكل محبي السلام والحرية في العالم رحيل نجم فلسطين وزينة شبابها وفارس فرسانها الشاعر الكبير محمود درويش الذي انتقلت روحه الى بارئها'.
واضاف عباس 'ان غياب شاعرنا درويش عاشق فلسطين رائد المشروع الثقافي الفلسطيني الحديث والقائد الوطني اللامع والمعطاء سيترك فراغا كبيرا في حياتنا الثقافية والسياسية والوطنية لن يملاه سوى اولئك المبدعين الذين تتلمذوا في مدرسته وتمثلوا اشعاره وكتاباته وافكاره وسيواصلون حمل رسالته الابداعية لهذا الجيل وللاجيال القادمة.' وتابع عباس ' لقد كان صوت محمود درويش وسيظل عنوانا لارادة شعبه في الحرية والاستقلال وسيبقى اعلان الاستقلال الذي صاغه شاعرنا الكبير عام 1988 مرشدا لنا ونبراسا لكفاحنا حتى يتحقق حلمه في ان يرى وطنه مستقلا ومزدهرا بعد ان يرحل الاحتلال عن ارضه'. هذا ونعت منظمة التحرير الفلسطينية درويش أحد أبرز عمالقة الشعر العربي والإنساني في هذا الزمان، وفيما يلي نص النعي: تنعى منظمة التحرير الفلسطينية إلى الشعب الفلسطيني والأمة العربية والعالم الشاعر الفلسطيني والإنساني الفذ محمود درويش، أحد أبرز عمالقة الشعر العربي والإنساني في هذا الزمان، الذي شكل بقصيدته المتواترة التغير والتطور، والمشحونة حدّ الفيض بالوطنية والإنسانية، المتكئة على التراث الثقافي والروحي الإنساني العميق، رافعةً هائلة للنضال الوطني الفلسطيني بعمقيه الوطني والإنساني.
لقد سما محمود درويش بقضيتنا الوطنية وعدالتها سموًّا منقطع النظير، وأدخلها إلى قلوب وعقول الملايين من البشر من مغارب الدنيا إلى مشارقها وحولها بلغته الخاصة، وثقافته الموسوعية والمنفتحة على كنز الثقافة العالمية، إلى قضية ضمير للإنسانية أجمع.
وبالرغم من تواضع متنبي عصرنا، محمود درويش، إلا أن قامته الشعرية والنثرية الباسقة جعلت منه مدرسة تاريخية الإرث والتأثير، ستلهم كل من تعاطى أو سيتعاطى الأدب والثقافة والشعر.
لقد سمت العربية المعاصرة وناطقوها به إلى عليين، كما سبق أن سمت أمم عديدة بعظمائها وبقممها الأدبية والفكرية. وبرحيل شاعر الوطن والأمة والإنسانية، يفقد العالم معنا جزءًا من قلبه وضميره.
لقد تماهت حياة الشاعر الكبير مع حياة شعبنا ونضالنا الوطني، وساهم من موقعه في كفاح شعبه والتأريخ لتضحياته وكفاحه البطولي من أجل التحرر والاستقلال.
لقد لعب شاعر فلسطين الكبير وضميرها، دورًا رياديًّا في رعاية كفاح شعبه وتقديمه للعالم بوجهه الإنساني الأصيل.
لقد استلهم محمود درويش من سفر كفاح شعبنا الوطني أعظم قصائده، وساهم بمكانته وإمكانياته الكبيرة في صياغة البعد التحرري والإنساني لخطاب حركتنا الوطنية السياسي. فهو من ساهم في صياغة خطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 'لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي'، وهو من خطّ وثيقة التأسيس لكياننا ووجودنا الوطني، أي وثيقة إعلان الاستقلال، التي ضمّنها، وبعمق، رسالة شعبنا الوطنية والحضارية وتوقه الشديد لبناء مجتمع ديمقراطي يحمي التعددية السياسية ويصون حقوق المرأة ومكانتها الرفيعة في النضال الوطني والاجتماعي.
لقد آمن محمود درويش في بناء دولتنا الديمقراطية وقدرة شعبنا المتجددة على حماية أهدافه الوطنية وكيانه الوطني والديمقراطي.
واختتمت منظمة التحرير نعيها لدرويش بالقول: لقد رحل محمود درويش، ولكن إرثه الوطني والإنساني سيبقى ملهمًا لنا ولشعبنا وأمتنا والعالم أجمع.
وسادت الاوساط الفلسطينية امس مظاهر الحزن على وفاة درويش الذي تسابق جميع الفلسطينيين في نعيه فيما تجللت الصحف المحلية باللون الاسود فيما فتحت الاذاعات المحلية موجات بث مفتوحة للحديث عنه والاشادة به حيث اطلق امس اسمه على احد شوارع مدينة طولكرم الرئيسة.
هذا وكانت السلطة الفلسطينية اصدرت مؤخرا طابعا بريديا يحمل صورة درويش تكريما له.
ونعى كذلك رئيس مجلس الوزراء سلام فياض والحكومة الفلسطينية الفقيد وقال في رثائه لدرويش أنه كان 'شاعر الأرض والحياة، ورمز الثقافة الفلسطينية وأحد رموز الهوية الوطنية'.
وقال 'لقد حملت أشعاره قضية ومعاناة وطموحات شعبه وبلاده، بوديانها وجداولها وسهولها وجبالها، إلى كل أرباع الكون، وكل اللغات، لترسم صورة الإنسان الفلسطيني الذي يستحق الحياة وأرض فلسطين التي عليها ما يستحق الحياة '. ونعى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس درويش، وقال أنه 'يعد أحد أعلام الأدب الفلسطيني والعربي والدولي'.
واعتبر مشعل في نعيه أن 'الأدب الفلسطيني فقد بوفاة درويش أحد ركائزه الأساسية'، مشيراً إلى الدور الذي لعبه الشاعر الفقيد في التعريف بالنضال الفلسطيني خلال مسيرته الأدبية المعاصرة، وقال 'الشعب الفلسطيني الذي أنجب درويش قادر على إنجاب غيره'.
كذلك نعت الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس في غزة درويش وأعلنت وزارة الثقافة عن فتح بيت عزاء للفقيد في مقرها.
حركة الجهاد الإسلامي قالت أن وفاة الشاعر محمود درويش 'خسارة كبيرة' للشعب والقضية الفلسطينية، وأنه أهم شاعر عربي ظهر خلال الخمسين عاماً الأخيرة .
ونعت كتائب الأقصى درويش، وقالت أنها 'تقدر' دور هذا الشاعر الوطني المغرد على أغصان الزيتون الفلسطينية كون أنه قاد مسيرة قضية وشعب من خلال أشعاره ومن خلال أبياته المؤثرة.
واعتبر النائب العربي في الكنيست الاسرائيلية محمد بركة السبت ان الشاعر الفلسطيني محمود درويش كان 'شاعر كل الفلسطينيين والوجه الجميل والمقنع لفلسطين'.
وقال بركة تعليقا على وفاة الشاعر الفلسطيني 'محمود درويش شاعر كل الفلسطينين من الامي حتى اكبر متعلم، يشكل لهم حالة خاصة وهو الوجه الجميل والمقنع لفلسطين'.
وقال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم 'اعذروني لا استطيع الكلام، انا مصدوم، انا موجود بين اشقائي، اشقاء محمود درويش ووالدته، معنوياتهم عالية وهم مؤمنون، الوضع صعب علي'.
ونعت الحركة الاسلامية ورئيسها الشيخ النائب ابراهيم عبدالله صرصور الشاعر الكبير محمود درويش في بيان وصلت 'القدس العربي' نسخة منه.
ونعت الامانة العامة للمؤتمر القومي العربي الشاعر الفلسطيني محمود درويش في بيان وصلت 'القدس العربي' نسخة منه، وجاء في البيان، 'فقدت فلسطين والامة العربية بغياب محمود درويش شاعرا كبيرا ومناضلا ومثقفا استثنائيا عبر مسيرته النضالية والثقافية عن عمق التكامل بين فلسطين والعروبة والانسانية، وسجل له تاريخه الناصع انه عربي يحمل تلازما بين مشروع النهضة وارادة المقاومة'.
الجامعة العربية ورؤساء وملوك ينعون 'شاعر فلسطين والعرب الكبير' ونعى الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الاحد 'شاعر فلسطين والعرب الكبير محمود درويش' الذي توفي في وقت متأخر مساء السبت في الولايات المتحدة.
وقال موسى في بيان 'ببالغ الاسى والحزن تنعي جامعة الدول العربية الشاعر المبدع محمود درويش والذي برحيله تفتقد فلسطين والعرب جميعا واحدا من ابرز اعلامها الشعرية والثقافية في العصر الحديث'.
واضاف موسى 'لقد تجاوز درويش بشعره وحضوره الثقافي والانساني المميز كل الحدود محطما قيود الوطنية الضيقة والانتماءات الصغرى ليكون بحق صوت فلسطين الحضاري المتواصل بالامه واحزانه وطموحاته مع روح العصر والفكر الانساني العالمي المبدع'.
وقال موسى 'يغمرنا الاسى ونحن نودع محمود درويش ونتقدم لعائلته وكذلك الى القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات والى شعراء فلسطين وادبائها ومثقفيها جميعا بخالص العزاء والمواساة بهذا المصاب الاليم وكلنا امل بان يتحقق حلم عاشق فلسطين في ان نرى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كما كان يحلم بها شاعرنا محمود درويش وناضل من اجلها'.
وبعث العاهل المغربي محمد السادس برقية تعزية إلى السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على إثر وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش.
ومما جاء في هذه البرقية 'علمنا ببالغ الأسى والأسف بالنبأ المحزن لرحيل الشاعر الفلسطيني الكبير المرحوم محمود درويش الذي وافاه الأجل المحتوم الذي لا راد لقضاء الله فيه، بعد عمر حافل بالنضال والتعبير الملتزم عن القضايا المصيرية للشعب الفلسطيني الشقيق، عبر كل مراحل كفاحه البطولي، من أجل الحرية والسيادة، وعن القضايا العادلة لشعوب الأمة العربية'.
وأعرب بهذه المناسبة الأليمة، ومن خلال السيد محمود عباس إلى أسرة الفقيد الكبيرة ومحبيه في كل أنحاء الوطن العربي والعالم، وبالأخص إلى الشعب الفلسطيني الباسل، عن أحر تعازي جلالته وأصدق عبارات.
وسادت الأحد مسحة من الحزن في تونس بسبب رحيل درويش مساء السبت عقب خضوعه لجراحة في القلب في مستشفى بولاية تكساس الأمريكية. وتصدر خبر الوفاة صفحات الجرائد كما بثت الإذاعات مقتطفات من قصائده.
أرسل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس برقية عزاء في وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش مشيدا بإبداعاته ومواقفه.
وقال الرئيس التونسي في البرقية 'تلقيت ببالغ التأثر نبأ وفاة ابن فلسطين البار وشاعرها الكبير محمود درويش.
'إذ أشيد بابداعاته الرائعة ونضالاته الرائدة من أجل القضية الفلسطينية واسهاماته في خدمة الثقافة العربية فإني أتوجه إليكم وإلى عائلة الفقيد بأحر التعازي وأخلص مشاعر المواساة والتعاطف'.
وكان بن علي قد منح درويش هذا العام وسام الاستحقاق الثقافي تقديرا لجهوده في خدمة قضية شعبه.
ونعت الحكومة الأردنية على لسان وزيرة الثقافة نانسي باكير وفاة درويش، وقالت 'انه كان احد قامات الشعر العربي الذين أرسوا دعائم القصيدة العربية المعاصرة '.
حتى اعدائه نعوه ووجه الروائي الاسرائيلي الشهير ابراهام يهوشوع والشاعر حاييم غوري التحية لذكرى الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي توفي في وقت متأخر مساء السبت في الولايات المتحدة.
وقال الروائي ا ب يهوشوع في مقال نشرته صحيفة 'معاريف' الاسرائيلية الاحد 'محمود درويش قبل كل شىء شاعر كبير كان يمتلك قدرة شعرية حقيقية'.
واضاف 'سرعان ما اصبح شاعر الفلسطينيين، شاعر المنفى واللاجئين'.
واشار الكاتب الذي يدافع منذ سنوات عن قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل الى مبادرة يوسي ساريد وزير التعليم في العام 2000 والذي اقترح حينها ادراج قصائد درويش ضمن البرنامج الادبي للمدارس الاسرائيلية.
واثار الاقتراح حينها ضجة في اسرائيل ولم يتم اعتماده.
وقال يهوشوع ان 'تعليم قصائد درويش في المدارس الاسرائيلية كان فكرة جيدة لان العرب والفلسطينيين ليسوا اعداء فحسب، انهم ايضا جيران علينا ان نجد معهم وسيلة للتعايش. حري بنا ان نعرف جيراننا، احلامهم وجراحهم'.
واضاف مؤلف 'العروس المحررة' الذي صور فيه شاعرا مستوحى من صورة محمود درويش ان الشاعر الفلسطيني 'كان خصما على المستوى السياسي وصديقا لانه كان جارا، عربيا اسرائيليا، يعرف العبرية والتقاليد اليهودية في المجتمع الاسرائيلي'.
التقى ا ب يهوشوا ومحمود درويش لاول مرة في حيفا في 1960 وللمرة الثانية في حيفا ايضا في 2007 حيث خصه العرب واليهود 'باستقبال حافل'.
ومن جانبه عبر حاييم غوري، احد كبار الشعراء الاسرائيليين، البالغ من العمر 85 عاما، عن 'حزنه' لوفاة درويش الذي وصفه بانه 'شاعر رائع'.
وكان غوري التقى درويش في الستينات خلال تظاهرة ضد الرقابة التي كانت تمنع المنشورات العربية.
وقال غوري لفرانس برس 'اشعر بالالم لوفاته لانه يجسد شخصية ماسوية، رجلا في منفى دائم، ارغم على العيش بعيدا عن قريته'.
وتابع الشاعر الاسرائيلي انه 'مع ذلك، في كتابه (حالة حصار) كان هناك بصيص امل، امل بان تنتهي الحرب بين الشعبين'. وتلا غوري واعاد تلاوة العديد من قصائد درويش.
بطاقة هوية ولد درويش عام 1941 في قرية البروة قضاء عكا التي دمرت عام 1948 ليهاجر مع عائلته الى لبنان قبل ان تعود العائلة وتعيش في الجليل. وأجبر درويش على مغادرة البلاد بعد ان اعتقل عدة مرات ثم عاد بعد التوقيع على اتفاقيات السلام المؤقتة.
ويعتبر درويش واحدا من اهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين امتزج شعرهم بحب الوطن والحبيبة وترجمت اعماله الى ما يقرب من 22 لغة وحصل على العديد من الجوائز العالمية.
وبعد إنهائه تعليمه الثانوي، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في صحافة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، مثل 'الإتحاد' و'الجديد' التي أصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها، كما اشترك في تحرير جريدة 'الفجر' .
ولم يسلم درويش من ممارسات الاحتلال الاسرائيلي الذي فرض عليه الإقامة الجبرية أكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية، حتى عام 1972 حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاق أوسلو.
شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحافيين الفلسطينيين وترأس تحرير مجلة 'الكرمل'، وأقام في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث أنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه، وقد سمح له بذلك.

نور 08-25-2012 06:07 PM

رد: محمود درويش
 
رحل عاشقها الذي عاش فيها عقدا من الزمن... وستبقى صرخته 'سجل انا عربي'
بيروت بكَت من زرع الثورة في القلوب وإستنهض الامة

بيروت ـ 'القدس العربي' من سعد الياس:'تصدّر رحيل شاعر الثورة وعاشق فلسطين وبيروت محمود درويش عناوين الصحف ونشرات الاخبار في لبنان التي أبرزت صفاته وحنينه الى فلسطين وكلماته التي أطّرت الجماهير، ودمعت بيروت العاصمة التي أحبها الشاعر لغيابه. وستُقبل التعازي بوفاته في دار نقابة الصحافة اللبنانية ايام الاثنين والثلاثاء والاربعاء. ونعى رئيس ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عباس زكي 'شاعر الوطن والشعب محمود درويش'.
وقال 'بأسف لا نملك التعبير عنه بالكلمات ننعي الى جماهير شعبنا وإلى كل محب لفلسطين في هذا العالم نجمة فلسطين محمود درويش. غاب محمود درويش، عاشق فلسطين، زين شبابها، قصيدتها الأبدية، ومغنيها الأجمل. غاب الذي كان صوته عنواناً لإرادة شعبنا في الحرية والإستقلال .غاب القائد الكبير، الذي خط بيده إعلان الإستقلال عام 1988. غاب أحد الكبار الكبار، الذين أعادوا إحياء الشخصية الفلسطينية المعاصرة، وأعادوا إختراع الحلم الفلسطيني ، فتعهدوه بالروح والفكرة النبيلة ، ثم غابوا فما ازدادوا إلا تألقاً وحضوراً في حياة شعبنا رغم الغياب. رحل الشاعر الذي علمنا أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة وبرحيله المبكر فقدنا صرحاً وعلماً وصل صوته العالي إلى أركان المعمورة ليرسم الأصالة الفلسطينية في مواجهة الإغتصاب الصهيوني ويعلي الصوت الفلسطيني الموحد العصي على الإلغاء والتبديد المتمسك بزيتونة القدس، و زهر اللوز في الجليل، وكرمل حيفا، وتراب البروة في عكا'. ورسمياً ، اجرى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة اتصالاً هاتفياً برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس معزياً برحيل الشاعر الكبير.كما وجه رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري برقية إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس معزياً.واعتبر ' أن فلسطين والأمة العربية تخسران برحيله مدافعاً فذاً عن العروبة والعرب وقضيتهم المركزية فلسطين '.
وجاء في البرقية: أتقدم من فخامتكم ومن سائر أشقائنا الفلسطينيين باسمي وباسم كتلة المستقبل النيابية وعموم تيار المستقبل بأحر التعازي بوفاة الشاعر الكبير محمود درويش، الذي كان له في وجدان لبنان واللبنانيين مكانة خاصة تبوأها بالكلمة الحرة والنص الجميل، وبدفاعه الدائم عن العروبة والعرب وقضيتهم المركزية فلسطين. لقد حمل الراحل الكبير ذاكرة فلسطين وقضيتها ورفعها راية ضد النسيان في أصقاع العالم كما حمل قضية لبنان الذي عاش فيه، وكتب فيه وعنه، وبخاصة عن عاصمته بيروت أجمل وأروع نصوص الصمود في وجه العدوان والظلم، وهي نصوص ستخلدها الأجيال، ما بقي اللبنانيون والفلسطينيون عربا متمسكين بعروبتهم. إننا جميعا اليوم، فلسطينيين ولبنانيين خصوصاً وعرباً عموماً نفتقد شعر محمود درويش الذي حمل في نص وإيقاع فريدين فكراً عروبياً حديثاً، داعياً إلى حرية الإنسان عبر العلم والتنمية من أجل تحرير الأرض، وصون العروبة في مواجهة الأخطار التي تتهددها من كل حدب وصوب'.
الى ذلك، نعى تيار المستقبل الشاعر محمود درويش ببيان جاء فيه 'فقدت بيروت ولبنان، كما فلسطين والقدس وكل ارض عربية بوفاة الشاعر الكبير محمود درويش، واحداً من كبار شعراء الأمة العربية وقامة شعرية وأدبية وانسانية شاهقة ممن أسهموا بما قدموه من ثراء فكري ومعرفي وشعري في إستنهاض الأمة وبعث الحياة في وجدانها. رحل ابن فلسطين وعاشقها، ومن كان عنواناً لإرادة شعبه في الحرية والإستقلال والعودة، رحل من علم الناس حب فلسطين ومن غرس قضيتها في قلب كل عربي وكل انسان في هذه المعمورة، ومن زرع الأمل والثورة في القلوب بشعره المقاوم الذي كان يصدح في كل مكان، مستنهضا شعبه لمواجهة المحتل وهز مضاجع الاعداء. رحل عاشق بيروت الذي عاش فيها عقد من الزمن، ورفض مغادرتها أثناء الحصار الإسرائيلي لها، الى أن أجبرته التهديدات الاسرائيلية على تركها وما عاد اليها الى بعد ان عادت تزهو بنهضتها الجديدة وبرائد نهضتها رفيق الحريري سنة 1990. محمود درويش، شاعر الوطن والقضية والمقاومة، الذي مزج الحب بالوطن، والثورة بالإنسان، والقضية بالأدب، كان شاعراً فلسطينياً وعربياً بقامة عالمية، كان صورة فلسطين وصوتها وأغنيتها، وصلة الوصل بين كفاح شعبه وكل قضايا العدل والمساواة في العالم. إننا في تيار المستقبل الذي أوجعنا وأحزننا غياب محمود درويش، والذي بفقدانه نشهر اننا خسرنا شيئا من صوتنا وأحلامنا، ندرك ان خسارة محمود درويش لن تعوض ما لم ندرك ما يمثله معنى شعره الذي سيبقى حتى بعد موته يزرع الأمل والثورة في قلوبنا وقلوب كل العرب، وسيظل حلمه بالعودة الى القدس وفلسطين حلمنا وقضيتنا. وستبقى صرخته 'سجل انا عربي' وحنينه الى 'خبز امه وقهوة أمه' والى 'احمد العربي' صرختنا وحنينا دائماً'.
كذلك أجرى وزير الإعلام الدكتور طارق متري إتصالاً هاتفياً بممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي معزياً.وقد نعى الوزير متري الشاعر الفلسطيني بالقول: رحل به قلبه، بعيداً منا، قلبه ضلّ قليلاً وعاد. وهو يعيدنا اليوم الى حضرة غيابه. نحنّ اليه حزناً، وننتظر قوله كما ننتظر إطلالة القمر، يتجدد فينا. ويرتفع أمامنا كالشجر فوق ركام الكلام، الكلام العابر وكلام الترداد العقيم. كان يحلو له القول، إنه فلسطيني بالاختيار الحر، وأن له انتماء الى بيروت، بالاختيار أيضاً، يبحث فيها عن طفولة جديدة ودور لا يغلق عليه أو يضيق.ولم يغب عنه مرة، أن سلام لبنان حق له، وحرية فلسطين حق لها، وأن طريقنا الى السلام والحرية واحد. وواحد هو السعي لكي نستحق حقنا. سلام على محمود درويش فيما يوزع القمح الذي امتلأت به روحه، ويودع أرضنا وينثر فيها ملحاً كثيراً'.


نور 08-25-2012 06:08 PM

رد: محمود درويش
 
أعدّوا له الأرض كي يستريح فقد أحبّها حتى التعب!
رحيل الشاعر العربي الكبير محمود درويش:

لندن ـ القدس العربي ـ من حسام الدين محمد مات محمود درويش.
اغمضعينيه الجميلتين ومش في غمامته البيضاء
.
مات عاشق الحياة الكبير لأنه لم يرد انيجلس منتظرا الموت
.
ااعرف ان الزمان لا يحالفني مرتينب قال ذات قصيدة. لكنالزمان حالفه مرتين فأراد ان يلعب النرد معه للمرة الثالثة فغلبه
.
اهل يموتالشاعر؟ب مرّرت هذا السؤال اليه بعد عمليته الاول وكنا مجتمعين في استديو االام بيسيب بلندن فحدّثنا عن لون الموت الابيض والغمامة التي دخل فيها وغف
.
كتب درويشعن ميتات اصدقائه كما لم يكتب احد وسألهم ان لا يموتوا وان ينتظروا سنة واحدة فقط: اسنة اخر فقط تكفي لكي اعشق عشرين امرأة وثلاثين مدينةب
.
شهداء فلسطين الكباركانوا احبابه وكتب اجمل قصائده فيهم من راشد حسين ال ماجد ابو شرار وعز الدين القلقومعين بسيسو... وصولا للشهداء المجهولين. كانت القصائد ايقافا للموت وحراسة للحياةوالا كيف نفهم قصيدته في الشاعر العراقي سعدي يوسف (أطال الله عمره): اأعد لأرثيكعشرين عاما من الشعرب غير كونها تعويذة من شاعر لصديق له ضد الموت؟ االموت ضرب منالغدرب قال مرة في رثاء له لحمادي الصيد وكونه لاعب الموت وتهرب منه مرتين فقد قالعنه: اأما الموت فلا شيء يهينه كالغدر: اختصاصه المجرّبب
.
هل طلب محمود اسنة اخرفقطب في حجرة العمليات التي أقلّته ال موعده كما قال في كتابه افي حضرة الغيابب: افلأذهب ال موعدي فور عثوري عل قبر لا ينازعني عليه احد من اسلافيب
.
هل ارأ ماأراد من البحرب في اهبوب النوارس عند الغروبب؟ مات كاتب الملحمة الفلسطينية الاكبرالتي رافقته منذ تهجيره من قريته في شمال فلسطين وعودته اليها ثم اوديسته الطويلةبين البلدان والعواصم
.
مات اكثر الشعراء العرب اصالة ولا اعرف ان كان النقادلاحظوا خط الديمومة في الشعر العربي من امرء القيس مرورا بالمتنبي ووصولااليه
.
مات شاعر الحداثة الكبير الذي كانت الحداثة بالنسبة اليه علاقة باللغةوالارض والواقع والعالم ولم تكن بحثا عدميا عن اللامعن والانقطاع في الصيرورةالأصيلة للمكان والزمان والناس: اان نكون عبثيين او لاعبين او ساخرين لا ان نرد علاللامعن بلامعنب قال مرة في حوار معه
.
لعل اهم مزايا محمود درويش في اعتقادي انهاستطاع ابتداع المعادلة الاعجازية لشعر عميق وعظيم ومليء بالفذاذة الفلسفيةوالسخرية السوداء والنحت الرائع عل اللغة في الوقت الذي كان قادرا دائما عل الوصولللجمهور العام للشعر. كانت امسيات محمود درويش الشعرية مناسبات عامة ترسل كما لوكانت طاقة كهربائية عالية مسّا روحيا عاليا لم تكن لتجده الا عند الشعراء ذويالقامات الكبر في التاريخ
.
ولأنه شاعر كبير وذو رؤيا فقد شاهد موته في قصيدتهالاعب النردب التي نشرها في االقدس العربيب قبل أسبوع فقال: مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّالعدم ؟ مَنْ أنا ؟ مَنْ أنا ؟ لم يخيّب الشاعر فم الفناء الفاغر لكن جسده اخلالمكان لشعره الذي سيفتح الآن صفحة حياته الخاصة التي لا يمكن للعدم انيطالها
.
االقدس العربيب كانت عل علاقة شديدة الخصوصية بالشاعر الراحل الذياهداها الكثير من اجمل قصائده. ها هنا شهادات لمثقفين عرب في رحيله:


الكثيرون سيتذكرون ضحكاته ودموعه المتأثرة بتكريمه في كثير من العواصم العربية
صنعاء ـ الرباط ـ القدس العربي من خالد حمادي والطاهر الطويل سيظلبيننا ما بقيت الكلمة وبقي الشعر عبد العزيز المقالح (شاعر من اليمن) بداية أعتقدأن غياب الشاعر العربي الكبير محمود درويش، لم يكن خسارة للشعر العربي فحسب، بل كانكذلك خسارة للشعر الإنساني كله، فقد كان محمود شاعرا عربيا إنسانيا في شعره وفيمواقفه. وعظمة هذا الشاعر الكبير تتجلى في أنه كان شاعرا بكل ما في الكلمة من معانإبداعية وأخلاقية، فقد كان شاعرا في سلوكه وفي طريقة تعامله، قبل أن يكون شاعرا فيكتابة القصيدة في أرقى مستوياتها، موقفا وفنا. لم يحاول محمود في أي يوم من الأيام،أن يخوض فيما خاض فيه الآخرون، من خلافات وافتعال لمعارك وهمية، لذلك فقد احتفظبمكانته في القلوب، شاعرا وإنسانا، واستطاع أن يكون مدرسة قائمة بذاتها في حياتناالأدبية. عرفته في بداية السبعينيات، واستمرت علاقتي الحميمة به حتى الآن. كان دائمالسؤال عن أصدقائه، أكثر مما يسألون عنه، لا يكف عن مهاتفتهم والسؤال عن أحوالهم،وتلك ميزة نادرة من الكبار.
لم يمت محمود وإنما ماتت همومه وآلامه التي تصاعدتفي الآونة الأخيرة، جراء ما يحدث بين الأهل من اقتتال لا مبرر له سوى الجري المحموموراء سلطة موهومة، ووعود تتبخر كالدخان في الهواء أو كالسراب في الصحراء. محمودأيها الشاعر الإنسان سلام عليك، وستظل بيننا وفي حياة أمتك ما بقيت الكلمة وبقيالشعر. زيتونة المنفى حاتم الصكر (كاتب من العراق يقيم في اليمن) زيتونة المنفىواحد من أسماء محمود درويش التي أطلقت على الشاعر الحي بين الولادة والموت كما أرادقاطعا مسافة المابين بين وهو عنوان الكتاب الذي أصدرته حلقة مهرجان جرش في إحدىدوراتها النقدية مكرسا للدراسات التي تناولته
.
بين الزيتونة والمنفى يتمدد درويشالذي لا يرى نفسه ممكنا بلا منفاه كالمنتظرين برابرة قادمين ضروريين للإفاقة، وفيتدقيق هوية ادوارد سعيد ومرثيته يتحدث عن عالم منشطر بين الهنا والهناك ولسانين لميعد يدري بأيهما يحلم
.
وذلك هو درويش في تفاعلاته الحياتية كلها منشطرا بين مزاجحاد وطرافة دامعة، بين كفاح حقيقي واستراحة هانئة، حب وصراع، أسى وفرح، تحديثوالتزام، استطراد ووزنية، لكن من له في هذا الكون الشعري الفسيح لغة درويش وتوليدهالصور من كل ما حوله، وكيف يؤاخي الصورة والفكرة والعاطفة والواجب والحرية والوطنفي قصيدة يقولها حرة إلا من وجوده الإنساني الذي جعله سفير قضية وطنه بأفضل مما فعلالسياسيون وشعاراتهم وكسب لصف حرية وطنه وعرض حقيقة احتلاله وعنصرية محتليه ما جعلرؤياه رؤية العرب المغلوبين على حرياتهم والأحرار في العالم المنحدر تراجعيا صوبالغابة والتسلط بعصي الأقوياء المطورة
.
ولمحمود درويش مع الموت وشيجة لم تجعلهيتلقاه كواقعة مفاجئة بل هذا هو في آخر نصوصه المنشورة ( لاعب النرد) يرمزه ويداعبهكعهده حين يسأله أن يتمهل وينتظر حتى يعد الحقيبة أو يرصد موته السريري المؤقت فيعملية القلب المفتوح الأولى ويشكل من الموت تجربة فريدة لم تتهيأ لكثير من الشعراءالذين كتبوا استباقا عن موتهم بل هو يصنع معراجا روحيا سماويا يلاقي فيه الشعراءوالفلاسفة هائمين في سديم الأبدية متحولا بدوره (ذرة في العالم العلوي) صانعاجدارية تؤاخي الفن بالشعر كما يؤاخي هو الفكر والنغم ويحفظ للنثر رونقه داخل النصويقول عنه: (أحب من الشعر عفوية النثر والصورة الخافية/ بلا قمر للبلاغة
).
منسوى محمود درويش ينزل الشعر لقارئ أعزل يتصفح كتابا من نور وامرأة عاشقة تصفدهاالعيون، وغزال وحيد في برية الروح، وطفل منتظر عودة الأب في قصيدة، ومنفي بلا غدسوى السراب؟ ربما لن يتكرر صوت درويش في تاريخ الشعرية العربية لا بموتهالدراماتيكي شأن رعيل الشعراء العرب الذين مستهم لعنة الحداثة وغادروا الحياةغاضبين عجلين فحسب، بل ببصمته الفريدة في مدونات المتن الشعري الذي وهبه محموددرويش للقصيدة وفضائها الصوري ولغتها المتفاعلة بالجمال والفن، رغم ثقل الصليبالفلسطيني الذي حمله ماشيا طيلة حياته وفكر قليلا كي يستريح فجاءه نداء القلب الذيتعب من الحياة وتدبر أمره ماكرا بنا في ذلك اليوم الصيفي المشؤوم
.
كثير منجراحنا تفتحت على ألمها الكامن حين نعت الأنباء محمود درويش وكثيرون هرعوا إلىصورهم في الذاكرة أو المخيلة عن زيتونة جميلة خضراء لكنها غريبة في تربة المنفى،وكثيرون استعادوا صورة يوسف الجميل آخر الأخوة في جب التجربة وكثيرون سيسمعون كماأسمع الآن ضحكاته في بهو الفندق بالقاهرة قبل أكثر من عام في مهرجان الشعر العربيالذي نال جائزته ويتذكرون دموعه المتأثرة في مشهد تكريمه المتكرر في أكثر من عاصمة،كما بكى المدن الضائعة في شعره وصنع لها جغرافية جديدة في الضمير ..شعره الذي هوواحد من تجليات حضوره الأبدي في قلب الغياب
.
صداقة عميقة ثريا جبران (فنانةمغربية) فضلت ثريا جبران (وزيرة الثقافة المغربية) أن تقدم شهادتها كفنانة مسرحية،إذ قالت وهي تقاوم حالة التأثر الكبيرة وبكاءها الذي كان يصل مراسل االقدس العربيبعبر الهاتف: اعلاقتي بمحمود درويش تعود إلى أوائل السبعينيات، حيث كنا مجموعة منطلبة معهد المسرح في الدار البيضاء نقدم عروضا مستلهمة من أشعار درويش، تحت إشرافالفنان الأستاذ فريد بنمبارك، ونقوم بها بجولة عبر عدد من الجامعات المغربية. وخلالالسنوات الأخيرة كان كلما أتى محمود درويش إلى المغرب حرصت على تقديم لقاءاته علىخشبة المسرح، مما قوى من صداقتنا العميقة، بحيث كان يشرفني بالحضور إلىبيتي
.
وقبل ثلاثة أشهر جمعني به لقاء رائع على مائدة عشاء في الأردن؛ ضحكناكثيرا، وتأكد لي أنه مفعم بالأمل وبالإقبال على الحياة بشكل سام وراق. هذا اللقاءسيظل راسخا في ذاكرتي ما حييت
.
كنا ننتظر مجيئه إلى المغرب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لنحتفي به وبكتاباته ولكن ربنا أخذه بعدما أعطاه لنا. وسيظل دائماحاضرا في وجداننا
.
عُرف عن درويش مواقفه الصلبة التي لا تتغير. كان شعره يضيءأيامنا الحالكة. وكلنا أحب شعره، كلنا اعتبره أكبر رمز للقضية الفلسطينية وللقضاياالعربية القومية. ومن هنا، فرحيله خسارة كبرى لن تعوض للوطن وللأمةوللقضية
.
أعزي بهذه المناسبة كل مثقفي ومفكري الوطن العربي، وأعزي عائلته في رامالله والأردن.ب القاء خاص عبد الحميد عقار (رئيس اتحاد كتاب المغرب) وفاة الشاعرالفلسطيني الكبير محمود درويش ـ ذي الصيت العربي والعالمي اللافت والمؤثر ـ تمثلخسارة كبرى للمشهد الشعري والنثري عربيا وإنسانيا. فقد كان درويش واحدا من أبرزشعراء هذا العصر، في شعره تنصهر وتتلاقح غنائية عميقة متحررة من الرخاوة ومنالبكائية، وذلك في رمزية مثقفة ذات عمق كبير. كما كان في إبداعه الشعري والنثرييمتلك قدرة خاصة على الاشتغال على النبرة الساخرة
.
لقد ملأ بشعره فراغات الروحوالوجدان لدى قرائه وقارئاته، وأشبع فضولهم الفكري والجمالي، بغنى الصور، بكثافةالعبارة، بقوة الإيحاء، بتملكه الخاص ليس فقط للثقافة العربية برمزياتها، بلللثقافات الإنسانية في قيمها الإبداعية والفكرية. تميز محمود درويش، كذلك، بوصفهشاعرا، بإلقاء شعري خاص استرعى اهتمام المهتمين بالشعر، من غير الأدباء والشعراء. في هذا الإلقاء تتضافر الكلمات والعبارات والجمل بصور شعرية وبظلال المعنى، هذاالمعنى الذي يشكل في شعره موضوع بحث واستقصاء وتطلع. لدرويش جانب آخر، هو نضاليتهالثقافية والسياسية لصالح حرية الإنسان والإبداع. ومن خلال ذلك حرية الشاعر وحقه فيالوجود
.
كانت لدرويش علاقة خاصة بالمغرب منذ ثمانينيات القرن العشرين، حيث تعودالمغاربة ممن يتذوقون الشعر على حضور أمسياته الشعرية والقوية والمعبرة والتي لاتكرر نفسها أبدا. مكانة درويش في المغرب وصلة المغاربة به عمقت من الارتباطالوجداني بهذا الشاعر وارتباطه هو بالبلد وأهله
.
لذلك فالخسارة ـ كما قلت ـكبيرة جدا. ولعل آثاره الشعرية العميقة وإبداعاته النثرية المميزة تخفف من هول هذاالرحيل المفجع وتسمح بهذا العزاء
.
أجمل هدية لشعبه عبد الرحمن طنكول (الرئيسالسابق لبيت الشعر في المغرب) مما لا شك فيه أن موت الشاعر محمود درويش خلف أثراقويا في نفوس كل المبدعين والشعراء والمثقفين سواء في عالمنا العربي أو على المستوىالعالمي، نظرا للقيمة الشعرية المتميزة التي طبع بها هذا الشاعر المُنجَز الإبداعيمع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين
.
ويعتبر محمود درويش منمؤسسي القصيدة الحديثة الملتزمة، فقد استطاع أن يخرج بالقصيدة من القوانين الشعريةالمعروفة خاصة تلك التي عرف بها الشعر الملتزم إبان الأربعينيات والخمسينيات، سواءفي أفريقيا أو أوروبا، بحيث استطاع أن يضع القضية الفلسطينية في قلب الشعريةالعالمية، مع الارتقاء بها إلى أعلى مدارج الإبداع، ما جعله يتبوأ مكانة خاصة فيالمشهد الشعري العالمي. فدرويش ارتبط شعرياً بالقضية الفلسطينية، لكن بإبداعيةكبيرة، استطاع بها أن يعطي لهذا الشعر قوة جعلته يتسامى على مختلف الأجناس الأدبية،فالقصيدة عنده تأخذ تارة لونا نثريا، وتارة لونا رومانسيا أو سورياليا، وهذا ماجعله ينفرد بموقع داخل الخريطة الشعرية العالمية
.
لم يؤثر محمود درويش في الشعرالفلسطيني والعربي والمغربي فقط، وإنما أيضا في الشعر العالمي، أينما حل وارتحل. كان يحمل وطنه في يده، ويحمل قصائده في قلبه، ليجعل منها فضاء للتلاقي والتلاقح بينمختلف أصوات الشعوب التواقة للحرية والانعتاق. وباختياره للغربة فإنه ـ في الحقيقةـ اختار أن يعطي للشعب الفلسطيني والإبداع الفلسطيني موقعا على امتداد الكرةالأرضية، فكان بذلك أحسن سفير للنضال الفلسطيني، وهذا ما جعل المهتمين يترجمون شعرهإلى مختلف اللغات
.
لقد كان درويش محبوبا عند الشعراء والكتاب العالميين، وكانمحط إعجاب عند السياسيين، لأنه لم يسجن قضية وطنه في شعارات مستهلكة أو مفاهيمدغمائية، بل جعل هذه القضية قضية إنسانية، واستطاع بذلك أن يخلدها في سجل من ذهب،من غير أية نزعة شوفينية، لأن حلمه الوحيد كان دائما هو أن يمنح للإنسانية قصيدةتعمق النظر في عتمات الآتي ومتاهات المجهول لتنير الطريق أمام الإنسانية
.
ولاأريد أن أختم هذه الشهادة دون أن أشير ـ مرة أخرى ـ إلى التأثير الذي أحدثه درويشفي القصيدة المغربية منذ الستينيات إلى اليوم. ومن غير أن نضفي أي طابع تقديسي علىشعر درويش، فيمكن لأي متتبع أن يقول ببساطة إن اسم هذا الشاعر سيظل ملتصقا بحداثةالشعر العالمي. وهذا الأمر في حد ذاته يعتبر أجمل هدية قدمها لشعبه وللإنسانية. وموته بعيدا عن فلسطين، في بلاد الغربة والاغتراب، له دلالات رمزية ستحفر لمدةطويلة في ذاكرة الشعر الإنساني
.
وإذا كان الشاعر الفرنسي أراغون قال إبان مقاومةالشعب الفرنسي للنازية: اافتحوا قلبي.. تجدوا فيه باريس'، فدرويش يقول لنا وهو فاتحقلبه: القد حملت فيه الإنسانية وجعلت منه موطنا لكل الغرباءب
.
بعدك ثمة بكاءكثير شوقي شفيق (شاعر يمني) برحيلك أيها الصديق الكبير يفقد مثلث الكبار الأخير أحدضلوعه المهمين. مثلث الكبار الذي أقصده هنا هو مثلث: أدونيس ـ سعدي ـ درويش. هلأعزّي نفسي وأترابي من الغاوين إياك في اليمن، أم أعزّي العربية وشعراءها، أم أعزّيشعراء العالم بذهابك
.
كم أنت كبير برحيلك! وكم نحن يتامى لفقدك! بوقت طويل ستعجزالكلمات عن توصيفك ووصفك. ولزمن طويل، طويل، ستعجز العربية عن تعويضك. لن ننساك بينفراشتين، ولن تسافر الغيوم كي ما تشردك بعد الآن، فأحمد العربي الذي كنته أو صنعتكينونته سيظل فينا رمزا للحياة كما ينبغي للفلسطيني أن يكون
.
أنت لم تعدفلسطينيا؛ أنت صرت عالما في عالمنا، محيطا تتراكض إليه مياه بحارنا وبحورنصوصنا
.
أيها المعلّم الأكبر، يا ساحرنا الذي علمنا ريتا وبندقيتها، والزعترالبلدي، والمزامير الأولى وتفاصيل البلاد
.
أب في الشعرية العربية لا نعوضه ولانستعيض عنه
.
بعدك، ليست ثمة أغنية في البال، ليس ثمة كلام؛ ثمة بكاءكثير
.
قرر أن يكون الأعلى نبيلة الزبير (شاعرة يمنية) إذا كانت الكتابة أيا كانمجالها قهراً وتحدياً للموت فإن الشاعر العملاق محمود درويش قهر الموت بطاقة أوبإبداع ما يعادل عشرات الشعراء. بمعنى أنه لا خوف عليه من حادثة عابرة كهذه، وإنكانت حادثته اليومية الأخيرة، التي يطلق عليها اسم الموت
.
هذا الهزيل الذي سخرمنه مرارا وعطف عليه وناجاه وخاطبه، يكفيك أنه آخر الأمر قال له: تعال، ربما لم يكنيدعو صديقا، اسمه الموت لكنه على أية حال ليس العدو الذي اسمه الإعاقة، تكفيك هذهالشجاعة، في اتخاذ القرار وهذه القدرة على تقريره، أيهما القاتل أن يقعد فوق الحياةمعاقا يستثير العواطف أم يمشي إلى الخلود، مستحثا كل الإعجاب والتقدير، شخص منذالبداية قرر أن يكون الأعلى، حتى على الموت. أي حياة هنالك خلف ظلال التخيل! د. ابتسام المتوكل (شاعرة يمنية) مات محمود درويش! خبر حيّر القصيدة ووارى الكلمات. إذن أمام بلاغة الموت ماذا بوسع الأحرف الشاحبة أن تقول؟ وكيف لها أن تتجسد وأنتكتسي بالحياة؟ إنه الموت ثانية يعود ليجيب درويش القصيدة والحياة ليقول (أنا هنا،ولا أهزم!) فتبدو عبارة درويش (هزمتك يا موت) طفوليّة جدا ولا علاقة لها بمنطقالنهايات وصرامة الموت. الموت ليس عدوا لأحد ولا هو بصديق لأنه موظف مخلص جدا ويقومبعمله في صمت، ولهذا فهو لم يكن يرد على درويش أو يترصده. إنه فحسب كان ينتظر أنيأتيه دونما مقاومة ودون اعتراض
.
هل مات درويش حقا؟ نعم على الأقل هذا ما تقولهالأخبار وتتناقله وسائلها. ولكن درويشهم الذي مات غير درويشنا فهو حي لا يموت. درويشنا شأن كل الشعراء الحقيقيين لا يموت لأن شعرهم يخلدهم وهم منذ اقترفواالقصيدة منذورون للبقاء
.
وهكذا فدرويش منذ عرفت قصائده خصوصيتها وصار هنالك فيالقصيدة العربية نزعة درويشية أمكن للشاعر فيه أن يركن إلى الخلود تحت فيء الكلام .. الكلام الذي ليس يعبر.. الكلام الذي يمر ليبقى ليحفر في الروح موقعه ويغرس فيروابي التذكر أشجاره
.
يا لدرويش شاعرا عظيما كسبته القصيدة واستكان إلى مجدهاشاعرا أنه قد خط صورته في الحروف التي صارت رفيقته وبها أدرك أي سر تحملهالاستعارات وأي حياة هنالك خلف ظلال التخيل
.
سلام عليكت ولك سلام على الشعروالبهجة الممكنة
..
سلام على تربة أنجبتك وأنت تمرست في عشقها سلام على كل حرفوكل القصائد وكل الوطن
.
اسم عالمي حسن مخافي (أستاذ جامعي وناقد من المغرب) محمود درويش يعد علامة بارزة في مسيرة القصيدة العربية الحديثة، وينتمي إلى شعراءالجيل الثاني في مسيرة هذه القصيدة. وقد عرف في النقد العربي الحديث بوصفه شاعراللمقاومة؛ ولكن هذا لا يحجب شعرية القصيدة عنده، حيث عمد طيلة حوالي خمسين سنة فيمسيرته الشعرية إلى تطوير هذه القضية. ومن هذه الزاوية لا يمكن الحكم على شعره حكماعاما، بل إن التطور الذي خضع له يجعل من هذا الشعر مدرسة متجددة. ولا يعني هذا أنالشاعر قد خضع لنوع من التجريب، بقدر ما عمل على تطوير نفسه باستمرار، ولذلك اندرجشعره في البداية (خلال الستينيات) في إطار ما يسمى القصيدة الملتزمة، وفي إطار هذاالمفهوم اشتغل محمود درويش على إبراز القضية الفلسطينية شعرياً، دون التفريط فيمقومات القصيدة لغة وصورة وإيقاعا
.
ثم تلت هذه المرحلة ما يمكن أن نطلق عليهاالقصيدة الملحمية'، التي عرفت عنده بالقصائد الطوال المعروفة أو ما يمكن أن نسميهالقصيدة/ الديوان. ومن أمثلة هذه الأعمال امديح الظل العالي'، 'بيروتب وغيرها منالقصائد التي تستغرق دواوين شعرية بكاملها
.
لتأتي المرحلة الثالثة التي عاد فيهامحمود درويش إلى استبطان الذات ضمن محيطها الوطني والقومي والعالمي. ومن هنا عادإلى كتابة السيرة الذاتية الشعرية، واحتاج ـ لأجل ذلك ـ إلى التخلي ظاهريا عنطريقته القديمة، محتفظا بجوهر القضية عنده الذي هو القضية الفلسطينية. كما استندفنيا إلى توظيف الإمكانات التي تتيحها قصيدة النثر، دون أن يكتب هذه القصيدة، لأنشعره ظل موزونا، ولكن بتنويعات كبيرة، جعلته ينخرط في تجديد الإيقاع الشعري العربيبما يسمح بابتكار إيقاعات جديدة خارج أوزان الخليل وخارج إكراهات تفعيلاته. وقد بدأهذه المرحلة الثالثة بديوانه المؤسس الماذا تركت الحصان وحيدا؟'، وأتبعه بمجموعة منالدواوين الأخرى
.
وطيلة هذه المراحل الثلاث التي تختزل مسيرة محمود درويشالشعرية ظل مشدودا إلى قضيته التي كان يعتقد أنه وُجد لأجلها، أي القضيةالفلسطينية. كما أن لدرويش اجتهادات إبداعية خارج الشعر، تتمثل في نثره الذي لا يقلشعرية عن قصائده. ويتمثل ذلك أساسا في يومياته ورسائله ومقالاته المتعددة التي نُشربعضها في مجموعات، ويبقى على المهتمين وأصدقاء الشاعر أن يجمعوا ما هو منثور منهافي المجلات والصحف ولم يظهر ككتب
.
إن وفاة محمود درويش خسارة كبيرة للشعر العربيخاصة وللشعر العالمي عامة، فقد ترجم إلى عدة لغات، وأصبح بذلك اسما عالميا وكونيا،بقدر ما هو اسم فلسطيني. وأتصور أنه لو أمهله الموت لسار بالقصيدة العربية الحديثةشوطا جديدا آخر، ولكن عزاء المثقفين والنقاد والشعراء العرب هو أن درويش ترك لهتلامذة في جميع أصقاع العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ممن سيحملون لواء الشعرالعربي إلى العالمية
.
ولادة جديدة أسامة اسبر ( شاعر من سورية) جاء موت محموددرويش كصدمة. منشأ هذه الصدمة أن الشعر العربي خسر إحدى قاماته الكبرى، ولكن موتالشاعر في الوقت نفسه إعلان لولادة من نوع آخر، لقد توقف القلب واستعادت الطبيعةعناصرها البيولوجية،ولكن محمود درويش ظل ينبض في الطبيعة الثانية التي يبتكرهاالفن، وهذه ولادة جديدة للشاعر، ولادة في الضمائر وفي الأذواق وفي توق الثقافةالعربية المغايرة إلى المحافظة على استمراريتها. لقد كان محمود درويش شاعراً ذاطبيعة مختلفة في نسيج الشعر العربي، وبوسعي أن أسميه شاعر القضيتين، القضية الأولىهي الجرح الفلسطيني الذي ظل يسكن جوهر تجربته الشعرية والفكرية، هذا الجرح الذي جعلالشاعر محافظاً لقضيته وعلى تجديده للصوت الفلسطيني المخنوق تحت الاحتلال. أماالقضية الثانية فهي إخلاص محمود درويش للعناصر الفنية التي تجعلنا نقول عن كلام ماأنه شعر يختلف عن الكلام العادي، وفي التوحد بين قضية الفرد وقضية الإنسان ولدتقصيدة محمود درويش وستظل مستمرة عبر الأجيال والأزمنة مع الإبداعات الشعرية الكبرى،وبهذا المعنى نقول أن محمود درويش لم يمت
.
هازم الموت هالة زرقا ( شاعرة منسورية) يبدو أن محمود درويش قد هزم الموت في لغته مرات عدة، فالشعر هو تمرين علىالحياة، هو الذي كان في كل نص أو كتاب يستخدم كل الميثيولوجيات القديمة ليؤكدحضوره، حضورناس وانتماءنا إلى هذه الأرض التي نُنفى عنها قسراً
.
محمود درويش كانالمعلم الأول لجيلنا، في الحب وفي عشق الوطن، وفي مقاومة إحساسنا بالغربة والوحدةفي هذا العالم القاسي. لذلك لا أعرف إذا كان يحق لي أن أقول له: عليك أن تعتذر الآنعما فعلته بنا !.


نور 08-25-2012 06:09 PM

رد: محمود درويش
 
قضية منحت شاعرا بهذا المستوى لا بد ان تكون قضية عادلة
شهادات في موت محمود درويش:

2008/08/12
دمشق ـ بيروت ـ لندن ـ القدس العربي من انور بدر وناظم السيد وحسامالدين محمد استقبل الوسط الثقافي في سورية نبأ وفاة الشاعر العربي الكبير محموددرويش بألم واحساس حاد بالفجيعة فالشاعر كان ذا اهمية استثنائية وتأثير كبير علالشعراء والمثقفين السوريين االقدس العربيب اتصلت ببعض منهم وكانت هذه الشهادات: الجماهيري النخبوي شوقي بغدادي ( شاعر) لا يوصف هذا الموت كما يوصف موت الآخرين،فالنكبة ليست وطنية فحسب، وإنما هي فنية جمالية بالدرجة الأولى، وإذا كان هناك شاعرفي العالم استطاع أن يوحد بين قضيته الأم وبين فنه الشعري الرفيع فلا شك أنه محموددرويش أولاً ومحمود درويش ثانياً... ولعله بين الشعراء العرب هو الأوحد والأقدر علىأن يكون جماهيريا ونخبوياً في آنٍ واحد، لقد جاء زمن الآن، وخاصة في السنواتالأخيرة، أن غرق عرب فلسطين في مستنقع النزاعات الدموية بين الأخوة الأعداء، وهكذاتضاءل لديّ الأمل، كما لدى كثيرين، بأن هناك خلاصاً لهذه المحنة، ولكن ما أن يظهرديوان جديد لمحمود درويش أو أن نقرأ له قصيدة جديدة أو قديمة حتى يشعر الواحد مناأن هذه الشعلة الضعيفة الواهنة من الأمل قد توهجت من جديد واستعادت بريقها بفضلجمال الشعر وحده. وهكذا صار على محمود درويش أن يقوم بعبء إعادة الثقة إلى النفوسالبائسة وحده، ولم تعد تصريحات هذا الزعيم أو خطاب ذاك القائد قادرة على صنع شيء،لقد بتّ أنا شخصياً في السنوات الأخيرة، وأكاد أقول ذلك حزيناً، لا يربطني وثاقعاطفي حميمي قوي بالقضية الأم إلا عبر محمود درويش ومن خلال شعره، كنت أستطيع أنأقنع الأجانب والمتشككين العرب بأن قضية منحتنا شاعراً بهذا المستوى الجمالي الرفيعلا بد أن تكون قضية عادلة وأن نكون معها. من يستطيع الآن بعد موت محمود درويش أنيقوم بهذا الدور؟ أي شاعر عربي استطاع أن يكون في الأراضي المحتلة وفي القاهرة وفيبيروت وفي قبرص وفي اليمن وفي كل المنافي والمطارات والمرافىء، أي شاعر استطاع أنيكون هو نفسه دائماً الذي يغني للمسيرة الصعبة في كل منحنياتها وصعوباتها ومآزقهابنفس الحنجرة الصافية والوجدان العميق سوى محمود درويش. افتقدناك محمود درويشوكأننا نفتقد هذا الرباط الحميم بالقضية، فمن يُعيدها إلينا سواك؟ هل يعيدنا محمودعباس أو هنية أو مشعل؟ من مِن هؤلاء قادر أن يعيدنا وهو يناضل ليثبت أن الآخرين علىخطأ وهو وحده على صواب؟. محمود درويش وحده كان على صواب، ولكنه مات الآن، وها نحنالآن نبدوا وكأننا أيتام على مائدة القضية التي أخذت بعيدا عنّا، فمن يعيدها إليناأو من يعيدنا إليها؟! موت جيل بكامله برهان علوية (مخرج سينمائي) حين مات محموددرويش أحسست أن جيلاً بكامله مات. ربما الآن يمكننا أن نكتب تاريخ درويش. الآنيمكننا أن نتأمل فيه وفي نتاجه، وذلك بعدما ذهب جسده وأخذ معه ما أخذ. الموت يمنحنتاج شخص ما نكهة أخرى. الموت يأخذ الجثة، لهذا أقول إنه ارتاح الآن. هكذا قلت عنيوسف شاهين الذي غادرنا أخيراً. العظماء يرتاحون حين يموتون.
لا أعرف المجاملة. محمود درويش شاعر كبير بالطبع، لكن هذا كلام لا قيمة له
.
شعر محمود درويش شعرمعاصر، شعر اشبابيب. ما معنى أن يكون قرّاؤه من الجيل الشاب؟ هذا السؤال دليل علىموقع درويش في الشعرية العربية
.
من يحرس اصورة الشاعرب من بعدك؟ أنطوان شلحت (كاتب من فلسطين) عندما أحيا محمود درويش أمسيته التاريخية في مدينة حيفا في أواسطشهر تموز/ يوليو 2007، قال عبارة بليغة لا تزال أصداؤها تتردّد إلى الآن فحواهازإنّ الشعر هو المرافعة النوعية المجانيّة للدفاع عن الحياة وعن حقنا في أن نحياحياتنا كما نريدها، ببداهة وحرية وسلام، وهو دفاع عن الروح والذاكرة الجمعيةوالهوية، دفاع عن الحبّ والجمال وعمّا في أعماقنا من موسيقى خفيّة وفرحس. برسم هذهالعبارة يمكن القول إن أكثر ما سيبقى منه هو قدرة نصّه الشعريّ على الاحتفاظ بصفاءصورة الشاعر في الذهنية الثقافية، تلك الصورة التي باتت تعتريها شوائب كثيرة من فرطزتهافت الشعراءس وبتأثير زالفوضى غير الخلاقةس في المنابر التي أمست تشكل السبيلالراهن إلى الانتشار السريع. واختصارًا للمواصفات فإني أقصد تحديدًا الصورة التييمكن استمدادها من إدوارد سعيد في وصفه للمثقف عمومًا، وأساسًا قوله إنّ هدف المثقفالمتوخّى هو اتشييد بنية ثقافية كاملة'، أولاً ودائمًا. إنّ البنية الثقافيةالمشيّدة هنا ترتبط بنصّ الشاعر وبهاجسه الوجوديّ. وتنهض على عنصر المعرفة، إمكانهاومصادرها وطبيعتها. وإنّ ما يلفتنا أكثر شيء هو إسهام درويش الخاصّ في شأن إمكانالمعرفة، ذلك الإسهام الذي يراوح بين القول بذلك الإمكان وبين الشكّ فيه. ولئن كانتوكيد إمكان المعرفة عادة ما يتبدى في نصّه عن طريق التجربة والخطأ، لا بمنأى عنإعمال العقل، فإنّ عنصر الشكّ فيه ينطلق من اتخاذه منهجًا للوصول إلى المعرفة، منجانب الشاعر. وبذا يدرأ النصّ الشعريّ عن ذاته وجع الارتطام بذلك الشكّ المذهبيّالذي يشكل الوسيلة والغاية في الآن نفسه، ترجيحًا لاعتماده كوسيلة لا أكثر
.
ومنالخطأ عدم الالتفات إلى حقيقة أن تجربة درويش لا تفتقر إلى ما يؤسس لهذا المشروع،منذ أرضه الأولى. وقد تكفي عودة سريعة إلى تلك الأرض لإثبات ذلك. ففي سنة 1961 نشردرويش أول زشهادة ذاتيةس له عن الشعر في مجلة زالجديدس الحيفاوية. وبمراجعة ما جاءفيها يمكن تأصيل مشروعه الشعري على قاعدة الحاجة إلى تجديد العلاقة بين الشاعرالفلسطيني، الذي بقي في وطنه، وبين كل ما هو أساس في الثقافة العربية والثقافةالعالمية. إنّ هذا الأساس يشكل لحمة المعرفة وسداها
.
إذا استعدنا جوهر الثقافة،وفقًا لبيير بورديو، فإنها أنساق (سيستامات) رمزية لها وظيفتان: الأولى- وظيفةمعرفية، حين يستخدمها الإنسان كأداة معرفية لبناء الواقع الاجتماعي بطريقة موضوعيةتعبّر عن منظومة معرفية تتألف من المدركات والمعاني والقدرات التي تمكن الفرد منفهم عالمه والتعامل معه. والثانية- وظيفة اجتماعية، حين تستخدمها القوى المهيمنةكأداة لفرض علاقات السيطرة الاجتماعية والسياسية في المجتمع
.
ومن الواضح أنّ فيتجربة درويش ما يشفّ عن انحياز صاحبها إلى ناحية الوظيفة المعرفية للشعر والثقافةعمومًا. وهو انحياز جعل شعره يكشف مكنونات اللانهاية
.
يا للخسارة! فاضل الربيعي (روائي وكاتب من العراق يقيم في سورية ) شكلت تجربة محمود درويش الشعرية من منظورالنقد الادبي اكبر تطور واهم تطور حصل في الشعر الحديث في العالم العربي قاطبة. لقدنقل محمود درويش الشعر دفعة واحدة من مجاله النخبوي ال مجاله الشعبي ولكن دون انيسقط بالشعبوية. اعط مذاقا جديدا للشعر العربي الحديث. مع تجربة محمود درويش لم يعدحت بالنسبة لأبسط الناس حت الاميين منهم يجادل حول اهمية الشعر العمودي وافضليته علالشعر الحديث او ان الشعر الحديث غامض وغير مفهوم ذلك ان شعر محمود درويش اصبح فيمتناولهم وبوسعهم ان يغرفوا من نبعه من دون اي احساس بأنه من عالم منفصل عن عالمهموكل ذلك لأن محمود درويش جمع بين القدرة الفذة عل التقاط ما هو شعري في الحياة وبينالاقتراب من الناس دون تكلف او تصنع
.
اليوم صباحا كان في منزلي نجار بسيط لايقرأ ولا يكتب وكان اثناء عمله يتابع تقرير الجزيرة عن موت محمود درويش وسمعته وهويردد بحزن: يا للخسارة مات محمود درويش وعندما سألته: وهل تعرف محمود درويش؟ قال: نعم. صحيح انني لا اقرأ ولا اكتب ولكن قصائده ترن ال الآن في اذني ثم قال: سجل اناعربي! الا يعني هذا ان محمود درويش تمكن من احداث اختراق هائل القوة والمعن بمعادلةالعلاقة بين الشاعر والجمهور. لا احد يجادل في روعة شعره وجمال صنعته ولا فيالتقنيات الحديثة التي يستخدمها ومع ذلك كان قريبا من نبض الناس لأنه كان شاعرالمقاومة بحق والبشر وهم يواجهون مصاعب الحياة يفهمون افضل من المثقفين معن كلمةمقاومة لأنها تعني لهم كل شيء ان يقاوموا الموت والجوع والنسيان والفقر والالم وهذاما جسدته تجربة محمود درويش. انه صوت عصرنا الجديد الذي سيصدح دوما في اناشيدالعودة وكأنه هو من سيقرع اجراسها وليس احدا سواه
.
بلاغة الموت صباح زوين (شاعرةومترجمة من لبنان) هل هذا هو سرير الغريبة الذي بحثت عنه يا محمود درويش؟ أم هوسرير الغريب، أنت الغريب عن الأرض وعن سرير طفولتك وأحلامك؟ ذهبت عن الدنيا وأنت فيسرير العمليات القاسية، ذهبت عن أحلامك وأنت في سرير الغربة، والغريبة كانت دائماًأحلامك عن أرضك القريبة البعيدة. وهل مت يا محمود في رمز الغربة أم في واقعها؟ هلمت لشدة رمزية علاقتك بالأرض، أرضك الأولى والأخيرة، أم مت لفرط ما تغربت عنها وآخرغربة كانت تكساس، كانت غرفة باردة في أحد المستشفيات البعيدة عن تراب أقدامك وشجرالزيتون والتلال والهضاب المتعرجة؟ ألا يدل السرير بذاته على المكان الحميم والسريللعشق، إنما يدل كذلك على المرض والعجز؟ سريرك في تكساس لم تتحمله فقررت الذهابعنا، أنت الذي لطالما بحثت عن سريرك، أنت الغريب في سرير الأفول، أنت الذي لم تأبَسوى أن تنقش القصيدة لوحةً أبدية على جدار الذاكرة، وبعد زوال الجسد، لن تبقى سوىقصيدتك التي حفرتها عميقاً في جدارية أرضك المتغربة أو التي غربت عنك غصباً أنتالدائم الغربة، والذي مع ذلك حاولت ألا تغرب. إنما هذه هي أصول العشق يا محمود ،العشق للأرض الذي حملك إلى رؤية السر والسريرة في قصيدتك المتغربة والعاشقة. وعشقكلا يُحصر ضمن حدود الحب المادي والمباشر، بل يتجاوز تلك الحال إلى بلوغ الصوفيةالصرفة؛ أليست الصوفية وقبل كل شيء عشقاً غريباً وسرياً، والسرير هو مكان سريةالعشق وسرية المرض؟ أنت مرضت عشقاً بالأرض الغريبة ثم مرضت حزناً على الأرضالمتغربة، ولم يبق لك سوى أن ترى في الرحيل خلاصاً لمعضلة الكلمات التي نهشت جسدكوروحك كما الغربة التي نهشت معنى أرضك. ألم تتوجه إلى الله بهذه الكلمات وأنتالراغب في الانتهاء : اإذا كنت آخر ما قاله الله لي، فليكن نزولك نون الـبأناب فيالمثنىب. ا حلمت بأنك آخر ما قاله الله لي حين رأيتكما في المنام، فكان الكلامب. هلحبك للكلمة هو الذي أخذك في غفوتك الأبدية على سرير المرض وأنت الذي حلمت بسريرالعشق لتلك الأرض الغريبة والحميمة، تلك الأرض المعلنة والسرية، تلك الحالةالثنائية التي تراها أمام ناظريك؟ وهل أردت الرحيل عن واقع الأرض إلى الحلم بها عندالله وفي غربة السماء؟ هل الغربة التى أنشدتها هى حدسك بالأفول، أفول جسدك لتبقىأنت في سرية السرير الأول، حيث حلمك الذي لم يكتمل؟ هل أصبحت اليوم في قلب االنونبوهل بلغت اليوم آخر الكلام، أي، منتهاه؟ اهذا هو اسمك، قالت امرأة، وغابت في الممراللولبي. أرى السماء هناك في متناول الأيدي (...) واللاشيء أبيض في سماء المطلقالبيضاء. كنت ولم أكن (...) أنا وحيد في البياض (...) عزفت عن جسدي وعن نفسي لأكملرحلتي الأولى إلى المعنى، فأحرقني وغاب. أنا الغيابب. اأنا الأولى، أنا الأخرى،وحدّي زاد عن حدّي وبعدي تركض الغزلان في الكلمات لا قبلي ولا بعديب. الا أُحِسُّبخفَّةِ الأشياء أو ثقل الهواجس. لم أجد أحداً لأسأل: أين اأينيب الآن؟ إني مدينةُالموتى، وأين أنا؟ فلا عدمٌ هنا في اللا هنا... في اللا زمان، ولا وُجُودُ وكأننيقد متُّ قبل الآن... أعرفُ هذه الرؤية وأعرفُ أنني أمضي إلى ما لست أعرفُ . رُبَّماما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأعرفُ ما أريدُ
'.
أبلغ من أن أقول أنا عنه ،الشاعر هو الأبلغ وقالها قبل أن يرحل. أي بلاغة هي بلاغة الموت هذه، بلاغة الرؤياقبل أوانها وكأنها في أوانها. إنها رحلة الدرويش الدوّار الذي توصل إلى مخاطبةالموت بلغة القلب في سدى التاريخ وسدى الحياة. مخاطبة الموت في مواجهة الأناالحاضرة الغائبة، الغريبة والراكضة كالغزلان في مروج القصيدة الخالدة. نعم ، قدتتساءل اليوم أين أنت، لكنك قلت إنك تعرف وإنك حيّ. لا تزال كلمتك هنا، وهي ستمضيإلى حيث تعرف، ولا تخف عليها. إنك اليوم الواحد وليس المثنى، والبياض يلفك إذ هومكانُ منتهى الحضور
.
نهايةً، إذا استوقفني كثيراً الكلام على السرير، مستوحية منكتابك اسرير الغريبة'، فلأنك غادرتنا على أحد الأسرة الغريبة
.
مكانة تاريخيةهاشم شفيق (شاعر من العراق يقيم في لندن) الشاعر الفقيد محمود درويش كان من الشعراءالكبار الذين لا يتكررون عل مد قرون طويلة فهو يمكن ان يوصف بالمتنبي وابي تماموابي العلاء المعري فهو من هذه السلسلة الكبيرة التي سيخلدها العصر والتاريخ علمرور الازمنة
.
محمود درويش سيبق بالتأكيد حيا مثل هؤلاء الكبار يعيشون بينناويضيفون برؤيتهم الثاقبة مسارات جديدة للقادمين من الاجيال الجديدة
.
شعر محموددرويش لا يمكن حقا ان يوضع في خانة محددة فهو شعر انساني وشمولي وفيه معان كبيرةودلالات عميقة جسدها بشكل ازلي مما بوأه هذه المكانة التاريخية للشعر العربي الحديثوالمعاصر
.
محمود درويش ليس شاعرا كبيرا فقط بل كان انسانا كبيرا وصديقا عظيماللشعراء من الاجيال التي لحقته. كانت تربطني به علاقة حميمة وجميلة منذ تعرفت عليهفي بغداد عام 1976 عندما جاء لأحد مهرجانات المربد وظلت علاقتي به متميزة وجيدة، حتحين اقامتي في بيروت كنت اتردد عليه في مجلة االكرملب واعطيه قصائدي وكان يأخذهاوينشرها دائما في المجلة وكان يبدي ملاحظات عل الشعر والشعراء وكانت له رؤية ثاقبةوعميقة في الشعر المكتوب والمعاصر الحديث. وتكررت لقاءاتي مع محمود في باريس وفيعمان عندما كنت ازورها آخر مرة التقيت به في عمان ودعاني ال غداء وكان معي الشاعرطاهر رياض وذهبنا ال مطعم خارج عمان واحتسينا الشراب الابيض الذي كان يفضله. كنتعائدا من كردستان وكنت احمل هدية له وهو مزمار كردي وأحبه وعزف عليه قليلا لأننيكنت اعرف انه يحب هذه الآلات الموسيقية الرقيقة. التقيت محمود في القاهرة اثناءمهرجان امل دنقل وكنا دائما نلتقي عل العشاء والغداء والقينا في امسية واحدة وكانمتواضعا حين وضع اسمه في آخر القائمة ووضع اسمي في اول القائمة وكان ذلك تواضعاكبيرا منه بالنسبة للشعراء الجدد واللاحقين عليه، وما كان يعزل نفسه او يعطي نفسهميزة تضعه في خانة اخر بل كان مندمجا مع الشعراء وكان يسهر ويتفكه وينكت وكان جميلابكل معاني الكلمة. وكنت اتصل لأطمئن عل صحته بين الفينة والاخر ومرات كنت اكتب عنهوآخر مرة كتبت عنه مادة سميتها ابورتريه لمحمود درويشب وعن ديوانه اجداريةب الذيانتصر به عل الموت وحقق مسألة الازل
.
مات وترك لنا الموت لنجربه غسان جواد (شاعروصحافي من لبنان) مات محمود درويش، خبر عاجل على التلفزيون: اوفاة الشاعر الفلسطينيمحمود درويشب.. للوهلة الأولى أحاطت الصدمة المكان ولفّت أرجاء كياني. لم يكن محموددرويش صديقاً، التقيته مرّات قليلة وأجريت معه حواراً تلفزيزنياً واحداً، لكن لاأعلم لماذا شعرت بخسارة شخصية كأنما الخبر متصّل بأحد أفراد أسرتي
.
هل الشعررابطة دم وقرابة؟ لماذا رجفت أصابعي ويداي وقلبي حين عرفت النبأ؟ أظنني راهنت علىالشعر، كنت أعرف أن محمود في حالة حرجة وأجرى عملية جراحية، وأنها نجحت ثم سرعان ماتدهورت حالته، لكن لم يتبادر لذهني لحظة أنه قد يموت. الأرجح أني ظننت الشعر تعويذةضد الموت، وحجاباً في وجه ملاك القبض على الأرواح، وأي شعر؟ شعر الوطن والبندقيةوالحب والحرب والحصار والأمل والفرح فوق جثة الألم والمصاب، شعر أحمد العربي، وتلالزعتر وحاصر حصارك.. شعر الجدارية ولا تعتذر عما فعلت، وأحد عشر كوكباً، ولماذاتركت الحصان وحيداً، وأي كتابة؟؟ أثر الفراشة وكزهر اللوز أو أبعد، وحالة حصار. ماتعاشق من فلسطين ولم يحجبه الشعر عن قبضة الموت. يموت الشاعر ولا ينتظر منا أننرثيه، لقد رثى قبلنا شعراء وتحدّث عن أثرهم الأدبي والفني.. ثم ماذا؟ لحق بهم لكييأتي آخرون ويكتبوا عنه وعن الأثر الذي تركه في الحياة من شعر وأدب ولعب باللغةومفرداتها.. موت الشاعر، يا لها من لعبة مملة ومضجرة، يا لها من تسخيفللحياة
.
أن يموت محمود درويش يعني أننا جميعنا سنموت، لقد سبقنا فقط، وترك لناكتبه وبعض الضحك والمصافحات والأمسيات.. ترك لنا الموت كي نجربه بدورّنا
.
إغفرلنا أننا سنعود بعد قليل إلى أنفسنا ناقصين فادي عزام ( كاتب من سورية) 1- اليومفقط تم احتلال فلسطين، أنجز احتلال فلسيطن بموت محمود درويش. بحقيقة موت محموددرويش اكتمل فقدان فلسطين، هذا ليس مجازا يفرضه رحيل درويش، ليس مرثية لشاعر وانسانعرف كيف يعلمنا جميعا معنى أن ننتمي لفلسطين دون كلمات كبيرة وثورة حتى النصرونرتهن لخطاب مناور مُفخم متخم بالصراخ والضجيج وفقير بالحب والاحتفاء بالذي لايموت
.
2-
لا يمكن أن نرثيه لا يمكن أن نبكيه لا يمكن أن نقر برحيله لا يمكن أننصدق آخر قصيدة إنه هناك في عتمته الباهرة سيعود إلينا حاملا دهشة أخرى يصفعنابورده وأقماره الحليبية وحديثه عن أنثى عبرت به قبل قليل. في موت درويش نحن منيستحق الرثاء. 3- لم نكن نملك سوى فيروز وضوء قمري غامض والرغبات السرية بأن نكونأحرارا وقصائد درويش وأشرطة مرسيل خليفة والشيخ امام، كان محمود صديقنا يجعلنانلتقي بسرعة نطل من كلماته على شرفات الوقت ونجلس في فوهتة ونلعب بألوانه، كاندرويش يجعل من حياتنا أقل وطأة وأكثر بحبوحة واتساعا، كان محمود حاضرا أبديا وسطركامنا كوشم سري يقول لنا دائما فوق هذه الأرض ما يستحق الحياة . 4- رقش عبد الرزاقشبلوط جدارن غرفته في الدويلعة بشتاء ريتا الطويل، كلمات درويش هي ما كانت تهطلعلينا، كلما اختنقنا نتنفسه، وكلما أصيب القلب بعطب نتبلسم بكنوز الحب نبحر معهنتزود منه كي نقول ما لا يقال نتعلم منه معنى الاحتفاء ببدايات الحب، ونهاياته معنىأن نكون مناضلين ثوريين يساريين أصحاب قضايا عادلة يعني أن نعرف كيف نحب أولا. كاندرويش معلم الحب الأول وشاعر الحب الأول. 5- أن أسمع من سعاد في باريس خبر موتدرويش، لم يكن مفاجأة. كان عبد الباري عطوان قد باح لنا منذ شهر بذلك. يومها تذكرتشاعراً من شباب فلسطين عندما دخل محمود في عمليته الأولى كتب (يا الله دع لنا محموددرويش). نعم ماذا بقي لفلسطين وآخر الرحلين محمود درويش بعد رحيل ادوارد سعيد؟الفلسطينيون اليوم أصبحوا فعلا أيتاما. قالت سعاد لي لا أصدق أن المتعة الوحيدةالمتبقية لي في الحياة قد صودرت مني اليوم، لا أصدق أنه لم يعد هناك ديوان جديدلدرويش سأنتظره. في يوم موت محمود درويش لا أجد سوى عبارة تأبينه لإميل حبيبي ( إغفر لنا أننا سنعود بعد قليل إلى أنفسنا ناقصين). 6- (وهو الآن في غيابه، أقلموتاً منا، وأكثر منا حياة) هذا ما قاله درويش في أربعين الماغوط. هل كان يرثي نفسهفي كل الشعراء الذين سبقوه؟ هل كان يعرف أننا في غيابه سنكون أكثر موتا منه وأقلحياة منه هو من لم تتسع له الأرض فحجز موعدا نهائيا مع التاريخ والمستقبل مع الغيبوالسماء ليقربنا منها أكثر ويكتب عنا ولنا من هناك؟ 7- حاور الموت وحوّله إلى شيءأليف خفيف مثل سحابة تمر فوق الجليل، هذا العاشق من فلسطين هو من قال (الحب مثلالموت وعد لا يرد ولا يزول) هذا العاشق السرمدي الأبهى والأجمل والأنقى دمغنا نحنجيل ما بعد هزيمة 67 بلوثة لن ننفك منها أبدا، نحن جيل محمود درويش لسنا جيلالهزيمة لأننا استطعنا رغم كل السود أن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا ونحبونعشق الحياة ونغنيها وننحاز للحياة كما وصفها وكتبها ورواها، نحن جيل محمود درويشلم نحزن حين كتب الحصان ليس وحيدا ولم نقل درويش تغير بل شعرنا كم نحتاج نحن أننتغير ولا ننهزم مرتين، وأخذنا من سرير الغريبة زوادتنا للسنوات العجاف وأحببناريتا بمقدار ما أحببنا البندقية ولم ننس أمهاتنا ولم نحترق لنضيئهن ونأخذ مهنتهنالجميلة، نحن جيل ما بعد الهزيمة ننتمي لمحمود درويش العاشق أولا المحب أولاالانسان أولا ثم المناضل لأنه بدون أن يكون المرء محبا وانسانا وعاشقا لا يستحق أنيكون مناضلا. 8- لن تقرأ هذه الكلمات. لا اريد أن أقول أحبك فأنا لم ألتق بك سوىمرتين، مرة كنت برفقة خمسة عشر محباً آخر في ملعب الجلاء في دمشق، كيف استطعت يادرويش أن تجعل الابرة تسمع رنتها قبل أن تبدأ بالكلام؟ كيف حج الناس في دمشقليحددوا موعدا مع عاشق دمشق الأنبل؟ كيف تفقدك السحب الخفيفة في الشوارع القديمةوهي تسير حافية حافية فما حاجة الشعراء للوزن والقافية، تتبع رائحة كلماتك وأنتترتل في دمشق تتنفس دمشق مثلما تنفست فلسطين وبيروت. أكاد أجزم وأكاد أعرف لماذاأوصيت الأطباء أن لا يجعلوك تعيش على التنفس الاصطناعي. 9- وداعا يا درويش نقبلكونبكي أنفسنا. درويش الشعراء وليُّهم سامح كعوش (شاعر فلسطيني من لبنان) محمود يادرويش الشعراء، ووليهم، يا مطر فلسطين على صحراء العرب لتخضرّ بالشعر أو لتنطفئنجمتها الأخيرة، وتوق العرب يحتضن الزهر في مرابع فلسطين لتتحرر بأحمر الشوق الغالبعلى قوانين الحدود وقيودها، وينجرح بالسلك الشائك يحاصرك بدمعتين ومليون مفردة لايكتبها إلا قلمك
.
الماذا تركتنا وحيدين كحصان أبيكب يا محمود، يا سليل أبيك ولاأحد سواه، يا يتيم الأمة في اغترابك وغيابها إلا عن قليل أمل وكثير ألم، ولماذاتتبعت اأثر فراشتكب لتحترق بنارها ونور الشعر؟، أيها الحاضر اليوم وغداً كما أنت،وكما كنت، أيها الشاعر حقاً في شكل شعرك الواقف كالرصاصة في لحم القصيدة، تجرحهالتشبه فلسطين، وتكونها
.
ها أنت الآن أكثر وضوحاً وصراحةً من قبل، ها أنت الساطعتماماً كهذا الصباح الوحيد، في عتمة القلب، وقلة حيلة الشعراء، في قولك السؤال: اماحيلة الشعراء يا أبتي غير الذي أورثت أقداري إن يشرب البؤساء من قدحي لن يسألوا منأي كرمٍ خمري الجاريب
.
نعم لا يسأل الذين يقرؤونك من أي كرم أتيت بعنب شعرك،لكنهم يعلمون تماماً أنك ابن طولكرم، ونابلس، وجنين، والقدس، وكل فلسطين، وطول هذاالكرم امتداد لمسيرة الشعب العربي محتفياً بحضورك الساحر، المشاغب، الراغب، المثيرللدهشة حدّ الانهمار
.
ولأنك كتبت بالنار، يا فينيق فلسطين، لم يعطوك حيزاً فيانوبلب كرمهم، ولو أنك جحدت فضل النار لكرّموكَ وعظّموك وبكوْك طويلاً، كما نبكيكالآن نحن الأيتام واللئام من الشعراء العرب الحاسدين والمحبين لك، أيها الرائع أنت،والجميل أنت، والنبيل أنت، ولا يكفيك انهمار الدمع ولا سخاء الكلماتالعابرة
.
نعم وأنت القائل والكاتب والماثل كأنك الآن: الملمتُ جرحكَ يا أبيبرموش أشعاري فبكت عيون الناس من حزني، ومن ناري وغمست خبزي في التراب وما التمستُشهامة الجارب
.
ها أنت الآن تغمس جرحك في جراحنا لتنكأها، لتغسلها بملح بحركالبعيد، حبرك على جدران المدن الهاربة منك وأنت تعدّها، واحدةً فواحدةً فواحدةًكأنها تتزوجها، تعاشرها، تعاقرها خمرة شعرك ونبيذ دمك الفلسطيني المسفوك يومياًكأنه فرض صلاة. ها أنت الآن تغمس خبزك في الموت، صديقك منذ سنوات تنبئنا بقربه منكحدّ التوحّد بك، كأنك كنت تعلمه وتتعلم منه، قبل قليل قلت: اأعلم أن الوحش أقوى منيفي صراع الطائرة مع الطائر، ولكنني أدمنتُ، ربما أكثر مما ينبغي، بطولة المجاز'،نعم أيها الجميل أدمنت وأدمنّا هذا النوع من البطولات، حتى موتك الآن يأتي مجازاً،كأنه غيبوبة قليلة، لا تطول، أو هو الذهاب في رحلة المسافر ننتظر عودته القريبة، أوهجرة الطائر جنوباً ليعود مع الربيع، لتعود إلينا وتبقى، وتبقى، وتبقى.


نور 08-25-2012 06:09 PM

رد: محمود درويش
 
بيت الشعر الفلسطيني: سلام على روحك ايها الشاعر
مثل قمر نحاسي يسقط في مرايا البياض ولجة الغياب ... يرحل الشاعرمحمود درويش تاركاً للشعرية الفلسطينية والعربية والانسانية تراثاً مكتظاً بالايقاعالعالي والرؤيا الناجزة .. كيف لا وهو قمّاش اللغة ومروّض خيوطها الجامحة.. برحيلهنفتقد روحاً وثّابة، أقل سماتها الانتباه الجمّ.. والتوتر الكامن في زوايا الكلاموحقول القصـــيدة التي حرص محمود درويش على تعشيـــــبها منذ كرج يافعاً على حفافيالبئر الى آخر نظرة رشق بها البلاد باعتباره لاعب النرد والأكثر دربة ودرايةبالقوانين الشعرية وسياق الجماليات.من حق معشر الشعراء أن يرفعوا الرثاء إلى أعاليالندب.. ومن حق البلاد أن تشيّع الشجر الثاكل الذي أعول على رحيل سادن الشعرالفلسطيني.. والمنشور الجماعي لبلادنا..
محمود درويش.. نقطة الضوء العلياالشاسعة وجمرة الشعر الواسعة بحجم فلسطين.. وماؤنا الشعري الثقيل الذي أوصل فلسطينالى العالم حرّة ومعافاة وعصية على الانكسار والرضوخ
.
إنه محمود درويش الاسمالحركي لفلسطين والمغني الجوّال الذي حاس في المنافي والمغتربات وأسطر حكاية شعبناالعظيم وقال مقولته الأكيدة والناجزة في الدفاع عن الجماليات والسياقات العفيةوالنقية في الخطاب الثقافي الفلسطيني العربي
.
وانفتح بقلب الشاعر على الانسانيةليحقق حضوراً استثنائياً ومختلفاً، فاستحق بجدارة واقتدار أن يكون مغني بلادناالعالية الذاهبة الى أفق الحرية والتحرير سلام على روحك ايها الشاعر حتى ترضى سلامعليك يا سيد الوقت سلام عليك يا صاحب الكلام نداء من أجل أن يدفن محمود درويش فيالجليل وجّه مجموعة من أصدقاء الشاعر الكبير محمود درويش هذا النداء: في هذهاللحظات المليئة بالأسى، ونحن نودّع شاعرنا الكبير محمود درويش، نرى الحزن مرسوماًعلى خريطة فلسطين، ونشعر بفداحة الخسارة التي جاءت تتويجاً لزمن الخسارات الذينعيش
.
هذا النداء موجه الى أهلنا في فلسطين، الذي كان درويش وسيبقى شاعر الحلموالمعنى في أرضهم. وهو نداء يتعلق بحقّ شاعر الجليل في أن يعانق أرض الجليل ويستريحفي المكان الذي شهد ولادته الشعرية، وملأ قصائده بعطر اللوز والزيتون
.
يحق لابنالجليل وشاعره أن يدفن في أرضه، ويجب أن لا يقوى أحد على منع هذا الفلسطيني العظيممن العودة الأخيرة إلى بلاده
.
هذا نداء موجه إلى الجميع، كي نعمل معاً من أجل أنتستعيد الأرض جسد كلامها، الذي صار شعراً عظيماً كتبه شاعر عظيم
.
التواقيع حناأبو حنا، محمد برادة، سليم بركات، محمد بكري، عباس بيضون، صبحي حديدي، مارسيلخليفة، الياس خوري، سهام داود، رمزي سليمان، أنطوان شلحت، أنطون شماس، ليلى شهيد،الياس صنبر، فواز طرابلسي، محمد علي طه، طه محمد علي، فاروق مردم، محمد نفاع



معاناة الموت الفلسطينيون مع موتهم!
فيلم 'ظل الغياب' للمخرج نصري حجاج:
محمد منصور
2008/08/09
'ظل الغياب' عنوان يحمل في طياته صبغة أدبية موحية، قد يصلح لقصة أورواية أو حتى قصيدة شعر... لكن عندما يحمل اسم فيلم وثائقي يوقعه المخرج الفلسطينينصري حجاج، فلا بد أن يأتي مشحوناً بتراجيديا الشتات الفلسطيني، والعذاباتالفلسطينية التاريخية، التي تتخذ أشكالا عديدة لتلك الحياة الموزعة بين المنافيوبلدان اللجوء، وبين أرض الوطن المسورة بالحرمان من حق العودة... اللافت والمثير فيفيلم نصري حجاج 'ظل الغياب' الذي شارك في مهرجانات عدة هذا العام، أنه أراد أن يلقينظرة على معاناة الفلسطيني مع الموت وليس مع الحياة فقط... على معاناة البحث عنقبر، وعن ملاذ أخير، وعن حفنة من تراب الوطن! فالفيلم أراد أن يقارب رثاثة وقسوةالحياة، من خلال متابعة مصائر الموتى، ومعاناتهم مع موتهم، ومع استصدار تراخيصوموافقات دفن، تبدو عسيرة حيناً، وغير خاضعة للمعيار الإنساني أحيانا أخرى... وذلكعبر تتبع لحظات موت شخصيات شهيرة، مختلفة المواقع، متنوعة المنافي، لكنها متوحدةالهوية والمصير... فحيث تكون الهوية (فلسطيني) يختلط المأساوي بالساخر... وألمالفقدان بألم الحرمان من العودة إلى الوطن... ولو في كفن! سيرة ذاتية للموت! ينطلقنصري حجاج من قرية (الناعمة) في فلسطين التي غادرها أهلها في نكبة عام 1948، يعودإليها في رحلة يكتشف فيها وطنه، ويكتشف طعم ونكهة ولون فلسطين... يقول عن نفسه إنه (خليط عجيب من الذكريات والأفكار والحنين والشقاء الذي ينبت في مخيمات اللجوء) ورغمأن قرية الناعمة هي موطن الأهل والعائلة، والذكرى الحارقة التي ظلت تتردد علىألسنتهم واحداً إثر آخر وهم يحلمون بالعودة إليها، فإن نصري حجاج، لم يعرف (الناعمة) إلا وهو مترع بألم المنافي... فقد ولد في مخيم (عين الحلوة) في صيدااللبنانية... ثم عرف منفى آخر بعد هذا المنفى، حيث خرج إلى تونس بعد خروج المقاومةالفلسطينية من بيروت! يتقصى نصري حجاج في هذا الفيلم السيرة الذاتية للموتالفلسطيني، يتتبع في بحث واستقصاء دائبين قصص الكثير من المناضلين والكتاب والشعراءوالقياديين والزعماء الفلسطينيين، الذين كان هاجس القبر يكتب لهم مأساة أخرى، ومنفىآخر... المناضل أنور شحادة الذي تزوج من فيتنامية، وعندما مات كان أقصى ما ناله أنيدفن في مقبرة للمناضلين الفيتناميين ضد الأمريكان... لتعذر عودته إلى تراب وطنه... رسام الكاريكاتير ناجي العلي، الذي اغتيل في لندن عام 1988 وتعذر دفنه حتى في مخيمعين الحلوة، المنفى الأول، بسبب الأوضاع الأمنية حينذاك فقررت عائلته دفنه فيلندن... القيادي البارز خليل الوزير، الذي اغتاله الموساد في تونس، ودفن في مقبرةالشهداء في مخيم فلسطين، الشاعر معين بسيسو الذي دفن في القاهرة... وأخيراً وليسآخراً الرئيس ياسر عرفات، الذي رفضت إسرائيل رفضاً قاطعاً، دفنه في القدس حسبوصيته، فتم دفنه في حديقة المقاطعة في رام الله، ووضع في صندوق محكم من الإسمنتليسهل نقله ودفنه مرة اخرى... كما تم إحضار تراب من داخل الحرم القدسي الشريف ونثرهفي قبره... هذا في الوقت الذي قامت إسرائيل بنقل رفاة أولاد هرتزل مؤسس الحركةالصهيونية، من فرنسا كي يدفنوا في فلسطين، وسمحت للشاعر راشد حسين الذي توفي فيالولايات المتحدة بالعودة للدفن في فلسطين، فقط لأنه دخل أمريكا بجواز سفر فلسطيني،واستطاع محاموه أن يستصدروا له قراراً بالعودة كي يدفن هنا! نفسية اسرائيل المريضةويركز نصري حجاج على الحالة النفسية الصهيونية المريضة التي تمارس إزدواجيتها علىأكثر من صعيد... تمنح لليهود حق الدفن في فلسطين، حتى لو لم يكونوا من سكان الكيانالإسرائيلي، وتحجب هذا الحق على الفلسطينين الذين ولدوا وعاشوا هنا... أكثر من ذلك،تحتفظ برفات المناضلين والشهداء الذين سقطوا في مواجهات معها، وتدفنهم في مدافنخاصة بمن تسميهم (المخربين) ربما لتتذكر إنجازاتها في زيادة عدد الضحايا! صوروحكايات كثيرة يتابعها نصري حجاج بالحاح وجداني عل الامكنة وعل المسافات وعل تكثيفرقعة الشتات... صور عن الموت الفردي وعن موتى المجازر... فجامع مخيم شاتيلا، تحولإلى مقبرة جماعية في حرب المخيمات... وضحايا مجزرة تل الزعتر، أخذ أهاليهم اذونا منقتلتهم كي يسمحوا لهم بإحضار جرافتين لحفر قبر جماعي لأولادهم وذويهم... إنه ظلالغياب الفلسطيني الذي يذهب بعيداً في أقاصي الأرض... يتوزع على المنافي... ويسكنالقارات... ويهاجر إلى آخر نقطة في رحلة الاغتراب والشتات... فلو أراد الفلسطينيونأن يلملموا رفات شهدائهم... كم وطن سيحتاجون كي يعبروا إلى الوطن... وكم منافسيعبرون كي يقتربوا من القبر الذي يشتهون؟! تراجيديا شعرية وجماليات أخاذة يقدمنصري حجاج كل هذا الكم من الرصد المعلوماتي الموثق والحافل بكم كبير من التنقلاتوالمسارات عبر سرد حميمي، يكتبه بلغة أدبية راقية، معبرة بلا إنشاء، عميقة الأثربلا افتعال أو تهويل... ويعلق على الفيلم بصوته ذي النبرة الدافئة المتأرجحة بينالذاتي والموضوعي فيذهب المشاهد معه في سوية أدبية تكاد تصنع عالما موازيا لعالمالصورة الأنيقة التي ينساب حزنها عبر مكونات بصرية وجمالية أخاذة. يستعين نصري حجاجبأشعار محمود درويش كي يستكمل هذه التراجيديا الشعرية التي يصوغها نصا وتعليقاوصورة... وتحضر هنا قصيدة 'لا تعتذر عما فعلت' لتضيف للفيلم شحنة تعبيرية متسقةتماما مع سياق الفيلم وأدواته: لا ينظرون وراءهم ليودعوا منف فإن أمامهم منف لقدألفوا الطريق الدائري فلا أمام ولا وراء ولا شمال ولا جنوب يهاجرون من السياج الالحديقة يتركون وصية في كل متر من فناء البيت: 'لا تتذكروا من بعدنا الا الحياة...' إن فيلم 'ظل الغياب' بفكرته الجديدة غير المسبوقة التي تنفذ إل اشواق الحياة منخلال معاناة الموت... وبرؤيته الفكرية والانسانية المرهفة وسويته الفنية الراقيةوتكامل عناصره يشكل اضافة هامة لمكتبة الافلام الوثائقية الفلسطينية ولروائع هذهالأفلام عل مر سنوات طوال.
ناقد فني من سورية mansoursham@hotmail.com


نور 08-25-2012 06:10 PM

رد: محمود درويش
 
قف الآن محمود!
غازي القصيبي الحياة - 12/08/08//
وجدت، إذن، أن للموت رائحةً..
مثل قهوة أمك.. تغسل من بركة الشعر
في الروح.. أوضار ذاك المكانْ
وجدت، إذن، في سرير الغريبة..
وصل الأمانْ
سكتَّ، إذن، بعد أن نزفت كلماتك..
وهي تعالج قفل القلوب التي صدئت.. والقلوب
التي تنتشي بالهوانْ
إذن، أنت تركض خلف الفراشة طفلاً..
تجوب الترابَ.. وترجع غض الرجولة..
تمنح فجر فلسطين لون الشقائق..
ترجع ممتشقاً سيف شعرك..
زهوَ الحصان!
* * *
قف الآن محمود! نشهد بأنك ما خنت
دارك... والبعض خانْ
ونشهد بأنك كنت تحارب حتى
النهاية... والغير خانْ
ونشهد بأنك قدمت قلبك في
مذبح الشعر... والكل خانْ
وشاعرنا كنت...
أشجعنا كنت...
أصدقنا كنت...
ما قلت إن الهزيمة عرسٌ..
وما قلت إن الفناء حياةٌ..
وما قلت إن ارتشاف القذى عنفوانْ
قف الآن محمود! لا بد من كِلْمَةٍ في الوداع..
تقول لأمك إن فتاها البهيّ الوسيم.. غدا
الآن طفل الزمانْ
قف الآن محمود! وانظر تر الورد ينبت
من كلماتك يصبغ قبرك..
ترب فلسطين..
ترب العروبة..
بالأرجوان

هاسميك بابيان في بعلبك ... ليتها أنشدت حتى الصباح
بعلبك (لبنان) - جاد الحاج الحياة - 11/08/08//


غنت هاسميك بابيان في بعلبك أول من أمس بعد سلسلة إداءاتها الناجحة لأوبرا «نورما» التي انطلقت بها مصادفة في أمستردام عام 2005 حين حلّت مكان السوبرانو الرومانية الأصل نيللي ميرسيوي، وإذا بها تصعق النقاد والجمهور متنقلة بـ «نورما» معاصرة بالغة الرقة والحيوية حول العالم. الا أن برنامج مهرجانات بعلبك لهذا الموسم لم يلحظ أهمية تضمين اللقاء بهاسميك مقطعاً من «نورما» ولو على سبيل تسجيل التحية لأنجح ما قدمته في مجال الأوبرا حتى اليوم.
http://www.minfo.gov.ps/Desktop/Hasm...jpg_440_-1.jpg


في المقابل احتوى البرنامج شقين: الأول مقاطع من أوبرات غير مألوفة لدى الجمهور العريض، والثاني بالعكس تماماً.
قلة من الضالعين بأعمال هاندل الأوبرالية يعرفون «ألسينا» التي قدمت للمرة الأولى في ليبزيغ عام 1728، ثم توارت وراء الكواليس حتى مطلع الستينات من القرن الماضي، حين قرّر المخرج الإيطالي الكبير فرانكو زفيريللي بعثها مرة اخرى لشغفه بالأجواء السوريالية المليئة بأشجار ونباتات تتكلم، ناهيك ببطلة شريرة تلقى حتفها في النهاية.
وعلى رغم براعة السوبرانو الأسترالية جوان ساذرلاند في إنشاد وتمثيل دور ألسينا يومئذ، قلما لاقت هذه الأوبرا شهرة او رواجاً جديرين بالملاحظة. الا ان هاسميك بابيان افتتحت امسيتها في بعلبك بمقطع من «ألسينا» في هدوء الواثقة من قدرتها على تبليغ أعمق المشاعر لسامعيها فإذا بإدائها الجامع بين الرقة والاحتراف يحرق المراحل ويتجاوز النأي التاريخي في سهولة وسلاسة مذهلتين.
أوبرا «ايدومينو» لموتسارت شكلت اولى نجاحاته الكبرى يوم قدمها في النمسا عام 1712، لكنها لم تحرز تقدماً في التداول والاستمرار حتى أواسط القرن العشرين بعدما خضعت لجراحات تجميلية عدة. وهي في الأساس مبنية على اسطورة لاحقة للحروب الطروادية تمتزج فيها حكاية عوليس الغائب العائد بالصراع على السلطة بعد استتباب الأمن وسط عواصف بحرية وعاطفية أحالت قلب اليكترا الى جمر حارق.
أنشدت هاسميك بابيان في وصلتها الثانية سخط اليكترا على القدر الغاشم الذي سلبها حبها وتركها وحيدة فيما جزيرة كريت برمتها تحتفل بحلول السلام، وجاء الانتقال الأسلوبي من تأملية هاندل الى التشكيل التعبيري المعروف عند موتسارت ليوضح أن القوة المركزية في صوت هاسميك وأدائها تكمن في قدرتها على التلوين الدرامي والشحن العاطفي، إما للتعويض عن حدود تصعيدها الصوتي أو للتركيز على أهمية التراجيديا في ما تقدمه من مقاطع. ويأتي المثال الأبلغ عن هذه الموهبة في المقطع المختار من أوبرا «روبرتو ديفيرو» لدونيزيتي وقصتها مأخوذة من أروقة البلاط البريطاني حيث تختلط عواطف الحب بشهوات السلطة ومآسي الغيرة. أبصرت هذه الأوبرا النور عام 1837 ونجحت في ليشبونة وباريس خلال السنوات القليلة التالية ثم غابت حتى عام 1964 حين جرى تقديمها في نابولي بحلة جديدة.
من أعمال روسيني اختارت هاسميك آخر أوبرا كتبها بعنوان «ويليام تيل» بناء على مسرحية بالعنوان ذاته للشاعر الألماني فريديريتش شيلر وجرى تقديمها للمرة الأولى في ليشبونة عام 1838.
وكمثل الأعمال الثلاثة المذكورة قلما عرفت رواجاً شعبياً يذكر بسبب طولها (4 ساعات) واحتشاد مشاهدها بالكومبارس علماً أنها خضعت أيضاً للتشحيل والترجمة الى الفرنسية والإيطالية، وطالما تناقض موضوعها مع الظروف السياسية، خصوصاً في إيطاليا كونها تروي حكاية فنان ثائر على السلطة، هارب من الشرطة، يلجأ الى كنيسة... مما غيّبها حوالى نصف قرن فلم تظهر مرة أخرى حتى 1856 ولم تتحول الى عمل جوال قادر على تخطي محيطه الأوروبي في أفضل سنواتها اللاحقة.
من مقاطعها الأكثر عاطفية أنشدت هاسميك «لم يعد لحبنا أمل» وكان استسلام الجمهور لها قد استتب وعبقت جدران باخوس بقوس قزح من التواصل الحميم بين الإصغاء والإنشاد.
«قوة القدر» عنوان الأوبرا الأقرب الى ذاكرة الجمهور العريض وهي من أجمل أعمال فيردي، حملت في بداياتها عنوان «دون ألفارو أو قوة الخطيئة» وعرضت في سان بطرسبورغ عام 1862 بعد تعديلات بسيطة. لكن التعديلات على هذه الأوبرا لم تتوقف طوال القرن التاسع عشر علماً أن موضوعها مكرر يدور حول ممانعة عائلية لحب سرعان ما يتحول الى مأساة حين يقتل العاشق المرفوض والد حبيبته في لحظة انفعال شديد... أنشدت هاسميك من الفصل الأخـير مقطعاً مؤثراً منها عنوانه «أعطني السلام يا رب» قبل ان تنحني في لباقة شفافة لتصفيق حاد ونشوة عالية لدى الحضور.
في الفصل الثاني من الأمسية التقى الجمهور مؤلفه المفضل، لكل زمان ومكان، جياكومو بوتشيني في أربعة مقاطع من أربع أوبرات محبوبة أهمها «مدام باترفلاي» و «توسكا» ولم يعد في ذهن أحد ومضة شك في أننا في حضرة ساحرة بيضاء جعلتنا نتمنى الا تصمت ولو أنشدت حتى الصباح... وما بعد بعد الصباح! أما هي فكانت كريمة ومستعدة للتجاوب مع المصفقين وقوفاً فأدت مقطعاً أخيراً مبرمجاً من «لا فالي» لألفريدو كتلاني لتقدم من تراثها الأرميني ثلاثة أناشيد بينها ارجوزة الأطفال الشهيرة إبان المجزرة الكبرى ضد الأرمن: «غادر هذه الغابة يا عندليب/ لا تغني فوق ورودنا/ نفوسنا قاتمة، حياتنا مريرة/ إنك تجرح قلوبنا كثيراً/ إذهب وقل انك هربت يا عندليب/ من بلد تكسوه الدماء/ حيث الأنهر دموع/ وحيث البنادق وحدها تهيمن.
كان اللقاء بهاسميك بابيان في بعلبك اول من امس « حماماً منعشاً للروح» كقول أحدى الحاضرات ولا بد من الاعتراف بأنها كانت على حق.

الشاعر الذي رفع قضية أرضه الى مصاف التراجيديا الانسانية ... محمود درويش اتكأ على القصيدة عندما خانه القلبكاظم جهاد الحياة - 13/08/08//

طارق سرور 08-26-2012 12:33 AM

رد: محمود درويش
 
طرح رائع ومعلومات قمة فى الإفادة

لشاعر أثر فى تراثنا العربى

شكرى وتقديرى اختى نوووور

توتى العمدة 08-26-2012 05:31 PM

رد: محمود درويش
 
باركـــــ الله فيكـــــ أختى الفاضلــهـ
لطرحكـــــ القيم والرائعــــ
جزاكـــــ الله عنهـــ كل الخير
وجعلهــــ فى ميزان حسناتكــــ

دومتـــــ بخير

ندى الورد 08-27-2012 08:30 PM

رد: محمود درويش
 
مجهووووووود رااائع ومعلوووومات قيمه

اسعدك الله حبيبتى

تقبلى مرورى


الساعة الآن 07:54 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by