عرض مشاركة واحدة
قديم 04-17-2009, 08:50 AM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: اعجبتني .. اضحكتني ... ابكتني .


دفق قلم
التطوُّر والخصوصية



بقلم/عبد الرحمن بن صالح العشماوي


قال لي صاحبي: كيف يمكن أن نجمع بين التمسُّك بعقيدتنا ومبادئنا وضوابط شرعنا بهذه الصورة التي ينادي بها الدعاة والعلماء في عالمنا الإسلامي، وبين التطوُّر المادّي في الجوانب كلِّها التي نحتاج إليها؟ إنها معادلة صعبة، فإما أن نكون أصحاب نظم إدارية واقتصادية واجتماعية وثقافية حديثة تماماً حتى نواكب الغرب الذي سبقنا بعشرات السنين، وإما أن نتوقف ونبقى على حالنا؟

قلت له: أنت ياصاحبي في سؤالك طرحت المشكلة التي يعاني منها كثير من المسلمين، في التصور الصحيح لهذه المسألة، وأجيب عن مجمل سؤالك فأقول: إن الجمع بين التطوير المادي الذي نحتاج إليه وتطوير بعض طرائق الإدارة وأنظمة الاقتصاد ووسائل التعليم والتثقيف وبين الحفاظ على خصوصيتنا الشرعية والفكرية والخلقية والاجتماعية ممكن جداً، بل هو المنهج الأصوب لمن أراد أن يطوِّر تطويراً واعياً بعيداً عن الانسياق والذَّوَبان في الآخرين، فلا يلزم من التطوير أن نتابع الغرب حذو القذَّة بالقذَّة، فيصبح نظام الأسرة عندنا كنظام الأسرة عندهم، وتصبح أخلاقنا كأخلاقهم، ويصبح مظهر المرأة عندنا كمظهر المرأة عندهم، ولا يلزم من التطوير أن ننقل صور الاختلاط بين الرجال والنساء الموجودة عندهم تحت مظلة مشاركة المرأة في البناء والتقدم، وأن تصبح أشكال أطفالنا وشبابنا كأشكال أطفالهم وشبابهم، وهكذا دواليك، إن التطوير الواعي لا يلزمنا بذلك أبداً، وإنما هذا فهم خاطئ عند كثير من الناس، وفهم خاطئ عند بعض من يخطِّط للتطوير في عالمنا الإسلامي، إن التطوير الإيجابي الذي ننشده نحن المسلمين لا يمكن أن يتحقَّق إذا فرَّطنا في عقيدتنا وضوابط شرعنا وسلوك مجتمعاتنا القائم على تعاليم ديننا، والصورة واضحة في بعض البلاد العربية والإسلامية التي انطلقت منذ سنوات طويلة في طريق التطوير على النهج الغربي، فكانت النتيجة خسارة الخصوصية الدينية، وخسارة التطوير المنشود الذي يبني دولة قوية، وأصبحت مظاهر التطوير في تلك البلاد الشاليهات المتعرية والمسارح المنفلتة ودور السينما الفاسدة، وشيوع الأخلاق المنحرفة بين كثير من أفراد المجتمع، أما الصناعة والاقتصاد وغيرها من مظاهر التطور الإيجابي فلا أثر لها، أتدري لماذا ياصاحبي؟ إنما كان ذلك بسبب انحراف الفهم الحقيقي لمعنى التطوُّر المثمر.

ولا بأس أن أقرِّب لك الصورة أكثر.

في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جدَّث أمور كثيرة، ولم يتراجع عمر في اعتمادها لما فيها من المصلحة، فنظام الجند تطوَّر في عهد عمر بعد أن تمَّت الفتوح الإسلامية في العراق والشام ورأوا من أنظمة ترتيب الجيوش عند الأعداء ما يمكن أن يستفاد منه فلم يترددوا من الاستفادة منه، وكذلك نظام توزيع الأموال التي ربحها المسلمون بعد الفتوحات وهو ما عُرف بنظام (الخرَاج) ولم يكن لدى عمر - رضي الله عنه - أو أحد من مستشاريه من الصحابة مانع من التطوير الواعي، ونحن جميعاً نعرف مدى حرص ذلك الجيل على العقيدة وخصوصيتها.

إن الخليفة عمر الذي جدَّد وطوَّر، هو الذي كان الحارس الأوَّل في عهده لشرع الله وتطبيقه، ولم يجد تعارضاً في الجميع بين هذه الأمور.

تأمَّل معي هذا الموقف: لما فرض عمر بن الخطاب لابنه عبدالله في عطاء بيت المال ثلاثة آلاف، فرض لأسامة بن زيد ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقال عبدالله بن عمر لأبيه: لماذا فضَّلتَه، فو الله ما سبقني لمشهدٍ في الجهاد؟ فقال عمر لأنَّ زيداً أباه كان أحبَّ لرسول الله من أبيك، ولأن أسامة كان أحبَّ إليه منك، فآثرت حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي.

هنا إيثار واضح لحب رسول الله على كل حب، وهذه صورة جليَّه من صور التمسُّك بالخصوصية الدينية في أدَقّ تفاصيل الحياة، ومع ذلك فإن هذه الخصوصية لم تقف حائلاً دون الأخذ بكل جديد مفيد لا يعارض شرع الله. المهم ياصاحبي أن نكون مخلصين لربنا حقاً وعند ذلك سنكون قادرين على الجمع بين الحسنيين.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس