عرض مشاركة واحدة
قديم 01-25-2008, 06:42 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: إدارة الأزمات الاقتصادية

المال في الإسلام عصب الحياة و أساس تعمير الأرض، و هو وسيلة لإعانة الإنسان على طاعة الله، و لذلك لا بد من أن يكون هناك ربط بين المال الصالح في يد الرجل الصالح، و لقد اهتم الرسول بذلك، فعندما هاجر إلى المدينة كانت سوق اليهود في المدينة في حي بني قينقاع و كان يسود هذ السوق الغش و الربا و أكل السحت والاستغلال و الخداع و الاحتكار، و كانوا يبيحون الربا بينهم و بين المسلمين و قال القرآن في ذلك: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}(2) . و كانت الحياة الاقتصادية خاضعة لغير المسلمين، لذلك رأى رسول الله r أنه لا بد و أن تكون هناك مواجهة في مجال الاقتصاد و أن ينشأ النظام الاقتصادي الذي يسير حسب الشريعة الإسلامية، فأنشأ رسول الله r سوقا جديدة قريبة من سوق بني قينقاع، فضربت قبة (خيمة كبيرة) لتكون رمزا و علامة يتجمع حولها المسلمون للبيع و الشراء، و لقد اغتاظ اليهود من هذه السوق و تجرأ كعب بن الأشرف العدو اللدود للمسلمين و هدم القبة و قوضها وقطع حبالها، فقال الرسول r لأضربن له سوقاً هو أغيظ له من هذا و انتقل إلى مكان فسيح صالح حر و ضرب فيه برجله و قال: “هذه سوقكم لا تتحجروا (تضيقوها) و لا يضرب عليها الخراج”.
أسـس الســـوق:
1- حرية المعاملات بشروط معينة.
2- عدم التضييق حتى تسهل المعاملات.
3- عدم فرض الرسوم على الأسواق حتى لا تكون سبباً في ارتفاع الأسعار.
4- تحريم الاحتكار و التحكم.
5- تحريم الغش و الربا.
سلوكيات الرسول و الصحابة ـفي تمويل الغزوات وقت الأزمات:
ففي إحدى الغزوات على سبيل المثال احتاج المسلمون إلى المال لتجهيز المجاهدين، و لقد استشعر بذلك الصحابة، فتبرع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله لإعداد الجيش و المجاهدين كما تبرع أبو بكر الصديق بكل ماله و قال له الرسول r : “ما أبقيت لأهلك؟” قال له أبو بكر: أبقيت لهم الله و رسوله(1).
هذه النموذج الإسلامي يوضح أنه في وقت الأزمات المالية يجب على الأغنياء أن يساهموا بفائض أموالهم و هذا ما عبر عنه رسول الله r عندما سُئل: أفي المال حق غير الزكاة؟ قال: “إن في المال حقاً سوى الزكاة”(2). كما يؤكد هذا النموذج أن الثقة بين الحاكم والمحكومين أساسية لأنه يقوم بها المحكومون بدورهم وقت الأزمات، وفي غزوة تبوك على سبيل المثال قام عثمان بن عفان رضي الله عنه بتجهيز الجيش وحده (جيش العسرة) بما يحتاج إليه من ميرة و وسائل ركوب، و هذا النموذج يؤكد دور أغنياء المسلمين في معالجة الأزمات المالية التي قد تتعرض لها الأمة الإسلامية.
من سلوكيات الرسول r فـي أوقات الأزمات الاقتصادية:
الخشونة و التقشف:
كانت حياة الرسول الخشنة نموذجاً يلزم الاقتداء به في كل الأحوال، فقد وردت أحاديث عن رسول الله r تبين أن حياته في مجال الماديات كانت خشنة، و من بين هذه الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد r من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض(1).
و عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما كانت تقول: و الله يا ابن أختي إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين و ما أوقد في أبيات رسول الله r نار، قلت: يا خالة فما كان يعيّشكم؟ قالت: الأسودان التمر و الماء.(2)
و عن أنس رضي الله عنه قال: لم يأكل رسول الله r على خوان حتى مات، و ما أكل خبزاً مرققاً حتى مات.(1)
و لقد روى مسلم عن النعمان بن بشير قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: لقد رأيت رسول الله r يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلاً يملأ به بطنه.(2)
و قال عمر بن الخطاب: دخلت على رسول الله r و هو على حصير قال: فجلست فإذا عليه إزاره و ليس عليه غيره، و إذا الحصير قد أثر في جنبه و إذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع و قرظ في ناحية في الغرفة و إذا إهاب معلق فابتدرت عيناي، فقال الرسول r : “ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ ” فقال: يا نبي الله، و ما لي لا أبكي و هذا الحصير قد أثر في جنبك و هذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى وذاك كسرى و قيصر في الثمار و الأنهار و أنت نبي الله و صفوته وهذه خزائنك. قال: “يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا”(3) .
الرسول يأمر بعدم تخزين الطعام حتى لا يحدث الغلاء:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي r على بلال رضي الله عنه و عنده صُبَرٌ من تمر، فقال: “ما هذا يا بلال؟ ” قال: أعد ذلك لأضيافك، قال: “أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم. أنفق يا بلال و لا تخش من ذي العرش إقلالا”(1) .
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهديت للنبي r ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتته بها فقال لها رسول الله r: “ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن الله تعالى يأتي برزق غد”(2) .
مظاهرة نساء الرسول r من أجل التوسعة في النفقات:
تروي كتب السيرة أن نساء النبي r تظاهرن من أجل التوسعة في النفقات، ففي هذه الحادثة أذن لأبي بكر رضي الله عنه و عمر فدخلا على رسول الله r و هو جالس و حوله نساؤه و هو r ساكت. فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي r حتى بدت نواجذه وقال: “هن حولي يسألنني النفقة”، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، و قام عمر إلى حفصة كلاهما يقول: تسألين رسول الله r ما ليس عنده، فنهاهما رسول الله r فقلن: و الله لا نسأل رسول الله r بعد هذا المجلس ما ليس عنده. قال و أنزل الله عز و جل الخيار فبدأ بعائشة فقال: “إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك”، قالت: و ما هو يا رسول الله، قال: فتلا عليها {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، و إن كنتن تردن الله و رسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً}(1). قالت عائشة: أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله و رسوله.(2)
من هذا النموذج نأخذ عبرة نقدمها لزوجاتنا بأن عليهن دوراً هاماً وقت الأزمات الاقتصادية، فيجب عليهن الاقتصاد في النفقات وعدم تحميل الزوج ما لا يطيق لأن حمل الصخور أخف من حمل الديون.

تركة رسول الله r:
روى البخاري و مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: توفي رسول الله r و ما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي.(1)
كما روى البخاري عن عمر بن الحارث قال: ما ترك رسول الله r عند موته ديناراً و لا درهماً و لا عبداً و لا أمة و لا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي يركبها و سلاحه و أرضاً جعلها لابن السبيل صدقة.(2)

عِبَر من هذه النماذج السلوكية لحياة الرسول r:
1- يؤخذ من هذه النماذج أن المسلم يجب أن تكون حياته كلها لله سبحانه و تعالى و ينظر إلى المأكل و المشرب و الملبس ونحو ذلك على أنها وسائل تعينه على عبادة الله سبحانه وليست في حد ذاتها غاية مقدسة.
2- كما يؤخذ أن الفرد في حالة الأزمات الاقتصادية عليه أن يقتدي برسول الله r من حيث الخشونة و الاقتصاد. و في حالة الرخاء يلزم أن يدخر الفرد لأيام الكساد، و لقد عبر عن ذلك رسول الله r بقوله: “رحم الله امرءاً اكتسب طيباً وأنفق قصداً و قدم فضلاً ليوم فقره و حاجته”.
3- كما يؤخذ من هذه النماذج أن الرسول r كان دائماً قدوة في الصبر عند المحن و الشدائد، و منها الشدائد الاقتصادية، وسار على هذا الصحابة فكانوا يبيتون الليالي الطوال جائعين يشدون الأحجار على بطونهم الخاوية من أجل أن تشبع أمة المسلمين، و كانوا في أيام الضنك و المجاعة لا يأكلون إلا ما يأكله سائر الناس كي يشعروا بشعورهم و يتحسسوا تجربتهم و يسرعون في إيجاد الحلول لبؤسهم و ضنكهم، و يطلب الصحابة من عمر بن الخطاب أيام المجاعة أن يتخلى عن أكل الزيت وحده فقد أضعفه و اصفر وجهه و هو الخليفة الذي يجب أن يطعم ما يمكنه من تحمل أعباء مهامه التي لا تنتهي فيجيبهم: و كيف يعنيني أمر المسلمين إذا لم يمسني ما يمسهم.
و ذات مرة اجتاز الرسول عليه الصلاة و السلام طريقاً في المدينة فتقدم منه بعض الصحابة مصفري الوجوه، مرهقي الخطوات، و شكوا الجوع، و لكي يؤكدوا له r ما فعله بأحشائهم كشفوا عن بطونهم فإذا بكل واحد منهم قد شد عليها قطعة من الحجر يسكت بها جوعة الأحشاء، فتبسم الرسول العظيم و يكشف عن بطنه الشريفة فإذا به سبقهم وشد على بطنه قطعتين من الحجارة.
4- أن الرسول r وقت الأزمات و المحن الاقتصادية و التي أوردنا منها نماذج بسيطة لم يتهاون في أمر الدعوة الإسلامية ولم يتنازل عن القيم و المثل و الأخلاق و السلوكيات التي أمر الله بها وبذلك استحق النصر بعد الأزمة و اليسر بعد العسر.
و ما أشبه اليوم بالبارحة فإن الأمة الإسلامية في هذه الأيام تعاني من أزمات اقتصادية بجانب الأزمات العقائدية و الخلقية و الاجتماعية و السياسية، و لا مخرج من هذه الأزمات إلا بالالتزام بهدي رسول الله r.
- ألم يأن لحكام المسلمين أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق بدلاً من السير في أذناب الشرق و الغرب.
- ألم يأن لحكام المسلمين أن يقتدوا برسول الله r حتى يهتدوا إلى الصراط المستقيم و لا يكونوا كالذين نسوا


(2) سورة آل عمران آية 75.
(1) رواه أبو داود و الترمذي.
(2) رواه الترمذي.
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم، و الدقل: رديء التمر.
(3) رواه النسائي.
(1) رواه الطبراني.
(2) رواه أبو يعلى و البيهقي.
(1) سورة الأحزاب آية 28،29.
(2) رواه البخاري و مسلم.
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس