الموضوع: حرب أكتوبر:
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2009, 07:41 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: حرب أكتوبر

الطريق من واقع يونيو الى انتصار اكتوبر


ازدادت شروخ الواقع المصري عمقا واتساعا عقب نكبة يونيو‏1967.‏ فقد انتهت المواجهة العسكرية بانتصار ساحق وصل بالقوات الإسرائيلية الي الضفة الشرقية لقناة السويس‏,‏ وبهزيمة غير مسبوقة للقوات المسلحة المصرية‏,‏ شهدت انهيارا علي مستوي القيادة والقوات المنتشرة علي اتساع سيناء‏.‏

وبدت صورة الواقع المصري شديدة السوء وبالغة المرارة وكانت النقطة الايجابية التي تستحق التقدير‏,‏ هي الرفض لكل متطلبات الهزيمة‏,‏ أي رفض الاستسلام‏,‏ والتسليم لإسرائيل‏.‏ في تلك اللحظات‏,‏ أعلن موسي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي أنه سينتظر اتصالات تليفونية من القادة بكل من مصر والاردن وسوريا

ولكن لماذا كان الواقع المصري سيئا‏,‏ وماهي الاسباب التي أدت إلي هذه النتيجة؟
والإجابة عن السؤال تفرض علينا الاشارة إلي‏:‏
أولا‏:‏ علي ضوء الهزيمة‏,‏ تبين المصريون أن إسرائيل تمكنت خلال ساعات من هزيمة جيش ظل أهل القمة يصفونه بأنه أقوي جيش في الشرق الأوسط‏,‏ بل بلغ الأمر أن اعلن رئيس مصر أنه سيكسر رجل الأسطول الامريكي إذا ماحاول التدخل لمساندة إسرائيل‏,‏ كما خاطب قادة الدول الغربية الرئيسية قائلا‏:‏ فليشربوا من البحر الأبيض‏,‏ وإذا لم يعجبهم فليشربوا من البحر الاحمر وعندما ترجموا هذا النص للرئيس الامريكي جونسون‏,‏ رد قائلا‏:‏ سأجعله يشرب مما هو أسوأ من ماء البحرين المتوسط والأحمر‏.‏

وعندما سمع المصريون رئيسهم وهو يتحدي إسرائيل وامريكا وبريطانيا وباقي القوة العالمية‏,‏ تعاظم احساسهم بالفخر والعزة‏.‏

وبعد انطلاق الحرب من عقالها‏,‏ بدأ المذيع أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب في الإعلان عن سقوط مئات الطائرات الحربية الإسرائيلية‏,‏ وعن انتصارات عسكرية في ميادين القتال‏,‏ لم يكن لها علاقة بمجريات الأمور في ميادين القتال‏.‏ وأصابت الهزيمة القاسية الناس بالإحباط وزرعت بأعماقهم الأحزان والأسي‏,‏ بعد أن استيقظوا علي واقع شديد المرارة‏,‏ لاعلاقة له بأحلام اليقظة التي عاشوها طويلا‏.‏

مساحة سيناء ثلاثة أمثال مساحة إسرائيل
ثانيا‏:‏ توقفت النيران بعد أن احتلت إسرائيل سيناء التي تبلغ مساحتها اكثر من‏60‏ الف كيلو متر مربع‏,‏ أي أن إسرائيل التي تبلغ مساحتها‏,20‏ الف كيلو متر مربع‏,‏ استولت علي ثلاثة أمثال مساحتها هذا بالإضافة الي الضفة الغربية والجولان وغزة‏,‏ وأدرك المصريون والعرب أن إسرائيل التي لايتجاوز عدد سكانها عدة ملايين‏,‏ ألحقت الهزيمة بثلاث دول هي مصر وسوريا والأردن يبلغ عدد سكانها مايقرب من عشرة أمثال سكان إسرائيل‏.‏

ثالثا‏:‏ بهدا الانتصار‏,‏ تحولت إسرائيل من دولة إلي امبراطورية‏,‏ ففي عام‏1948‏ ولدت الدولة بالسلاح وبعد الانتصار علي جيوش‏7‏ دول عربية في مقدمتها مصر‏,‏ وظل هذا الميلاد موضع شك كبير نتيجة الرفض العربي إلي أن حققت إسرائيل انتصارها العسكري الثاني عام‏1956.‏ وبهذا الانتصار أصبح وجود الدولة مؤكدا‏,‏ واختفي أو انعدم أي تهديد لهذا الوجود‏.‏ ولم يعد الوجود الإسرائيلي معتمدا فقط علي قرار التقسيم الصادر من مجلس الأمن عام‏1947,‏ ولا علي قبولها كعضو بالأمم المتحدة ولا علي اعتراف معظم دول العالم بها‏,‏ بل علي ما تملكه من قوة عسكرية اثبتت كفاءتها في معركتي‏1956,1948.‏ اما في يونيو‏1967,‏ فقد تحولت إسرائيل من دولة إلي امبراطورية‏,‏ وبقبول العالم العربي للقرار‏242‏ الصادر من مجلس الأمن في نوفمبر‏1967,‏ وبدء جولات من الاتصالات والمباحثات عبر الوسيط الدولي يارنج‏,‏ للوصول بالقرار إلي غايته‏,‏ انتقل هذا العالم من حالة الرفض الي حالة الاعتراف بالأمر الواقع والأهم أن الهدف اصبح تحرير الأراضي التي احتلتها إسرائيل في يونيو‏1967,‏ أي التسليم بوجود إسرائيل علي الأراضي التي احتلتها من قبل وأقامت عليها الدولة‏.‏

رابعا‏:‏ بالانتصار احتلت إسرائيل قمة عالية من قمم النجاح‏,‏ في حين سقطت مصر بعد ثلاث هزائم عسكرية متتالية‏,1967,1956,1948,‏ في قاع من قيعان الفشل ووقف المنتصرون في انتظار الاستسلام الكامل من الجانب المهزوم

المهزوم في مواجهة المنتصر
ولكن ذلك‏,‏ لم يتحقق‏,‏ بل يكن ممكنا أن يتحقق وعلي العكس تماما فقد بدأ المهزوم الموجود بقاع الفشل في تحدي الجالس علي قمة الانتصار‏.‏

وجاءت معركة رأس العش في بداية شهر يوليو‏1967,‏ أي قبل أن يمر شهر علي الهزيمة لتكشف عن رفض مصر للهزيمة ومنطقها وبعد اقل من اسبوعين‏,‏ اغارت طائرات القوات الجوية علي مواقع للعدو شرق القناة‏,‏ ويوم‏21‏ اكتوبر‏1967,‏ تمكنت لنشات الصواريخ المصرية من اغراق المدمرة الإسرائيلية ايلات أمام بورسعيد في تحد غير مسبوق للآلة العسكرية الإسرائيلية‏,‏ وقبل ذلك نجحت وحدات من الكوماندوز في تفجير تشوينات ذخيرة‏,‏ وقطار كان يحمل المئات من القادة والضباط والجنود في طريقهم من سيناء إلي إسرائيل‏ ولكن العمليات العسكرية المحدودة شئ والتخطيط لمعركة هجومية شيء آخر‏.‏

وعلي امتداد هذه الفترة‏,‏ نشطت عمليات الكوماندوز المصريين خلف خطوط العدو بسيناء‏,‏ وتعاظمت هذه العمليات بجانب عمليات التراشق بالمدفعية طوال فترة حرب الاستنزاف‏.‏ وأعدت القيادة العامة خطة دفاعية‏,‏ أطلقت عليها الخطة‏200‏ أو الضربة‏200‏ لمواجهة احتمال وصول العدو إلي منطقة غرب القناة ولكن قرار الحرب‏,‏ والعودة الي مسرح العمليات لخوض غمار معركة جديدة مع إسرائيل لم يكن هناك من اقترب منه‏.‏ والأسباب معروفة‏,‏ فالقائد الذي يواجه الهزيمة‏,‏ يظل مترددا وعاجزا أمام قرار العودة للقتال مرة أخري‏,‏ لأنه وقع في أسر الهزيمة والخوف من الفشل مرة أخري‏,‏ والقبول بالتحدي‏,‏ أمر بالغ الصعوبة في الظروف التي كانت تحيط بكل من مصر وإسرائيل‏.‏ ومن المعروف أن النجاح يقود الي مزيد من النجاح والفشل يقود الي فشل آخر‏.‏ وكان علي مصر الموجودة في قاع الفشل أن تتحدي من يجلس علي قمة الانتصار وفي ظل ميزان قوي عسكري يميل لصالح إسرائيل‏.‏ فالترسانة العسكرية الإسرائيلية يتوافر بها من الأسلحة والمعدات والذخائر أكثر مما هو موجود بالعالم العربي ككل‏,‏ كما أن الصناعة الحربية المتطورة تلبي النسبة الأكبر من إحتياجات القوات المسلحة الإسرائيلية‏.‏

وكانت أولي مشاكل القوات المصرية المسلحة عقب هزيمة يونيو‏,‏ بناء خط دفاعي‏,‏ مجرد بناء خط دفاعي وتوفير مايتطلبه من أسلحة ومعدات‏,‏ وما ذلك إلا لأن مصر خسرت النسبة الأكبر من ترسانتها العسكرية التي كانت موجودة بسيناء‏,‏ ومما يذكر أن القوات التي انسحبت من سيناء تركت خلفها مايقرب من‏25‏ ألف قطعة بمحرك‏,‏ أي من الطائرات الي الموتوسيكلات وكل مخازن وتشوينات الذخيرة‏.‏ وكان علي مصر أن تبدأ من نقطة الصفر‏,‏ أو ماهو دون الصفر بكثير‏.‏

أول خط دفاعي
وخلال شهر نوفمبر‏1967,‏ اكتمل بناء أول خط دفاعي‏,‏ وكان الطريق مازال طويلا للحصول علي احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات‏,‏ أو علي الأقل مايكفي للبدء في التفكير في إعداد خطط هجومية‏.‏

خامسا‏:‏ عانت مصر عقب الهزيمة من صراع علي قمة السلطة بين الرئيس عبد الناصر والمشير عامر النائب الأول للرئيس واتخذ الصراع في تصاعده أسلوب الانقلاب العسكري‏,‏ وفي النهاية تمكن الرئيس من حسم الصراع لصالحه‏,‏ وانطوت صفحة المشير عامر بالموت نحرا‏,‏ واستقبلت السجون والمعتقلات كل العناصر التي شاركت في الانقلاب‏.‏ واتجهت الأنظار لاستكمال خطة تأمين القوات المسلحة‏,‏ خاصة أن المشير ظل علي رأسها منذ عام‏1953‏ وحتي يونيو‏.1967‏ وأطاحت هذه الخطة بالمئات من القادة والضباط‏.‏ وإستغرق الأمر فترة‏,‏ قبل أن تتمكن القيادة العامة من إعادة الأمور الي نصابها‏,‏ وفرض الاستقرار‏.‏

سادسا‏:‏ كان من الضروري سحب القوات المصرية الموجودة باليمن لعلاج الشروخ التي ترتبت علي هذا الوجود‏.‏ وأثناء القمة العربية التي عقدت في الخرطوم في أغسطس‏1967,‏ توصل المجتمعون خاصة الجانبين المصري والسعودي الي حل مناسب‏,‏ وبدأت القوات في الانسحاب من هناك بعد أن ظلت هناك نحو خمس سنوات‏.‏

سابعا‏:‏ تردت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لأسباب كثيرة منها التورط العسكري في اليمن الذي كان يكلف الخزانة المصرية مليون جنيه استرليني يوميا والمغامرات العسكرية الخارجية والانغماس في سياسة دعم قوي التحرر الوطني في العالم‏,‏ وسوء إدارة الاقتصاد‏,‏ وتضخم الجهاز البيروقراطي من جراء سياسة تعيين الخريجين‏,‏ والإسراف الحكومي‏.‏ ونتيجة لتوقف عمليات الاحلال والتجديد والصيانة لعدم وجود ميزانية‏,‏ إنهارت المرافق‏,‏ وغرقت مصر في بحيرات مياه الصرف الصحي‏,‏ وعجزت الحكومة عن توفير مايكفي من مساكن للناس‏,‏ فبرزت علي السطح أزمة المساكن‏,‏ بالإضافة الي أزمة مياه الشرب وإنقطاع الكهرباء وساءت أوضاع التموين‏,‏ وانتشرت الطوابير أمام الجمعيات الاستهلاكية بحثا عن السلع الحيوية والضرورية‏.‏

المدن الأسيرة
ثامنا‏:‏ بعد أن وصلت القوات الإسرائيلية إلي شرق القناة أصبحت كل مدن وقري المنطقة في مدي النيران الإسرائيلية‏,‏ ولم يكن هناك من حل سوي تهجير كل أهالي‏.‏ المنطقة خاصة بعد أن طالتهم النيران الاسرائيلية من جراء القصف الذي كان يتجدد بين الحين والآخر‏.‏

وتحملت الخزانة المصرية تكاليف التهجير‏,‏ وعاني الناس معاناة هائلة بسبب هذا الحل‏.‏ ونشأت مشاكل اجتماعية كثيرة سواء بين المهجرين أو في مناطق التهجير‏.‏ هذه بعض ملامح الواقع الذي عرفته مصر وعاشه المصريون بعد هزيمة يونيو‏1967,‏ وكان استمرار الاحتلال الاسرائيلي لسيناء فوق طاقة قدرة مصر علي الاحتمال‏,‏ وكانت الكرامة المهدرة والكبرياء المراقة والدماء التي سالت تنشر موجات متصلة من الاوجاع والأحزان في الشرايين المصرية وكان الجميع علي يقين ان العودة إلي ميدان القتال قضية لا مفر منها‏.‏

الحديث عن الهجوم
وبعد ان تسلم السادات مسئولياته كرئيس لمصر‏,‏ اجتمع بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم‏16‏ اكتوبر‏1970,‏ لكي يعرف من القادة حقيقة الاوضاع العسكرية‏.‏ وقبل ان يصل الاجتماع إلي نهايته‏,‏ تحدث السادات وطالبهم بالتخطيط لمعركة هجومية لاقتحام القناة‏,‏ وتحرير مساحة من أراضي سيناء وفقا للإمكانات المتوافرة‏,‏ وكانت المرة الأولي التي يسمع فيها القادة حديثا عن خطة هجومية‏.‏ وكان منطقيا ألا يصدق البعض ان هذا هو التوجه الحقيقي لرئيس الجمهورية الجديد‏.‏

وسعي وزير الحربية إلي تجديد حرب الاستنزاف‏,‏ إلا ان الرئيس رفض وبقوة الانزلاق إلي هذا الكمين‏.‏ ولم يبدأ المخططون العسكريون في العمل إلا بعد ان حسم السادات صراع السلطة لصالحه فيما عرف بثورة مايو‏1971.‏ ولم يكن في الأمر ثورة ولايحزنون‏,‏ والقصة باختصار ان المجموعة التي ضمت عددا من المسئولين الكبار من بينهم علي صبري ومحمد فوزي وسامي شرف وشعراوي جمعة كانت علي اقتناع أنهم الأحق والأجدر بوراثة عبد الناصر‏

ولم يكن أي من اعضاء هذه المجموعة يقبل بأن يكون السادات هو رئيس مصر‏.‏ ومنذ وفاة عبد الناصر‏,‏ وهذه المجموعة تعمل من أجل اللحظة التي تسيطر فيها علي مصر‏,‏ لذا دار صراع حاد وشرس بين هذه المجموعة والسادات‏,‏ وتمكن الرجل من إزاحتهم وزج بهم في السجون‏,‏ وبإزالة هذه المجموعة‏,‏ انفتح الطريق لاتخاذ قرار الحرب‏,‏ لقد اشار السادات إلي حقيقة أهدافه وتطلعاته في أكتوبر‏1970

والأن حان وقت اتخاذ القرار‏,‏ وبدء التخطيط للحرب‏,‏ لأول معركة هجومية في تاريخ الصراع العربي والمصري ـ الاسرائيلي‏.‏ وكانت كل الدراسات والبحوث تؤكد ان مصر غير قادرة علي خوض تجربة قتال مسلح مع اسرائيل‏.‏ وكان معلوما لكل الأطراف ان لاسرائيل التفوق الجوي‏,‏ وتملك تفوقا في ميدان الحرب البرية لكفاءة قواتها المدرعة والميكانيكية‏,‏ كما كان يتوافر لاسرائيل نظام متكامل للدفاع الجوي والإنذار المبكر‏,‏ ولم يكن لدي مصر اسلحة قادرة علي الوصول إلي العمق الاسرائيلي للردع في حالة قيام اسرائيل بتوجيه ضربات إلي العمق المصري‏,‏ مثلما فعلت جزئيا خلال حرب الاستنزاف‏.‏ وباختصار كانت اسرائيل في الوضع الأفضل عسكريا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا بعد يونيو‏1967.‏ وكانت مصر في الوضع السييء سياسيا وعسكريا واقتصاديا ونفسيا‏,‏ ولم يكن ذلك راجعا للهزيمة‏,‏ بقدر ما كان يرجع إلي الأسباب التي ادت إلي الهزيمة‏.‏

وكانت توقعات ومعلومات كل اجهزة المخابرات خاصة الأمريكية والاسرائيلية تشير إلي أن مصر لن تدخل حربا طالما كان التفوق في جانب اسرائيل‏,‏ فليس من المنطقي أو المعقول ان تختار مصر الانتحار‏,‏ وتقرر دخول تجربة جديدة‏,‏ يكفيها تجربة‏1967.‏ ولكن كل هذه الاجهزة لم تضع في اعتبارها شيئا مهما‏,‏ هو قدرة مصر علي التحدي‏,‏ وصلابة إرادتها وإصرارها علي الثأر‏,‏ خاصة ان القضية لم تعد فلسطين فقط‏,‏ بقدر ما كانت الاراضي المصرية المحتلة‏,‏ لم تعد القضية هل مصر قادرة أم لا؟ وإنما أصبحت قضية الكبرياء والكرامة الوطنية‏.‏

وطوال الفترة التي اعقبت مايو‏1971,‏ بدأت اجهزة التخطيط في وضع خطط المعركة المقبلة‏,‏ ودارت عجلة التدريب‏,‏ وإعداد الدولة للحرب وسعت مصر للحصول علي احتياجاتها من الأسلحة والمعدات‏.‏

وبدأت القيادة العامة تدرس الامكانات المتوافرة لدي القوات المسلحة‏,‏ ومدي ما تستطيع تحقيقه بهذه الامكانات‏,‏ وكانت المحصلة‏,‏ ان مصر قادرة علي خوض معركة ناجحة لاقتحام القناة واكتساح النقاط الحصينة لخط بارليف وإنشاء عدد من رءوس الكباري شرق القناة يتم التمسك بها والدفاع عنها‏.‏



التفوق الاسرائيلي
وعرف المخططون العسكريون الطريق للتغلب علي كل العقبات الموجودة‏,‏ وفي مقدمتها التفوق العسكري الاسرائيلي والمانع المائي المتمثل في قناة السويس وخط بارليف الحصين والساتر الترابي الذي بلغ ارتفاعه نحو‏20‏ مترا أي عمارة بارتفاع أكثر من خمسة أدوار‏.‏

وهنا تجدر الاشارة إلي أن المستشارين والخبراء السوفييت‏,‏ أكدوا أنه لا يمكن التغلب علي الساتر الترابي إلا باستخدام قنابل ذرية‏.‏

وخلال ابريل‏1973,‏ اتخذ الرئيس السادات قرارا بالحرب‏,‏ لم يكن القرار جديدا‏,‏ فقد كان ذلك اتجاها رئيسيا وفكرا يسعي الي تحقيقه‏.‏

كان التحدي هائلا‏,‏ وامتلك الرجل شجاعة كبيرة‏,‏ فالقرار لم يكن سهلا‏,‏ فمن جانب هناك السعي لنصرة مصر والمصريين‏,‏ والثأر من هزيمة يونيو‏,‏ والهزائم الأخري‏,‏ واستعادة الكبرياء المراقة والكرامة المهدرة منذ بدء الصراع العسكري المصري ـ الإسرائيلي‏.‏ ومن جانب آخر هناك التفوق الاسرائيلي‏.‏ ولم تكن الحرب هي الهدف‏,‏ بل الوسيلة لتحقيق التوازن في العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية‏,‏ والعربية ـ الإسرائيلية لماذا ؟

لم يكن ممكنا في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي‏,‏ أن تستعيد مصر‏,‏ أو يستعيد العرب كل أراضيهم المحتلة في يونيو‏1967,‏ وكان من الممكن تحقيق انتصار عسكري يقنع إسرائيل بقدرة المصريين علي إلحاق الهزيمة بقواتهم العسكرية المتفوقة‏,‏ هذا الاقتناع هو المدخل لمرحلة من المفاوضات ـ لاستعادة الأراضي المحتلة‏.‏ ولكن مثلما كان الانتصار احتمالا وهدفا‏,‏ فقد كانت الهزيمة واردة‏,‏ خاصة أن إسرائيل قد تمكنت من الانتصار وهزيمة مصر ودول عربية أخري في معارك‏1967,1956,1948.‏

وكان الاقتناع بأن النصر ممكن‏,‏ وأن الطريق إليه يمر عبر التخطيط الجيد والاستعداد الجاد‏,‏ والعمل بكل الهمة‏,‏ والقتال بشجاعة‏.‏ هو نقطة البداية وعلي طريق التخطيط من أجل الانتصار‏,‏ حرصت القيادة العامة علي تحقيق المفاجأة والامساك بزمام المبادأة‏.‏

المفاجأة
وقد تمكنت فعلا من مفاجأة العدو ظهر السادس من أكتوبر استراتيجيا وتعبويا وتكتيكيا‏.‏

*‏ واستراتيجيا‏,‏ تعني خداع العدو عن احتمال استخدام القوات المسلحة في صراع مسلح‏,‏ أي إخفاء نية الهجوم‏,‏ كما تم خداع العدو وتضليله حتي لا يعرف ماإذا كانت الحرب شاملة أم مجرد معارك استنزاف وأيضا خداعه عن التعاون المصري ـ السوري من أجل شن الحرب بخطة مشتركة ومنسقة وفي وقت واحد‏.‏

*‏ وتعبويا‏,‏ تعني ألا يتمكن من معرفة توقيتات الهجوم‏,‏ وحجم القوات المشتركة في الحرب‏,‏ واتجاهات الضربات الرئيسية‏.‏

*‏ وتكتيكيا‏,‏ تعني عدم معرفة أساليب الهجوم ونقول‏,‏ إن من الأسباب الرئيسية لتحقيق المفاجأة اقتناع إسرائيل والولايات المتحدة الكامل بعدم قدرة مصر علي خوض تجربة الحرب‏.‏ وكان هذا الاقتناع يستند إلي معلومات رئيسية من أهمها‏,‏ امتلاك القوات المسلحة لعدد من الأسلحة لا تسمح لها الذخائر المتوافرة إلا بالقتال لمدة يوم ونصف اليوم فقط‏.‏

وعندما يعلم أي قائد سياسي أو عسكري أن الذخيرة المتوافرة لعدد من الأسلحة لا تكفي إلا لمدة يوم ونصف اليوم قتال‏,‏ فإنه بالضرورة يعجز عن خوض تجربة الحرب‏,‏ لأنه يعلم أنه قادر علي إشعال نار الحرب ولكنه وبكل اليقين لا يملك القدرة علي وقفها‏.‏

وكان المسئولون الإسرائيليون والأمريكيون علي علم بهذه المعلومات‏,‏ وعلي علم بالقيود التي تفرضها علي صانع القرار‏.‏

وكان الموقف حرجا‏,‏ فلو اختار السادات الانتظار الي أن يتمكن من استيراد الذخيرة المطلوبة‏,‏ فقد تفلت من يده فرصة اتخاذ قرار الحرب‏,‏ ولو أنه أقدم‏,‏ ففي الاقدام مخاطرة‏.‏

وفي النهاية‏,‏ قرر خوض تجربة الحرب‏,‏ مستفيدا من اقتناع الآخرين بعجزه عن مجرد التفكير في الحرب‏.‏

وليس هناك أدني شك في أن القيادة الإسرائيلية مثلها مثل القيادة الأمريكية‏,‏ كانت تتابع مايجري علي الضفة الغربية للقناة من مناورات وماأعقبها من عمليات استعداد‏,‏ وشاهدت القوات وهي تفتح للقتال‏,‏ أي وهي تتخذ أوضاع الاستعداد للهجوم‏,‏ إلا أن اليقين بعدم قدرة مصر علي القتال أصاب الجميع بالاضطراب وعدم الفهم‏.‏

وقبل بدء الحرب أبلغ مسئول عربي كبير القادة في إسرائيل بأن مصر ستحارب يوم السادس من أكتوبر‏,‏ كما علمت إسرائيل من شخصية مصرية باندلاع الحرب‏,‏ وشارك مسئولون فلسطينيون بنصيب‏.‏

والقصة باختصار‏,‏ ان السادات أبلغ زعماء من فتح بموعد الحرب‏,‏ أثناء لقاء معهم بالقاهرة لكي يطلب منهم تحمل مسئولياتهم‏,‏ وتنفيذ الخطط التي وافقوا عليها‏,‏ وتلقت قواتهم التدريب المناسب لتنفيذها‏,‏ وتسلمهم لكل الأسلحة والذخائر التي تكفل لهم تنفيذ المهام الملقاة علي عاتقهم‏,‏ وعندما عادوا الي بيروت‏,‏ سخروا من رئيس مصر وأذاعوا السر‏.‏ والحمد لله‏,‏ أن إسرائيل لم تلتفت بجدية الي كل هذه المعلومات‏,‏ وعندما تنبهت صباح السادس من أكتوبر كان الوقت متأخرا‏,‏ وحتي عندما تنبهت تصورت أن الحرب ستبدأ مع آخر ضوء وليس في الساعة الثانية ظهرا‏.‏

وعندما اندلعت نيران الحرب‏,‏ كانت المفاجأة قد تحققت‏,‏ ومن يحقق المفاجأة يمتلك مفاتيح النصر‏.‏ وستتوقف قليلا أمام عبقرية المخطط العسكري المصري وقدرته الفذة علي الابتكار وهو يواجه مشاكل التفوق العسكري الإسرائيلي وعقبة اقتحام قناة السويس كمانع مائي والتغلب علي الساتر الترابي والنقاط الحصينة لخط بارليف‏.‏

التفوق الجوي الإسرائيلي
وليكن التفوق الجوي الإسرائيلي نقطة البداية وكانت القيادة المصرية تعلم أنها لن تستطيع الحصول علي طائرات حربية بصورة تضمن لها التفوق أو حتي الاقتراب من المستوي الإسرائيلي‏,‏ لذا اتجه التفكير الي حرمان العدو من مزايا هذا التفوق‏,‏ والي توفير الظروف الملائمة أو المناسبة لعمل القوات المقاتلة‏.‏ ولأن إسرائيل تعتمد علي القوات الجوية وتعتبرها الذراع الطويلة‏,‏ فقد كان من المؤكد أن القيادة الإسرائيلية ستستخدم القوات الجوية بكثافة لوقف وإحباط الهجوم المصري‏,‏ وفي نفس الوقت لن تغامر القيادة المصرية بدفع مظلات جوية مصرية لحماية هذه القوات‏.‏ وكان الحل تحييد القوات الجوية الإسرائيلية بالتركيز علي شبكة دفاع جوي‏,‏ وبالفعل نشطت القيادة في بناء حائط من الصواريخ علي امتداد الجبهة وفي العمق المصري‏,‏ وتحملت كل الضغوط الإسرائيلية اكتملت انشاؤه‏.‏ وقد تمكنت قوات الدفاع الجوي من تحمل مسئولياتها بكفاءة‏,‏ ووفرت الحماية للقوات المهاجمة ولرؤوس الكباري شرق القناة‏.‏

وفي نفس الوقت زودت القيادة العامة القوات المهاجمة بجماعات مسلحة بصواريخ ستريللا المضادة للدبابات المحمولة علي الكتف لحمايتها من الهجمات الجوية‏.‏ وقد نجح هذا الاسلوب الجديد بصورة غير متوقعة‏.‏

وتقضي أساليب القتال بشن الهجوم علي محاور رئيسية وثانوية‏,‏ والأخذ بذلك يمكن أن يتيح للقوات الجوية الإسرائيلية مهاجمة محاور التقدم وبما يؤثر عليها بصورة ما‏,‏ وكان الحل‏,‏ الهجوم علي اتساع الجبهة أي بامتداد قناة السويس‏,‏ وبصورة أخري أن تهاجم فرق المشاة الخمس الموجودة غرب القناة من مواقعها الدفاعية وأن تقتحم القناة وتهاجم حصون خط بارليف وتنشيء رءوس كباري‏,‏ وتتمسك بها وتدافع عنها‏.‏ ومثل هذه الخطة أدت الي بعثرة جهد القوات الجوية‏,‏ وحالت بينها وبين التأثير علي محاور التقدم فيما لو أخذت القيادة بما جاء في الكتب والمؤلفات العسكرية وخبرات المعارك السابقة‏.‏

الساتر الترابي
أقامت إسرائيل ساترا ترابيا علي الضفة الشرقية للقناة مباشرة‏,‏ وشكل الساتر مكونا رئيسيا من مكونات خط بارليف الحصين‏,‏ ولكن كيف يمكن إزالة هذا الساتر حتي يمكن إقامة الكباري والمعديات علي القناة وعبور الدبابات ومركبات القتال ؟

وكان المطلوب فتح ثغرات في هذا الساتر في المناطق المحددة لبناء الكباري وتشغيل المعديات‏.‏

ويمكن تصور ضخامة هذه العملية إذا عرفنا ان ثغرة واحدة في الساتر الترابي بعرض نحو‏7‏ أمتار تتطلب إزالة‏1500‏ متر مكعب من الأتربة‏,‏ وتضمنت الخطة فتح‏85‏ ثغرة عل طول القناة‏,‏ أي إزالة‏500‏ و‏27‏ متر مكعب من الأتربة‏.‏ واتجه التفكير الي فتح الثغرات بواسطة التفجير سواء بالمدفعية أو بالمفرقعات أو بالصواريخ بكل أعيرتها‏,‏ ولم تأت التجارب بالنتيجة المطلوبة‏.‏

وفجأة تبرز علي السطح‏,‏ فكرة استخدام الطلمبات المائية لتجريف الساتر الترابي‏.‏ وبالتجربة تتأكد القيادة العامة من نجاح الفكرة‏,‏ ويبدأ البحث عن طلمبات مناسبة‏.‏ وبعد أكثر من‏300‏ تجربة يتقرر الاعتماد علي طلمبات توربينية‏,‏ وأصبح في مقدور رجال المهندسين فتح الثغرة الواحدة في مدة تتراوح بين‏5,3‏ ساعات‏.‏

وتمكنت القيادة العامة من استيراد هذه الطلمبات‏,‏ والأهم أنها تمكنت من إحاطة الأمر بسرية تامة الي أن بدأ القتال‏.‏

مواجهة الدبابات
اقتضت الخطة اقتحام القناة ومهاجمة خط بارليف بقوات مشاة‏,‏ وكان علي هذه القوات خلال الساعات الاولي ان تواجه الهجمات المضادة للعدو والتي لن تتأخر كثيرا‏,‏ أي كان عليها ان تواجه هجمات العدو المدرعة‏,‏ وخلال المواجهة بين المكشوف‏(‏ أي المشاة‏)‏ والدروع‏,‏ يكون النجاح من نصيب الدروع‏,‏ ولو سار الأمر كذلك لفشل الهجوم‏,‏ ولتكبدت القوات المهاجمة خسائر جسيمة في الأرواح‏.‏ وجاء الحل‏,‏ تزويد القوات المهاجمة بأسلحة مضادة للدبابات‏,‏ لاسيما الصواريخ الخفيفة من طراز مولتكه التي يمكن حملها بواسطة الأفراد وذلك لصد هجمات العدو المضادة بواسطة مدرعاته‏.‏

كما تقرر تجهيز مصاطب للدبابات المصرية غرب القناة وفوق الساتر الترابي المصري‏,‏ حتي تتمكن نيرانها بالتعاون مع نيران المدفعية والمدافع والصواريخ المضادة للدبابات من منع دبابات العدو من التقدم في اتجاه رءوس الكباري ومنع إتمام عملية اقتحام القناة واجتياح خط بارليف وكان الهدف أن يحول كل ذلك دون انهيار القوات المهاجمة طوال الوقت الذي يحتاجه المهندسون لإنشاء الكباري فوق سطح القناة لتمكين القوات المدرعة والدبابات المصرية من الوصول الي شرق القناة والاشتراك في المعركة‏.‏ وكانت هناك مجموعة أخري مبتكرة من الحلول لمشاكل أخري‏.‏ المهم أن القيادة العامة للقوات المسلحة‏,‏ تمكنت من وضع خطة عسكرية عبقرية ومبتكرة لاقتحام القناة واكتساح خط بارليف استنادا الي فكر عسكري مصري‏,‏ وأتي نجاح التنفيذ تأكيدا لكفاءة كل من القائد والجندي‏.‏ ولم يكن الانتصار العسكري في أول معركة هجومية إلا تصحيحا لنتائج معارك‏1967,1956,1948.‏ وبالانتصار انفتح الطريق لتغيير الواقع المصري الذي فرض نفسه بعد يونيو‏1967‏ الي الأفضل‏,‏ والبدء في علاج الشروخ التي عرفتها مصر‏,‏ وتجاوز هذه الأحزان العميقة التي عاشها الناس‏.‏







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس