عرض مشاركة واحدة
قديم 04-20-2009, 11:59 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ساجده

الصورة الرمزية ساجده

إحصائية العضو








ساجده غير متواجد حالياً

 

Smile إذا مـسّ بالسراءِ عـمَّ سرورُها

نِعَم الله تترى على العباد في كل لحظة ، بل مع كل نَفَس ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )

وواجب العبد نحو نِعمِ ربِّه أن يَشْكرَهـا ولا يكفرها.

لأن النِّعم إنما تدوم وتُستدرّ بالشُّكر .

فما هو الشُّـكُـر ؟

وكيف يكون ؟
الشُّكر هو : الثناء على المحسن بذِكرِ إحسانه بما أولاكه من المعروف .

وقيل : هو تصورُ النعمةِ وإظهارُها .

قال سهل بن عبد الله : الشكر : الاجتهاد في ذل الطاعة ، مع اجتناب المعصية في السر والعلانية .

وقال الجُنيد : الشكر ألاّ يُعصى اللهَ بِنِعَمِه .

وقال الشِّبلي : الشكر : التواضع ، والمحافظة على الحسنات ، ومخالفة الشهوات ، وبذل الطاعات ، ومراقبة جبار الأرض والسماوات . ( ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله ) .

وهل هناك أكثرُ إحساناً عليك وإنْعاماً ممن رزقك وأنت في بطن أمك ؟ وسوّغ لك الطعامَ والشراب ؟ وألبسك لباسَ الصحة والعافية ؟ وأعطاك المال والأهل والولد ؟

وذكّرك مولاك بنعمته فقال : ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )

قال مجاهدٌ وغيره : هذه نِعمٌ من اللهِ متظاهرة يُقرِّرُكَ بـها كيما تشكر .

وقال ابن مسعود في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) : قال :

حقّ تقاته : أن يُطاع فلا يُعصى ، وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر .

فالشُّكر إذاً من لوازم التقوى . ودخول الجنة مرتبط بتقوى الله ، وكذلك قبول العمل والدخول في رحمة أرحم الراحمين .

والشكر وصف ممدوح ووصف جليل ووصف محبوب

وقد وصف الله نبيّه نوحا بأنه ( كَانَ عَبْدًا شَكُورًا )

وامتدح الله عبده لقمان بأنْ آتاه الله الحكمة ورزقه الشكر ، فقال : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) .

والشُّكر مما أهمّ الأنبياء كيفية أدائه

يُروى أن موسى عليه الصلاة والسلام قال يوم الطور : يا رب إن أنا صليت فَمِنْ قِبلك ، وإن أنا تصدقت فَمنْ قِبلك ، وإن أنا بلغت رسالتك فَمِنْ قِبلك ، فكيف أشكرك ؟ قال : الآن شكرتني .

والشُّكرُ يكون في ثلاثة مواضع :

بالقلب وباللسان وبالجوارح .

فبالقلب اعتقاداً أن الله وحدَه هو المنعمُ المتفضّلُ بـهذه النِّعم لقوله تبارك وتعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ )

وأن من سوى الله من الخلق إنما هم سببٌ لجريان شيء مِن النِّعم على أيديهم .

وفي الحديث : لا يَشكرِ اللهَ من لا يشكرِ الناس . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

وفي الحديث الآخر : إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس . رواه الإمام أحمد .

وقال عليه الصلاة والسلام : من صنع إليكم معروفاً فكافئوه .

فهذا كلّه يدلُّ على شكرِ الناس لا على نسبةِ النعمة إليهم

وشكر الناس أمرٌ مطلوب ، كما قال الله تعالى : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ )

قال الحسن : قال موسى عليه السلام : يا رب كيف يستطيعُ ابن آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه ؛ خلقته بيدك ، ونفخت فيه من روحك ، وأسكنته جنتك ، وأمرت الملائكة فسجدوا له ؟ فقال : يا موسى عَلِمَ أن ذلك مني ، فَحَمِدَنِي عليه ، فكان ذلك شكرا لما صنعته . رواه هناد في الزهد .

وقال صلى الله عليه وسلم : ما أنعم الله على عبد ، فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة . رواه الطبراني وغيره ، وصححه الألباني .

قال سليمان التيمي : إن الله أنعمَ على العباد على قدْرِه ، وكّلّفَهُم الشكرَ على قدْرِهم ، حتى رضيَ منهم من الشكر بالاعترافِ بقلوبهم بِنِعَمِهِ ، وبالحمد بألسنتِهم عليها .

ويكون الشكر باللسان لقوله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )

فيتحدّث العبدُ بنعمة ربِّه عليه اعترافاً بـها ، وقبولاً لها ، وشكراً لمن أسداها ، وأنعمَ عليه بـها.
لو كلَّ جارحة منِّي لهـا لغـةٌ *** تثني عليك بما أوليتَ من حسنِ
لكان ما زان شكري إذا أشرتُ به *** إليك أجمل في الإحسان والمنن
فيتحدث العبد بنعمة الله عليه بلسان مقاله ، وبلسان حاله .

وفي صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : سيدُ الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدُك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ،أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .

فتضمّنَ الحديثُ الاعترافَ بنعمةِ اللهِ عليه .

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الطعام قال : الحمد لله الذي أطعم وسقى ، وسوّغه وجعل له مَخْرَجا . رواه أبو داودَ والترمذي .

وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَةَ فيحمدَه عليها ، أو يشربَ الشّرْبَةَ فيحمدَه عليها .

قال بكر بن عبد الله : ما قال عبدٌ قط : الحمدُ لله مرةً ، إلا وجبت عليه نعمةٌ بقوله : الحمدُ لله ، فما جزاء تلك النعمة ؟ جزاؤها أن يقولَ : الحمد لله ، فجاءت نعمـةٌ أخرى فلا تنفد نعماءُ الله . رواه ابن أبي الدنيا في الشكر .

فكلُّ نعمةٍ فمن الله وحدَه حتى الشكر فإنه نعمةٌ وهي مِنْـهُ سبحانَه ، فلا يطيقُ أحدٌ أن يشكرَه إلا بنعمته ، وشكرُه نعمةٌ مِنْهُ عليه ، كما قال داود عليه الصلاة والسلام : يا رب كيف أشكرُك وشكري لك نعمةٌ من نعمك عليّ تستوجبُ شكراً آخر ؟ فقال : الآن شكرتني يا داود . ذكره الإمام أحمد في الزهد .

وذَكَرَ عن الحسن أنه قال : قال داود : إلهي لو أن لكل شعرة من شعري لسانين يذكرانك بالليل والنهار والدهرَ كلَّه لما أدّوا مالَكَ عليّ من حقِّ نعمةٍ واحدة .
إذا كان شكري نِعْمَةَ الله نعمةً *** عليَّ له في مثلها يجبُ الشكرُ
فكيف وقوعُ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيامُ واتصل العمر
إذا مس بالسراءِ عمَّ سرورُها *** وإن مسَّ بالضراءِ أعقبها الأجر
وما منهما إلاّ لـه فيه مِنّـةٌ *** تضيقُ بها الأوهامُ والبـرُّ والبحر
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن – حين وَلِيَ القضاء – : أما بعد فلتكن التقوى من بالك على كلِّ حال ، وخفِ الله من كل نعمةٍ أنعم بـها عليك من قِلّةِ الشكر عليها مع المعصية بـها ، فإن في النعم حُجـةٌ ، وفيها تَبِعَةٌ ؛ فأما الحجةُ بـها فالمعصيةُ بـها ، وأما التبعةُ فيها فقلّة الشكر عليها ، فعفى الله عنك كلما ضيعت مِـنْ شكر ، أو ركبت من ذنب ، أو قصرت من حق .

هذا تحـدّثٌ بالنعمة بلسان المقال
وأما بلسان الحال ففي لباس الإنسان ولباس أولاده وحالهم لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يُحب أن يُرى أثـرُ نعمتِه على عبده . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

وفرق بين أن يَرى الخلق أثـر النعمة وبين الإسراف .

لقوله عليه الصلاة والسلام : كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة . رواه البخاري تعليقا ، رواه الإمام أحمد والنسائي .

وقال ابن عباس : كل ما شئت والبس واشرب ما شئت ، ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة . علّقه البخاري ، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق موصولا .

وفي المسند وغيرِه عن أبي الأحوص الجُشَميّ عن أبيه قال : رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعليّ أطمارٌ ، فقال : هل لك مال ؟

قلت : نعم .

قال : من أي المال ؟

قلت : من كل المال قد آتاني اللهُ عز وجل ؛ من الإبل والرقيق والخيل والغنم .

قال : فلتُرَ نِعَمُ اللهِ وكرامتُه عليك .

أي ليرى الناس أثر نعمة الله عليك ، فهذا من شُكرها بلسان الحال .

ويكونُ الشكرُ عَمَلاً بالجوارح بأن لا تعملِ الجوارحُ إلا بما يُرضي مولاها سبحانه .

فيعمل العبدُ بطاعة ربِّه ، خِدمةً لسيِّدِه ، لا يرى أنه صاحب معروفٍ بعمله ، بل ينظر إلى أعماله كلِّها على أنـها قطرةٌ في بحر جودِ مولاه جل جلاله ، وأنه مهما عمِلَ من عملٍ فإنه لا يؤدّي شُكرَ أقلَّ نعمةٍ يتقلّبُ بـها ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )

وقد أنعم الله عز وجل على العبد بالجوارح والأعضاء التي لا تُقدّر بثمن ، ولو كانت تُباع أو تُتشرى لكان الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال أكثر الناس تمتعاً بالصّحة !

جاء رجلٌ إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله قائلاً : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبدُ الله : ألك امرأةٌ تأوي إليها ؟ قال : نعم . قال : ألك مسكنٌ تسكنُه ؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء . قال الرجل : فإن لي خادماً . قال : فأنت من الملوك ! رواه مسلم .

وشكا رجل ضيقَ حالِه إلى يونسَ بنِ عبيد ، فقال له يونس : أيسرُّك أن لك ببصرك هذا الذي تُبصرُ به مائةَ ألفَ درهم ؟ قال الرجل : لا . قال : فَبِيَدِكَ مائةَ ألفَ درهم ؟ قال : لا . قال : فَبِرجليك ؟ قال : لا . قال فذكّـره نعمَ اللهِ عليه ، فقال يونس : أرى عندك مئين ألوفٍ وأنت تشكو الحاجة . رواه أبو نعيم .

قال ابن القيم رحمه الله :
ويكفي أن النَّفَـسَ من أدنى نِعَمِهِ التي لا يكادُون يعدّونها ، وهو أربعةٌ وعشرون ألفَ نَفَس في كل يوم وليلة . فـ لِلّه على العبد في النَّفَس خاصةً أربعةٌ وعشرون ألفَ نعمة كلَّ يوم وليلة . دع ما عدا ذلك من أصناف نِعَمِهِ على العبد ، ولكل نعمةٍ من هذه النعم حقٌّ من الشكر يستدعيه ويقتضيه . اهـ .

جسدك هذا الذي تتمتّع به ومتّعه الله بالصحة سوف تُسأل عنه

قال عليه الصلاة والسلام : إن أولَ ما يُسألُ العبدُ عنه يومَ القيامة من النعيم أن يُقالَ له : ألم نُصحِّ لك جسمَك ، ونُرويك من الماء البارد ؟ حديث صحيح رواه الترمذي وغيره .

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عَـدّ الماء البارد من النعيم الذي سوف نُسأل عنه ، قال جابر ابن عبد الله : جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، فأطعمناهم رطبا وسقيناهم من الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا من النعيم الذي تسألون عنه . رواه أحمد وغيره وهو صحيح

قال ابن مسعودٍ : النعيم : الأمن والصحة .

قال أبو الدرداء : كم من نعمةٍ لله في عرقٍ ساكن .

وقد ذكّر الله عز وجل بهذه الجوارح فقال : ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )

وامتن الله عز وجل على العباد بالجوارح فقال : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

وما ذلك إلا لأن هذه الجوارح المذكورة هي وسائل المعرفة والإدراك ، فأيُّ عملٍ عَمِلَتَ بها ؟

وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى الآيات التي ورد فيها السمع والبصر والفؤاد ثم قال :

وهذا كثير جدا في القرآن ؛ لأن تأثره بما يراه ويسمعه أعظم من تأثره بما يلمسه ويذوقه ويشمه ، ولأن هذه الثلاثة هي طرق العلم وهي : السمع والبصر والعقل ، وتعلّق القلب بالسمع وارتباطه به أشدّ من تعلقه بالبصر وارتباطه به ، ولهذا يتأثر بما يسمعه من الملذوذات أعظم مما يتأثر بما يراه من المستحسنات ، وكذلك في المكروهات سماعا ورؤية ، ولهذا كان الصحيح من القولين أن حاسة السمع أفضل من حاسة البصر لشدّة تعلقها بالقلب وعظم حاجته إليها ، وتوقف كماله عليها ووصول العلوم إليه بها ، وتوقف الهدى على سلامتها . اهـ .

ثم إن العبد إذا شكر كان هو المستفيد على كل حال ، وذلك لعدّة أمور :

الأول : أن الشكر عبادة يُثاب عليها الشّاكر .

الثاني : أن الله وعد بالمزيد لمن شكـر .
فاشكروا الله على نِعَمِهِ يَزِدْكُـم ، فإن الله تبارك وتعالى وعـد الشاكرين بالمزيد ، وتوعّد الكافرين بالعذاب الشديد ، فقال : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )

قال الربيعُ بنُ أنس : إن الله ذاكرٌ من ذكره ، وزائدٌ من شكره ، ومعذبٌ من كفره .

يتبع








آخر مواضيعي 0 أخلاق الكبار
0 ترويض وتهذيب النفس
0 قل يارب....
0 إلى أين أذهــب ؟؟؟
0 فكرت قبل كده ربنا خلق المخلوقات الشريرة ليه؟
رد مع اقتباس