الشمعة ( 22 )
العطاء الحقيقي ...
حين نكون في مقتبل العمر في مرحلة ما قبل النضج يغمرنا اعتقاد بأن السعادة تكون في الصحة والجمال والمال وكل الأشياء التي يمكن أن نستحوذ عليها , وحين ننضج وتظهر لنا الأمور على حقيقتها نكتشف على سبيل التدرج أن السعادة في العطاء وفي جعل الناس حولنا سعداء .
في مرحلة ما قبل النضج نظن أن العطاء العظيم يكون في إطعام الطعام وتقديم المال لمن يحتاج إليه , وحين نكبر , وننضج , يتبين لنا أن العطاء الحقيقي ليس عطاء المال , وإنما أشياء أخرى أهم من المال أتعرفون ما هي يا بناتي وأبنائي ؟ إنها أشياء تتصل بالروح والعقل والخبرة والوقت :
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين ندعو بإلحاح لأخٍ في ظهر الغيب .
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نعفو عمن أساء إلينا , وتصبح قلوبنا صافية ونقية نحوه .
-نحن نعطي عطاءًحقيقياً حين نقبل عذر من يعتذر إلينا , ونقيل عثرته .
-نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نقدم فكرة عظيمة , تغير حياة إنسان نحو الأحسن والأفضل .
-نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نحفز على الخير والنجاح , ونقدم التشجيع الصادق .
-نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نكون مواطنين صالحين , نسهم في حمل أعباء الوطن .
-نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين يشعر من يحتك بنا أن الحياة تكون رائعة حين يكون في جوارنا .
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نتنازل عن شيء من وقتنا لتقديم خدمة أخوية .
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نقدم الاحترام لمن لا يستحقه ؛ وذلك لأن طبيعتنا تأبى غير ذلك .
يقول أحد الفلاسفة : ( هبة الأشياء ليست ثمينة كهبة الأفكار , بل إن الخواتم والجواهر وكل الأشياء النفسية التي نقدمها لمن نحب ليست هبات حقيقية , ولكنها اعتذار عن الهدايا الحقيقية , الهبة الوحيدة الحقيقية هي بضعة من النفس ) .
تأملوا يا بناتي وأبنائي قول الله - تعالى - : ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( دعوة المرء لأخيه بظهر الغيب مستجابة , عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل ) .
إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يكونوا يملكون المال - باستثناء حالات قليلة - ولم تكن الأشياء هي أعظم ما قدموه لأممهم , لكنهم قدموا الرؤية والمنهج والأفكار والأهداف والغايات الكبرى , وعلى هديهم سار كل المصلحين الربانيين على امتداد تاريخ أمة الإسلام .
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟
إنه يعني الآتي :
1- اعملوا كل ما في وسعكم لإسعاد من حولكم , فذلك قمة العطاء .
2- حين نقدم لمسلم خدمة بإخلاص , فإننا في الحقيقة نقدمها لأنفسنا ؛ لأننا بذلك نتأهل لاستقبال فيوضات الرحمن الرحيم .
3- لا تخافوا من نجاح زملائكم , فهو نجاح للأمة , وأنتم جزء منها .
4- التبسم وحسن الاستقبال والتعاطف والاهتمام والمودة من أكثر ما يحتاج إليه الناس , وهو أكثر ما ينبغي أن نجود به .
يتبع