شبكة صدفة

شبكة صدفة (http://www.aadd2.net/vb/index.php)
-   سيرة الانبياء والصحابة (http://www.aadd2.net/vb/forumdisplay.php?f=18)
-   -   شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم (http://www.aadd2.net/vb/showthread.php?t=132607)

الدكتوره 07-25-2011 11:54 PM

شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم


(1)وإنك لعلى خلق عظيم



تفضل الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بتوفيقه للاتصاف بمكارم الأخلاق، ثم أثنى عليه ونوّه بذكر ما يتحلى به من جميل الصفات في آيات كثيرة من كتابه العزيز، من ذلك قوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4). وسئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خُلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: ( كان خلقه القرآن ) ( أحمد ) .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعثه الله بالرسالة في الذروة العليا من الأخلاق الحسنة، صدقا وأمانة، وكرما وحلما، وشجاعة وعفة، وغير ذلك من الصفات التي يحظى بالإجلال والإكبار مَنْ حصل على واحدة منها، فضلا عمن جُمعت له، وتوفَّرت فيه. وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ( أحمد ) .
ومن ثم فقد صانه الله ـ سبحانه ـ وحفظه من أدنى وصف يعاب صاحبه، كل ذلك حصل له من ربه فضلاً ومنّة، وقطعاً لألسنة أعدائه الذين يتربصون به، ويقفون في طريق دعوته ..

فقد نشأ - صلى الله عليه وسلم - من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظات حياته ، متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، يُضرب به المثل في كل خُلق فاضل وعظيم .

وبالجملة فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - صلى الله عليه وسلم - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك العدو والصديق .


وفيما يلي بعض الشهادات التي شهد له بها الموالون والمعادون، وفيها دلالة بينة على حسن وعظم أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وذلك معلوم من الدين بالضرورة ..


شهادة أهل بيته في أخلاقه :

لما أوحى الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء لأول مرّة ورجع إلى خديجة ـ رضي الله عنها ـ أخبرها الخبر وقال: ( لقد خشيت على نفسي )، فقالت له ـ رضي الله عنها ـ: ( كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ) ( البخاري ).

وعن أنس - رضي الله عنه – قال: ( خدمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا ) ( البخاري )

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خادما له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله ) ( البخاري ).

وبالجملة فآية أخلاقه ـ صلوات الله عليه ـ عَلم من أعلام نبوته العظمى، التي لم تجمتع لبشر قَطْ قبله ولا تجتمع لبشر بعده ..


مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد


من الطبيعي أن يثني التابعون على متبوعهم، ولكن المثير للانتباه ثناء الأعداء والمخالفين على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه، إلا أنها الحقيقة التي لا مفر منها ولا جدال عليها، فنطقت بها ألسنتهم لتكون حجة على أقوامهم ممن يكابر ويعاند، ويأبى إلا الكذب والتزوير، لحقده أو كبره أو عمى قلبه ، وإليك بعض تلك الأقوال التي تثني على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه، ممن لم يؤمن به و كان مخالفاً له ..

شهادة كفار قريش بأمانته وصدقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ :


لما قامت قريش ببناء الكعبة قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - تنازعوا في رفع الحجر الأسود إلى مكانه، واتفقوا على تحكيم أول من يدخل عليهم الباب، فكان أول داخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرحوا جميعاً، وقالوا: جاء الأمين، جاء محمد، وقد كانوا يلقبونه بلقب الصادق الأمين، لما يعلمونه من أمانته وصدقه - صلى الله عليه وسلم ـ .

وثبت في صحيح البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم ـ لما نزل عليه قول الله تعالى: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } (الشعراء:214) ، صعد إلى الصفا، فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي ـ لبطون قريش ـ حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ). وكذلك شهد أبو جهل بصدقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "إنا لا نكذبك، لكن نكذب ما جئت به "، فأنزل الله تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } (الأنعام:33) .


وكذلك شهد أبو سفيان ـ قبل إسلامه ـ بين يدي هرقل ملك الروم بصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ووفائه :

عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن أبا سفيان ابن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا ذهبوا إلى الشام، لأجل التجارة في المدّة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مادّ فيها(صالحهم على ترك القتال) أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان : فقلت: أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عليه، ثم كان أول ما سألني عنه أنه قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول أحد منكم قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم، سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟، قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قلت: لا، قال: فهل يغدر؟، قلت: لا، ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟، قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟، قلت الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منّا وننال منه، قال: بماذا يأمركم؟، قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة.

فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب؟ فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله قط؟ فذكرت أنْ لا، قلت: فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان في آبائه من ملك؟، فذكرت أنْ لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أنْ لا، قلت: لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر؟، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بماذا يأمركم؟، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنّه خارج ولم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به إليه مع دحية بن خليفة الكلبي فقرأه، قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات فأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِرَ أَمْرُ(عظم شأن) ابن أبي كبشة (أي النبي صلى الله عليه وسلم) أنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام ) ( البخاري ).


ففي هذه القصة دلالات واضحات على نبوته وحسن خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومحل الشاهد من القصة شهادة أبي سفيان بن حرب وهو من أشد أعدائه في ذلك الوقت، على اتصاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعثه الله بالصدق والوفاء ، وأنهم لا يتهمونه بالكذب والغدر ..


شهادة عبد الله بن سلام بصدقه - صلى الله عليه وسلم - :

عن عبد الله بن سلام قال: ( لما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة انجفل (أسرع) الناس إليه، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء تكلم به أن قال: يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) ( أحمد ) .


إن المنصفين والعقلاء قديما وحديثا ـ ولو كانوا مخالفين ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما اطلعوا على سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لم يملكوا إلا الاعتراف له بالفضل وحسن الخلق والسيادة، وهذا طرف من أقوال بعض المعاصرين :

يقول مهاتما غاندي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

" أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر .. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته، مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته .. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف .. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسِفاً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة " .

ويقول الأديب العالمي ليف تولستوي : " يكفي محمداً فخراً، أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمد ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة " .


ويقول العالم الأمريكي مايكل هارث : " إن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان الرجل الوحيد في التاريخ، الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي .. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معا، يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية "..


تلك بعض أقوال مشاهير العالم من غير المسلمين ، المتصفين بالموضوعية والإنصاف ، شهادتهم قائمة تحمل الحقيقة التي تحملها سيرة سيد الأنبياء والمرسلين ، بخلاف من أعمى الله بصره وبصيرته ، فراح ينكر ضوء الشمس في رابعة النهار ..


قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ ويشتكي الفم طعم الماء من سِقم


فأي فضل أعظم من فضل من شهد له الأعداء والمناوؤون ـ قديما وحديثا ـ ، الذين لم يجدوا فيه مغمزاً لثالب أو قادح ، ولا مطعناً لجارح أو فاضح ، فهو كما قَال الشاعر :


شَهِدَ الأَنَامُ بِفضْلِهِ حتى الْعِدَا وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ به الأَعْدَاءُ

وقبل ذلك وبعده يكفيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهادة الله ـ عز وجل ـ له في قوله سبحانه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4)، { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } (النساء: من الآية79)

يتبع






الدكتوره 07-26-2011 12:20 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(2)النبي صلى الله عليه وسلم والبيئة

http://www.islamweb.net/PicStore/Ran...838_168371.jpg

لا شك أن البيئة التي نعيش عليها من نعم الله عز وجل التي سخرها لنا، قال الله تعالى : { وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ }(يّـس: :33 : 35) ..
وقد خلق الله ـ عز وجل ـ الأرض على أحسن حال وجعلها تفي بحاجات البشرية، وأي نقص أو خلل يصيبها فهو بفعل الناس ، قال الله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(الروم:41)..
وفي سُنَّة وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آداب ، يراعيها المسلم في تعامله مع البيئة من حوله ، وذلك للمحافظة عليها وصيانتها ..
الماء والهواء :
كل أمر يلوث البيئة من حولنا سواء كان يتعلق بالماء أو الهواء أو المنظر العام فهو مخالف لهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( اتقوا اللعانين ، قالوا : وما اللعانان يا رسول الله؟، قال : الذي يتخلى (يتغوط) في طريق الناس أو في ظلهم )(مسلم) .
وعن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اتقوا الملاعن الثلاثة : البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل )(أبو داود) .

ومن المعلوم أن الماء قوام الحياة ، قال الله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(النحل10: 11) ..
ولذلك كانت دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واضحة في المحافظة عليه ونظافته ، والنهي عن الإسراف في استعماله حتى في الطهارة والوضوء..
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه )(البخاري) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( جاء أعرابي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأله عن الوضوء ، فأراه ثلاثا ، ثلاثا ، قال : هذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم )(أحمد) .

أما بالنسبة لتلويث الهواء بأي نوع من أنواع التلوث البيئي الذي يؤدي إلى إيذاء فاعله أو غيره، فذلك غير جائز ومنهي عنه ، ويدخل تحت قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا ضرر، ولا ضرار )(أحمد) .

التشجير :

حَثَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على غَرْسِ الأشجار والنخيل لما في ذلك من مظاهر الزينة والنفع العام والخاص ، إضافة إلى إمكانية أنيستظل بها الإنسان والطير والحيوان ، ومن ثم فله بذلك أجر من الله عز وجل ..
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة )(البخاري) .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة) فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل )(أحمد).
قال النووي : " .. في هذه الأحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع ، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر مادام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة .. " .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر)(أحمد) .
وقد استثني من ذلك الأشجار المؤذية التي تعترض طريق الناس وتؤذيهم ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى الناس )(مسلم) .

الطريق :

إماطة الأذى من الطريق العام ، وتطهير ونظافة الأفنية ، لون من ألوان المحافظة على البيئة في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( عُرِضت عليَّ أعمال أمتي حسنها وسيئها ، فوجدت من محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ، ووجدت من مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تُدْفَن )(البخاري) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأُدْخِل الجنة )(أحمد).
وعن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها )(الطبراني).

إن قضية تلوث البيئة تعد من القضايا المعاصرة ، والتحديات الحضارية والصحية لأي مجتمع ، وقد حافظ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهديه وتعاليمه على نظافة البيئة وحمايتها ، وجعل ذلك مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع المسلم ، حتى يعيش الناس في بيئة صحية ، جميلة المظهر، خالية من الأوبئة والأمراض ..

يتبع




الدكتوره 07-26-2011 12:23 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(3)صلة الأرحام في هدي النبي صلى الله عليه وسلم


من المفاهيم والقيم الخاطئة عند بعض الناس قولهم : نحن نزور من يزورنا ونقطع من يقطعنا ، و لسان حالهم كحال الذي يتمثل هذه الصفة الذميمة بقوله :
ولست بهياب لمن لا يهابني ولست أرى ما لا يرى ليا
فإن تدْنُ مني تدن منك مودتي وإن تنأ عني تلقني نائيا

وهذا الفهم بلا ريب مخالف لهدي وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل : ( ليس الواصل بالمكافيء، لكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها )(البخاري).
فأصل الصلة في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تصل من قطعك، ولا تقتصر على صلة من وصلك، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ : ( يا عقبة بن عامر ! صل من قطعك ، و أعط من حرمك ، واعف عمن ظلمك )(أحمد) .
وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال : ( يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون علىَّ ؟!، فقال : لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تسفهم الملَّ (التراب الحار) ، ولا يزال معك من الله ظهير(مُعين) عليهم ما دمت على ذلك )(مسلم) .
قال النووي : " .. كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن ، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه ، وقيل معناه : إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل ، وقيل : ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم " ..

وصلة الرحم في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم أمر واجب، وقاطعها آثم ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ : ( الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله )(مسلم) ..
وما أسوأ حال من يقطع الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله ..
وعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا ـ مع ما يدخر له في الآخرة ـ مثل البغي وقطيعة الرحم )(أبو داود) ..
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يدخل الجنة قاطع رحم )(مسلم) .

وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن صلة الرحم من أسباب طول العمر وزيادة الرزق، فقال : ( من سرّه أن يُبْسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره (يؤخر له في عمره) فليصل رحمه )(البخاري) .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها : (.. إنه من أعطي حظه من الرفق ، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار )(أحمد) .

ومن أفضل الصدقات : الصدقة على ذي رحم ، وهم أولى الناس بالصدقة ..
عن سلمان بن عامر الضبي ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ..الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صلة وصدقة )(أحمد) .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شىء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شىء فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شىء فهكذا وهكذا )(مسلم) .
قال النووي : " .. في هذا الحديث فوائد : منها الابتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب، ومنها أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد، ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة ولا ينحصر في جهة بعينها .." ..

وقد عُرِف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصلة رحمه من قبل بعثته كما جاء في صحيحالبخاري من قول أم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ في قصة بدء الوحي : " كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم .." ..

والأمثلة التطبيقية من سيرة وحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلة الأرحام كثيرة، منها : دعوتهم إلى الخير.. فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو أرحامه إلى الله تعالى ..
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما نزلت هذه الآية : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } (الشعراء:214)، قام نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا بني كعب بن لؤي، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلاله )(أحمد) .
سأبلها ببلالها : سأصلها .
وفي رواية البخاري جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمي ( يا عباس بن عبد المطلب ، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا .. ) ..

ومن صور صلة الرحم في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يدعو لهم، ويثني عليهم، ويوصي بهم خيرا، ويتألم لإيذاء احد منهم ..
عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( .. وأهل بيتي، أُذَّكِّرُكم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي )(مسلم) .
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال : ( من آذى العباس فقد آذاني ، إنما عم الرجل صنو أبيه )(الترمذي) ..
ودعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابن عباس أن يعلمه الله الـتأويل والفقه في الدين ..

وأثنى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على خاله سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ فقال : ( هذا خالي فليرني امرؤ خاله )(الترمذي) .
وكان سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ من بني زهرة وكانت أم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بني زهرة، فلذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هذا خالي ) .
وهذا الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ ابن عمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يثني عليه فيقول : ( .. لكل نبي حواري وحواري الزبير )(البخاري) .

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزور من يمرض منهم ويدعو له ، فعن عائشة بنت سعد : أن أباها قال : ( اشتكيت بمكة، فجاءني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعودني ، ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني، ثم قال : اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته )(أبو داود) .

لقد بلغ من أهمية صلة الرحم في هَدْي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن قرنها بالتوحيد، وجعلها من الأمور التي بُعِثَ من أجلها، كما في حديث عمرو بن عبسة ـ رضي الله عنه ـ لما سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بأي شيء أرسلك الله؟، قال : ( بكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأن يُوحَّد الله لا يُشْرَك به شيء )(مسلم) ..

ومن ثم فصلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله وأجلها، وقطيعتها من أعظم الذنوب وأخطرها، والمسلم في هذه الدنيا يجِّد في السير إلى رحاب جنة عرضها السموات والأرض، ومما يعينه في ذلك القيام بصلة الأرحام اقتداءً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وامتثالاً لأمره ..
يتبع





الدكتوره 07-26-2011 12:29 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(4)تواضع الحبيب صلى الله عليه وسلم

http://www.islamweb.net/articlespict...145/155710.jpg

حاز نبينا وحبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأخلاق أعلاها وأكملها. حُمِّل أعظم رسالة وكُلف بتبليغها، فحملها وبلغها، وأوذي في سبيلها فما وهنت عزيمته. وأما الأخلاق فمن ذا الذي يقدر على وصف خُلقه، وقد كان خلقه القرآن، كما قال الله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4)، ومهما تكلم المتكلمون، ووصف الواصفون خُلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلن يعطوه حقه، ولن يدركوا وصفه .
والتواضع، وخفض الجناح، ولين الجانب، كانت أوصافا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تخلَّق بها مع الكبير والصغير، والقريب والبعيد، امتثالا لأمر الله تعالى حين خاطبه بقوله سبحانه: { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الحجر:88 )، قال أهل التفسير: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: ألِن لهم جانبك، وفي ذلك كناية عن التواضع لهم والرفق بهم .
ولقد أوصى جبريل ـ عليه السلام ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتواضع، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء، فإذا ملَك ينزل فقال له جبريل : هذا الملَك ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك : أمَلِكا أجعلك أم عبدا رسولا؟، قال له جبريل : تواضع لربك يا محمد، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بل عبدا رسولا ) ( أحمد ) .
فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس تواضعا، وأخفضهم جناحا، وألينهم جانبا، وسيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالمواقف والعبر في هذا الخلق العظيم .
فأخبار تواضع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة، وسيرته العطرة مليئة بها، وما حفظ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه تكبر على أحد، أو فاخر بنفسه أو مكانته، وقد نال أعلى المنازل، وحظي عند ربه بأكبر المقامات، فهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، وأُسري به إلى السموات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى، وبلغ مقاما لم يبلغه مخلوق قبله ولا بعده، وأنعم الله عليه بالمعجزات، وأيده بالآيات ... وما حكى شيئا من ذلك على وجه الفخر أو المدح لنفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا تعالى به على الناس، بل كان التواضع صفته، وخفض الجناح سمته .. فكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقرن إخباره بها بنفي الفخر، تواضعا لله تعالى .
عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي ـ يومئذ آدم فمن سواه ـ إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) ( الترمذي ) .
ومعنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا فخر : أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس، بل أقوله تواضعا وشكرا لله .
ومن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كره أن يُفضل على الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مع أنه خاتمهم وأفضلهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى ) ( البخاري ) .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواضعا في لباسه ومركبه، فيلبس ما تيسر من اللباس، ولا يأنف من ركوب البغال والحمير، ولو شاء ـ صلى الله عليه وسلم ـ للبس الديباج والحرير، ولما ركب إلا أصيلات الخيل، كيف لا؟، وأغنياء الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفدونه بأنفسهم وأموالهم، وقد منَّ الله عليه بالفتوح، وساق إليه أموال اليهود والمشركين، ولكن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأبى عليه أن يسير سيرة الملوك، أو يتزيا بزيي أهل الدنيا، وهو الذي اختار أن يكون عبدا رسولا.
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواضعا مع أسرته وفي داخل بيته، يعمل أعمالا يأنف منها كثير من الرجال، وسئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصنع في البيت؟، قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج ) ( البخاري ).
وعن عروة ـ رضي الله عنه ـ قال : سأل رجل عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( هل كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعمل في بيته ؟، قالت : نعم . كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته )( أحمد ).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواضعا مع الناس، ومن شدة تواضعه أنه لا يُعرف من بين أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، فلا يتميز عليهم بملبس أو مركب أو مجلس، كما هي عادة الكبراء والأغنياء، وإذا جاء الغريب ما عرفه من بينهم حتى يسأل عنه، كما روى أبو ذر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ فقالا: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجلس بين ظهري أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل .. ) ( أبو داود ).
ومن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يكره أن يقوم الناس له كما هو شأن أهل الدنيا .
قال أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( ما كان شخص أحب إليهم رؤيةً من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك ) ( أحمد ) .
ومن تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يجيب دعوة من دعاه ولو كان فقيرا، ويقبل من الطعام ما كان يسيرا، ولا يشترط في ذلك، أو يغضب من دعوة يراها أقل من حقه، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:( لو دعيت إلى ذراع أو كُرَاع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كُرَاع لقبلت ) ( البخاري ). و الكُراع من الدابة ما دون الكعب .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يمل من ذوي الحاجات، بل يستمع إليهم، ويقضي حاجاتهم، فيجيب السائل، ويعلم الجاهل ، ويرشد التائه ، ويتصدق على الفقير، ولا يرد أحدا قصده في حاجة .
وكان أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بالماء يغمس يده الشريفة فيه، فما يردهم، ولا ينزعج من كثرة طلبهم . قال أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( كان إذا صلى الغداة جاءه أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه ) ( البخاري ).
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت:يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أيَّ السكك شئت حتى أقضيَ لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها ) ( مسلم ) .
قَالَ النووي :( خَلا معها في بعضِ الطرق ) " أي وقَف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإنَّ هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها لأنَّ مسألتها مما لا يظهره " أهـ .
وفي ذلك بيان لتواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوقوفه مع المرأة الضعيفة ..
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ينزع يده ممن يصافحه حتى ينزعها الذي يسلم عليه، ويزور الضعفاء والفقراء من المسلمين، ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم .
ولما هابته الرجال فارتعدوا أمامه هَوَّن عليهم، وسكن من روعهم، وأزال ما في قلوبهم .
روى أبو مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رجلا كلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح فأخذته الرعدة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) ( الحاكم )، والقديد هو اللحم المجفف في الشمس .
وفي المجامع الكبيرة التي قد تدفع النفس إلى نوع من الكبر والتميز على الناس، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يزداد فيها إلا تواضعا إلى تواضعه .
وأعظم جمع حضره في حياته، وخطب الناس فيه كان يوم عرفة، وقد توجهت إليه جموع الحجيج، ومع ذلك برز للناس على ناقته بكل تواضع وذل لله ـ عز وجل ـ .
ومواقف النصر والفتوح تستبد بالقادة والفاتحين، وتستولي على نفوسهم، فيكون فيها فخرهم وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقل الرجال، وما حفظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم - رغم كثرة فتوحاته وانتصاراته، أنه تعالى أو اغتر بنصر، ولا استبد به فتح، بل ازداد تواضعا إلى تواضعه .
ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا، دخلها وقد طأطأ رأسه تواضعا لله تعالى، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة طأطأته .
ومع علو منزلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة كان يقول: ( لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا : عبد الله ورسوله ) ( البخاري )، والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح ..
هكذا كان تواضع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا يملك من يقرأ سيرته، ويطلع على أخلاقه إلا أن يمتلئ قلبه بمحبته، فالناس مفطورون على محبة المتواضعين وبغض المتكبرين ..
ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو سيد الخلق، وخاتم الرسل، وأعلى الناس مكانة في الدنيا والآخرة، وهو أيضا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الناس تواضعا لله تعالى، فحري أن يملك القلوب، وحري بأتباعه أن يكونوا من المتواضعين، اتباعا لهديه، واقتداء بأخلاقه، وتمسكا بسنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..


وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
يتبع


الدكتوره 07-26-2011 12:38 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(5)قطوف من الصفات الخَلقية والخُلقية للحبيب صلى الله عليه وسلم


http://www.islamweb.net/articlespict...145/155708.jpg




اصطفى الله سبحانه نبيَّه محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وفضَّله على العالمين، وفطره على صفات عظيمة، ظهرت على سلوكه القويم، وعلى بدنه الشريف، وجوارحه الطاهرة، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملكت هيبته العدو والصديق، وكان من أثره أن القلوب فاضت بحبه، والرجال تفانوا في إكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه، لما رأوا من جمال خَلقه وكمال خُلُقِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولم يبالوا أن تُقطع أعناقهم ولا يُخدش له ظُفْر..
قطوف من الصفات الخَلْقية لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال:( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة إضحيان (مضيئة مقمرة) وعليه حُلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر )( الترمذي )..ولقد سُئل جابر : أكان وجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل السيف؟ قال: ( لا، كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا )(البخاري )..

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متوسط القامة ، لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين، كما أخبر بذلك البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ، قال: ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مربوعا ً-متوسط القامة-، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه.. )( البخاري ).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبيض اللون، ليِّن الكف، طيب الرائحة، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مَسَسْتُ ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا شممتُ مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) ( مسلم ) .
وكانت أم سُليم ـ رضي الله عنهاـ تجمع عَرَقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يقول أَنَسِ ـ رضي الله عنه ـ : ( دخل علينا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال - أي نام نومة القيلولة - عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت - تجمع- العرق فيها، فاستيقظ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب )( مسلم ).
وكان بصاقه وريقه طيباً طاهراً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعن عبد الجبار بن وائل قال: حدثني أهلي عن أبي قال: ( أُتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مجّ في الدلو، ثم صُب، في البئر، أو شرب من الدلو، ثم مج في البئر، ففاح منها مثل ريح المسك ) ( أحمد ) .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ كث اللحية، كما وصفه جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ بقوله: ( وكان كثير شعر اللحية ) ( مسلم )..
وبالجملة فرسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أحسن الناس وأجمل الناس، لم يصفه واصف قط إلا شبهه بالقمر ليلة البدر، ولقد كان يقول قائلهم: لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو أحسن في أعيننا من القمر. فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وجها ، وأنورهم لونا، يتلألأ تلألؤ الكوكب، ولقد وصفه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فقال:
أمينٌ مصطفىً للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام
تلك بعض قطوف من صفات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخَلْقية التي نُقلت إلينا ممن رآه وصاحبه، وصدَق الصِّديق أبو بكر ـ عندما قال عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يُقبِّله بعد موته: ( طبت حياً وميتاً يا رسول الله ) ( البخاري ).

قطوف من الصفات الخُلقية للمصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
هي أكثر من أن تحصى، وكيف تحصى أخلاق من زكاه ربه وقال عنه :{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4).. ومن هذه القطوف :
أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، فقد أُوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، فهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أوتيت جوامع الكلم )( أحمد ) .
وكان الحلم والاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفاتٌ أدبه الله بها.. وكل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هَفْوَة، ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما خُيِّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه في شيء قط, إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله ) ( البخاري ) .
وكان من صفته الجود والكرم، يعطِي عطاء من لا يخشى الفقر، قال عبد الله بن عباس : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود بالخير من الريح المرسلة ) ( البخاري ).. ، وقال جابر : ( ما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً قط فقال : لا ) ( مسلم ).

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لا يُجهل، كان أشجع الناس، حضر المواقف الصعبة، وفر عنه الأبطال غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومُقبل لا يدبر، قال علي ـ رضي الله عنه ـ: ( كنا إذا حمي البأس واحمرت الحَدَقُ، اتقينا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ) ( أحمد ).
ومع شجاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( كان أشد حياء من العذراء في خِدْرها، وإذا كره شيئاً عرف في وجهه ) ( أحمد ).
وكان لا يسمي رجلا بلغ عنه شيء يكرهه، حتى لا يسبب له حرجا، بل يقول : ( ما بال أقوام يصنعون كذا ) ( أبو داود ) .
وكان أعدل الناس وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلك أصحابه وأعداؤه، وكان يسمي قبل نبوته " الصادق الأمين "، ويُتَحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام، وسأل هرقل أبا سفيان ـ قبل إسلامه ـ، هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟، قال : لا .
شهِد الأَنامُ بفضله حتى العِدا والفضل ما شهدت به الأعداء
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر، و نهى عن القيام له كما يقام للملوك.. يجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم .
وكان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس.. أحسن الناس عشرة وأدباً، وأبعدهم من سيء الأخلاق، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا لعاناً ولا صخابا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ..
لا يترفع على عبيده وإمائه، ولم يقل لخادمه أف قط، ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه، وكان يحب المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ويتفقد أصحابه، ويحسن الحسن وينصح به، ويقبح القبيح وينهى عنه.
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله، ولا يوطن الأماكن ـ لا يميز لنفسه مكاناً ـ، إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو كلمه لحاجة صبر عليه حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بكلمة طيبة، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، يتفاضلون عنده بالتقوى ..
مجلسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تخدش فيه الحرمات .. إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون له، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرا له، واقتداء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
وبالجملة، فقد كان الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُحلى بمكارم الأخلاق، أدبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنياً عليه فقال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم : 4)، وكانت هذه الصفات الخَلْقية والخُلقية، مما قرب إليه النفوس، وحببه إلى القلوب، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فِطري، فكيف بمن جمع الله له الجمال خَلقاً وخُلقاً؟..
إن هذه القطوف ما هي إلا شذرات، من عظيم صفات أفضل رسول، وأعظم بشر في الوجود

فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم
فينبغي علينا أن نقوي صلتنا وصلة أبنائنا، برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأن نعمق حبه في قلوبنا، من خلال التأمل في حياته وسيرته، وأخلاقه وشمائله، والسير على هديه، والتمسك بسنته، والإكثار من الصلاة والسلام عليه ...
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم


يتبع


الدكتوره 07-26-2011 12:41 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(6)هدي الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان


لم يكن حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان يومه وشهره مليئا بالطاعات، وذلك لعلمه بما لهذا الشهر من فضل خصه الله به، فهو شهر يُنادَى فيه: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.. وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران..ومن ثم علينا أن نقف مع هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شهر رمضان، حتى نقتدي به ..
فالمسلم ـ بوجه عام ـ عليه أن يتعلم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل عمل، حتى لا يقع في ما يبطله أو يُخِل به.. فصلاح أي عمل متوقف على شرطين،هما: إخلاص النية لله تعالى، وموافقة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم ـ .
ومن هذه الأعمال والعبادات، أعمال شهر رمضان، من الصيام والقيام والقراءة والاعتكاف، وغيرها من الأعمال الصالحات. وقد جاءت أحاديث كثيرة، تبين لنا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر المبارك.. من ذلك :
هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصيام
كان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعجيل الفطر وتأخير السحور، وأمر أمته بذلك..
عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية ) ( البخاري ).
قال ابن حجر في الفتح : " قال المهلب وغيره: " كانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال، كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعَدَل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة، إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة "..
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) ( البخاري ).
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعجل الفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وكان يفطر قبل صلاة المغرب، وكان يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء.
قال ابن عبد البر : " أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة " .
ومن هذه الأحاديث ما رواه مالك بن عامر قال: ( دخلت أنا ومسروق على عائشة ، فقال لها مسروق : رجلان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلاهما لا يألوا عن الخير، أحدهما يعجل المغرب والإفطار، والآخر يؤخر المغرب والإفطار، فقالت: من يعجل المغرب والإفطار؟ قال: عبد الله ، قالت: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يصنع ) ( البخاري وعبد الله هو ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ..
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا أفطر: ( ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى ) ( أبو داود ).. وكان يدعو عند فطره بخيري الدنيا والآخرة ..
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند قوم دعا لهم وقال: ( أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة ) ( أحمد )..
هديه - صلى الله عليه وسلم - في قيام رمضان
قيام الليل من السنن والطاعات التي تتأكد في رمضان، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ( البخاري ).
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف من صلاته كُتِب له قيام ليلة كاملة، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( .. إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة... ) ( أحمد ).
والشاهد من الحديث قوله : ( من قام مع الإمام )، فإنه ظاهر الدلالة على فضيلة صلاة القيام (التراويح) في رمضان مع الإمام .
ويؤيد هذا ما ذكره أبو داود ، قال: سمعت أحمد يقول:" يعجبني أن يُصَلى مع الإمام ويوتر معه، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( .. إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته.. )".
وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي إحدى عشرة ركعة، يطيل القراءة فيها جدا، كما ثبت من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟، قال: يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي ) ( مسلم )..
هديه في العشر الأواخر من رمضان
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر ) ( البخاري ).
قولها: إذا دخل العشر: أي العشر الأواخر من رمضان، وقولها: ( أحيا الليل ) أي: سهره فأحياه بالطاعة، وقولها: ( وأيقظ أهله ) أي: للصلاة بالليل، وقولها: ( وشد مئزره ) أي: اعتزل النساء ليتفرغ للعبادة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
وعنها أيضا قالت: ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ) ( البخاري ).
هديه - صلى الله عليه وسلم - في الاعتكاف
عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ) ( البخاري ).
وكان من أسباب اعتكافه - صلى الله عليه وسلم - طلب ليلة القدر، كما ثبت من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) ( البخاري ).
وكان يرغب في قيام ليلة القدر فيقول: ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ( البخاري ).
هديه - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الفطر
مما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وفرضه في رمضان زكاة الفطر، وأمر بإخراجها قبل صلاة العيد، كما ثبت من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) ( البخاري ).
وقد بين ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الحكمة من مشروعية زكاة الفطر، فقال: ( فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ) ( أبو داود )..
وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في رمضان
قراءة القرآن ومدارسته، والجود والإنفاق في سبيل الله، وذلك لقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) ( البخاري ).
فدل هذا الحديث على زيادة جود النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان عن غيره من الأزمان، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أجود الناس، ولكن أعلى مراتب جوده كانت في رمضان..
وكان جوده - صلى الله عليه وسلم - شاملا لجميع أنوع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى، في إظهار الدين وهداية العباد، وإيصال النفع إليهم بكل طريق وسبيل، من إطعام الجائع، ووعظ الجاهل، وقضاء الحوائج ..
فكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان الازدياد من أنواع العبادات والطاعات عن بقية الشهور، خاصة في القرآن والصدقات..
وكان - صلى الله عليه وسلم - ربما خرج للجهاد في شهر رمضان، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فكان لا يشتغل بالصيام عن واجباته الأخرى.
ومن غزواته - صلى الله عليه وسلم - التي كانت في رمضان: غزوتي بدر وفتح مكة، حتى سمي رمضان شهر الجهاد .
وكان يصوم في سفره تارة ويفطر أخرى، ويُخَّيِّرُ أصحابه بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله .
عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنا في سفر في يوم شديد الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة ) ( مسلم ).
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله ـ عنهما ـ : ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج عام الفتح إلى مكة في شهر رمضان، فصام حتى بلغ كُراع الغميم (موضع بين مكة والمدينة )، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة ) ( مسلم ) .
وكان من عموم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان
رحمته بأمته وشفقته عليهم، ومحبة الخير لهم، وتوجيههم إلى كل ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وحثهم على استغلال الأوقات الفاضلة ـ كليلة القدرـ للوصول إلى عفو الله ومغفرته وجنته..
هذا بعض من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان..
فما أحوجنا إلى الاقتداء بنبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فالنجاة والسعادة في اتباع هديه وسنته في حياتنا كلها، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } (الأحزاب:21)



يتبع



الدكتوره 07-26-2011 12:44 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(7)أطع أبا القاسم

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "كان غلامٌ يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) "رواه البخاري .
وفي رواية للبيهقي : ( الحمد لله الذى أنقذه بى من النار) .
تفاصيل الموقف
كان غلاماً يهودياً من عامّة أهل المدينة، دفعته الحاجة إلى البحث عن مصدر رزقٍ يعين به أهل بيته، فاختار أن يعمل خادماً في بيوت يثرب وأحيائها، يقضي الحوائج، ويعين في الأعمال، راضياً بما يحصل عليه من زهيد الأجر.
وينتهي المطاف بالفتى في بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ليعيش في كَنَفه ويتفيّأ من ظلاله، فأبصر نموذجاً لم يعهده من الأخلاق السامية والخصال الفاضلة، إذ لم يسبق له أن رأى سيّداً لا يضرب خادمه ولا يعنّفه، ولكن يُحسن إليه ويلاطفه، بل ويزيد على ذلك بأن يطعمه مما يطعم، ويُلبسه مما يلبس، فلا عجب أن شغف الفتى بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وأحبّه عن قرب.
وتمرّ الأيّام كالشهد المصفّى على قلب الفتى اليافع، وهو في ذلك حريصٌ على نقل مشاهداته إلى والده، فيسرد له من أخباره عليه الصلاة والسلام وعاطرِ سيرته، ويُسرّ الأب بما يلاقيه ولده من كريم المعاملة وطيب المعشَر ، وتقع في نفسه أبلغ موقع.
حتى أتى ذلك اليوم الذي افتقد فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- خادمه اليهوديّ، ولما سأل عنه جاءه الخبر بأن الفتى طريح الفراش يُصارع سكرات الموت، فيُهرع عليه الصلاة والسلام لزيارته، وهو يخشى أن يكون قدومه قد جاء بعد فوات الأوان.
دخل النبي –صلى الله عليه وسلم- على الفتى، وجلس عند رأسه، متأمّلاً في ملامحه المرهقة وجسده المتعب الذي أنهكه المرض، فقال له : (أسلم) ، يريده أن ينطق بكلمة التوحيد، وأن يدخل في حياض الدين، حتى يُكتب من الفائزين.
والفتى منذ أن رأى أخلاق النبوّة قد شرح الله صدره للإسلام، لكنّه كان يخشى في الوقت ذاته من رفض والده أن يُذعن للحق، فجعل يلتفت إليه تارة، وإلى النبي –صلى الله عليه وسلم- تارة أخرى.
وظلّ الفتى يرقب شفتي والده، وهو لا يدري ماذا سيكون جوابه، وينطق الأب أخيرا : " أطع أبا القاسم"، فيُسرع الفتى بالنطق بالشهادتين، ومع آخر ألفاظها خرجت روحه الطاهرة إلى بارئها.
لقد تمّ المقصود، وحصل المأمول، وخلع الفتى رداء اليهوديّة الباطلة، وأبدله بأثواب الحقّ والهدى، ويخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- والبِشر ظاهرٌ على قسمات وجهه، ولسانه لم يفتر عن حمد الله عزّ وجل على هذه النعمة : (الحمد لله الذي أنقذه من النار) .
إضاءات حول الموقف
دلالات الموقف الذي بين يدينا عظيمةٌ، تنطق بالرّحمة والشفقة، والتواضع ولين الجانب، والإحسان إلى الآخرين، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- لو لم يعامل الفتى اليهودي بهذا القدر من الرّقة والعذوبة –كما هو شأنه مع جميع الناس- ما استمال قلبه إلى الإسلام، وفي ذلك درسٌ بليغ للمسلمين كافّة في أهمّية المعاملة والقدوة الحسنة وأثرها في قلوب المدعوّين.
ويستوقفنا معنى آخر، وهو الرغبة الكاملة والحرص الأكيد على هداية ذلك الفتى ودعوته إلى الإسلام، بالرغم من كونه على شفير الحياة الآخرة، إنها الرحمة تتجلّى في أسمى معانيها وأروع صورها.
ووقفة ثالثة مع قول والد الفتى : " أطع أبا القاسم"، إذ يدلّ على أن اليهود ما كان يخفى عليهم أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا نبوّته، ولكنّهم جحدوا الحقّ واستكبروا عنه، قال الله تعالى :{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} (البقرة:146)، وقال تعالى :{ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} (البقرة:89).
ويبقى في الموقف جملة أخرى من المعاني والفوائد، منها: جواز استخدام المشرك كخادم أو عامل أو نحوهما، واستحباب عيادته إذا مرض مع استصحاب نيّة دعوته وترغيبه بالإسلام، وبيان أن المريض يكون في أرجى حالاته لتقبّل الحق والانقياد له، وهو الأمر الذي ينبغي للدعاة أن يحسنوا استغلاله، ويدلّ كذلك على أن إضافة النجاح والفلاح للأسباب لا يُنافي عقيدة التوحيد؛ لأن الأمور كلّها من ترتيب الله تعالى، يدلّ عليه ما جاء في الراوية الأخرى: ( الحمد لله الذى أنقذه بى من النار) .


يتبع


الدكتوره 07-26-2011 12:46 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(8)أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم


نشأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظاته متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس، وأفصحهم لساناً، وأقواهم بياناً، وأكثرهم حياءً، يُضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف، أدبه الله فأحسن تأديبه، فكان أرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكملهم قوة وشجاعة، وأصدقهم حديثاً، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلة، ويكفيه شهادة ربه عز وجل له بقوله:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4).
وبالجملة فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - صلى الله عليه وسلم - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق، ومن ثم كانت مكارم الأخلاق، سمة بارزة في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعله وسيرته .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر ، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق )( البخاري ).
ولما سأل النجاشي ـ ملك الحبشة ـ جعفر بن أبي طالب : ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من الملل؟، قال جعفر : أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات .. .
وكانت أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أهم وسائل دعوته للناس، وخاصة قريش الذين عايشوه صبيا وشابا قبل بعثته، وكانوا يسمونه "محمد الأمين"، ومن ثم أعلنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واضحة إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ( أحمد ).
وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ خدمت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعتُه لم صنعتَه، ولا لشيء تركته لِم تركته، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خُلقا ) ( البخاري ).
ويقول عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) (متفق عليه).
وكيف لا يشهد له العدو والصديق بمكارم الأخلاق، وقد هذبه القرآن وربَّاه، ولما سأل سعد بن هشام ، أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، قالت له: ( ألست تقرأ القرآن؟، قال: بلى، قالت:فإن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان القرآن ) ( مسلم ).
وكان حسن أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشمل ويعم جميع من حوله، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعامل زوجته بالإكرام، والود والحب، والتلطف والمداعبة،ويقول خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) ( الترمذي )، وكان يعين أهله ويساعدهم، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخيط ثوبه، ويخصف نعله ) ( أحمد ). فكان عطوفا ودودا طوال حياته مع أهله، حتى مع مرضعته حليمة السعدية ـ رضي الله عنهاـ، كان يفرش لها رداءه، ويعطيها من الإبل ما يغنيها في السنة الجدباء.
وكذلك كان مع أصحابه يؤلفهم ولا ينفرهم، ويتفقدهم ويعودهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، حتى يظن جليسه أنه ليس أحدٌ أكرم منه، وكان لا يواجه أحداً منهم بما يكره.
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع كثرة أعبائه ومسئولياته، يداعب طفلا ويسأله عن عصفور لديه، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، كان يقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير(طائر صغير يشبه العصفور) ) ( البخاري ).
بل شمل عطفه ووده وحسن خلقه الحيوان، فكان يقرب للهرة(القطة) الإناء لتشرب .
ومن حياته وسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ نرى حسن أخلاقه حتى مع أعدائه، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن يهود أتوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقالوا السام (الموت) عليكم، فقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :مهلا يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟، قال: أولم تسمعي ما قلتُ؟، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في ) ( البخاري ).
بل انظر إلى شفقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع من آذاه.. فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال كأني أنظر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحكي نبيا من الأنبياء (يعني نفسه)، ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ( البخاري ).. وحينما تعرض له أهل الطائف بالضرب والإيذاء، جاءه ملَك الجبال ليطبق عليهم الجبلين، فرفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )( البخاري ) .
قال القاضي عياض رحمه الله: وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ..
نسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يوفقنا جميعا للتخلق بأخلاق هذا النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأن يمن علينا بالتوفيق لاقتفاء آثاره، والسير على نهجه، وأن يميتنا على سنته، ويحشرنا في زمرته، ويجعلنا من الفائزين بشفاعته



يتبع



نور 07-26-2011 12:50 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
اللهم صلى وسلم وبارك عليه
افضل خلق الله
سلمت دكتورة
اطروحاتك روحانية جميلة
سلمت يمناك
اعلى تقيييييييييم لرووعته
بارك الله فيك
اثابك كل الخير

الدكتوره 07-26-2011 12:52 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(9)هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أكله وشربه


http://www.islamweb.net/articlespict...145/142337.jpg

الطعام والشراب حاجتان أساسيّتان لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الأحوال والأوضاع ، فهما سرّ الحياة ، ومن أعظم النعم التي امتنّ الله بها على عباده ، ووجّه الأنظار إليها في كثير من الآيات القرآنية ، للعظة والعبرة ، والشكر والامتنان ، قال تعالى: { فلينظر الإِنسان إلى طعامه * أنَّا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فِيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وَأبا * متاعا لكم ولأنعامكم } (عبس:24-23) .
وقد جاء الهدي النبوي فوضع لهذا المظهر الإنساني جملةً من الآداب التي ترفع من قيمة المسلم ، وتحقّق له التميّز على بقيّة الشعوب والأمم.
وأول من يُذكر في هذا الباب ، القاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من بطن ، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) أخرجه أحمد و الترمذي ، فالمهم إذاً أن يجد الإنسان ما يحفظ له حياته ، لا أن يكون تناول الطعام وتنويعه هدفاً بحدّ ذاته .
وقد حرص النبي – صلى الله عليه وسلم على تطبيق ذلك ، فلم يكن يكثر من تناول الطعام ويتتبّع أنواعه ، بل كانت تمرّ عليه الأيام الطويلة دون أن يُطبخ في بيوت نسائه شيء ، ويكتفي بالخبز الذي كان أكثر أكله .
وكان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل اليدين قبل الطعام وبعده، فقد قال: – صلى الله عليه وسلم- ( من نام وفي يده ريح غمر وأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ) رواه أبو داود ، ومعنى( الغمر ) : دسم ووسخ ، وغيرهما من الشحوم .
أما عن صفة جلوسه – صلى الله عليه وسلم – على مائدة الطعام فقدكان يجثو على ركبتيه عند الأكل ، أو يَنصِبُ رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فعن أنس رضي الله عنه قال: " رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأكل على الأرض ولا يتّخذ مائدة ، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه فقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ، رواه الطبراني .
وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل متكئاً ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم - : ( لا آكل متكئاً ) رواه البخاري ومعنى ( المتكئ ): هو المعتمد على الوِسادة تحته .
وكان لا يأكل – صلى الله عليه وسلم – منبطحاً، ومعنى ( منبطحاً ): أي مستلقياً على بطنه ووجهه ، فقد جاء النهي عن ذلك ،كما روى ذلك ابن ماجة .
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في هذا الشأن أنه يسمي الله تعالى في أول طعامه ويحمده في آخره ، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره ) رواه أبو داود ، وعند الفراغ من الطعام يقول : : ( الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه ، غير مَكْفِي – أي لا يستغني عنه الخلق - ، ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا ) رواه البخاري ، ويقول : ( الحمد لله الذي كفانا وأروانا ، غير مكفيّ ولا مكفور ) رواه البخاري ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ) رواه ابن ماجة ، ويقول : ( اللهم أطعمت وأسقيت ، وأغنيت وأقنيت ، وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت ) رواه النسائي ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعم وسقى ، وسَوّغه وجعل له مخرجاً ) رواه أبو داود ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ) رواه الترمذي ، وأحيانا يقول : ( الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، منّ علينا فهدانا ، وأطعمنا وسقانا ، وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله الذي أطعم من الطعام ، وسقى من الشراب ، وكسا من العري ، وهدى من الضلالة ، وبصر من العمى ، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين ) رواه ابن حبان في صحيحه .
ثم إن من هديه – صلى الله عليه وسلم – الأكل باليمين ومما يليه، فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ) رواه مسلم ، وثبت عن عمر بن أبي سلمة قال : أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سَمََّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك ) متفق عليه.
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في تناوله طعامه ، أنه يأكل بأصابعه الثلاثة، وكان يلعقها إذا فرغ من طعامه ، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم-يأكل بثلاث أصابع ، فإن فرغ لعقها ) رواه مسلم ، يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد: " وهو أشرف ما يكون من الأكلة ، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة ، والجشع الحريص يأكل بالخمس ، ويدفع بالراحة " .
وإذا تتبّعنا ما كان يأكله النبي – صلى الله عليه وسلم – لمسنا عدم تكلّفه ، فقد ورد عنه أكل الحلوى والعسل ، وأكل الرطب والتمر ، وشرب اللبن خالصا ومشوباً –أي مخلوطاً بغيره - ، والسويق – وهو طعام يُصنع من الحنطة والشعير - ، وأكل الأقط – اللبن المجفف - ، وأكل التمر بالخبز ، وأكل الخبز بالخل أو الزيت ، وأكل الثريد - وهو الخبز باللحم - ، وأكل الخبز بالشحم المذاب ، وغير ذلك مما ورد في السنّة .
لكنه عليه الصلاة والسلام كان يفضّل أنواعاً من الأطعمة ، فقد كان يحب البقل والقثّاء – وهو الخيار - ، والدّباء (وهو القرع) ، وروى عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يتتبّع الدباء من حوالي القصعة ، متفق عليه .
وكان عليه الصلاة والسلام يحبّ الثريد بشكلٍ خاص ، حتى جعل فضل عائشة رضي الله عنها على سائر نسائه كفضل الثريد على سائر الطعام ، متفق عليه ، وكان – صلى الله عليه وسلم يحبّ من اللحم الظهر والكتف ، وكان يقول : (أطيب اللحم لحم الظهر ) صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة ، فرُفع إليه الذراع وكانت تعجبه ، متفق عليه .
وكثيراً ما كان الصحابة يدعون النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فيقبل دعوتهم ، ويأكل من ولائمهم ، كما حصل في غزوة الخندق وغيرها ، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لصاحب الطعام فيقول: ( أفطر عندك الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلّت عليكم الملائكة ) رواه أبو داود .
لكنّه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقبل الطعام الذي جاء على سبيل الصدقة بخلاف ماجاء عن طريق الهديّة ، فإنّ الصدقة تحمل في معانيها الرحمة والمسكنة ، فلذلك كانت الصدقة محرّمة عليه وعلى ذرّيته صيانةً لهم وإعلاءً لشأنهم كما صحّ بذلك الحديث ، والحال أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يسأل عن الطعام الذي يأتيه ، فإن كان هدية قبله ، وإن كان صدقة قال لأصاحبه : (كلوا) رواه البخاري .
ومن كمال هديه – صلى الله عليه وسلم – في الطعام أنه كان لايرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرَّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " ما عاب النبي- صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه " رواه البخاري و مسلم .
ومن الأطعمة التي ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكرهها ويعافها ، لحم الضبّ ، ويبيّن سبب ذلك بقوله : ( ...ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه ) متفق عليه .
وصحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كراهيّته لأكل الثوم ، وذلك لأجل ريحه ، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل طعاماً بعث بفضله إلى أبي أيوب ، فأتى يوماً بقصعة فيها ثوم فبعث بها ، فقال أبو أيوب : يا رسول الله ، أحرام هو ؟ ، فقال له : ( لا ، ولكني أكره ريحه ) رواه أحمد .
ويظهر من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يكن يأنف من تناول الطعام مع أيّ شخص ، مهما كان عمره أو وضعه الاجتماعي ، تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام .
أما عن هديه – صلى الله عليه وسلم – في شرابه فقد كان يشرب باليمين ،كما ورد ذلك في الأكل ، وكان يشرب الماء على ثلاث دفعات ، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس إذا شرب ثلاثاً رواه البخاري و مسلم ، وفي رواية أخرى: كان رسول الله يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول : ( إنه أروى وأبرأ وأمرأ ) ، فهديه – صلى الله عليه وسلم - في شرب الماء أنه يقسم شرابه إلى ثلاثة أجزاء يتنفس بينها، مبعداً الإناء عن فيه وعن نفسه وقاية له من التلوث ، وكان ينهى عن التنفس في الإناء ، كما ثبت ذلك عنه بقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) رواه البخاري .
ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، أنه كان قليلاً ما يشرب قائماً ، حتى قال - صلى الله عليه وسلم- : ( لا يشربن أحدكم قائماً ) رواه مسلم ، وورد عنه أنه شرب قائماً ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فشرب وهو قائم" رواه البخاري و مسلم ، وذكر العلماء في الجمع بين أحاديث النهي والإباحه أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وشربه – صلى الله عليه وسلم - قائماً بيان للجواز.
ومن الآداب التي سنّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - والمتعلّقة بالشرب عند اجتماع الناس - أن يكون ساقي القوم هو آخر من يشرب ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( إن ساقي القوم آخرهم شربا ) رواه مسلم ، وأن يكون تقديم الشراب باعتبار الجهة لا السنّ والمكانة ، يوضّح ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن شاةً حُلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – ، وكان على يساره عليه الصلاة والسلام أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي ، فأمر أنس أن يعطي الأعرابي ، وقال له : ( الأيمن فالأيمن ) متفق عليه .
وأكثر ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحبّ شربه : اللبن ، حتى كان يقول في حقّه : ( ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ) رواه الترمذي ، وكان يخصّص له من الشكر ما ليس لغيره من الأطعمة ، وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( من أطعمه الله الطعام فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) رواه الترمذي .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعجبه شرب الماء العذب البارد ، ويطلب أن يُحضر له من الآبار ، كما ثبت في السنن .
وهكذا تبقى السنة النبوية هي الأكمل أدباً ، والأعظم أجراً ، والأحفظ لمكارم الأخلاق ، إضافةً إلى ما يترتّب عليها من المحافظة على صحّة البدن ونضارته ، فصلوات الله وسلامه على معلّم البشريّة .


يتبع








الدكتوره 07-26-2011 12:56 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(9)هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أكله وشربه


http://www.islamweb.net/articlespict...145/142337.jpg

الطعام والشراب حاجتان أساسيّتان لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الأحوال والأوضاع ، فهما سرّ الحياة ، ومن أعظم النعم التي امتنّ الله بها على عباده ، ووجّه الأنظار إليها في كثير من الآيات القرآنية ، للعظة والعبرة ، والشكر والامتنان ، قال تعالى: { فلينظر الإِنسان إلى طعامه * أنَّا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فِيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وَأبا * متاعا لكم ولأنعامكم } (عبس:24-23) .
وقد جاء الهدي النبوي فوضع لهذا المظهر الإنساني جملةً من الآداب التي ترفع من قيمة المسلم ، وتحقّق له التميّز على بقيّة الشعوب والأمم.
وأول من يُذكر في هذا الباب ، القاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من بطن ، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) أخرجه أحمد و الترمذي ، فالمهم إذاً أن يجد الإنسان ما يحفظ له حياته ، لا أن يكون تناول الطعام وتنويعه هدفاً بحدّ ذاته .
وقد حرص النبي – صلى الله عليه وسلم على تطبيق ذلك ، فلم يكن يكثر من تناول الطعام ويتتبّع أنواعه ، بل كانت تمرّ عليه الأيام الطويلة دون أن يُطبخ في بيوت نسائه شيء ، ويكتفي بالخبز الذي كان أكثر أكله .
وكان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل اليدين قبل الطعام وبعده، فقد قال: – صلى الله عليه وسلم- ( من نام وفي يده ريح غمر وأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ) رواه أبو داود ، ومعنى( الغمر ) : دسم ووسخ ، وغيرهما من الشحوم .
أما عن صفة جلوسه – صلى الله عليه وسلم – على مائدة الطعام فقدكان يجثو على ركبتيه عند الأكل ، أو يَنصِبُ رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فعن أنس رضي الله عنه قال: " رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأكل على الأرض ولا يتّخذ مائدة ، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه فقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ، رواه الطبراني .
وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل متكئاً ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم - : ( لا آكل متكئاً ) رواه البخاري ومعنى ( المتكئ ): هو المعتمد على الوِسادة تحته .
وكان لا يأكل – صلى الله عليه وسلم – منبطحاً، ومعنى ( منبطحاً ): أي مستلقياً على بطنه ووجهه ، فقد جاء النهي عن ذلك ،كما روى ذلك ابن ماجة .
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في هذا الشأن أنه يسمي الله تعالى في أول طعامه ويحمده في آخره ، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره ) رواه أبو داود ، وعند الفراغ من الطعام يقول : : ( الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه ، غير مَكْفِي – أي لا يستغني عنه الخلق - ، ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا ) رواه البخاري ، ويقول : ( الحمد لله الذي كفانا وأروانا ، غير مكفيّ ولا مكفور ) رواه البخاري ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ) رواه ابن ماجة ، ويقول : ( اللهم أطعمت وأسقيت ، وأغنيت وأقنيت ، وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت ) رواه النسائي ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعم وسقى ، وسَوّغه وجعل له مخرجاً ) رواه أبو داود ، ويقول : ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ) رواه الترمذي ، وأحيانا يقول : ( الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، منّ علينا فهدانا ، وأطعمنا وسقانا ، وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله الذي أطعم من الطعام ، وسقى من الشراب ، وكسا من العري ، وهدى من الضلالة ، وبصر من العمى ، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين ) رواه ابن حبان في صحيحه .
ثم إن من هديه – صلى الله عليه وسلم – الأكل باليمين ومما يليه، فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ) رواه مسلم ، وثبت عن عمر بن أبي سلمة قال : أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سَمََّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك ) متفق عليه.
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في تناوله طعامه ، أنه يأكل بأصابعه الثلاثة، وكان يلعقها إذا فرغ من طعامه ، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم-يأكل بثلاث أصابع ، فإن فرغ لعقها ) رواه مسلم ، يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد: " وهو أشرف ما يكون من الأكلة ، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة ، والجشع الحريص يأكل بالخمس ، ويدفع بالراحة " .
وإذا تتبّعنا ما كان يأكله النبي – صلى الله عليه وسلم – لمسنا عدم تكلّفه ، فقد ورد عنه أكل الحلوى والعسل ، وأكل الرطب والتمر ، وشرب اللبن خالصا ومشوباً –أي مخلوطاً بغيره - ، والسويق – وهو طعام يُصنع من الحنطة والشعير - ، وأكل الأقط – اللبن المجفف - ، وأكل التمر بالخبز ، وأكل الخبز بالخل أو الزيت ، وأكل الثريد - وهو الخبز باللحم - ، وأكل الخبز بالشحم المذاب ، وغير ذلك مما ورد في السنّة .
لكنه عليه الصلاة والسلام كان يفضّل أنواعاً من الأطعمة ، فقد كان يحب البقل والقثّاء – وهو الخيار - ، والدّباء (وهو القرع) ، وروى عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يتتبّع الدباء من حوالي القصعة ، متفق عليه .
وكان عليه الصلاة والسلام يحبّ الثريد بشكلٍ خاص ، حتى جعل فضل عائشة رضي الله عنها على سائر نسائه كفضل الثريد على سائر الطعام ، متفق عليه ، وكان – صلى الله عليه وسلم يحبّ من اللحم الظهر والكتف ، وكان يقول : (أطيب اللحم لحم الظهر ) صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة ، فرُفع إليه الذراع وكانت تعجبه ، متفق عليه .
وكثيراً ما كان الصحابة يدعون النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فيقبل دعوتهم ، ويأكل من ولائمهم ، كما حصل في غزوة الخندق وغيرها ، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لصاحب الطعام فيقول: ( أفطر عندك الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلّت عليكم الملائكة ) رواه أبو داود .
لكنّه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقبل الطعام الذي جاء على سبيل الصدقة بخلاف ماجاء عن طريق الهديّة ، فإنّ الصدقة تحمل في معانيها الرحمة والمسكنة ، فلذلك كانت الصدقة محرّمة عليه وعلى ذرّيته صيانةً لهم وإعلاءً لشأنهم كما صحّ بذلك الحديث ، والحال أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يسأل عن الطعام الذي يأتيه ، فإن كان هدية قبله ، وإن كان صدقة قال لأصاحبه : (كلوا) رواه البخاري .
ومن كمال هديه – صلى الله عليه وسلم – في الطعام أنه كان لايرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرَّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " ما عاب النبي- صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه " رواه البخاري و مسلم .
ومن الأطعمة التي ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكرهها ويعافها ، لحم الضبّ ، ويبيّن سبب ذلك بقوله : ( ...ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه ) متفق عليه .
وصحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كراهيّته لأكل الثوم ، وذلك لأجل ريحه ، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل طعاماً بعث بفضله إلى أبي أيوب ، فأتى يوماً بقصعة فيها ثوم فبعث بها ، فقال أبو أيوب : يا رسول الله ، أحرام هو ؟ ، فقال له : ( لا ، ولكني أكره ريحه ) رواه أحمد .
ويظهر من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يكن يأنف من تناول الطعام مع أيّ شخص ، مهما كان عمره أو وضعه الاجتماعي ، تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام .
أما عن هديه – صلى الله عليه وسلم – في شرابه فقد كان يشرب باليمين ،كما ورد ذلك في الأكل ، وكان يشرب الماء على ثلاث دفعات ، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس إذا شرب ثلاثاً رواه البخاري و مسلم ، وفي رواية أخرى: كان رسول الله يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول : ( إنه أروى وأبرأ وأمرأ ) ، فهديه – صلى الله عليه وسلم - في شرب الماء أنه يقسم شرابه إلى ثلاثة أجزاء يتنفس بينها، مبعداً الإناء عن فيه وعن نفسه وقاية له من التلوث ، وكان ينهى عن التنفس في الإناء ، كما ثبت ذلك عنه بقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) رواه البخاري .
ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، أنه كان قليلاً ما يشرب قائماً ، حتى قال - صلى الله عليه وسلم- : ( لا يشربن أحدكم قائماً ) رواه مسلم ، وورد عنه أنه شرب قائماً ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فشرب وهو قائم" رواه البخاري و مسلم ، وذكر العلماء في الجمع بين أحاديث النهي والإباحه أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وشربه – صلى الله عليه وسلم - قائماً بيان للجواز.
ومن الآداب التي سنّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - والمتعلّقة بالشرب عند اجتماع الناس - أن يكون ساقي القوم هو آخر من يشرب ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( إن ساقي القوم آخرهم شربا ) رواه مسلم ، وأن يكون تقديم الشراب باعتبار الجهة لا السنّ والمكانة ، يوضّح ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن شاةً حُلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – ، وكان على يساره عليه الصلاة والسلام أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي ، فأمر أنس أن يعطي الأعرابي ، وقال له : ( الأيمن فالأيمن ) متفق عليه .
وأكثر ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحبّ شربه : اللبن ، حتى كان يقول في حقّه : ( ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ) رواه الترمذي ، وكان يخصّص له من الشكر ما ليس لغيره من الأطعمة ، وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( من أطعمه الله الطعام فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) رواه الترمذي .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعجبه شرب الماء العذب البارد ، ويطلب أن يُحضر له من الآبار ، كما ثبت في السنن .
وهكذا تبقى السنة النبوية هي الأكمل أدباً ، والأعظم أجراً ، والأحفظ لمكارم الأخلاق ، إضافةً إلى ما يترتّب عليها من المحافظة على صحّة البدن ونضارته ، فصلوات الله وسلامه على معلّم البشريّة .


يتبع





الدكتوره 07-26-2011 01:05 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
اختى نوووووووووووور
وجوووودك شرفنى كتيررررر
اتمنى انى اكون عند حسن الظن دايمااااااا

تحياتى

الدكتوره 07-26-2011 01:08 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(10)هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وترحاله

http://www.islamweb.net/articlespict...145/141672.jpg

يجد الناس في الأسفار والرحلة إلى الأمصار فرصة للاستجمام والراحة من متاعب الحياة ومشاغلها ، وسبيلاً إلى الوقوف على عجائب البلدان ، وبدائع الأوطان ، ومصارع الأمم الغابرة ، مما يزيد العبد يقيناً بعظمة خالقه وبديع صنعه ، كما قال ربنا في محكم كتابه : { وفي الأرض آيات للموقنين } ( الذاريات:20) ، وقال أيضاً : { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } ( الأنعام : 11 ) .
وإذا كان الترحال من جملة الحاجات البشرية التي لا غنى عنها ، فقد وضعت الشريعة له من الضوابط والآداب التي تجعله لا يخرج عن إطار التعبّد لله جلّ وعلا.
فعند العزم على المسير ، جاءت السنّة النبوية بالإرشاد إلى صلاة الاستخارة ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلّم أصحابه الاستخارة في الأسفار بل في شؤون الحياة كلّها ، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن " رواه البخاري .
والاستخارة سنّة نبوية يعلم منها المسافر إن كان الخير في بقائه أو رحيله ، وفيها تربيةٌ للمسلم أن يربط أمورها كلّها بخالقه ومدبّر أموره ، فلا يُقدم على شيء ولا يتأخّر عنه إلا بعد أن يستخير الله ويفعل ما ينشرح له صدره ، ثم إن في الاستخارة إبطالٌ لما كان يفعله أهل الجاهليّة من زجر الطير أو سؤال الكهّان والعرّافين ، أو غير ذلك من أنواع الدجل والخرافة .
ومن وصايا النبي – صلى الله عليه وسلم – للمسافر تعهّد المركبة وإعداد العدّة ، اختيار الرفقة الصالحة ، والسفر مع الجماعة ، والنهي عن الوحدة ، حمايةً من الأخطار المحتملة ، ووقاية من كيد الشيطان ووسواسه ، فقد جاء في الحديث الصحيح : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليلٍ وحده ) رواه البخاري ، وهذا هو المقصود من قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر : ( الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب ) رواه أبو داود والترمذي ، يقول الإمام الخطابي : " معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان ، وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه ، وكذلك الاثنان ، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب : أي جماعة وصحب ".
ومن سنن النبوة الإمارة في السفر باختيار من يتولّى شؤون الرحلة ويحدّد مسيرتها ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر أصحابه إذا ارتحلوا أن يجعلوا عليهم أميراً، حتى يكون رأيهم واحداً، ولا يقع بينهم الاختلاف، وكل ذلك حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على لزوم الجماعة وتجنب أسباب الفرقة.
وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضاً السفر يوم الخميس في أول النهار، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : " لقلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس " رواه البخاري ، ويكون خروجه أوّل النهار ووقت البكور لفضله وبركته ، كما قال – صلى الله عليه وسلم - : ( بورك لأمتي في بكورها ) رواه الطبراني .
كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – جملة من الأذكار والأدعية التي يقولها المسافر ، وتكون بإذن الله سبباً في حفظه وتوفيقه ، منها أن يقول إذا ركب على دابته، واستقر عليها : ( الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون، ثم يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه أبو داود ثم يقول: ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطْوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وَعْثَاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل ) رواه مسلم ، وفي رواية الإمام أحمد : ( اللهم اقبض لنا الأرض ، وهوّن علينا السفر ) ، وله أن ينوّع في الدعاء فيقول : ( اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا ، اللهم أني أعوذ بك من الحور بعد الكور ، ودعوة المظلوم ، ومن سوء المنظر في الأهل والمال ) رواه الترمذي ، والمقصود بالحور بعد الكور : فساد الأمور بعد صلاحها .
ومما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - من الأذكار أثناء المسير التكبير عند الصعود والتسبيح عند الهبوط ، ففي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: ( كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا ) رواه البخاري ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا قفل – أي : رجع - من غزو أو حج أو عمرة ، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات" رواه البخاري ، وكان عليه الصلاة والسلام يوصي بذلك ، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : " يا رسول الله ، إني أريد أن أسافر فأوصني " ، فقال له : ( عليك بتقوى الله ، والتكبير على كل شرف ) .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل قرية أو شارف على دخولها، قال:- ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها ) رواه النسائي .
ومن سنن النبي – صلى الله عليه وسلم – الاستعاذة عند النزول في أرضٍ من شرّ ما فيها من المخلوقات الضارّة ، فكان يقول : ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) رواه مسلم .
وفي وقت السحر كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول : ( سمع سامع بحمد الله ، وحسن بلائه علينا ، ربنا صاحبنا وأفضل علينا ، عائذا بالله من النار ) رواه مسلم ، ومعنى الدعاء : شهد الناس على حمدنا لله تعالى على نعمه وأفضاله وحسن بلائه ، اللهم صاحبنا في السفر ، وأجزل علينا نعمك ، واحفظنا من كل سوء ، وأعذنا من النار .
فإذا عاد المسافر إلى وطنه ، ورجع إلى أهله، دعا بنحو ما دعا به عند خروجه ، ويزيد عليه قوله : ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) رواه البخاري .
ومن الهدي النبوي الدعاء للمسافرين عند وداعهم ، والوصية بتقوى الله عزوجل ، كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يدعو للمسافر بقوله : ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ) رواه الترمذي ، ودعا عليه الصلاة والسلام لأحدهم فقال : ( اللهم اطو له الأرض ، وهوّن عليه السفر ) رواه الترمذي ، وجاء إليه رجل فقال : يا رسول الله ، إني أريد سفرا فزودني ، فقال له : ( زوّدك الله التقوى ، وغفر ذنبك ، ويسر لك الخير حيثما كنت ) رواه الترمذي .
وإذا كان السفر قطعة من العذاب -كما صحّّ بذلك الحديث – فقد جاءت الشريعة بالتخفيف في الأحكام والترخيص في العبادات ، من ذلك قصر الصلاة الرباعية ركعتين والجمع بين الصلاتين ، والفطر إذا شق الصوم، والمسح على الخفين مدة ثلاث أيام بلياليهن ، ولم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلّى في أسفاره السنن الرواتب، إلا سنة الفجر والوتر، فإنه لم يكن يدعهما في حضر ولا سفر.
ومن جملة التخفيفات التي حفلت بها السنّة : إباحة الصلاة على الراحلة للمسافر في النفل دون الفريضة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به ، يومئ إيماء ، صلاة الليل إلا الفرائض ، ويوتر على راحلته " رواه البخاري .
وبيّن – صلى الله عليه وسلم – أن المسافر يُكتب له أجر ما كان يعمله من عملٍ صالح في حال إقامته ، ، فضلاً من الله ونعمة ، فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا ) رواه البخاري .
كما حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تطبيق مبدأ التكافل في أسفاره ، فكان الناس يتعاقبون في غزواته على ركوب الرواحل عند قلّتها ، كما حصل في غزوة تبوك وغيرها ، وحثّ الموسرين على الإيثار بما فضل من زادهم ومركوبهم ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلة له ، فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له ) ، فذكر من أصناف المال ما ذكر ، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل " رواه مسلم .
وأرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى إعطاء الراحلة نصيبها من الراحة والغذاء خصوصاً في مواسم الخصب ، حتى تتمكّن من متابعة السير ، كما نهى عن النزول في وسط الطريق فقال : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في السنة -أيام القحط - فأسرعوا عليها السير ، وإذا عرستم بالليل – أي نزلتم في الليل منزلاً - فاجتنبوا الطريق ؛ فإنها مأوى الهوام بالليل ) رواه مسلم .
وجاء النهي أيضاً عن المرور على المواضع التي نزل فيها العذاب إلا أن يكون ذلك على سبيل الاتعاظ والاعتبار ، فعندما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجر ثمود قال لأصحابه : ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ؛ أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين ) ثم قنّع رأسه – أي غطّاه - وأسرع السير حتى أجاز الوادي ، متفق عليه .
وإذا نظرنها إلى أسفار النبي – صلى الله عليه وسلم – وجدنا أنها تتعلق بأحد أربعة أسباب : السفر للهجرة، والسفر للجهاد، والسفر للعمرة والسفر للحج ، وأحياناً كان يسافر مصطحباً إحدى زوجاته ، وكان عليه الصلاة والسلام يختار من ترافقه بالقرعة كما تقول عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه " متفق عليه .
وقد ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – مساحةً للترويح عن النفس باللهو البريء والحداء الجميل ليستعين الناس بذلك على عناء السفر ، فجاء عنه مسابقته لعائشة رضي الله عنه في إحدى أسفاره ، وسمح لغلام له يقال عنه أنجشة بالحداء وذكر الأشعار .
وعند عودة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى دياره كان يبتديء بزيارة المسجد والصلاة فيه ، ثم يتلقّاه الناس بالغلمان حتى يحضنهم ويقبّلهم ، ويذكر عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أحد تلك المواقف فيقول : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر تُلُقِّيَ بصبيان أهل بيته ، وإنه قدم من سفر فسُبِق بي إليه ، فحملني بين يديه ، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه ، فأدخلنا المدينة ثلاثةً على دابة " رواه مسلم .
وقد نهى – صلى الله عليه وسلم- عن أمورٍ في السفر، مثل اصطحاب الكلب والجرس ، وفي هذا جاء قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ) رواه مسلم .
ومما نهى عنه عليه الصلاة والسلام سفر المرأة بدون محرم، لما يترتب عليه من حصول الفتنة والأذية لها، فقد قال – صلى الله عليه وسلم: ( لا تسافر امرأة إلا ومعها محرم ) رواه البخاري .
كذلك نهى – صلى الله عليه وسلم – أن يأتي المسافر أهله ليلاً، ففي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ( إذا طال أحدكم الغيبة ، فلا يطرق أهله ليلاً ) رواه البخاري ، وعنه أيضاً أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يطلب عثراتهم ) رواه البخاري ، وبالمقابل فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – المسافر أن يتعجّل في العودة إلى أهله بعد قضاء حاجته من السفر فقال : (.. فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله ) متفق عليه.
فصلوات الله على من كان الخير في حله وترحاله ، وإقامته وسفره ، فكان للحق نبراساً ، وللفضائل تاجاً .


يتبع





الدكتوره 07-26-2011 01:24 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(11)الهدي النبوي في الاستشارة


http://www.islamweb.net/articlespict...145/141501.jpg

الإسلام في شريعته المنزّلة ومنهجه المرسوم عقدٌ تنتظم فيه صور الكمال في المقاصد ، والسمو في المباديء ، والإحكام في القواعد ، وما مبدأ الشورى إلا صورة من صور هذا الكمال ، فمن خلاله تُبسط الآراء وتناقش القضايا ، بين النُخبة من أفراد الأمة ، لتقرير ما يرتّب شؤون الحياة ويحفظ توازن المجتمع .
والشورى هي نظامٌ اجتماعي ، وأصلٌ من أصول الحكم ، يسعى لتلبية حاجات الناس المتجدّدة وحلّ مشكلاتهم المختلفة ، بإشراك أرباب العقول وذوي الأفهام في الفكر والرأي .
وتظهر مكانة الشورى في الإسلام من خلال اقترانها بأوصاف المؤمنين الصادقين في قوله تعالى : { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم } ( الشورى : 38 ) ، يقول الإمام الجصاص : " هذا يدل على جلالة موقع المشورة لذكرها مع الإيمان وإقامة الصلاة " ، علاوةً على كونها السبيل لاستقرار الأسرة المسلمة وائتلافها ، قال تعالى : { فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } ( البقرة : 233) .
ثم إن الله سبحانه وتعالى أمر نبيّه بمشاورة أصحابه بالرغم من استغنائه عن آرائهم ، فقد تكفّل الله بإرشاده وتوجيهه ، ولكنّه إرشادٌ للأمة بضرورة العمل بهذا المبدأ ، قال تعالى : { وشاورهم في الأمر } ( آل عمران : 159 ) .
فكان – صلى الله عليه وسلم – أكثر الناس مشورة في أحواله كلّها ، في السلم والحرم ، وأمور الخاصّة والعامة ، حتى شهد أصحابه بذلك .
ففي أمور الحرب ، تبرز مواقف النبي – صلى الله عليه وسلم – التي شاور أصحابه فيها ، ابتداء بغزوة بدر ، حيث شاورهم فيها حول الخروج لملاقاة العدو ، واختيار المكان الذي ينزلون فيه ، وفي شأن الأسرى وكيفيّة التعامل معهم .
وفي غزوة أحد ، استشار النبي – صلى الله عليه وسلم – في اختيار المكان الذي يحارب منه المسلمون ، ونزل على رأي من أراد الخروج ، كما أخذ عليه الصلاة والسلام بمشورة صاحبيه بعد المعركة في ملاحقة فلول قريش ومطاردتها .
وعندما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة بناء الخندق ، استحسن النبي – صلى الله عليه وسلم – فكرته وأمر بتنفيذها ، فكانت سبباً رئيسياً من أسباب النصر في تلك الغزوة.
وكثيراً ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأخذ بمشورة أصحابه حتى وإن خالفت رأيه ، فقد نزل على رأي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما في عدم إعطاء ثمار المدينة لغطفان ، وأخذ بمشورة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بقصد المسجد الحرام لأداء العمرة وترك قتال قريش يوم الحديبية ، ومشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه في اختيار معسكر المسلمين في غزوة الطائف ، ورأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عدم ملاحقة جيش الروم في أرض الشام وضرورة العودة إلى المدينة ، ومنع الصحابة من نحر الإبل حينما اشتدّ بهم الجوع ، وغير ذلك من المواقف الكثيرة التي ذكرها علماء السيرة .
وبعيداً عن شؤون الحرب ، فقد وردت في السيرة النبوية مجموعة من القضايا استشار فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – الآخرين واستمع إلى آرائهم ، ففي يوم الإسراء والمعراج شاور عليه الصلاة والسلام جبريل في تخفيف الصلاة ، وشاور كلاً من علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في قضيّة الإفك ، وشاور الناس في كيفيّة التعامل مع من آذاه في عرضه الشريف ، وفي غزوة الحديبية نزل عند رأي زوجته أم سلمة رضي الله عنها بمباشرة النحر وحلق الشعر بنفسه عندما تثاقل الناس عن فعل ذلك .
وعند استعراض مبدأ الشورى في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، نجد أن لها مجالاً معيّناً ونطاقاً محدّداً لا تتعدّاه ، وهي الأمور التي لم يرد فيها نصٌّ شرعيٌّ من الكتاب والسنّة ، وأما ما ورد فيه نصٌّ فليس أمام المسلم سوى القبول والتسليم ، ولا سبيل إلى تعطيله أو معارضته ، وإنما تكون الشورى في البحث عن كيفيّة تنفيذه بما يتوافق مع أصول الإسلام وقواعده ، وبما يراعي مقتضى الظروف المحيطة وواقع الحال .
وللشورى في حياة الصحابة رضوان الله عليهم مكانةٌ عظيمة ، فقد كانوا حريصين أشدّ الحرص على معرفة رأي النبي – صلى الله عليه وسلم – في مختلف القضايا ليأخذوا به ، فمن ذلك استشارة أبي هيثم رضي الله عنه للنبي – صلى الله عليه وسلم – في اختيار خادمه من السبي ، رواه الترمذي ، واستشارة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها للنبي عليه الصلاة والسلام فيمن تقدّم لخطبتها ، فأشار لها بقبول أسامة رضي الله عنه ، فكان زواجها منه سبباً في سعادتها وحلول البركة في بيتها ، رواه مسلم .
وعن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه أن والده جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا رسول الله ، أردت أن أغزو ، وقد جئت أستشيرك " ، فقال له : ( هل لك من أم ؟ ) ، قال : نعم ، فقال له : ( فالزمها فإن الجنة تحت رجليها ) رواه النسائي .
ومن بعد عصر النبوّة أرسى الصحابة رضوان الله عليهم مبدأ الشورى منذ اللحظة الأولى ، فما كان اختيار خليفة المسلمين يوم السقيفة إلا نتاج المشورة بينهم ، ولا إنفاق أموال الفتوحات الإسلامية على الدولة في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه إلا بمشورة أصحابه ، وبذلك صارت الشورى ركيزة أساسية في حياتهم .
وعندما نعود إلى قول النبي – صلى الله عليه وسلم : ( إن المستشار مؤتمن ) رواه الترمذي ، أدركنا ضرورة الصدق والإخلاص في المشورة ليتحقّق المقصود منها ، وفي هذا المعنى يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : ( من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ) رواه أحمد .
وهكذا أصبحت المباديء التي قرّرها النبي – صلى الله عليه وسلم – دستوراً للبشريّة ، ومنهاجاً للإنسانيّة ، وعنواناً للأمم الراقية على مرّ العصور.


يتبع







الدكتوره 07-26-2011 01:27 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(12)هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومه وانتباهه


http://www.islamweb.net/articlespict...145/141500.jpg

مهما بلغ الإنسان من القوّة والنشاط فلابدّ له أن يأوي إلى فراشه أخيراً ، وهذه ضرورةٌ لا يمكن الاستغناء عنها ، فالنوم فرصةٌ تتيح للجسد الراحة والاسترخاء ، وللفكر أن يبتعد قليلاً عن مطارق الهواجس والخواطر التي ترهق العقل وتشغل البال ، وهو السكون الذي امتنّ الله به على عباده في قوله تعالى : { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } ( يونس : 67 ) وقوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا } ( الفرقان : 47 ) .
وجوانب القدوة والأسوة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم – امتدّت لتشمل هديه في نومه واستيقاظه ، فقد أحاط عليه الصلاة والسلام هذه الحاجة الإنسانية بجملة من الآداب ، ورتّب عليها عددا من الأحكام .
وفي هذه الآداب وتلك الأحكام يظهر حرص النبي – صلى الله عليه وسلم - على ربط المسلم بخالقه في كل الأحوال ، فعندما كان عليه الصلاة والسلام يريد أن يعطي جسده حقه من الراحة بعد عناء نهار طويل يستحضر عظمة الله ، ويستذكر جملة النعم التي أنعم الله بها عليه في يومه وليلته ، ويظهر ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام عندما يأوي إلى فراشه ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي) رواه مسلم فهي ألوانٌ من النعم المستوجبة للحمد والشكر لمعطيها ومانحها .
وكذلك كان - صلى الله عليه وسلم – إذا أسلم النفس لراحتها ذكَّرها بأن أمرها أولاً وآخراً بيد بارئها لا بيد أحدٍ غيره، فيقول داعياً: ( اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رهبة ورغبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ) متفق عليه ، وقد علّم النبي عليه الصلاة والسلام البراء بن عازب رضي الله عنه هذا الدعاء وأمره أن يجعله آخر ما يتكلّم به ، وبشّر قائلها أن من مات على تلك الحال بأنه يموت على الفطرة كما جاء في نص الحديث .
وفي هذا الدعاء بيان للحال الذي على المسلم أن يكون عليها وهو على فراش نومه ، إنه حال الاستسلام والتسليم إلى خالق النفس وبارئها، وقريب من هذا الدعاء دعائه - صلى الله عليه وسلم - على تلك الحال بقوله : (باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ) متفق عليه.
وهناك العديد من الأذكار والأدعية التي جاءت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل النوم ، منها قوله : ( اللهم اغفر لي ذنبي ، وأخسئ شيطاني ، وفك رهاني ، واجعلني في الندي الأعلى ) كما ثبت في سنن أبي داود .
ومن الأدعية الواردة كذلك عند النوم ، قوله – صلى الله عليه وسلم –: ( اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ) رواه مسلم .
كذلك كان من هديه - صلى الله عليه وسلم – بعد الوضوء والاستعداد للنوم أن يجمع كفيه ، وينفث فيهما قارئاً سور الإخلاص والمعوّذتين ، ثم يمسح بكفّيه ما وصل إليه من جسده ، وبعد ذلك يضع يده تحت خده الأيمن ثم يدعو ثلاث مرّات : ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) رواه أبو داود وأحمد .
وفي سياق أحاديث نبويّةٍ أخرى ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قراءة سور أخرى من القرآن الكريم ، كسورة الملك وسورة السجدة ، وسورة الإسراء والزمر ، وآخر آيتين من سورة البقرة ، و"المسبّحات" وهي سور الحديد والحشر ، والصف والجمعة ، والتغابن و الأعلى .
ومن الأذكار الواردة كذلك التسبيح والتكبير والتحميد ، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة رضي الله عنهما إذا جلسا على الفراش أن يكبّرا أربعا وثلاثين ، ويسبحا ثلاثا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثا وثلاثين ، متفق عليه .
وفي المقابل جاء النهي عن النوم في أوضاعٍ معيّنة لمشابهتها لأحوال المعذّبين يوم القيامة ، ومن ذلك النوم على البطن ، فقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً مضطجعاً على بطنه فقال : ( إن هذه ضجعة لا يحبها الله ) رواه الترمذي ، وفي رواية ابن ماجة : ( إنما هذه ضجعة أهل النار ) .
وأرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – الناس إلى بعض التدابير الاحتياطيّة قبل الذهاب إلى النوم ، من إطفاء السرج وإغلاق الآنية وإخماد النيران ، حمايةً للبيوت من خطر بعض الهوام والحيوانات الصغيرة التي قد تعبث بمتاع الناس أو تكون سبباً في اشتعال الحرائق ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ) متفق عليه ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أغلقوا الباب ، وأوكئوا السقاء ، وأكفئوا الإناء أو خمّروا الإناء – أي : قوموا بتغطيته - ، وأطفئوا المصباح ؛ فإن الشيطان لا يفتح غلقا – أي بابا مغلقا - ولا يحلّ وكاء ، ولا يكشف آنية ، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم) رواه الترمذي ،ويقصد بالفويسقة الفأرة .
ومن هذه التدابير الواقية التي جاء الأمر بها : غسل اليدين قبل النوم إذا كان بهما شيءٌ من بقايا الطعام ، ويؤكّد النبي – صلى الله عليه وسلم - على ذلك بقوله: ( من نام وبيده غمر – أي دسومة وشحم - قبل أن يغسله فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
وإذا استيقظ الإنسان أثناء نومه فزعاً ، فعليه أن يقول : ( أعوذ بكلمات الله التامات ، من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ) كما ثبت بذلك الحديث في مسند الإمام أحمد .
ومن خصوصيّات النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه كانت تنام عينه ولا ينام قلبه ، وذلك لحضور قلبه ودوام استشعاره عليه الصلاة والسلام لعظمة خالقه وبارئه .
أما حاله - صلى الله عليه وسلم – عند الاستيقاظ من النوم فكان كحاله قبله ، دوام ذكرٍ ومزيد شكرٍ للخالق سبحانه وتعالى على نعمة الحياة بعد الممات ، فكان يقول : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) رواه أبوداود .
ولما كان من طبيعة النائم عدم التحكّم في تصرّفاته جاء الأمر بغسل اليدين قبل الوضوء أو استخدام الآنية لإزالة ما قد يكون أصابها من نجاسة حال النوم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه ؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) متفق عليه .
ومن السنّة أيضاً نوم القيلولة ، وهو الاستراحة في نصف النهار ، وذلك في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) رواه الطبراني .
وبعد : فهذه إشراقةٌ من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في نومه ويقظته ، جاءت لتؤكّد أن حياته عليه الصلاة والسلام لم تخلُ في لحظة من لحظاتها ، أو حالة من حالاتها ، من ذكر الله سبحانه وتعالى ، والتعلّق به ، وتفويض الأمر إليه .


يتبع







الدكتوره 07-26-2011 01:30 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(13)الهدي النبوي في المجالس


http://www.islamweb.net/articlespict...145/141391.jpg

جرت عادة الناس على اللقاء في المجامع والمنتديات للنقاش حول شؤون الحياة ومجرياتها واستعراض ما يُثار من القضايا والأخبار ، ويحلو السمر ويطيب اللقاء بذكر القصص والطرائف والذكريات .
والإسلام يعلم حاجة الناس إلى مثل هذه اللقاءات ولا يمنع منها ، لكنّه يسعى من خلال تعاليمه ومبادئه إلى الرقيّ بها ، وتصحيح مسارها ، وتنظيم شؤونها ، وتخليصها من مساوئ الأخلاق ورذائل الأفعال ، حتى تكون أنموذجاً تسود فيه ألوان القيم والفضائل.
وإذا كان الناس يتفاوتون في طبائعهم وأخلاقهم وإيمانهم ضعفاً وقوّة ، فقد جاء التوجيه النبوي باختيار الأفاضل من الناس ، من العلماء والصالحين وذوي المروءة ، ففي مجالسة أمثال هؤلاء حياة للقلوب وتنوير للعقول وتهذيبٌ للأرواح ، ويضرب لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثلاً للجليس الصالح وجليس السوء في قوله : ( مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك : إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثا ) متفق عليه .
وحرصاً على البعد عن معاني اللهو والغفلة جاءت النصوص الشرعيّة لتحذّر من المجالس التي تخلو من ذكر الله ، ونلمس هذا في قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه الا رأوه حسرة يوم القيامة ) رواه أحمد ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله ، إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار ، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة ) رواه أحمد .
وخير المجالس هي التي تكون قائمةً على ذكر الله وتلاوة القرآن ، وكفى بهذه المجالس فضلاً أن يُذكر أصحابها في الملأ الأعلى كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيّارة يتبعون مجالس الذكر ، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم ، وحفّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم ، حتى يملؤا ما بينهم وبين السماء الدنيا ، فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ، فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم : من أين جئتم ؟ ، فيقولون : جئنا من عند عباد لك في الأرض ، يسبّحونك ويكبّرونك ، ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك ، قال : وماذا يسألوني ؟ ، قالوا : يسألونك جنتك ، قال : وهل رأوا جنّتي ؟ ، قالوا : لا أي رب ، قال : فكيف لو رأوا جنّتي ؟ ، قالوا : ويستجيرونك ، قال : ومم يستجيرونني ؟ ، قالوا : من نارك يا رب ، قال : وهل رأوا ناري ؟ ، قالوا : لا ، قال : فكيف لو رأوا ناري ؟ ، قالوا : ويستغفرونك ، فيقول : قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا ، وأجرتهم مما استجاروا ، فيقولون : رب فيهم فلان ، عبد خطّاء ، إنما مرّ فجلس معهم ، فيقول : وله غفرت ؛ هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) رواه مسلم .
وليس معنى ذلك النهي عن مجالس الأنس المباح وأحاديث الدنيا على العموم ، فإن النفس لا غنى لها عما يسلّيها ويعيد لها نشاطها ، ومواعظ النبي – صلى الله عليه وسلم – لم تكن على الدوام بل كانت بين الحين والآخر خشية السآمة والملل ، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يمتنع عن مجالسة أصحابه حينما كانوا يتذاكرون أمور الجاهليّة ، ويمزحون في أوقات راحتهم ، فإذا كان وقت الجدّ رأيت الرجولة والهمّة والنشاط ، والعبادة والذكر والطاعة ، يقول بكر بن عبد الله رضي الله عنه : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ – أي يترامون به - ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال " رواه البخاري في الأدب المفرد .
والمقصود هو الابتعاد عن مقارفة الآثام والمعاصي كالاستماع إلى الغناء المحرّم ، أو النيل من أعراض الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، وغيرها من الأخلاق الذميمة التي جاء الوعيد الشديد عليها ، فإذا طهّرت المجالس من تلك الآفات فقد تحقّق مراد الشارع .
ولأن مجالس الناس لا تخلو - عادة - من الغفلة أو وقوع الزلّة ، شرع النبي – صلى الله عليه وسلم – كفّارة المجلس حيث قال : ( من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ) رواه الترمذي ولنا في نبيّنا عليه الصلاة والسلام أسوةٌ حسنة فقد كان يستغفر الله تعالى في المجلس الواحد أكثر من مائة مرّة .
ومن الأدعية المأثورة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله في ختام مجالسه : ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) رواه الترمذي .
وقد وضع النبي – صلى الله عليه وسلم – جملةً من الآداب التي ينبغي مراعاتها في المجالس ، منها الإفساح للقادمين وتوسيع المكان لهم ، وهو أدبٌ قرآني رفيع كما في قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } ( المجادلة : 12) ، وخير المجالس أوسعها كما جاء في الحديث الصحيح .
ومن محاسن الآداب التي جاء الأمر بها : السلام عند القدوم وعند الذهاب ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، ثم إذا قام فليسلم ؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه الترمذي ، وكذلك الجلوس حيث ينتهي المجلس ، وهكذا كان حال الصحابة في مجالس النبي – صلى الله عليه وسلم – كما روى ذلك أبو داود في سننه .
وقد أرشد الهدي النبوي بخصوص آداب المجلس إلى أن من قام من مجلسه فهو أحق بالعودة إليه ، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم – : ( إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ) رواه مسلم .
وليس في الجلوس على الطرقات مانعٌ إذا تمّت مراعاة حقوق الطريق ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إياكم والجلوس بالطرقات ) فقالوا : يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها ، فقال : ( فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ) ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ ، قال : ( غض البصر ، وكفّ الأذى ، وردّ السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ) متفق عليه .
وهناك عدد من الأمور التي جاء النهي عنها مما يكون في مجالس الناس ، كالنهي عن إقامة الرجل من مجلسه ليجلس فيه آخر ، وذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ( نهى أن ُيقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر ) متفق عليه ، كذلك النهي عن التفريق بين الجالِسيْن في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ) رواه الترمذي ، والنهي عن الجلوس بين الظل والشمس في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقعد بين الظل والشمس رواه الحاكم .
ومما جاء في آداب المجالس – علاوة على ما تقدّم – النهي عن تبادل الجالسين الحديث سرّاً دون أحدهم إلا بإذنه ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ؛ فإن ذلك يحزنه ) متفق عليه واللفظ لمسلم .
وحفاظاً على خصوصيّات الناس جاء النهي عن الاستماع إلى الآخرين من غير إذنهم ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرّون منه ، صُبّ في أذنه الآنك يوم القيامة ) رواه البخاري ، والآنك هو الرصاص المذاب ، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا كان اثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما ) رواه ابن عساكر .
وللمرء أن يجلس على الوضعية التي يرتاح لها ، فإن شاء جلس متربّعاً ، وإن شاء جلس متكئاً ، وكلّ ذلك ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه قد جاء النهي عن جلساتٍ بعينها ، فجاء النهي عن الاعتماد على اليد اليمني وجعل اليُسرى خلف الظهر لأنها تشبه جلسة المغضوب عليهم ، فقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أحد الصحابة وقد وضع يده اليسرى خلف ظهره ، واتكأ على ألية يده اليُمنى فقال له : ( أتقعد قعدة المغضوب عليهم ؟ ) رواه أبو داود .
كما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الاحتباء ، وهو أن يقعد الرجل على أليتيه وينصب ساقيه ويلفّ عليه ثوباً لا يكون ساتراً لعورته ، وجاء النهي عنه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اشتمال الصمّاء ، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ، متفق عليه.
وبمثل هذه الآداب قدّم النبي – صلى الله عليه وسلم - للناس صورة مثاليّةً في مضمونها وطبيعتها وما تحقّقه من التوازن بين متطلّبات الدنيا وأمور الآخرة .


يتبع







ابو عمر المصرى 07-26-2011 01:32 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
دائما متميزة في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

طارق سرور 07-26-2011 01:54 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
طرح رائع وقيم ونافع بإذن لله

جزاك الله خيرا عنه اختى الدكتورة

ملكة بإحساسي 07-26-2011 11:07 AM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
جزاك الله كل خير حبيبتي
وجزاك الله خيرا وجعله في ميزان أعمالك
وكتب لك الاجر ونفع بك الإسلام والمسلمين



http://www.jewelsf.com/up/uploads/ec299161b9.gif

الدكتوره 07-26-2011 02:52 PM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
اخواتى
ابو عمر المصرى
طارق سرور
ملكة بإحساسى
جزاكم الله خيراااا على الحضور العطر


الدكتوره 07-26-2011 02:54 PM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(14)النبي صلى الله عليه وسلم مع الموالي

http://www.islamweb.net/articlespict...145/141296.jpg


ذا ذُكرت الجاهلية ، سرعان ما تقفز إلى الأذهان تلك الصورة السوداء ، والمليئة بمشاهد الاستضعاف للطبقة العاملة والمملوكة ، والهضم المستمر لحقوقها ، والنظرة الدونية التي يُنظر بها إلى أصحابها ، والمواقف التي تنطق بالاحتقار والكراهية ، واعتبار أن هذه الفئة من البشر ليست سوى آلات لم تُخلق إلا لخدمة أسيادها ، حتى أصبح الحديث عن حقوقهم مجرّد حلم يداعب الخيال ويُنسي مرارة الحرمان .
كان ذلك حتى أشرقت شمس الإسلام بمبعث خير الرسل – صلى الله عليه وسلم - ، والذي جاء برسالة الهدى والحق ، والخير والعدل ، ليعيد الحقوق إلى تلك الفئة المهضومة ، ويعيد لها اعتبارها ، من خلال الآداب والتوجيهات التي تجلب النفع لها ، وتدفع الضر عنها .
وكم كان الأثر عظيماً في نفوس من تعاملوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – من العبيد ، فقد استطاع أن يأسر قلوبهم ويملك مشاعرهم بسماحة أخلاقه وكريم شمائله ، ولننظر إلى قصّة زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد استقرّ في بيته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة ، وظلّ هناك يقوم على خدمته ويرعى شؤونه ، حتى بلغت الأخبار إلى والده بوجوده عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فانطلق مسرعاً إليه ، وطلب منه أن يرد ولده ، فنظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى زيد وقال : ( إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك ) ، ولم يطل اختيار زيد رضي الله عنه ، فلم يكن ليفضّل عليه أحداً ، فقال : بل أقيم عندك ، فسُرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – من موقفه فقرّر أن يتبنّاه ، وهكذا عاش زيد رضي الله عنه عيشةً هانئةً راضية ، ينسبه الناس فيقولون : زيد بن محمد حتى أبطل الله عادة التبني ، والقصة مذكورة في معجم الطبراني .
والذين تشرّفوا بخدمة النبي – صلى الله عليه وسلم - من العبيد والإماء وغيرهم من الأحرار جمعٌ كبير ، ويمكن العودة إلى كتاب " زاد المعاد " للإمام ابن القيم لمعرفة أسمائهم ، حيث عقد فصلاً بيّن فيه أسماءهم جميعاً .
وإذا تتبعنا التوجيهات والحقوق التي قرّرها النبي – صلى الله عليه وسلم – للموالي والخدم فسنعرف مقدار الاهتمام الذي حازته هذه الفئة في شريعة الإسلام ، فقد جعل لهم حقّاً في المأكل والمشرب والملبس ، ودعا عليه الصلاة والسلام إلى إشراكهم في الجلوس ، فقال في وصيّته الشهيرة : ( إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ) رواه البخاري ، وصحّ عنه عليه الصلاة والسلام قوله : ( للمملوك طعامه وكسوته ) رواه أحمد ، وينقل لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يوصى بالمملوكين خيراً ويقول : ( أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم من لبوسكم ، ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وفي المشاركة في الجلوس قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه ، فإن لم يقبل فليناوله منه ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
ويؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة الإحسان إلى الخدم والعبيد ، وأن ذلك من أبواب الصدقة فيقول : ( وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ) رواه أحمد ، وجاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : عندي دينار ، فقال له : ( أنفقه على نفسك ) ، قال : عندي آخر ، فقال له : ( أنفقه على زوجتك ) ، قال : عندي آخر ، فقال له : ( أنفقه على خادمك ، ثم أنت أبصر ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
ولما كان الخدم وغيرهم من الضعفاء مظنّة الهضم والظلم ، شدّد النبي – صلى الله عليه وسلم – على تحريم أكل أموالهم أو تأخيرها فقال : ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) رواه ابن ماجة .
وسلك النبي – صلى الله عليه وسلم – مع هؤلاء مسلك التعليم والإرشاد ، والابتعاد عن التوبيخ والتقريع تجاه ما يصدر منهم من هفوات بشريّة لا يسلم منها أحد ، يقول أنس رضي الله عنه : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، والله ما سبني سبة قط ، ولا قال لي أفًّ قط ، ولا قال لي لشيء فعلته : (لم فعلته ) ، ولا لشيء لم أفعله : ( ألا فعلته ) ، رواه أحمد .
كما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن تكليف الموالي بالأعمال فوق طاقتهم ، فقال : ( لا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) رواه البخاري .
وإبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية من ضرب الموالي وتعذيبهم ، نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال : ( ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تضربوا المسلمين ) رواه أحمد .
وكان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه إذا رآهم يعتدون على مواليهم بالضرب ، كما حصل مع أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه حين ضرب غلاماً له ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( اعلم أبا مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه ) ، فقال أبو مسعود رضي الله عنه : يا رسول الله ، هو حر لوجه الله ، فقال له : ( أما لو لم تفعل لمسّتك النار ) رواه مسلم .
وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ضرب الموالي بغير حقٍ ذنباً يستوجب الكفارة ، وجعل الكفارة هي العتق ، قال – صلى الله عليه وسلم - : ( من ضرب غلاما له حداً لم يأته – أي بغير حدٍ - أو لطمه ، فإن كفارته أن يعتقه ) رواه مسلم ، وأمر عليه الصلاة والسلام سويد بن مقرن بإعتاق خادمة له قام بضربها ، فقيل له : ليس له خادم غيرها ، فقال : ( فليستخدموها ، فإذا استغنوا خلوا سبيلها ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
ومن الآداب اللفظية التي جاء التنبيه عنها ، النهي عن استخدام ألفاظٍ في حق الموالي والخدم لا تليق إلا بالله عزوجل ، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( لا يقل أحدكم : أطعم ربك ، وضّئ ربك ، اسق ربك ، وليقل : سيدي ، مولاي ، ولا يقل أحدكم : عبدي ، أمتي ، وليقل : فتاي ، وفتاتي ، وغلامي ) متفق عليه ، والسبب في النهي أن حقيقة الربوبيّة لله تعالى ؛ فمنع المضاهاة في الاسم ، ومثلها العبوديّة ، فالمستحقّ لها حقيقةً هو الله جلّ وعلا ، فنُهي عن ذلك لما فيه من تعظيم لا يليق بالمخلوق .
وفي تزويج النبي – صلى الله عليه وسلم – لعددٍ من أصحابه الموالي رسالةٌ واضحةٌ في أن العبرة والمعوّل عليه إنما هو الدين والخلق والتقوى ، بغضّ النظر عن المكانة الاجتماعيّة ، فقد زوّج مولاه زيد بن حارثة بقريبته زينب بنت جحش الهاشمية رضي الله عنهما ، وزوّج أسامة بن زيد بفاطمة ينت قيس القرشية ، فكان هذا النموذجان أسوة للأمة من بعده.
وكما قرّر النبي – صلى الله عليه وسلم –الحقوق ، بيّن في المقابل الواجبات التي ينبغي على المملوك أو الخادم مراعاتها ، فقال عليه الصلاة والسلام مذكّراً وناصحاً : ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ) رواه البخاري .
وهكذا حيثما قلّبت النظر في سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – تجد الكمال في الأخلاق ، والعدل في الأحكام ، والحلم في التعامل ، فصلوات الله وسلامه عليه .


يتبع





الدكتوره 07-26-2011 02:59 PM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(15)النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الرؤى والأحلام


http://1.1.1.3/bmi/www.islamweb.net/...145/141295.jpg

ما إن يضع الإنسان جنبه على الفراش ويخضع لسلطان النوم حتى تنطلق روحه لتجوب عالماً آخر يختلف بحدوده ومقاييسه وطبيعته عن عالم اليقظة ، فلا تعترف روحه بحواجز الزمان والمكان ، فالعين ترى والأذن تسمع واللسان ينطق والجسد ساكنٌ في محلّه ، إنه عالم الرؤى والأحلام الذي كان ولا يزال مثار اهتمام الأفراد والشعوب على مرّ العصور.
وإن نظرةً إلى التراث النبوي الذي تركه النبي – صلى الله عليه وسلم –، تبيّن لنا الكثير مما يتعلّق بهديه عليه الصلاة والسلام في قضيّة الرؤى والأحلام ، وكيفيّة التعامل معها.
وإذا تحدّثنا عن علاقة النبي – صلى الله عليه وسلم – مع عالم الأحلام والرؤى فقد بدأت في وقتٍ مبكّر من عمره ، فقد كانت أولى علامات صدق نبوّته ومبعثه ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ) متفق عليه .
والرؤى في الأصل تُطلق على ما يراه الإنسان في نومه ، وتكون حقّاً من عند الله تعالى بما تحمله من بشارة أو نذارة ، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة .
ويبيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله : ( الرؤيا الصادقة من الله ) رواه البخاري ، وقوله : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) متفق عليه .
وفي المقابل هنالك منامات مبعثها وساوس الشيطان وعبثه ببني آدم ، ويعبّر عنها بالأحلام ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الحلم من الشيطان ) متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الرؤيا ثلاث ، منها : أهاويل من الشيطان ليحزن بها بن آدم ) رواه ابن حبان ، ومثل ذلك ما رآه أحد الصحابة في المنام أن عنقه سقط من رأسه فاتبعه وأعاده إلى مكانه ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم : ( إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثنّ به الناس ) رواه مسلم .
وبين هذين النوعين نوعٌ ثالث ، هو مجرّد تفاعلٍ للنفس تجاه الواقع الذي تعيشه ، والمواقف التي تمرّ بها ، فتستخرج مخزون ما تراه أو تعايشه في نومها ، فذلك ما يسمّى بأضغاث الأحلام وأحاديث النفس التي لا تعبير لها ، قال – صلى الله عليه وسلم : ( ..ومنها ما يهم به الرجل في يقظته ، فيراه في منامه ) رواه ابن حبان .
لكن السؤال الذي يرد في الأذهان : كيف يتعامل المرء مع هذه الأنواع ؟ لقد بيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن على من رأى الرؤيا الصالحة أن يستبشر بها ، وألا يحدّث بها إلا لمحب أو عالم أو ناصح ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم - : ( الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ) رواه البخاري ، وقال– صلى الله عليه وسلم - : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات : الرؤيا الصالحة ) رواه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً ) رواه أحمد .
أما إن كان ما رآه من جنس الأحلام المزعجة وتلاعبات الشيطان ، فقد أرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – صاحبها بأحد أربعة أمور : أن يتعوّذ بالله من شرّ الشيطان وشرّ ما رآه ، وأن يبصق عن يساره ثلاثاً ، وأن يتحوّل من شقّه الذي ينام عليه إلى الشق الآخر ، وألا يخبر بها أحداً ، ويستفاد ذلك من قوله – صلى الله عليه وسلم : ( وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثاً ، وليتعوّذ بالله من شر الشيطان وشرها ، ولا يحدث بها أحداً ؛ فإنها لن تضره ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ، وزاد في رواية أخرى : ( وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ) .
ومن مسائل الرؤى أن من رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام فقد رآه حقّاً ، بشرط أن يكون قد رآه على صفته الحقيقيّة المذكورة في كتب الشمائل وغيرها ، ودليل ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( من رآني في المنام فقد رآني ؛ فإن الشيطان لا يتمثّل في صورتي ) متفق عليه
ومن الخطورة أن يستوضح صاحب الرؤيا أو يطلب تأويلها من أي أحد ؛ فقد تكون سبباً في هلاكه أو وقوع الضرر به ، فعليه ألا يسأل إلا من يثق بعلمه ودينه ، ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( الرؤيا تقع على ما تعبر ، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها ، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً ) رواه الحاكم .
ومن الأمور التي جاء التنبيه عليها حرمة ما يقوم به بعض ضعاف النفوس من اختلاق بعض الرؤى والأحلام رغبةً في الإثارة أو التشويق ، فقد ورد الوعيد الشديد على ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من تحلّم بحلم لم يره كُلِّّف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ) رواه البخاري ، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن من أفرى الفرى أن يُري عينيه في المنام ما لم ترى ) رواه أحمد .
وكتب الحديث والسنة تذكر جانباً من منامات الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، كمثل رؤيته لدار الهجرة قبل ذهابه إليها ، وما أصاب المؤمنين يوم أحد من قتل ، ورؤيته لبعض أصحابه الذين سيغزون بعد موته ويركبون البحر ، ورؤيته عليه الصلاة والسلام لمفاتيح خزائن الأرض التي وضعت بين يديه ، وللملائكة وهي تحمل له عائشة رضي الله عنها قبل زواجه بها وتقول له : " هذه امرأتك " ، ورؤيته لجانبٍ من عذاب البرزخ ، ورؤيته لعيسى عليه السلام وهو يطوف بالكعبة ، ومشاهدته للمسيح الدجّال ، ولموضع السحر الذي أصيب به ، ولرجلين من مدّعي النبوّة في عهده .
وكان للنبي – صلى الله عليه وسلم – نصيبٌ من تأويل الرؤى ، فقد أوّل عرض الناس عليه وعليهم ثيابٌ منها ما يبلغ الصدر ، ومنها ما هو دون ذلك ، وعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص يجره ، أنه الدين ، وأوّل عليه الصلاة والسلام رؤيا له تتعلّق بشربه لوعاء من لبن ثم إعطائه لما بقي في الوعاء لعمربن الخطاب رضي الله عنه أنه العلم ، وأوّل رؤياه لدار عقبة بن رافع رضي الله عنه وتناوله للرطب بالرفعة في الدنيا والعاقبة في الآخرة ، وأن الدين قد طاب ، وغير ذلك من الرؤى المبثوثة في كتب السنة .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – حريصاً على الاستماع إلى ما يراه أصحابه في منامهم ، ويكثر من سؤالهم – خصوصاً بعد صلاة الفجر – عمّا رأوه في منامهم ، ومن ذلك رؤيا كلمات الأذان المعروفة ، ومنها كذلك : رؤيا عبدالله بن سلام رضي الله عنه إمساكه بالعروة الوثقى وتأويل ذلك بموته على الإسلام ، ورؤيا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما للجنّة وما فيها من العجائب.
لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو عدم التعلق بالرؤى والمسارعة إلى تصديقها واستظهار الغيب بها ، ولا يخفى على عاقلٍ الفتن التي حصلت للأمة وما صاحبها من إراقة للدماء بسبب رؤى وأوهام حملت محملاً خاطئا ، ولكن تبقى تلك المنامات في إطارها الشرعي المحدّد : مبشرات ، أو منذرات ، أو أضغاث أحلام لا حقيقة لها.


يتبع







الدكتوره 07-26-2011 03:02 PM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
(16)الهدي النبوي في قضاء الحاجة


http://www.islamweb.net/articlespict...145/140425.jpg

جوانب الكمال والجمال في شريعة الإسلام لا تنتهي ، فأحكامها تتعلّق بجميع جوانب الحياة ومختلف أحوالها ، وآدابها استطاعت أن تقيم واقعاً اجتماعياً فريداً ، عزّ على البشرية أن تجود بمثله ، تلك الآداب التي تحقّق انسجاماً كاملاً مع دواعي الفطرة السليمة وتدعو إليها .
والهدي النبوي في قضاء الحاجة ، ما هو إلا مثالٌ يؤكد ما سبق ، فهناك الكثير من الأحكام الذي تعلّقت بهذا الفعل أمراً ونهياً ، وحثّاً وإرشاداً ، وهناك أيضاً العديد من الآداب التي جاء التنبيه إليها ، والتي تعكس نظافة المسلم وطهارته .
وأول سمات الجمال في هذه القضيّة ، الطريقة التي تم التعبير عنها في كتاب الله تعالى ، قال عزوجل : { أو جاء أحد منكم من الغائط } ( النساء : 43 ) ، فقد تم التعبير عن إخراج النجاسة من السبيلين بالتلميح ( الغائط) لا بالاسم الصريح المباشر ، والغائط في أصله يطلق على المكان المنخفض من الأرض الواسع ، يقول صاحب مختار الصحاح : " وكان الرجل منهم إذا أراد أن يقضي الحاجه أتى الغائط وقضى حاجته ، فقيل لكل من قضى حاجته قد أتى الغائط.. وقد تَغَوَّط " .
وتتنوّع الآداب والأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة فنجد أن بعضها تختصّ باختيار المكان ، وأخرى تسبق ذلك الفعل ، وثالثة ينبغي مراعاتها أثناءه ذلك وبعده .
فبالنسبة لموضع قضاء الحاجة ، كان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – الحرص على اختيار الأماكن التي تخفيه عن أعين الناس وتستره عنهم ، ويصوّر لنا عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ذلك فيقول : " كان أحب ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته هَدَف – وهو البناء المرتفع الساتر - أو حائش نخل - يعني حائط نخل – " رواه مسلم ، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا ذهب لقضاء حاجته يسير كثيراً حتى لا يكاد يُرى ، ابتعاداً عن أعين الناس ، وهذا هو المقصود من قول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب المذهب أبعد " رواه النسائي .

وللسبب ذاته لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم - يرفع ثوبه إلا بعد الدنو من الأرض ، كما روى ذلك الإمام الترمذي .
وتظهر النصوص النبوية النهي عن قصد مواضع معيّنة لقضاء الحاجة ، كالمقابر - مراعاةً لحرمة الأموات - ، أو قصد أماكن الناس وطرقاتهم ، أو قضاء الحاجة في المياه الراكدة ، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث ، منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) يعني أنهما في القبح سواء ، رواه ابن ماجة ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل ) وهي الأمور التي تجلب لعن الناس ، رواه أبو داود ، وقول جابر رضي الله عنه : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الراكد ، رواه النسائي .
وتعظيماً لقبلة المسلمين وإعلاءً لشأنها جاء النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها ، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) رواه مسلم .
وهناك العديد من الآداب النبويّة الوقائيّة التي تمنع من تعلّق النجاسة بالثياب أو الجسم ، وتسهم في الوقت ذاته في الحماية من وسوسة الطهارة ، ومن ذلك النهي عن التبوّل في المغتسل ، فعن عبد الله بن مغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يبولنّ أحدكم في مستحمه ، فإن عامة الوسواس منه ) رواه النسائي ، والأمر بالتبوّل جلوساً كي لا تتلوث الملابس ، وهكذا كان أغلب حال النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يقضي حاجته وهو جالس ، ولم يُحفظ عنه القيام إلا مرة واحدة ، ومما يدل على أن الغالب في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الجلوس قول عائشة رضي الله عنها : " من حدثكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال قائما فلا تصدقوه ؛ ما كان يبول إلا جالساً " رواه النسائي .
وقد جاء الوعيد الشديد على الاستهانة بإزالة النجاسة وعدم الوقاية منها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( أكثر عذاب القبر من البول ) ، وأخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – مرّ على قبرين فقال : ( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله) أي : يستبريء منه ، متفق عليه .
وكل ما يحقّق هذه الحماية يٌستحب فعله ، فالأمور بمقاصدها ، ومن ذلك اتقاء جهة الريح ، واختيار الأرض الرخوة التي لا ترتدّ منها النجاسة ، ولبس الحذاء أثناء قضاء الحاجة ، إلى غير ذلك من الوسائل .
ومن السنّة قبل الدخول إلى الخلاء ذكر الله عزوجل ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله ) رواه الترمذي ، وكان - صلى الله عليه وسلم – إذا دخل الخلاء قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) وهو تعوّذٌ من ذكور الشياطين وإناثهم ، للوقاية من أذاهم .
ومن السنّة كذلك الدخول بالقدم اليُسرى وتأخير اليمنى ، مع التنبّه بعدم حمل الأوراق أو الأشياء التي تحتوي على ذكر الله ، صيانةً لاسم الله وإجلاله .
وليس الخلاء مكاناً مناسباً للاستئناس أو الحديث ، ولذا فإن من الأدب ترك الكلام مع الناس عموماً ، ومن باب أولى عدم رد السلام وتشميت العاطس ونحوهما ؛ ولذلك امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم – عن الردّ على من سلّم عليه وهو يبول حتى توضأ ، وجاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يخرج الرجلان يضربان الغائط ، كاشفان عورتهما يتحدثان ؛ فإن الله يمقت ذلك ) رواه أحمد .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – ينوّع بين الاستنجاء والاستجمار ، ويجمع بينهما أحياناً ، والاستنجاء هو استخدام الماء في إزالة الأذى ، والاستجمار يكون بالحجارة ونحوها ، ويكون ثلاث مرّات لاستحباب الوتر في ذلك ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً ) رواه مسلم .
ولا يجوز استبدال الحجارة بالعظام أو الروث ، لأنهما طعام الجن ، ويدل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – لأبي هريرة رضي الله عنه : ( لا تأتني بعظم ولا بروثة ؛ فهما من طعام الجن ، وإنه أتاني وفد جن "نصيبين" فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما ) رواه البخاري .
وجاء النهي عن مس الذكر باليد اليمنى حال قضاء الحاجة ، أو استخدامها في إزالة الأذى صيانةً وإكراماً لها ، لحديث : ( إذا بال أحدكم فلا يأخذنّ ذكره بيمينه ، ولا يستنج بيمين ) رواه البخاري ، فإن الشريعة قد جعلت لليمين كل الأعمال الحميدة ، وجعلت مباشرة الأذى والنجاسات باليد الأخرى ، فعن حفصة رضي الله عنها قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجعل يمينه لأكله وشربه ، ووضوئه وثيابه ، وأخذه وعطائه ، ويجعل شماله لما سوى ذلك " رواه أحمد .
وإذا أراد الخروج من موضع قضاء الحاجة فإنه يقدّم اليمنى ويقول " غفرانك " ، يدل عليه قول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : ( غفرانك ) رواه الترمذي .

ومن خلال هذه الجولة في هذه الآداب ، نقف على شمولية هذا الدين وعظمته ، فحريٌّ بنا أن نفتخر بخير دين وأعظم ملّة ، والله الموفق


يتبع




الدكتوره 07-26-2011 03:06 PM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
تم بحمد الله تعالى

نور 07-26-2011 11:24 PM

رد: شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
 
يعتبر مجع لكل معلوماته الروحانية الشاملة
والتى تعتبر سيرة للحبيب
عليه افضل الصلاة والسلام
سلمت دكتورة
جزاك الله خيرا
ونفع بطرحك الطيب
واثابك عنا كل الخيروالمثوبة


الساعة الآن 02:34 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by