نماذج من اعمال الصاعقة في اكتوبر
تقول الشهادة الأولي لظابط اسرائيلي: لقد كنا نحاول الامساك بالصاعقة المصرية, ولكننا فشلنا تماما, ولم يكن أحد من قادتنا في تل أبيب يتصور أن دباباتنا سوف تعجز عن المرور, بسب الصاعقة التي شكلت سدا بشريا أمام تقدمنا بلا دبابات ولا مدافع ولا طائرات تحميه, وفي كل مرة تحقق شيئا جديدا لو تحدث أحد عنه قبل الحرب لوصفوه بالهذيان!
.. أما الشهادة الثانية فإن صاحبها الضابط الأسير قال: لابد أنهم من نوعية خاصة, لقد شاهدت جنديا يحمل لغما فوق صدره وينام تحت إحدي دباباتنا لتمر فوقه ويموت مع الانفجار الرهيب, ما هذا الذي يفعله وأمثاله؟!
.. والحق أن ما فعله هذا الجندي المصري الذي أذهلت شجاعته الضابط الاسرائيلي الأسير, ليس إلا نموذجا لأبطال الصاعقة, الذين نسجل بكل فخر البعض منها.
* في منطقة الشطر شرق القناة: اشتبكت مجموعة من مقاتلي الصاعقة بقيادة المقاتل غريب مع الدبابات الاسرائيلية في أثناء محاولتها التقدم لاحتلال مصاطبها, وبعدما فرغت ذخيرة البطل غريب اعتلي علي الفور أول دبابة في طابور دبابات العدو, وحينما فتح برجها, وبعد أن ألقي قنابله اليدوية فيه أصيب في ظهره, وفي تلك اللحظة كان المقاتل شنودة فاتحا نيران رشاشه تجاه جنود العدو وقتل عددا منهم, وعندما شاهد قائده جري إليه يحتضنه ويحاول إبعاده عن منطقة القتل, لكن العدو كثف نيرانه عليهما حتي استشهد الرجلان, وكانت الصورة التي لاينساها زملاؤهما أن تدمير هذه الدبابة أوقف زحف بقية طابور الدبابات مما أعطاهم فرصة كبيرة لاصطياده وإحداث خسائر عالية بين أفراد الطابور, والسيطرة علي أرض المعركة حتي تحررت منطقة الشط شرق.
* في جنوب سيناء: التحمت مجموعة أخري بقيادة المقاتل كمال مع عناصر من العدو وكبدتها خسائر كبيرة, مما اضطره إلي دفع لواء مدرع تبعه بلواء ميكانيكي وعناصر من المظلات للتأمين, في تصور أن موجات متتالية من قواتنا سوف تواجهه, رغم أنها لم تزد علي مجموعة لاتتعدي عشرة رجال صاعقة, نجحوا بقتال شرس في غلق جميع المسالك علي العدو, وكانت فرصة للمقاتل زيادة في تدمير أتوبيس كان يحمل أكثر من60 فردا من قادة الدبابات والطيارين كانوا في طريقهم إلي قاعدتهم, كما أعطت الفرصة أيضا للمقاتل صقال لتدمير دبابتين وعربتين مدرعتين بأفرادها الذين نجحوا في استشهاد بطلنا.
* في جنوب شرق سيناء: دمر رجالنا مقاتلنا بسيوني مرابض مدفعية العدو علي ممر الجدي, وكذلك محطات الإعاقة والشوشرة الالكلترونية في اتجاه جبل المر, كما قطعوا خطوط مواصلات العدو لمدة ستة أيام الموجودة في مواجهة جيشنا الثالث, مما أعطي الرجال فرصة للاشتباك مع احتياطيات العدو التي حاولت شن هجوم مضاد ضد قواتنا الموجودة علي رأس الكوبري للجيش, وأدار رجالنا معارك ضارية مع وحدات مدفعية العدو ومدرعاته التي كثفت نيرانها علي رجالنا الذين كان إصرارهم وشجاعتهم وراء مقتل عدد من أفراد العدو, واستسلام آخرين.
* وعلي الطريق الأوسط لسيناء: واجه رجال الصاعقة بقيادة المقاتل زيتون لواء مدرعا ودمروه تماما في جنوب رمانة, ومما يدعو للفخر حقا أن هذا المقاتل الشجاع فقد أحد ذراعيه في معركة سابقة, واشترك في معارك ملحمة73 بذراع واحدة طوال يومي6 و7 أكتوبر, وأحرق مع رجاله18 دبابة في ضربة بارعة!
* في منطقة الكاب شرق بعد القنطرة: وبالتحديد وسط الملاحات خلف الموقع الاسرائيلي عند الكيلو19, تقدم العدو بأربع دبابات لتدعيم الموقع أثناء مهاجمته, لكن قناصي الدبابات من مقاتلي الصاعقة أصابوا ثلاث دبابات وبقيت الرابعة تفتح رشاشاتها علي منطقة تجمع رجالنا, وبكل الشجاعة قام أحدهم بتصرف تلقائي بالزحف نحو الدبابة فتح برجها ورشاشه في يده, وأجبر طاقمها علي الاستسلام وهو ما حدث بالفعل.
***
.. كانت مهمة هؤلاء الرجال من قوات الصاعقة قفل مضييق رأس سدر لمنع الاسرائيليين من الاستفادة منه في تقدم قواتهم لضرب الجانب الأيمن من جيشنا الثالث, وكانت المهمة محددا لها مدة18 ساعة, لكن الرجال ظلوا في عمق العدو16 يوما كاملة, وسجلوا بقتالهم الشجاع هذا النموذج الفريد من البطولة التي سعدت بتسجيلها في لقاء معهم.
* في يوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر, تحمل طائراتنا الهليوكوبتر رجال المجموعة إلي المنطقة, وعندما شعر العدو بهم تدخلت علي الفور طائراته, واستطاع أن يسقط بعض طائراتنا, بينما تمكنت البقية من الوصول إلي مواقع مهمتها, وكان من سوءالحظ أن أصيب كل من قائدها ورئيس عملياتها, وعلي الفور تولي النقيب المقاتل السيد درويش مسئولية القيادة باعتباره أكبر الرتب في المجموعة, وبكل الشجاعة بدأ الرجل في إعادة توزيع رجاله في الأماكن التي توقع أن يصل إليها العدو, وبالفعل كان النجاح حليفهم, بسبب حسن تصرف المقاتل درويش, مما كان له أثر كبير في رفع المعنويات وتدمير العدو, وإجباره علي الانسحاب من المضيق, وإفشال مهمته في ضرب الجانب الأيمن من جيشنا الثالث.
.. وقد تبدو هذه البطولة نموذجا في بطولات هذه الملحمة العظيمة, لكن أن يظل بطلنا ورجاله16 يوما كاملة في عمق العدو من6 إلي22 أكتوبر, يؤدون مهمتهم بكل الكفاءة والارادة الصلبة, حتي نفدت ذخيرتهم وطعامهم, وأرسلت لهم القيادة الامدادات, أرسلوا يقولون إحنا مش عاوزين أكل ولا شرب, إحنا حاندبر هذا بأنفسنا, لكن أرسلوا لنا ذخيرة حتي نواصل القتال..!!
وعندما أمرتهم القيادة بالعودة آثر بطلنا ألا يخاطر برجاله جميعا وأصدر تعليماته إليهم بالاختفاء في أماكن يصعب علي العدو الوصول إليهم وكشفهم, وتسلل هو بنفسه بين مواقع العدو وظل يمشي مسافة34 كيلو مترا, قطعها في سبع ساعات حتي وصل إلي منطقة اتصال مع قواتنا الرئيسية, وبعدها طلب من رجاله العودة بعد أن تأكد بنفسه أن طريق عودتهم آمن, وحقق الرجل بذلك مبدأ مهما كان يمثل إحدي سمات حرب أكتوبر, وهو أن القادة يتقدمون الجنود, ومازلت أتذكر كلماته لي: إن ما قمت به ليس إلاا واجبا أديته نحو كل زملائي المقاتلين وكان لابد أن أحافظ عليهم, كما أكد لي زملاؤه أنه لولا تصرف قائدهم وحسن قيادته لكان الموقف قد تغير في غير صالحنا..!!
.. بقي أن أقول إن معارك الرجال في هذه المنطقة أسفرت عن تدمير23 دبابة للعدو وعربة مدرعة بها12 فردا وغيرها, الأمر الذي اضطر العدو إلي ربط بعض جنودهم بالأحزمة الجلدية فوق طائرات الهليوكوبتر وإطلاق رشاشاتهم أملا في اصطياد رجالنا الأبطال