عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2009, 05:23 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق

شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شجاعته..؟! تناقلتها الأخبار.. وسارت مسير الشمس في رائعة النهار.. حدث عنها لا حرج.. بمكان لا يجهل.. ومنزلة لا تدفع.. تناقلها الرواة بكل فج.. وأهدتها الحواضر للبوادي.. وحسبه أنه نبي.. وأنه أبو الشجعان وصانعهم.. على عينيه ملك الشجاعة فهي طوع زمامه.. ولغيره جمحت وليست تركب.. والذي رفع السماء وعلم آدم الأسماء.. ما شهدت الغبراء أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولا أثبت منه قلبا.. كان طودا لا يتزعزع.. شامخا لا يتزلزل.. لا ترهبه الأزمات.. ولا تهزه الحوادث والملمات..

تروى أحاديث الوغى عن بأسه ** فالسيف يسند والعوالي تطلق

وما رآه فارس إلا استتر ** في فعل النجوم عاين القمر

وحسبه أنه نبي..... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس حين خرج على قومه بدعوة ينكرونها جميعا.. وليس له من معين سوى ربه.. فصدع بها في جميع الأماكن والأزمان والأحوال.. فوق الجبل وفي المسجد وفي الطريق والسوق.. في المنازل والمواسم والحواضر والبوادي حتى في المقابر.. في الحضر والسفر والأمن والقتال والصحة والمرض.. وحين يزور وحين يزار.. دعا من أحبوه ومن أبغضوه.. ومن استمعوا له ومن أعرضوا عنه.. خطيبه يقارع الخطباء.. وشاعره ينازل الشعراء.. دعاته يجوبون الآفاق.. في استنفار دعوي لم تملك قريش أمامه إلا أن تقول: لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون..!!

بذل كل وسعه.. واستخدم كل أسلوب ووسيلة مشروعة.. في حلم وأناة وهدوء.. قذف بالحق على الباطل.. فأزاح العلل وسد الخلل.. وقال ما يرضي الله وإن أغضب البشر.. فذهب الزبد جفاء وطاعنا حتى لم يجد من مطاعن.. ونازل حتى لم يجد من منازل.. وبقي صلى الله عليه وسلم قدوة.. يصبوا إليها كل من عرف الحق.. وبالحق يدين مثلا.. أعلى لنفس جمعت.. سطوة العادل في أنس الحليم.. فهو الحياء ما حل في بلد إلا بإذن الله أحياه.. وحسبه أنه نبي..........

كان أشجع الناس.. حين قوطع وحوصر مع بني هاشم في شعب لسنوات بلا ميرة.. حتى اضطروا لأكل ورق الشجر.. وسمع صوت الصبية يتضائون من شد الجوع.. فصبر وما وهن وما ضعف وما استكان.. حتى انتصر وسقطت المقاطعة.. وأحق الله الحق وأبطل الباطل.. وكذلك الحق لا يتغير أصله وسوسه.. وإن تغير لبوسه..

ففي المعادن ما تمضي برونقه ** يد الصباغر لا يصدأ الذهب

والصخر في ظل العقيدة عسجد والآل في ظل العقيد ماء.. والعز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذله الله..

وحسبه انه نبي........ كان صلى الله عليه وسلم شجاعا أشجع من الشجاعة.. وأشد في الحق من الشدة..

ماضي العزيمة والسيوف كليلة ** طلق المحيا والخطوب دواجي

سعى كفار قريش إلى عمه أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن لك فينا سنا ومنزلة وشرفا.. وإنا قد إستنهيناك في ابن أخيك فلم تنه عنا.. وإنا والله لا نصبر على ذلك.. فإما أن تكفه عنا أو ننازلك وإياه حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا.. فعظم عليه فراق قومه ولم يطب نفسا بإسلام ابن أخيه لهم وخذلانه.. فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي أبقي علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق.. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاذله.. فحلق وحدق ببصره إلى السماء.. ووقفت الدنيا مشدودة السمع لما تفتر عنه شفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأصاخ الكون وأنصت التاريخ لكلمة التي يتوقف عليها مصير السعادة البشرية والحضارة الإنسانية.. فقال: أترون هذه الشمس .؟! قالوا: نعم .! ففي تصميم يفل الحديد.. وعزيمة لا تعرف الهزيمة.. وتحد يقهر الخصوم اللد.. وإصرار يقتحم البحر بجزره والمد.. قال كلمة صريحة لا يقبل معناها التأويل.. ببلاغة لو قست سحبانا بها ألفيته ذا منطق تمتامي.. قال: والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من إن يشعل أحدكم من هذه شمسي شعلة نار.. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري.. على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.. ثم استعبر وبكى وولى.. كأنما أنفاسه حرجف.. وبين جنبيه لظى واقده.. لو مادت الأجبال من تحته.. أو خرت الأفلاك ما زعزع..!

يا لقوة الإيمان وجلال البطولة.. رجل يظن أنه تخلى عنه ناصره الوحيد من أهله.. ثم يقف هذا الموقف العظيم.. إنه ثبات النبوة..

إن يكن أعزل فالحق له سيف ولامه ** فهو في جيش من الإيمان ما فل لهامه

وقف أبو طالب مأخوذا بما سمع ورأى.. وهو في قرارة نفسه يقول: والله ما هذا إلا نبي كريم .. بلغ أسمى درجات الثقة بالله رب العالمين.. فلن ينكس على عقبيه لأنه يأوي إلى ركن شديد.. فما عليه وبين جنبيه دين.. لو أراد به صم الجبال لما قرت رواسيها.. ثم يناديه أقبل يا ابن أخي فأقبل صلى الله عليه وسلم فقال له: إذهب فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا.. والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينًا.. حالـه:

قم وأبلغ نوره للعلمين ** قم واسمعه البرايا أجمعين

إن تكون في مثل نيران الخليل ** أسمع النمرود توحيد الجليل

فلم يزل يجهر بالتوحيد ولا يخاف سطوة العبيد..! وحسبه أنه نبي صلى الله عليه وسلم.......

كان أشجع الناس صلى الله عليه وسلم.. عرضت عليه المغريات من مال وملك وشرف وجاه ونساء.. نظير أن يتنازل عن دعوته فأبى ذلك العرض وازدراه ورفضه..

متميزا كالليث ديس عرينه ** متوثبا يدعوا الرجال نزالي

لا تذكروا نار الصواعق عنده ** نار الصواعق عنده كذبالي



قال قائل قريش: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيله.. قد كان محمد غلاما حدثا فيكم.. أصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة.. حتى إذا رأيتم الشيب في صدغيه قلتم ساحر كاهن شاعر مجنون.. والله ما هو بذلك فانظروا في شأنكم.. وما معهم إلا العناد وما بهم من العقل من الإنصاف مثقال درهم.. أجمعوا رأيهم على أن يفاوض ويغرى بالدنيا والنساء.. وهو القائل صلى الله عليه وسلم: " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ".. انتدبوا لتلك المهمة أبا الوليد بن عتبة.. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أنت خير أم هاشم؟! أنت خير أم عبد المطلب؟! أنت خير أم عبد الله؟! فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لأنه يريد هدايته.. فمن الحكمة أن لا يدخل معه في معارك جانبيه تعيقه عن ذلك الهدف.. لقد كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول أنا أفضل وصدق.. فهو سيد ولد آدم أجمعين.. لكنه بذلك قد يضيع الفرصة الذهبية من هداية هذا الرجل.. وكان بإمكانه أن يثني على آباءه بما فيهم من صفات حميدة.. لكنه بذلك يتيح الفرصة أن يلزمه بما يترتب على ذلك من إتباع دينهم.. وقد فعل ولذا آثر بحكمته عدم الإجابة.. فالسؤال لا يستحق ذلك.. لأنه ليس في صميم الموضوع الذي عقد من أجله الحوار.. فهم عتبة ذلك فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك.. فقد عبدوا الآلهة التي عبت.. وإن كنت تزعم أنك خير منهم.. فقل حتى نسمع قولك.. والله ما رئينا سخلة أشئم على قومه منك.. فرقت جماعتنا.. وعبت ديننا.. وفضحتنا.. والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى.. فيقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف.. فنقتتل حتى نتفانى.. وياله من عور عن الحقيقة..

لابد في العور من تيه ومن صلفا ** لأنهم يحسبون الناس أنصافا

من أين يدري الفضل معدومه ** لا يعرف المعـروف إلا ذووه

تظن بعض القـوم علامـة ** وهو إذا ينـطق بوم يـفوه

ثم ألقى عتبة حباله وعصيه.. إغراءات تغشى البصائر.. وتزيغ الأبصار.. بلغة مسمومة.. ما لامست مستشرفا لها.. إلا أهدته السم ونزعت منه الروح.. وأبقت الجسم.. وكم لعبت بهذا النغمات من نشاز أصابع من على أوتار.. فلم يبالي الصادقون بما وقع منها وطار.. قال: يا محمد إن كان إن ما بك المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا.. وإن كنت تريد شرفا سودناك فلا نقطع أمرا دونك.. وإن كنت تريد ملكا ملكناك.. وإن كان شيئا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب حتى نبرئك.. وإن كان إن ما بك النسا فاختر من أجمل نساء قريش عشرًا.. يا محمد قل نسمع..

فلوا كان الحديد للينوه ** ولكن كان أشد من الحديد

في حلم ورحابة صدر.. أعرض عن كرهات عتبة وأغضى عن سبابه.. وقال في أدب النبوة يكنيه: أفرغت يا أبا الوليد..؟ قال: نعم..! فأعلن موقفه الحاسم بشجاعة نادرة.. دون مراوغة أو مداهنة أو استعطاف أو استلطاف.. لأن قضيته قضية عقيدة تقوم على الصراحة والبيان فلا تنازل ولا إدهان..

كالكوكب الدري تلقاه ** العز بين يديه والجاه

والأرض في عينيه خردله ** وعلى عبيد الأرض نعلاه

قذف باطلهم بأوائل فصلت .. فالشمس منها سطعت وحسمت.. ورفعت الحجاب.. وأثارت الإعجاب.. ومحت السلب بالإيجاب..(حم{1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{3} بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{4})..

عتبة يسمع القرآن من فم من أنزل عليه القرآن.. فيلقي يديه خلف ظهره وقد فغر فوه مأخوذا بسلطان البيان.. ورسول الله قد استحضر عظمة الله الذي خاطبه به.. يتلوه بكل أحاسيسه ومشاعره.. ويهوي به على إغراءاتهم ومطامعهم..

فكان الآي صاعقة عليهم ** تشب على مطامعهم سعيرا

كذالك السيف أمضى وهو هاو ** واقطع مضربا منه شهيرا



لما بلغ قول الله(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).. هب عتبة مذعورا قد خيل إليه أن الصاعقة حلت به.. فأمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم يناشده الله والرحم إلا صمت.. فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم..(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ{119}).. انقلب إلى قومه فلما راؤه قالوا: نحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به..!!

قد نطقت بضعفه العيون ** ما أبلغ العيون إذ تبين

بادروه.. ما وراءك يا أبا الوليد..؟؟ فقال وقد آمن بسلطان اللغة والبيان وإن لم يؤمن بالقران: ما هو والله إلا أن جئته فعرضت عليه ما عرضت.. ثم سمعت منه قولا والله ما سمعت مثله قط..! والله ما هو بالسحر ولا بالكهانة ولا الشعر ما فقهت إلا قوله..(أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فأمسكت بفيه وناشدته أن يكف.. ولقد علمتم أن محمد إذا قال شيئا لم يكذب.. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه.. والله ليكونن قوله بالذي سمعته نبأ عظيم.. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد..!! فعاد كالكلب بالوصيد.. وكان قريبا على صحة.. فقد داخلته حروف العلل ولا عجب..!!

من يكن للجرب خلا.. ليس يخلوا من إصابة.. وهل يبصر الرمداء شمس الضحى .؟؟ وهل يحس بطعم العذب من إيف في الفم..؟؟(وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)..

معشر الإخوة:

إنها إشارة منه صلى الله عليه وسلم في شجاعة فذة.. مفادها لا لقاء بين الحق والباطل.. لا إجتماع بين النور والظلام.. الاختلاف جوهري يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق.. الأمر لا يحتاج إلى مراوغة ولا مساومة.. ليس إلا الخروج عن الكفر بجملته إلى الإسلام بجملته.. وإلا فالبراءة التامة..(لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ).. إن قوة الهجمة اليوم على الدين.. ينبغي أن تقابل برد في غاية الوضوح.. بعيدا عن التعميم والتمييع.. فالأمر جد لا هزل فيه..(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ).. لا بد من الوضوح التام.. في القضايا المصيرية التي لا تحتمل إلا وجها واحدا..(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2})..

من يملك النبع لن يحتاج من ظمأ ** إلى الدلاء ولن يحتاج للقرب

يا ابن الإسلام.. إن الرؤوس التي رفعها الإسلام تأبى أن تخضع لغير الإسلام.. وإن الألسنة التي استقامة على قول الحق.. تأبى أن يلويها لاوي لغير الحق.. الإسلام دعوة ربانية لا مجال فيها للمساومات.. مهما كانت الدوافع والإغراءات والمبررات.. فإذا نثر الحب وتساقطت العصافير.. وطرح الأب وتهافتت اليعافير.. فكن ليثا ديس عرينه.. ووسم عرنينه.. وأبرق وأرعد.. وقلها بملأ الفم.. مطعم خبيث لا يأكله إلا الخاطئون.. والذي خلق الضب وأنبت النجم والأب.. وفلق النوى والحب.. لو حالف بطن الراحة الشعر.. وسقطت السماء على الغبراء.. وصار الشرق غربا والشمال جنوبا.. فإني لأرجوا الله أن لا يزل لي قدم.. ولا يزيغ لي بصر.. ولا أحيد عن مبدأ حق.. إني على بينة من ربي..

ألا يا قبح الله شهوة أبيع بها ديني..!! وأعق بها سلفي..!! وأهين بها نفسي..!! وأهدم شرفي..!! وأكون عارا على أمتي..!!

عرى العقيدة جلت عن مساومة ** ما قيمتي في الملا من غير معتقدي

هل يصير الحر عبدا آبقا..؟! هل يصير الصقر مثل الرخم..؟! هل يتيه الشهم في أوهامه ينحني بعد بلوغ القمم..؟!.......... لا.......... لا يكون العير مهرا لا يكون.. المهر مهر.. المهر مهر.. وحسب أنه نبي....

كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. كبير الهمة.. لا ينقض عزمه.. ولا ينكث عقده..

أصالة عزم أخجلت كل صارم ** من البيض حتى خاف أن يتجردا

وحسب الفتى من عزمه خير ** صاحب يؤازره في كل خطب يئوده

فإن لم يكن للمرء من عزماته ** نصير فأخلق أن تخيب جذوده

أشار الشباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أحد.. بالخروج إلى المشركين خارج المدينة.. وكان صلى الله عليه وسلم يرى القتال داخلها.. فنزل على رأيهم.. وعلم الله أنه ما به إليهم من حاجة.. ولكن ليستن به من بعده من القادة.. كما قال الحسن رحمه الله.. صلى بالمسلمين ثم دخل منزله.. فتدجج بسلاحه وخرج في كامل عدته.. وأمرهم بالخروج إلى العدو.. فندم ذوي الرأي منهم حين شعروا أنه أشاروا عليه بخطه كان يفضل غيرها.. فقالوا: يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فامكث واصنع ما شئت.. فأتى بالإعجاز في باب الإيجاز.. وقال بقلب أسد في همة تدك الجبل الأشم والخصم الألد: ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه..

ماض البصيرة غلاب إذا اشتبهت ** مسالك الرأي صاد الباز بالحجل

إن قال برا وإن ناداه منتصر ** لبى وإن هم لم يرجع بلا نفلي



وحسبه أنه نبي.......... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس..

هو للصديق كما يحب وللعدى ** عند الكريهة ضيغم زئار

يجتمعون على حربه.. ويحرض بعضهم بعضا.. للوقوف في وجهه.. وعدم التقصير في عداوته.. ويتطاولون عليه بالسخرية.. وهو صامد كالجبل الشهيق في علياءه.. يقرر أن ما جاء به سينفذ.. لو كان الثمن إهلاك هؤلاء الصناديد.. وحاله:

إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا ** لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث

يقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: اجتمع أشراف قريش في الحجر.. فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قالوا: ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل.. سفه أحلامنا.. وعاب ديننا.. وفرق جماعتنا فبين هم كذلك.. إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فأقبل يمشي حتى أستلم الركن.. وعداته منه تغص وتشرق.. فمغرب من غيظه ومشرق.. ثم مر بهم وهو يطوف بالبيت.. فغمزوه ببعض ما يقول.. وأشاروا بأعينهم وحواجبهم.. وهروا هرير المجحرات اللواهث.. قال ابن عمر: فعرفت ذلك في وجهه إذ تغير.. وظهرت عليه علامات الغضب.. ثم مضى فغمزوه بمثلها.. ثم مضى فغمزوه بمثلها.. فإذا السكون تحرك.. وإذا الخمود تلهب.. وإذا السكوت كلام.. يستنزل الهلك من أعلى منابره.. ويستوي عنده الرعديد والبطل.. فسل حساما من بيان فهومه.. فرد سيوف الغي مفلولة الحد.. قال : تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده.. لقد جئتكم بالذبح.. ألا إنها لو تنزلت على جبل.. أهوت به وهو خاشع.. فأخذت القوم كلمته.. حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر..

حال الجريظ دون القريظ.. صادف در السل در يدفعه.. في هضبته ترفعه وتضعه.. وإن أشدهم وصات على إيذاءه.. ليرفؤه ويسكنه بأحسن ما يجد من القول.. يا أبا القاسم انصرف راشدا والله ما كنت جهولا.. والله ما كان جهولا صلى الله عليه وسلم..

لكنه جبل الوقار رسا وأشرف ** واعتلى وسما فطأطأت التلال رؤوس

من أنكر الفضل الذي أوتيته ** جحد العيان وأنكر المحسوس

كذلك كان إذا غضب.. ولا يغضب إلا لله ثم لا يقوم لغضبه شيء..

فإذا أوثير رأيت بركان رمى ** حمما ودك الأرض زلزالا

ترى الرجال وقوفا بعد فتكته ** بهم يظنون أحياء وقد قتلوا

وحسبه أنه نبي............ كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. أدركته القائلة في إحدى غزواته في واد كثير العظاح.. فنزل تحت سمرة وعلق بها سيفه.. وتفرق عنه أصحابه.. فجاء أعرابي فاختلط سيفه وسله.. ويا لله عدو متمكن وسيف شاهر وموت حاضر.. يقول: يا محمد أتخافني..؟؟ فلا نفس جزعت ولا حال تغيرت ولا روعة حصلت..!! وما كان إلا الرعد دعوى هديده.. يقول:......... لا........

كأنما الليث شبيه له ** فهو أخو الليث لام وأب

من اتق الله فأسد الشرى ** لديه مثل الأكلب العاوية

قال: فمن يمنعك مني يا محمد..؟؟ فاستحضر عظمة الله وقدرته ونصرته لأولياءه.. وقال..

يهوي فصيح القول من لهواته ** كالصخر يهبط من ذرى ثهلان

............ الله........... فخارت قواه وانحلت وسقط السيف من يده وأمكن من نفسه.. وقال: كن خير آخذ يا محمد فعفا عنه يتألفه.. فالله ما أشجعه وما أحلمه..

تهوي الجبال الراسيات وحلمه ** في الصدر لا يهوي ولا يتزعزع

رجع الأعرابي إلى قومه يقول جئتكم من عند خير الناس.. حاله:

قضيت التعجب من أمره ** فصرت أطالع باب البدل

وحسبه أنه نبي.......... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. خبيرا بفنون المنازلة.. يزلزل الخصم فيوهي بنيانه.. يقوض أركانه.. يرعب جنانه..

عزيمته ترد الغمد سيفا ** وحكمة تر السيف غمدا

إن تعدوا يا سيف لتستعينه ** أجاب قبل أن تتم سينه

ثبت في سنن الترمذي رحمه الله.. أن ركانة مصارع لم يضع أحد جنبه على الأرض.. طلب منازلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصارعته تبجحا بقوته وإعجابا ببنيته وسطوته.. معه ثلاث مئة من الغنم وقال: يا محمد هي لك أن تصارعني..؟؟

وساوس إبليس تغشى النظر ** وتخفي عن العقل نور الفكر

أي ركان أرح المطية ولا تكن ** كمحاول صيد النجوم من المياه الركد

هل لك أن تصارعني يا محمد..؟؟ فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العرض وسيلة لهدف أسمى من المصارعة.. وهو إسلام هذا الرجل مع توظيف هذه الطاقة المتفجرة لإعلاء كلمة الله.. لا يريد صرعه لا يريد قتله.. وإنما يريد حياته.. فما هو إلا الغيث.. أما وقوعه خصب.. وأما ماؤء فطهور صلى الله عليه وسلم.. عامله صلى الله عليه وسلم على أنه غريق بحاجة إلى من ينتشله.. حاله:

يا رب حيران لو شئته ** تدا ظمئآن لو شئت وردت

يقول له: وما تجعل لي إن صرعتك..؟؟ فقال: مئة من الغنم.. فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه.. فقال ركانة: هل لك في العود..؟؟ قال صلى الله عليه وسلم: وما تجعل لي إن صرعتك..؟؟ قال: مئة أخرى فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه..

هو بالله وهل يخشى انهزاما ** من يكون الله في الدنيا نصيره

قال: هل لك في العود..؟؟ قال صلى الله عليه وسلم: وما تجعل لي إن صرعتك..؟؟ قال المئة الباقية فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرعه.. ثم بقي عليه كسرت شوكته ومالت هامته.. ارتطم بالأرض ظهره هوى بأسه وهوت قواه.. ومع ذلك فقد ذهب ماله وصار حاله:

وإني لمقدام وعندك هائب ** وفي الحي سحفان وندك باقل

ثم قال: يا محمد والله ما وضع جنبي على الأرض أحد قبلك.. وما كان أحد أبغض إليّ منك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.. حاله: والله ما على الأرض أحد أحب إليّ منك اليوم

وأسبلت العينان منه بواكف ** من الدمع يجري بعد سح بوابلي

والليل ولى والظلام تبددا ** والصبح أشرق والضياء تجددا

فصار حال ركانة.. عملت الجزم بي.. وخفضت مني محل النصب.. ثم رفعت حالي.. قام عنه صلى الله عليه وسلم ورد عليه غنمه.. وهدفه هدايته.. فما الدنيا والله ببغيته.. يرى الدنيا وإن عظمت وجلت لديه.. أقل من شسع النعال.. ومن شيمة العضب المهند.. أنه يخاف ويرجى مغمدا ومجردا.. وحسبه أنه نبي.....

تبلى عظامي وفيها من محبته ** حب مقيم وشوق غير منصرم

كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. لا يجارى في قوة رأيه وإدراكه وبعد نظره فطن..

تكاد العمي تبصر الدجى لو ** أنها اكتحلت بنور ذكائه

وقف ضد رغبات أصحابه يوم الحديبية حين بركت ناقته فأعلن مقسما.. والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم.. حاله: مع حرمات الله فديتك بالسويدا من فؤادي.. ومن حدقي فديتك بالسواد.. دارت المفاوضات وسدت قريش السبل وأشيع مقتل عثمان رضي الله عنه.. فبايع أصحابه تحت الشجرة على الموت وعدم الفرار.. وتحت ذلك التصميم أرسلت قريش سهيل للصلح..

ولا ملامة إن هابوا وإن حرجوا ** لا يزار الليث إلا فرق الغنم

أجبتهم معلنا بالسيف منصلتا ** ولو أجبت بغير السيف لم تجبي

النبي صلى الله عليه وسلم يفاوض من مركز قوة.. ويتنازل في بعد نظر وأصالة رأي.. عن بسم الله إلى باسمك اللهم.. وعن رسول الله إلى محمد ابن عبدالله..

عذب المناهل غير أن ورودها ** نار المنايا حوله تتأجج

وكانت قريش إذ تأبى لشرطها ** كباحثت عن مدية تستثيرها

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل برد من جاء من المسلمين مهاجرا ولا العكس.. ويعلل ويقول: من ذهب منا إليهم فأبعده الله.. ومن جاءنا فرد جعل الله له فرجا ومخرجا.. وثقل ذلك على المسلمين وذهلوا عن أنفسهم.. لما أعيد أبو جندل رضي الله عنه إلى أبيه يرفس في قيوده.. يضربه أبوه في وجهه ويأخذ بتلابيبه وهو يستصرخ.. أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما..؟؟

فاضطرمت القلوب واضطربت.. وزلزل الهم قاصيهم ودانيهم.. حتى السماء رأوها غير ما عهدوا.. أما الصديق رضي الله عنه فقد تلقى ذلك بالرضا والتسليم.. فكان قلبه على قلب محمد صلى الله عليه وسلم حاله:

والكف ليس الزند ينكر قربه ** والعين لا يقسوا عليها المحجر

من لحمه لحمي ومن دمه دمعي ** وعلى محبته أموت وأحشر

أما عمر رضي الله عنه لعظم الوارد عليه.. أبى إلا أن يعلن عما في نفسه فيقول: يا رسول الله ألست نبي الله حقا..؟؟ ألسنا المسلمين..؟؟ أليسوا بالمشركين..؟؟ ألسنا على الحق وهم على الباطل..؟؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي عمر حرية إبداء رأيه .. مع تسديده بلا عقاب ولا تجريم.. ويقول لعمر في كل ذلك: بلى.. بلى.. فيقول عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله.. فيقول صلى الله عليه وسلم إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.. ويذعن الفاروق ويؤنب نفسه بعد.. وماهي والله إلا غيرة على الإسلام منه.. فهم بعدها هو وغيره إنما يحقق المكاسب العليا للإسلام.. فهو السنة النبوية والسياسة الشرعية التي يجب أن تقتفى.. فأذعنوا وندموا وعرفوا قصورهم فاقتصروا..

أخاطب البرق إن يسقي ديارهم ** ولو أراد بدمعي أو أراد دمي

معشر الأخوة:

ومع ما فيه الصحابة من غم لا مزيد عليه.. لم يخرجوا عن طوع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهم يرون سهيل فردا في جيش يتمادى في تفاوضه.. فلم ينله أحد بأذى وإنما مرجعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ورسول الله يسعه بالحلم حتى وصل إلى الغاية المنشودة من الصلح.. وانبلج الصبح فإذا الصلح فتح.. والغبن في الظاهر نصر.. سمعوا كلام الله وعظمت حرمات الله..

وكلما أوقدوا نارا بها احترقوا ** وأحدثوا الحرب فيهم يحدث الحرب

هكذا تبدوا شجاعة وسياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملاقة.. إلى جانب سطحية التفكير لدى زعماء المشركين.. فشرطهم الذي اشترطوه تعنتا واستعلاء.. كان وبالا عليهم حيث سبب لهم حروبا عصابات على أيدي أبي بصير وصحبه لم يحسبوا لها حسابا..

حتى أقامت رؤوسا كان يحبلها ** أجلاف قوم وفي أعناقهم صعر

فقدوا الهدف الأعلى من الصلح.. وهو تأمين طريقهم إلى الشام.. فعادوا خاضعين ذليلين يعلنون تنازلهم عن شرطهم الجائر.. ويرجون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤوي كل من جاءه من المسلمين..

فصار لواء الحق بالنصر خافقا ** وظل لواء الشرك بالذل يقهر

فما هو في صورته الظاهرة ظيم للمسلمين.. هو عز وفتح ونصر مبين.. نزلت السكينة على المؤمنين ودخل في دين الله أضعاف ما دخل قبل من المشركين.. وما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه.. وتم تحييد قريش وتكبيلها بهذه المعاهدة.. فلم يفكروا في الحرب لعشر سنين..!! فحول المسلمون المعركة إلى اليهود وغيرهم من المجرمين..

عافوا المذلة في الدنيا فعندهم ** عز الحياة وعز الموت سياني



تلكم هي الشجاعة حقا يا معشر الإخوة:

تريث في غير عجلة.. تثبت في تؤدة.. بعد نظر في أصالة رأي.. لزم الوحي مع اتهام الرأي.. قضاء المصالح على أحسن وجه.. درء المفاسد في أجمل هيئة..

من يلاقي النار بالنار يزهدها ** لهبا إطفائه يغدوا محالا

الحد والشدة ليست لوازم قوة.. والتعقل والمدارات ليست مؤشرات ضعف.. والحزم والقوة والشجاعة حقا فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي..!!

وريث المثابر أمضى خطا ** وأبلغ من قفزات الصخب

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس الشديد بالسرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"

والسيف لا يمضي بدون روية ** والرأي لا يمضي بغير مهند

وقد يدفع الإنسان عن نفسه الأذى ** بمقوله إن لم يدافعه باليد

كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.. خاض غمار الحروب في سبيل الله.. لإعلاء كلمة الله حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله..

أزال ظلام الغي عن نير الهدى ** وحكم سيف الحق في كل باطل

مضى فعله المشتق من مصدر العلا ** فصح له منه اشتقاق اسم فاعل

في يوم حنين اختل نظام جيشه وانفض عنه معظمه.. وهو ثابت في الميدان لا يبرح.. مقبل لا يدبر.. ظاهر لا يتوارى.. وكيف يتوارى عن الموت.. من يوقن أن موته انتقال من حياة نصب ومشقة.. إلى ما اشتهت نفسه ولذت عينه.. يركض بغلته البيضاء في نحر العدو.. ويترجل عنها حينا.. فلا يرى أحد أشد منه يومئذ.. كالسيل في دفعاته.. والسيف في عزماته.. والموت في وثباته.. يشهر نفسه وهو هدف العدو الأعلى.. ويزأر.. هلموا إلي أيها الناس.. أنا رسول الله.. أنا محمد ابن عبد الله.. أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب..

تخرج الألفاظ من فيه كما ** تخرج الدرة من جوف الصدف

له عزمة لو صادمت ركن يذبل ** ورضوى لهدت يذبل ومحت رضوى

مناديه ينادي: يا أصحاب السمرة.. يا أصحاب سورة البقرة.. فجر النداء مكامن الإباء.. وثاب الفار منهم ولبى.. وأما الصوت وحاله: يا رسول الله هانا ذا..

أنا بعض منك والكف على ** كل حال لا تضيع المعصم

وحمي الوطيس وبذل النفيس.. ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه القوم بقبضة من تراب قائلا: شاهت الوجوه فما خلق الله إنسانا منهم.. إلا ملئت عيناه من تلك القبضة فولوا مدبرين..

قد زلزل الرعب أيديهم وأرجلهم ** وعاد ثعلب قفر ذلك الأسد

فمجدل ومرمل وموسد ومضرج ومضمخ ومخضب.. ونزلت السكينة على المؤمنين..(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)..

ومن لاذ بالله في دربه ** كفاه المهيمن من كل شر

كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس على الإطلاق.. فر عنه الكماة الأبطال غير مرة . وما أحصيت غير مرة.. ذهل عنه الشجعان ووجم الفرسان غير مرة.. ولم يحفظ له وجمة..

على الزعازع والأهوال والباس ** لو مادت الأرض يبقى الشامخ الراسي

ما وقعت هيعة أو صيحة أو فزع.. إلا تقلد السيف في عنقه وبادر ظهر الفرس يسبق إلى العدو.. يستبرأ الخبر ويطمئن أصحابه بشعار.. لن تراعوا لن تراعوا..

ليس يدنوا الخوف منه أبدا ** ليس غير الله يخشى أحدا

يغدوا وهوج الذاريات رواكد ** ويبيت يسري والكواكب نوموا

وحسبه أنه نبي....... كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس يحقر كل ما يسميه الناس خطرا.. يثبت حين تزلزل أقدام الأبطال رهبا.. موقفه أقرب موقف من عدوه.. إذا اتقدت جمرة الحرب آوى الناس إليه وإحتموا بظله..

يتقي الموت به أشياعه ** حين جف الريق وانشق البصر

يشهد بذلك غصن من دوحته وجزء من جملته.. يؤكد العيان بالبيان ويؤد الإصطاح بالمصباح.. إنه علي رضي الله عنه فارس الفرسان وفتى الفتيان.. البطل المقدام همام الهمام الليث الكرار.. مفرق كتائب الكفار من روي في شجاعته مشهود الأخبار.. ما أمسك بذراع علج إلا حار وانقطع نفسه وخار..

لو عاين الأسد الضرغام لمته ** ما ليم أن ظن رعبا أنه الأسد

يقول علي رضي الله عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولقد رأيتنا يوم بدر وقد حمي البأس واحمرت الحدق.. ونحن نلوذ ونتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وأشدنا بأسا.. وإن الشجاع منا للذي يحاذي به..

له من بديع العزم ما لو تلوته ** على جبل لنهال في الدوي ربده

له هيبة في قوله وفعاله ** فلوا شاهدته الأسد كانت تهابه

هذه شهادة علي.. وحسبه أنه رسول نبي..........

لا تسألن القوافي عن شجاعته ** إن شئت فاستنطق القران والصحف

كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس لم يملأ صدره هول قط.. وما كر إلا كان أول طاعن ولا عاينته الخيل إلا اقشعرت..

يكون أمام الخيل أولا طاعن ** ويضرب أخراها إذا هي ولت

روي أن أبيّ ابن خلف قال بعد بدر متهددا.. إني لي فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتل عليها محمدا..

ظل عنك المحال يا من تعنى ** ليس يلقى الرجال غير الرجال

هيهات لقد رمت أمرا يا أبيّ ** ودونه خياطف إلود صعاب مراتبه

شماريخ لو أن أبيّ أراداها ** رأى نفسه أذل من القرد

(فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).. بلغت المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة.. بل أنا أقتله عليها إن شاء الله.. وحاله:

فأنتم وعدتم بالهدية قبلنا ** فكان علينا يا أبيّ ثوابها

وفي يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم أبيّ فآذنوني.. لأنه صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في القتال وراءه..

هزبر تفادى الأسد من وثباته ** لو مربض عنه يحيد الأكابر

إذا ما رأته العين غير لونها ** له واقشعرت من عراه الدوائر

أقبل أبيّ يركض فرسه متدرعا بالحديد مملوء الوطاب من سوء أدب الخطاب..

لو أن خفة عقله في رجله ** سبق الغزال ولم يفته الأرنب

يبحث عن حتفه بظلفه ** ويجدع مارن أنفه بكفه

يصيح بأعلى صوته: يا محمد لا نجوت إن نجوت.. يا محمد لا نجوت إن نجوت.. فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما كنت صانع حين يغشاك فقد أتاك.. وإن شئت عطف عليه بعضنا فكفاكه.. فأبى صلى الله عليه وسلم أشد الإباء..

بطل تشيعه الأسود إذا غزى ** حتى وثقنا أنها من جنده

قنصت مهابته البزات وصادت ** الأسد الكماة قشاعم من جرده

فصاح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما أبى: نوصيك بالبغل شرا فإنه ابن الحمار.. رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبادره.. بل تركه يرعد وهو في غاية السكون والتؤدة والهدوء..

وهدوء أمواج البحار تأهب ** للمد يكتسح الشواطىء صرصرا

إذا رأيت الموج في البحر سكن ** فالموت كامن لإغراق السفن

ما أحد يشبهه صلى الله عليه وسلم ولا يكون له إذا جد الجد..

يتلاشى البحر في نيرانه ** ويخاف البحر من طوفانه

ولما دنى أبيّ تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة ثم هزها.. وحاله:

اقترب الوعد وحان الهلاك ** وكل ما تحذره قد أتاك

ثم انتفض بالحرمة كما ينتفض البعير.. فتطاير الصحابة من حوله تطاير الشعارير.. هيبة له حتى إذا رضيها عطف عليها بالفاء لا بثم.. فضربه بها في عنقه في فرجَة بين درعه وبيضته.. فأقتلعه من على فرسه فخر..

فلم يزده الله إلا هوانا ** وهو مهتضم حقير

وكان كفاقع عينيه عمدا ** فأصبح لا يضيء لها النهار

جعل يخور كما يخور الثور.. قتلني محمد.. قتلني محمد.. وعاد عواء بعد نبح هريره..

متبرقعا لؤما كأن عيونه ** طليت حواجبها عنية قاري

لم تغني عنه سيوف الهند مصلتتا ** لما أتته سيوف الواحد الصمد

جاءه أصحابه يقولون: أبا عامر والله ما بك من بأس ولو كان الذي بك بعين أحدنا ما ضره.. فقال: واللات والعزى لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون.. أليس قال لأقتلنك..!! والله لو بصق علي لقتلني.. فأصمت منهم كل من كان ينطق..!!

وما هم إلا بائل من مخافتي ** وآخر منهم ظل بالريق يشرق

وباء أبيّ بالصفقة الخاسرة ** وضيع الدنيا والآخرة

وهلك في طريقهم إلى مكة ولا يجني الظالم إلا على نفسه..

ومن ينزوا في أرض تسوخ فإنه ** على قدر ما ينزو يغوص ويغرق

شجاعة أعجزت قولي ** وفخري أن يلم بها لماما

ولولا إحتقار الأسد شبهتها به ** ولكنها معدودة في البهائم

كل الذي قلت شيء من شجاعته ** ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا

فمن رام من شجاعة المختار كل الأخبار.. فدونه نزح البحار وما هذه كلها إلا إيماض برق باختصار..!!

ألفاظها نمت على مضمونها ** وصدورها دلت على الإعجاز

قولوا لأشباه الرجال تصنعا ** إلا تكونوا مثله فتقنعوا

معشر الإخوة:

أما إنه لولا الإيمان مقرونا بهذا الخُلق.. ما قام لله ناصح وما نفح عن الإسلام منافح.. إن الشجاعة ليست منازلة في الحروب فحسب..!!((الشجاعة)) تكليف يلتزم المسلم أداءه في السلم والحرب.. الأمر والنهي عن المنكر في عالم ضال((شجاعة)).. الدعوة إلى الإصلاح في أمة فاسدة النظم((شجاعة)).. الثبات أمام الشبهات والشهوات((شجاعة)).. فعل أوامر الله والكف عن نواهي الله((شجاعة)).. الدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والمظلوم((شجاعة)).. ثبات المسلمة أمام شبهات أدعياء تحرير المرأة((شجاعة))..

هكذا كوني ولا تخشي أذى ** من أحب الشهد قاس الأبرا

الإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس((شجاعة)).. المجاهدة على ذلك كله((شجاعة))..

وكل شجاعة في المرء تغني ** ولا مثل الشجاعة في الحكيم

معشر الإخوة:

بهذا الخُلق نصر الإسلام على يدي أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة.. والإمام أحمد رحمه الله يوم المحنة..

وإن لم يسر نجل السري بسيره ** فلا بدع إن طال العدى إنه دعي

هذا الخُلق هو الذي ترجم معنى لا إله إلا الله في قلب عبدالله رضي الله عنه ابن رأس النفاق أبي.. حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبيه ودعاه.. فخمر أنفه وقال: غبر علينا ابن أبي كبشة إليك عنا فقد آذانا نتن حمارك.. فغضب عبدالله لله.. وفي ظلال قول الله..(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ).. أتى رسول الله وقال: يا رسول الله والذي أكرمك بالهدى ودين الحق لإن شئت لآتيتك برأسه.. حاله:

وإني لأرجوا أن أنال بقتله ** من الله أجرا مثل أجر المرابط

فقال صلى الله عليه وسلم:..... لا...... ولكن بر أباك وأحسن صحبته.. والحال:

فما البحر الخضم يعاب يوما ** إذا بالت بجانبه القرود








آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس