(( الكل يشكو.. الغني والفقير.. العامل وصاحب العمل.. المرأة والرجل.. الكبير و الصغير..
وارتفعت نغمة الشكوى في مجتمعنا بشكل واضح.. حتى أصبحت مثل التحيات والسلامات الصباحية والمسائية.
والشكوى هنا ليست لحل مسألة معقدة.. أو الوصول لأفضل المقترحات في أمور ما.. بل أصبحت « تيمة » في حياتنا لتجنب الحسد وعين الحسود.. وفي الشكوى « رقوى » وحماية من الحاقدين.. هو رأي البعض ممن يخافون على أنفسهم من نسمة هوا !!!))
أن تشكو لتتذمر من وضع ما وتسعى لتغييره؟! فهو شيء مقبول..
شكوى في عين الحسود ! *
أما أن تشكو بلا سبب لجذب تعاطف الآخرين. أو أن تحصل على حق غير مشروع, أو تشكو لكي تبعد عنك عيون من حولك.. فهذا أمر غير مقبول بالمرة.. ومن يصر على الشكوى في هذه الحالات, ويخيل إليه أن العالم كله متواطئ على ظلمه أو مضايقته أو حسده.. فهو في الحقيقة يعاني من افتقاره للشعور بالثقة بالنفس والايمان بالله.
ويؤكد علماء النفس أن الشكوى الدائمة وخاصة في حالة الخوف من الحسد هي « نقيصة » وصفة سيئة لأنها تبدد الطاقة لدى الشخص و لا تحل مشكلة.. ولن تجعله أفضل حالاً.. بل قد ينتج عنها اضطراب في الشخصية وتوتر دائم يصيب صاحبه.
« وأما بنعمة ربك فحدث »..
بهذه الآية الكريمة يبدأ د. مبروك عطية رئيس قسم الدراسات الاسلامية جامعة الأزهر, كلامه قائلاً أن الشخص الشاكي دائماً ولا يحمد ربه خوفاً من حسد الآخرين هو شخص مريض ليجد كل شيء أمامه عائقاً له في الحياة.
ويرى د. عطية أنه لابد من اظهار نعمة الله التي وهبك إياها, للآخرين ومن حولك حتى تكون قدوة لهم ويحمدوا ربهم في السراء والضراء.. فالشاكي يخاف أن تزول نعم الله بسبب حسد الآخرين ويغفل أن خالقه هو الذي يحافظ عليها وينميها ويكثرها.. فيقول الله سبحانه وتعالى: « ولئن شكرتم لأزيدنكم » فمن يذكر نعم الله عليه ويشكره يزيده ويحفظه.
ويضيف د. عطية أن الشكوى المتكررة من قلة مال أو تعب الصحة, أو من الشقاء في الدنيا وهو عكس ذلك.. فقد ينقلب هذا الفكر لحقيقة وتزول النعم,, أما إذا ترك المرء أمره لخالقه, فيريح الله قلبه وييسر أمره.
الطمأنينة وراحة البال
وينصح د. عطية بألا نخاف من الحسد فالله خير الحافظين, ولانخشى الحاسدين وعلينا تحصين أنفسنا بالأذكار و المعوذتين وأن نعمل بنعم الله ونشكره عليها لأن هذا ما يحبه ويرضاه..
وتتفق معه د. إنشاد عز الدين, أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية قائلة أن تجاهل الحاسدين يبعث الطمأنينة وراحة البال للشخص, عكس الشكوى المتكررة التي يعتقد البعض بأنها تبعد العين عنهم, بل أن هذه الشكوى تسبب التوتر والاضطراب لصاحبها ويفقد ثقته بنفسه, وقد تحول البعض إلى ( انسان شكاك و بخيل ) غير قادر على الاستمتاع بنعم الله عليه.
وتضيف أستاذ علم الاجتماع أن الشكوى لتجنب الحسد, أصبحت ظاهرة في مجتمعنا لم يكن لها وجود, وكان قديماً يشارك الفرد أقاربه وأصحابه فرحته بأية أحداث سعيدة في حياته.. والجميع يدعو لبعضهم البعض بالزيادة في الرزق, أما في هذا الوقت فالكل يتسابق لخطف « الخير » ممن حوله والنفوس غير صافية مع بعضها وأصبحت آفة في مجتمعنا.. وتناسى الجميع أن هناك خالقاً يحفظنا من كل سوء وابتعدنا عن العلاج بالقرآن الكريم لتجنب شر الحاسدين, والتوكل على الله في مثل هذه الأمور.
ظاهرة ووباء
وترى د. غادة عبد الجبار, أستاذ صحة الطفل بالمركزالقومي للبحوث أن هذه الصفة ناتجة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع حالياً حتى أصبحت ظاهرة لدى الكثيرين بسبب البعد عن الدين وتعاليمه, وترجع أسباب انتشار الشكوى المتكررة لتحصين النفس من عين الآخرين, إلى الخوف من زوال النعمة التي أنعم الله على الانسان بها.. فيحاول الشخص أن يشكو حتى لا ينظر إليه أحد.. ويعتقد البعض في مقولة « داري على شمعتك – تئيد - » أنها حصن من الحسد, ولكنه اعتقاد خاطئ ونتناسى أن الله يحب أن تظهر أثر نعمنه على عبده.
أما محمد البانوبي, مستشار بمجلس الدولة فيقول أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة وخاصة لدى الطبقة « الكلاس » خوفاً من نظرية المؤامرة المسيطرة عليهم من قبل من هم أقل وضعاً منهم..
ولذلك يلجأون للشكوى من كل شيء سواء في قلة المال, وعدم الراحة, والعناء من أمور كثيرة ويظنون بذلك أن الشكوى تبعد عنهم الحاسدين إلا أنها تأتي بآثار عكسية وسلبية في كثير من الأحيان.
عدم الرضا
أما د. لميس الراعي, أستاذ طب نفسي بالقاهرة فتقول أن سبب هذه الظاهرة السيئة هي الخوف من الحسد وعدم الرضا بما قسمه الله لعبده, والحالة الأولى ناتجة عن ضعف الوازع الديني والحرص والخوف من زوال النعم, ونجد أن صاحب هذه الحالة يبادر بالشكوى حتى قبل أن يسأله أحد عن حاله, وهو في الحقيقة لا ينقصه شيء.
وتضيف الراعي أن الحالة الثانية سبب هذه الظاهرة يرجع إلى عدم الاقتناع والرضا ويستكثر على الآخرين النعم الموجودة لديهم, وفي الحالتين فإن الشكر على النعمة مرتبط بالشكر, والشكر متعلق بالمزيد ولن ينقطع المزيد من الله عز وجل حتي ينقطع الشكر من عبده, وكثرة الشكوى تعني عدم الرضا.
مرض جسدي
ويؤكد المهندس محمد عجلان, بالجمعية المصرية لشباب الأعمال, أن هذه الصفة قد تنقلب على صاحبها وتصيبه بمرض جسدي ونفسي لا يستطيع التخلص منهما بأي علاج لآن الشكوى بسبب الخوف من الحسد « يعشش » في القلب فيصيبه بالمرض دون أن يشعر به, ويترك صاحبه دائماً في حالات توتر وانفعالات خوفاً من أن يعرف من حوله الحقيقة وعكس مايدعيه.
ويعترف عجلان بإيمانه بالحسد وخاصة عندما ينعم الله على شخص بنعم لا تعد ولا تحصى غير موجودة عند آخرين, ولكنه دائماً يلجأ لتحصين نفسه بالقرآن وشكر خالقه والدعاء الدائم, ولا يؤمن بأن الشكوى نجاة من شر العيون بل هي مرض يستوطن قلوب الضعفاء.
* تحقيق للكاتبة هند فتحي من صحيفة أخبار اليوم المصرية