عرض مشاركة واحدة
قديم 04-17-2009, 08:34 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: اعجبتني .. اضحكتني ... ابكتني .

غلاسة
د/طارق على فدعق

يُقال إن الإيسكيمو في القطب الشمالي يصفون الثلج بعشرين كلمة أو أكثر نظراً لوفرته وكثرة أنواعه... ويصف أهالي شرق الولايات المتحدة التفاح بأكثر من ذلك نظراً لوفرته بأشكاله وأنواعه المختلفة.. وللأسف فإننا يمكن أن نصف الغلاسة اليوم بأكثر من مائة كلمة.. هناك الغلاسة الإدارية يتعرض لها آلاف الموظفين يومياً بدون داع.. احضر الملفات.. أذهب بالملفات.. هات التقارير.. وودي التقارير.. وهناك طبعاً الغلاسة المرورية على الطرقات وبالذات في جدة.. لاحظ أشكال السائقين وكأن نصفهم في جنازة كبرى.. والنصف الآخر كأنهم داخلون معركة دامية.. والغلاسة العاطفية بين الزوج وزوجته.. أو الزوج ومجموعة من زوجاته.. والغلاسة المالية سواء كانت في القطاع العام أو الخاص أو حتى في المعاملات الأسرية (الفواتير غير المقبولة).. ولاننسى طبعاً الغلاسة الرسمية.. ادفع الرسوم ثم احضر «الدمغة».. ثم التوقيع ثم الرسوم.. ثم التوقيع ثم التوقيع الآخر لمطابقة التوقيع الأول.. ثم التركين على صحة التوقيع.. ثم الرسوم ثم الطابور.. ثم انتهى الدوام.. والتعليمية (الامتحانات المفاجئة).. والعمرانية (غلس على جارك وبات غني).. وسبحان الله أن هناك مخلوقات تتخصص في التنغيص وفي مقدمتها الذبابة، فبالإضافة إلى كونها قذرة وملوثة، فهي تنغص على آلاف الملايين من البشر يومياً.. ولكن هناك جانب مضيء لهذه الحشرة المؤذية فقد ساهمت في التأثير على خيال أحد أهم العلماء على الإطلاق وهو رينيه ديكارت الفرنسي... كلنا سنتعرض للغلاسة بشكل أو بآخر وعلينا التخفيف من تركيزها لنتغلب عليها
يحكى أنه في عام 1636 كان مريضاً في فراشه، وكان يراقب ذبابة تفعل ما تفعله دوما.. «تتمخطر» على جدار غرفته.. ويقول في مذكراته أن حركتها بين المشي والطيران أوحت له بفكرة ربط مكانها فراغياً بمعادلة جبرية وولدت فكرة النظام الديكارتي Cartesian System للتعامل مع الإحداثيات بربط الجبر بالهندسة الفراغية.. والله أعلم فقد تكون ذبابة ديكارت كالتفاحة التي سقطت على رأس نيوتن وأوحت له بالجاذبية.. قد تكون مجرد قصص.. لاحظ أن معظم البشرية راقبت الذباب لآلاف السنين ولم يفكر أحد في وصف حركتها رياضياً كما فعل هذا العالم.. الموضوع يحتاج إلى درجة عالية من الإبداع.. وبمناسبة الحديث عن الإبداع فهناك غلاسة إبداعية أيضاً وتنعكس في بعض الأفكار الفلسفية.. وتتطلب هذه فكراً صافياً وحجة قوية ومنطقاً لأنه من الصعب أن يغلس أي كائن على الفلاسفة.. لأن جزءاً من عملهم أصلاً هو التنغيص.. ومن أبرز النجوم المتألقة في هذا المجال هو زينو الإغريقي.. كان من تلاميذ «سقراط» ومن شلة «أرسطو» وكانت مدرستهم تمثل قمة الوجاهة العلمية في قمة أيام الحضارة اليونانية.. كان بارعاً في الفلسفة واشتهر باسم «أبو لسانين» لأنه كان يطرح المعضلة ويُحاور جانبيها بجدارة.. يؤيدها بقوة من جانب ويعترض عليها بقوة من الجانب الآخر.. غلس.. ولكن قمة عطائه الفلسفي كان في معضلته المتعلقة بالحركة وملخصها كالتالي: إذا قطعت نصف مسافة ما في مشوار فسيتبقى طبعاً النصف الآخر، وعندما تقطع هذا النصف المتبقي سيتبقى لك نصف النصف.. وبعد أن تغطيه سيتبقى لك نصف نصف النصف وهكذا... إلى ما لا نهاية ومعنى ذلك أنك لن تصل إلى نهاية المشوار نظرياً.. يا زينو هالزينو.. فقد وضع معضلة حيّرت العلم والعلماء لأكثر من ألفي سنة.. وفي الواقع فقد جزأها إلى أربعة أجزاء، وكلها نابعة من الفكرة الأساسية.. وكلها سهلة ممتنعة لدرجة أنها وقفت راسخة بدون حل إلى أن تم اختراع فرع جديد بالكامل في الرياضيات وهو التفاضل والتكامل والنهايات Limits.. خطرت لي هذه الأفكار عندما كنت في الأحوال المدنية وقيل لي إن معاملتي قد اكتمل نصفها وشعرت وكأن «زينو» واقف بالطابور خلفي يقول «شفت؟ قلت لك».
* أمنيـة :
كلنا سنتعرض للغلاسة بشكل أو بآخر.. اليوم وكل يوم.. وأحد أهم الأسرار في التغلب عليها هو أن نخفف من تركيزها.. وبمناسبة الحديث عن تركيز الغلاسة فستجد أن العنوان التالي يحتوي على أكبر مقدار غلاسة للمتر المربع على هذا الكوكب.. العنوان هو: الكنيست -كريات بن جوريون- القدس 1950م.. أتمنى أن يرفع الله عن إخواننا شر الغلاسة في كل مكان.. وللعلم فقد تبقى نصف المقال أؤجله إلى مرة قادمة.. ولكني غالباً سأكتب نصف النصف على أن أكمله مستقبلاً.. وعندئذ بإذن الله سأكمل نصف نصف النصف..
والله من وراء القصد.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس