الرمانة
عشت مرة في قلب رمانة . وبينما أما جالس يوماً في خليتي سمعت حبة تقول "سأصير في المستقبل شجرة متعالية تترنم الأرياح بأغصانها وترقص الشمس على أوراقها ، وسأكون قوية جميلة على ممر الفصول" .
فأجابت حبة ثانية وقالت : "ما أجهلك أيتها الرفيقة ! فإنّي حين كنت صغيرة مثلك حلمت أحلامك . ولكنني بعد أن صرت قادرة على تحديد كل شيء بمقياس ومعيار أدركت أنّ جميع آمالي كانت باطلة" .
ثم قالت حبة ثالثة : "أمّا أنا فإنّني لا أرى فينا ما ينبئ بمثل هذا المستقبل العظيم" .
فأجابت حبة رابعة وقالت : "إذا لم ترم حياتنا إلى مستقبل أنبل وأبهى فباطلة هي " .
فوقفت إذ ذاك حبة خامسة وقالت : " ما بالنا نتجادل فيما سيؤول إليه أمرنا في المستقبل في حين أنّنا لا نعرف ما نحن عليه اليوم ؟ ".
فقالت حبة سادسة : "إنّنا سنظلّ أبداً على ما نحن عليه الآن " .
فأجابتها حبة سابعة قائلة : "إن في ذهني صورة واضحة للمستقبل ولكنني لا أستطيع أن أرسمها بالألفاظ " .
ثم تكلمت حبة ثامنة وتاسعة وعاشرة وحبوب كثيرة حتى تكلم الجميع فلم أفهم شيئاً لوفرة الأصوات وبلبلتها .
فتركت الرمانة في ذلك اليوم وأتيت فسكنت في سفرجلة حيث لا يوجد إلا قليل من الحبوب تعيش بصمت وسكون .
جبران خليل جبران