شبكة صدفة

شبكة صدفة (http://www.aadd2.net/vb/index.php)
-   الحج والعمرة (http://www.aadd2.net/vb/forumdisplay.php?f=80)
-   -   حكمة الحج ومشاهده (http://www.aadd2.net/vb/showthread.php?t=178459)

طارق سرور 10-05-2014 05:23 PM

حكمة الحج ومشاهده
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





عندما فرض الله علينا الحج قال لخليله{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } وما الحكمة؟ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم} حكمتين اثنتين:
الحكمة الأولى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}أي جهزها الله لهم في تلك الأماكن وهي منافع عاجلة ومنافع آجلة أما المنافع العاجلة فهي أن يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم خالصين من الذنوب والخطايا مستورين ومجبورين من الآثام والعيوب ويستجيب دعائهم ويصلح أحوالهم ويجيبهم في أحبابهم فقد قال النبى{يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[1] والهدف المشترك بين جميع العبادات{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم} ولم يكتف بأن هذه هي الحكمة العالية والغاية السامية من تلك العبادات الراقية ولم يكتف بالتنبيه عنها وكلها في تلك الآية بل في كل خطوة من خطوات الحاج يذكرهم بتلك الحكمة فعندما ينزلوا من عرفات يقول الله لهم جميعاً{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فمرة يقول{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}ومرة يقول {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}أي اجعلوا ذكر الله هو الغاية العظمى فالغاية العظمى من الحج في كل خطواته وحركاته وسكناته هي ذكر الله وكذلك الصلاة فيقول فيها الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فهو ذكر الله وذكر الله هنا التذكير فهو في هذا الموقف التذكير بالوعد والوعيد والجنة والنار في الطاعات والقربات بآيات من كتاب الله وبأحاديث رسول الله من باب فضل الله{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}و {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }والصلاة فيها ذكر الله فيها التحميد والتكبير والتهليل وفيها تلاوة كتاب الله وكلها في حركات الصلاة وكل حركة من حركاتها لها ذكر مخصوص يحب أن يسمعه الله من عباده المؤمنين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فكلها أحوال ذكر وكذلك الصيام فالهدف منه {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يعني من العبادات الجسمانية الهدف منها آية الذكر وقد علمنا النبى أنه ما أقيمت الصلاة وما فرض الصيام ولا نُسك الحاج إلا لذكر الله لماذا؟ ليعرفنا أن الدرجة الأولى في حياتنا هو ذكره وليس هناك نهاية لنعم الله فلو حاول الواحد فينا أن يعد نعم الله عليه في نفس واحد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}نعمة واحدة إذا كانت ظاهرة أو باطنة بل نعمة واحدة من نعم الواحد كنعمة البصر أو السمع أو الكلام أو العقل أو الحركة أو القدرة أوالإرادة أو الحياة أو الرزق نعم ليس لها نهاية نعمة واحدة منها لا يستطيع الواحد أن يحدها أو يحصرها من معطيها لكنه طلب منا أن نذكره على ذلك وطلب منا أن نشكره على ذلك فإذا قمت من نومي وقد وهبني الحياة بعدما كنت في نومي كالأموات كما ذكر الله{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندما أقوم من نومي وقد وهب لي الحياة لابد أن أشكره وأذكره وأقول كما علمني الرسول{ الْحَمْدُ لّلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }[2] فأشكره على أن وهب لي الحياة وإذا نظرت إلى نعمة الأكل أذكره وأشكره وأقول{الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنـي هذا ورَزَقَنِـيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منِّـي ولا قُوَّة }[3] وإذا أعطاني ماءاً أقول{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْباً فُرَاتاً بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحاً أُجَاجاً بِذُنُوبِنَا}[4]أي نعمة من النعم حتى نعمة الشهوة عندما انتهي منها أقول {الحمد لله الذي جعل من الماء نسباً وصهراً وكان ربك قديراً } لازم الإنسان يشكر الله على نعمائه هي صحيح كلمات وليست شكراً وافراً ولا شكراً إيجابي لكن الله يقبلها منا ويدخرها لنا ويعطينا عليها من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذاً كل العبادات يا إخواني تهدف إلى ذكر الله وليس حلقات الذكر فقط هي الذكر لكن ذكر الله حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها ماذا علمني؟{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلىٰ كُلِّ حَالٍ}[5]ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله وإذا جاءت مصيبة في نظري فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن لقول الله{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}فبنو إسرائيل لما اعتقدوا أن الموت نقمة وذهبوا إلى سيدنا موسى وألحوا عليه وقالوا له: يا كليم الله اطلب من ربك أن يرفع عنا الموت فلا يموت منا أحد وكانوا قوماً شداداً في المكابرة والعناد. فلما ذهب موسى إلى ربه وطلب منه ذلك فرفع عنهم الموت وابتلاهم بالأوجاع والأسقام والفقر وقلة الأقوات فالمريض يشكو مُرَ الشكوى من الألم ولا يجد من يريحه وليس هناك موت كما طلبوا واشتد القحط وقلت الأقوات حتى أكلوا القطط والكلاب من قلة الأقوات وبخلت السماء بالماء وبخلت الأرض بالنبات وكانوا يأكلون بعضهم من قلة الأقوات والأرزاق ولا يجدون مناصاً ولا مخلصاً لهم وبعد خمس سنوات ذهبوا إلى موسى وقالوا له اطلب من الله أن يأتينا بالموت لقد اشتقنا إلى الموت قال يا قوم ألم تطلبوه؟ ألم أنهاكم عنه وأنتم أصررتم على ذلك؟ قالوا ما كنا نعلم بالحكمة العالية التي من أجلها بعثه الله فدعا الله فاستجاب الله له ووجدوا أن الموت هو المصيبة فيما بينهم ووصفه ربنا على قدرنا أنه مصيبة وقال {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} لأن الموت يريح من اشتكى من السَقم ولا يجد من يريحه من شدة الألم ويفتح للناس الأبواب لكي يأخذ كل واحد منهم دوره في الحياة فلا يتمتع الشيوخ الكبار على حساب الشباب بل لكل واحد منهم قسط معلوم ومصير من الأقوات والأرزاق ونعم الحي القيوم فعلينا أن نقول عند الموت: الحمد لله على نعمه وحتى المرض فهو نقمة على الكافرين لكنه نعمة للمؤمنين كيف يكون المرض نعمة؟ لأن الله يطهر به المسلم من خطاياه ويغسله من ذنوبه وآثامه حتى ورد فى الأثر أن: {مرض يوم يكفر ذنوب سنة }وهذا إنما هو للمريض الصابر الذي لا يجزع ولا يشكو الله ولا يقول: لم خصصتني يا ربَّ بهذا الهم؟ ولم ابتليتني بهذا الغم؟ وأنا أصلي وفلان لا يصلي لأن هذا اختياره بعلم وحكمة وهذا اختيار العليم الحكيم فالمريض الصابر الذي لا يشكو من مثل هذا كل يوم من أيامه يكفر عنه ذنوب سنة ولذا يقول الله في الحديث القدسي{أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إيتَنِفِ العَمَلَ –استكمل العمل-} [6] ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أن يمرض الرجل منهم قبل موته لما ورد عن رسول الله ما معناه أنه إذا أحب الله عبداً أمرضه قبل موته لماذا؟ ليرحمه ويمحو الذنوب التي عليه ويبدلها بحسنات ومكان الحسنة بعشر حسنات ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء على حسب قوة إيمانه وعلى حسب صبره وقدرته على تحمل المرض حتى المرض يا إخواني نعمة من نعم الله لكن ليس معنى ذلك أن نرضى به ونسلم به ونترك التداوي فقال النبى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إِلاَّ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً}[7].علينا أن نأخذ بالأسباب التي أوجدها مسبب الأسباب إن المؤمن يا إخواني عليه آناء الليل وأطراف النهار أن يذكر الله وعليه أن يشكره وعليه أن يستعين بنعمه وعليه أن يؤدي ما عليه من واجبات ذكره وشكره إذا واجهه ولو بالقليل من نعمه وفضله حتى يدخل في ساحة الرضوان فيمن قال فيهم{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}أويدخل في قوله{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}فيدخل في هؤلاء القوم الذين سيكرمهم الله والذين لا يندمون لحظة الخروج من هذه الحياة ولا يندمون يوم لقاء الله ولا يندمون حتى بعد دخولهم في جنة المأوى وفي رحاب الله والمؤمن لحظة خروج روحه يرى ما له من الثواب العظيم على العمل اليسير فيكشف المولى ما له من الأجر العظيم على عمله في طاعة الله وعلى ذكره وعلى صبره وعلى حكمته في هذه الحياة فينادي ويقول كما قال الله{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }والذكر ليس له شروط فلا يحتاج إلى وضوء ولا إلى مكان معد ومحدد مثل هذا بل يجوز في الشارع ويجوز في السوق ويجوز في العمل ويصح في البيت ويصح على وضوء وعلى غير وضوء بل يجوز حتى على الجنابة فالجنب لا يصلي ولا يقرأ كتاب الله ولا يمس المصحف ولكنه يجوز له أن يذكر الله فأين العذر عندما يسألني الله؟ ماذا أقول له؟ كنت مشغولاً بالأرزاق فيقول لي: وما شأنك بذلك؟ ألم أقل لك{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }وكذلك في الآخرة فالسابقون في هناء وسرور من الطاعات والقربات والنوافل وعمل الصالحات فقد سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله والمستهترون معناها الذين لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين قال النبى {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىٰ اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَىٰ الرَّحْمنِ سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ }[8] وقال أيضاً { سيروا فقد سَبَقَ المُفْردُونَ قالوا: يا رسول الله وما المفردون؟ قال: المُفْرَدُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ فَيٌّاتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً }[9] وورد عن ذى النون: { إذا أكرم الله عبداً ألهمه ذكره }وقال النبى{ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ غَداً فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ويَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذِكْرُ الله عَزَّ وجلَّ }[10]

[1] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.[2] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي ذر، وحذيفة.

[3] رواه صاحب مسند الشاميين عن أنس.

[4] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى جعفر مرسلا

[5] رواه ابن ماجة في زوائده، والبيهقي في الدعوات والحاكم في المستدرك عن عائشة وأبو هريرة.

[6] رواه السيوطي في الفتح الكبير والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة.

[7] أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك.

[8] رواه الطبراني والبخاري في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه عن أبي هريرة.

[9] رواه الطبراني والترمذي ومسلم عن أبي الدرداء وأبي هريرة.

[10] رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء.



طارق سرور 10-05-2014 05:24 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهزه لنا الملك العلام فكلنا يود أن يذهب إلى تلك الأماكن ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين حتى أن بعضنا من شدة شوقهم إذا ناموا يرون أنفسهم في تلك البقاع يطوفون أو يسعون أو يقفون لأن الجميع يشتاق إلى بيت الله وقد ذكرني ذلك بقول سيدنا عبد الله بن عمر عندما كان يحج ذات مرة وأخذ يزاحم على الحجر حتى دمى وجهه وحتى تورمت أصداغه فقال له بعض من حوله: يا عبد الله لم هذه المزاحمة وقد أغناك الله عن هذا ونهى رسول الله عن شدة المزاحمة؟ ماذا قال؟ قال: هويت إليه القلوب فأحببت أن يكون فؤادي معهم أى هذا المكان اشتاقت إليه القلوب فوددت أن يكون قلبي معهم بين يدي مقلب القلوب هذا حال المؤمنين ممن اختارهم الله لزيارته كلهم شوق وحنين وحب وأنين خاصة من أسمعه الله نداءه على لسان الخليل فقلبه مملوء بالشوق وفؤاده لا يستقر في مكانه لأنه هائم هيام دائم في بيت الله لماذا هذا الحنين؟ ولماذا هذا الشوق؟هذا لأن الله يقول{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت كيف تم ذلك؟عندما أهبط الله آدم ونزل في سرنديب في بلاد الهند ونزلت الجدة حواء في جدة وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عام وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم وقال له يا آدم اذهب إلى البيت وطف حوله يغفر الله لك فجاء آدم من بلاد الهند ماشياً غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض حتى وصل إلى البيت وكان البيت ليس كهيئته هذه وإنما صخور مرتفعة بناها الملائكة فطاف حوله وهو أول من طاف بالبيت من البشر وإن كان البيت لا يخلو من طائف في لحظة من ليل أو نهار فقد ورد في الأثر: { لا يخلو هذا البيت من ستمائة ألف يطوفون به كل يوم وليلة فإذا لم يتموا العدد من البشر أتمه الله من الملائكة}هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات ومهبط للبركات يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود هذا البيت في أي بلد؟ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}لمَ لم يقل الله مكة؟ هي مكة وبكة وأم القرى وهي البيت الحرام. وقال الله بكة لأن الله آلى على نفسه أن يبك (يدق) أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت. فهي بكة لأنها تبك (تدق) أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله كأنها فهمت قول الله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}وأخذت على نفسها العهد ألا تؤذي أحد من أجناسها فقبل الإسلام ولم يكن للبيت سور يحيط به ولا أبواب تغلق فكانت الحيوانات المتوحشة يجري بعضها إثر بعض ليقتنص فريسته فإذا جرت الفريسة ودخلت حدود الحرم وقف الوحش بدون حراك كأنه يعلم أن هذا حرم وأن هذا مكان آمن وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي وجهة اليمن يمشي أما جهة البيت فيصرخ فيحمو الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله حتى أن الحيات وهي العدو اللدود للإنسان لا تؤذي إنساناً في الحرم ولا تروع إنساناً في البلد الأمين والطيور كذلك تقف على المصلين وتطير ذات اليمين وذات الشمال ولكنها تطوف كما أمر الله المؤمنين بالبيت لو نظرت إليها لا تجد طائراً يعلو البيت الحرام إلا إذا كان به مرض فالحمامة التي تمرض يلهمها الله أن شفائها في الوقوف على ظهر البيت للحظات فتصعد على ظهر البيت وتقف عليه للحظات فتشفى بأمر الشافي أما الحمامة السليمة فإنها تطوف حوله كما يفعل المؤمنون وكما تفعل الملائكة وكما فعل النبيون والمرسلون أجمعون والكل ينفذ أمر رب العالمين{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}لابد أن يطوفوا بهذا البيت ولذا عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين. صدَّه الله عن البيت مع كثرة عدد جنده فما كان منه إلا أن نطق بالإسلام وطاف بالبيت وكساه الديباج والحرير فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت حتى أن الحجاج عندما حاصر ابن الزبير وأمر جنوده أن يقفوا على جبل أبي قبيس في مواجهة الكعبة ويضربوه بالمنجانيق[وهي آلة كالمدفع إلا إنها تقذف قذائف مصنوعة من القماش وفي وسطها البارود وإذا نزلت تعمل حرائق كبيرة]فأطلق المنجانيق على البيت وأشتعلت النيران وإذا بسحابة تأتي من جهة جدة على قدر البيت فتقف قبالة البيت وتنزل الماء فتطفئ النار التي أشتعلت في كسوة البيت ثم تأتي صاعقة فتخطف الثلاثين رجلاً الذين قذفوا هذا البيت وتنهي حياتهم في لمحة ولكنه من شدة جبروته جاء بآخرين وقال لهم: لا يهولنكم الأمر أي لا تخافون فإنها أرض صواعق فجاءت سحابة أخرى فاختطفتهم أجمعين فرجع عن كيده للبيت بعد أن يئس منه لأنه علم أن الله يحفظه بحفظه ويكلؤه بكلاءته{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله والصالحين الذين كانوا حوله ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت قال {مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }هو في ذاته مبارك وهو في ذاته هدى للعالمين لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان فلو ذهب إليه تائب يتوب الله عليه ولو أتاه سائل يجيب الله له كل المسائل ولو ذهب إليه راج يحقق الله له كل رجاءه ولو ذهب إليه عابد يرجع بعبادة لا عد لها ولا حصر لها يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه، الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه، والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحة فيما سواه والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه حتى قال العلماء: لو صلى رجل صلاة واحدة جماعة في بيت الله الحرام كانت أفضل في الأجر والثواب له من أنه لو عاش عمر نوح في بلده يعبد الله قيل له: وكيف ذلك؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وصلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة فحاصل ضرب المائة ألف في سبعة وعشرين يكون رقم كبير وعمل كثير لا يستطيع الإنسان أن يقضيه هنا ولو أعطاه الله عمر نوح uهذا البيت يقول فيه r{يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ}[2]قال النبى{مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[3]علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين من أول آدم إلى يوم الدين ويشهد لهم عند رب العالمين يعرفهم بأسمائهم ويصورهم ويردد الكلمات التي قالوها في مواجهته شهادة لهم عند ربهم وهو حجر لكنه مملوء بنور النور الأكبر هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم عن أَبي سعيدٍ الْخدري قَالَ: {حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ عَليُّ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ}.[4] فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين ودهر الداهرين. فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربه من حر مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة. فما بالكم بالميزاب؟وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين كل من يدعو يؤمنون عليه ومن وافق دعائه دعاء الملائكة استجاب الله له فما بالكم بمقام إبراهيم؟ وما بالكم بزمزم؟ وما بالكم بكذا وكذا آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور حتى نعرف منها بعض الحكم التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت

[1] رواه النسائي في سننه وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في سننه عن جابر.

[2] رواه الحاكم في الكنز وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس.

[3] رواه الدار قطني في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[4] الهندي فِي فَضَائلِ مَكَّةَ، أَبُو الْحسن الْقَطَّان فِي المطوالاتِ، والحاكم فى مستدركه، جامع المسانيد والمراسيل

طارق سرور 10-05-2014 05:25 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
آية من آيات ربنا كلنا نشهدها فى الحج إما بعين الرأس لمن وصل إلى هنالك وإما في وسائل الإعلام لمن لم يقدم الاستطاعة ويوفقه الموفق للوصول إلى هنالك يذهب الناس من فجاج الأرض يفارقون الأهل وهم فرحون ويفارقون المال والأوطان وهو مغتبطون ومسرورون لا يبكي أحد لفراقهم بل كلنا نهنئهم ونتمنى أن نكون على أثرهم ونلح عليهم أن يدعو الله لنا هنالك أن يكرمنا بالحج كما أكرمهم هذه الآية ما سرها؟سرها كلمة وقف أمامها الناس كثيراً فقد سُئل الإمام علي كرم الله وجهه:يا إمام كم بين السماء والأرض؟فقال: دعوة مستجابة ليس الفرق بين السماء والأرض بالكيلومترات ولا بالأميال ولا بسرعة الصوت أو الضوء أو غيرها بل هناك من هو أسرع من ذلك كله وهو الدعوة التي تخرج من قلب العبد المؤمن لله ربِّ العالمين فإنه لا يكاد يحرك بها شفتاه إلا ويستجيب لها الله{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}بمجرد الاستغاثة أجاب لم ينظر في الأمر ولم يؤجله إلى ميعاد بل استجابة فورية بفاء الفورية لأن الله وعد بذلك عباده المؤمنين وخاصة إذا كانت الدعوة تتعلق بأمر من أمور الدين إذا كان الإنسان في ضيق بسبب إتباعه وصدقه لأمر الله أو يتعرض للإيذاء أو الشدات لتطبيقه لأمر الله أو يصبر أمام أعاصير المادة التي تريد أن تقتلع جذور الإيمان من قلوب المؤمنين فهذا هو المثل عندما ضاق بإبراهيم الميدان وفر بأهله وبولده وذهب إلى مكان لا يصدق أي إنسان بالحياة فيه لا زرع ولا ضرع ولا وحش ولا طير ولا خير فيها على الإطلاق لكن تجلت آية الكريم الخلاق لأنه هاجر بهم من أجل دين الله ولإحياء شعائر الله دعا فقال{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ}هاجر بهم من أجل أن يقيموا الصلاة ويحيوا شعائر الله لأنهم لم يتمكنوا من إقامتها بين القوم الكافرين ودعا ماذا دعا؟ وماذا كانت إجابة المولى له{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } وهذا ما نراه منذ زمانه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أفئدة الناس وقلوب الناس وأشواق الناس تزداد إلى زيارة هذه الأماكن وتتمنى أن تطأ هذه المواطن. لماذا؟ هل يحصلون هناك أرزاق؟ هل يحصلون هناك على أوسمة أو نياشين؟ نعم لكن أرزاق ربانية وأوسمة ونياشين قرآنية وإلهية لم يهاجروا طلباً للدنيا أو زينتها وإنك ترى العجب عندما ترى الرجل الفقير يجمع القرش على القرش حتى يوفر نفقة الحج فإذا توفرت لديه كانت هذه أكبر فرحة عنده في هذه الحياة لا يضارعها فرحة بمنصب مهما كان عظمه ولا بمولود مهما كان شأنه كيف يفرحون وهم من أموالهم ينفقون؟ ولأهلهم وأوطانهم يفارقون؟ ولبلاد لا يعرفونها يذهبون؟ لأنها دعوة إبراهيم التي استجاب لها الله وجعل هذا المكان قبلة لجميع خلق الله من لم يذهب إليه للحج يتجه إليه وهو في مكانه في الصلاة ولا تستوفى الصلاة إلا إذا اتجه إلى البيت الذي بناه إبراهيم استجابة لدعوته والشق الثاني من الدعوة{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}وهذا أمر والحمد لله رأيناه جميعاً فليس عندهم أنهار ولا أمطار ولا غابات ولا أشجار لكن الله أنبع لهم من الأرض أرزاقاً بغير عمل منهم فتأتي الشركات الأجنبية ويعمل فيها أهل أمريكا وأوروبا الذين لا يتحملون حرارة الصيف يأتون وهم المترفون يعيشون في الصحراء متحملين حرارتها وشظف العيش بها ليحفروا آبار البترول ويستخرجونها وبني إبراهيم والذين سكنوا في الأرض التي دعا فيها إبراهيم جلوس مستريحين لا يتعبون ولا يكدون ولكنهم يقفون على المواني ليحاسبون فكل شحنة لهم منها نصيب بلا تعب ولا عناء ثم زاد الله بعد ذلك في خير هذه الأرض فجعل خير أي بقعة في الكرة الأرضية من فواكهها ونباتها ومصنوعاتها ومشتهياتها يعرض في هذه الأماكن بأسعار أرخص من الأماكن التي تنتج فيها لأن الله استجاب لإبراهيم عندما قال له{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}وعندما خوفهم بعض الكافرين بأن البترول مآله إلى النفاذ إذا بهم يكتشفون جبالاً من الذهب في باطن الأرض فتركوها كما هي للأيام الخالية لأن الله شملهم بدعوة إبراهيم فرزقهم من جميع أنواع الثمرات والخيرات وتلك آية لنا جميعاً جماعة المؤمنين فيا أخي المؤمن يا من تشكو ضرك للمخلوقين وتشكو مكابدة الحياة وعناء العمل لمن لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً ذلك هو الطريق اصلح ما بينك وبين الله ونفذ على نفسك وأهل بيتك ما يحبه الله ويرضاه وخذ بهم وبأيديهم على كتاب الله وعلى سنة سيدنا رسول الله ثم اطلب بعد ذلك ما شئت من مولاك يواليك بالعطاء بلا سبب لأن الله يرزق أحبابه بغير حساب كما استجاب لإبراهيم في ذريته وأهله عليهم السلام{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}كيف تكون مستجاب الدعوة؟وما الأمر الذي يطلب منك لتنال هذه المكرمة وتكون من أهل تلك المنة؟إن رسولكم الكريم لخص الأمر في كلمتين مجيباً لسعد بن أبي وقاص عندما قال: يا رسول الله ادعوا الله أن يجعلني مستجاب الدعوة قال{يا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَة }[1] أي كل من طريق حلال ليس من غش ولا سرقة ولا خداع ولا ربا ولا تطفيف في كيل ولا غش في ميزان ولا تضييع لوقت العمل فيما لا يفيد وإهمال لمصالح المترددين من العبيد تحت دعوة على قدر فلوس الدولة نعطيها لأنك تعاقدت على ذلك وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه فإذا اتقنت العمل وابتعدت عن مواطن الزلل وحافظت على فرائض الله وكفى فإنه يكون بينك وبين الله خطاً مباشراً وهاتفاً مستعجلاً تدعوه في أي أمر ما لم يكن إثم أو قطيعة رحم. يعجل لك قضاءه في الحال وقد كان على ذلك أصحاب رسول الله أجمعين والأمثلة في هذا المجال يضيق الوقت عن ذكرها قال{الرجُل يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربَّ يا ربِّ ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ ومَشْرَبُه حَرَامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وقَدْ غُذِيَ بالـحَرَامِ، فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ }[2]الذين يدعون الله ألا يستبطأ الإجابة ويقول دعوت ودعوت ولم يستجب لي فقد قال{ يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ }[3] فالأمر يحتاج إلى يقين هاجر وإسماعيل عندما أودعها وطفلها بين الصفا والمروة وقالت له: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها فكررت القول ثلاث فلما رأته لم يجبها قالت: أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. ثقة بالله ويقيناً وحسن ظن بالله وقال النبى{ حُسْنُ الظّنِّ بِالله مِنْ حُسْنِ الْعِبادَةِ }[4]فلما أحسنت بالله ظنها فرج الله أمرها فبينما هي تجري مسرعة بين الصفا والمروة بعد نفاذ السقاء الذي كان معها من الماء إذا بها تجد طيوراً عند صغيرها فتسرع إليه خائفة فإذا الماء قد نبع من تحت قدم رضيعها وعلى هذا الماء أمر عجيب في صحراء جرداء لا يرويها نهر ولا يأتيها مطر تروي الملايين والملايين في كل طرفة عين ولا ينفذ ماؤها ولا يتغير طعمها ولا يعطي منها ماء في الأول يخالف الماء في آخر اليوم فكأنها تنبع من الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإسماعيل عندما حكى له أباه الرؤيا قال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}ولم يعترض على أمر الله ولم يهرب من أبيه بل عاونه وكان نعم العون له وقال له يا أبت لا تخبر أمي بخروجنا وخرجا وتظاهرا أنهما خارجان للسير فلما وصلا إلى منى قال: يا أبت اشحذ المدية (السكين) حتى تقطع بسرعة وانزع قميصي من على جسدي حتى لا يقع عليه الدم فتعرف بذلك أمي فتحزن لأجلي وألقني على وجهي حتى لا تنظر إلى قسمات وجهي فتأخذك رحمة في تنفيذ أمر الله فقال له: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}ونزل الملك بفدائه من الجنة بكبش سمين لتكون سنة عملية لمن يحج ولمن لا يحج إلى يوم القيامة تثبت للناس أجمعين أن المؤمنين الذين يسلمون لأمر الله ولا يعترضون على قضاء الله الذي ليس في وسعهم دفعه ولا منعه يحميهم الله بلطفه وينقذهم الله ببره لأنه نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير جماعة المؤمنين عليكم بباب الدعاء عليكم بباب الدعاء تعلموا آدابه وألزموا أنفسكم بشروطه وادعوا الله في ليلكم ونهاركم في مساجدكم أو في أعمالكم أو في بيوتكم أو في شوارعكم تجدون الله أقرب إليكم من كل شئ لكم أو حولكم وأقرب إليك من مالك الذي في البنك ومن زوجتك التي تنام إلى جوارك على الفراش ومن فلذة كبدك الذي أنفقت عليه آلاف الجنيهات وارحم بك من نفسك وارحم عليك من كل هؤلاء. فاستغني بالله يغنيك الله عمن عداه

[1] رواه الطبراني في الصغير عن سعد بن أبي وقاص

[2] رواه البيهقي في سننه ومسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه والدارمي عن أبي هريرة

[3] رواه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه والإمام مالك في الموطأ وأبي داود في سننه عن أبي هريرة.

[4] رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة.

طارق سرور 10-05-2014 05:26 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
عناية الخليل بأبنائه
قد جعل الله في كل عام أوقاتاً عظيمة نُشرّف فيها أسماعنا بسماع قصة سيدنا إبراهيم ونُمتّع عقولنا بفهم الحكم العظيمة التي من أجلها أوجب الله علينا أن نتذكر في هذه المواطن والأيام سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجه هاجر عليهم السلام أجمعين لماذا؟ حكم كثيرة وعبر عظيمة ومنافع جمّة لا نستطيع أن نحيط بها في هذا الوقت القصير وإنما الأمر كما يقول الإله العلي الكبير{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}ليست روايات وحواديت نسمعها على سبيل التسلية لكنها عظات عالية وحكم غالية وآنات آلهية راقية علينا أن نتدبرها ونعيها ونفهمها في هذا الوقت حتى يكرمنا الله كما أكرمهم وحتى يعمنا الله بالفضل الكبير الذي عمّهم به وبالأجر العظيم الذي وعدهم به وبالثواب الجزيل الذي أدخره لهم المولى عنده عبرة واحدة أريد أن أفهمها وآخذها لنفسي ويفهمها معي إخواني نحن في هذه الأيام كل واحد فينا يحاول أن يعمل لأولاده ما ينفعهم في الدنيا فالذي يسافر ليحضر لهم ريالات أو دولارات والذي يتاجر ليعمل لهم بيوتاً وعمارات والذي يجري هنا وهناك كل هذا لماذا؟ هو لا يريد شيئاً لنفسه لأنه تزوج وسكن وأدى ما عليه ولكنه يريد أن يعمل لأولاده حاجة تنفعهم في الدنيا والكل يعتقد تمام الاعتقاد أنَّ من يفعل ذلك هو الناصح في دنياه الشفوق العطوف على أبنائه وولاياه السعيد في نظر خلق الله وكلنا لا يشك في هذا الكلام وهذا الكلام الصحيح لكن الأصح منه أن نتأسى بأنبياء الله ورسل الله وعلى رأسهم خليل الله ماذا أفعل؟ عاش ثمانين عاماً لم يرزقه الله فيهم بغلام فلم ييأس من فضل الله ولم يقنط من رحمة مولاه بل كان دائماً وأبداً منتظراً لفرج الله وانتظار الفرج عبادة كما أخبرنا سيدنا ومولانا رسول الله يعني الذي أخرّ الله عنه الإنجاب والولد يترقب الفضل وينتظر الكرم من الله وهذا الانتظار عبادة يثيبه عليها العزيز الغفار عبادة ليس فيها عمل ولا تعب ولا إنفاق إلا إنه يحرك قلبه بالحنان والعطف والإشفاق إلى المليك الخلاق يستمطره الرحمات وينتظر منه المكرمات لأنه وحده الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شئ قدير أكرمه الله بالولد بعد ثمانين عاماً ولم يتركه يفرح به لوقت طويل بل أمره على الفور بأن يلقي به في صحراء ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا فيها حتى وحوش لأن الوحوش لا تسكن إلا المكان الذي فيه قوتهم وفيه شرابهم وهذا مكان ليس فيه قوت لحي ماذا يفعل؟ هل اعترض على أمر الله؟ هل شعر في نفسه بأن هذا الحكم الذي حكم به عليه الله قاس؟ هل ناوأ الله وقال كما نسمع من عباد الله لماذا تفعل معي هذا؟ ولماذا حكمت عليّ بهذا الحكم؟ولم خصّصتني وأمرتني بهذا العمل؟ هل مثل هذا الكلام ينفع من العبد مع سيده ومولاه؟{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}فإذا قضى أمراً فعلينا بقوله{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فكل أمر أمر به الله لا يجوز للمؤمن أن يختار بعد أمر الله ولا يجوز للمؤمن أن يعترض على ما قضاه الله ولا يجوز للمؤمن أن يُظهر حتى بقلبه أو بنفسه الجزع أو الهلع أو الضيق في الأمر الذي أبرمه الله ولكن عليه أن يرضى بأمر الله وأن يُسلّم لقضاء الله وأن يفوض كل أموره لله فإذا لم يرضى ماذا يكون له؟ وإذا رضى ماذا يكون له؟ قال النبى{مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا. وَمَنْ سَخِطَ، فَلَهُ السُّخْطُ}[1]الذي يرضى عن أمر الله وعن قضاء الله فسيرضيه الله في دنياه ويرضيه الله في أخراه والذي يسخط لا يعبأ به الله يمشي في أودية الهموم أو تقتله الهموم والغموم أو يهلك مع الهالكين في الأفكار والشواغل الدنيوية أو تحرمه هذه الأشياء من المتع النورانية ومن الهناءة الروحانية عندما يناجي معنا الحضرة العلية كل هذه الأمور يا إخواني تحدث له وأكثر ولا يهتم به الله لأنه لم يرض بأمر الله لكن المؤمنين{رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}لأنهم رضوا عن أمر الله وتقدير الله فكان جزاؤهم أن رضى عنهم الله هذا الرجل رضى وعلم زوجته الرضا حتى أنه تركها وليس معها إلا جراب بسيط فيه بضع تمرات وآخر بسيط فيه جرعة ماء فنظرت إليه وقالت يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يجبها وآثر الصمت والسكوت فكررت القول يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يلتفت ولم يرد فقالت: أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم قالت: إذاً لا يضيعنا لأنها على يقين أن الرزاق هو الله - فالمرأة التي قال لها جيرانها في وداع زوجها مسافراً لمن يتركك؟ قالت لهم: زوجي مُذْ عرفته أكال والرزاق هو الله يذهب الأكال ويبقى الرزاق - لما اطمأنت ورضيت وسلمت لأمر الله فرح إبراهيم ودعا لها الجليل وقال كما سمعنا جميعاً في محكم التنزيل{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}دعا وهو راضٍ فلباه الله وأجابه الله وزاده الله من فضله وكرمه لأنه راضٍ عن أمر الله وعن حكم الله لم يَدع لهم في البداية بالأرزاق والأقوات والخيرات والأموال لأنه يعرف أن هذه الأشياء مضمونة ويعلم أن هذه الأشياء لو جاءت إلى قوم غير مسلمين فستكون وبالاً عليهم في الدنيا وطامة عظمى يوم لقاء رب العالمين ربما يدعو لهم بالأموال فتأتي الأموال لكن لا يوفقون في كيفية الإنفاق التي ترضي الله ولا كيفية تحصيلها بحيث لا يتجنبون غضب وسخط الله فيكون المال في هذا الوقت يميل بهم إلى غضب الله في الدنيا ويميل بهم إلى جهنم وبئس القرار لكن المرء العاقل يفعل كما فعل الخليل u يدعو الله لهم بإقامة الصلاة ويركز عليها فأول ما بدأ هذا الدعاء قال فيه{رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ}إثم عاد إلى تكراره في آخر الدعاء حيث قال{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}فكرر مرة ثانية دعوة الإقامة لماذا؟ لأنه قانون الله الذي حكم به في كتاب الله فالذي يخاف على أولاده من بعده ويخشى عليهم أن يتعبوا أو يجوعوا أو لا يجدوا موضعاً يسكنون فيه ولا أموالاً للزواج ولا عمل يتكسبون منه ماذا يفعل يا رب؟ لا يوجد هيئة تأمين ومعاشات والتأمين على الحياة لكن واهب الحياة وصانع الحياة ومدبر أمور الحياة قال للمؤمنين الذين يحرصون على أبنائهم بعد انتقالهم من هذه الحياة: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ}ماذا يفعلوا يا رب؟{فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً}أمرين اثنين يتقوا الله ويقولوا الأقوال السديدة التي تسدد لهم في خانات حسناتهم وفي صحف إيمانهم حتى تنتفع بها ذرياتهم بعد مماتهم إذاً الأمر يا إخواني على عكس ما يقول الناس فالذي ينفع الأبناء على التحقيق ليست وديعة البنوك ولكن الوديعة التي ادخرتها عند ملك الملوك حتى أن الله سخر نبياً من أولي العزم وولياً من كمل الأولياء من أجل بناء الجدار فالولي يبني ومعه المسطرين والنبي يصنع المونة ويناولها له ويناول معها الطوب لهذا الولي مع أن هذه البلدة لم يَدْعهم أحد من أهلها حتى لشربة ماء أو فنجان قهوة أو كوب شاي ولما قال سيدنا موسى كيف نعمل لأناس لم يضيّفنا منهم أحد؟ أجابه نحن مكلفين بهذا العمل من الله لأجل هذين الغلامين {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا}أبوهم هذا كان الجد السابع وليس الأب المباشر ولا الذي بعده ولكن الجد السابع كان صالحاً فنفع الله به ذريته من بعده وسخر لهم رسولاً وولياً ليقيما الجدار وليحفظ هذا الكنز حتى يبلغ الصبيان فضلاً من الله ونعمة يا جماعة المؤمنين فسيدنا إبراهيم علّمنا هذا الدرس بأننا ندعو لهم بالصلاح ونهتم في أمرهم بأمر الله ونسوقهم إلى الطاعات ونعرفهم التشريعات ونبين لهم أحكام كتاب الله ونوضح لهم سنة سيدنا رسول الله ثم نطمئن إلى أن عناية الله لن تتخلف عنهم طرفة عين ولذا ضرب الله لنا مثلاً مع إبراهيم مع أن بعضنا يشككه القوم في هذه الأمور ويقولون له كيف تأتي تقوى الله بالأرزاق؟وكيف تأتي الحسنات بالخيرات مع أن الله أبرم هذا الأمر فقال{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}حتى لا يفكر بأن الحسبة التي حسبها أو الرصيد الذي تركه في البنك أو في الأرض أو في التجارة هي التي تنفعه فذلك كله يقول فيه القائل:
ما بين طرفة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال
ولكي يزيدنا الله يقيناً ذكر لنا ما فعله مع الخليل ومع زوجة الخليل وابنها فقد بعث لهم الماء وأرسل لهم الناس وهيئ لهم الجيران الذين يزورونهم ويودونهم من كل أنحاء العالم إلى يوم القيامة وصدق الله إذ يقول{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }
[1] رواه الترمذي في سننه وابن ماجة والبزار وصاحب الفتح الكبير عن أنس بن مالك.

http://www.jeddahbikers.com/vb/image...er_offline.gif

طارق سرور 10-05-2014 05:26 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
آيات البيت الحرام
العالم كله من حولنا الكافرين والمشركين والجاحدين والملحدين يتعجبون من الروح الغريبة التي تنتشر في المسلمين في هذه الأيام شوقاً إلى بيت الله الحرام ينظرون إلى وسائل الإعلام فيرون المسلمين الفقراء يضحون بكل شئ ويتبعون كل شئ في سبيل أن يذهبوا لهذه البقاع المباركة ثم ينظرون إلى أحوالهم عند وصولهم إلى هذه الأماكن منهم من يتوفى ومنهم من يبكي ومنهم من يصرخ ومنهم من يفعل كذا وكذا فيزداد عجبهم ويتساءلون لم يفعل المسلمون هذه الأشياء؟ لحجارة في ظنهم وخيالهم وجهلهم كأي حجارة في الأرض لكن تعالوا معي يا عباد الله ننظر إلى المغناطيس الإلهي الذي أودعه الله في بيت الله والذي يجذب المؤمنين القاصين والدانين جميعاً إلى بيت الله ما هو؟ إن الله يتحدث عن ذلك فيقول{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ماذا فيه؟:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ}يه علامات واضحات فيه مناهج ودلالات فيه أنوار ساطعات فيه إشراقات وفيوضات وتجليات لمن فتح الله عين قلبه ونظر بنظارة الإيمان فيرى حول بيت الله أنوار مكون الأكوان أما هؤلاء الذين عمت بصائرهم فلا يرون هذه الآيات ولا ينكشفون على تلك التجليات لأن الله لا يكشف على أسراره للمجرمين والمشركين وإنما يحفظها لعباده المؤمنين ولا يكشفها إلا للصادقين من عباده المؤمنين تعالوا معي يا عباد الله جماعة المؤمنين نجلس في بيت الله وننظر إلى الكعبة المشرفة التي أسسها الله على مائدة الله والنظر إليها عبادة فما بالكم بالطواف حولها والصلاة لها إنها عبادات مباركات لها أجر ثابت حدده سيد السادات أول سؤال يواجهنا ونحن حول هذا البيت لماذا بناه الله؟ ولماذا أمر برفعه الله؟ إن هذا له قصة عجيبة فعندما اختار الله آدم ليكون خليفة في الأرض وجمع الملائكة أجمعين وأمرهم بالسجود لمن اختاره خليفة عن رب العالمين وقال لهم موجهاً لهم الخطاب{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}فعلموا أنهم أخطأوا في الجواب على حضرة الوهاب وأساءوا الأدب في الحديث مع حضرة الله فخرجوا هائمين إلى البيت المعمور يطوفون حوله يعلنون توبتهم ويقدمون ندمهم لعل الله يغفر لهم هذه الذلة فلما طافوا حول البيت المعمور وهو فوق السماء السابعة تجاه الكعبة تماماً قال لهم الله (اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم) ونزل آدم من الجنة بأرض الهند وأخذ يبكي على ذنبه لله أربعين عاماً حتى رق عليه الملائكة الكرام فنزل أمين الوحي جبريل وقال يا آدم أين أنت من بيت الله اذهب إليه فطف حوله يغفر لك ذنبك الله فجاء من أرض الهند إلى أرض الحجاز ماشياً على أقدامه فطاف بالبيت وهو يقول كما أنبأنا حضرة الرسول: {اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيماناً يباشر سويداء قلبي حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت إنك على كل شئ قدير}[1]طاف حوله وهو يردد هذه الكلمات فأوحى الله إليه{يا آدم قد دعوتنا بدعوات فاستجبناها لك وكل من جاء من بنيك وذريتك إلى هذا البيت ودعا بهذه الدعوات استجبنا له وغفرنا له ذنبه ونزعنا الفقر من بين عينيه وملأنا قلبه بالإيمان وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر}فهو رمز المغفرة من الغفار وسر التوبة من التواب ورمز القبول من العزيز الوهاب لمن خرج من بيته لا يريد إلا وجه الله ولا يبغى بحجة إلا اتباع سيدنا ومولانا رسول الله وماله حلال واجتهد في جمعه من طريق حلال إذا ذهب إلى هناك وطاف بالبيت وانتهى من الطواف يضع الملائكة الموكلين بالبيت أيديهم على ظهره ويقولون كما قال رسول الله {قد كفيت ما مضى فاستأنف العمل فيما بقى} {مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[2]ولم يحدد الصغائر ولا الكبائر السر ولا العلانية رب العباد فإن الله يغفر جميع الذنوب لأنه يرده كالطفل المولود والطفل المولود لا يكتب عليه الكرام الكاتبون سيئات أبداً لا يكتبون له إلا خيرات وحسنات لكن صحيفة سيئاته كما هي مطوية لا تفتح إلا إذا بلغ الحلم فيرجع وليس عليه شاهد بذنب لأن الله غفر له جميع ذنبه هذا البيت المبارك فيه آيات ظاهرة جلية يراها حتى الكافر والنافر بل إن كفار مكة كانوا يعظمون البيت قبل الإسلام ومعهم العرب وهم يعبدون الأصنام لماذا؟للآيات الحسية التي رأوها في هذا البيت انظروا معي بيت بني بالأحجار كيف تتأدب معه الحيوانات والأطيار؟ وهي كما نعلم جميعاً ليس معها عقول ولم تتأدب بآداب إن الطيور التي حوله والتي حماها الله وحرم ذبحها لأدبها مع بيت الله ماذا تفعل؟ تطوف حوله كالطائفين ولا تعلو ظاهره أبداً في طيرانها إلا الطائر المريض فإنه يعلو ظاهر البيت ويقف فوق ظهره للحظات فيشفى بإذن الله أما الجميع فيطوفون حوله كما يطوف الطائفون ولا يعلون ظهره أبداً أدباً مع بيت ربهم بل إن الناقة التي ركبها سيدنا رسول الله وهو في حجة الوداع وطاف راكباً لها حول البيت وسعى عليها بين الصفا والمروة أمسكت نفسها فلم تخرج بولاً ولا روثاً في بيت الله تأدباً مع بيت الله مع أن بولها طاهر وروثها طاهر لأن القاعدة الشرعية كل ما أكل لحمه فبوله طاهر وروثه طاهر بل إن الحيوانات المتوحشة كالأسود والنمور والكلاب رؤى عنها مراراً وتكراراً أنها كانت تجري وراء صيد لها مثيل لها فتجري وراء زرافة أو تجري وراء ماعزاً وتجري وراء ضبّ فتدخل الفريسة الحرم فيقف الوحش ويتأدب ولا يستبيح الصيد في داخل الحرم الذي جعله الله آمناً فإذا كانت الحيوانات المتوحشة والطيور والحيوانات المستأنسة تتأدب مع هذا البيت فلماذا؟لأن فيه أسرار وأنوار لا يكشفها الواحد القهار إلا لعباده الأخيار والأطهار بل إن العرب عرفوا به أسرار الأمطار قبل تقدم علم الفلك في العالم أجمع فيجلسون حول البيت في موسم الحج فإذا نزل المطر شرق البيت كان شرق العالم كله في هذا العام في خير وبركة ومطر من الملك العلام وإذا نزل الغيث غرب البيت كان غرب العالم كله في هذا العام مطر وخير من الله وإذا نزل المطر حوله من جميع الجهات كان هذا العام عام رخاء على الأرض كلها فهو الميزان وهو المرصد الذي يحدد الخير النازل من الله إلى جميع عباد الله وشتى أرجاء المعمورة بإذن الله هذا البيت يا إخواني لايخلو من الملائكة فحوله سبعون ألفاً من الملائكة الكرام كل كلماتهم آناء الليل وأطراف النهار آمين آمين يؤمنون على دعاء الطائفين العاكفين والراكعين والساجدين في بيت رب العالمين ولذا كان الدعاء فيه مستجاب لا يرد أبداً لأن الله جعله موضع إجابة وعندما دعا فيه الخليل إبراهيم رأينا أثر دعوته إلى يومنا هذا فما فيه هؤلاء القوم من خيرات وثمرات وبركات إنما هو استجابة لدعوة إبراهيم uهذه الآيات وغيرها كثيرات لضيق المقام عن ذكرها جعلت المولى لايدخل بهذا البيت إلا من يحبه من عباده وكل من أراد الله غفران ذنوبه وكل من أراد الله ستر عيوبه وكل من أراد الله تطهيره من الخطايا وكل من أراد الله أن يجعله من التوابين والمتطهرين اسمعه في البدأ دعوة إبراهيم للزائرين فإن إبراهيم هو الذي دعا جميع الزائرين بدون استثناء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فعندما كلفه الله بالبناء وأخذ يبني البيت وإسماعيل يجمع الأحجار ويحملها إليه وبنى حتى وصل البناء إلى قامته ثم تحير كيف يبني بعد ذلك فأنزل الله له حجراً{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ}يقف عليه ويحمله إسماعيل بالأحجار ثم يشير إليه فيرتفع بأمر الواحد القهار حتى يصل إلى مستوى البناء ويظل واقفاً في الهواء حتى ينتهي إبراهيم من البناء فيشير إليه فيرجع مرة أخرى إلى الأرض ولما انتهى من البناء أجمع وقال هو وإسماعيل{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}قال الله يا إبراهيم{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}قال يا ربي وما يبلغ صوتي؟ قال: عليك الأذان وعلينا البلاغ فوقف على الحجر وأوجد الله الآية في الحجر فلان الحجر تحت أقدامه حتى أثرت فيه أصابعه الشريفة عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ثم اتجه جهة الشام وقال أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا ثم اتجه جهة اليمين وقال مثل ذلك وجهة المشرق وقال مثل ذلك وجهة المغرب وقال مثل ذلك فأمر الله الجبال أن تهبط والوديان أن ترتفع وفتح أسماع الأرواح وفتح أسماع الأجنة في بطون أمهاتها وأنطق ألسنة الجميع بأمر ربها فلبت الأرواح وقالت ملبية نداء الخليل لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك والملائكة يسجلون فمن قالها مرة كان نصيبه الحج مرة ومن رددها مرتين كان نصيبه الحج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك وبقى حجر المقام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفيه أقدام الخليل u يراه كل من ذهب إلى هذه الأماكن فيعلم صدق رسول الله فيما قال عن الله ويعلم صحة الخبر أن من بنى البيت هو خليل الله وهذه آثار أقدامه وهذا هو الحجر الذي نادى عليه والذي كان يقف عليه بقى إلى ما شاء الله كما هو وفيه آثار قدميه فإذا كان في ليلة النصف من شعبان فيكشف الله للملائكة الكرام في اللوح المحفوظ الذين وقع عليهم الاختيار للذهاب إلى زيارة الله في بيته الذين يدعوهم لزيارته والذين يؤهلهم للوقوف بين يدي حضرته والذين كتب لهم الطواف حول بيت عظمته والذين هيأ لهم الوقوف على عرفات معرفته فينقلون أسمائهم ويرسلون لهم دعوة لربهم عن طريق الملك الذي وكل بقلوبهم وهو ملك الإلهام فقد قال النبى فى حديث ما معناه{لكل آدمي ملك على قلبه يلهمه بالخير ويحثه عليه وشيطان يوسوس له}فيرسلون له الدعوة عن طريق ملك الإلهام فيلقى في روعة الشوق إلى بيت الله والحنين إلى هذه الرحاب التي باركها الله فيقول لمن حوله إني عازم على الحج هذا العام ثم ييسر المولى الكريم الزاد وييسر الطريق وييسر لمن يريد أن يكرمهم قال r{الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شكروا شكرهم}[3]وقال{يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[4]إن من آيات الله في البيت الحرام الحجر الأسعد .. الذي يستلمه الساعي من الله لما وقف أمامه عمر بن الخطاب وقال له: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك فقال له الإمام علي: بل إنه ينفع ويضر بإذن الله يا أمير المؤمنين قال: وكيف ذلك؟ قال: أما علمت أن الله عندما أخذ الميثاق على بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين كتب هذا الأمر في رق ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد لكل من استلمه يوم القيامة وقد قال النبى{يُؤْتَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ }[5]هذا الحجر يسجل كل الذي يمر حوله كل الطائفين وكل المصلين وكل الراكعين والساجدين وكل الناظرين. العدسة النورانية التي أودعها فيه رب العالمين تسجل هيئاتهم وأصواتهم وحركاتهم وسكناتهم ثم تعيد هذا الفيلم أمام الخلائق أجمعين يوم الدين. كيف هذا وهو في نظرنا حجر لكنه فيه سر من فاطر البشر حجر ليس كالأحجار حتى في صفاته الحسية وقد ورد أن أبا عبد الله القرمطي والقرامطة كانوا من الخوارج الشاذين عن دين الله نزل هو ورجاله إلى بيت الله الحرام في موسم الحج وقتلوا الحجيج وخلعوا الحجر وحملوه معهم إلى الكوفة وأرادوا أن يصرفوا المسلمين عن بيت الله إلى الحجر الذي وضعوه في مسجد لهم في الكوفة وافص عليكم جزءا من الرواية الواردة فيه:{ فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ الْمُحَدِّثَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلامَتَانِ لا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى لِذَلِكَ فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ فَوُضِعَ فِي الْمَاءِ فَطَفَى وَلَمْ يَغُصْ وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ فَعَجِبَ أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَسْنَدَ عَنْ النَّبِيِّ eأَنَّهُ قَالَ [الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ النَّاسِ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ بِالإِيمَانِ وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلا يَسْخُنُ بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ] قَالَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا دِينٌ مَضْبُوطٌ بِالنَّقْلِ وَمِنْ آيَتِهِ أَنْ تَفَسَّخَ تَحْتَهُ(مات تحته) وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِهِ قِيلَ أَرْبَعُونَ جَمَلا وَقِيلَ ثَلاثُمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَمَّا أُعِيدَ لِمَكَّةَ أُعِيدَ عَلَى جَمَلٍ أَعْجَفَ هَزِيلٍ فَسَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.}[6]هذا هو قدر الحجر الأسعد فما بالكم بالمطاف الذي لا يسع أكثر من مائة ألف رجل يطوفون في وقت واحد لكنه لو اجتمع فيه كل سكان المعمورة في وقت واحد يسعهم بإذن الله وعلى هذا الحال أيضاً منى فهي مكان ضيق بين جبلين لا تسع إلا بضع آلاف قليلة سألوا رسول الله كيف تسع منى الحجيج مع ضيقها؟ فقال{إن منى تتسع بأهلها كما يتسع رحم الأم بالجنين الذي فيه}[7]يتسع بطن الأم للجنين فإذا خرج رجعت كحالتها وهكذا منى وسُئل النبى ما بالنا ومن قبلنا نرمي بالكثير والكثير عند الجمرات ولا نجد له أثراً إلا القليل عند انتهاء المناسك؟ فقال النبى{ما تُقُبِّل منها رفع ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال}[8]آيات وآيات كثيرات لا أستطيع أن أحصيها في موقفي هذا ولكن عليكم عباد الله أن تجددوا شوقكم إلى بيت الله فإن الله أمرنا أن نتجه إليه في كل صلاة حتى نحس بالشوق إليه وبالحنين إليه نريد أن نصلي وليس بيننا وبينه جدار وليس بيننا وبينه جبال وليس بيننا وبينه وديان نريد أن نصلي يوماً من الأيام وأمامنا بيت الله الحرام فكلما وقف المصلي بين يدي الله يتحرك فيه الشوق إلى بيت الله الحرام ويريد أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم في هذا المقام.
[1] رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة.
[2] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

[3] رواه البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبزار عن جابر والسيوطي في الفتح الكبير عن ابن عمر.

[4] رواه البزار والطبرانى في الصغير عن أبي هريرة.

[5] رواه الدارمي في سننه وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده وغيره كثيرون عن ابن عباس وورد بكاملها فى خطبة سابقة بالنص المخرج.

[6] حاشية الجمل والوافى بالوفيات لسليمان بن إبراهيم.

[7] رواه الشيخان.

[8] سنن الدار قطنى.

طارق سرور 10-05-2014 05:27 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
أسرار بناء البيت الحرام
ونحن على مشارف شهر ذي الحجة الكريم ويتوافد الحجيج على أرض الله تلبية لنداء سيدنا إبراهيم خليل الله فإن الله أمره أن يبني البيت فقال يا ربَّ فكيف اعلم مكان البيت؟ فانزل الله سيدنا جبريل u وأعلمه بأن الله سيرسل سحابة ستقف أمامه على مكان البيت وأمره أن يعلم على ظلها فإنه أساس البيت فلما علم على أساس البيت وكشفه بأمر الله أمره الله أن يبنيه وإسماعيل ثم أرسل لهم الملائكة الكرام يقطعون الأحجار وينقلونها إلى حيث مكان البيت ويضعها إسماعيل لإبراهيم إلى أن تم البناء بأمر الله فلما تم البناء نادى الله إبراهيم وقال كما قال في محكم كلامه القدير{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} فقال يا ربَّ وما يبلغ صوتي؟ قال: يا إبراهيم عليك الآذان وعلينا البلاغ فأمر الله الأرواح أن تخرج من مستقرها وأمر الجبال أن تهبط من عليائها والوديان أن ترتفع إلى مستوى سطح الأرض وأسمع الجميع آذان إبراهيم فوقف إبراهيم على الجبل المواجه للكعبة(جبل أبي قبيس)واتجه مرة إلى اليمين ومرة إلى الشمال ومرة إلى الجنوب ومرة إلى الشرق وأخرى إلى الغرب وفي كل مرة يقول: (أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا) فقلنا وقال من قبلنا ومن بعدنا من كتب الله لهم زيارة هذا البيت قلنا جميعاً: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لبيك اللهم لبيك منا من قالها مرة ومنا من قالها مرتين ومنا من زاد على ذلك وفي ذلك يقول نبيكم الكريم{من لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك}[1]فإذا كانت ليلة النصف من شهر شعبان ظهر في اللوح المحفوظ بقلم القدرة من علوم فيض حضرة الديان الحجاج الذين اختارهم الله لأداء هذا المنسك في هذا العام فتنسخ الملائكة أسمائهم ويبلغونه دعوة ربهم منهم من تبلغه الدعوة مناماً ومنهم من تبلغه الدعوة في نفسه يقظة ومنهم من يجد الشعور بالذهاب للزيارة ومنهم من يتحرك فيه الباعث لأداء الفريضة والذي حرك هذه البواعث والذي ألهم تلك النفوس والذي أجج غرام تلك القلوب إنما هو علام الغيوب فإذا دعاهم لزيارته يسر لهم الأسباب وبسط لهم الأرزاق وسهل لهم الأمور حتى يذهبوا لأداء المناسك ويتمون الحج لوجه الله مصداقاً لقوله سبحانه{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}يذهب ابتغاء مرضاة الله لا من أجل السمعة ولا من أجل الرياء ولا من أجل اكتساب لقب فإن الله غني عن تلك الألقاب وغني عن تلكم الأعمال وإنما{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }فإذا ذهبوا إلى هناك ذهبوا تطبيقاً لأمر الله وتنفيذاً لسنة رسول الله وهمهم أداء الفريضة ابتغاء وجه الله فرجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم كما قال{مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رجع كيوم ولدته أمه}[2]خالياً من الذنوب والعيوب لماذا فرض الله تلك الفريضة؟إن الله لما أخبر ملائكته الكرام وقال لهم{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }فعلموا أنهم أخطأوا لأنهم لم يحسنوا رد الجواب على ربهم فطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة تائبين منيبين فلما أتموا سبعة أشواط قال لهم: بشرى يا ملائكتي فقد غفرت لكم اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً فإذا أخطأوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم فلما وقع آدم في الخطيئة ونزل ببلاد الهند وحواء بجدة بالأراضي الحجازية ومكث ثمانين عاماً يبكي على خطيئته حتى فتح الله له أبواب توبته فنزل جبريل وأمره أن يذهب إلى البيت ليطوف بالبيت حتى يتوب عليه رب البيت U فجاء من بلاد الهند ماشياً حتى وصل إلى البيت وطاف حوله وقد ورد فى ذلك{طاف آدم u سبعا بالبيت حين نزل ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين ثم أتى الملتزم فقال: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك، ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا كشفت غمومه وهمومه وكففت عليه ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغناء بين عينيه وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها قال: فمذ طاف آدم uكانت سنة الطواف}(ورد فى أخبار مكة للأزرقي رواية عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم}فمن يذهب بمال حلال ابتغاء رضاء الواحد المتعال فإنه يرجع من هناك كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب والعيوب بالإضافة إلى الثواب الذي لا نستطيع أن نحيط به في هذا الوقت القصير ويكفي أن نلمح إليه في قول الرجل الصالح الذي يقول: (صلاة واحدة في جماعة في بيت الله الحرام خير وأعظم عند الله من عمر نوح في طاعة الله) فقالوا له وكيف ذلك؟ قال الصلاة في البيت الحرام بمائة ألف صلاة فإذا كانت في جماعة تزيد سبعاً وعشرين مرة فتصير مليونين وسبعمائة ألف صلاة فإذا قسمناها على خمس صلوات في اليوم كان عمراً أكبر من عمر نوح في طاعة الله U وليست الصلاة فقط فالتسبيحة بمائة ألف تسبيحة والصدقة بمائة ألف والختمة للقرآن الكريم بمائة ألف ختمة وصلاة الجمعة بمائة ألف صلاة جمعة وكل عمل صالح هناك بمائة ألف عمل صالح هنا فضلاً من الله ونعمة قال{الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شفعوا شفعوا}[3]والمؤمنون الذين لم يكتب الله لهم أداء هذه الفريضة يحرمون من هذا الأجر والثواب نقول لهم ولنا إن الله يعطي من هنا مثل أجر من هناك بشروط ومواصفات وضعها رسولكم الكريم يردد الناس - وهذا من جهلهم بدينهم - أن المقبول هو الذي فتح له الباب وسافر بالطائرة أو بالباخرة أو في الأتوبيس ويعيرون من أخذ بالأسباب ولم يكتب له السفر ويقولون له لو كنت مقبولاً لهيأ الله لك السفر وكذبوا على الله فإن كثيراً ممن يسافر إذا قال لبيك اللهم وسعديك تقول له الملائكة لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك لماذا؟لأنه حج من مال حرام وبعضهم خرج للرياء والسمعة حتى إذا رجع يقولون الحاج فلان ذهب والحاج فلان رجع ومثل هذا ليس له من الأجر إلا سمعته وإلا تشريفه بهذا اللقب وإذا كان الأمر أمر السفر فإن نبيكم الكريم رأى في المنام أنه ذهب لأداء الحج وبشر أصحابه وذهبوا وأحرموا وساقوا الهدى ومنعهم الكفار من دخول البيت مع أن الله قال لهم{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ}الكفار والمشركين يطوفون بالبيت والرسول الكريم يمنع من دخول البلد الحرام هل كان هذا دليلاً على قبول الكفار وعلى رد الرسول المختار؟ أم أن تلك الأقدار تفعل بإرادة الواحد القهار U{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}أنت تريد والله يريد ولا يكون إلا إرادة الحميد المجيد أما الذي نوى الحج وأخذ بالأسباب ولم تتيسر له أسباب السفر فقد كتب له حجة مقبولة طوافها وسعيها ووقوفها ورميها ونفقاتها وهي في ميزان حسناته عند الله يوم القيامة وأنا ضمين بذلك عند الله لأن الذي قال ذلك رسولكم الكريم لكن الذي يريد الحج ولم تتيسر له النفقات وليس معه مال ولكنه مشتاق للزيارة ويعيش هذه الأيام القادمة أيام العشر مع الحجيج يعيش معهم في طوافهم ومعهم في سعيهم ومعهم في تلبيتهم يكتب له أجر الحج بنيته وبصدق إرادته وقد قال{إنَّـما الأعْمَالُ بالنِّـيَّاتِ وإنَّـما لكل امْرِىءٍ ما نَوَى}[4]ولم يقل لكل امرء ما عمل وقد سافر أصحابه إلى تبوك في بلاد الشام وكان سفراً طويلاً وشاقاً فلما وصلوا إلى هنالك قال لمن معه{ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ }[5] منعهم العذر وهو ضيق ذات اليد وقلة النفقة من أن يكونوا معهم والله يثيب المؤمنين على قدر نياتهم فالمؤمن ينوي كل عام حج بيت الله الحرام فإن تيسر له الأمر فبها ونعمت وإن لم يتيسر له الأمر أخذ أجر الحجيج المقبولين وثوابهم عند الله على قدر نيته وعلى قدر صدق إرادته لأن الأعمال بالنيات عند الله قال{مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً أَمَامَهُ وَسَنَةً خَلْفَهُ}[6]وهذا كما يحدث للحجيج وقال{يَا فَاطِمَةُ قُومِي إِلى أُضْحِيَتِكِ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّ لَكِ بِكُل قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ}[7]فالحاج هناك يطوف ويسعى والذي هنا يصوم تلك الأيام الفاضلة التي يقول فيها رسولكم الكريم{مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِلُ صِيَامُ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فإذا كان يوم عرفة فإن الله يغفر بصيامه ذنوب سنتين}[8]وإذا كان الحاج يذبح الهدي فالذي هنا يذبح الأضحية وله نفس الأجر وإذا كان الحاج يلبي فالذي هنا يكبر من يوم الوقفة ويوم العيد وأيام التشريق عقب كل صلاة ليكون الذي هنا يكبر والذي هناك يكبر ويلبي والذي هناك في عرفات والذي هنا بروحه مع الله في استجابة الدعوات فيثيب الله الجميع ويوزع الأجر على الجميع

[1] أخرجه ابن اسحق في سيرته والأرزقي في أخبار مكة.

[2] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

[3] رواه البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبزار عن جابر.

[4] متفق عليه عن عمر بن الخطاب.

[5] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وابن حبان في صحيحه وصاحب الفتح الكبير عن أنس.

[6] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.

[7] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والبيهقي في سنته عن البراء بن عازب.

[8] رواه ابن ماجة في سننه وابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس.

طارق سرور 10-05-2014 05:27 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
درجات الحج

في يوم عرفة تجتمع من كل بقاع الأرض في حرم الله وفي بيت الله وفي أرض الله أفواج الحجيج يرجون غفران الله ورحمة الله ذهبوا وقد أعطوا أعز ما يملكون فجمعوا أموالهم للنفقات وتركوا أعز ما يخلفون وهم الأهل والأولاد لماذا ذهبوا إلى هناك؟إن هذا أمر يطول شرحه وسنتكلم فيه باختصار شديد على حسب المناسبة إن شاء الله فإن هذا البيت لبناءه غاية من أجلها أمر الله الملائكة ببنائه ثم أمر بعد ذلك الخليل إبراهيم بتجديد بنائه وهي أن الله أوحى إلى الملائكة بعد أن تقبل توبتهم وغفر لهم زلتهم أن اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي هناك بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم فإذا أراد الله أن يكرم قوماً بالغفران أظهر لهم التبيان ووفقهم للعمل بأركان الحج التي يحبها الديان وإذا غضب الله على قوم أخفاه عنهم أو أخفى عنهم تعاليم الحج وشعائر الحج حتى يفعلونها على وفق أهوائهم فلا تنالهم الرحمة ولا التوبة من ربهم ولذلك عندما جاء طوفان نوح أغرق الله هذا البيت وحملت الملائكة منه الحجر الأسعد وجعلوه أمانة ووديعة عند جبل أبي قبيس المطل على الكعبة حتى لا يعرف الناس مكانه ولا يذهب الناس إليه طلباً للغفران فلما جاءت إرادة السماء أن يعلن الله برفع هذا البناء أذهب إليه إبراهيم وإسماعيل فجاء جبريل ومعه البراق وقال يا إبراهيم: إن الله يأمرك أن تذهب إلى مكة لأنه سيخرج من صلب هذا الولد نبي يدعو الناس جميعاً إلى الله فأركبه البراق وأخذ إسماعيل بين يديه وأركب هاجر خلفه وكلما مر بأرض بها زرع وماء قال: أننزل هنا يا جبريل؟ يقول: لا. حتى وصل إلى مكان البيت فقال: انزل ها هنا فوجدها كما قال الله:{بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}أي لا زرع ولا ضرع فيها فقال: يا جبريل لا زرع هنا ولا ماء قال: هكذا أمر الله وذلك حتى يكون الذاهب إلى هذا المكان لا طالباً للمجد أو للمال أو للجاه أو للكساء ولا طالباً للشهرة أو المنزلة بين الناس وإنما يذهب وهمه الخالص رضاء الله{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}فيكون هدفه رضاء الله وسفره طلباً لغفران الله وهمه كله الإقبال على الله فلو جعله في مكان هواؤه نظيف وماؤه عذب غدير وزرعه نضير لكان الناس يذهبون إليه للسياحة وبجانبها زيارة البيت لكن الله جعل البيت في مكان قفر لا زرع فيه ولا ماء فيه ولا جو تستحسنه الأجسام فيه لكي يتحمل الناس كل هذه المشقات فينالوا الغفران وارتفاع الدرجات عند الله فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت ثم أمره الله أن ينادي على الناس بالحج للبيت فقال: يا ربَّ وما يبلغ صوتي قال: عليك الآذان وعلينا البلاغ{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}فوقف سيدنا إبراهيم على جبل أبي قبيس وأمر الله الأرواح أن تخرج من مستقرها وأمر الجبال أن تهبط والوديان أن ترتفع وأمر الهواء أن يوصل صوته إلى الناس جميعاً فنادى إبراهيم مرة جهة المشرق ومرة جهة المغرب ومرة جهة الشمال ومرة جهة الجنوب وفي كل مرة يقول: أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وأمركم بالحج فحجوا فلبى الناس في زمانه ولبت الأرواح من عصره إلى يوم الدين وقالوا جميعاً :لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك منهم من رددها مرة ومنهم من رددها مرتين ومنهم من زاد على مرتين والملائكة يسجلون قال النبى{فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك}[1]فإذا كانت ليلة النصف من شعبان يظهر في اللوح المحفوظ أسماء حجاج بيت الرحمن في هذا العام فتحمل الملائكة النبأ إلى قلوبهم وإلى أرواحهم فيحسون بالشوق إلى بيت الله وبالحنين إلى حج بيت الله ويهيئ الله الأسباب وهو يرزق من يشاء بغير حساب منهم من يوفقه الله ويأتيه ملك في المنام يبشره بحج بيت الله الحرام ومنهم من يوفقه الموفق فيأتيه الحبيب المختار فيدعوه بذاته الشريفة للحج وللزيارة وناهيك بهذا الشرف العظيم فعندما جاء النبى إلى هارون الرشيد يدعوه قام من نومه مستبشراً وأقسم أن يحج ماشياً على قدميه من بغداد حتى يؤدي المناسك لماذا؟ لأن الذي بشره ودعاه هو حبيب الله ومصطفاه وهذه امرأة من الجزائر جاءها النبى فدعاها للحج وللزيارة فقامت من نومها فرحة مستبشرة وأقسمت أن تذهب إلى البيت على عينيها وبعد القسم احتارت في كيفية التنفيذ فذهبت وأرسلت إلى العلماء لتستفتيهم فأفتوها أن تصلي ركعتين عند كل خطوة تخطوها في طريقها إلى بيت الله فذهبت بهذه الطريقة في ثلاث سنوات حتى وصلت إلى بيت الله الحرام لتوفي بالوعد الذي أقسمت عليه لله ومنهم من يرى في منامه أنه يطوف مع الطائفين ومنهم من يرى نفسه واقفاً على عرفات مع الحجيج ومنهم من يرى أنه يسعى بين الصفا والمروة ومنهم من يرى أنه في الروضة النبوية الشريفة تأتيهم الدعوات بأي كيفية من الله ومنهم من يخبره ملك الإلهام الموجود على قلبه فيهيئ له الشوق الحار لزيارة الله في بيته والظمأ الشديد لأداء المناسك فيعلن إلى من حوله أنه ذاهب إلى بيت الله فلا يذهب إلى هناك على الحقيقة رجل ماله حلال إلا إذا سبق له التوفيق من الموفق أما الذي يذهب وماله حرام فليس لنا شأن به ومثلما راح سيعود ولن يناله إلا التعب والمشقة وقد قال النبى في مثله: {مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ uلَهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ }[2]أما لماذا يذهبون؟بعضهم ينال النصيب الأوفر فيأخذ حظه من حديث رسول الله{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[3]وبعضهم ينال نصيب أكبر من هذا ويكون داخلاً في قوله النبى{الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةِ}[4] فالذي عليه ذنوب يرجع وقد طهره الله من الذنوب والعيوب والذي يحج وليس عليه ذنوب ولا له ذنوب يأخذ كارت ضمان من علام الغيوب بدخوله الجنة والأمان يوم الموقف العظيم ويدخل في قول الرحمن الرحيم{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}آمناً من عذاب الله وآمناً من غضب الجبار وآمناً من شرار الناس في هذه الحياة الدنيا وآمناً من فزع يوم القيامة لأنه يدخل في قول الله{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}ودرجات لانستطيع عدها في هذا الوقت قال النبى{إن الله وعد من حج البيت أن يرده إلى بيته غانماً سالماً مغفوراً له ذنبه وإن توفاه عنده أن يقيض له ملكاً يحج عنه ويلبي عنه إلى يوم القيامة }[5] وقال{ التائب حبيب الرحمن والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ}[6]ما هذه المغفرة التي ينالها حجاج بيت الله؟ ومن ينالونها هل يتبقى عليهم شئ بعدها أم يغفر الله لهم جميع ذلك؟ إن الله يغفر لهم مغفرة عامة شاملة لكل ما قالوه أو فعلوه أو اقترفوه أو جنوه يقول فيها النبى{إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا قَالَ اللهُ تعالى:انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ} [7]

[1] أخرجه ابن اسحاق في سيرته والأرزقي في أخبار مكة.

[2] رواه الطبراني في الأوسط والأصبهاني والبزار عن أبي هريرة.

[3] رواه الدار قطنى في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[4] رواه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه ومسلم في صحيحه والطبراني والحاكم عن جابر.

[5] رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة.

[6] أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.

[7] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ.

طارق سرور 10-05-2014 05:28 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
الحج وغفران الذنوب
ما أجمل وجود المؤمنين وقد استعدوا وبدأوا يتجهزون للحج يغتسلون ويتطيبون ويحرمون ويخرجون للوقوف في ساحة الفضل والجود والكرم الإلهي للمثول في ساحة الإكرام الرباني الإكرام الذي ليس بعده إكرام والإنعام الذي ليس بعده إنعام لو قيل للواحد منا بماذا تشترى المغفرة؟ لقال أشتريها بكل ما أملك من مال ومن ممتلكات ومن مقتنيات فإن المغفرة إذا حصلها الإنسان وخرج للقاء الديان فقد فاز فوزاً مبيناً ولو ملك الإنسان الدنيا بأكملها وكانت كلها في قبضة يده ولكنه خرج منها بدون الحصول على المغفرة ماذا أخذ؟وماذا فعل؟إنه يخرج منها بحسرة يموت منها الأولون والآخرون لو يعرفونها لأنه ملكها كلها وتركها كلها ويحاسب عليها كلها ويبوء بخزيها والندامة عليها جميعها ولم يحصل على ثمرة المغفرة التي هي كل ما يبغيه الإنسان في دنياه وكل ما يطلبه لينال به السعادة في أخراه إن الأمر الصريح من رب العالمين لنا هو أن نسارع ونتسارع ونجري ونتنافس في ماذا يا ربَّ العالمين؟ في الدنيا؟ كلا، في الأموال؟ كلا وألف كلا، في المناصب والدرجات الدنيوية؟ كلا، في ماذا نتنافس يا رب؟{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} نتنافس في منابر الأبرار ونتنافس في مقامات الصالحين ونتنافس في منازل جنات النعيم ونتنافس في النعيم المقيم ونتنافس في البعد عن الجحيم وما أدراك ما الجحيم ونتنافس في البعد عن الخزى والندامة يوم الحسرة يوم القيامة ونتنافس في الجلوس على الآرائك وما أدراك ما الآرائك{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}نتنافس في الصالحات ونتنافس في الطاعات ونتنافس في القربات ونتنافس في كل ما يوصلنا إلى الله ويقربنا إلى معية رسول الله هذا هو تنافس المؤمنين وهذا هو تسابق المؤمنين وهذا هو صراع الموحدين فليس صراعهم على شئ يبلى لأنهم علموا أن كل ما على الدنيا يفنى ولا يبقى مع الإنسان إلا ما عبر عنه الديان وقال{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}عرفوا أن رسول الله قال لأصحابه ذات يوم{أيُّكُمْ مالُ وارثِهِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قالُوا: ما مِنَّا أَحَدٌ إلاَّ مالُهُ أَحَبُّ إليهِ مِنْ مَالِ وارِثِهِ، قالَ : إعْلَمُوا أنهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ ومالُ وارثِهِ أحَبُّ إليهِ من مالِه مالُكَ ما قَدَّمْتَ ومالُ وارِثِكَ ما أَخَّرْتَ} [1]إن الذي خلفته إنما هو لورثتك ولكن الذي قدمته هو العمل الذي فيه سعادتك والخير الذي فيه رفع درجتك والبر الذي فيه رفعة شأنك في الميعاد والوصول إلى مقام يقول فيه رب العزة{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }فالمؤمن يتنافس في الحصول على المغفرة شهادة محو الأمية أصبحت هي الأساس في التعيينات الحكومية وغير الحكومية ولله المثل الأعلى وشهادة المغفرة هي أدنى الدرجات التي لابد لك من الحصول عليها عند الخروج من هذه الحياة حتى تدخل على الأقل في قوله{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}حتى نتزحزح عن النار وندخل الجنة مع الأبرار وإذا لم تخرج من هذه الحياة ومعك شهادة من العزيز الغفار بأنه قد غفر لك ذنوبك وستر عليك عيوبك فبماذا خرجت؟ لكنك إذا خرجت من الدنيا ومعك شهادة بالمغفرة وليس معك إلا حسنة واحدة فقد فزت وسعدت لأنه ليس عليك أوزار وليس عليك ذنوب تثقل كفة السيئات وليس عليك ذنوب تجعلك تزل في المشي على الصراط وليس معك ذنوب تجعلك تتناول كتابك بشمالك وليس معك ذنوب تجعلك تمشي على وجهك وليس معك ذنوب تجعلك تجلس في أرض القيامة والمؤمنون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله شهادة المغفرة هي ذخيرة المؤمنين وهي ركيزة الموحدين لأنها هي السعادة العظمى مع رب العالمين ولذلك يقيم المولى للمؤمنين مواسم للحصول على هذه الشهادة والمواسم تلو المواسم فإذا صاموا رمضان سلم للصائمين شهادة بالمغفرة وإذا قاموا رمضان سلم القائمين شهادة بالمغفرة وإذا حافظوا على الصلوات الخمس في جماعة من الجمعة إلى الجمعة سلم المحافظين على الفرائض في أوقاتها من الجمعة إلى الجمعة شهادة بالمغفرة والمحافظ على صلاة الفجر أربعين يوماً في جماعة أعطاه الله شهادة بالمغفرة ولو ترك الأهل والأموال والأولاد وخرج من بيته مهاجراً لزيارة رب العباد في بيته المحرم في بيته المعظم في بيته المكرم وقد حصل المال بطريق حلال - لأن هذا شرط القبول - فإذا كان المال من طريق حلال وقال لبيك اللهم لبيك قالت الملائكة له لبيك وسعديك والخير كله لك وبين يديك أما إذا كان المال من طريق حرام أو من طريق الشبهات وقال لبيك اللهم لبيك تقول الملائكة لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك فإذا حج من نفقة حلال وخرج يبغي وجه الله لا يريد شهرة بين الناس أي لم يخرج حتى إذا رجع يقولون له الحاج فلان فإن عمر حج وأبو بكر حج وأصحاب رسول الله جميعاً حجوا ولم نسمع من يقول الحاج أبو بكر أو الحاج عمر أو الحاج عثمان وإلا فإن الصلاة أعظم من الحج هل يجوز أن نقول المصلي فلان أو المزكي فلان أو الصائم فلان إن هي إلا ألقاب سميناها ما أنزل الله بها من سلطان فإذا حج فليخلص النية ولينوي بحجه هذا الحصول على مغفرة من الله ورضوان يوم الحصول على الفوائد التي أعدها الله لمن يقوم بأداء هذه الفريضة وينوي مشاهدة البقاع المقدسة التي شاهدت نزول الوحي الإلهي والتي شاهدت الأنبياء عليهم السلام وهم يمشون يبلغون رسالات السماء ويتعرضون للأذى من هنا ومن هناك لا يخافون في الله لومة لائم حتى أعزهم ونصرهم ونشر دينهم وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى فإذا خرج الحاج بنفقة حلال ويبغي رضاء ذي الجلال لا يرفع قدماً ولا يضعها إلا وكتب له حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة فإذا وصل إلى هناك وطاف حول البيت كان كما يقول رسول الله {كمن يخوض في رحمة الله}أي كمن يسبح أو يخوض في رحمة الله وأنتم تعلمون أن من يسبح في المياه هل يخرج وعليه أوساخ؟هل يخرج وعليه أوزار؟ فما بالك بمن يخوض في رحمة الله هل يخرج وعليه ذنب أو خطيئة ؟ هل يخرج وعليه عقوبة؟ إنه يخرج برحمة الله والملائكة يقولون لمن يدخلون جنة الله برحمة الله هم فيها خالدون يدخلون في الجنة برحمة الله التي يقول فيها رسول الله { لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلٍ» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أَنا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ }[2] فإذا وقفوا على عرفات فهذا يوم المغفرة الأعظم يوم الغفران يوم تجلي الغفور يوم تجلي التواب يوم تجلي العفو عن المذنبين وعن المسيئين وعن الخطائين لأنه يقول في حديثه القدسي{يا عِبَادي إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُـخْطِئونَ باللـيلِ والنهارِ وأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذنوبَ ولا أُبَالِـي فاسْتَغْفِرُونـي أَغْفِرْ لَكُمْ يا عِبَادِي لو لقيتموني بقراب الأرض خطايا [يعني بملء الأرض ذنوب]ثم لقيتموني لا تشركون بي شيئاً غفرت لكم ما كان منكم ولا أبالي}[3]إنه هو الغفور الرحيم إنه يحب التوابين ويحب المتطهرين فإذا وقفوا بين يديه ملبين وقد وضعوا ذنوبهم بين أيديهم وتضرعوا بألسنتهم وقلوبهم إلى خالقهم وبارئهم يرجون رحمته ويطلبون مغفرته يقول الكريم لعباده الملائكة: {يا ملائكتي انظروا إلى عِبَادِي جَاءُونَا شُعْثَاً غُبْرَاً مِنْ كُل فَجَ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ أَوْ كَقَطْرِ المَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورَاً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفِعْتُمْ لَهُ }[4] بل إن الله يتفضل عليهم فيستجيب لهم الدعاء ويتحمل عنهم الحقوق ويباعد بينهم وبين المعاصي ويباعد بينهم وبين الشياطين ولذلك يقول سيد المرسلين{مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ}[5]لماذا؟لما يرى من مغفرة الله لعباد الله فيندم على ما فعل لأنه وسوس لهم طول الأعوام وزين لهم الأعمال السيئة طول الأعوام ثم يغفرها الغفور في نفس وأقل لأنهم وقفوا بين يديه خاشعين ووقفوا بين يديه ضارعين وقد عبروا عن ذلك في حالهم عندما لبسوا أكفانهم وتجردوا من أفعالهم وتجردوا من دنياهم ووقفوا بين يديه كما يقفون بين يديه في أخراهم ليس عليهم إلا الملابس البيضاء والكل يتساوى أمام رب الأرض والسماء لا فرق بين غني ولا فقير ولا رئيس ولا وضيع الكل متساوون أمام الله لا يظهر الفارق إلا بالتقوى وتلك في صدورهم لا يراها إلا الله ولا يطلع عليها إلا الله فإذا وقفوا بين يديه هكذا خاشعين متذكرين لذنوبهم تائبين من أوزارهم غفر الله لهم بل يقول النبي{يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ}[6]ويقول{إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}[7] ونحن أيضاً في هذه البلاد وإن كنا لم نوفق للمثول بين يدي الله في هذه الأماكن المباركة إلا أن الله لم يحرمنا من هذا الفضل بل جعلنا شركاء لهم في الأجر إذا وفقنا للعمل بهدي رسول الله والمتابعة لسنته فإذا دققنا في إتباع السنة في ذلك اليوم والسنة هي صيام ذلك اليوم وفيه يقول الحبيب{صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}[8]ويقول{مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِلُ صِيَامُ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[9]ويقول{مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ قِيلَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَلاَ الْجَهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُهْرَاقَ دَمُهُ فلم يرجع من ذلك بشئ }[10] فإذا صمنا في هذا اليوم لله وعشنا في هذا اليوم بأرواحنا وأجسادنا بين يدي الله مستقبلين عظمة الله ومستحضرين توبة الله ومستحضرين أن الله تنزه عن المكان ورحمته وسعت كل شئ فستسع جميع بني الإنسان والذين يقفون بين يديه في هذا الزمان يلبون ويضرعون ويصرخون ويستجيرون لأنه يغفر الذنوب جميعاً إذا وقفنا بين يدي الله في هذا اليوم على هذه الشاكلة جبر الله كسر قلوبنا وغفر ذنبنا وكنا مشاركين لأهل عرفات في مغفرة الله وإن تفاوت الأجر والثواب ولكن حسبنا المغفرة من العلي الوهاب عباد الله اعلموا أن هذا اليوم يوم عرفة يوم بر ويوم كرم والله هو الرب الكريم الذي ليس لكرمه حدود وهو الوهاب الذي ليس لهباته نهاية وهو المنان الذي يعطي ولا يمن على عباده يعطي بلا حدود ويشمل بعطائه الجميع بشرط أن يكون الجميع في مقام التضرع والخشوع في مقام الإنابة والتوبة لله في مقام السجود بين يدي الله في مقام الرجاء في كرم الله في مقام الخوف من قهر الله وعظمة الله فإذا كنا كذلك شملنا الله برحمته ووسعنا بمغفرته قال النبى{التائب حبيب الرحمن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ}[11]علينا أيضاً في هذه الأيام المباركة عبادات خاصة سنها لنا رسول الله من هذه العبادات التكبير لله عقب الصلوات منذ فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد علينا أن نكبر عقب كل صلاة وألفاظ التكبير: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، إذا صلينا في جماعة نكبر جميعاً وإذا فاتتنا الجماعة فصلينا مفردين علينا أن نكبر أيضاً وإذا صلينا نافلة منفصلة عن الجماعات كبرنا أيضاً ونعلم ذلك لنسائنا ولصبياننا ولكن نعلم نسائنا أن يكبرن بصوت خافت لا يسمعن إلا أنفسهن أما الرجال فيكبروا بصوت جهوري لأنها أيام تكبير يقول فيها{زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِلله}[12]فالتكبير هو زينة العيد ليست زينة العيد فيما نفعله من أضواء وفيما نفعله من زينات ولكن كما قال الله{وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }أيضاً علينا في هذه الأيام بالأضحية لأنه فيها أجر لا يعلمه إلا الله بين بعضه رسول الله حينما قال لابنته فاطمة: {يَا فَاطِمَةُ قُومِي فاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا تُوضَعُ فِي مِيزَانِكِ سَبْعِينَ ضِعْفاً قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا لآِلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَإنَّهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الْخَيْرِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لآِلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً}[13]وقال{مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً}[14]وفى رواية{قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِي؟قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ قَالُوا: فالصُّوفُ ؟ قَالَ: بِكِلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوَفِ حَسَنَةٌ }[15] هذا الأجر والثواب لمن يضحي كما كان يضحي رسول الله بالشروط التي وضحها رسول الله فما هي؟أن يضحي بعد صلاة العيد لقول الحميد المجيد{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}ولقول رسول الله{أَوَّل ما نبدأ يومنا هذا أنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ ننحر فَمَنْ فَعَلَ ذٰلِكَ فَقَدْ أَصابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ تَعَجَّلَ فَإِنَّما هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ }[16]فلابد أن يكون الذبح بعد الصلاة لمن يريد أن ينال هذا الثواب من الله وأن تكون الأضحية مستوفية للشروط الشرعية لقول الله{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}ثم يخرج منها شيئاً للفقراء وشيئاً للأهل والأصحاب على هيئة هدية ويستحسن أن نقسمها إلى ثلاثة (ثلث لأهلك وثلث للفقراء وثلث للأهل والأقارب) وإذا كنت محتاجاً فلا عليك أن تأكلها كلها وأيضاً لك الأجر لأنك فقير ومحتاج هذه الأضحية هي سنة عن أبيكم إبراهيم عندما ضحى عن إسماعيل عندما رأى في رؤياه أنه يذبح فتاه ورؤيا الأنبياء وحي من الله ولذلك عندما قال لفتاه{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}وكان الابن يعلم أن رؤيا الأنبياء أمر ووحي من الله فقال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}ثم أخذه بعيداً وقال يا أبتاه انزع قميصي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن على ذلك واجعل وجهي إلى الأرض حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة فتتردد في تنفيذ أمر الله واشحذ السكين حتى تذبح بسرعة حتى لا أتألم من آلام الذبح فأراد أن ينفذ قضاء الله ووضع ابنه ووحيده بين يديه وقد شحذ السكين وأراد أن يقطع فإذا بالسكين لا تقطع وعجب الخليل من ذلك وإذا بأمين الوحي جبريل ينزل من السماء بكبش من الجنة وبخطاب من ربِّ الأرض والسماء بتلغراف عاجل من الله بعد أن بكت ملائكة الله وقالت يا ربنا كيف تطلب من الخليل أن يذبح وحيده إسماعيل وهو أعلم بما قدر فى سابق علمه فقال تعالى{يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}وفداه الله بذبح عظيم فتلك هي سنة إبراهيم ولذلك جعلها رسول الله سنة سارية إلى يوم الدين وقد ضحى النبى بكبشين أملحين وذبحهما بيده فقد ورد فى الحديث الشريف{كَانَ إِذَا ضَحَّى اشْتَرٰى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ أَتى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ فِي مَصَلاَّهُ فَذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعَاً مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلاَغِ، ثُمَّ يُؤْتى بِالآْخَرِ فَيَذْبَحَهُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعَاً المَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا } [17] فهو e قد ضحى عن فقراء الأمة حتى لا يحزنوا وحتى لا يجزعوا لقد ضحى عنهم النبي الشفيع ويسن أيضاً أن نجعل رأسها تجاه القبلة وأن نسقيها قبل الذبح وأن نريحها وأن نشحذ السكين ولا تشحذها أمامها وأن تقول عند الأضحية(اللهم هذا عن فلان وأهل بيته إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) تلك يا أخوة الإيمان بعض أحكام الهدي التي أوجبها الله على المستطيع وعطف رسول الله بالفقراء والمساكين بذبحه عنهم سنة أبينا إبراهيم وما جعله الله إلا للمغفرة أي إلا لننال بها المغفرة والأجر الكريم من الله ولا يفوتنا في هذه الأيام المباركة أن نصل أرحامنا وأن نزور أقاربنا لقول رسولكم الكريم{لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا}[18]وحتى لا يتحجج أحد منا ويقول أنا أحسن إلى أقربائى ولكنهم لايقابلون الإحسان بمثله فهل تحسن إليهم أولاً ليحسنوا إليك؟ أم تحسن إليهم إقتداء بسيد الأنبياء ورغبة فى مرضاة الله؟ هذه واحدة والثانية فقد أَتَى رَجُلٌ إلى رسول الله وقالَ{يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ: «لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ}[19] يعني كأنما تطعمهم الجمر الذي يتبقى بعد النار فعلينا بصلة ذوي الأرحام لأنها العبادة التي ترضي الملك العلام في هذا اليوم الكريم.

[1] رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شَيْبَةَ وغيرِهِ عن أبي معاويةَ. وأخرجه البخاري من وجهٍ آخرَ عن الأعمشِ، سنن الكبرى للبيهقي

[2] رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة.

[3] رواه مسلم والحاكم في المستدرك عن أبي ذر.

[4] البزار عن ابن عمر.

[5] رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله.

[6] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.

[7] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ.

[8] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.

[9] (ت هـ) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضَي اللَّهُ عنهُ

[10] رواه ابن ماجة في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس.

[11] أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.

[12] رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.

[13] (رواه البزار)

[14] الترمذى وابن ماجه والحاكم فى مستدركه عن عائشةَ رضَي اللَّهُ عنهَا.

[15] رواه أحمد وابن ماجه، عن زيد بن أرقم

[16] رواه البخاري ومسلم والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب

[17] أحمد فى مسنده عن أَبي رافعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وغيرها جامع المسانيد والمراسيل

[18] رواه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه والبخاري في صحيحه وأبو داود عن عبد الله بن عمرو.

[19] رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة

طارق سرور 10-05-2014 05:29 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
الحج ومشاهد القيامة
نحن هنا والحمد لله بأجسامنا وأرواحنا في بلد الله الحرام مع حجاج بيت الله نتابع خروجهم من مساكنهم في مكة إلى منى ليصلوا هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبعد صلاتهم الصبح يتوجهون جميعاً إلى عرفات الله ماذا يستحضرون في أعمالهم؟إن الشريعة المطهرة أمرت المؤمن والمؤمنة أن يستحضر في كل عمل يعمله بأعضائه وحركات جسمه مشهداً قلبياً يشهد فيه سراً من أسرار حكمة ربه وسنسوق على حسب المقام بعض ما يشهده حجاج بيت الله الحرام في أداء مناسكهم رغبة في رضا الرحمن في صباح هذا اليوم يغتسلون ويتذكرون بهذا الغسل آخر غسل لهم بعد وفاتهم للقاء ربهم ثم يخلعون ملابسهم ويلبسون ملابس الإحرام ويتذكرون بها الأكفان التي يلبسونها يوم يدعوهم الديان فإذا خرجوا من ديارهم تذكروا صيحة الله عندما ينادي(ياأيتها العظام النخرة وياأيتها الأعضاء المتقطعة ويا أيتها الشعور المتهالكة اجتمعوا واخرجوا ليوم الجمع)فيتذكروا هذا النداء فيقولون ملبين لله(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك)وكلمة لبيك يعني جئت إليك مسرعاً طائعاً يا ربَّ العالمين فهي تعني سرعة الإجابة وسرعة التلبية لله فإذا وصلوا إلى عرفات تذكروا يوم الميقات{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ}وقد تسارع الجميع لا شهرة لغني ولا ظهور لفقير ولا مكان مخصص لأمير أو وزير بل الكل سواسية أمام العلي الكبير ملابس واحدة وفي مكان واحد وألسنة مختلفة وأصوات متنوعة ووجوه متباينة كأنه يوم الحشر فيضرع الإنسان إلى الله إذا تذكر يوم العرض على الله وعلم أن هذا هو اليوم الذي سيحاسبه فيه مولاه على ما قدمت يداه فيسارع إلى التوبة ويبكي بدموع الندم على الذنوب ويضرع إلى الله أن يتغمده بغفرانه وأن يشمله بعفوه ورضوانه ولذا قال النبى{أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له}[1]ثم يدعوهم الله بعد خروجهم واعترافهم على عرفات بذنوبهم للقاء حضرته فيتذكر الحاج بالذي يقطعه على الله والذي يباعد بينه وبين طريق الله وهو إبليس اللعين فيرجم الجمرات كأنه يعلن البراءة من وسوسة إبليس ومن تلبيس إبليس ويتذكر أن النفس تعوقه في مهمته فيسارع إلى إراقة الدماء وكأنه يقول يا ربَّ إن لم يكن يرضيك إلا قتل نفسي في سبيل مرضاتك فها أنا ساعي في مرضاتك بكل ما أستطيع ثم يذهبون إلى بيت الله الحرام والله لايحده بيت ولا يحيط به مكان ولكنه مثال جعله الله لنتذكر به يوم العرض على الله فيتذكر وقوفه بين يدي مولاه عندما يطوف ببيت الله وكيف يكون موقفه وكيف يكون شأنه في يوم يقول فيه سيد الأولين والآخرين{إن الوجوه لتتهدل حتى لا يكون عليها مزعة لحم من شدة الخجل والحياء من الله}هذا للمسرفين والعصاة والمذنبين أما المؤمنون الصالحون ففيهم يقول رب العالمين جل وعلا فى محكم التنزيل{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}ثم يطوف ويمشي بين الصفا والمروة ويتذكر مشيه بين كفتي الميزان فالصفا إشارة إلى كفة الحسنات والمروة إشارة إلى كفة السيئات وهو يمشي بينهم يتهادى تارة ويسرع أخرى ويتعشم أن تثقل كفة حسناته ولو بحسنة واحدة حتى يكون فيمن قال فيهم الله{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}هذه باختصار شديد بعض المعاني التي يستحضرها الحجيج لكي يغفر الله لهم ويقول لهم انصرفوا لقد غفرت لكم وقد أكرم الله المسلمين أجمعين في هذا اليوم ووعدهم بالمغفرة وقد قال النبى{خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ}[2] لم يقل دعاء المؤمن على أرض عرفة لكنه جعل دعاء يوم عرفة لمن هناك ولمن هنا على أن يشاركهم في حالهم ويهيئ نفسه لاستحضار أحوالهم ولذلك دعا النبي المؤمنين والمؤمنات إلى صيام هذا اليوم وقال في شأنه{صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}[3]لأن الصيام يقوي الاستحضار ويقوي الناحية الروحانية فيعيش المؤمن في هذا اليوم في أي زمان وفي أي مكان وكأنه على عرفات الله مع الحاج يدعو الله أو يتلو كتاب الله أو يستغفر الله أو يبتهل ضارعاً إلى الله المهم ألا يشغل نفسه في هذا اليوم إلا بطاعة الله فإذا أكرم الله الحجيج بإجابة الدعوات كان دعاؤه معهم وإذا أكرمهم الله بغفران الذنوب غفر الله له معهم وإذا تفضل عليهم بشئ من الرحمات عمته الرحمة معهم لأنه شاركهم بنفسه وبروحه وإن لم يستطع أن يشاركهم بجسمه ويشهد لذلك قول رسولكم الكريمeفيما يرويه الإمام البخاري عندما توجه بجيشه إلى تبوك ببلاد الشام ووقف هناك وقال لمن حوله{إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ}[4]ولأن العذر حبسهم فقد شاركوا إخوانهم في أجورهم وفي مكافآتهم وفي كل أحوالهم هكذا الأمر يا جماعة المؤمنين لمن حبسهم العذر عن الذهاب إلى بيت الله لكنه عاش في هذه الأيام بروحه وبنفسه وبعقله وبقلبه وبكله في هذه البقاع المباركة حتى أنه عندما ينام من شدة شوقه لهذه الأماكن قد يجد نفسه يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو يقف على عرفات لشدة شوقه إلى هذه الأماكن المباركات فدعانا النبي إلى أن نصوم هذا اليوم وإلى أن نكبر الله من صبح الغد وهو يوم عرفة إلى عصر يوم الرابع من أيام العيد نكبر الله بعد كل صلاة سواء صلينا في جماعة أو صلينا فرادى الرجال والنساء وإن كانت النساء تكبر بصوت خافت والرجال بصوت عالي لكن الكل يكبر الله عقب كل صلاة سواء كانت فريضة أو سنة فمن صلى ركعتي الضحى عليه أن يكبر في هذه الأيام حتى لو حضرتنا جنازة في هذه الأيام علينا بعد الانتهاء من صلاة الجنازة أن نكبر الله{وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }قال النبى{مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ }[5]وقال{ما مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدَّنْيَا فِيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ فَلَمْ يُرَ يَوْمُ أَكْثَرُ عِتْقاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ} [6]وقال ايضاً{صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}[7]يكرم الله عباده المؤمنين في هذه الأيام بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فالمؤمن الذي يقتدي بنبي الله إبراهيم ونبي الله إسماعيل يشتري أضحية بشروطها الشرعية إن كانت من الماعز يشترط أن يكون مرّ عليها عامين وإن كانت من الأغنام يشترط أن يكون مرّ عليها ستة أشهر وإن كانت من الأبقار يشترط أن يكون قد مرّ عليها سنتين وإن كانت من الجمال يشترط أن يكون قد مر عليها خمس سنوات وألا تكون بها عيوب لا عوراء ولا جرباء ولا هزيلة ولا مريضة ولا مشقوقة الأذن ولا مكسورة القرن لأن المؤمن لا ينال البر حتى يعطي أفضل ما يحب لله Uوأن يكون ذلك بعد صلاة العيد وسماعه الخطبة لقوله{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}ويجوز أن نذبحها في أول يوم أو ثاني يوم أو ثالث يوم على أن يذبح بالنهار ويكره الذبح بالليل وأيضاً لا يعطي الجزار شيئاً منها على سبيل الأجرة كما يفعل الكثير منا يحضر الجزار فيذبح الأضحية ثم يحمل الجلد على كتفه ويخرج على أنه أجرته هذا ممنوع فقد قال على رضى الله عنه وكرم الله وجهه{أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ. وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا. وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا }[8]ماذا نفعل بالجلد؟ يمكن أن نبيعه ونتبرع بثمنه لأي مشروع من مشروعات الخير أو عمل من أعمال البر فإذا وفى المسلم بهذه الشروط خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وليس هذا فقط بل قال{لصاحبها بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ ويُرْوَى بِقُرُونِها}[9]من يستطيع أن يعد؟{ولكم بكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان بقرونها وأظفارها ولحومها ودمائها فطيبوا بها نفساً وأبشروا}ثم ماذا يا رسول الله؟قال{إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}[10] أى هي الركوبة التي تكربها على الصراط يوم القيامة إن شاء الله فالأضحية سنة على الموسر يفعلها في عمره كله ولو مرة لكن لا يجب في سبيلها أن تحدث المشكلات في البيوت كأن نريد أن نضحي حتى لا نكون أقل من الجيران ولا يجب أن يستدين المرء ليضحي لله Uفالذي معه سعة عليه أن يضحي خوفاً من قول رسول الله r{ مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا}[11] لكن الذي ليس معه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لأن المؤمن لا يعمل العمل إلا لله فإذا ضحى فإنما يضحي طمعاً في ثواب الله ورغبة في رضاء الله لا سمعةً بين جيرانه ولا شهرةً بين أقرانه وقد يحدث في البيوت ما لا تحمد عقباه من هذا أن الزوجة قد تصرّ على الأضحية ولو شكى لها الزوج ألف عذر لا ترحمه لأنها تقول له كيف أقابل الجيران وأتحدث مع الإخوان وليس عندنا أضحية؟ وهذا لا يرضي الرحمن Uفالمؤمن لا يعمل إلا لله ولا يعمل إلا ابتغاء ثواب الله وطلباً لرضوان الله Uلكن المؤمن الذي ليس معه سعة عليه أن يحاول أن يضحي ولو مرة واحدة في عمره كله وهذا ليس بالصعب العسير ليحصل على هذا الثواب يغفر الله له ولأهل بيته وتوضع بكل ما فيها في كفة حسناته ويكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم لقاء الله هذا فضلاً عن متابعته لسنة سيد الأنبياء وإمام الأنبياء سيدنا رسول الله وسيدنا إبراهيم فإذا ضحى فإن الأضحية يصلح شأنها ويرفع ثوابها أن يعطي المرء منها للفقراء والمساكين وعليه أن يتحرى في ذلك فإن كثيراً منا يعطي السائلين وكثيراً منهم ليسوا محتاجين وإنما يستكثرون من هذا الخير لعلمهم أن الناس يعطون من سألهم لكن المؤمن يتحرى موضع صدقته وخير موضع يضعها فيه الموظف الذي عنده أولاد ودخله لا يكفيه كيف يعطيها له؟ إن هذا أمر لو هدى الله العبد له لألهمه بالطريقة السليمة الرشيدة التي يستطيع بها أن يضع صدقته في موضعها لقد قال{لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا العيال }[12]وقال الله واصفاً الفقراء الذين يبحث عنهم الأغنياء{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ}لا يقدر أن يمد يده لأحد{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}لا يشكو فقره إلا إلى ربه مثل هذا يجب علينا أن نغنيه في هذا اليوم فإن السائل الذي يمد يده إلي وإليك تعلمون جميعاً أنه يملأ ثلاجات العمارة كلها بما تسوله من اللحوم أما الفقير المتعفف فقد لا يستطيع إحضار كيلو واحد من اللحم لأولاده في هذا الوقت ولا يستطيع أن يمد يده ولا تطاوعه نفسه أن يسأل لأنه رجل عفوف النفس قوي الإيمان وهذا الذي يجب علينا أن نبحث عنه جميعاً أيها المؤمنون وإياك أخى المسلم أن تقول أنه ليس بموجود أو أنه أصبح مفقوداً بل موجود وكثير ولا يغرك المظهر ولا يغرك الشأن العام ولكن ابحث في جوهر الناس وتحسس في طلبات الناس بلا تجسس والتماس عورات ولكن ابحث عن الفقير المتعفف ذو العيال الذى اغلق بابه وكف لسانه وسأل ربه وليسوا الذين سدوا ابواب الطرقات وغصت بهم باحات المساجد وإن أغلبهم لتجار كما نهر عمر أحدهم لما رآه يسأل المرة تلو المرة فقال له إنك لتاجر فلنبحث عن المتعففين المحتاجين لنضع الصدقة في موضعها الحقيقي.

[1] قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، كشف الخفاء

[2] رواه الترمذي في سننه عن عمر بن شعيب ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمرو

[3] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري

[4] رواه البخارى وأحمد عن أنس

[5] رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله بن كريز

[6] صحيح ابن حبان عن جابر

[7] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري

[8] صحيح مسلم

[9] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن زيد بن أرقم

[10] رواه السيوطي في الكبير والديلمي عن أبي هريرة

[11] رواه ابن ماجة في سننه ورواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.

[12] رواه ابن ماجة في السنن والسيوطي في الكبير عن عمران بن حصين.

طارق سرور 10-05-2014 05:29 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام
يوم الحج الأكبر هو يوم تفضل الله به على جميع المسلمين من لدن آدم إلى ختام الأنبياء والمرسلين فجعله الله يوماً للمغفرة ويوماً للرحمة ويوماً للعبادة ويوماً لتنزل السكينة في قلوب المؤمنين ويوماً يعرف فضله الأولين والآخرين والإنس والجن وكل من شهد بالوحدانية لله ربِّ العالمين وقد كان بدء هذا اليوم مع آدم عندما خرج بأمر ربه وهو في الجنة وأكل هو وزوجه من الشجرة التي نهاهما عنها الله فبدت لهما سوآتهما فعلم أن الله غضب على فعلتهما فمشى آدم في الجنة كسيف البال فقال الله تعالى له: أفراراً مني يا آدم؟ قال: بل حياءاً منك يا ربَّ فهبط آدم بأمر الله{اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً}وكان نزوله على قمة جبل سرنديب جنوب الهند وأهبطت حواء إلى جدة ببلاد الحجاز ومكث آدم يبكي على ذنبه ثلاث مائة عام حتى كان أول شهر ذي الحجة فنزل عليه أمين الوحي جبريل وقال يا آدم اذهب إلى بيت الله وطف حوله واضرع لربك يغفر الله ذنبك فجاء آدم من بلاد الهند ماشياً حتى وصل إلى بيت الله الحرام فكان وصوله في صباح يوم العاشر من شهر ذي الحجة{قَالَ النَّبِيُّ :لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلى الأَرْضِ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَاً وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِري وَعَلاَنِيَّتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِي سُؤْلِي وَتَعْلَمُ مَا عِنْدِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي أَسْأَلُكَ إِيمانَاً يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينَاً صَادِقَاً حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لاَ يُصِبُنِي إِلاَّ مَا كُتِبَ لِي وَرَضنِي بِقَضَائِكَ فَأَوْحى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا آدَمُ إِنَّكَ قَدْ دَعَوْتَنِي بِدُعَاءٍ أَسْتَجِيبُ لَكَ بِهِ وَغَفَرْتُ ذُنُوبَكَ وَفَرَّجْتُ هُمُومَكَ وَغُمُومَكَ وَلَنْ يَدْعُوَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ ذُريَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ إِلاَّ فَعَلْتُ ذٰلِكَ بِهِ وَنَزَعْتُ فَقْرَهُ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَاتَّجَرْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ كُل تَاجِرٍ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ كَارِهَةٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا إِلاَّ رِزْقَاً }[2]كان هذا اليوم يوم المغفرة فما من عبد مؤمن يعينه الله ويمده بالأسباب التي توصله إلى بيت الله من المال الحلال والزاد الطيب إلا دخل في قوله{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه }[3] فيرجع وقد طويت صحف سيئاته وزاد الله فضلاً في حسناته فإن الله جعل هذا البيت العمل حوله مضاعفاً أضعافاً كثيرة لا يستطيع أحد حصرها ولكن بحسبنا أن نلمح ألى بعض فضلها فقد قال فيه رجل من الصالحين صلاة واحدة في جماعة في بيت الله الحرام أكثر من عمر نوح في عبادة الله فقال له الحاضرون كيف يكون ذلك قال لأن النبي قال في حديثه{الصَّلاَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ}[4]والصلاة التي فرضها علينا الله تكتبها الملائكة عشر صلوات فإذا ضربنا المائة ألف في عشرة كانت مليون صلاة وصلاة الجماعة تزيد عن صلاة الفرد بسبع وعشرين مرة فتصير مليونين وسبعمائة ألف صلاة لكل صلاة واحدة فإذا قسمتها على خمس صلوات في اليوم كانت أعماراً طويلة وسنين كثيرة هي في مجملها فوق قدر عمر نوح كثير وكثير من فضل الله الذي لا يعدُّ ولا يحدُّ ولم يجعل الله الصلاة فقط بمائة ألف بل كل تسبيحة بمائة ألف وكل صدقة بمائة ألف وكل عمل صالح فيه بمائة ألف عمل صالح عند الله لأنه بيت الله وزائره زائر لمولاه فأول ما يرجع به الحجيج أن يرجعوا وقد غفر لهم ذنوبهم وقد ستر الله لهم عيوبهم وقد محا الله عنهم أخطائهم وقد جعل الله هذا الفضل العظيم لعباده المؤمنين أجمعين من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولم يحرمنا الله U نحن جماعة المؤمنين المقيمين من هذا الفضل فجعل لنا بعمل يسير إن عملناه أن يغفر لنا ذنوبنا وذنوب أهل بيتنا ما تقدم منها وما تأخر إذا تأسينا بسنة الخليل إبراهيم uالحج في مجمله خطوات الأنبياء فالطواف عمل آدم u والسعي بين الصفا والمروة عمل هاجر أم إسماعيل عليهما السلام عندما أمره الله أن يحمل ولده وأمه ويضعهما بجوار البيت فالتفتت إليه وقالت يا إبراهيم لمن تتركنا في هذا المكان الذي لا ماء فيه ولا إنس ولا حيوان فلم يجبها فقالت: يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يجبها فقالت:أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم. قالت: إذاً لن يضيعنا فلما نفذ الماء القليل الذي معها وأحس ابنها بالجوع وكان رضيعاً يرضع من ثديها اللبن وفتشت عن اللبن في صدرها فلم تجد فأخذت تبحث عن الماء لتشرب منه فصعدت إلى جبل الصفا لتنظر خلفه هل تجد ماء فلما لم تجد نزلت إلى بطن الوادي ثم هرولت مسرعة كما يفعل الحجيج بين الميلين الأخضرين ثم نزلت حتى وصلت إلى جبل المروة تنظر خلفه هل تجد ماءاً وكررت هذا العمل سبع مرات وهو السعي بين الصفا والمروة لحجاج بيت الله الحرام وبعد أن أتمت المرة السابعة، نظرت فوجدت طيوراً حول ابنها فخافت عليه وأسرعت إليه فوجدت الماء وقد نبع من تحت قدميه ماء كثير يفور وأخذت تزمه بالتراب وتقول زمي زمي فسمى زمزم قال الحبيب{ يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيـلَ لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً }[5]فكان ماء زمزم من نبع قدم إسماعيل وفيه الشفاء وفيه الدواء وفيه الخير ويكفي فيه قول الحبيب{مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ}[6]فيه طعام طعم وفيه شفاء سقم فهو الماء الوحيد الذي يطعم الجائع ويروي الظامئ ويشفي المريض من أي داء إذا صدق النية وأخلص الطوية في شربه لربِّ البرية Uفلما بلغ الولد ثلاثة عشر عاماً أمر الله عزوجل أبيه إبراهيم ليلة الثامن من ذي الحجة في المنام أن يذبح ابنه إسماعيل فلما أبطأ في اليوم الثامن وتروى في هذا الأمر وفكر فيه وظن أنه ربما يكون من الشيطان فسمي يوم التروية لأنه تروى في أمره فلم يسارع في تنفيذ أمر ربه فلما جاءت ليلة التاسع رأى في المنام مرة أخرى أنه يذبح ابنه فعرف أن ذلك وحي من الله وأن هذه الرؤيا رؤيا حق من الله فسمى يوم عرفة لأنه عرف أن رؤياه حق ولأن آدم وحواء تعارفا فيه على جبل عرفات فسمي المكان بعرفات لأنهما تعارفا عليه وعرف إبراهيم فيه أن رؤياه حق من الله فعرض رؤياه على ابنه فقال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}فلما أصبح في هذا اليوم وفي هذا الصباح أمر ابنه أن يأخذ المدية يعني (السكين) ويأخذ الحبل ويذهب إلى منى ليوهم أمه أنهما ذهبا ليحتطبا منها وليجمعا منها الحطب فذهبا إلى منى في هذا اليوم وفي مثل هذه الساعة فظهر لهما الشيطان عند جمرة العقبة فقذفه بسبع حصيات فصارت سنة عنه إلى يوم الدين ثم ذهب لهما الشيطان مرة أخرى عند الجمرة الوسطى فقذفه بسبع حصيات فصارت سنة إلى يوم الدين فظهر له مرة ثالثة عند الجمرة الصغرى فقذفه بسبع حصيات وتلك سنن اليوم كلها عن أبيكم إبراهيم ونبي الله إسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام فلما وصلا إلى المنحر بمنى وهو مكان الذبح وموضع النحر قال إسماعيل لأبيه يوصيه يا أبتي أشدد وثاقي جيداً حتى لا اضطرب فتأخذك الرحمة في تنفيذ أمر الله U وانزع قميصي حتى لا ينزل عليه دم فتراه أمي فتحزن واجعل وجهي إلى الأرض حتى لا تنظر إلي فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله وأشحذ المدية(السكين)حتى تقطع بسرعة فأوثقه بالحبال جيداً ثم ألقاه على وجهه فلما همَّ بذبحه، قال يا أبتي فك يدي وقدمي حتى لا يقال بأنه كان يوجد رباط في يدي ورجلي خوفاً من تنفيذ أمر الله فأطلق يديه وقدميه ووضع السكين على رقبته وأمرها بسرعة فإذا هي لا تقطع فخاطبها وقال لها مالك يا سكين لا تقطعي عنق إسماعيل، فأنطقها الله وقالت ولماذا النار لم تحرق جسمك يا إبراهيم؟فإن الله الذي أمر النار أن تكون برداً وسلاماً فلم تحرق إلا الحبال والقيود من إبراهيم هو الذي أمر السكين أن لا تقطع رقبة إسماعيل فتدارك إبراهيم وبينما يلتفت إلى وراءه وجد أمين الوحي جبريل ومعه ذبح عظيم هذا الذبح هو الذي قدمه هابيل إلى الله عندما تنازع وأخوه قابيل على الزواج بأخت قابيل فطلب منهما الله أن يقدما قرباناً فقدم قابيل من عمله وهو الزراعة زروعاً رديئة وقدم هابيل من عمله وهو الرعي كبشاً ثميناً فارعاً فتقبله الله ونزلت سحابة فحملته وظل يرعى في أرجاء الجنة حتى أنزله الله ليفدي به إسماعيل على يدي خليل الله قال النبى{مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ. فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً وأبشروا}[7] وقال{إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}[8] وقال لابنته فاطمة{يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ }[9] فأول عمل في يوم العيد هو صلاة العيد ثم ثانى عمل أن نذبح أضحياتنا فمن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ومن ذبح بعد الصلاة فقد أصاب السنة هذه الأضحية فيها ما فيها من الفضل العظيم فإذا أنزلت قطرات دمها غفر الله لأهل البيت أجمعين كل ذنب عملوه، وجعل الله بعدد قطرات دمها حسنات وبكل شعر صوفها حسنات وجعلها الله كلها حتى بشعورها وأظافرها توضع في ميزان حسناتهم يوم القيامة ويجعلها الله وسيلة يركبونها على متن الصراط والصراط كما ورد فى الأثر سبع جسور على متن جهنم كل جسر منها ألف عام صعوداً وألف عام استواءاً وألف عام هبوطاً فجملتها يمشيها المرء في إحدى وعشرين ألف عام يمر عليها المؤمن كالبرق الخاطف أو كالريح الشديدة أو كالخيل السريعة كما ورد هذا إذا كان له أضحية ضحى بها لله فهي المركوب الذي يركبه ليمر به من على الصراط، كما بين رسول اللهe.هذه الأضحية شرطها لينال المرء هذا الثواب أن تذبح بعد صلاة العيد وأن تذبح عن رجل واحد إذا كانت ماعزاً مرَّ عليه سنة أو خروفاً مر عليه ستة أشهر ويحمل لحماً والذكر كالأنثى في هذين الصنفين كلاهما يجوز أو كانت بقرة أو جملاً يشترك فيه سبعة على أن تكون خالية من العيوب وسليمة من الأمراض فلا تكون عوراء ولا جلحاء يعني بغير قرون إلا إذا كانت سلالتها كذلك فلا بأس بها ولا تكون عرجاء ولا مريضة ولا يأخذ الجزار منها شيئاً على سبيل الأجرة وإنما يجوز أن يأخذ منها صدقة أو هدية لقوله للإمام علي عندما كلفه أن يذبح هديه{أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا.وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا}[10]ثم بعد ذلك يجعل منها نصيباً للفقراء ونصيباً للأصدقاء والأهل والأقرباء والأعزاء ونصيباً لنفسه وأهله{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}أما العمل الثالث في هذا اليوم الذي أمرنا به الله وبينه لنا حبيب الله ومصطفاه هو أن نحرص كل الحرص على أداء فرائض الله في بيت الله في وقتها وفي جماعة وأن نكبر الله عقب كل صلاة إن كانت سنة أو فريضة إن كنت في جماعة أو كنت بمفردك إن صليت في بيت الله أو صليت في بيتك أو في أي مكان تكبر الله عقب كل صلاة حتى عصر اليوم الرابع من أيام العيد فلو صليت سنة الضحى تكبر الله ولو حضرت صلاة الجنازة تكبر الله بعدها ونعلم نسائنا وبناتنا أن يكبرن الله بعد كل صلاة وإن صلينا في المنزل وأقل التكبير أن يقول المرء الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد فإن زاد ما نقوله فقد أحسن وإن اكتفى بذلك فقد أجزأ المهم أن نكبر الله عقب كل صلاة أما العمل الرابع والهام في هذا اليوم العظيم بعد أداء الفرائض فيقول فيه الحبيب{تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ}[11]ويقول فيهe{إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ اخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبَهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ الوَرَقُ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِيْ يَوْمِ رِيْحٍ عَاصِفٍ وَإِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوْبَهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ}[12]يأمر الله المسلمين أن تكون عبادتهم في هذا اليوم مصافحة المسلمين والبسمة في وجوه المؤمنين والشفقة والعطف على اليتامى والمحرومين وصلة الأرحام التي لا توصل إلا في هذه الأيام

[1] طس، عن بريدةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

[2] رواه الدار قطني في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[3] رواه ابن ماجة في زوائده، وابن حبان في الثواب والسيوطي في الفتح الكبير عن أنس.

[4]رواه البخارى عن ابن عباس

[5] رواه الحاكم والدار قطني والبيهقي والديلمي عن ابن عباس.

[6] رواه الترمذي والبيهقى وابن ماجة عن عائشة

[7] رواه السيوطي في الفتح الكبير والديلمي عن أبي هريرة.

[8] رواه البزار وابن حبان في كتاب الضحايا والأصبهاني عن أبي سعيد.

[9]صحيح مسلم عن على بنأبى طالب

[10] رواه البزار والطبراني وابن حبان والترمذي عن أبي ذر.

[11] رواه البزاروالطبراني عن أبي هريرة وسلمان.

طارق سرور 10-05-2014 05:30 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
اصطفاء الله للخليل وإسماعيل عليهما السلام
إن يوم عرفة إذا كان يوم جمعة كان أعظم أيام الدنيا كلها وهو اليوم الذي حج فيه الحبيب حجة الوداع ونزل عليه فيه تمام الخير للأمة والدين وخطب فيه الخطبة الجامعة التي هي قاموس لكل ما يحتاجه المسلم في دنياه وفي آخرته ورسوله أظهر الله به تعاليم الدين الحنيف وأسس به مناسك الحج على منهج إبراهيم وقد ورد أن رسول الله قال في شأنه{إذا كان يوم عرفة نزل الله إلى السماء الدنيا ونظر إلى خلقه فغفر لهم جميعاً فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة فقال:بل هذا لكم وللناس من بعدي}[2]فمن وقف على عرفات غفر الله له الذنوب والزلات واستجاب له الدعوات وأحاطه بالرحمات ومن صام هذا اليوم وهو هنا غفر الله له ذنوب سنتين سنة ماضية وسنة آتية أما من أكرمه الله فذبح أضحية فإن الله يجعله كالواقف على عرفات في المغفرة والستر فإن الله يغفر له كل ذنب فعله عند أول قطرة تنزل من دمها ولذا فإن رسول الله قال لابنته{يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ}[3] فهو يوم المغفرة لنا وللمسلمين أجمعين نحمد الله على عطاياه ونشكره على نعمه وجدواه ونسألأه المزيد من جوده وكرمه ونفحات رياه حتى يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين إن يوم عرفة الكريم جعله الله عبرة لكل مسلم وقدوة لكل مؤمن ونبراساَ لكل محسن فإن بعض المؤمنين ينتابهم الشك إذا تواردت عليهم بعض كوارث الزمن أو بعض نكبات الدنيا وربما يتقزز من ذلك وربما يعلن السخط والتمرد على ذلك فيرفع شكواه وربما وهذا هو الأشر يشكو إلى الملأ مولاه فيقول: لم يصنع الله بي كذا وأنا مسلم أصلي وأصوم لله؟ولم يبتليني الله بكذا وأنا موحد ومؤمن بالله؟ ألا يعلم أن ذلك كله سنة الله على أنبيائه ورسله يبتليهم ليرفع درجاتهم وليعلي شأنهم عنده فكلنا أعلنا الإسلام وكلنا أعلنا الإيمان ولابد لذلك من دليل وبرهان يراه ويطلع عليه الرحمن ومن هنا جاءت حكمة الابتلاء فلو كان الابتلاء سخطاً وغضباً من الله كما تصور بعض المسلمين لما ابتلى الله رسله وأنبيائه أجمعين لكنه كما قال في النبى{عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه قالَ : يا رسولَ اللَّهِ، مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: الأنبياءُ ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ }[4]ومن هنا كانت قصة الابتلاء لإبراهيم لزيادة الإيمان وقوة الإسلام لعباد الرحمن فانظروا معي إلى خليل الله عندما كان وحيداً في بلاد العراق وليس هناك مؤمن معه إلا ابن أخيه لوط وسارة والكل جاحد ومشرك بأنعم الله ويعبدون الأصنام وفي ليلة العيد يتوجهون إليها بالعبادة فأخذ فأسه وكسرها جميعاً ثم وضع الفأس على كبيرها فلما ذهبوا في صبيحة العيد إلى الأصنام وجدوها كلها منكسة على رؤوسها وقد تهدمت أجزاؤها فقالوا:من فعل هذا بألهتنا؟لايوجد إلا إبراهيم وجاءوا به وسألوه ولكن الله جعل له من عنده مخرجاً فقصة إبراهيم تتلخص في قوله{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}من يتق الله لو ضاقت به الحياة أو أحاط به جميع خلق الله يكيدون له كيداً فإن الله ينجيه بفضله من بينهم ويكشف عنه كل ضرر ينجيه من كل ضيق لأن الله تولى بعنايته ورحمته كل من يتقيه من خلقه وبريته فجمعوا قومهم أجمعين وعلى رأسهم النمروذ ملكهم وقال له زعمائهم جميعاً: من فعل هذا بآلهتنا؟ أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فرد عليهم وقال: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ويقصد بقوله إصبعه الأكبر الذي أشار به إلى الأصنام وظنوا أنه يقصد الصنم الأكبر فلم يكذب وإنما استخدم المعاريض التي يقول فيها النبى{إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً}[5] يعني مخرج من كل ضيق ينجي به الله أسلافنا على خلق ودين فقال لهم إنما فعله كبيرهم وهو يشير بيده إلى الأصنام ويقصد أصبعه الكبير فلا يكذب فى قوله وهم قد فهموا أنه يعنى كبير الأصنام الذى علق الفأس على كتفه وهم طبعا يعلمون أن الأصنام لا تحرك ساكناً فعلما أن إبراهيم قد فعلها فما كان منهم إلا أن جمعوا الحطب وأخذوا في جمعه مدة ستة أشهر وبعد تلك المدة أضرموا فيه النار لإلقائه فيها بشدة وهجها وقد كانت تحرق كل من يقرب منها لشدة لهيبها وسعيرها فنزل إبليس اللعين ودلهم على صنع المنجانيق وهو صورة مصغرة من المدفع بلغة عصرنا فجعلوا خشبتين على أعلى جبل وبينهما خشبة متحركة وأجلسوه عليها بعد أن قيدوه بالحبال ثم حركوه عدة مرات وفي النهاية قذفوا به في هذه النار ماذا كان المخرج؟ عندما كان في أعلى السماء وسينزل لا محالة في النار ضجت الأرض والسماوات وملائكة الأرض والسماوات وقالوا: إلهنا وسيدنا خليلك يحرق بالنار وليس في الأرض من يعبدك سواه فقال الله : هو خليلي وأنا أعلم به هل استغاث بكم؟ أو طلب النجدة منكم؟ إن كان قد استغاث بكم فأغيثوه أو طلب النجدة منكم فانقذوه فلما اشتد طلبهم واستغاثتهم لله أمر جبريل أن ينزل عليه فنزل عليه وهو محلق في السماء وقال له: ألك حاجة؟ فقال أما إليك فلا قال: فلله ؟ قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي فنزل في النار ففوجئ الملائكة الأطهار بأن الله يقول لها{يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ } فلم تحرق النار منه إلا حباله التي أوثقوه وقيدوه بها ثم وجدوا بجواره عين ماء نبعت من جوف النار يشرب منها ويتوضأ منها وشجرة بجواره يستظل بها ويأكل من ثمارها وجلس يعبد الله في خلوة مع هؤلاء لمدة شهرين كاملين هما المدة التي لبثتا النار مشتعلة حتى أطفئت بأمر الواحد القهار u وهذا أول دليل جعله الله لكل مؤمن وثق في الله وتوكل على مولاه ولم يفوض أمره إلا إلى الله فهذا رجل من أصحاب رسول الله هو سيدنا أبو إدريس الخولاني أرسله رسول الله إلى الأسود العنسي رجل أدعى النبوة وزعم أنه ينزل عليه القرآن في زمن رسول الله فذهب إليه فقال له بعد أن سمعه أتؤمن أني نبي الله؟ قال: لا أسمع قال: أتؤمن أن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فكررها عليه عدة مرات وكلما قال له أتؤمن بي؟ قال: لا أسمع فإذا قال له أتؤمن بمحمد رسول الله كرر الشهادتين فجمع له الحطب وألقوه في النار ولكنه بفضل الله حدث له ما حدث مع إبراهيم الخليل فقد خرج من النار ولم تضره بشئ ولم تحرق إلا حباله حتى ثيابه لم تحرقها النار فقال له قومه - قوم الأسود له - : إن أبقيت هذا الرجل بين ظهرانينا فتن به قومك فأخرجه من هنا فخرج إلى المدينة وكان رسول الله قد لحق بالرفيق الأعلى لكنه كان قد أنبأ اصحابه بذلك فخرج سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر لاستقباله وأحاطوا به واعتنقوه وقال سيدنا عمر{الحمد لله الذي أحياني حتى شهدت شبيه الخليل إبراهيم في أمة محمد}فكل مؤمن يذكر الله ويتوكل على مولاه فله نصيب وافر من معونة الله وتوفيق الله في كل أمر ينتابه في هذه الحياة لأن الله قال في كتابه عز شأنه:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}أي كافيه يكفيه كل هم وكل عناء وكل بلاء وكان بعد ذلك هذا الأمر مع كل بلاء فإن الله ابتلاه بعدم الإنجاب وهو خليل الله وصفي الله حتى وصل سن الثمانين وهنا هيأ الله له الإنجاب من السيدة هاجر عليها السلام فأنجبت منه سيدنا إسماعيل فابتلاه الله وأمره أن يأخذ هاجر وابنها إلى المكان الذي هيأه الله ليبني فيه بيتاً لله وهنا أوصى إخواني جميعاً بألا يستمعوا إلى الروايات اليهودية والإسرائيلية في هذه القصة فقد قيل في ذلك ولا نزال نسمع ذلك أن السيدة سارة عليها السلام غارت من هاجر لما ولدت إسماعيل فقطعت أذنها وأمرته أن يأخذها وابنها ويلقيها في الصحراء. كيف ذلك؟ وقد بشرها الله على لسان ملائكة الله بأنها ستلد اسحق وإنها ستعيش حتى تشاهد من اسحق ويعقوب{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}وهي صديقة لله وقد أجرى الله على أيديها المعجزات عندما دخلت مصر مع إبراهيم وأخذوها إلى قصر الملك وكانت بارعة الجمال وكلما أراد أن يمد يده إليها شلت يده في الحال فيستعطفها ويعدها ألا يعود إلى مسِّها فتدعو له الله فيفك الله يده في الحال فإذا هم بمسها شلت يده مرة ثانية وكرر هذا الأمر ثلاث مرات حتى قال فرعون: إنها شيطانة اخرجوها من أمامي واعطوها كذا وكذا من الجواري وكذا وكذا من الأغنام وكذا وكذا من المال ومن جملة ما أعطاها كانت السيدة هاجر أم إسماعيل كيف لهذه المرأة التقية النقية أن تغار من زوجة زوجها وهي التي زوجتها وإنما الأمر كما قال الله على لسان خليل الله عندما أخذ ابنه وولده ووضعه في هذه الصحراء ولم يكن فيها ماء ولا زرع ولا ضرع ماذا قال في الدعاء؟{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ}ولم يكن هناك في هذا الوقت بيت لكنه يعلم علم اليقين أن إسماعيل هو الذى سيعاونه في بناء البيت وقد قالت السيدة هاجر: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فسكت قالت: أالله أمرك بهذا؟ قال: نعم قالت: إذاً لن يضيعنا إذاً هناك أمر من الله يتم تنفيذه على يد خليل الله إبراهيم وابنه وهو بناء بيت الله ودعوة الخلائق أجمعين للحج إلى بيت الله إذا كان إبراهيم عندما أخذ إسماعيل إلى البيت ينفذ أمر الله وكان الله هو الذي أمره ولذلك تولاه فكان هذا الغلام الرضيع يرقد على الأرض ولما نفد ما كان معه من الماء والزاد وأخذت تذهب مرات إلى الصفا مرة وتصعد وتتطلع هل من قادم وكذا على المروة مرة فإذا بها تجد طيوراً بجوار ابنها فذهبت إليهم مسرعة خائفة عليه فوجدت الماء قد نبع من تحت قدميه فأخذت تضم الماء وتقول زمي زمي لأن هذا الماء كان واسعاً وخافت أن يخرج منه طوفان المنطقة كلها ولذا قال رسول الله{يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيـلَ لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً}[6]فأمرهم الله بالسكن هناك وأرسل لهم الساكنين وهيأ لهم سبيلهم لأنهم ذهبوا طاعة لأمر الله وتنفيذاً لمشيئة الله قال النبى{إِذا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلاَهُ وَإِذَا أَحَبَّهُ الْحُبَّ الْبَالِغَ اقْتَنَاهُ }[7] وكانت في هذا اليوم المبارك الميمون قصة الفداء فإسماعيل عندما بلغ أشده أمر الله إبراهيم خليل الرحمن أن يذبحه فأخذ بيد ابنه وقال له يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى؟ فما كان من هذا الابن الذي ملأ الله قلبه بالإيمان إلا أن قال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}فقال له: لا تعلم أمي بهذا النبأ ونتوجه سوياً إلى حيث منى فقال له: يا أبت اوثقني بالحبال جيداً حتى لا تأخذني نفسي فاتحرك وألقني على وجهي حتى لا تنظر إلي فتأخذك رأفة في تنفيذ أمر الله واشحذ السكين حتى يقطع بسرعة{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}ثم جعل الله هذا الأمر لجميع المؤمنين إلى يوم الدين فقال عزَّ شأنه{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }فكل محسن كريم له أسوة بـ إبراهيم خليل الله ففداه الله بذبح عظيم ومن هنا جعل لنا نبينا هذا النسك وجعل فيه للمسلم فضائل كثيرة فإذا ذبحه المؤمن على هدى شريعة الله بعد صلاة العيد والخطبة لقوله{إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فـي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّـيَ ثم نَرْجِعَ فَنَنْـحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذلكَ فقد أصابَ سُنَّتَنَا}[8]{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}فإذا كان الذبح بعد الصلاة وكانت من الإبل أو البقر يشترك فيه عدد لا يزيد عن سبعة والخروف أو الماعز عن رجل واحد وشرطها أن يكون قد مرَّ عليها زمن استسمن فيه لحمها وليس فيها عيب من العيوب التي تعيب الأضحية وتجعل هذه الهدية غير مقبولة عند رب العالمين فلا يقبل الله الجرباء ولا العوراء ولا العمياء ولا المريضة ولا الهزيلة وإنما يقبل السليمة الصحيحة غفر الله لصاحب هذه الهدية فإذا أشرك أهله معه كما قال النبى في أضحيته{اللهم هذه عن محمد وعن آل محمد}غفر الله لأهله جميعاً معه وأهله هنا هم زوجه وولده الذي لم يتزوج أما الذي تزوج فأصبح له بيتاً لوحده فيجب أن يفعل هذا الصنيع عن نفسه لأن هذا دين الله وشرع الله ثم ماذا بعد ذلك؟ يزيد فضل الله في قول حبيب الله ومصطفاه عندما سأله أصحابه بعدما ذبحوا ما هذه الأضاحي؟ قال(سنة أبيكم إبراهيم فقالوا: يا رسول الله ما لنا فيها؟ قال{إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً}[9]ثم زاد هذا الفضل فجعلها المطايا التي نركبها على الصراط يوم الدين هذا الصراط الذي يمر على جسور جهنم ونمر عليه أجمعون وهذا ما قال في شأنه{إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}[10]ومن هنا فقد أوجبها نبينا على الموسر والواجد سعة وقال محذراً لهم{مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا}[11]تحذيراً لهم من ترك هذه السنة أما الفقير فلم يكلفه الله ولكن علينا أن نعمل بقول ابن عطاء الله السكندري حيث يقول{إذا علمت شيئاً من البر فاعمل به ولو مرة واحدة تكتب من أهله}فعلى المسلم أن يضحي ولو مرة في حياته كلها لكي يكون له برهان على اتباعه لسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ثم بعد ذلك فعلينا في هذا اليوم وبقية أيام العيد حتى عصر اليوم الرابع أن نكبر لله عقب كل صلاة سواء صلينا في جماعة أو صلينا فرادى فمن حضر الجماعة كبر معها فإن لم يلحق الجماعة لتأخره في دخولها كبر بعد انتهاء الصلاة ومن فاتته الجماعة وصلى بمفرده عليه أن يكبر الله بصوت مسموع لا يكبر في سره، فإن الذي يكبر في سره ويسمع نفسه ولا يسمع من حوله إنما هن النساء وعلينا أن نأمر النساء أن يكبرن في بيوتهن عقب كل صلاة سواءاً فريضة أو نافلة فمن صلى ركعتي الضحى كبر بعدهما لله ومن صلى قيام الليل كبر بعدها لله وإن كانت هناك صلاة جنازة كبرنا بعدها لله لأن صلاة النافلة نكبر بعدها وهذا مذهب إمامنا الشافعي أما الإمام أبو حنيفة فقد أوجب التكبير بعد الفرائض ولم يوجبه بعد النوافل والسنن قال النبى{ زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِ}وعلينا بعد ذلك أن نتجنب ما يفعله البعض من الجلوس في البيت لتجديد الأحزان وتلقي العزاء فهذا ليس من دين الله في شئ ولأن هذا يوم عيد ويوم فرح نفرح فيه الفقراء والمساكين ونفرح فيه الأطفال لقول النبى{للجنة باب يقال له: الفرح لا يدخل منه إلاَّ مفرح الصبيان}(الفردوس عن ابن عباس )ثم بعد ذلك نصل فيه أرحامنا ونود فيه إخواننا ونجعل هذا الأمر وهو المودة والصلة عبادة هذا اليوم فأعظم أعمالنا هي إدخال البر والسرور على المسلم وصلة الأرحام وتواصل الأنام

[1] رواه مسلم والنسائي وابن ماجة عن عائشة.

[2] رواه البزار وابن حبان في كتاب الضحايا والأصبهاني عن أبي سعيد.

[3] الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه عن سعد وفاطمة وأبي سعيد.

[4] رواه البيهقي في سننه والنسائي في سننه والطبراني وابن السني عن عمران بن حصين.

[5] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن ابن عباس.

[6] رواه الطبراني في الكبير عن أبي عتبة الخولاني.

[7] رواه البخاري في صحيحه وابن حبان والنسائي والبيهقي عن البراء بن عازب.

[8] ت هـ ك عن عائشةَ رضَي اللَّهُ عنهَا.

[9] رواه السيوطي في الكبير والديلمي عن أبي هريرة.

[10] رواه ابن ماجة في سننه وأحمد والحاكم عن أبي هريرة.

طارق سرور 10-05-2014 05:31 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
حكم الحج
إن الله جلت حكمته وتعالت مكانته وتسامت عزته لم يفرض علينا شيئاً إلا لحكمة عالية ولأسرار راقية يعرفها من وفقه الله لسلوك طريقه المستقيم ولمن هداه إلى نهج نبيه القويم فأما فريضة الحج فقد فرضها الله على المؤمنين والمؤمنات لحكم كثيرة نكتفي بواحدة منها في موقفنا هذا تكون لنا إن شاء الله عظة وعبرة فقد جعل الله الحج للمؤمنين والمؤمنات تذكرة للسفرة إلى الدار الآخرة للعرض على الله {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ}فإذا خرج الحاج من بيته فإنه يغتسل قبل لبس ملابس إحرامه ويتذكر بهذا الغسل[الغسل الذي يغسله به رفاقه لكي يودعون دنياه ويزفونه إلى مولاه إذا دعاه ] ثم يلبس ملابس الإحرام وهي بيضاء ولا يوجد بينها وبين الجسم أشياء ليذكر نفسه ويتذكر من حوله لبس الأكفان إذا دعى للقاء الواحد الديان فإذا أتم ملابس الأكفان يلبس ملابس الإحرام تذكر نداء الله يوم ينادي منادي الله لجميع الخلائق في حضرة الله فيقول كما قال سيدنا رسول الله{يا أيتها العظام النخرة يا أيتها الأجساد البالية يا أيتها الشعور المتقطعة اجتمعوا وائتلفوا فإن الله يدعوكم ليوم عظيم}[1]فيتذكر هذا النداء فيلبي قائلاً لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك وكلمة لبيك تعني نأتي إليك مسرعين جئنا إليك طائعين جئنا إليك بالتلبية يا أحكم الحاكمين ولم نتوانى عن إجابة دعوتك طرفة عين ولا أقل فإذا وصل إلى ساحة عرفات تذكر ساحة العرض العظيم حيث يقف الخلائق أجمعين في مساواة كاملة في الظاهر بين يدي رب العالمين{لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيَ عَلَى أَعْجَمِيَ وَلاَ أَعْجَمِيَ عَلَى عَرَبِيَ وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَىٰ والعمل الصالح}[2] فالجميع يتساوى أمام الله يلبسون ملابس واحدة ويقفون في بقعة واحدة لا فرق بين غني ولا فقير ولا أمير ولا حقير لأنه لا يسمح للوزير أن يعلق نيشاناً على صدره أو يعلق شيئاً على كتفه وإنما يتساوى الجميع ولا فرق بينهم إلا في الزفرات والحرقات والتسبيحات والدعوات التي تخرج من صدورهم وقلوبهم إلى ربهم فمنهم من يقال له لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك ومنهم من يقال له لبيك وسعديك حجك مغفور وزادك موفور وسعيك مشكور فيقولون كما قال الله يوم يجمع الناس للقاء الله{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}أما من يقبل الله عليه ويتقبل دعواه فهو من أهل الجنة إن شاء الله وإما من ترد الملائكة دعواه وتعلم أن تلبيته مردودة من قبل الله فهو من فريق السعير والعياذ بالله فإذا وقفوا على عرفات وأقروا لله بذنوبهم واعترفوا بين يديه بمساويهم وأخطائهم غفر الله عزوجل لهم ولا يبالي ولذا يقول الرسول الكريم{أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له}[3]وقد ورد أن الإمام محمد بن المنكدر وكان قد حج خمسين مرة لله في يوم من أيام عرفة ألقى عليه النوم فرأى ملائكة تنزل من عند الله ويتساءلون فيما بينهم فقال بعضهم للبعض يا عبد الله تدري كم حج بيت ربنا هذا العام؟ قال: لا. قال:ستمائة ألف قال: تدري كم قبل الله منهم؟ قال: لا.قال: ستة أنفس. قال: فقمت من نومي مهموماً مغموماً وقلت إذا كان الله لم يقبل من هؤلاء إلا ستة أنفس فأين أكون منهم؟فلما وصلت إلى المزدلفة وصليت المغرب والعشاء قصراً وجمعاً فألقى الله عليّ النوم فإذا بهذا النفر من الملائكة وقد جاءوا وتساءلوا فيما بينهم فقال بعضهم لبعض: يا عبد الله تدري كم حج بيت ربنا هذا العام؟قال: نعم ستمائة ألف قال: تدري ماذا فعل الله بهم؟قال: نعم قبل منهم ستة أنفس ورد الباقين قال: تدري ماذا حكم ربك في هذا اليوم؟ قال: لا.قال: وهب لكل واحد من الستة مائة ألف فشفعهم جميعاً في بعضهم وانصرفوا جميعاً مغفوراً لهم قال النبى{إن الله ينظر إلى أهل عرفات ويباهي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونَا شُعْثَاً غُبْرَاً مِنْ كُل فَجَ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ أَوْ كَقَطْرِ المَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورَاً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفِعْتُمْ لَهُ}[4]وقد قال r{إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ، أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}[5]فقد كان النبى بالمزدلفة وحوله أبو بكر وعمر فإذا به يضحك فقال سيدنا أبو بكر: يا رسول الله ما أضحكك؟ أضحك الله سنك قال إني لما كنت على عرفات عشية عرفة دعوت الله لأهل الموقف أن يغفر الله ذنوبهم ويستجيب دعاءهم ويضمن عنهم التبعات فأجابني الله في اثنتين ولم يجبني في الآخرة وهي أن يضمن عنهم التبعات والتبعات هي حقوق العباد التي بينهم وبين غيرهم من العباد قال : فلما جئت إلى هنا دعوت الله بما دعوت به على عرفات فقال الله قد استجبنا لك فيما دعوت فلما رأى إبليس ذلك ولّى وله ولولة وضراط فهذا هو الذي أضحكني(صلوات الله وسلامه عليه) فإذا نزلوا إلى منى وتذكروا ما يباعد بينهم وبين الله والسبب الذي يجعلهم يقعون في عصيان الله وهو إبليس اللعين فيجمعون الأحجار ويرمونه ليعلنون البراءة منه قبل أن يتبرأ منهم يوم القيامة فقد ورد في آيات القرآن أنه سيتبرأ ممن تبعه أمام الديان فيعلن المؤمن البراءة من إبليس ووسوسته ويرجمه بالأحجار ويعلن بذلك أنه برئ من إبليس وقوله ثم يتذكر الذي يعين إبليس على الوسوسة ويزين للمرء المعصية وهي النفس الخبيثة التي يقول فيها الله {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ}فيذبح هديه ويقول: يا ربَّ إن لم ترض عني إلا بذبح نفسي ذبحتها لرضاك فإني أطمع في عفوك وأرجو مغفرتك وكل شئ يباعد بيني وبينك قدمته إرضاء لحضرتك فقد تركت الأهل والولد وقد قربت المال وها أنا أقرب نفسي وأعلن البراءة من الشيطان وحزبه لترضى عني يا ربَّ العالمين.

فليتك تحلو والحياة مريــرةوليتك ترضى والأنام غضابُ

وليت الذي بيني وبينك عامروبيني وبين العالمين خــراب

ثم يحلق شعره ويتذكر أخلاقه الذميمة التي تباعد بينه وبين الله فإن الله كما ورد فى الأثر: {إن الله يحب من خلقه من كان على خلقه}فيسارع في التخلص من الأخلاق التي لا يحبها الله مثل الغيبة والنميمة والشح والطمع والجحود والعصيان والعقوق وقطيعة الأرحام وغيرها من الصفات التي يبغضها الله والتي حذرنا منها رسول الله تصديقاً لقوله {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}ثم يزين نفسه بالأخلاق الكريمة بسعة الأخلاق والحلم والعفو والصفح والأدب بين يدي الله ليذهب إلى بيت الله وهو يتذكر عرضه على الله وهو هناك إما أن يكون ممن يقول فيهم الله{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }وإما أن يكون والعياذ بالله ممن لا يؤذن لهم بالكلام مع الله ولا بالنظر إلى بهاء الله وهم الكافرون والجاحدون والعصاة من المؤمنين الذين لم يتوبوا قبل الموت وقبل لقاء رب العالمين فيتذكر هذه الساعة وكيف يقابل الله وقال النبى في ذلك ما معناه{إن من الناس من يضئ حسنه لأهل الموقف كما تضئ الشمس لأهل الدنيا }وقال في الطائفة الأخرى ما معناه{إن من الناس لمن يتمزع وجهه ولحمه ويتهدل من شدة الخجل والحياء من الله}فيطوف حول بيت الله تائباً منيباً لله يعاهد الله عند الحجر وهو يمين الله في الأرض أن لا يعود إلى المعاصي وأن لا يرجع إلى ذنب أبداً ثم يذهب إلى الصفا والمروة يسعى بينهما ويتذكر السعي في يوم الموقف العظيم بين كفة حسناته وكفة سيئاته فهو يمشي بينهما تارة ويهرول بينهما أخرى لينظر أيهما هي التي تكون الراجحة فيكون فيها الفلاح وهو يود أن يكون ممن قال فيهم الله{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}ثم يتوجه إلى الرسول الكريم يرجو شفاعته ويطلب منه أن يكون في زمرته لأنه لم يدخل أحد الجنة إلا بشفاعته وإلا ببركته هذه بعض مشاهد الحجيج وقد أكرم الله الأمة الإسلامية فجعل من المؤمنين والمؤمنات من إذا عاش بروحه في هذه الأماكن الطاهرات في تلك الأيام المباركات يكون له من الأجر مثل من وقف على عرفات تماماً بتمام على أن يكون في هذه الأيام جسمه هنا وقلبه وروحه هناك ولذا حبب النبي الكريم في صوم يوم عرفات وقال فيه{صوم يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين}[6]لأن الصيام يقوي الروحانية ويضعف الجسمانية ويجعل أحوال المرء قريبة من أحوال الملائكة الكرام فإذا وقف الإنسان في يوم عرفات وفي صبيحة هذا اليوم يوم العيد بين يدي الله يدعو الله ويضرع إلى الله ويتوب إلى الله فقد قال{ خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ}[7]ومن رحمته أنه لم يقل خير الدعاء دعاء عرفة فلو قال خير الدعاء دعاء عرفة كان الفضل لمن وقف هناك فقط. أما قوله{خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ}فهو يشمل كل من يدعو في هذا اليوم في أي فج من الأرض وفي أي موقع من البسيطة لأن الله ينظر إلى عباده جميعاً. فقد قال{خير يوم في الأرض يوم عرفة ومَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ}[8]ودعا الإسلام في سبيل ذلك القائمين هنا إلى أعمال تشبه أعمال الحجيج فالحجيج يلبون لله ونحن لنا التكبير لله قال{زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِ}[9]نكبر عقب كل صلاة سواء فريضة أو سنة مؤكدة فمن صلى صلاة الضحى يكبر بعدها لله ومن صلى صلاة التهجد يكبر بعدها لله وإذا حضرت جنازة في تلك الأيام وصلينا عليها نكبر لله من صلى في جماعة يكبر ومن صلى مفرداً في المسجد أو في بيته يكبر الرجل يكبر بصوت مرتفع والمرأة تكبر بصوت خافت وإذا سرنا في الطرقات لا نستحي أن نكبر الله بصوت عال فقد كان أصحاب رسول الله ورضي الله عنهم أجمعين يمشون في يوم العيد في طرقات المدينة وهم يكبرون بصوت مرتفع ليخزون الشيطان ويعلنون التكبير للملك العلام فالحجاج يلبون ونحن نكبر لله وهم يقومون اليوم برجم إبليس ونحن في هذا اليوم نصلي صلاة العيد لله وهم ليس عليهم صلاة عيد والحجاج ينحرون هديهم ونحن نذبح أضحيتنا لله فإذا فعل المرء المؤمن بعض هذه الأمور واستحضر هذه الشعائر والمناسك أكرمه الله بما أكرم به حجاج بيته الحرام لقوله فيما رواه الإمام البخاري عندما كان سيدنا رسول الله في غزوة تبوك نظر إلى من معه وقال{إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ}[10]فكل من حبسه العذر الشرعي من مرض أو قلة ذات اليد عن لذهاب إلى بيت الله وفعل ما ذكرناه جعل الله له حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً لأنه قال:{ إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيات وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى }[11]أما من كان معه الاستطاعة ولم يذهب لأداء هذا النسك فهذا نحذره من قول المصطفى{مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطانٌ جَائِرٌ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنَّ شَاءَ يَهُودِيَّاً وَإِنّ شَاءَ نَصْرَانِياً}[12]ومن يقل إني معي مال إما أن أزوج به الولد وإما أن أحج فقد افتى العلماء أجمعون أن زواج الولد ليس فرض علي إن علي أن أربيه وأن أنميه وليس علي في شريعة الله أن أزوجه ولكن علي فرضاً لله أن أحج بيت الله فعلي أن أبدأ بالحج ومال الحج مخلوف{وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}قال النبى{الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شفعوا شفعوا}[13]ماذا علينا في هذا اليوم السعيد لله ؟ علينا في هذا اليوم أول عمل نعمله بعد الصلاة هو قوله{ مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ }[14]فأفضل عبادة لله في هذا اليوم هي إراقة دماء الأضاحي وليس إراقة دم المسلمين والمسلمات كما ظن بعض الجاهلين والجاهلات وهذه الأضاحي جعلها الله لنا ثواباً معجلاً ففيها لنا باختصار شديد فوائد شتى نذكر بعضها على سبيل القصد أول فائدة منها أنها تغسل المرء من الذنوب هو وأهل بيته أجمعين فيكون كمن حج بيت الله وفي ذلك يقول{يَا فَاطِمَةُ قُومِي فاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ، فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ }[15] فأول قطرة تنزل من دمها يغفر لصاحبها ولزوجه ولأهل منزله أجمعين فيكون كما قال فيه{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[16] وكذلك من ضحى لله لا يبغي رياء ولا سمعة ولا شهرة فإن الله يخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه أما الفضل الثاني فقوله{إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً}[17]من يستطيع منكم عدَّ صوفها ومن يستطيع حساب قطرات دمها أنه أجر عظيم لا يعلمه إلا المولى الكريم أما الأجر الثالث فقوله{إِسْتَفْرِهُوا[استسمنوا]ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}[18] هذا الصراط الذي يمتد على جسور جهنم وهي سبعة جسور كل جسر منها يقول ورد فيها من الأثر{ألف عام صعوداً وألف عام استواءاً وألف عام هبوطاً لمن يمشي عليه}فهذه السبعة جسور ما الذي نركبه لنمر عليها؟هي أضحيتنا التي نذبحها لله وهذا ما حدى بسلفنا الصالح أن يوطنوا أنفسهم على أن يذبحوا ولو في العمر مرة ليكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم لقاء الله على أن تتوافر فيها الشروط الشرعية وما الشروط الشرعية هذه؟ أن يكون ذبجها بعد صلاة العيد وخطبة العيد في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث من أيام العيد على أن يكون الذبح بالنهار لنهي النبى عن الذبح بالليل وعلى أن تكون إذا كانت من الماعز يكون مر عليها عام وإذا كانت من الضأن يكون مر عليها ستة أشهر وإذا كانت من البقر يكون مر عليها عامان وإذا كانت من الجمال يكون قد مر عليها خمسة أعوام وأن تكون غير معيبة لا عوراء ولا مقطوعة القرن ولا مشقوقة الأذن ولا عرجاء ولا مريضة ولا هزيلة وإنما تكون صحيحة وسليمة وسمينة لأنه يقدمها لله وأن لا يبيع شيئاً منها ولو كان للجزار فقد ورد{عَنْ عَلِيَ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا}[19]هكذا أمره ألا تعطه جلدها مقابل ثمن ذبحها وإنما نعطيه الأجر من عندنا ولا نبع شيئاً من لحومها وإنما نوزع بعضها للفقراء وبعضها للأهل والأصدقاء وإذا كنا من بيت فقير نأكلها جميعاً ويكفينا أننا فعلنا سنة أبينا إبراهيم ونسك نبينا فوطنوا أنفسكم على أن تصنعوا هذا العمل في عمركم كله ولو مرة واحدة نذبح فيها أضحية لله نرجو بها وجه الله ونطمع في ثواب الله ونحدد فيها الشروط التي بينها رسول الله كي ننال هذا الثواب من الله فإذا فعلنا ذلك كان علينا بعد ذلك في هذا اليوم أن نصل أرحامنا وأن نود أقاربنا وأصدقائنا وإخواننا المسلمين والمسلمات وأن نتصافى ونتصالح مع خصمائنا لوجه الله في هذا اليوم وأن نكثر فيه من الصدقات على الفقراء والمساكين وليس الفقراء والمساكين الذين يمدون أيديهم ويمرون على الدور وإنما هم الذين يقول فيهم{لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا العيال}[20]فإن المسلم الذي يقول ليس علي شئ إذا أعطيت الصدقة لمن يطلبها نقول له: لا. إن الله أمرك أن تتفقد إخوانك المسلمين وتخص بصدقتك الفقراء والمساكين الذين يقول فيهم رب العالمين{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}علينا أن نبحث عنهم ونعطيهم حتى لا ندخل في قوله{لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ}[21]كم بيت في المسلمين اليوم أهله في ظاهرهم مستورين ويلبسون ملابس حسنة ولكنهم ليس عندهم لأولادهم قطعة لحم لأنهم يستحيون من الطلب ولا يمدون أيديهم إلى الناس وهؤلاء هم المحتاجون الذين عناهم ربُّ الناس الذين كان يخصهم سيِّد الناس بعطاءه وإنفاقه rوعلينا أن نترك لأبنائنا في هذا اليوم بعض اللعب المباح على أن لا يكون فيه مخالفة لتعاليم السماء ولا يكون فيه لعب للقمار فاللعب بالنقود بأي طريقة من الطرق[نوع من القمار]ولا يكون فيه شرب البيرة أو المخدرات أو المسكرات بحجة أن هذا يوم يبيح الله فيه للمؤمنين ما لا يبيحه في سواه فالقوم الذين يجلسون في هذه الليالي على أنغام الموسيقى الشجية في الليل ويشربون المخدرات والمسكرات آثمون هم في فعلهم ذلك خارجون عن طاعة الله وواقعون في الإثم الصريح بقول الله{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}فاللهو المباح في هذا اليوم ما لم يكن فيه إثم وما لم يكن فيه مغرم وما لم يكن فيه تعريض سلامة أولادنا لأي شئ كالمراجيح البلدية التي تعرضهم للكسور والتشوهات فمثل هذه الأعمال يجب أن نتعاون جميعاً على إلغائها لنكون ممن قال الله فيهم{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}وكذلك من يخرجون بعد صلاة العصر بصورة منكرة من شبابنا ويتطلعون إلى الغاديات والرائحات في مقدمة هذا يجب علينا أن نأخذ على أيديهم جميعاً المباح في هذا اليوم الذي لا يخالف الدين ولا يخالف سنة سيد الأولين والآخرين أما ما يفعله البعض في يومنا هذا من الجلوس في بيوتهم لتقبل العزاء في أقاربهم وإخوانهم وقد مضى على موتهم أيام وشهور فهذا مخالف لسنة رسول اللهمن أنالعزاء ثلاثة ايام[22] وقال{لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إلاَّ عَلَى زَوْجِهَا}[23]لا يجب أن نزيد على ذلك فلا يجب أن نجدد الأحزان في عيدنا ولا نفتح البيوت لتقبل العزاء بل نعلن الفرحة بأن الله غفر لنا ذنوبنا وشكر لنا سعينا وأعاننا على طاعته

[1] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن.

[2] رواه البيهقي وأحمد في مسنده عن جابر.

[3]قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء للإما الغزالى : رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، كشف الخفاء

[4] البزار عن ابن عمر

[5] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ

[6] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.

[7] رواه الترمذي عن ابن عمرو.

[8] رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبد الله بن كريز.

[9] رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الكبير عن أبي هريرة.

[10] رواه البخارى وأحمد عن أنس

[11] متفق عليه عن عمر بن الخطاب.

[12] رواه أحمد وأبويعلى والبيهقى عن أبى إمامة

[13] رواه البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبزار والسيوطي عن جابر.

[14] ت هـ ك عن عائشةَ رضَي اللَّهُ عنهَا.

[15] رواه البزار وابن حبان في كتاب الضحايا والأصبهاني عن أبي سعيد الخدرى

[16] رواه الدار قطنى في سننه، وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة

[17] الترمذى وابن ماجه والمستدرك فى مسنده عن عائشةَ رضَي اللَّهُ عنهَا.

[18] رواه السيوطي في الفتح الكبير والديلمي عن أبي هريرة

[19] صحيح الإمام مسلم

[20] رواه ابن ماجة في السنن والسيوطي في الكبير عن عمران بن حصين.

[21] (خد طب ك هق) عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا

[22] إشارة إلى معنى الحديث المتفق عليه والمروي عن أم حبيبة وزينب بنت جحش

[23] رواه البخارى ومسلم عن عائشة

طارق سرور 10-05-2014 05:32 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
فضائل يوم عرفة
تفضل الله على المؤمنين أجمعين سواء الحجاج أو المعتمرين أو المقيمين في بلدانهم مثلنا تفضل الله على الجميع بيوم عرفة وقد قالت اليهود لعمر بن الخطاب لقد نزلت عليكم آيه لو نزلت علينا لجعلنا يومها عيداً قال: وما تلك الآية؟ قالوا: قول الله{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} فقال : أشهد أنها نزلت في يوم عيدين اثنين نزلت في يوم عرفة وكان يوم جمعة فيوم عرفة يوم عيد ويوم الجمعة يوم عيد يوم عرفة يوم عيد لحجاج بيت الله فإن الله يتنزل لصباح هذا اليوم إلى السماء الدنيا ويأمر الملائكة أجمعين أن يتنزلوا ليشاهدوا هذا الحفل العظيم حتى أن الملائكة الموكلين بالأعمال يعطيهم إذناً أن ينتهوا ويتركوا الأعمال ليشهدوا حجاج بيت الله وهم واقفين ضارعين متبتلين مخبتين بين يدي الله فإذا شهدوهم أو رأوهم قال الله لهم مباهياً بعباده المؤمنين للملائكة المقربين: {يَا مَلائِكَتِي انْظُرُوا إلى عِبَادِي شُعْثاً غُبْراً، أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إليَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ وَشَفَعْتُ رَعِيَّتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنِيهِمْ جَميعَ مَا سألوني }[1]فيتجلى عليهم الغفار فيغفر لهم جميع الذنوب والأوزار ما داموا قد تحروا المال الحلال والزاد الحلال والنفقة الحلال وهم متوجهين لله ولذا قال الصادق المصدوق{أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له }[2]وهل يغفر الله لهم ما بينه وبينهم فقط؟ أو يتجلى ويغفر لهم جميع الذنوب إن الله على الحقيقة يا إخواني يغفر لهم جميع الذنوب ما ظهر منها وما بطن ما صغر منها وما كبر ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين أحد من خلق الله وإليكم الدليل على ذلك من حديث سيدنا ومولانا رسول الله فقد ورد عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ{أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَأُجِيبَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ:أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ وَغَفَرْتُ لِلْظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ.قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ}[3]ومن أجل ذلك قال{إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}[4]وقال{إن الله يتجلى لأهل عرفة فيغفر لهم الذنوب جميعاً}[5]فقال سيدنا عمر: يا رسول الله أهذا لنا خاصة أم لنا ولمن بعدنا؟ فأخبرهم e أنهذا لهم ولمن بعدهم إلى يوم القيامة{ إذا كان يوم عرفة نزل الله إلى السماء الدنيا ونظر إلى خلقه فغفر لهم جميعاً فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة فقال : بل هذا لكم وللناس من بعدي}[6]فأخذ سيدنا عمر يحجل من شدة الفرح ويقول قد فاض خير ربنا وطاب قد فاض وطاب فذلك اليوم يا إخواني يوم غفران الذنوب وستر العيوب بل إن الله من فضله وكرمه لا يغفر للحاج في نفسه فقط بل كما يقول الصادق الأمين :{يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ }[7] فإذا استغفر الحاج لرجل هنا أو امرأة هنا فإن الله من فضله وجوده وكرمه يقبل هذه المغفرة ويغفر لأهله وذويه الذين يستغفر لهم على بساط رب العالمين فإذا غفر لهم الذنوب وضمن لهم التبعات وغفر لهم ذنوب ذويهم وأحبابهم قال لهم{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}فينظر إلى دعائهم فيستجيب لهم الدعاء ويحقق لهم الرجاء ويلبي لهم المطالب لماذا ؟لأنهم جاءوا إلى الله وقد خرجوا من حولهم وطولهم ولبسوا في إحرامهم أكفانهم عند موتهم ووقفوا بين يدي ربهم وهم يستحضرون يوم الجمع على الله فالجميع سواسية أمام الله ليس هناك أمير أو حقير ولا وزير ولا خفير وليس هناك غني أو فقير ولا ذا طول وضعيف بل الكل بين يدي الله يلبسون الأكفان البيضاء وقد تجردوا من الحول وقد تجردوا من الطول وقد تركوا خلفهم مناصبهم وعشائرهم وأولادهم وبلادهم وأموالهم وكل شئ يتباهون به في هذه الحياة ووقفوا بين يدي الله وقدموا بين أيديهم ذنوبهم ومعاصيهم وقبائحهم يرجون من الله أن يغفرها لهم فالرحمن الرحيم يرحمهم ويرحم ضعفهم ويرحم فقرهم ويرحم ذلهم فيغفر لهم ويستجيب لهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم كما قال النبي الكريم{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[8] هذا اليوم الكريم يا إخواني في السنوات العادية فما بالكم إذا وافق هذا اليوم يوم الجمعة وهو اليوم الذي احتفل به الله مع نبي الله ومع أصحاب رسول الله ومع ملائكة الله بتمام نزول شرع الله وبإتمام دين الله الذي اختاره الله ديناً قيماً يملأ حياة الناس بالإيمان والمحبة والسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فإذا وافق يوم الجمعة فقد وافق حجة النبي في حجة الوداع ويوافق اليوم الذي سنقوم فيه للقيامة فقد قال{خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمعَةِ}[9]فهؤلاء القوم في هذا اليوم كأنهم يستحضرون يوم القيامة ويوم القيامة سيكون يوم جمعة وسنخرج فيه جميعاً من قبورنا ومن لحودنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا ليس لنا لباس يواري سوءاتنا إلا من له تقى عند الله وعمل صالح قدمه إلى الله ومن هنا قال القائل:
اذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فى من كان لله عاصيا
نقوم جميعاً في هذا اليوم وليس معنا مدخراتنا وليس معنا دفاتر شيكاتنا وليس معنا ما نحتفظ به من صنوف أموالنا لأننا نخرج إلى الله ويجول في آذاننا قول الله{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ}فلا يستطيع أن يباهي في ذلك اليوم ببنيه ولا بأخيه ولا بذويه ولابفصيلته التي تأويه بل إن الإنسان في هذا اليوم العظيم لا ينفعه إلا ما قدمت يداه فما أكرم هذا اليوم على الله فلا تشغلوا أنفسكم يا عباد الله ولو من هذه اللحظة إلى غروب الشمس إلا بطاعة الله أو بذكر الله أو بالاستغفار لله أو بالندم على ما ارتكبناه حتى يتفضل علينا الله مع حجاج بيت الله فيعمنا جميعاً بغفرانه ويحفنا جميعاً برضوانه ويغفر لنا معهم ويستجيب لنا الدعاء معهم لأننا نشاركهم في الإنابة ونشاركهم في التوبة ونشاركهم في الاستغفار ونشاركهم في الدعاء قال النبى{صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}[10]فأول ما يجب علينا في هذا اليوم وفيما بعده أن نكبر الله عقب كل صلاة وهذا التكبير سنة يقول فيها سيدنا رسول الله{زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِ }[11]ووقته يبدأ من صلاة الفجر في هذا اليوم في يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من ايام العيد إن شاء الله نكبر جميعاً ونحن نكبر إذا صلينا في بيت الله في جماعة لكن يجب أن نعلم أن التكبير لكل مصل ولو صلى بمفرده فلو جئت بعد الجماعة فعليك أن تكبر عقب الصلاة حتى الذي يصلي نوافل زائدة أو من يصلي الضحى أو من يصلي قيام الليل عليه بعد هذه النوافل أن يكبر لله حتى لو حضرنا جنازة في هذه الأيام فعلينا أن نكبر عقب صلاة الجنازة تأسياً بسيدنا رسول الله وعلينا أن نأمر نسائنا وبناتنا أن يكبرن في البيوت وإن كن يكبرن بصوت خافت لكن عليهن أيضاً أن يكبرن عقب كل صلاة لله في هذه الأيام المباركة ثم علينا بعد ذلك أن نشغل هذا الوقت كما يعمل حجاج بيت الله بطاعة الله إلى آذان المغرب نقوم جميعاً بين يدي الله مخبتين منيبين تائبين مسبحين مهللين مكبرين تالين لكتاب الله إلى هذا الوقت والحين ثم علينا بعد ذلك أن نتجهز لصلاة العيد فنقلم أظافرنا ونحلق شعورنا إلا من كان عنده أضحية فالسنة في حقه هي قول رسول الله{مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَتْ أَيَّامُ الْعِشْرِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ أَظْفَارِهِ حتى يذبح أضحيته }[12]يعني لا يحلق حتى لصلاة العيد لأن الأضحية لا تنفع ولا يكون لها ثوابها إلا بعد أداء صلاة العيد فالذي عنده أضحية لا يحلق شعره ولا يقصر ظفره حتى يصلي العيد ويذبح أضحيته وذلك لكمال تشبهه بحجاج بيت الله الحرام فإنهم لا يقصرون ولا يقلمون إلا بعد أن يرمون جمرة العقبة ويذبحون الهدى لله ثم يحلقون شعورهم ويقلمون أظافرهم فعلينا أن نحلق شعورنا لغير المضحي ونقلم أظافرنا ثم نغتسل ليلة العيد أو صباح العيد ونقول(نويت الاغتسال غسل العيد سنة عن رسول الله لله تعالى)أو نستحضر هذه المعاني بقلوبنا فالنية محلها القلب فإذا أصبح الغد وهو يوم العيد نلبس خير ما عندنا ويستحسن أن تكون الثياب جديدة فإذا لم يكن عندنا جديد فنلبس خير ما عندنا فإذا لم يوجد نلبس الثياب البيضاء ونضع العطر ونخرج من البيت ومعنا أولادنا نكبر الله من لحظة الخروج من البيت في بيتنا وفي شوارعنا بصوت عال حتى ندخل إلى بيت الله لنكبر مع المكبرين فعلينا أن نفرح بيوتنا ونفرح طرقاتنا ونفرح شوارعنا بالتكبير فيها ونحن سائرون فيها فإذا صلينا العيد جلسنا لسماع الخطبة من الإمام ثم بعدها نصافح إخواننا المؤمنين وننزع الغل والشح والحقد والكره من الصدور ونرجع من طريق آخر حتى نكثر من السلام على المؤمنين فنسلم على قوم آخرين في طريقنا غير الذين سلمنا عليهم في مجيئنا.

[1] رواه أبو يعلى في مسنده والخطيب في المتفق والمفترق على أنس

[2]قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف وجدنا ذلك فى كشف الخفاء .

[3] رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه الترغيب والترهيب وغيره.

[4] رواه صاحب الترغيب والترهيب عن أنس.

[5] رواه أبو يعلى في مسنده والخطيب في المتفق والمفترق عن أنس.

[6] رواه مسلم والنسائي وابن ماجة عن عائشة.

[7] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.

[8] رواه الدار قطنى في سننه، وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[9] رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه والحاكم في المستدرك وأبي داود في سننه والترمذي والنسائي وأحمد وأي يعلى عن أبي هريرة.

[10] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري.

[11] رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الكبير عن أبي هريرة.

[12] رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك ومسلم والبيهقي في سننه عن أم سلمة.

طارق سرور 10-05-2014 05:33 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
يوم عرفة يوم المغفرة
نحتفل في هذا اليوم جميعاً وأنتم والمسلمون جميعاً بخير منسك خصنا به الله هذا المنسك العظيم لو علمنا ما فيه من الخير والتكريم من المولى الكريم لباع كل واحد منا ما ملكت يداه وسارع متجرداً لزيارة الله في بيت الله فإن الذي يذهب إلى هذه الأماكن لا يذهب من قبل نفسه وإنما بدعوة من ربه فإن الخليل لما أمره الجليل أن يبني هذا البيت فأعانه وبناه قال يا إبراهيم{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}قال: يا ربَّ وما يبلغ صوتي؟ قال: يا إبراهيم عليك الآذان وعلينا البلاغ. فأمر الله الجبال أن تهبط والسهول والوديان أن ترتفع والأرواح التي لم يئن ميعاد خروجها إلى الدنيا أن تخرج وأسمع الجميع نداء الخليل فوقف الخليل على جبل أبي قبيس المواجه للكعبة واتجه مرة جهة المشرق ومرة جهة المغرب ومرة جهة الشمال ومرة جهة الجنوب وفي كل مرة يقول{أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وأمركم بالحج فحجوا }فقال الناس فى أصلاب أبائهم وأرحام أمهاتهم وقلنا نحن مع الناس: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك منا من قالها مرة فقيد له الملائكة أن يزور البيت مرة ومنا من وفقه الموفق فرددها مرتين فكتب له حجتين ومنا من زاد على ذلك فقد ورد فى الأثر{ فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَحُجُّونَ بِعَدَدِ مَا أَجَابُوا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ لَمْ يَحُجَّ }[1]فلا يذهب إلى هناك إلا من لبى نداء الخليل ووفقه الجليل فذهب لزيارته لأنه لا يزار إلا بإذنه ولا يذهب إليه ذاهب إلا بتوفيقه ولا يبلغ هذا المراد إلا من أراد الله سعادته في الدنيا والآخرة هؤلاء الذاهبون ماذا يطلبون وماذا يبغون؟ وما لهم عند الله ؟ لم يسافروا رغبة في دنيا يريدونها أو في رياسة يتنافسون في الحصول عليها أو لأي متعة من متع الدنيا الفانية وإنما ذهبوا يحدوهم داعي المغفرة يطلبون غفران الذنوب ويطلبون ستر العيوب ويطلبون استجابة الدعاء ويطلبون الأمان من النار ويطلبون ضمان دخول الجنة مع الأبرار ويطلبون أن يكتبوا في كشوف الشفاعة عند النبي المختار ويطلبون أن يكونوا من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه ما أعظم ما يطلبون إن كل مطلب من هذه المطالب لو تدبرناه لو أنفق الإنسان فيه كل ما ملكت يداه كان قليلاً جداً جداً في جانب ما يحصل عليه من الله وبالله ربكم خبروني الذي يأخذ وسام المغفرة من الغفار ويغفر الله له كل ما في صحيفته من الذنوب والأوزار الصغار منها والكبار ماذا يساوي ذلك في عالم اليوم؟ لو كان يملك الدنيا بأجمعها ما استطاع أن يدفعها في ثمن هذه المغفرة لأن الله أنبأ عن قوم ملكهم الدنيا ليغرهم ويضرهم بها أنهم إذا كانوا يوم القيامة يود الواحد منهم{لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ}ولكن الله لا ينجيه لأنه خرج كافراً بالله أما هؤلاء القوم فيتفضل عليهم الغفار بالمغفرة قال النبى{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[2]وقد ورد{أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأُجِيبَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ وَغَفَرْتُ لِلْظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ.قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ. قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ} [3]فرسولكم الكريم عندما أصبح بالمزدلفة بشرنا جميعاً وقال{قال الله تعالى أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}[4]هذا فى المغفرة أما في الأمان من النار فقد وعد بذلك العزيز الغفار فقال في محكم القرآن{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}من دخل هذا المكان وهذه الساحة من ساحات الفضل والرضوان كان آمناً من النيران وكان آمناً من سوء الخاتمة لحظة لقاءه بالديان إذا قبل الله حجه فعلامة قبول الحج أن يؤمن الله صاحبه من دخول النيران ومن سوء الخاتمة لحظة مفارقته لهذه الأكوان وإقباله على حضرة الديان ولعلكم تعجبون كيف يضمن الله له حسن الخاتمة ويضمن له الأمان من النار مع إنه يرجع إلى أهله ويعيش سنين قد تطول وقد تقصر إن من تقبل الله حجه اتفق العلماء على أن الله يحفظه في بقية عمره من المعاصي والذنوب وخاصة الكبائر فعندما يريد أن يفعل ذنب أو يهم بكبيرة تلحقه عناية الله ويدركه توفيق الله وينطبق عليه قول الله{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}فلا يقع في الذنب ولا يفعل المنكر حتى إذا جاء ميعاده للقاء الله وفقه الله في أوقاته الأخيرة لطاعة الله وللعمل الصالح المقرب إلى الله فيخرج من الدنيا في أبهى حلل الشوق إلى الله والرغبة في لقاء الله فيتحقق فيه وله وعد الله{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}أما الذي يرجع من الحج على غير الصراط المستقيم والهدى القويم فهذا والعياذ بالله ممن لم يتقبل الله حجه لأنه خرج للرياء أو للسمعة أو ماله فيه شبهة لأن العبد إذا خرج بمال فيه شبهة أو حرام فقال{مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ}[5]فمن حج بنفقة حلال وطلب رضاء ذي الجلال وكان عمله خالصاً للواحد المتعال تقبل الله حجه ووفقه في جميع عمره حتى يلقى الله وهو آمناً مطمئناً{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}وعلامات هذا الحج المقبول أن يخرج صاحبه من هنا وهو على يقين من أنه مسافر إلى الدار الآخرة وعلى أنه خارج لا يعود فعندما يخرج من بيته يودع أهله الوداع الأخير ويتذكر بركوبه حمله في نعشه وبوقوفه على عرفات وجوده في عرصات القيامة وبسعيه بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان قال{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}ابشروا جميعاً بفضل الله فإن الله لن يحرم المشتاقين أمثالكم من هذا الفضل الذي تحدثنا عنه فقد ورد فى الأثر{إذا كان يوم القيامة تقول الكعبة وقد حشرت كالعروس المزفوفة يا رسول الله أما من حجني وأما من اشتاق إلي فلم يستطع وأما من مات في طريق زيارتي فلا عليك بهم فإني سأشفع لهم عند الله فابحث عن غيرهم لتشفع لهم}فسارت الكعبة بين الذي ذهب إلى هناك والذي اشتاق للذهاب ولم يسعفه المال أو لم يهيئ له جسمه بسبب مرضه الذهاب أو منعه مانع شديد فوق طاقته من الذهاب إلى هناك وتشفع لهم وأما من نوى وسافر ومات في الطريق فيقول عنه النبي الشفيق{مَنْ خَرَجَ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ غَازِياً ثُمَّ مَاتَ فِي طَرِيقِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ الْغَازِي وَالْحَاج وَالْمُعْتَمِرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }[6] يبعث الله في كل عام ملكاً على هيئته وفي صورته يلبي عنه ويحج عنه ويجعل ذلك كله في ثوابه يوم القيامة فابشروا بهذا الفضل العظيم والخير الكريم من المولى وعجل الله لنا هنا أعمالاً تسوينا بمن هناك فمن كان عنده خير ويستطيع أن يشتري أضحية ليتأسى بالخليل uفإن الله أمره أن يذبح ولده في المنام ورأى ذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة فتروى في أمره وظن أن ذلك حلم من الشيطان فرأى الرؤيا مرة أخرى في ليلة التاسع فاستخار الله U حتى عرف حقيقة الرؤيا فسمى اليوم الثامن يوم التروية واليوم التاسع يوم عرفة لأنه عرف أنه فضل الله عليه فلما كانت ليلة العيد رأى الرؤيا للمرة الثالثة فدعا ولده في الصباح وقال: يا بني{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}ماذا قال الغلام الذي تربى في حجر النبوة؟{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }فاحتضنه وقبله ودعا له وقال له: نعم الولد أنت يا ولدي فقد كنت عوناً لأبيك ثم أعطاه الحبل وأعطاه السكين وقال: تظاهر أمام أمك أنك خارج للصيد وسأتبعك بعد قليل والموعد شعاب منى فخرج الغلام وجاء الشيطان يزين للغلام بأنه سوف يقتل لأنه قال كما قال الله{سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}وهنا أبين لكم لمحة صغيرة من كلام رب العالمين موسى لما مشى مع العبد الصالح قال{سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً}فما استطاع أن يصبر ولكن إسماعيل تواضع لله وطلب أن يكون مع الصابرين فصبره الله وأعانه على هذا العمل وكأن الله يضرب لنا المثل بأن من يتواضع لله ويدخل نفسه في عداد عباد الله يرفعه الله ولذا كان أنبياء الله يقولون{تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}يكون من الصالحين مع أنهم أنبياء ومع أنهم مرسلون لكن هذا أدب رب العالمين مع الأنبياء والمرسلين والصالحين أجمعين وجاء الغلام وجاء أباه فقال: يا أبت انزع عني قميصي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي والقني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الرحمة في تنفيذ أمر الله واشحذ السكين لتكون اسرع في القطع حتى لا يصيبك وهن في تطبيق أمر الله فنزع عنه قميصه وألقاه على وجهه وشحذ السكين وأخذ يمر بها على رقبته بشدة وقوة وسرعة ولكنها لم تقطع فقال لها: خيبك الله وقبحك الله من سكين لم لا تقطعين؟ فانطقها الله وقالت يا خليل الله أنا بين أمرين الجليل يقول لي لا تقطعي والخليل يقول لي اقطعي وأنا من قبل الجليل ولست من قبل الخليل وكيف يقطع عنق إسماعيل وفي وجهه نور محمد فقال: يا ربَّ اعن عبدك إبراهيم على تنفيذ أمرك فنزل جبريل بالكبش الذي تقبله الملك العلام من هابيل بن آدم عندما قرب قربانه فنزلت الملائكة وحملته ووضعته في ربوع الجنة وظل يرعى فيها ثم نزل ليفدي به الله إسماعيل نبي الله عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام وظلت تلك السنة إلى يوم القيامة على الموسرين وعلى أهل القدرة من المؤمنين فقد قال النبى{مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا}[7]من كان عنده سعة ولم يضحي منع رسول الله أن يصلي معهم لأن الأضحية إحياء لذكرى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ماذا في الأضحية؟من ضحى بشروط الأضحية وهي أن تكون بعد صلاة العيد{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }وأن تكون كبشاً مر عليه ستة أشهر أو ماعز مر عليه عام عن واحد وعائلته أو بقرة عن سبع بيوت أو جمل عن سبع بيوت على أن تكون ليس فيها عيب لا عوراء ولا عضباء ولا منزوعة القرن ولا جرباء ولا مشقوقة الأذن ولا مريضة ماذا له من الأجر؟ اسمعوا إلى نبيكم الكريم يوصي ابنته فاطمة فيقول:{يَا فَاطِمَةُ قُومِي فا شْهَدِي أُضْحِيَتَكِ فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ }[8]كأن الأضحية تشبه الحج فالحاج يرجع كيوم ولدته أمه والذي يضحي بهذه الطريقة يخرج من أضحيته كيوم ولدته أمه ولذلك كانت هذه السنة قائمة بيننا مع أن أبائنا وأمهاتنا كانوا جهلاء ليسوا متعلمين مثلنا وليس معهم من الخير كما معنا الآن لماذا؟ لهذا الفضل الذي عملوه أضحية قليلة بثمن يسير تجعل الرجل وزوجته وأولاده جميعاً كأنهم حجوا بيت الله الحرام لأن الله يغفر لهم كل ذنب فعلوه أما الثواب فقد قال r عندما سأله أصحابه:مالنا في أضحياتنا يا رسول الله؟ قال r{مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً}[9]من منا يستطيع أن يعد الصوف أو شعر الماعز؟ ثم الثالثة قال النبى{إِسْتَفْرِهُوا [استسمنوا]ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ }[10]الركائب التي نركبها على الصراط هي هذه الضحايا فمنا من يمر على أضحيته كالبرق الخاطف ومنا من يمر كلمح البصر ومنا من يمر كالريح المسرعة فعليكم معشر المؤمنين أن تضحوا ولو مرة في العمر كله تكتبوا في ديوان المضحين ولا تحرموا من هذا الثواب العظيم عند رب العالمين والثمن كثير ونحن نصرف الكثير والكثير ولكن الشيطان يأتي عند الخير فيحضر للأنفس شحها ويزين لها بخلها حتى يحرمها من ثواب ربها والذبح يكون بعد العيد في يوم العيد مدة أيام العيد يجوز في اليوم الأول والثاني والثالث والرابع على أنه يستحسن أن يكون الذبح نهاراً وكره الأئمة أن يذبح الإنسان ليلاً ويوزع الإنسان جزءاً منها للفقراء ويعطي جزءاً كهدايا للأقرباء ويأكل منها كما أمر الله{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}فإذا أمرنا الله بهذا الفضل وأعطانا هذا الأجر فلا غرو أن نكبر نحن لله كما يكبر الحجيج لله ونقول نحن هنا ويقولون هناك ونقول جميعاً الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ولذا أمركم رسولكم الكريم بالتكبير وقال{زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِ}[11]والتكبير يبدأ من صبح يوم عرفة (يوم الوقفة)إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد على الكبير والصغير وعلى الرجال والنساء على المصلي في جماعة والمصلي بمفرده فمن فاتته صلاة الجماعة وصلى بمفرده يجب عليه أن يكبر بعد الصلاة بصوت مرتفع كما أمر رسول الله : بل إنه يستحب دبر صلاة النوافل فمن صلى الضحى فليكبر بعدها ومن صلى التهجد فليكبر بعده بل استحسن الإمام الشافعي إذا كانت هناك جنازة في أيام العيد وصلينا عليها صلاة الجنازة أن نكبر بعدها لأن التكبير سنة الله وهدى رسول الله وفرحة ملائكة الله وزينة العيد التي أخبرنا بها رسول الله فعلينا أن نكبر عقب كل صلاة فرادى أو جماعات إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد وعلينا أن نطلب من زوجاتنا وبناتنا أن يكبرن في بيوتهن بعد كل صلاة لأن التكبير سنة رسول الله {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

[1] حاشية الجمل، مراح لبيد للنووى الحاوى ، كنز الدقائق لعبد الله أحمد النسفى عن مجاهد.

[2] رواه الدار قطنى في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.

[3] رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه.، الترغيب والترهيب وغيره.

[4] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ.

[5] الشيرازي في الأَلْقاب ، أَبو مطيع في أَمَالِيهِ عن عمر رضَي اللَّهُ عنهُ.

[6] رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة.

[7] رواه ابن ماجة في سننه وأحمد والحاكم عن أبي هريرة

[8] رواه البزار

[9] رواه البزار وابن حبان في كتاب الضحايا والأصبهاني عن أبي سعيد.

[10] رواه السيوطي في الفتح الكبير والديلمي عن أبي هريرة.

[11] رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الكبير عن أبي هريرة.

طارق سرور 10-05-2014 05:34 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
ســــــــــــــــرُّ خلَّةَ أبينا إبراهيم
نحن في أيام خليل الله وقد كان هذا اليوم يوم استجابة من الله لخليله إبراهيم حيث طلب من الله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين يعني يذكرونه ويشرحون سيرته ويتعظون بمسيرته ويتأسون بسنته إلى يوم الدين فما من نبي إلا ونذكره سنة وننساه سنين أو نذكره وقتاً قد يطول وقد يقصر إلا نبي الله إبراهيم فلابد أن نذكره كل عام ولابد أن نحكي قصته كل عيد أضحى لماذا؟استجابة لقول الله{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}هذا النبي الكريم اسمه خليل الله لماذا سمي بهذا الاسم؟روى البخاري ومسلم أن خليل الله إبراهيم خرج كعادته يوماً يبحث عن الضيفان وكان لا يأكل إلا مع ضيف ويمكث يوماً بل أيام بدون أكل حتى يعثر على ضيف ليأكل معه وكان يمشي الأميال باحثاً ذات اليمين وذات الشمال عن الضيف لما علمه من أجر إكرام الضيف عند الكريم فذهب يوماً وعاد ولم يجد أحداً ثم دخل المنزل فوجد رجلاً جالساً في منزله فقال له: لم دخلت المنزل بدون إذن سيده؟ قال: قد أذن لي رب الدار قال: من أنت؟ قال: أنا ملك أرسلني الله ليبشر رجلاً من عباده بأنه خليل الله قال: دلني على هذا الرجل فوالله لو دللتني عليه ثم كان في أقصى بقاع الأرض لذهبت إليه وعشت معه حتى ألقى الله قال: إنه أنت قال: أنا أنا وأخذ يكررها مبهوراً متعجباً فرحاً مستبشراً قال: ولم؟ قال: لأنك تعطي لله ولا تسأل الناس شيئاً وانتهى الملك من بشارته وإذا بملك الملوك يفتح بابه لإبراهيم ويوحي إليه يا إبراهيم تعلم لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا يا رب قال: لأنك جعلت جسدك للنيران وولدك للقربان ومالك للضيفان وقلبك للرحمن فلم يأخذها بالفهلوة ولم يأخذها بالنصب والاحتيال ولم يأخذها بطريق مفروش بالورود ولكنه طريق صعب طويل في سبيل الدعوة إلى الملك الجليل بدأ هذا الطريق مع أبيه أولاً حيث كان أبوه هو الذي يصنع الآلهة ويبيعها للناس ليعبدوها من دون رب الناس فطلب منه أن يذهب إلى السوق ليبيع هذه الآلهة فنفذ الأمر وذهب إلى السوق وأخذ ينادي عليها ساخراً متهكماً ويقول: الإله الذي لا ينفع ولا يضر ولا يسمع ولا يبصر بكذا فنقل الناس الخبر إلى أبيه فجاء إليه مسرعاً وقال: ماذا تفعل؟ - لأنه يحارب دين أباه -فقال{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً}فلما اعترض على موقفه طرده من بيته فخرج غير نادم على ما حدث لأنه نذر نفسه لله وقال كما قال الله{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}ثم أخذ يدعو قومه بالحكمة تارة وباللين تارة وبالجدال تارة فيذهب إلى من يعبدون النجوم وهم كثير في بلده الأولى العراق ويسمون الصابئة وجلس معهم ليلة طويلة عريضة وقال لهم: ماذا تعبدون؟ قالوا: هذا وأشاروا إلى نجم فانتظر حتى أفل النجم وقال: إني لا أحب الآفلين ثم أشاروا إلى القمر فجلس معهم حتى طلع الصباح وكسف ضوء القمر فقال أيضاً: إني لا أحب الآفلين ثم طلعت الشمس فقال متهكماً: أظن أن هذا إله أكبر فنورها أسطع وحجمها أكبر وإشراقها أوسع ثم جاورهم حتى غابت الشمس وأقام عليهم الحجة بأن هذه الآلهة لا تنفع ولا تضر وإنما الإله الحق هو رب العالمين فما كان منهم إلا أن أخذوه إلى النمروذ ملكهم وكان قد طغى وبغى وأدعى الألوهية قال: يا إبراهيم هل علمت لك من إله غيري؟ ألك رب سواي؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت ولم يعبأ بسلطانه ولم يهتز لصولجانه ولم يهب من كثرة جنوده مع أنه من الملوك المعدودين الذين ملكوا أكثر البسيطة الأرضية إلا أن الإيمان ثبت قلبه وقوى فؤاده فقال النمروذ: أنا أحيي وأميت قال: كيف؟ فجاء برجلين حكم عليهما بالقتل وأشار إلى حاشيته وقال: اقتلوا هذا ثم أشار إلى الآخر وقال: أنا عفوت عن هذا أنا أحييته وأعطيته حياة جديدة وظن أنه كسب الجولة فإذا بإبراهيم الذي علمه العليم الحكيم يأتيه بقاصمة الظهر ويقول له{فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} واحتار في الأمر وتروى وتدبر ثم أطلق سراحه بعد أن أمر الجميع أن لا يكلموه ولا يحدثوه ولا يستمعوا إليه ولكنه أصر على أن يكمل رسالته مع الله فخرجوا في يوم عيدهم وأرادوا أن يخرج معهم فقال: إني سقيم أي إني مريض من كفركم وشرككم بالله وصمم على أن يأتي لهم بمصيبة جديدة تلفت نظرهم إلى الله فجعلهم يتوجهون إلى حضرة الله فخرجوا وتركوه وحيداً عند بيوتهم فخرج إلى الأصنام وحطمها جميعاً ثم وضع الفأس على رأس كبيرهم فلما رجعوا ووجدوا ما حدث{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}قالوا: ومن يكون إلا إبراهيم لأنه الوحيد الذي يعيب علينا عبادة هذه الآلهة ويسخر بها ويستهزأ بها فجاءوا به وقالوا{أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}وأشار إلى أصبعه الأكبر (يعني أن يده هذه هي التي فعلت) وأشار بيده إلى الصنم الأكبر لأن الأنبياء لا يكذبون في مزاح ولا في لهو ولا في شئ لأن الله ثبتهم على الحق فقال: بل فعله كبيرهم هذا وهو يقصد إصبعه الأكبر وهم يظنون أنه يقصد الصنم الأكبر ثم أخذ يجادلهم وبعد ذلك علموا أنه على الحق وإنهم على الباطل ومع ذلك أخذتهم العزة بالإثم فدبر النمروذ أمره بأن يلقيه في النار وبدأو التجهيزات لذلك وأخذوا يجمعون الحطب واستمروا في جمعها لمدة ستة أشهر حتى أن المرأة التي كانت تتعسر في وضعها كانت تنذر أنها إذا وضعت تحضر حطباً لإحراق إبراهيم والتي مرض ولدها تنذر أنه إذا شفى تجمع الحطب لحرق إبراهيم حتى جمعوا حطباً يحرق مدينة من الناس وليس رجلاً وإن كان سماه الله أمة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}ثم أوقدوا النار وأشعلوها وبعد اشتعالها لم يستطيعوا أن يقتربوا من النار لشدة حرارتها وقالوا كيف نلقيه فيها ونحن لا نستطيع أن نقترب منها وإذا بإبليس اللعين ينزل في صورة آدمية ويرشدهم لعمل المنجنيق وهي آلة كالمقلاع تقذف الأشياء لأماكن بعيدة ووضح لهم كيف يضعوه فيها بأن يصعدوا على قمة جبل ومعهم المنجنيق ثم يضعوا فيه إبراهيم بعد تكتيفه بالحبال ويقذفونه في وسط النيران وهنا ضجت ملائكة السموات يقولون(يا ربنا عبدك إبراهيم لا يعبدك في الأرض سواه فما كان من الجليل إلا أن قال لهم: إذا كان قد استعان بكم فأعينوه أي فهل استغاث بكم؟ فقال سيدنا إسرافيل: يا ربَّ مرني أن انزل الأمطار على النار لتطفأها على الخليل فقال الجليل : إذا استغاث بك فاغثه وقال الأمين جبريل: يا ربَّ عبدك إبراهيم قال: انزل فإذا سألك حاجة فاعطها له فنزل جبريل على إبراهيم وقال يا خليل الله ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: إذا كانت إلى الله فاطلبها من الله أبلغها إلى الله فقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي فوضع جبريل إصبعه في الأرض فنبعت عين ماء ومد يده في الجنة فجاء بشجرة تفاح ووضعها بجوار الماء وجاء بأريكة من الجنة وفرشها بجوار الماء تحت الشجرة وكان في النار كما قال لها الواحد القهار{يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}فلم تحرق النار إلا أحباله وقيوده التى قيدوه بها حراً فريداً يجلس على الأريكة في ظل الشجرة يأكل التفاح ويشرب الماء ويذكر الله لمدة شهرين كاملين في هذه النار حتى اطفأت فقد استمرت موقدة لمدة شهرين كاملين ولكن القوم عندما رأوه تعجبوا وقال النمروذ في جبروته وعتوه: من تعبد يا إبراهيم؟ قال: أعبد الله قال: إنه إله كريم يستحق أن اذبح له مائة بدنة فنحر مائة بقرة لله ولكن الله لم يتقبلها منه لأنه لم يؤمن بالله قال الخليل: إن الله لا يريد بدناتك ولكن يريد أن توحده ويريد أن تعبده ويريد أن تعرفه وهو غني عنك وعن بدناتك جميعاً واستمر يدعو الله ويدعو هؤلاء القوم إلى عبادة الله ولكنه في النهاية زاد غرورهم وعتوهم بل إنهم في النهاية أصدروا أمراً بطرده من البلاد فقال{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}هذا الخليل ألقى جسمه في النيران وقدم ولده قرباناً لحضرة الرحمن وكان ماله كله للضيفان حتى أن الرحمن يحكي لنا أنه جاءه رجلان فماذا فعل؟ اثنين يكفيهما نصف دجاجة لكنه كما قال الله{جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}جاء بعجل سمين جاء بعجل حنيذ يعني مشوي شواه لهم لأنه كان كريماً مع الله فقالوا له: يا إبراهيم لا نأكل طعامك إلا إذا دفعنا الثمن قال: الثمن الذي أطلبه منكم أن تذكروا الله أوله وتحمدوه في آخره فقالوا: صدق من سماك الخليل بل أنه مشى ذات يوم وقد تعجبت ملائكة الله من أحواله فاختار الله منهم نفراً وأمرهم أن ينزلوا لاختباره بعد أن نما ماله وكان كثير وكثير فنزلوا وذكر واحد منهم الله بصوت شجي يطرب السامعين فقال الخليل: أعد علي ذكر الله الذي ذكرته آنفاً قال: لا أعيد حتى تعطيني ما أريد قال: وماذا تريد؟ قال: تعطيني وادياً مملوءاً بالغنم من أغنامك وكان له وديان كثيرة مليئة بالأغنام لأنه أبو الضيفان كما سماه الرحمن فماذا قال للملك؟قال: اسمعني ذكر ربك ولك كل ما ملكت من أودية مملوءة بالجمال أو الأبقار أو الأغنام فضجت الملائكة في السموات وقالوا: صدق الله إذ سماك الخليل لأنه مع أن الله أعطاه المال الكثير إلا إنه لم ينشغل به عن ذكر العلي الكبير اختبره الله بعدم الإنجاب فلم ينجب إلا بعد ثمانين عاماً مضت من عمره ولم يتغير ولم يتبدل اختبره الله في زوجه حيث سلط عليها فرعون مصر ولكنه لم يتغير قلبه اختبره الله بعد أن أعطاه الولد بعد هذا العمر الطويل وأمره بأن يبعده ويضعه في مكان قفر لا زرع فيه ولا ضرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه وهو في كل ذلك لا يتغير قلبه طرفة عين عن خالقه وبارئه فما كان من الله بعد أن نجح في كل هذه الابتلاءات ونجا من كل هذه الامتحانات إلا أن جعله أباً لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا ووفقه الله لأعمال الفطرة التي لم تظهر إلا على يديه كيف ذلك؟كان أول من اختتن من الرجال واختتن وهو ابن مائة وعشرون عاماً بقادوم بعد أن أمره الله بالاختتان. والاختتان يعني الطهارة وكان أول من نظف فاه وكان أول من استنشق بالماء وأول من لبس السراويل يعني ساتر العورة والبنطلونات حتى لا تظهر عورته وأول من ظهر الشيب في رأسه فقال: ما هذا يا رب؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم. قال: يا ربَّ زدني وقاراً قال:يا إبراهيم إني استحي من رجل شاب في الإسلام أن أعذبه بالنار وكان أول هذه الأمة في حج بيت الله الحرام كما أمر الملك العلام فهو الذي بنى البيت وهو الذى نسك مناسك البيت وكلما طاف الحجيج بالبيت وكلما سعوا بين الصفا والمروة وكلما وقفوا على عرفات وكلما رموا الجمرات وكلما شربوا من زمزم تذكروا بذلك إبراهيم الخليل وولده إسماعيل وزوجته هاجر وذلك كله تكريماً لإبراهيم لأن الله اختاره واصطفاه قال النبى عندما قيل له أنت أكرم الخلق على الله قال{ذاك إبراهيم إنَّ الكَرِيمَ ابْنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إبراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ}[2]وقال{أَوَّلُ مَنْ يُكْسَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُبْطِيَّتَيْنِ ثُمَّ يُكْسَىٰ مُحَمَّدٌ حُلَّةً حَبِرَةً وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ}[3]لقد كان لكم في إبراهيم خليل الله أسوة حسنة وفي محمد أسوة كريمة فإن الله اختارنا للإسلام والإيمان وجعلنا جميعاً عباد الرحمن وقال النبى{قال الله للدنيا يا دنيا مري ولا تحلولي لعبادي الصالحين حتى لا ينشغلوا بك عني}[4]فإن الله عندما يغلي علينا الأسعار أو يصيبنا ببعض الأمراض أو ياتي لنا ببعض الهموم ويعفي من ذلك الفجار والكفار فإن ذلك شأن عجيب؟فهم كما ترون ينعمون بالمال وينعمون بالخيرات وينعمون بالحياة الدنيا لأن الأمر كما قال النبى{الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ}[5]أما أنتم معشر المؤمنين فإن الله يريد أن يرفع درجاتكم ويريد أن يغفر زلاتكم ويريد أن يستر عيوبكم ويريد أن يطهر قلوبكم فكلما أسرف العبد منا على نفسه في الخطايا جاءه الله ببلاء قريب ويعينه عليه ليغفر له به هذه الذنوب فإذا أصيب بمرض فصبر عليه ولم يشكو ورد فى الأثر{مرض يوم يكفر ذنوب سنة}وقال الله في حديثه القدسي{أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إئتنِفِ العَمَلَ}[6]فإذا أصابه هذا المرض كان تكفيراً لخطاياه أو رفعة لدرجته عند الله فإن لم يصبه بالمرض أصابه بهم المعاش أو أصابه بهم الأولاد أو أصابه بنكد من الزوجة أو يصاب بأي شئ من أشياء الدنيا وكل هذه الأشياء يقول فيها نبيكم الكريم r{لا يُصيبُ المرءَ المؤمنَ مَنْ نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمَ ولا حُزْنٍ ولا غَمَ ولا أَذىً حتى الشوكةُ يُشَاكُها إلا كَفَّرَ اللَّهُ عنهُ بها خَطايَاهُ}[7] كل هذه تكفير لنا يا عباد الله ولذلك أمرنا الله أن نقول{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}لم يقل إلا ما كتب الله علينا لأن الذي كتبه الله لنا الأجر والثواب والخير والفضل الكثير لكن لو قال إلا ما كتبه الله علينا فالذي يكتبه علينا الأوزار والذنوب والعيوب والمخالفات فكل من ابتلاه الله فإنما يبتليه ليرفع شأنه وليقيمه في مقام الصالحين وليلحقه بالنبيين فقد ورد{عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه قالَ : يارسولَ اللَّهِ مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟قالَ:«الأنبياءُ ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ يُبْتَلَى العبدُ على حَسَبِ دينِهِ فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعبدِ حتى يَدَعَهُ يَمْشي على الْأَرْضِ وما عليهِ خَطيئةٌ}[8]وورد أيضاً أنه{دَخَـلَ سعيدٍ الـخُدْرِيَّ عَلَـى رسولِ الله وهو مَوْعُوْكٌ علـيه قَطِيْفَةٌ فَوَضَعَ يَدَهُ علـيهِ فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فوقَ القَطِيْفَةِ فقالَ أبو سعيدٍ: ما أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يا رسولَ الله فقالَ رسولُ الله: إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَـيْنَا البلاءُ ويُضَاعَفُ لنا الأَجْرُ ثم قالَ: يا رسولَ الله مَنْ أَشَدُّ الناسِ بلاءً قالَ: الأنبـياءُ قالَ ثم مَنْ قالَ: ثم العُلَـمَاءُ قالَ ثُمَّ مَنْ قالَ: ثم الصَّالِـحُونَ كان أَحَدُهُمْ يُبْتَلَـى بالفَقْرِ حتَّـى ما يَجِدُ إلاَّ العباءَةَ يَلْبَسُهَا ويُبْتَلَـى بالقَمْلِ حتَّـى يَقْتُلَهُ ولأَحَدُهُمْ أَشَدُّ فرحاً بالبلاءِ من أَحَدِكُمْ بالعطاءِ }[9]لماذا؟ لأن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة لله Uوالإنسان كما أخبر الديان{إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }عندما يرى جسمه صحيحاً وماله كثيراً وولده حوله يغتر بل ربما يطغى بل ربما يفسد في الأرض فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أن يكدرهم بهذه الآلام ويفكرهم بهذه المصائب حتى لا ينسوا فضل الله وحتى لا يغفلوا عن طاعة الله وحتى يظلوا طوال عمرهم معتمدين أولاً وآخراً على جميل فضل الله وعلى كريم صنع الله ويعلموا بأن الأمر في الأولى والآخرة متوقف على جناب الله وعلى عطف الله فيشكرون الله

[1] رواه الطبراني في الكبير عن أبي عتبة الخولاني

[2] رواه البخاري وأحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والترمذي في سننه والنسائي في سننه عن ابن عمر

[3] رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى في مسنده عن ابن عباس.

[4] رواه صاحب مسند الشهاب عن ابن مسعود.

[5] رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة

[6] سنن البيهقى الكبرى عن أبي هريرة

[7] رواه البخاري وابن حبان في صحيحه وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة.

[8] صحيح ابن حبان

[9] سنن البيهقى الكبرى

طارق سرور 10-05-2014 05:34 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
ســــــــــــــــرُّ خلَّةَ أبينا إبراهيم
نحن في أيام خليل الله وقد كان هذا اليوم يوم استجابة من الله لخليله إبراهيم حيث طلب من الله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين يعني يذكرونه ويشرحون سيرته ويتعظون بمسيرته ويتأسون بسنته إلى يوم الدين فما من نبي إلا ونذكره سنة وننساه سنين أو نذكره وقتاً قد يطول وقد يقصر إلا نبي الله إبراهيم فلابد أن نذكره كل عام ولابد أن نحكي قصته كل عيد أضحى لماذا؟استجابة لقول الله{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}هذا النبي الكريم اسمه خليل الله لماذا سمي بهذا الاسم؟روى البخاري ومسلم أن خليل الله إبراهيم خرج كعادته يوماً يبحث عن الضيفان وكان لا يأكل إلا مع ضيف ويمكث يوماً بل أيام بدون أكل حتى يعثر على ضيف ليأكل معه وكان يمشي الأميال باحثاً ذات اليمين وذات الشمال عن الضيف لما علمه من أجر إكرام الضيف عند الكريم فذهب يوماً وعاد ولم يجد أحداً ثم دخل المنزل فوجد رجلاً جالساً في منزله فقال له: لم دخلت المنزل بدون إذن سيده؟ قال: قد أذن لي رب الدار قال: من أنت؟ قال: أنا ملك أرسلني الله ليبشر رجلاً من عباده بأنه خليل الله قال: دلني على هذا الرجل فوالله لو دللتني عليه ثم كان في أقصى بقاع الأرض لذهبت إليه وعشت معه حتى ألقى الله قال: إنه أنت قال: أنا أنا وأخذ يكررها مبهوراً متعجباً فرحاً مستبشراً قال: ولم؟ قال: لأنك تعطي لله ولا تسأل الناس شيئاً وانتهى الملك من بشارته وإذا بملك الملوك يفتح بابه لإبراهيم ويوحي إليه يا إبراهيم تعلم لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا يا رب قال: لأنك جعلت جسدك للنيران وولدك للقربان ومالك للضيفان وقلبك للرحمن فلم يأخذها بالفهلوة ولم يأخذها بالنصب والاحتيال ولم يأخذها بطريق مفروش بالورود ولكنه طريق صعب طويل في سبيل الدعوة إلى الملك الجليل بدأ هذا الطريق مع أبيه أولاً حيث كان أبوه هو الذي يصنع الآلهة ويبيعها للناس ليعبدوها من دون رب الناس فطلب منه أن يذهب إلى السوق ليبيع هذه الآلهة فنفذ الأمر وذهب إلى السوق وأخذ ينادي عليها ساخراً متهكماً ويقول: الإله الذي لا ينفع ولا يضر ولا يسمع ولا يبصر بكذا فنقل الناس الخبر إلى أبيه فجاء إليه مسرعاً وقال: ماذا تفعل؟ - لأنه يحارب دين أباه -فقال{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً}فلما اعترض على موقفه طرده من بيته فخرج غير نادم على ما حدث لأنه نذر نفسه لله وقال كما قال الله{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}ثم أخذ يدعو قومه بالحكمة تارة وباللين تارة وبالجدال تارة فيذهب إلى من يعبدون النجوم وهم كثير في بلده الأولى العراق ويسمون الصابئة وجلس معهم ليلة طويلة عريضة وقال لهم: ماذا تعبدون؟ قالوا: هذا وأشاروا إلى نجم فانتظر حتى أفل النجم وقال: إني لا أحب الآفلين ثم أشاروا إلى القمر فجلس معهم حتى طلع الصباح وكسف ضوء القمر فقال أيضاً: إني لا أحب الآفلين ثم طلعت الشمس فقال متهكماً: أظن أن هذا إله أكبر فنورها أسطع وحجمها أكبر وإشراقها أوسع ثم جاورهم حتى غابت الشمس وأقام عليهم الحجة بأن هذه الآلهة لا تنفع ولا تضر وإنما الإله الحق هو رب العالمين فما كان منهم إلا أن أخذوه إلى النمروذ ملكهم وكان قد طغى وبغى وأدعى الألوهية قال: يا إبراهيم هل علمت لك من إله غيري؟ ألك رب سواي؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت ولم يعبأ بسلطانه ولم يهتز لصولجانه ولم يهب من كثرة جنوده مع أنه من الملوك المعدودين الذين ملكوا أكثر البسيطة الأرضية إلا أن الإيمان ثبت قلبه وقوى فؤاده فقال النمروذ: أنا أحيي وأميت قال: كيف؟ فجاء برجلين حكم عليهما بالقتل وأشار إلى حاشيته وقال: اقتلوا هذا ثم أشار إلى الآخر وقال: أنا عفوت عن هذا أنا أحييته وأعطيته حياة جديدة وظن أنه كسب الجولة فإذا بإبراهيم الذي علمه العليم الحكيم يأتيه بقاصمة الظهر ويقول له{فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} واحتار في الأمر وتروى وتدبر ثم أطلق سراحه بعد أن أمر الجميع أن لا يكلموه ولا يحدثوه ولا يستمعوا إليه ولكنه أصر على أن يكمل رسالته مع الله فخرجوا في يوم عيدهم وأرادوا أن يخرج معهم فقال: إني سقيم أي إني مريض من كفركم وشرككم بالله وصمم على أن يأتي لهم بمصيبة جديدة تلفت نظرهم إلى الله فجعلهم يتوجهون إلى حضرة الله فخرجوا وتركوه وحيداً عند بيوتهم فخرج إلى الأصنام وحطمها جميعاً ثم وضع الفأس على رأس كبيرهم فلما رجعوا ووجدوا ما حدث{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}قالوا: ومن يكون إلا إبراهيم لأنه الوحيد الذي يعيب علينا عبادة هذه الآلهة ويسخر بها ويستهزأ بها فجاءوا به وقالوا{أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}وأشار إلى أصبعه الأكبر (يعني أن يده هذه هي التي فعلت) وأشار بيده إلى الصنم الأكبر لأن الأنبياء لا يكذبون في مزاح ولا في لهو ولا في شئ لأن الله ثبتهم على الحق فقال: بل فعله كبيرهم هذا وهو يقصد إصبعه الأكبر وهم يظنون أنه يقصد الصنم الأكبر ثم أخذ يجادلهم وبعد ذلك علموا أنه على الحق وإنهم على الباطل ومع ذلك أخذتهم العزة بالإثم فدبر النمروذ أمره بأن يلقيه في النار وبدأو التجهيزات لذلك وأخذوا يجمعون الحطب واستمروا في جمعها لمدة ستة أشهر حتى أن المرأة التي كانت تتعسر في وضعها كانت تنذر أنها إذا وضعت تحضر حطباً لإحراق إبراهيم والتي مرض ولدها تنذر أنه إذا شفى تجمع الحطب لحرق إبراهيم حتى جمعوا حطباً يحرق مدينة من الناس وليس رجلاً وإن كان سماه الله أمة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}ثم أوقدوا النار وأشعلوها وبعد اشتعالها لم يستطيعوا أن يقتربوا من النار لشدة حرارتها وقالوا كيف نلقيه فيها ونحن لا نستطيع أن نقترب منها وإذا بإبليس اللعين ينزل في صورة آدمية ويرشدهم لعمل المنجنيق وهي آلة كالمقلاع تقذف الأشياء لأماكن بعيدة ووضح لهم كيف يضعوه فيها بأن يصعدوا على قمة جبل ومعهم المنجنيق ثم يضعوا فيه إبراهيم بعد تكتيفه بالحبال ويقذفونه في وسط النيران وهنا ضجت ملائكة السموات يقولون(يا ربنا عبدك إبراهيم لا يعبدك في الأرض سواه فما كان من الجليل إلا أن قال لهم: إذا كان قد استعان بكم فأعينوه أي فهل استغاث بكم؟ فقال سيدنا إسرافيل: يا ربَّ مرني أن انزل الأمطار على النار لتطفأها على الخليل فقال الجليل : إذا استغاث بك فاغثه وقال الأمين جبريل: يا ربَّ عبدك إبراهيم قال: انزل فإذا سألك حاجة فاعطها له فنزل جبريل على إبراهيم وقال يا خليل الله ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: إذا كانت إلى الله فاطلبها من الله أبلغها إلى الله فقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي فوضع جبريل إصبعه في الأرض فنبعت عين ماء ومد يده في الجنة فجاء بشجرة تفاح ووضعها بجوار الماء وجاء بأريكة من الجنة وفرشها بجوار الماء تحت الشجرة وكان في النار كما قال لها الواحد القهار{يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}فلم تحرق النار إلا أحباله وقيوده التى قيدوه بها حراً فريداً يجلس على الأريكة في ظل الشجرة يأكل التفاح ويشرب الماء ويذكر الله لمدة شهرين كاملين في هذه النار حتى اطفأت فقد استمرت موقدة لمدة شهرين كاملين ولكن القوم عندما رأوه تعجبوا وقال النمروذ في جبروته وعتوه: من تعبد يا إبراهيم؟ قال: أعبد الله قال: إنه إله كريم يستحق أن اذبح له مائة بدنة فنحر مائة بقرة لله ولكن الله لم يتقبلها منه لأنه لم يؤمن بالله قال الخليل: إن الله لا يريد بدناتك ولكن يريد أن توحده ويريد أن تعبده ويريد أن تعرفه وهو غني عنك وعن بدناتك جميعاً واستمر يدعو الله ويدعو هؤلاء القوم إلى عبادة الله ولكنه في النهاية زاد غرورهم وعتوهم بل إنهم في النهاية أصدروا أمراً بطرده من البلاد فقال{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}هذا الخليل ألقى جسمه في النيران وقدم ولده قرباناً لحضرة الرحمن وكان ماله كله للضيفان حتى أن الرحمن يحكي لنا أنه جاءه رجلان فماذا فعل؟ اثنين يكفيهما نصف دجاجة لكنه كما قال الله{جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}جاء بعجل سمين جاء بعجل حنيذ يعني مشوي شواه لهم لأنه كان كريماً مع الله فقالوا له: يا إبراهيم لا نأكل طعامك إلا إذا دفعنا الثمن قال: الثمن الذي أطلبه منكم أن تذكروا الله أوله وتحمدوه في آخره فقالوا: صدق من سماك الخليل بل أنه مشى ذات يوم وقد تعجبت ملائكة الله من أحواله فاختار الله منهم نفراً وأمرهم أن ينزلوا لاختباره بعد أن نما ماله وكان كثير وكثير فنزلوا وذكر واحد منهم الله بصوت شجي يطرب السامعين فقال الخليل: أعد علي ذكر الله الذي ذكرته آنفاً قال: لا أعيد حتى تعطيني ما أريد قال: وماذا تريد؟ قال: تعطيني وادياً مملوءاً بالغنم من أغنامك وكان له وديان كثيرة مليئة بالأغنام لأنه أبو الضيفان كما سماه الرحمن فماذا قال للملك؟قال: اسمعني ذكر ربك ولك كل ما ملكت من أودية مملوءة بالجمال أو الأبقار أو الأغنام فضجت الملائكة في السموات وقالوا: صدق الله إذ سماك الخليل لأنه مع أن الله أعطاه المال الكثير إلا إنه لم ينشغل به عن ذكر العلي الكبير اختبره الله بعدم الإنجاب فلم ينجب إلا بعد ثمانين عاماً مضت من عمره ولم يتغير ولم يتبدل اختبره الله في زوجه حيث سلط عليها فرعون مصر ولكنه لم يتغير قلبه اختبره الله بعد أن أعطاه الولد بعد هذا العمر الطويل وأمره بأن يبعده ويضعه في مكان قفر لا زرع فيه ولا ضرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه وهو في كل ذلك لا يتغير قلبه طرفة عين عن خالقه وبارئه فما كان من الله بعد أن نجح في كل هذه الابتلاءات ونجا من كل هذه الامتحانات إلا أن جعله أباً لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا ووفقه الله لأعمال الفطرة التي لم تظهر إلا على يديه كيف ذلك؟كان أول من اختتن من الرجال واختتن وهو ابن مائة وعشرون عاماً بقادوم بعد أن أمره الله بالاختتان. والاختتان يعني الطهارة وكان أول من نظف فاه وكان أول من استنشق بالماء وأول من لبس السراويل يعني ساتر العورة والبنطلونات حتى لا تظهر عورته وأول من ظهر الشيب في رأسه فقال: ما هذا يا رب؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم. قال: يا ربَّ زدني وقاراً قال:يا إبراهيم إني استحي من رجل شاب في الإسلام أن أعذبه بالنار وكان أول هذه الأمة في حج بيت الله الحرام كما أمر الملك العلام فهو الذي بنى البيت وهو الذى نسك مناسك البيت وكلما طاف الحجيج بالبيت وكلما سعوا بين الصفا والمروة وكلما وقفوا على عرفات وكلما رموا الجمرات وكلما شربوا من زمزم تذكروا بذلك إبراهيم الخليل وولده إسماعيل وزوجته هاجر وذلك كله تكريماً لإبراهيم لأن الله اختاره واصطفاه قال النبى عندما قيل له أنت أكرم الخلق على الله قال{ذاك إبراهيم إنَّ الكَرِيمَ ابْنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إبراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ}[2]وقال{أَوَّلُ مَنْ يُكْسَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُبْطِيَّتَيْنِ ثُمَّ يُكْسَىٰ مُحَمَّدٌ حُلَّةً حَبِرَةً وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ}[3]لقد كان لكم في إبراهيم خليل الله أسوة حسنة وفي محمد أسوة كريمة فإن الله اختارنا للإسلام والإيمان وجعلنا جميعاً عباد الرحمن وقال النبى{قال الله للدنيا يا دنيا مري ولا تحلولي لعبادي الصالحين حتى لا ينشغلوا بك عني}[4]فإن الله عندما يغلي علينا الأسعار أو يصيبنا ببعض الأمراض أو ياتي لنا ببعض الهموم ويعفي من ذلك الفجار والكفار فإن ذلك شأن عجيب؟فهم كما ترون ينعمون بالمال وينعمون بالخيرات وينعمون بالحياة الدنيا لأن الأمر كما قال النبى{الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ}[5]أما أنتم معشر المؤمنين فإن الله يريد أن يرفع درجاتكم ويريد أن يغفر زلاتكم ويريد أن يستر عيوبكم ويريد أن يطهر قلوبكم فكلما أسرف العبد منا على نفسه في الخطايا جاءه الله ببلاء قريب ويعينه عليه ليغفر له به هذه الذنوب فإذا أصيب بمرض فصبر عليه ولم يشكو ورد فى الأثر{مرض يوم يكفر ذنوب سنة}وقال الله في حديثه القدسي{أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إئتنِفِ العَمَلَ}[6]فإذا أصابه هذا المرض كان تكفيراً لخطاياه أو رفعة لدرجته عند الله فإن لم يصبه بالمرض أصابه بهم المعاش أو أصابه بهم الأولاد أو أصابه بنكد من الزوجة أو يصاب بأي شئ من أشياء الدنيا وكل هذه الأشياء يقول فيها نبيكم الكريم r{لا يُصيبُ المرءَ المؤمنَ مَنْ نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمَ ولا حُزْنٍ ولا غَمَ ولا أَذىً حتى الشوكةُ يُشَاكُها إلا كَفَّرَ اللَّهُ عنهُ بها خَطايَاهُ}[7] كل هذه تكفير لنا يا عباد الله ولذلك أمرنا الله أن نقول{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}لم يقل إلا ما كتب الله علينا لأن الذي كتبه الله لنا الأجر والثواب والخير والفضل الكثير لكن لو قال إلا ما كتبه الله علينا فالذي يكتبه علينا الأوزار والذنوب والعيوب والمخالفات فكل من ابتلاه الله فإنما يبتليه ليرفع شأنه وليقيمه في مقام الصالحين وليلحقه بالنبيين فقد ورد{عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه قالَ : يارسولَ اللَّهِ مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟قالَ:«الأنبياءُ ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ يُبْتَلَى العبدُ على حَسَبِ دينِهِ فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعبدِ حتى يَدَعَهُ يَمْشي على الْأَرْضِ وما عليهِ خَطيئةٌ}[8]وورد أيضاً أنه{دَخَـلَ سعيدٍ الـخُدْرِيَّ عَلَـى رسولِ الله وهو مَوْعُوْكٌ علـيه قَطِيْفَةٌ فَوَضَعَ يَدَهُ علـيهِ فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فوقَ القَطِيْفَةِ فقالَ أبو سعيدٍ: ما أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يا رسولَ الله فقالَ رسولُ الله: إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَـيْنَا البلاءُ ويُضَاعَفُ لنا الأَجْرُ ثم قالَ: يا رسولَ الله مَنْ أَشَدُّ الناسِ بلاءً قالَ: الأنبـياءُ قالَ ثم مَنْ قالَ: ثم العُلَـمَاءُ قالَ ثُمَّ مَنْ قالَ: ثم الصَّالِـحُونَ كان أَحَدُهُمْ يُبْتَلَـى بالفَقْرِ حتَّـى ما يَجِدُ إلاَّ العباءَةَ يَلْبَسُهَا ويُبْتَلَـى بالقَمْلِ حتَّـى يَقْتُلَهُ ولأَحَدُهُمْ أَشَدُّ فرحاً بالبلاءِ من أَحَدِكُمْ بالعطاءِ }[9]لماذا؟ لأن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة لله Uوالإنسان كما أخبر الديان{إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }عندما يرى جسمه صحيحاً وماله كثيراً وولده حوله يغتر بل ربما يطغى بل ربما يفسد في الأرض فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أن يكدرهم بهذه الآلام ويفكرهم بهذه المصائب حتى لا ينسوا فضل الله وحتى لا يغفلوا عن طاعة الله وحتى يظلوا طوال عمرهم معتمدين أولاً وآخراً على جميل فضل الله وعلى كريم صنع الله ويعلموا بأن الأمر في الأولى والآخرة متوقف على جناب الله وعلى عطف الله فيشكرون الله

[1] رواه الطبراني في الكبير عن أبي عتبة الخولاني

[2] رواه البخاري وأحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والترمذي في سننه والنسائي في سننه عن ابن عمر

[3] رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى في مسنده عن ابن عباس.

[4] رواه صاحب مسند الشهاب عن ابن مسعود.

[5] رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة

[6] سنن البيهقى الكبرى عن أبي هريرة

[7] رواه البخاري وابن حبان في صحيحه وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة.

[8] صحيح ابن حبان

[9] سنن البيهقى الكبرى

طارق سرور 10-05-2014 05:35 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية فى الحج وعيد الأضحى]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...حى&id=75&cat=3



http://www.fawzyabuzeid.com/data/Boo...j_and_Adha.jpg

ندى الورد 02-17-2015 03:03 AM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
جزاك الله خير الجزاء أخي طااااارق
وشكرا لطـــرحك الهادف واختيارك القيم
رزقك المولى الجنـــــــــــــة ونعيمها
وجعلـ ما كتب في موازين حســــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة وأجزل لك العطـــاء
الله يعطيـــــك العــافية
دمت بالف خير

طارق سرور 02-17-2015 02:47 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
بارك الله فيك اختى ندى الورد لمرورك الرائع العطر

توتى العمدة 02-18-2015 01:57 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
طرح مميز وراقي
سلمت لنا ذائقتك المميزه
الله يعطيك العافيه
ننتظر جديدك بشوق
ودي وعبق الورد
http://img5.imageshack.us/img5/5387/99191.gif

طارق سرور 02-18-2015 10:57 PM

رد: حكمة الحج ومشاهده
 
بارك الله فيك اختى توتى العمدة لمرورك الرائع العطر


الساعة الآن 04:10 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by