شبكة صدفة

شبكة صدفة (http://www.aadd2.net/vb/index.php)
-   رمضان شهر الخير (http://www.aadd2.net/vb/forumdisplay.php?f=76)
-   -   يوميات صائم ( متجدد ) (http://www.aadd2.net/vb/showthread.php?t=133454)

ابو عمر المصرى 08-07-2011 03:20 PM

يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. التوبة


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

يا مؤخِّراً توبته بمطل التسويف، لأيّ يوم أجّلتَ توبتك وأخَّرت أوبتك؟!

لقد كنت تقول: إذا صمتُ تبت، وإذا دخل رمضان أنبت، فهذه أيام رمضان عناقِد تناقصت، لقد كنتَ في كل يوم تضع قاعدة الإنابة لنفسك، ولكن على شفا جرف هار.

ويحك أيها المقصّر، فلا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن يعقوب عن البين، أو بعبرة داود ومناداة أيوب لربه في ظلمات ثلاث: {لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].

نعم أيها المذنب المقصر، لا تخجل من التوبة، ولا تستح من الإنابة، فلقد فعلها قبلك آدم وحواء حين قالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]، وفعلها قبلك إبراهيم حين قال: {وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِينِ} [الشعراء:82]، وفعلها موسى حين قال: {رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ} [القصص:16]،

فلا إله إلا الله، من يمنع المذنب من التوبة؟! ولا إله إلا الله، من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون؟!

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "دعا الله إلى مغفرته من زعم أن عزيراً ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول لهؤلاء جميعا: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:74][1].

ألا فإن التوبة للمرء كالماء للسمك، فما ظنكم بالسمك إذا فارق الماء؟!

جاءت امرأة إلى النبي فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيتُ فطهرني، فردها النبي ، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لمَ تردّني؟ فلعلك أن تردّني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لَحبلى، قال: "فاذهبي حتى تلدي"، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته، قال: "اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه"، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، حرصًا منها على التوبة وإقامة الحدّ، فقالت: هذا -يا رسول الله- قد فطمتُه، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضّخ الدم على وجه خالد فسبّها، فسمع نبي الله سبَّه إياها فقال: "مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحبُ مكس لغُفر له"، وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضريبة من الناس[2].

وفي رواية: "لقد تابت توبة لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟!"[3].

إن صاحب الذنب مهما غفل عن التوبة أو تناءى عنه الوصول إليها فسيظل أسير النفس، قلقاً لا قرار له، متلفّتا لا يصل إلى مبتغاه ما لم يُفتح له باب التوبة ليطهّر نفسه من كلكلها، ويخفّف من أحمالها.

إلهنا، إلهنا، يا من ترى مدَّ البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل، ويا من ترى نياط عروقها في نحرها والمخّ في تلك العظام النُحَّل، امنُن علينا بتوبة تمحو بها ما كان منا في الزمان الأول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه كان غفاراً.

[1] عزاه السيوطي في الدر المنثور (7/238) للطبري وابن المنذر، وأخرج نحوه البيهقي في الاعتقاد (ص153) من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
[2] أخرجه مسلم في الحدود (1695) من حديث بريدة رضي الله عنه.
[3] هذه الرواية عند مسلم أيضا في الحدود (1696) من حديث عمران ين حصين رضي الله عنه

[YOUTUBE]http://www.youtube.com/watch?v=x0K9WoV39_k&feature=player_embedded[/YOUTUBE]

ابو عمر المصرى 08-07-2011 03:21 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الصبر


.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وقال تعالى: {وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]

وقال رسول الله: "ما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر" [متفق عليه]

ذكرَ الصبرُ في القرآنِ في أكثرِ من تسعينَ موضعا، مرةً يمدحُ اللهُ الصابرين، ومرةً يخبرُ اللهُ بثوابِ الصابرين، ومرةً يذكرُ اللهُنتائجَ الصابرين، يقولُ لرسولِه: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}.

إذا رأيتَ الباطلَ يتحدى، وإذا رأيت الطغيانَ يتعدى: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

إذا قل مالُكَ وكثرَ فقرُكَ وعوزُك وتجمعتَ همومُك وغمومُك: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

إذا قُتلَ أصحابُك وقل أصحابُك وتفرقَ أنصارُك: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

إذا كثُرَ عليك الأعداء، وتكالبَ عليك البُغضاء وتجمعت عليكَ الجاهليةُ الشنعاء: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

إذا وضعوا في طريقِك العقبات، وصنفوا لك المشكلات، وتهددوكَ بالسيئاتِ وأقبحَ الفعلات: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

إذا مات أبناؤكَ وبناتُك وتفرق أقرباءُك وأحباؤكَ: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

فكانَ مثالا للصبرِ u، سكنَ في مكةَ فعاداهُ الأقرباءُ والأحباء، ونبذَه الأعمامُ والعمومةَ، وقاتلَه القريبُ قبل البعيد فكانَ من أصبرِ الناس، أفتقرَ وأشتكى، ووضع الحجرَ على بطنِه من الجوع وظمأَ فكان من أصبرِ الناس.

مات أبنَه بين يديه وعمرُه سنتان، فكان ينظرُ إلى أبنِه الحبيبِ القريبِ من القلبِ، ودموعُ المصطفى صلى الله عليه وسلام الحارةُ تتساقطُ كالجُمانِ أو كالدرِ على خدِ أبنِه وهو من أصبرُ الناسِ يقول: تدمع العين، ويحزنُ القلب، ولا نقولُ إلا ما يرضي ربَنا، وإنا بفراقِك يا إبراهيمُ لمحزونون.

ماتت خديجةُ زوجتُه وامرأتُه الرشيدة، العاقلةُ الحازمةُ المرباةُ في بيتِ النبوة، التي كانت تؤيدُه وتنصُره، ماتت وقت الأزمات، ماتت في العصرِ المكي يوم تألبت عليه الجاهليةُ، وقد كانت رضي اللهُ عنها ساعدَه الأيمن.

يشتكي إليها من كثرةِ الأعداء، ومن الخوفِ على نفسِه فتقول: كلا واللهِ لا يخزيكَ اللهُ أبدا، إنك لتصلُ الرحم، وتحملُ الكلَ، وتعينُ الملهوفَ، وتطعمُ الضيفَ، كلا واللهِ لا يخزيكَ اللهُ أبدا. فتموتُ في عام الحزنِ فيكونُ من أصبرِ الناسِ لأن اللهَ يقولُ له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

تجمع عليه كفارُ مكةَ، أقاربُه وأعمامُه، نصبوا له كمينا ليقتلوه ويغتالوه، فدخلَ دارَه، وأتى خمسونَ من شبابِ قريش، كلُ شابٍ معَه سيفُ يقطرُ دما وحقدا وحسدا وموتا، فلما طوقوا دارَه كان من أصبرِ الناس، خرج من الدارِ وهم في نعاسٍ وسباتٍ فحثا على رؤوسِهم الترابَ لأن اللهَ يقولُ له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

ولما حثا الترابَ على رؤوسِهم كانوا نياما قد تساقطت سيوفُهم من أياديهم، والرسوليتلو عليهم: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}.

فلما دخل الغار مع أبي بكر، قالُ أبو بكر: يا رسولَ الله واللهِ لو نظرَ أحدُهم إلى موطني قدمِه لرآنا.

فيتبسمُ، يتبسمُ الزعيمُ العالميُ، والقائدُ الرباني، الواثقُ بنصرِ اللهِ ويقول: يا أبا بكر، ما ظنُك باثنين اللهُ ثالثُهما؟ ويقول: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.

وهي دستورُ للحياة، إذا جعت وظمئت فقل: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.

إذا مات أبناؤكَ وبناتُكَ فقل: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.

وإذا أرصدت في طريقِك الكوارثَ والمشكلات ِفقال: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.

فكانمن أصبرِ الناس، ويخرجُ من الغار، والكفارُ لا يدرونَ أنه كانَ في الغار، فينسلُ إلى المدينةِ وليتَهم تركوه، بل يعلنونَ عن جائزةٍ عالميةٍ لمن وجدَه، جائزةَ العارِ والدمارِ وقلةِ الحياءِ والمروءة، مئةُ ناقةٍ حمراء لمن جاء به حيا أو ميتا، فيلاحقُوه سراقةُ أبن مالكٍ بالرمحِ والسيف، فيراهُوهو يمشي على الصحراءِ جائعا ظمئنا قد فارقَ زوجتَه فارق بناتِه، فارق بيتَه، فارق جيرانَه وأعمامَه وعمومتَه، ليس له حرسُ ولا جنود، لا رعايةُ ولا موكب، وسراقةُ يلحقوه بالسيف.

فيقولُ أبو بكرٍ:يا رسولَ الله والله لقد اقتربَ منا.

فيتبسمُمرةً ثانيةً لأنَه يعلم عليه الصلاةُ والسلامُ أن رسالتَه سوف تبقى ويموتُ الكفار، وسوف تبقى دعوتُه حيةً ويموتُ المجرمون، وسوف تنتصرُ مبادئُه وتنهزمُ الجاهليةُ. فيقول: يا أبا بكرٍ ما ظنكَ باثنين اللهُ ثالثَهما.

ويقتربُ سراقةُ ويدعُ عليه المصطفىفتسيخُ أقدامُ فرسِه ويسقط، فيقومُ ويركب ويقترب فيدعُ عليه المصطفىفيسقط، ثم يقولُ:

يا رسولَ الله أعطني الأمان، الآن هو يطلبُ الأمان وأن يحقنَ المصطفى دمَه، وهو بسيفٍ والمصطفى بلا سيف، فرَ من الموتِ وفي الموتِ وقع. فيعطيهِ المصطفىأمانَه.

يصلُإلى المدينة، ويشاركُ في معركةِ بدر، فيجوعُ حتى يجعلَ الحجرَ على بطنِه:

يا أهل الموائدَ الشهية، يا أهل التخمِ والمرطبات، والمشهياتِ والملابس، رسولُ الإنسانيةَ، وأستاذُ البشرية يجوع حتى ما يجدُ دقل التمرِ وحشف التمر: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

تموتُ بناتُه الثلاث هذه تلو الأخرى، تمتُ الأولى فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من المقبرَةِ وهو يتبسم: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

وبعد أيامٍ تموتُ الثانية فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من المقبرَةِ وهو يتبسم: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

تموتُ الثالثةَ فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من المقبرَةِ وهو يتبسم: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

يموتُ أبنُه إبراهيم، فيغسلُه ويكفنُه ويدفنُه ويعودُ من المقبرةِ وهو يتبسم: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

عجبا من قلبِك الفذ الكبير. لأن اللهَ يقول لَه: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

يشاركُ في معركةِ أحد، فيهزَمُ أصحابُه، ويقتلُ من قرابتِه ومن سادةِ أصحابِه، ومن خيارِ مقربيه سبعونَ رجلا أولُهم حمزة رضي اللهُ عنه، عمُه سيفُه الذي بيمينِه، أسدُ اللهِ في أرضِه، سيدُ الشهداءِ في الجنة، ثم يقفُعلى القتلى، وينظرُ إلى حمزةَ وهو مقتولُ مقطعُ، وينظرُ إلى سعدَ أبنُ الربيعِ وهو ممزق، وأنسُ ابنُ النظر وغيرهم من أولئك النفر فتدمعُ عيناه، وتسيلُ دموعُه الحارة على لحيتِه الشريفة، ولكن يتبسم لأن الله قال له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

ويعودُفيرسلُ قادتَه إلى مؤتةَ في أرض الأردنَ ليقاتلواُ الروم، فيقتلُ الثلاثةُ القوادُ في ساعةٍ واحدة، زيدُ أبنُ حارثة، وجعفرُ الطيار، وعبدُ الله أبن رواحه، ويراهم وينظرُ إليهم من مسافةِ مئاتِ الأميال، فيتبسمَ وهو يبكي لأن اللهَ قال له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

يتجمعُ عليه المنافقونَ، والكفارَ، والمشركون، واليهودَ، والنصارى، فيحيطون بالمدينة، فيحفرُالخندق، ينزلُ على الخندقِ ويرفعُ الثوب، وعلى بطنِه حجرانِ من الجوع، فيضربُ الصخرةَ بالمعولِ فيبرقُ شذا النارِ في الهواء فيقولُ:

هذه كنوزُ كسرى وقيصر، واللهِ لقد رأيتُ قصورَهما، وإن اللهَ سوف يفتحُها علي.

فيضحكُ المنافقونَ ويقولون: ما يجدُ أحدُنا حفنةً من التمر، ويبشرُنا بقصور كسرى وقيصر.

فيتبسم لأن اللهَ يقولُ له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

وبعد خمسٍ وعشرين سنةً تذهبُ جيوشُه وكتائبُه من المدينةِ فتفتح أرض كسرى وقيصر، وما وراء نهر سيحونَ وجيحون، وطاشكند وكابل وسمرقن والسند والهند وأسبانيا، ويقفُ جيشُه على نهر اللوار في شمالِ فرنسا.

لماذا لأن اللهَ يقولُ له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

يأتي الأعرابيُ من الصحراء فيجرجرُه ببردتِه، ويسحبَه أمامَ الناس، وهو يتبسمُ: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

أي صبرٍ هذا!

إنها واللهِ دروسُ لو وعتَها الأمم لكانت شعوبا من الخيرِ والعدلِ والسلام، لكن أين من يقرأُ سيرتَه، أين من يتعلم معاليه.

يمرُ عليه في بيتِه ثلاثةُ أيامٍ وأربعة فلا يجدُ ما يُشبعُ بطنَه، لا يجدُ التمرَ، لا يحدُ اللبن، لا يجد خبزَ الشعير، وهو راضٍ برزقِ اللهِ وبنعيم الله: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

ينامُ على الحصيرِ، ويؤثرُ الحصيرُ في جنبِه، وينامُ على الترابِ في شدةِ البرد، ولا يجدُ غطاءً: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

بيتَه من طين، إذا مدَ يدَه بلغتِ السقف، وإذا اضطجعَ فرأسُه في جدارٍ وقدميه في جدار لأنَها دنيا حقيرة: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

فرعونُ على منبرِ الذهب، وفي إيوانِ الفضة، ويلبسُ الحرير. وكسرى في عمالةِ الديباج، وفي متاعِ الدررِ والجواهرِ، ومحمدُعلى التراب: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.

أتى جبريلُ بمفاتيحِ خزائنِ الدنيا وسلمها إلى المصطفى، وقال له:

أتريدُ أن يحولَ اللهُ لك جبالَ الدنيا ذهبا وفضة؟

فقال لا، بل أشبعُ يوما وأجوعُ يوما حتى ألقى الله.

حضرتَه الوفاة، فقالوا له: أتريدُ الحياة، أتريدُ أن تبقى ونعطيكَ ملكا يقاربُ ملك سليمان u؟

قال لا بل الرفيقِ الأعلى، بل الرفيقِ الأعلى.

أي عظمةٍ هذه العظمةُ، أي إشراقٍ هذا الإشراق، أي إبداعٍ هذا الإبداع، أي روعةٍ هذه الروعة.

بشرى لنا معشرُ الإسلامِ إن لنا ... من العنايةِ ركنا غير منهدمِ

لما دعا اللهُ داعينا لطاعتِه ........ بأكرمِ الرسلِ كنا أكرم الأممِ

[YOUTUBE]http://www.youtube.com/watch?v=1UjX1j1IEzo&feature=player_embedded[/YOUTUBE]

ابو عمر المصرى 08-07-2011 03:24 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الصلاة


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103]
وكان آخر كلام النبي: "الصلاة الصلاة.." [أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني].

وكان عبد الله بن مسعود t يقول: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" [مسلم وغيره]

ومن رحمة الله بعباده أن فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة وهي إكرام من الله للمؤمنين، فإن ثمار الصلاة وأسرارها مما يصعب تعداده وحصره، فهي مانعة بإذن الله لمن داوم عليها من المخالفات والمعاصي والفواحش والمنكرات، وفي هذا غاية الصلاح للعباد والبلاد، وفيها إقامة ذكر الله تعالى وفي هذا من إسعاد الروح وإبهاج القلب وانشراح الصدر ما لا يخطر ببال ولا يدور بخيال.

وفي الصلاة أمن وسكينة، لأن المصلي يتّصل بالقوي العظيم -جل في علاه فيجبر كسره ويقوي ضعفه ويصلح باله ويدافع عنه، وفي الصلاة عون على أمور الدنيا ودفع همومها وغمومها وأحزانها، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}، ومنه قولهلبلال: "أَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ يَا بِلاَلُ"، ففي الصلاة راحة الضمير واستقرار القلب والأمن الداخلي والهدوء النفسي، عرف ذلك من عرفه وجربه من جربه.

بل إن الرزق الواسع مع الصلاة؛ يقول تعالى:
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}، ثم قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.

فصارت الصلاة في الإسلام لمصلحة العباد في الدنيا والآخرة، وصارت سببًا لنيل رضوان الله والفوز بثوابه، وسببًا لدخول جنته، وطريقًا إلى السعادة والحياة الطيبة، ولهذا فرضت الصلاة في الحضر والسفر والصحة والمرض وحتى في وقت الخوف واشتداد القتال في المعركة وما هذا إلا لعظيم أثرها وجليل نفعها وكبير فائدتها وما فيها من الثمار اليانعة والقطوف الدانية والخيرات المتتابعة في النفس والجسم والعقل والأهل والحياة عمومًا ثم في جوار رب العالمين في جنات النعيم.

ولهذا قال بعض الأدباء: مسكين هذا الذي لا يصلي .. إنه صفر في هذه الحياة لا قيمة له ولا مكانة ولا نفع ولا أثر، لأنه قطع الصلة بينه وبين الله.

مسكين هذا الذي لا يصلي .. إنه وصل إلى جدار الانهيار وسور الانتحار مع غضب الجبار ومقت القهار، إن الذي لا يصلي مفلس من الزاد الروحي والمدد الإيماني والعطاء الرباني والفتوح الإلهية والمعارف النبوية؛ لأنه لما ترك الصلاة انقطع عن مصدر القوة والغنى والمجد والشرف والسؤدد؛ لأن الصلاة اتصال الفقير بالغني والضعيف بالقوي والميت بالحي والفاني بالباقي، فإن لم يصلِّ الإنسان بقي في ضعفه وفقره وفنائه وذله مع المقت وسوء البصيرة، فالفلاح مع الصلاة الخاشعة المطمئنة كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ}.

وقد سمى اللهأداء الصلاة قيامًا فقال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ}
فالقيام بها غير أدائها، لأن القيام يقتضي الإتيان بالصلاة على أكمل وجه وأتم حال من استيفاء الأركان والواجبات والإتيان بالسنن والمستحبات مع الخضوع والخشوع، فإذا أدى المصلي الصلاة على هذه الكيفية فقد أقامها، وهذه الصلاة بعينها هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ولهذا يسأل بعض الناس: كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر ونحن نرى من المصلين من يقع في الفحشاء والمنكر من أكل الربا والسحت والكذب وشهادة الزور وعقوق الوالدين وارتكاب الكبائر ونحوها؟ فأين نهي الصلاة لهؤلاء عن الفحشاء والمنكر؟

والجواب: إن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة الشرعية المقبولة المؤداة على السنة قولاً وفعلاً وحضورًا وخشوعًا، وهي التي تثمر الخشية والإنابة بتقوى الله ومراقبته والخوف منه والقيام بأمره والانتهاء عن نهيه، أما مجرد القيام بحركات وسكنات بلا قلب حاضر ولا نفس خاشعة ولا عقل متدبر فنفعها قليل وأثرها ضعيف، ولهذا حصل من هؤلاء ذنوب كبيرة وأخطاء جسيمة؛ لأنهم لم يحسنوا الصلاة ولم يقيموها كما أمر الله بها، فلم يحصل لهم الانتفاع بها.

فمن أراد أن يقطف الثمار اليانعة من الصلاة فليجتهد غاية الاجتهاد في الإتيان بها على ما أمر الله به وأمر رسوله، كما قال في الحديث الصحيح: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" ولما سلَّم عليه الرجل المسيء صلاته قال له مرارًا: "صلِّ، فإنك لم تصلِّ".

فهنيئا للمصلِّين الصادقين الخاشعين المنيبين وطوبى لهم وقرة عين لهم، فقد أدركوا المطلوب ونالوا المرغوب ونجوا من المرهوب وفازوا برضوان علام الغيوب وحصلوا على إصلاح القلوب وغفران الذنوب

[YOUTUBE]http://www.youtube.com/watch?v=6kgP0ljpaC8&feature=player_embedded[/YOUTUBE]

ملكة بإحساسي 08-08-2011 12:24 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
اخي ابو عمر الله يعطيك العافيه
وبارك الله فيك
على طرحك الاكثر من رااائع
الله لايحرمنا منك ولا من طروحاتك المتواصله
شكري واحترامي

الوعد الصادق 08-08-2011 10:34 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
اخي ابو عمر
الله يعطيك العافيه

بارك الله فيك ونفع بك

ابو عمر المصرى 08-08-2011 10:56 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
حياكم الله
جزيتم الفردوس الاعلى
مروركم شرفنى
دمتم بخير

ابو عمر المصرى 08-08-2011 11:02 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الخشوع

(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]

وقال رسول الله: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب؛ ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله" [مسلم]

والخشوع: السكون والطمأنينة، والتؤدة والوقار والتواضع، والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته كما في الحديث: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"

الخشوع من العبادات المفقودة في حياة الكثير منا فترى بعض الناس يحافظون على أداء الصلاة فقط لإسقاط الواجب عن أعناقهم وليس للتذلل والتلذذ كما كان يفعل من كان قبلنا.

وصدق حذيفة بن اليمان رضى الله عنه حين قال: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعًا"

وما أحوج كثير من الناس اليوم أن يقال له بعد صلاته: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ..؟! ينقر أحدهم سجوده كنقر الغراب .. ويركع مستعجلاً كالمرتاب لا يناجي ربه في سجوده .. ولا يخشع لعطمة الرحيم الودود، وربما تدخل المسجد فترى بعض المصلين يلف عينة يمنة ويسرى يرى المار ويبتسم لما يقع أمامه من مشاهد طريفة، يعبث بالفرش أو الحصى ويقلب العين في النقوش والزخارف.

ينظر إلى الساعة تارة ويصلح الثوب تارة أخرى، يسابق الإمام في الركوع والسجود كأنه في سباق ناهيك عن شرود الذهن الذي ابتلي به كثير من الناس نسال الله السلامة، وإن سألته هل زاد الأمام ركعة أم نقص ركعة ظل يفكر ويقول لا اعلم، حقا لا تعلم لأن قلبك وفكرك ليس مع الله.

أخي المصلي .. أعلم رعاك الله أنك ما وقفت بين يدي الله إلا طاعة للهوامتثالاً لأمره فما بالك تُضيع ذلك بكثرة الحركة والغفلة في الصلاة، ألم تعلم أن الخشوع هو روح الصلاة ومادة حياتها.. وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس. وأنك ربما تنصرف ولم يكتب لك من صلاتك إلا الشيء اليسير.
قال: "إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، ربُعها، ثُلثها، نُصفها" [أبو داود والنسائي].

ونهى رسول اللهعن "نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير" [أحمد وأبو داود وغيرهم].

وثبت عنهأنه قال: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها"

ويقول حذيفة بن اليمان: إياكم وخشوع النفاق: قالوا: وما خشوع النفاق، قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.

نسأل الله أن يعيد إلينا هذه العبادة المفقودة وأن يجعلنا وجميع المسلمين من الخاشعين اللهم أنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يستجاب له، اللهم تجاوز عن سيئاتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

ابو عمر المصرى 08-08-2011 11:09 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. حلقات الذكر

(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]

وقال النبي: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت" [متفق عليه]

مجالس الذكر هي خير المجالس وأزكاها وأطهرها وأشرفها وأعلاها قدرًا وأجلها مكانة عند الله, فهي حياة القلوب ونماء الإيمان وزكاء النفس وسبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة, ولهذا ورد في فضلها والحث على لزومها، والترغيب في المحافظة عليها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة, مما يدل على شريف قدر تلك المجالس ورفيع شأنها وعلو مكانتها وأنها خير المجالس.

إن مجالس الذكر هي رياض الجنة في الدنيا . فعن أنس بن مالك t, أن رسول اللهقال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا", قالوا: وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر.

فمن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا, فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة.

ومجالس الذكر هي مجالس الملائكة, فإنه ليس من مجالس الدنيا مجلس إلا مجلس يذكر فيه الله تعالى فيه, كما في حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله: "إن لله ملائكة فضلاً, يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالو تنادوا: هلموا إلى حاجتكم, قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا, قال: فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم: مايقول عبادي؟

قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله مارأوك, قال فيقول: كيف لو رأوني: قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة, وأشد لك تحميداً وتمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً, قال: فيقول: مايسألوني؟

قال: يسألونك الجنة, قال: فيقول: هل رأوها, قال: فيقولون لا: لا والله يارب ما رأوها, قال: فيقول: فكيف لوأنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليهم حرصا, وأشد لها طلباً, وأعظم فيها رغبة, قال: فيقول: فمم يتعوذون؟ قال: من النار, قال: يقول: وهل رأوها؟

قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً, وأشد لها مخافة, قال: يقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم, إنما جاء لحاجة, قال: هم الجلساء لايشقى بهم جليسهم" رواه البخاري.

فمجالس الذكر هي مجالس الملائكة بخلاف مجالس الغفلة واللهو والباطل فإنها مجالس الشيطان, والله تعالى يقول: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36], إن مجالس الذكر تؤمن العبد من الحسرة والندامة يوم القيامة بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنه تكون على صاحبها حسرة وندامة يوم القيامة.

ومن شرف مجالس الذكر علو مكانتها عند الله أن الله عزوجل يباهي بالذاكرين الملائكة، كما ثبت عن أبي سعد الخدري t قال: "خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِأَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِخَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ" [مسلم].

ومجالس الذكر سبب عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل، فإن العبد لابد له من أن يتكلم وما خلق اللسان إلا للكلام فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره بالخير والفائدة، تكلم ولابد بهذه المحرمات أو ببعضها، فمن عود لسانه على ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو, ومن يَبُس لسانه عن ذكر الله نطق بكل باطل ولغو وفحش .

ومما ينبغي للمسلم أن يتفطن له في هذا المقام أن ذكر الله تعالى لايختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير ونحوه بل تشمل ماذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه ومايحبه ويرضاه، بل إنه ربما كان هذا الذكرأنفع من ذلك لأ معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب مايتعلق به من ذلك، وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعاً وقد يكون واجباً كالذكر في الصلوات المكتوبة، وأمامعرفة ما أمر الله به وما يحبه ويرضاه ومايكرهه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه[1].

نور 08-09-2011 03:29 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
اللهم اجعلنا من عتقاء الشهر الفضيل
واهدنا سوء السبيل
وتقبل يارب صيامنا وقيامنا وصالح اعمالنا
سلمت ابوعمر
طرح قيم ورائع
ونتابع معك وننتظر الاجمل من يوميات صائم
جوزيت عنا خيرا

دمت برضى الرحمن

ابو عمر المصرى 08-09-2011 03:56 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور (المشاركة 747354)
اللهم اجعلنا من عتقاء الشهر الفضيل
واهدنا سوء السبيل
وتقبل يارب صيامنا وقيامنا وصالح اعمالنا
سلمت ابوعمر
طرح قيم ورائع
ونتابع معك وننتظر الاجمل من يوميات صائم
جوزيت عنا خيرا
دمت برضى الرحمن

ألبسك اللــه حلل الصفــــاء..وأنار لك الأرض والسمــــاء..وجعل لك الفوز يوم اللقــاء..وأسكنك منازل الشهــــــداء..وهنأك ربي بعيش السـعداء


ابو عمر المصرى 08-10-2011 02:06 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. لزوم الاستقامة


.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

http://www.aadd2.com/images/stories/...2_image002.jpgقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا ولَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]

وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13]

وقال صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا.." [أحمد وصححه الألباني]

وعن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم" [مسلم]

فـ الاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة[1].

وهي وسط بين الغلو والتقصير، وكلاهما منهي عنه شرعا.

والمؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته: وهي تحتاج إلى جهد وصبر ومجاهدة..وذلك بعد عون الله وفضله وتوفيقه .. فهو سبحانه وتعالى الموفق لسلوك طريق الاستقامة.. بل أمر عباده أن يسألوها ويطلبوها منه عز وجل في كل وقت..بأن يقول العبد في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]..

ولو قال: (اهدني) لما صحت الفاتحة ولبطلت صلاته.. بل لابد وأن يقول: (اهدنا).. بأن يدعوا كل مسلم ومسلمة..لكل مسلم ولكل مسلمة.. "اهدنا الصراط المستقيم" أي: يا ربنا دلنا وأرشدنا على سلوك الطريق المستقيم الموصل إليك وإلى رضوانك وجناتك.. وثبتنا على ذلك.. بل وزدنا هدى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]..

والاستقامة هي الطريق الوحيد إلى الله الواحد الأحد {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

ولما كان من طبيعة الإنسان أنه قد يقصر في فعل المأمور، أو اجتناب المحظور، وهذا خروج عن الاستقامة، أرشده الشرع إلى ما يعيده لطريق الاستقامة، فقال تعالى مشيرًا إلى ذلك: {فاستقيموا إليه واستغفروه} [فصلت:6]، فأشار إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، وأن ذلك التقصير يجبر بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة.

وبهذا نعلم أن الاستقامة مطلب نفيس وعظيم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".

ابو عمر المصرى 08-10-2011 11:22 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الكبر


.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

قال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:72]

ويقول: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال"[1]

إذا ما قلّبت النظر في أي ديانة، أو ملة أو نحلة، فلن تجد ما يماثل الإسلام أو يقاربه في سموه وعلوه، وكماله وتمامه، وشرائعه وأخلاقه.

كما أنك لن تجد دينًا حارب الأخلاق الذميمة ومقتها كما حاربها الإسلام وتوعد عليها.

وإنَّ من تمام النصح للأمة عامتها وخاصتها تحذيرها من الانزلاق في متاهة الأخلاق الدنيئة والخصال الخبيثة.

ومن أعظم الأخلاق الرديئة، والذنوب العظيمة، والأدواء الدفينة داء الكبر، ذلك الداء الذي يجعل المرء يعيش الوهم بكل معانية، يحسب بسببه المرء نفسه في أعين الناس عظيما، وهو عندهم حقير ذليل لكبره.

والكبر له آثار وخيمة مدمرة منها عدم قبول الحق، قال تعالى عن فرعون وملئه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14]، وعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسناً. قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس"[2].

ومن آثار الكبر احتقار الناس وانتقاصهم، قال تعالى عن استعلاء فرعون وقومه على موسى عليه السلام وبني إسرائيل: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون:45-47].

والجزاء من جنس العمل، فإن المتكبر المحتقر للناس يحشره الله تعالى يوم القيامة تحت أقدامهم، فهو أقل قدراً منهم، بل هو تحت أرجلهم، تحقيرًا له جزاًء على استعلائه وتكبره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال"[3].

ومما يحكى أن هارون الرشيد أمير المؤمنين، والحاكم على معظم بلاد العالم، حتى أنه كان يقول للسحابة أمطري حيث شئت، فسيأتيني خراجك، خرج يوما فلقيه يهودي، فقال له: يا أمير المؤمنين اتق الله. فنزل هارون الرشيد من فرسه، وسجد، ثم قال لليهودي، ما حاجتك؟ فقضى له حاجته، فلما قيل له إنه يهودي، أجابهم قائلاً: أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم: {إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206].

هذا هارون الرشيد يتواضع مع اليهودي، فكيف بمن يتكبر على المسلمين؟!

ومن آثار الكبر سوء معاملة الناس، والغلظة معهم، وهذا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يحسن معاملة الناس، حتى الأشرار منهم، قالت عائشة رضي الله عنها: "استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة"، فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام؟ قال: "أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه"[4]"[5].

وعلى هذا فيجب على كل مسلم أن يجعل رمضان سبيلا لتخلص قلبه وتنقيته من الآفات التي تعوق طريقه، وهذا لن يتأتى إلا بصدق النية والعزم والتضرع إلى رب البريات.

نور 08-10-2011 11:38 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
اللهم اجعلنا من عقتاء الشهر الفضيل
وبلغنا ليلة القدر
سلمت ابوعمر
يوميات رائعة لصائم رمضان
فاللهم اجعلنا ممن يتقبل صيامهم وقيامهم وصالح اعمالهم
بارك الله فيك
اسعدك ربى بالدارين

ابو عمر المصرى 08-11-2011 05:18 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
شــــكرا لك
على مروركـ الرائـــــــــع

و الـــــــــــرد الجميـــل
بـــــــــــــــــارك الله فيك و
جزاك الله ألـــــف خيـــر

ابو عمر المصرى 08-11-2011 05:23 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الزهد


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

الزهد هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه, و هو ترك راحة الدنيا طلبًا لراحة الآخرة وأن يخلو قلبك مما خلت منه يداك.

ويعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل, وخيال زائر فهي كما قال تعالى: {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً} [الحديد:20] و سماها الله "متاع الغرور" ونهى عن الاغترار بها, و أخبرنا عن سوء عاقبة المغترين, و حذرنا مثل مصارعهم و ذم من رضي بها واطمأن إليها, ولعلمه أن وراءها دارًا أعظم منها قدرًا و أجل خطرًا, وهي دار البقاء, يضاف إلى ذلك معرفته و إيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئًا كتب له منها, وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها, فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة, فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة:87].
حقيقة الزهد:

ليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها فقد كان سليمان و داود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما, ولهما من المال والملك والنساء ما لهما, وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أزهد البشر على الإطلاق, و له تسع نسوة, وكان على بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف و الزبير و عثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال, و غيرهم كثير, و قد سئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد, قال: نعم, إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه.

وقال الحسن: ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال, ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك, و أن تكون حالك في المصيبة, و حالك إذا لم تصب بها سواء, و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء.هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا.
من أقسام الزهد:

والزهد في الحرام فرض عين, أما الزهد في الشبهات, فإن قويت الشبهة التحق بالواجب, وإن ضعفت كان مستحباً, و هناك زهد في فضول الكلام و النظر و السؤال واللقاء و غيره, وزهد في الناس, و زهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله, و الزهد الجامع لذلك كله, هو الزهد فيما سوى ما عند الله, و في كل ما يشغلك عن الله, و أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ.
من فضائل الزهد:

لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا و ذم الرغبة فيها في غير موضع فقال تعالى: {و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} [الرعد:26] وقال عز وجل: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24]

و قال: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد:23]. و قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار} [غافر:39]. وعن ابن مسعود –رضي الله عنه– أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور, فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة". و عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل, إذا أنا عملته, أحبني الله, وأحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله, و ازهد فيما في أيدي الناس يحبوك". وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء".
الأنبياء أزهد الناس:

الأنبياء والمرسلون هم قدوة البشر في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} و من طالع حياة سيد الأولين و الآخرين علم كيف كان صلى الله عليه و سلم يرقع ثوبه, و يخصف نعله, و يحلب شاته, وما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض, و كان لربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل "رديء التمر" ما يملأ بطنه, و في غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع, و يمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار, طعامهم الأسودان: التمر و الماء, و كان يقول: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة ". و عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف", و أخرجت رضي الله عنها كساءً ملبدًا و إزارًا غليظًا فقالت: "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين".
الصالحون على درب الأنبياء ساروا:

ولما كان صلى الله عليه و سلم هو الأسوة والقدوة, فقد سار على دربه الأفاضل, فعن على –رضي الله عنه أنه قال: طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطًا, و ترابها فراشاً, و ماءها طيبًا, والكتاب شعارًا, والدعاء دثارًا, ورفضوا الدنيا رفضًا. وكتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه, أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله, والزهد في الدنيا, والرغبة فيما عند الله, فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده, وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم، والسلام.

و عن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً, فما أمسى عندها درهم, قالت لها جاريتها: فهلا اشتريت لنا منه لحمًا بدرهم ؟ قالت: لو ذكرتني لفعلت.

و قال ابن مسعود رضي الله عنه: الدنيا دار من لا دار له, و مال من لا مال له, ولها يجمع من لا علم له. و لما قدم عمر رضي الله عنه الشام تلقاه الجنود و عليه إزار وخفان و عمامة, وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء, فقالوا: يا أمير المؤمنين, يلقاك الجنود و بطارقة الشام و أنت على حالتك هذه, فقال: "إنا قوم أعزنا الله بالإسلام, فلن نلتمس العز بغيره".

و دخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته, فقال يا أبا ذر: ما أرى في بيتك متاعًا, ولا أثاثًا, فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا و قال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.

وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يخطب بمصر ويقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم, أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا وأما أنتم فأرغب الناس فيها. و قال على رضي الله عنه تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش إلا جلد كبش, كنا ننام عليه بالليل, و نعلف عليه الناضح "البعير" بالنهار ومالي خادم غيرها, و لقد كانت تعجن, وإن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها.

ولما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا و طول البقاء فيها لكرى الأنهار, ولا لغرس الأشجار, و لكن لظمأ الهواجر, و مكابدة الساعات, و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.

و قد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب, أما أفضلهم على جهة العموم و الجملة فأويس القرني, و كان أويس يقول: توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم, و قال مالك بن دينار: يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي "فاتنة الحي", فتقول: أريد مرطًا "أكسية من صوف" فتمرط دينه أى: تذهب به".

وكان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال, فيقولون: لا نأخذه, نخاف أن يفسد علينا ديننا, وكان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته و كسب حبتين قام, و كان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت, و خلف أربعمائة دينار, و قال: إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني. و قال سفيان الثورى: الزهد في الدنيا قصر الأمل, ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة. و قال الشافعي في ذم الدنيا و التمسك بها:
طويت الدنيا عمن هم أفضل منا:

ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي اله عليه وسلم وصحابته الكرام, كما أن فيه تمام التوكل على الله, وهو يغرس في القلب القناعة،إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة. و الزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك, وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك, فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم نيام على الحصير حتى يؤثر في جنبه, ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها, وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف, وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة.

لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله, بل لهوان الدنيا عليه سبحانه.، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه, وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها, ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان, وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك, وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام, وإدبارها إقدام, والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.

ملكة بإحساسي 08-11-2011 10:16 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
بارك الله فيك استاذ ابو عمر
يوميات رائعة ايمانية
الله يوفقك
ومنتظرين بكل شوق لليوميات صائم

نور 08-12-2011 02:14 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله, بل لهوان الدنيا عليه سبحانه.، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه, وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها, ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان, وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك, وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام, وإدبارها إقدام, والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.

قمة الروووووووعة
نكمل معك اخى
ابوعمر
قمة الفائدة من يوميات صائم
فهى تعطينا مواعظ وعبرة وعظة
وكيف هى الدنيا الزائلة التى لاتساوى جناج بعوضة
فكيف لانعمل للاخرة وهى خيرا وابقى
اسال الله حسن الخاتمة والعمل الصالح الذى يرضى ربى
جزاك الله خيرا اخى الفاضل
وحفظك لصدفة بكل ماتنثره من روائع ايمانية عطرة للروح
جوزيت عنا خيرا الجزاء

ابو عمر المصرى 08-12-2011 02:26 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
شــــكرا لك
على مروركـ الرائـــــــــع

و الـــــــــــرد الجميـــل
بـــــــــــــــــارك الله فيك و
جزاك الله ألـــــف خيـــر

ابو عمر المصرى 08-12-2011 11:06 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. القرآن


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

القرآن العظيم كتاب هدى ونور وشفاء.. وفي هذا الشهر المبارك أنزل..

فحريٌ بنا أن نجتهد في تلاوته وتدبره

عسى الله أن يصلح به أحوالنا ويعظم به أجرنا..

قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]

وفي الصحيحين: "أن النبيكان يعرض القرآن على جبريل في رمضان.."

وكان الإمام أحمد (رحمه الله): "..يغلق الكتب في رمضان، ويقول: هذا شهر القرآن"

القرءان هو كلام الله غير مخلوق أنزله على نبيه ورسوله محمدباللفظ والمعنى، والقرآن هو كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، وهداية للناس أجمعين، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، وهو المتعبد بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً.

ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه، قال تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}،

القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مسموع بالآذان، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات، ومن أعظم القربات، كيف لا يكون ذلك، وفي كل حرف منه عشر حسنات، وسواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه، وقد أودع الله فيه علم كل شىء، ففيه الأحكام والشرائع، والأمثال والحكم، والمواعظ والتأريخ، والقصص ونظام الأفلاك، فما ترك شيئا من الأمور إلا وبينها، وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه، قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}.
هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [أخرجه الدارمي].

هذا هو كتابنا، هذا هو دستورنا، هذا هو نبراسنا، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين، فهل ننتظر من اليهود والنصارى أن يقرؤوه، قال تعالى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}، فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله، وعكف على حفظه، فله بكل حرف عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
كلمة لحفظة القرآن:

هنيئاً لكم حفاظ كتاب الله الكريم، هنيئاً لكم هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فعن أبِى هريرة رضِى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" [أخرجه مسلم].

فأنتم أهل الله وخاصته، أنتم أحق الناس بالإجلال والإكرام، فعن أبِى موسى الأشعري قال: قال رسول الله: "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرءان غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط" [أخرجه أبو داود].

أنتم خير الناس للناس، لقد حضيتم بهذه الخيرية على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، فعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: قالَ رسولُ اللَّهِ: "خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ" [أخرجه البخاري].

أنتم يا أهل القرآن أعلى الناس منزلة، وأرفعهم مكانة، فلقد تسنمتم مكاناً عالياً، وارتقيتم مرتقىً رفيعاً، بحفظكم لكتاب الله، عن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّقال: "إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين" [أخرجه مسلم].

حفاظ كلام الله، أنتم أعظم الخلق أجراً، وأكثرهم ثواباً، كيف لا، وأنتم تحملون في صدوركم كلام ربكم، وتسيرون بنور مولاكم وخالقكم، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ: قال رسولُ اللَّهِ: "الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ، والذي يقرَأُ القُرْآنَ ويتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ له أجْران" [متفقٌ عليه].

أبشروا يا أهل القرآن، أزف إليكم البشرى، بحديث نبي الهدى، والذي يصور فيه حوار القرآن والشفاعة لصاحبه يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ: " يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً " [أخرجه الترْمذي وقال: حديث حسن صحيح]، ويصدق ذلك حديث أَبي أُمامَةَ رضي اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسولَ اللَّهِيقولُ: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعاً لأصْحابِهِ" [أخرجه مسلم].

فيا حفظة كتاب الله، أينما اتجهتم فعين الله ترعاكم، فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية ولا ذنباً، ولا يقترفون منكراً ولا إثماً، لأن القرآن يردعهم، وكلماته تمنعهم، وحروفه تحجزهم، وآياته تزجرهم، ففيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، فلتلهج ألسنتكم بتلاوة القرآن العظيم، ولترتج الأرض بترتيل الكتاب العزيز، وليُسمع لتلاوتكم دوي كدوي النحل، عَن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: «يُؤْتى يوْمَ القِيامةِ بالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الذِين كانُوا يعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنيَا تَقدُمهُ سورة البقَرَةِ وَآل عِمرَانَ، تحَاجَّانِ عَنْ صاحِبِهِمَا » [أخرجه مسلم]، وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ: "إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ" [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته عامة، ولِحَفَظَة كتاب الله خاصة، تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر، فقال: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها" [أخرجه مسلم]، ومن تأمل هذا الحديث العظيم، ونظر في معانيه، أدرك عِظَمَ هذه الوصية، وعلم أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله ومراجعته، والعمل بما فيه، ليكون من السعداء في الدنيا والآخرة، فيستحب ختم القرآن في كل شهر، إلا أن يجد المسلم من نفسه نشاطاً فليختم كل أسبوع، والأفضل أن لا ينقص عن هذه المدة، كي تكون قراءته عن تدبر وتفكر، وكيلا يُحمِّل النفس من المشقة مالا تحتمل، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله: "اقرأ القرآن في شهر، قلت: أجدُ قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك".

وأوصي جميع المسلمين رجالاً ونساءً، بحفظ كتاب الله تعالى ما استطاعوا لذلك سبيلاً، وإياكم ومداخل الشيطان، ومثبطات الهمم، فاليوم صحة وغداً مرض، واليوم حياة وغداً وفاة، واليوم فراغ وغداً شغل، فاستغلوا هذه الحياة الدنيا فيما يقربكم من الله زلفى، فأنتم مسؤولون عن أوقاتكم وأعمالكم وأقوالكم، وإياكم وهجران كتاب الله، فما أنزله الله إلا لنقرأه ولنتدبر آياته ونأخذ العبر من عظاته، قال تعالى: {وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً}، فمن الناس من لا يعرف القرآن إلا في رمضان، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، ومن الناس من لا يتذكر كتاب الله إلا في مواطن الفتن والمصائب، ثم ينكص على عقبيه، فأولئك بأسوأ المنازل، فأروا الله من أنفسكم خيراً، وجاهدوا أنفسكم، وألزموها حفظ كتاب الله، وتدارس آياته ومعانيه، فالله لا يمل حتى تملوا.

ومن لم يستطع حفظ كتاب الله تعالى، ومن لم يكن له أبناء في حلقات التحفيظ، فليبادر قبل انقضاء الأوقات والأعمار، ثم لا ينفع الندم، فميدان السباق مفتوح، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.
كلمة للأولياء:

وهذه كلمة لأولياء الأمور، أيها الآباء والأمهات، استوصوا بالأجيال خيراً، نشئوها على حب كتاب ربها، علموها العيش في رحابه، والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، فالخير كل الخير فيه، وتعاهدوا ما أودع الله بين أيديكم من الأمانات، بتربيتها تربية قرآنية، كي تسعدوا في الدنيا قبل الآخرة، فما هانت أمة الإسلام إلا بهجرها لكتاب ربها وبعدها عنه، ووالله لو تمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لأصبحنا أمة عزيزة، أمة أبية شامخة.

فالله الله أيها الآباء الكرام، فالأبناء أمانة في أعناقكم، ولقد ائتمنكم الله عليهم، فإياكم وخيانة الأمانة، فخيانتها صفة ذميمة، وخصلة دميمة، مقت الله أهلها، وأبغض فاعليها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِقَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" [متفق عليه]، فمن خان الأمانة فقد صنفه الله من المنافقين، والله توعدهم بأسفل مكان في النار، فقال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً}، فكم نرى اليوم من شباب الإسلام وهم يتغامزون، ويتراقصون، ويسرقون وينهبون، ويسهرون، تركوا الصلاة والصيام، وعطلوا أغلب الأحكام، لا يُقدِّرون لإنسان قدره، ولا يقيمون لجار حقه، فأي تربية هذه، وأي أداء للأمانة هذا، أليس ولي الأمر مسؤولاً عنهم يوم القيامة؟ بلى والله، إنه لمسؤول، قال تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون}.

وأذكِّر أولياء الأمور بأهمية أداء الأمانة وعدم خيانتها، فهي منوطة بهم، وقد حذرهم الله من خيانته أو التساهل في رعايتها، فقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون "، فهذه الأجيال التي بين أيديكم ستسألون عنها يوم تعرضون على ربكم لا تخفى منكم خافية، وسيتعلق بكم أبناؤكم يوم العرض والحساب، فإياكم أن يكون أولادكم أعداء لكم، فقد قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم "، فاحذر أيها الأب المبارك، أن يكون ولدك عدواً لك في دنياك وأخراك، وأرع هذه الأمانة بكل إخلاص وصدق، فالأبناء كالبذرة، إن اخترت لها مكاناً طيباً نشأت طيبة، وإن كان غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك، قال تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون} [الأعراف 58]، فإن خنت الأمانة وفرطت فيها، وتركت الحبل على غاربه لأبنائك، ولم ترعهم بنصحك، فوالله لقد أقحمت نفسك مكاناً لا تُحسد عليه أبداً، واسمع قول النبيحيث قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" [متفق عليه]، فهل تريد أن تموت وأنت غاش لرعيتك، تاركاً لأمر ربك، ثم يكون مصيرك النار وبئس المصير.

ولا أنسى أن أهنئ الأولياء الذين عرفوا أهمية الرعاية السليمة الصحيحة لأبنائهم، وفق كتاب الله تعالى، ووفق سنة نبيه، فقاموا بما أوجب الله عليهم من الرعاية بالأبناء، وأحاطوهم بالاهتمام والنصح والإرشاد، فهنيئاً لهم أولئك الأبناء الصلحاء النجباء، الذين يحملون كتاب الله بين جنباتهم، وإلى كل أب وأم أدركا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما، وأدياها كما يجب، أُبشرهما بهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه الذي قَالَ فيه رَسُولَ اللَّهِ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا"، فهنيئاً لكم أيها الأولياء هذه البشارة النبوية من الذي لا ينطق عن الهوى.

ابو عمر المصرى 08-14-2011 12:53 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. القيام


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

سجود المحراب، واستغفار الأسحار، ودموع المناجاة سيمات يحتكرها المؤمنون، ولئن توهم أهل الدنيا أن اللذة والجنة في الأموال والنساء وفي البيت الجميل والفراش الوثير، فإن جنة المؤمن في محرابه ولذته في مناجاته لربه سبحانه وتعالى حين يقوم فيترك فراشًا وثيرًا وزوجة حسناء، ويلقى عن نفسه التعب والكسل ليجيب نداء ربه وهو يدعوه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً}، يا أيها الملتف في ثيابه المستدفئ في فراشه: قم فإنك على موعد مع ربك وخالقك، وهو ينادي على محبيه: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له.
قيام الليل .. وما أدراك ما قيام الليل؟

سنة عظيمة أضعناها، ولذة عجيبة ولكننا ما تذوقناها، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكننا ما دخلناها ولا رأيناها.
قيام الليل مدرسة تربي فيها النفوس، وتهذب فيها الأخلاق، وتزكى فيها القلوب.
قيام الليل عمل شاق وجهاد عظيم لا يستطيعه من الرجال إلا الأبطال الأطهار، ولا من النساء إلا القانتات الأبرار.. {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17].
قيام الليل دأب الصالحين قبلنا، ومكفرة لسيئاتنا، وقربة لنا إلى ربنا، ومطردة للداء عن أجسادنا.
لماذا الحديث عن قيام الليل

الحديث عن قيام الليل له أسباب كثيرة ..
أولها: أنه بداية الطريق لإعادة بناء الأمة، وتأهيلها مرة أخرى لقيادة العالم وسيادته وريادته .. فبهذا الأمر ربى الله تعالى الرعيل الأول وجهزهم لتحمل مشاق الرسالة والقيام بأمر الدعوة؛ لأن العبد إذا قام الليل طهر قلبه، وإذا طهر القلب فلن تجد منه إلا السمع والطاعة.

ولذلك لن تعجب إذا علمت أن الله افترض على المسلمين قيام الليل قبل أن تنزل الأحكام وقبل أن تفرض الفرائض وقبل فرض الصلوات الخمس كما جاء في حديث حكيم بن حزام أنه جاء إلى السيدة عائشة رضي الله عنها يسأل عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ سورة المزمل؟ قال: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا (سنة كاملة) وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعًَا بعد فريضة .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن قيام الليل كان فريضة في أول الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنة كاملة حتى نسخ الله هذا في آخر السورة.
فطهارة القلب وزكاة النفس لا تكون إلا بقيام الليل .

الثاني: تبدل أحوالنا عن أحوال السلف، وانقلاب ليالينا إلى لهو ولعب وتفريط في الأعمار وتضييع للأوقات.. وبدلا من أن تقضى ساعات الليل في صلاة ومناجاة لله صار الأعم الأغلب يقضيها في معاص أضاعت على المسلمين دينهم.

وغاب عن الكثير منا حديث أنس رضي الله عنه عن النبيقال: " ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له؟".

وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " .

الثالث: هو قسوة في القلوب، وجفاف وجفاء في الباطن طفح على الظاهر فأورث النفوس عدم تلذذ بالقرآن والآيات، وعدم تأثر بالمواعظ والبينات، ومن كان هذا حاله فلا بد له أن يقوم الليل ليسأل ربه أن يمن عليه بقلب خاشع رقيق فما استجيبت الدعوات بمثل دعاء الأسحار.

الرابع: رغبة في إحياء سنة من سنن النبي صلوات الله وسلامه عليه، تركها الناس ورغبوا عنها، وفي إحياء سننه أجر عظيم وثواب كبير.
قيام الليل في القرآن

لقد تنوعت صور دعوة القرآن المسلمين لقيام الليل ما بين الأمر به، وبيان فضله، وامتداح أهله، وعاقبه أصحابه ترغيبًا وتحبيبا، وهذه الآيات منها المدني والمكي:

فأمر الله به في سورة المزمل كما سبق، وفي سورة الإسراء: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}[الإسراء:78، 79].

قال الحسن ومجاهد: أي أن القيام في حق النبي نافلة؛ لأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو في حق المسلمين فريضة، فقالا: لابد من قيام الليل ولو ركعتين في السحر.

وفي سورة ق قال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:39،40].

وفي وصف أهل الإيمان امتدح الحق تبارك وتعالى المتقين المحسنين داعيا للاقتداء بهم فقال عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذريات:15–18].

وقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:63-64]. فجعل من صفات عباده الذين شرفهم بنسبتهم إليه أنهم يبيتون ليلهم سجدًا وقيامًا.

وفي بيان ما أعد للقوام من الجزاء والنعيم قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:15-17]. وكل هذه السور مكية باتفاق المفسرين

أما السور المدنية فقد تابع الله فيها التنبيه على تلك الشعيرة العظيمة كما في قوله سبحانه: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}[آل عمران:17].

وقال أيضا: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}[آل عمران:113].

وفي سورة الإنسان قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} [الإنسان:25-26].
القيام في السنة

لقد تواطأت السنة المطهرة مع الكتاب العزيز في الدعوة لهذه الفضيلة العظيمة وحث المؤمنين عليها وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله هو الحادي لأمته في اقتفاء أثره، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللهقال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل".

ولذلك كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: "لأن أصلي في جوف الليل ركعة أحبَّ إليَّ من أن أصلي بالنهار عشر ركعات".

وعندما هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان أول ما كلمهم، أمرهم بقيام الليل، قال: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ".[رواه ابن حبان].

وكان صلوات الله عليه وسلامه يتعهد المسلمين ويحثهم على قيام الليل، فعن أبيّ بن كعب قال رضي الله عنه قال: "كان رسول اللهإذا مضى ثلثا الليل نادى بأعلى صوته: أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". وطرق عليا وفاطمة رضي الله عنهما ليلا وقال: ألا تصليان؟".

وقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل". قال سالم بن عبد الله: فكان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. (متفق عليه). وقال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل ".(متفق عليه).

وفي وصية جبريل للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" .
والنساء أيضًا

ولم يقتصر الأمر بقيام الليل على الرجال فحسب وإنما أيضا دعيت إليه المسلمات.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيقال: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء". [رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح].

وعنه قال: قال رسول الله: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعًا كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات ".

وذكر أن العبد إذا فعل ذلك أو فعلته امرأته ضحك الله من فعلهما. وفي المسند: "إذا ضحك الله من عبد فلا حساب عليه".
مقدار قيام الليل

كان رسول اللهمن الليل أحد عشر ركعة، أو ثلاث عشر ركعة، ولا يزيد على ذلك، وكان يقول: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وروت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "فصلى أربعًا، لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ، ثم صلى أربعًا لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ، ثم أوتر بثلاث ".

هذا هديه صلوات الله وسلامه عليه، وكل إنسان يفعل ما تيسر له قدر استطاعته، والمقصود هو وجود قيام الليل وإحياء تلك السُّنَّة فيصلي العبد ما شاء ثم إذا تعب نام. وفي الحديث: "ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليرقد"، وقال: "خذوا من الأعمال ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا".(رواه البخاري ومسلم).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرنا رسول اللهبقيام الليل، ورغب فيه حتى قال: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة".

وقال رضي الله عنه: ذكرت قيام الليل فقال بعضهم: قال رسول الله: "نصفه، ثلثه، ربعه، فواق حلب ناقة، فواق حلب شاة". والفواق: هو مقدار ما يرفع الحالب يده عن الضرع ثم يعيدها إليه ، وقيل مدة الحلب ... والمقصود أنها مدة قصيرة.

وقال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين". يعني الذين يوفون أجرهم بالقناطير. [رواه أبو داود، ابن خزيمة وهو في صحيح الجامع].

ابو عمر المصرى 08-14-2011 12:54 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الكذب

(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

إن الكذب هو رأس الخطايا وبدايتها، وهو من أقصر الطرق إلى النار،كما قال النبيhttp://ar.islamstory.net/images/stor...alkazeb001.jpg: "وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا".[رواه البخاري ومسلم].

والكذب إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه. وهو مذموم عند كل العقلاء، ولو لم يكن من مضاره إلا أنه يجعل صاحبه في ريبة لا يكاد يصدق شيئًا لكفى، كما قال بعض الفلاسفة: من عرف من نفسه الكذب لم يصدِّق الصادق فيما يقول، ثم إن من عرف بالكذب فإنه لا يكاد يُصَدَّق في شيء أبدًا، وإن صدق، بل إن سمع الناس بكذبةٍ ربما خرجت من غيره فإنهم ينسبونها إليه:

حسب الكذوب من البلـ ـية بعضُ ما يُحكى عليه
فمتى سمعت بكـذبة مـ ـن غـيره نـسبت إليـه

دواعي الكذب وأماراته:

للكذب دواعٍ تدعو إليه وأمارات تدل عليه، ولا شك أن معرفة هذه الدواعي وتلك الأمارات مما يساعد في محاولة العلاج؛ لأن الخُطوة الأولى في علاج أي مرض تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه، للقضاء عليها والتخلص منه، وقد ذكر الماوردي من هذه الدواعي أو الأسباب:

1- اجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى الكذَّابُ أن الكَذِبَ أسلمُ وأغنمُ، فيُرخِّصُ لنفسه فيه اغتراراً بالخُدع واستشفافًا للطمع.

2- أن يُؤْثِرَ أن يكون حديثُهُ مُستعْذبًا، وكلامُهُ مُستظرفًا، فلا يجد صدقًا يعذُبُ ولا حديثًا يُستظرفُ، فيستحْلِيَ الكذب الذي ليست غرائُزُه مُعْوزَةً ولا طرائِفُهُ مُعجزَةً.

3- أن يقصد بالكذب التشفي من عدُوِّهِ، فيسمُهُ بقبائح يخترعُها عليه، ويصفُهُ بفضائح يَنْسبُها إليه.

4- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادةً ونفسُهُ إليه مُنقادةً.

5- حُبَّ التَّرَأُسِ، وذلك أنَّ الكاذِبَ يرى له فضلاً على المُخبر بما أعلمَهُ، فهو يتشبَّهُ بالعالِمِ الفاضل في ذلك.

أما أمارات الكذب فمنها:

- أنك إذا لقنته الحديث تلقنه ولم يكن بين ما لقَّنُتَهُ (إياه) وبين ما أورده فرقٌ عِندَهُ، أي أنه يَخْلِطُ بين ما سمِعَهُ منك وما اخترَعَهُ من عِنْدِهِ.

- أنك إذا شكَّكْتَهُ في الحديث تشَكَّكَ حتى يكادُ يرجعُ فيه.

- أنك إذا رددت عليه قوله حَصِر وارْتَبَكَ، ولم يكن عندهُ نُصْرَةُ المُحتَجّين ولا بُرهان الصادقين.

- ما يظهر عليه من ريبة الكذَّابين، ولذلك قال بعض الحكماء: "الوجوه مرايا، تُريك أسرارَ البرايا". وإذا اتَّسم بالكذبِ، نُسبتْ إليه شواردُ الكذِبِ المجهولةِ (أي الشائعات وما في حُكمها)، وأضيفت إلى أكاذيبه زياداتٌ مُفْتَعَلَةٌ، حتَّى يصيرَ هذا الكاذبُ مكذُوبًا عليه، فيجمعُ بين معرَّةِ الكذب منه، ومضرَّةِ الكذب عليه.

أنواع الكذب:

الكذب أنواع متعددة، فمنه ما يكون في الأقوال، ومنه ما يكون في الأفعال، ومنه ما يكون في النِّيات.

أولاً: الكذب في الأقوال:

وهو أن يخبر بخلاف الصدق، وبخلاف الواقع، وهذا أيضًا أشكال متعددة، تتفاوت في الإثم بحسب كل شكل منها، فأعظمها وأكبرها إثما الكذب على الله ورسوله. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [الأنعام:21].

ومن ذلك التحليل والتحريم، بحسب الأهواء، لا بحسب الشرع المنزل من عند الله، ولهذا عنَّف الله الكفار حين ادعوا أن ما شرعوه من عند أنفسهم هو الشرع الذي أوحى به الله: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116].وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21]

والنبيحذَّر من الكذب عليه، فقال: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" [صحيح الجامع الصغير:6519].

ثم يأتي بعد ذلك الكذب على المؤمنين، ومنه شهادة الزور التي عدَّها النبيمن أكبر الكبائر، وكم وُجد في عصرنا هذا من باع دينه وضميره وشهد شهادة زور، فأضاع حقوق الناس أو رماهم بما ليس فيهم، طمعًا في دنيا أو رغبة في انتقام أو تشفٍّ.

ومنه الكذب في المزاح ليُضحك الناس، وقد جاء في الحديث: "وَيْلٌ لِلّذِي يُحَدّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ". [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسَّنه].

لا يكون المؤمن كذابا
ولا يُتصور في المؤمن أن يكون كذَّابًا؛ إذ لا يجتمع إيمانٌ وكذب، ولهذا لما سئل النبي: "أيكون المؤمن كذَّابًا؟ قال: لا". مع أنهقد قرر أنه قد يكون بخيلاً أو جبانًا، لكن لا يكون كذَّابًا.

فإن الكذب في الحديث من علامات النفاق: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خانَ".

والكذب ليس من شِيم الأكابر، بل هو من شِيم الأصاغر، الذين هانوا على أنفسهم فهان عليهم الكذب، ولو كانوا كبارًا في أعين أنفسهم لنأوا بها عن الكذب. قال الشاعر:

لا يكذب المرء إلا من مهانته أو فعله السوء أو من قلة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جدٍّ وفي لعب

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لأن يضعني الصدق -وقَلَّما يضع- أحبَّ إليَّ من أن يرفعني الكذب- وقلَّما يفعل-".

ثانيًا: الكذب في الأفعال:

فقد يفعل الإنسان فعلاً يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبر به عن وجود شيء غير موجود، وربما يكون الكذب في الأفعال أشد خطرًا أو أقوى تأثيرًا من الكذب في الأقوال، ومن أمثلة ذلك، ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف عليه السلام، إذ جاءوا أباهم عشاءً يبكون بكاءً كاذبًا.. وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب، فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل.[الأخلاق الإسلامية 1/529].

ثالثًا: الكذب في النيات:

وهو أن يقصد بنيته غير وجه الله تعالى، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين تُسعَّر بهم النار: "الشهيد والمُنْفِقْ والعالِم". حين يدَّعِي كل منهم أنه فعل ذلك لوجه الله، فيقال لكل منهم: كذبت ولكن قاتلت ليقال جريء فقد قيل. وللآخر: كذبت ولكن تصدَّقت ليقال جواد. وللثالث: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالِم.

فالكذب هو رأس كل خطيئة، وهو عارٌ على صاحبه.

ابو عمر المصرى 08-16-2011 01:53 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. النفاق


.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

إن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة، وعلى الحركات الإصلاحية الخيِّرة خاصة؛ إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل، بينما صاحبه آمن لا تراقبه العيون ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده، إذ يتسمى بأسماء المسلمين ويظهر بمظاهرهم ويتكلم بألسنتهم.

وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.. ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.

وإذا نظرنا إلى النفاق في اللغة لوجدناه من جنس الخداع والمكر، وإظهار الخير وإبطان الشر.
أقسام النفاق:

ذكر كثير من أهل العلم أن النفاق قسمان:
النفاق الاعتقادي: ويسميه بعضهم: النفاق الأكبر، وبينه الحافظ ابن رجب رحمه الله بأن: يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كلَّه أو بعضه. قال: وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.

قال الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} [النساء:145].

الثاني فهو النفاق العملي أو الأصغر، وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين الظاهرة كالكذب،والتكاسل عن الصلاة..مع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".

وقوله: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا".
من أهم صفات المنافقين:

إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن هذه الصفات:

1- أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8].

2- أنهم يخادعون المؤمنين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة:9].

3- يفسدون في الأرض بالقول والفعل: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}[البقرة:12].

4- يستهزءون بالمؤمنين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[البقرة:14-15]

5- يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المنافقون:2].

6- موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}[النساء:138-140].

ويقول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}[الحشر:11-12].

7- العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً}[الأحزاب:12-18].

8- تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما أوقع كثيرًا من المجاهدين في قبضة الكافرين والأعداء إلا تآمر هؤلاء المنافقين في فلسطين، في الشيشان، وغيرهما.

9- ترك التحاكم إلى الله ورسوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً}[النساء:60-63].

هكذا حال المنافقين، فهم حين لا يقبلون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين. ومن عجيب أمرهم في ذلك أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه، وإن يك عليهم يعرضوا عنه، كما أخبر الله بذلك حيث قال: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور:47-50].

10- ومن صفاتهم الخبيثة طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:79].

فهم لا يعرفون الإخلاص، وما تحققت في قلوبهم العبودية لله، فظنوا أن المؤمنين كالمنافقين ، لا يفعلون طاعة إلا لغرض دنيوي، فالفنانة التي تابت قبضت الملايين-بزعمهم-، والمجاهدون قوم فشلوا في الحياة فاختاروا الانتحار... إلخ.

وفي نهاية حديثنا عن النفاق نود أن نبين أن ما ذكرناه إنما هو قليلٌ من كثير من صفاتهم، وربما كان لنا معهم وقفات أخرى.

أعاذنا الله وإياكم من النفاق، وكفى الأمة شر المنافقين.

ابو عمر المصرى 08-16-2011 01:54 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الغضب


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

عن أبي هريرة t أن رجلاً قال للنبي: أوصني قال: "لا تغضب" فردد مرارًا قال: "لا تغضب" [البخاري]

الغضب شعلة من النار، والإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان الرجيم، حيث قال‏:‏ ‏{‏خلقتني من نار وخلقته من طين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 12‏]‏ فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاشتعال، والحركة والاضطراب‏.‏

وفى حديث آخر أن ابن عمر t سأل النبي: ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"لا تغضب‏".

وعن أبي هريرة t قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏"‏ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

‏وعن عكرمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسيداً وحصوراً}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 39‏]‏ قال‏:‏ السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه‏.‏

وكان يقال‏:‏ اتقوا الغضب، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل. والغضب عدو العقل‏.‏

حقيقة الغضب‏

الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلي به دم القلب، وينتشر به العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن، كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة وكل ذلك يحكي لون ما وراءه من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه‏.‏ فإن كان الغضب صدر ممن فوقه، وكان معه يأس من الانتقام، تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، فصار حزناً، ولذلك يصفر اللون، وإن كان الغضب من نظير يشك فيه، تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمر ويصفر ويضطرب، فالانتقام هو قوت لقوة الغضب‏.

‏أنواع الناس عند الغضب

من المعلوم أن الناس في الغضب على درجات ثلاث‏:‏ إفراط، وتفريط، واعتدال‏.‏ فلا خير في الإفراط؛ لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار‏.‏ ولا خير في التفريط في إهمال الغضب، لأنه يجعل الإنسان لا حمية له ولا غيرة، ومن فقد الغضب بالكلية، عجز عن رياضة نفسه، إذ الرياضة إنما تتم بتسلط الغضب على الشهوة، فيغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة، أما الاعتدال فهو المطلوب بين الطريقين‏.

أثر الغضب

‏من المعلوم أنه متى قويت نار الغضب والتهبت، أعمت صاحبها، وأصمته عن كل موعظة، لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ، فيغطي على معادن الفكر، وربما تعدى إلى معادن الحس، فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه، وتسود الدنيا في وجهه، ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار، فاسود جوه، وحمي مستقره، وامتلأ بالدخان، وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ، فلا يثبت فيه قدم، ولا تسمع فيه كلمة، ولا ترى فيه صورة، ولا يقدر على إطفاء النار، فكذلك يفعل بالقلب والدماغ، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه‏.

‏ومن آثار الغضب في الظاهر، تغير اللون، وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب، واستحالة الخلقة، وتعاطي فعل المجانين، ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها لأنف نفسه من تلك الحال، لأن قبح الباطن أعظم‏.‏

علاج الغضب

الأول:‏ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].

روى البخاري ومسلم: استبَّ رجلان عند النبيوأحدُهما يسبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمَرَّ وجهُه، فقال النبي: "إني لأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهبَ عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم".

الثاني‏:‏ أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ، والعفو، والحلم، والاحتمال، كما جاء في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً استأذن على عمر t، فأذن له، فقال له‏:‏ يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل‏، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر t، حتى هم أن يوقع به ‏فقال الحر بن قيس‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين‏} ‏[‏الأعراف‏:‏ 199‏]‏ وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر t حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل‏.

‏الثالث‏:‏ أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى، وهو أن يقول‏:‏ قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبى، لم آمن أن يمضي الله عز وجل غضبه علي يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو‏.‏ وقد قال الله تعالى في بعض الكتب‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ اذكرني عند الغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق‏.‏

الرابع‏:‏ أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف من الآخرة وهذا هو تسليط شهوة على غضب ولا ثواب عليه، لأنه تقديم لبعض الحظوظ على بعض، إلا أن يكون محذوره أن يتغير عليه أمر يعينه على الآخرة، فيثاب على ذلك‏.‏

الخامس‏:‏ أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب المذموم، وأنه يشبه حينئذ الوحش الضاري، وأنه يكون مجانباً لأخلاق الأسوياء والأنبياء والعلماء في عادتهم، حتى تميل نفسه إلى الاقتداء بهم‏.‏

السادس‏:‏ أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى.

يقول الله تعالى‏ في معرض المدح:‏ ‏{والكاظمين الغيظ‏ ‏والعافين عن الناس‏ والله يحب المحسنين}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 134‏]‏ .

‏وقال رسول الله: "‏من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء"‏‏.‏

‏وقاللأشج بن قيس‏‏‏:‏ ‏"إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله‏:‏ الحلم والأناة"‏‏‏.‏

وروى أحمد عن النبيقال: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".

وشتم رجل عدي بن حاتم وهو ساكت، فلما فرغ من مقالته قال‏:‏ إن كان بقي عندك شيء فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا‏.‏

ودخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمر برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال‏:‏ أمجنونٌ أنت‏؟‏ فقال عمر‏:‏ لا، فهم به الحرس، فقال عمر‏:‏ مه، إنما سألني أمجنون‏؟‏ فقلت‏:‏ لا‏.‏

ولقي رجل علي بن الحسين رضي الله عنهما، فسبه، فثارت إليه العبيد، فقال‏:‏ مهلاً، ثم أقبل على الرجل فقال‏:‏ ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟‏ فاستحيا الرجل، فألقى عليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك يقول‏:‏ أشهد أنك من أولاد الرسول‏.

ابو عمر المصرى 08-16-2011 06:36 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الشيطان


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]

ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له: أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن، ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له: أتهاجر وتترك مالك وأهلك فخالفه فهاجر، ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له: أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل، فحق على الله أن يدخله الجنة" [البخاري]

مارس الشيطان كيده وفتنته فبدأ بالأبوين الكريمين. ولقد كان بلاءً عظيماً، دافعه الغيظ والحسد: {أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ} [الإسراء:62]، دافعه الكبر والخيلاء: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ} [البقرة:34]، ووسيلته الأيْمان الكاذبة: {وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} [الأعراف:21]. والمقاييس الفاسدة: {أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:12].

فتنة عظمى، وبلية كبرى حين يعظم سلطان إبليس فيستفز القلوب والعقول والمشاعر في معركة صاخبة. تزمجر فيها الأصوات، وفيها إجلاب الخيل والرجال للمبارزات: {وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلاْمْوٰلِ وَٱلأولَـٰدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا} [الإسراء:64].

أيها المسلمون: إن تبين صور هذا الكيد الإبليسي، والتأمل في هذا المكر الشيطاني، أمرٌ من الأهمية بمكان؛ من أجل النظر في سبيل الخلاص، وطريق النجاة. فالله قد هدى النجدين، وأوضح الطريقين.

وتترقى خطوات الشيطان التي يستدرج فيها ابن آدم حتى يتَّخذه معبوداً له من دون الله عياذاً بالله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس:60]. {يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً} [مريم:44].

ويقع العبد في ذلك حين يسلم قياده لعدوه، ويفلت الزمام لشهواته، فيتبع كل شيطان مريد {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} [الحج:4]. وفي الحديث: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك، وآباء أبيك؟...".

ويأتي من بعد الكفر مسالك أخرى في خطوات البدع والأهواء والشبهات. فكم روَّج الزغل على بعض العارفين، وكم سحر ببهرجه بعض المتعبدين، حتى ألقاهم في تشعبات الآراء، ومسالك الضلال. منتقلاً بهم إلى حالة يقولون فيها على الله ما لا يعلمون: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ،إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوء وَٱلْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:168-169].

نعم عباد الله: القول على الله بلا علم خطوة من خطوات الشيطان، وهو الأصل في فساد العقائد، وتحريف الشرائع، ويخشى من ذلك على أقوام يخوضون في علوم لا يحسنونها، ويتجرءون على فتاوى لا يحيطون بها، وقد يجرهم في خطواتهم إلى الإفك والإثم، والتزوير والكذب، وحينئذٍ تتنزل عليهم الشياطين تنزلاً {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم} [الشعراء:221-222].

وحينئذٍ لا يدعون إلى هدىً، ولا يأمرون بتقوى، ولا يدلون على حق، ويريد الشيطان في ذلك الطيش والعجلة، وتأتي خطوات من بعد ذلك في أهواء النفوس وطبائعها، فالبخل وخوف الفقر سلاح شيطاني.

يقول فيه سفيان الثوري: ليس للشيطان سلاح للإنسان مثل خوف الفقر. فإذا وقع في قلب الإنسان مُنع الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه ظن السوء. وأصدق من ذلك وأبلغ قول ربنا عزّ وتبارك: {ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاء وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268].

والغضب -عباد الله- تمرد شيطاني على عقل العاقل، وحالةٌ من الخروج عن جادة ذوي الرجاحة والأسوياء. رُوي عن بعض الأنبياء أنه قال لإبليس: بم غلبت ابن آدم؟ قال: عند الغضب وعند الهوى. وأغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول، فأطرق عمر برهةً، ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان، فأنال منك اليوم ما تنال مني غداً!!

أمَّا الأماني وحصائد الغرور... فذلكم هو السلاح الشيطاني المضَّاء {يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً} [النساء:120]. {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. {فَلَمَّا تَرَاءتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِىء مّنْكُمْ} [الأنفال:48]. يعدهم هذا الغرَّار بحسب طبائعهم، يجرهم إلى حبائله بحسب ميولهم ومشتهياتهم. يخوِّف الأغنياء بالفقر، إذا هم تصدقوا وأحسنوا. كما يزين لهم الغنى وألوان الثراء بالأسباب المحرمة والوسائل القذرة.

يزين لأصحاب المِلل والنحل التعصب وتحقير المخالفين، ويصور لهم ذلك طريقاً إلى الحرص على العلم وحبِّ أهله. وينقضي عمْرُ ابن آدم وهو في بحر الأماني يسبح، وفي سبيل الغواية يخوض. يعده الباطل، ويمنيه المحال، والنفس الضعيفة المهينة تغتذي بوعده، وتلتذ بأباطيله، وتفرح كما يفرح الصبيان والمعتوهون.

والخروج عن الوسط ومجاوزة حد الاعتدال خطو إبليسي، ومسلك شيطاني. يقول بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط أو تقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي إبليس بأيهما ظفر.

وإن حبائل الشيطان بين هذين الواديين تحبك وتحاك. غلا قومٌ في الأنبياء وأتباعهم حتى عبدوهم، وقصَّر آخرون حتى قتلوهم، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وطوائف غلوا في الشيوخ وأهل الصلاح، وآخرون جفوهم وأعرضوا عنهم.

وإذا نظرت في فروع الأحكام. فإنك سترى أناساً قصَّروا بواجبات الطهارة، وتجاوز آخرون إلى الوسواس، وفئامٌ من أناس جعلوا تحصيل العلم غايتهم، وأهملوا العمل. وآخرون تركوا فروض الأعيان المتعيِّنة فلم يتعلموها. وأما أعمال القلوب من الخشية والانكسار والإخبات وأمثالها فقد أهملها بعض من استحوذ عليهم الشيطان، ولم يلتفتوا إليها، وظنوها من فضول العمل، واستحوذ على آخرين في الجانب الآخر حتى أهملوا أعمال الجوارح، وقالوا بسقوط التكاليف عن بعض العارفين {ٱلشَّيْطَـٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ} [محمد:25]. {وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً} [النساء:38]. {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف:37]. إن أسوأ ما يصنعه القرين من الشيطان أن يصد قرينه عن سبيل الحق. ثم لا يدعه يفيق ولا يستبين، بل يوهمه أنه سائر على الطريق المستقيم... حتى يُفجأ بالمصير الأليم: {إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف:30].

أيها المسلمون، لقد أخذ هذا اللعين الميثاق على نفسه ليقعد لابن آدم كل طريق: {لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ،ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ} [الأعراف:16، 17]. لإن كان هدد بذلك وتوعد؛ فإن كيده ضعيف، ومكره يبور. إذا تسلح العبد بسلاح الإيمان، والعقيدة النقية، وحسن لله تعبده، وصح على ربه توكله {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99]. ليس له سلطان على أهل التوحيد والإخلاص، ولكنه ذو تسلط عظيم على من تولاه وكفر بالله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:83]. ولإن انطلق عدو الله ينفذ وعيده، ويستذل عبيده، فليس له طريق إلى عباد الله وحزب الرحمن: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ} [الإسراء:65].

أيها المسلمون: وعلى الرغم من وضوح ذلك وجلائه، فقد يزل المؤمن أو يخطئ، وقد يصيبه نزغ من الشيطان، أو يمسه طائف منه، وقد يران على قلبه من وسواسه، لكنه سرعان ما يلوذ بربه ويلجأ إلى ذكره، ويتوب إليه من قريب، فيخنس شيطانه {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201]. صلتهم بالله الوثيقة تعصمهم من أن ينساقوا مع عدو الله وعدوهم، يتخلص المؤمن بذكر الله – لجوءاً إلى ربه، واستعاذة به – من نزوات الشيطان ونزغاته، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [فصلت:36]. ((أعوذ بوجه الله الكريم، وكلماته التامات اللاتي لا يجاوزهن بَر ولا فاجر، ومن شر ما ينزل من السماء، وشر ما يعرج فيها. وشر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن))

أيها المسلمون: حق على من أراد الخير لنفسه، والسلامة لدينه، ودحر شيطانه، أن ينظر بعين البصيرة لا يهوى الطبع والطمع، وليسلك مسالك التقوى والعلم المكين.

ولقد قال الحسن رحمه الله: إنما هما همَّان يجولان في القلب. هَمٌّ من الله تعالى، وهَمٌّ من العدو، فرحم الله عبداً وقف عند همِّه فما كان من الله تعالى أمضاه، وما كان من عدوه جاهده وتوقاه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ ،إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ} [فاطر:5، 6].

ابو عمر المصرى 08-16-2011 06:57 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. المبادرة

.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

الحمد لله الذي قسّم خلقه إلى تقي أواب، همته طلب الخيرات والاكتساب، وبغيته الزلفى إلى الله والاقتراب {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر:18]

وفاجر كذّاب همته مصروفة إلى اللهو والطعام والشراب، يُعمّر جسمه وقلبه خراب، فكيف إذا كُشف الحجاب وحق عليه قول رب الأرباب: {وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:166].

فإن ارتقاء الأمم وسموها يكون بقدر ما عند بنيها من قوة علمية نظرية، وقوة العزم والإرادة العملية، ولله في كونه سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل ولا تحابي ؛ فمن جد وجد ، ومن سار على الدرب وصل:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: العامة تقول قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب. اهـ، وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم، أو كسلا فسل الموفق فلن تنال خيرا إلا بطاعته.

اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق، وتزوّج سكينة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمس مئة ألف درهم و جهزها بمثلها. وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عنه الحديث فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة ، وتلك همم القوم وآمالهم.

وآيات كتاب ربنا تعلي الهمم وتزرع في النفوس قوة العزيمة:

فهذه آيات من كتاب الله تعالى أرجو أن تتدبرها ولن نعلق عليها فهي واضحة المعنى بينة الأثر والمغزى ، يقول الله تعالى:

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، ويقول:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}، ويقول:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ}، ويقول: {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، ويقول:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}،ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}، ويقول:{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير، هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}، ويقول عن دعاء المؤمنين:{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، ويقول:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.
وأحاديث الرسول تعلي الهمم :

" إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها"

" بادروا بالأعمال الصالحة".

" عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر مغلاقا للخير".

" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاوت ما بينهم"

فلماذا الرضا بالدون ؟ لماذا لا نجتهد أن نكون أسبق الخلق إلى الله فنفوز بخير الدنيا والآخرة؟.

قال رجل لمالك بن دينار: رأيت فيما يرى النائم مناديا ينادي: الرحيل الرحيل، فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع ، فصاح مالك: " والسابقون السابقون" ثم غشي عليه.

لماذا العيش في الدنيا بلا أهداف كبيرة ، وربما بلا أهداف أصلا ؟!!. لماذا يكون كل الهم أكلة وشهوة ؟.

أخي: قم وانهض وبادر

إذا لم تكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب لذات الدنيا عاكفون
قال بعض السلف:

إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.

أخي قلّب ناظريك في هذا الكون في هذه الأرض سترى أمتك وقد أحاطت بها الأعداء، وألمت بها المصائب، في كل وطن جرح، وفي كل زاوية حكاية تروي قصة الألم، ألا تحركك هذه الأحزان؟ ألا تشحذ همتك وتصنع فيك أخلاق الرجال؟
شتان بين الهمتين

فقد كان الأعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله طعمة بعد قليل تذهب فيما يخرجه ابن آدم ، أما ربيعة الأسلمي رضي الله عنه غلام صغير،يعد للرسول صلى الله عليه وسلم وَضوءه ،فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا ربيعة سلني"،فيقول ربيعة: "أسألك مرافقتك في الجنة...". الحديث.وهذه هي الهمة.

أما محمد الفاتح العثماني رحمه الله تعالى فإنه منذ نعومة أظفاره ربي على حلم غال وهدف عظيم فتح القسطنطينية ، فنشأ واضعا بين عينيه هذا الهدف حتى فتح الله على يديه.

وأما صلاح الدين فقد امتنع من الضحك حتى يحرر الأقصى وبيت المقدس ، وتم له ما أراده وطهر الله به بيت المقدس من رجس الاحتلال الصليبي بعد قرابة مائة عام من الاحتلال.
إيزابيلا والقميص العتيق

حتى الكفار الذين وضعوا أمام أعينهم أهدافا وعلت هممهم وسعوا لتحقيقها تم لكثير منهم ما أراد لان سنن الله لا تحابي كما ذكرنا سابقا،فهذه إيزابيلا أخذت على نفسها عهدا ألا تبدل قميصها إلا بعد إخراج المسلمين من الأندلس وتم لها ما أرادت

قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

فهيا أيها الكرام نتحلى بعزائم الرجال لعل الله يغير بنا ، ولنترك الراحة هنا لنرتاح كثيرا يوم نلقى الله

وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد

توتى العمدة 08-16-2011 07:37 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
دعني أنحي قلمي قليلا
أقف أحتراما لكِ
ولقلمك
وأشد على يديك لهذا الابداع
الذي هز أركان المكان

وودي لروووحك


ابو عمر المصرى 08-17-2011 03:27 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
شــــكرا لك
على مروركـ الرائـــــــــع

و الـــــــــــرد الجميـــل
بـــــــــــــــــارك الله فيك و
جزاك الله ألـــــف خيـــر

ابو عمر المصرى 08-17-2011 04:08 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الغيرة


قال: "أتعجبون من غيرة سعد؟! أنا أغير من سعد، والله أغير مني، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله ولا أحب إليه المعاذير، ولذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله، ولذلك وعد الجنة" [مسلم]

الغيرة خلق كريم جبل عليه الإنسان السوي الذي كرمه ربه وفضله، وقد أعلى الإسلام قدرها وأشاد بذكرها، ورفع شأنها حتى عد الدفاع عن العرض والغيرة على الحريم جهادا يبذل من أجله الدم، ويضحى في سبيله بالنفس، ويجازى فاعله بدرجة الشهيد في الجنة. فعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قتل دون ماله فهوشهيد، ومن قتل دون دمه فهوشهيد، ومن قتل دون دينه فهوشهيد، ومن قتل دون أهله فهوشهيد".
معنى الغيرة:

الغيرة تغير القلب وهيجان الغضب بسبب الإحساس بمشاركة الغير فيما هو حق الإنسان، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، وهذه الغريزة يشترك فيها الرجال والنساء بل قد تكون في النساء أكثر وأشد.

وتتأجج أكثر إذا أحست المرأة بخيانة زوجها أوبتطلعه للأخريات، وقد تثور تلك الغيرة عند الرجال إذا شك في سلوك زوجته أوأحس بتطلعها إلى الرجال.
حكم الغيرة:

الغيرة في موطنها والاعتدال فيها بالنسبة للرجال والنساء من جملة الأمور المحمودة، والمعاشرة بالمعروف تقتضي ذلك، ويجب على كل طرف أن يقدر غيرة صاحبه عليه، وما من أمر إلا وله طرفان ووسط، ثبت عن رسول اللهأنه قال: "إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله وإن من الخيلاء ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة وأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في القتال واختياله عند الصدقة وأما الخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في البغي والفخر". [رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني]
الغيرة من مظاهر الرجولة:

الغيرة في موضعها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية، وفيها صيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، وتعظيم لشعائر الله وحفظ لحدوده، وهي مؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب، ولذلك لا عجب أن ينتشر التحلل والتبرج والتهتك والفجور في أنحاء العالم الغربي وما يشابهه من المجتمعات؛ لضعف معاني الغيرة أوفقدانها.

ولقد رأينا هذا الخلق يستقر في نفوس العرب حتى الجاهليين الذين تذوقوا معاني تلك الفضائل، فإذا هم يغارون على أعراض جيرانهم حتى من هوى أنفسهم، يقول عنترة مفاخرا بنفسه:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها

وربما قامت الحروب غيرة على المرأة، وحمية لشرفها، واستجابة لاستغاثتها واستنجادها، فقد تدافع العرب يوم الفجار، وكان من أمر ذلك أن شبابا من كنانة رأوا امرأة في سوق عكاظ فسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فأخذوا يسخرون منها، فنادت: يا آل عامر، فلبتها سيوف بني عامر، ووقفت كنانة تدرأ عن فتيانها، وهاجت هوازن لبني عامر، وثارت قريش لكنانة؛ فتفجرت الدماء، وتناثرت الأشلاء...
تجاوز حد الاعتدال في الغيرة:

إذا زادت الغيرة عن حدها كانت نقمة على الشخص وعلى من حوله، فكثير مما يسمى جرائم العرض والشرف قد ترتكب بسبب الشائعات، مما ترتب عليه إزهاق الأرواح في بعض الأحيان دون وجه حق ودون تثبت بسبب الغيرة القاتلة، وهذا مشاهد في الكثير من البقاع.

وبعض الأزواج مريض بمرض الشك المر الذي يحيل الحياة الزوجية إلى نكد لا يطاق وقد: " نهى النبيأن يطرق الرجل أهله ليلا ً يتخونهم ويطلب عثراتهم". [رواه مسلم].

فلا يصح أن يسيء الرجل الظن بزوجه، وليس له أن يسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها ؛ فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: لا تكثر الغيرة على أهلك فترامى بالسوء من أجلك.

وقال معاوية رضي الله عنه: " ثلاث من خصال السؤدد: الصفح واندماج البطن وترك الإفراط في الغيرة".

فلا بد من الاعتدال، وحده ما وردت به النصوص الشرعية. وفي ذلك يقول النبي: " إن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ". [رواه البخاري]. فإذا انتهكت النساء ما حرم الله وجبت الغيرة وكانت محمودة، وترك تلك الغيرة مذموم بل يمنع صاحبه من دخول الجنة كما جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول اللهقال: " ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر". قالوا يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث ؟ قال: " الذي لا يبالي من دخل على أهله ".

قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال: " التي تشبه بالرجال ".
مراعاة غيرة الآخرين:

إذا كان الرجل قد يشعر بألم الفقد أوبشيء من الغيرة إذا تركه صاحبه وانتقل إلى غيره، فينبغي علينا أن نقدر غيرة أم الزوج التي تشعر بفقد ولدها وانتقاله إلى غيرها، بعد أن احتضنته طوال عمره، وبذلت الغالي والنفيس من أجل أن يصبح رجلا له شأن في الحياة.

وكما يغار الرجل على أهله ينبغي عليه أن يقدر غيرتها عليه، فلا يصح أن يبدي إعجابه بالنساء فضلاً عن حكاية المغامرات النسائية سواء قبل الزواج أوبعده ؛ فهذا مما لا يُفتخر به بل ينبغي إخفاؤه والتوبة منه وستره.

وعلى المرأة أن تكبح جماح نفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً وإلا فما أشد غيرة النساء. يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} [ البقرة: 25 ] أي: طهرن من الحيض والبول وكل أذى يكون في نساء الدنيا، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وإرادة غيرهم.
غيرة الرب جل وعلا:

وردت النصوص الشرعية بإثبات الغيرة للرب جل وعلا، وغيرة الله عز وجل حقيقية على ما يليق بجلاله وكماله، ومن لوازمها كراهية وقوع العبد في المعاصي وإشراكه غير الله فيما هوحق للمولي سبحانه وحده من التزام أوامره واجتناب معاصيه.

قال النبي:" إن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ". [رواه البخاري].

وقال:" لا أحد أغير من الله عز وجل ؛ لذلك حرم الفواحش ما ظهر وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ". [رواه البخاري ومسلم]. وفى رواية: " المؤمن يغار والله أشد غيرة ". [رواه البخاري ومسلم].

وقال رسول الله:" أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني ". [رواه البخاري ومسلم].
غيرة الزوج على زوجه:

قال سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: " لورأيت رجلا ً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله: " أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني ".[رواه البخاري ومسلم].

ولما دخل الثوار على عثمان بن عفان رضي الله عنه نشرت زوجه نائلة شعرها، كأنها تستنصر بمروءة هؤلاء الثائرين. فصرخ فيها عثمان وهويقول: خذي خمارك فلعمري لدخولهم علىَّ أهون من حرمة شعرك. فالرجل يغار على زوجه غيرة يصونها بها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويمتهن كرامتها.
غيرة الزوجة على زوجها:

سأل رسول اللهعائشة يوما ً: " أغرت ؟ فتعجبت وقالت: ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك " [رواه مسلم].

وعن أنس، قال: "كان النبي عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول:" غارت أمكم ". ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هوفي بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت".[رواه البخاري].
أحداث صنعتها الغيرة:

ذكر الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في حوادث سنة ست وثمانين ومائتين: "قال في المنتظم: ومن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السنة: أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري(مدينة في إيران اليوم)، فادَّعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار، فأنكره، فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا؟ فلما صمَّموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا، هي صادقة فيما تدَّعيه". فأقر بما ادَّعتْ ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه، وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هوفي حِلٍّ من صداقي عليه في الدنيا والآخرة"اهـ. زاد الحافظ السمعاني في "الأنساب": "فقال القاضي وقد أعجب بغيرتهما: يُكْتَبُ هذا في مكارم الأخلاق"اهـ.

ويذكر بعض المؤرخين في حسنات الحجاج بن يوسف الثقفي: "أن امرأة مسلمة سُبيت في الهند، فنادت: "واحَجَّاجاه". وبلغه ذلك، فجعل يقول: "لبيكِ". وأنفق سبعة ملايين من الدراهم حتى أنقذ المرأة".

وهذه امرأة شريفة أسرها الروم، لا تربطها بالخليفة "المعتصم بالله" رابطة، سوى أخوة الإسلام، تستنجد به لما عذبها صاحب عمورية، وتطلقها صيحة يسجل التاريخ دويها الضخم: "وامعتصماه". وما إن بلغت المعتصم هذه الندبة – وكان يأخذ لنفسه شيئًا من الراحة – حتى قالها بملء جوارحه: "لبيكِ". وانطلق لتوه إلى القتال، وانطلقت معه جحافل المسلمين، وقد ملأت الغيرة لكرامة المرأة نفس كل جندي إباءً وحماسًا، فأنزلوا بالعدوشر هزيمة، واقتحموا قلاعه في أعماق بلاده حتى أتوا عمورية، وهدموا قلاعها، وانتهوا إلى تلك الأسيرة، وفكوا عقالها، وقال لها المعتصم: "اشهدي لي عند جَدِّك المصطفىأني جئت لخلاصك".

وفي القرن السابع الهجري حين ضرب التفرق أطنابه بين المسلمين حتى أضعفهم، واحتل الصليبيون قسمًا من بلادهم، وطمعوا في المزيد، واستعانوا ببعضهم على بعض، حتى أوشكوا أن يحتلوا مصر، فكر حاكم مصر الفاطمي آنذاك المدعو"العاضد لدين الله" أن يستعين بوالي الشام "نور الدين زنكي". ولكن كيف وملك الشام لا يعترف بالخليفة الفاطمي في مصر، ولا يؤمن بشرعية خلافته وحكمه، إنما يدين بالاعتراف للخلافة العباسية في بغداد، وبينها وبين الفاطميين أشد الخصام؟

لقد وجد الحل بواسطة المرأة والغيرة على كرامتها، وهكذا أرسل العاضد إلى نور الدين زنكي رسالة استنجاد أرفقها بأبلغ نداء: أرفقها بخصلة شعور نساء بيت خلافته في القاهرة، وكان أن بلغ التأثير مداه في قلب نور الدين، فسرت حميا الغيرة والنخوة في جند الشام وأهله، فبذلوا – لإنقاذ مصر من الصليبيين – فلذات أكبادهم بقيادة أسد الدين شيركوه، ويوسف بن أيوب "صلاح الدين الأيوبي".

وهكذا صنعت المرأة بخصْلة شعرها حدثًا غير مجرى التاريخ، وقلب الأحداث رأسًا على عقب، إلى أن كان يوم حطين الذي غسل الأرض المقدسة من العار، وأرغم جحافل الصليبيين على حمل عصا الرحيل والتسيار.

إن حياة الغيرة التي يحياها المجتمع المسلم، والتي يسموبها فوق النجوم رفعه، ويرتقي بها إلى أعلى المنازل، فضلاً وطهرًا، يقابلها في المجتمعات الكافرة في الشرق والغرب حياة الدياثة والخباثة والقذارة والحقارة واللوثة والنجاسة، والذلة والمهانة، التي قد تترفع عنها بعض الحيوانات حيث تغار فحولها على إناثها، ويقاتل الفحل دون أنثاه كل فحل يعرض لها حتى تصير إلى الغالب.

وصدق والله أئمتنا حين قالوا:إن كل أمة ضعفت الغيرة في رجالها قلت الصيانة في نسائها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

نور 08-17-2011 10:15 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 

والله لها حق توتى
فى تلك الانحناءة
تستحق اكثر واكثر ابوعمر
مجهود مميز ورائع
ومواضيع هادفة روحانية
تحمل الاف المعانى العطرة
بارك الله فيك
وجزاك كل الخير

ابو عمر المصرى 08-18-2011 01:52 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
شاكر لكم حضوركم الذى انار متصفحى
تشرفت بتواجدكم ومروركم
دمتم بحفظ الرحمن

ابو عمر المصرى 08-20-2011 12:49 AM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. غض البصر

.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

مما لا شك فيه أن البصر من أعظم المنافذ إلى القلب، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكلِّ ما يخشى الفتنة من أجله، ونقصد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه ولا ينظر إلا لما هو مباح له النظر إليه ، وإن وقع نظر المسلم على مُحَّرمٍ من غير قصد فليصرف بصره سريعا ولا يتمادى في النظر.
القرآن يأمر بغض البصر:

لما كان النظر من أهم المنافذ إلى القلب، ولما كان إطلاقه بغير قيد ولا ضابط قد يوقع الهوى في قلب صاحبه، ويجعله يقع في شَرَك الفواحش والفتن، فقد أمر الله بغض البصر حتى يأمن العبد عواقب السوء:

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.

ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدما على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر كما قيل:
كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والعبد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والنبييأمرك بغض بصرك:

فقد ثبت عنهأنه قال:" اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".

بل جعل النبيغض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم:
" إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها. فقال: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".

- وقد وجد النبيالفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيهفأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.

وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال:
وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.
نظر الفجأة:

قد يسير الإنسان في طريق أو يكون في مكان به آخرون فيقع بصره على ما حرم الله تعالى بغير قصد منه فهذا ما يسمى بنظر الفجأة، والواجب في هذه الحالة أن يصرف بصره، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "سألت رسول اللهعن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري".

وهذا أنفع علاج وأسرعه أن يصرف العبد بصره ولا يستديم النظر فإن من استدام النظر أثم وتعدى، فإن رسول اللهقال: "يا عليُّ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".
والنساء مأمورات بغض الأبصار:

فإن الله عز وجل يقول:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..}.

والرسوليقول: "... وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن..".
عناية السلف بغض البصر:

لقد عني السلف الصالح رضي الله عنهم بغض البصر عناية عظيمة فوجدنا منهم مواقف ومواعظ في هذا الباب تنبئ عن علو همتهم في هذا، ومن ذلك قول أنس y: إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك".

وقال بعضهم: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته.

وكان سفيان رحمه الله إذا خرج في يوم العيد قال: إن أول ما نبدأ به اليوم غض أبصارنا.

ولما قال رجل للحسن رحمه الله: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال: اصرف بصرك.

وقال ابن مسعود: الإثم حوَّاز القلوب (يحز في القلوب) وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع.

وكان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق ( أي أمال رأسه إلى صدره) فظن النسوة أنه أعمى وتعوذن بالله من العمى.
من فوائد غض البصر

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عدة فوائد ومنها:

1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم.
5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
7- أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب.
8- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:
وأعقل الناس من لم يرتكب سببا حتى يفكر ما تجني عواقبه.
9- أنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.

نسأل الله الكريم أن يوفقنا لطاعته ، والحمد لله رب العالمين.

ابو عمر المصرى 08-20-2011 04:28 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الدين النصيحة

(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

إن للنصيحة في ديننا مكانة سامية ومنزلة عالية، كيف لا وقد جعل رسول اللهمفهوم النصيحة مساوياً للدين كله فقال: "الدين النصيحة".

إن النصيحة تنطلق أساساً من حُب الناصح لمن حوله وشفقته عليهم ورغبته في إيصال الخير إليهم ودفع الشر والمكروه عنهم، ولهذا قال ابن الأثير: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي: إرادة الخير للمنصوح له.

وقد أخذ رسول اللهالبيعة على أصحابه ببذل النصح للمسلمين، قال جرير بن عبد الله t: "بايعت رسول اللهعلى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".

ومن كان باذلاً للنصيحة راغباً في إيصال الخير إلى الناس فهو من خلفاء الله في الأرض كما قال الحسن رحمه الله: ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض.
النصيحة لمن؟

تكون النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، قال الإمام ابن حجر رحمه الله: النصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطناً، والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه. والنصيحة لكتاب الله تعلّمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذب تحريف المبطلين عنه، والنصيحة لرسوله تعظيمه، ونصره حياً وميتاً، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه، والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حمُلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم، والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.

وقال عبد الرحمن بن ناصر السعدي: النصيحة لله ورسوله تكون بصدق الإيمان، وإخلاص النية في الجهاد والعزم عليه عند القدرة، وفعل المستطاع من الحث والترغيب والتشجيع للمسلمين عليه.

وأول النصح أن ينصح الإنسان نفسه، فمن غش نفسه فقلما ينصح غيره.
الرسل أحرص الناس على نصح أقوامهم:

لقد اجتهد الرسل أشد الاجتهاد في دعوة قومهم وحرصوا أشد الحرص على هدايتهم، ولم يدخروا جهداً في نصيحتهم، فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقول لقومه: {ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم}.

وقد سار على طريقة نوح في بذل النصيحة من جاء بعده من الرسل، فهذا هود يقول لقومه: {وأنا لكم ناصح أمين}.وقالها صالح: {ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}، وقال شعيب: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم}.

وقد شهد الصحابة للنبيأنه بلغ رسالة ربه ونصح لقومه، فعن جابر بن عبد الله t ما أن رسول اللهقال - يعني لأصحابه - : "وأنتم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟" قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
النصيحة حق المسلم على أخيه:

عدّ رسول اللهبذل النصيحة للمسلمين من أعظم الحقوق حيث قال: "حق المسلم على المسلم ست" وذكر منها: "وإذ استنصحك فانصح له". وقال: "وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه". وقد ضاعف الله أجر الناصح الأمين الذي يرجو بنصيحته خير المسلمين، فعن عبد الله بن عمر t ما قال: قال رسول الله: "إذا نصح العبد لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين". وهو مِن أول مَن يدخلون الجنة، قال رسول الله: "عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد، وعفيف متعفف، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه".
من آداب النصيحة:

إذا كان للنصيحة في الدين هذا المكان السامي فإن النصيحة التي تنفع هي التي يلتزم الناصح فيها الآداب الشرعية التي ذكرها العلماء، ومن هذه الآداب:

1- أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.

2- أن يكون عالما بما ينصح، لأن النصيحة نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يكن على علم بما ينصح به فقد ينهى عن معروف وهو يظن أنه ينهى عن منكر، وقد يأمر بمنكر وهو يظن أنه يأمر بمعروف.

3- الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر، فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس، قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع. وقال الشافعي رحمه الله:
تعهدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرض استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي فلا تغضب إذا لم تُعط طاعه

4- الرفق في النصح والبعد عن العنف واللوم كما في الحديث: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه".

أما المنصوح فالواجب عليه الإصغاء إلى النصيحة والعمل بخيرها، والتخلص من حظوظ النفس، فقد كان السلف يعتبرون النصيحة نوعا من الهدية يقدمها الناصح لهم، كما قال عمر t: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي. ولا يحملنه شدة الناصح على عدم الانتفاع بالنصيحة.

جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ابو عمر المصرى 08-21-2011 06:31 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

من الملاحظ في المعاملات الاجتماعية بين الناس أن بعضهم قد يسيئون إلى إخوانهم إساءات مختلفة، في ألسنتهم، في أيديهم، في غير ذلك من جوارحهم، في تصرفاتهم المالية أو غير المالية، وقد تمس الإساءة النفس، أو تمس العرض والشرف، أو تمس المال والمتاع، أو تمس الأهل والعشيرة...إلخ.

ولما كان الأمر بهذه الصورة فإن هذه الإساءة لو تعامل معها المرء للوهلة الأولى مستجيبًا لحظ نفسه وهواه لترتب على ذلك شر عظيم وفساد ذات البين، وانتشار العدوات بين أبناء المجتمع.

وقد وجه الله تعالى عباده المؤمنين لضرورة التحلي بالصبر وكظم الغيظ، بل والدفع بالتي هي أحسن: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34، 35].

فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتقوى الروابط وتتآلف القلوب، ويُبنى ما تهدم من الروابط الاجتماعية، ولننال رضى الله وجنته: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133، 134].

إن الشرع المطهر قد أجاز لنا أن نعاقب بمثل ما عوقبنا به، لكنه مع ذلك بيَّن أن العفو وكظم الغيظ أفضل وأحسن: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].

من فضائل كظم الغيظ

إن لكظم الغيظ فضائل عظيمة؛ فبالإضافة إلى ما سبق من الفضائل هناك جملة من الفضائل الأخرى التي نطقت بها هذه الأدلة،منها:
1- عن ابن عمر - رَضي الله عنهما -: أن رجلا جاء إلى النبيفقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه - ولو شاء أن يمضيه أمضاه - ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأَ لهُ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".

2- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: "ما من جُرعَةٍ أعظم أجرًا عند الله من جرعةِ غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله".

3- عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبيمَرَّ بقومٍ يصطرعون؛ فقال: "ما هذا؟" قالوا: فلانٌ ما يُصارع أحدًا إلا صرعه، قال: "أفلا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجلٌ كلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلبَ شيطانه وغلب شيطان صاحِبِهِ".

4- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول اللّهإلى المسجد وهو يقول بيده هكذا - فأومأ أبو عبد الرحمن بيده إلى الأرض - : "من أنظر معسراً أو وضع عنه؛ وقاه اللّه من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حَزْن بربوة (ثلاثاً)، ألا إن عمل النار سهل بشهوة، والسعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحبُّ إليَّ من جرعة غيظ يكظمها عبدٌ، ما كظمها عبدٌ للّه إلاَّ ملأ اللّه جوفه إيماناً".

5- عن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول اللهقال: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يُخيِّره من الحور ما شاء".

وعلى هذه الأخلاق النبيلة تربى السلف رضي الله عنهم

1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من اتقى الله لم يشفِ غيظهُ، ومن خاف الله لم يفعل ما يُريدُ، ولولا يومُ القيامة لكان غير ما ترون".

2- عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر ابن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً أو شباناً. فقال عيينة لابن أخيه: يا لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين! إن اللَّه تعالى قال لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف 199]. وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب اللَّه.

3- جاء غلام لأبي ذر رضي الله عنه وقد كسر رجل شاةٍ له فقال له: من كسر رِجل هذه؟ قال: أنا فعلتُهُ عمدًا لأغيظك فتضربني فتأثم. فقال: لأغيظنَّ من حرَّضك على غيظي، فأعتقه.

4- شتم رجلٌ عديَّ بن حاتم وهو ساكتٌ، فلما فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك شيءٌ فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا.

5- قال محمد بن كعب رحمه الله تعالى: ثلاثٌ من كُنَّ فيه استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يُدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يُخرجه غضبُهُ عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

6- قال رجلٌ لوهب بن منبه رحمه الله تعالى: إن فلانًا شتمك. فقال: ما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!.

7- قال الغزالي رحمه الله تعالى: إن كظم الغيظ يحتاج إليه الإنسانُ إذا هاج غيظُهُ ويحتاجُ فيه إلى مجاهدةٍ شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وحينئذ يُوصف بالحلم.

8- وذكر ابن كثير رحمه الله من صفاتِ أصحاب الجنة عند تفسير قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} إلى قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فقال: إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.

9- ذكر ابن كثير في سيرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن رجلاً كلمه يومًا حتى أغضبه، فهم به عمر، ثم أمسك نفسه، ثم قال للرجل: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا؟ قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك.
فهيا أحبابنا نعود أنفسنا كظم الغيظ والتحلي بالحلم عسى أن يملأ الله قلوبنا إيمانًا وحكمة، ويزيدنا يوم القيامة رفعة.

marmer 08-21-2011 09:16 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
رائع

ابو عمر

احنا معاك

ومتابعين ان شاء الله

ملكة بإحساسي 08-21-2011 11:41 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 

استاذ ابو عمر ..تسلم الموضووع المميز
جزاك الله خيرا بارك الله لك وأنار طريقك
ويجعله في ميزآآآن حسنآآتك
اللهم آآآمين
لك كل الشكر والتقدير




ابو عمر المصرى 08-22-2011 06:13 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
مرمر
امل
سعدت بتواجدكم
دمتن بكل خير

ابو عمر المصرى 08-22-2011 06:15 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. الغلو في الدين


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

تبتهج النفس برؤية شاب متحرق, متدفق, وينشرح الصدر لحديث الهداية حين ينطلق بقوة وهمة, ويرتاح القلب لحماسة الشباب للجهاد والعلم والدعوة, ومقابل كل هذا يغيظ القلب ما نرى من مظاهر الدعة والعجز والكسل والضعف والفتور, فهل نتفاءل بالانطلاقة المُفْرِطة, أم بالسكينة المفَرِّطة؟.

إن القصد هو الاعتدال في السلوك, والتوازن في التفكير, والتوسط في كل الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط, وخير الأمور الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: من الآية143].

ولا يظنن أحد أن القصد خلاف السنة، أو أن الغلو زيادة في التقوى، فإن رسول اللهاستنكر على من عزم على الغلو في الصيام أو القيام أو الانقطاع عن الشهوة، وأفهمهم أن التوسط هو الأتقى: " أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر, وأصلي وأرقد, وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ". [البخاري ومسلم].

كما أن الطبيعة البشرية أقرب إلى القصد, ولديها قابلية الانحدار والصعود, ولن يستطيع امرؤ أن يتجاوز طبيعته البشرية إلى الطبيعة الملائكية، ولذلك لما ظن حنظلة ملاعبته لأهله وضحكه معهم بعد أن كان في خشوع وبكاء في مجلس النبي, لما ظن هذا التبدل في الحال نوعا من النفاق, طمأنه الرسولبقوله : " يا حنظلة ! لو كنتم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم, يا حنظلة ! ساعة وساعة ".[ابن ماجة وصححه الألباني].

والقصد أقرب إلى الطاقة والاحتمال؛ لذلك كان الرسوليعلق على صور الغلو في العبادة بقوله : " عليكم بما تطيقون ؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا ". [البخاري ومسلم] وبقوله : " ليصلِّ أحدكم نشاطه, فإذا فتر فليقعد ". [البخاري].

والقصد أدعى للدوام على العمل والاستمرار فيه والثبات عليه، يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: "لأن المشدد لا يأمن من الملل, بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره, وخير العمل ما داوم عليه صاحبه" . وقال النووي رحمه الله تعالى : "بدوام القليل تدوم الطاعة ...حتى يثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة". وقال ابن حزم رحمه الله تعالى : "فأمر أمته أن يقتصدوا في الأمور ؛ لأن ذلك يقتضي الاستدامة عادة".

وإلى ذلك أشار الرسولبقوله: " سددوا وقاربوا واغدوا و روحوا, وشيء من الدُّلجة, والقصد القصد تبلغوا ". [البخاري]. يقول ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح الحديث : "وقاربوا أي لا تفرطوا, فتجهدوا أنفسكم في العبادة ؛ لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال, فتتركوا العمل فتفرطوا, وقد أخرج البزار ..." إن هذا الدين متين, فأوغلوا فيه برفق, ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله, فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".

وليس المقصود بالقصد التقصير, فقد كان النبييوجز الصلاة ويكملها, وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا, كما روى ابن عباس رضي الله عنهما وضوء رسول الله: " فتوضأ ولم يكثر من الماء, ولم يقصر في الوضوء". [رواه مسلم] . بل كان القصد صفة بارزة للأنبياء كما في الحديث :" السمت الحسن, والتؤدة, والاقتصاد, جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة".[صحيح الجامع].

وحين نستنكر الغلو فإننا ننكر الإفراط بشدة الإقبال والالتزام المفضي إلى الترك, أو الملل أو الخروج عن القصد بسبب المبالغة في النوافل, أو العمل على جهل وغفلة, كما ننكر التفريط والتهاون بشدة التكاسل والتقصير والإعراض والانفلات, ولكن الثاني تستنكره الطباع السليمة عادة, أما الأول فهو الذي يغتر به المغترون, ويلتبس على كثير من الناس, وهو الذي قال فيه الرسول: " هلك المتنطعون" . [رواه مسلم]. وحذر منه بقوله: " يا أيها الناس!إياكم والغلو في الدين ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ". [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].

وقد قال القرطبي في الخوارج: "... لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم, وتركوا أهل الذمة, وقالوا:نفي لهم بعهدهم, وتركوا قتال المشركين, واشتغلوا بقتال المسلمين, وهذا كله من آثار عبادة الجهال, الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم, ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم...".

ويعلق ابن حجر رحمه الله تعالى على نتائج الغلو فيقول: "...من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه, ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام". وحذر من الاغترار بالغالين في بعض صور العبادة, وأن ذلك لا يكفي دليلا على الصلاح فقال: "لا كتفى في التعديل بظاهر الحال, ولو بلغ المشهود له بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى يختبر باطنه".

وإنه لمن الغلو ومجانبة القصد أخذ النفس بالعزيمة فيما ترخص به النبي, وفي ذلك يقول النبي: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ فوالله إني أعلمهم بالله, وأشدهم له خشية". [رواه البخاري].

وفي الفتح "....نقل ابن التين عن الداودي أن التنزه عما ترخص فيه النبيمن أعظم الذنوب ؛ لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله...".

وقد طالبنا الشرع بالتعود على القصد والتوازن في أمورنا الحياتية, حتى يغدو القصد خلقا وطبيعة, فقد قال ربنا تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} ]الإسراء:29[. وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67].

ونهى رسول اللهعن المغالاة في الطعام والشراب, وعن المغالاة في المهور، مثلما نهى عن الغلو في الرجاء الذي يجعل الناس يتكلون, وعن الغلو في الخوف الذي يجعل الناس يقنطون, وعن الغلو في المدح الذي يجعل الناس يشركون أو ينافقون, كقوله: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد, فقولوا عبد الله ورسوله ". [رواه البخاري].

وكل ما نخشاه حين نغلو أن نقع في مشقة الدنيا وجحيم الآخرة, كما في قوله تعالى: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} ]الغاشية:3,4[. ويضيع بسبب الغلو ثمرة الجهد في العبادة, بينما الهدي القاصد أهدى وأتقى وأبقى: " عليكم هديا قاصدا؛ فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ".[صحيح الجامع], ولا يكون التزام التوسط إلا بالعلم والمجاهدة.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

المصدر:
هذه أخلاقنا (بتصرف يسير).

ابو عمر المصرى 08-23-2011 02:00 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. القنوت


.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد امتدح اللهعباده المؤمنين وأثنى عليهم بالكثير من الصفات التي يحبها فيهم.
ومن جملة الأخلاق والصفات التي أثنى الله بها على عباده المؤمنين أنهم قانتون، فقال الله:{ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ*الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:15-17].
وإن للنساء من ذلك حظا حيث قال الله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء:34].
كما وعد سبحانه على هذه الصفة أجرا كبيرا: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب:31].
وقال سبحانه: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].
كما أثنى الله على خليله ورسوله إبراهيم u بأنه كان من هؤلاء القانتين لله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ} [النحل:120].
وأثنى على مريم بأنها كذلك من القانتات فقال: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ} [التَّحريم:12].
من معاني القنوت:

ذكر العلماء عدة معان للقنوت يدور أغلبها حول دوام الطاعة، والصلاة، وطول القيام، والسكوت، والخضوع، والدعاء.
وهذه كلها داخلة في معنى القنوت ولا شك، والأدلة تشمل ذلك كله.
فكون القنوت هو الخضوع والطاعة لله فذلك ما دل عليه قول الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ*بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وقوله سبحانه: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}.
وأما كونه بمعنى السكوت فقد دل عليه ما ورد عن زيد بن أرقم t قال: " كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه في حاجته، حتى نزلت {وقوموا لله قانتين}، فأمرنا بالسكوت.
ويأتي القنوت بمعنى طول القيام، وهو ما دل عليه قول الله: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}. وما رواه مسلم عن جابر t قال: قال رسول الله: "أفضل الصلاة طول القنوت".
وعن المغيرة بن شعبة t قال: إن كان النبيليصلي حتى ترم قدماه ـ أو ساقاه ـ فيقال له، فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا". [رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجة، وحسنه الألباني].
وسئل ابن عمر t عن ما القنوت فقال: ما أعرف القنوت إلا طول القيام، ثم قرأ: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}.
وأما ورود القنوت بمعنى الدعاء فدل عليه ما جاء عن البراء بن عازب t: "أن رسول اللهكان يقنت في الصبح والمغرب". [مسلم].
وعن أنس t قال: "قنت رسول الله شهرا يدعو على رِعْلِ وذَكْوَان". [البخاري ومسلم ،واللفظ للبخاري].
وهكذا نجد أن رسول اللهقد حقق جميع معاني القنوت فكان يصلي ويطيل الصلاة وقد قال عبد الله بن مسعود t: "صليت مع النبي ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء. قيل له: وما هممتَ؟ قال: هممت أن أقعد وأذر رسول الله" [البخاري ومسلم].
وعن حذيفة t: "أن النبي صلى، فكان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب استجار، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبّح". [البخاري ومسلم].
ولما خسفت الشمس في عهده قام يصلي فأطال القيام جدا، ثم ركع فأطال الركوع جدا، وهكذا في سجوده.
وكان يدعو ربه ويطيل الدعاء ويختار من الدعاء أحسنه وجوامعه وإذا قرأ القرآن أو قرئ عليه بكى، ولقد قال عبد الله بن الشخير t: "رأيت رسول الله وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء". [أبو داود والنسائي].
فهيا أيها القارئ الحبيب:

قد عرفنا الآن شيئا من معاني القنوت، وعرفنا من هدي النبيوسنته ما يدل على تحققه فيه، فهلا اقتدينا به وتأسينا، ولجأنا إلى ربنا ودعوناه وخشعت له قلوبنا؟ عسى أن يجعلنا الله من القانتين.

ابو عمر المصرى 08-23-2011 02:02 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
يوميات صائم.. صلة الرحم


(.. ولله عتقاء من النار.. وذلك كل ليلة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
دعت آيات القرآن الكريم, وأحاديث النبيإلى صلة الرحم, ورغبت فيها أعظم الترغيب, وكان الترغيب دينياً ودنيوياً, ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً, وقلعـة صامدة, وينشأ عن ذلك أسر متماسكة, وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعـاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم, وإلى الناس أجمعين.
معنى الرحم وصلة الرحم:

قال الراغب الأصفهاني: ( الرحم: رحـم المرأة.. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ).
والمراد بالرحم: الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم. ومعنى صلة الرحم: الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل, ويدخل في ذلك زيارتهم, وتفقد أحوالهم, والسؤال عنهم, ومساعدة المحتاج منهم, والسعي في مصالحهم.
فضل صلة الأرحام:

1- صلة الرحم من الإيمان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" [رواه البخاري].
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي: إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسولهذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه, وصلة الرحم علامة على الإيمان.
2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر:

كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق, ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان, فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله:
"من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره, فليصل رحمه". [رواه البخاري].
عن علي رضي الله عنه عن النبيقال:"من سره أن يمد له في عمره, ويوسع له في رزقه, ويدفع عنه ميتة السوء, فليتق الله وليصل رحمه". [رواه البزار والحاكم].
3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه:

عن عائشة رضي الله عنها, عن النبيأنه قال:"الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله, ومن قطعني قطعه الله". [رواه مسلم].
وقد استجاب الله الكريم سبحانه, لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخير والإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه, وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً.
4- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة:

فعن النبيأنه قال: "يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام" [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه].
الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك:

المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل, لأنه يـكافئ الزيارة بمثـلها, وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن, أو قضى له حاجه فردّ له ذلك يمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ, فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه, ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول اللهقال: "ليس الواصل بالمكافئ, ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني, وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ, وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال: "إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". [رواه مسلم].
والمَلّ: الرماد الحار, قال النووي: يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار, وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم, ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه.
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون.
قطع الأرحام

إن الإساءة إلى الأرحام, أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم, حتى أصبح من الأمور المعتادة أن نسمع أن أحد الوالدين أضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه, هذا الذي كان سبب وجوده.
ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية.
قاطع الرحم ملعون في كتاب الله:

قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم}. [محمد:32-33].
قال على بن الحسين لولده: يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن:
قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين:

قال الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:26-27].
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام.
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا:

ولعذاب الأخرة أشد وأبقى:
عن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول اللهقال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم". [رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه].
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع, فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة, لا يبارك له في رزقه, منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة: قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى قال: فذلك لك". [رواه البخاري].
وما أسوأ حال من يقطع الله.. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله

marmer 08-23-2011 05:56 PM

رد: يوميات صائم ( متجدد )
 
رائع طرحك ابو عمر



تسلم

لمجهودك الراقى


الساعة الآن 02:09 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by