عرض مشاركة واحدة
قديم 09-24-2009, 06:29 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الرغبة والارادة و الحاجة وتحقيق السعادة



2- تمايز الحاجة والرغبة.
اشتراك الحاجة والرغبة في صفة الضرورة لا يعني تطابقهما، فالرغبة تختلف في كثير من الصفات والخصائص عن الحاجة، وسنحاول في الأسطر التالية التدليل على صدق هذه الدعوى.

لا توجد دائما علاقة تلازم بين الحاجة والرغبة، فكثير من الحاجات تكون ملحة لكننا لا نرغب في تحقيقها (الحاجة للرياضة تكون ملحة عند البعض لكنه لا يرغب في مزاولتها)، وبالمقابل هناك الكثير من الرغبات التي تلح لإشباعها لكننا لا نحتاجها واقعيا (الرغبة في اقتناء ثياب جديدة رغم امتلاك ما يكفي منها).
الحاجة لها موضوع واحد شعوري ومحدد (الحاجة للأكل الحاجة للأمن)، أما الرغبة فمواضيعها غير محددة بدقة، وغالبا ما تكون لا شعورية، وذلك لأن الموضوع المعلن للرغبة لا يمثل دائما الموضوع الحقيقي بل مجرد تعويض عنه ( رغبة المراهق في دراجة فخمة قد لا تكون إلا تعويضا لرغبته بالظهور بمظهر الرجولة).
حاجات الإنسان محدودة وثابتة أما رغباته فغير محدودة وغير ثابتة، فالحاجات التي تضمن وضمنت بقاء الإنسان ظلت هي هي، أما رغبات الإنسان فغير محدودة وذلك أنه كلما تحققت رغبة إلا وتم السعي وراء رغبة أخرى مما يجعلها غير قابلة للإشباع المطلق (= الموت!).
يمكن إلغاء بعض الرغبات وتغيرها مع التقدم في السن وتغير المواقف واغتناء التجارب...، لكن لا يمكن إلغاء الحاجات الأساسية دون تعريض الوجود المادي للفرد للخطر.



إشباع بعض الرغبات قد يكون على حساب حاجات أخرى، وتحقيق حاجات معينة قد يخدم الإنسان من إشباع بعض رغباته (الرغبة في صوم التطوع يلغي (أو يؤجل) الحاجة للأكل، الحاجة للأمن وحفظ الذات .... الإنسان من المغامرة).
تحقيق الحاجات يضمن الحياة والبقاء، لكن تحقيق بعض الرغبات قد يهدد هذه الحياة نفسها (الرغبة في تسلق الجبال الوعرة).
الحاجات تكون في أغلبها مشتركة بين أفراد النوع الواحد (أو المجتمع الواحد)، أما الرغبات فتكون فردية أو مشتركة بين جماعات محدودة، فجميع أفراد النوع البشري يشتركون في الحاجة للأكل والأمن ... لكنهم يتمايزون في رغباتهم فالبعض قد يرغب في اقتناء سيارة في حين يرغب آخر في السفر، وحتى إن اشتركت جماعة معينة في نفس الرغبة، اقتناء سيارة مثلا، فإنهم يختلفون في تفصيل نوع عن آخر، فالرغبة هي مسألة فردية ولا يمكن لأحد أن يرغب بالنيابة عن الآخر، ولا أن يجعل الآخرين يشاركونه رغباته.
ونختم هذه السلسلة من التمايزات بين الحاجة والرغبة بالقول إن الحاجات تتسم بالانسجام والمعقولية، أما الرغبات فتتسم بالتغير السريع والتناقض أحيانا واللامعقولية أحيانا كثيرة، فنجد أن الفرد يغير رغباته بين لحظة وأخرى، ويرغب في الشيء ونقيضه (الرغبة بالبقاء مع الأهل) ونجد عند البعض كثيرا من الرغبات غير المعقولة، فمن الناس من يرغب في أن يكون له أجنحة، أو أن يرجع القهقرة في السن، أو يكون سوبرمان! ويمكننا الاستطراد أكثر في تعداد هي التمايزات والتدقيق في تفاصيلها، لكن فيما ذكرناه الكفاية، ولا بد من الإشارة إلى أن ما عددناه من صفات الرغبة لا ينطبق بالضرورة على جميع الرغبات، وإن كان يلزم ويشمل أغلبها.
3- من الحاجة إلى الرغبة:
لقد ادعينا في مستهل الفقرة السابقة أن الرغبة لا تتطابق مع الحاجة، ودللنا على هذه الدعوى بما يتصفان به من تمايز في الخصائص وما قد يعتريهما من تناقض في الغايات، وقلنا إن الرغبة خاصية إنسانية محضة وإن الحاجة صفة مشتركة بين كل الكائنات الحية، لكن، هل يعني هذا استحالة تواصل أو تكامل الحاجة والرغبة؟ أو بعبارة أدق ألا يمكن للحاجة أن تصبح رغبة؟
للإجابة عن هذا التساؤل سنستحضر المرجعية التحليلية ممثلة في المحللة النفسية النمساوية ميلاني كلاين.



تعتبر ميلاني كلاين من المحللين النفسيين الأوائل الذين حاولوا تطبيق آليات التحليل النفسي على الأطفال، وقد قادتها ملاحظتها للأطفال وتحليلها لذكريات الراشدين عن مرحلة طفولتهم إلى نتائج مهمة، فقد لاحظت أن الأطفال الرضع يرغبون دائما في تواجد الأم (الثدي) معهم سواء أكانوا جياعا أو لا، وقد استنتجت من ذلك أن الثدي يقوم بوظيفتين مزدوجتين الأولى هي إشباع الحاجة البيولوجية للأكل والثانية –وهي الأهم- تجنيب الطفل الخوف والقلق وتخليصه من دوافعه التدميرية وقلقه الاضطهادي، لقد تحول إشباع الحاجة البيولوجية إلى إشباع للرغبة النفسية وكل ذلك يتم بطريقة لا شعورية، وهذا يستدعي أن أي خلل يطال إشباع الحاجات البيولوجية سيكون له أثر على إشباع الرغبات النفسية المرتبطة بها.
لقد قلنا فيما سبق إن تحقيق الحاجات يضمن البقاء، وإشباع الرغبات يضمن التميز، والآن رأينا مع ميلاني كلاين أن الحاجة يمكن أن تتحول إلى رغبة، تلازم الحاجة والرغبة هو تلازم للبقاء مع التميز، وبعبارة أخرى إنه تحديد لمستقبل الإنسان بوصفه الموجود الوحيد المميز بالرغبات.
تقول ميلاني كلاين إن الطريقة التي يتم بها إشباع حاجات الرضيع إلى الثدي تترك أثرا عميقا على مستقبله وطبيعة شخصيته، ولكي نفهم هذه الفكرة بشكل أفضل لابد من استحضار فرضية أساسية تنص أن "الطفل أبو الرجل"، بمعنى أن ما يعيشه الفرد من خبرات وتجارب في طفولته سيكون لها أبلغ الأثر في تحديد ملامح شخصيته مستقبلا، فجميع سمات واضطراباتها التي تظهر في الكبر تجد نواتها في مرحلة الطفولة.



بل إن الفن والإبداع نفسه ما هو إلا إعلاء للدوافع والرغبات غير المشبعة، ولكن بشكل غير مباشر، فكمية الإحباط والتفريج الذي تسمح به الأم لطفلها هو المسؤول عن إذكاء نار البحث والتخيل وخلق البديل (جوهر الإبداع) عند الطفل المحبط إحباطا متوسطا، فالطفل الذي يرغب في الثدي ولا يناول إليه مباشرة تكون أمامه فرصة للإحساس بالرغبة وتعويضها بالتخيل والبديل (مص الأصبع) وعندما يناول الثدي تكون أمامه فرصة للربط بين الرغبة/ الحاجة والإشباع، مما يولد نفسه الثقة في نفسه والآخرين.
نستخلص مما سبق أن الرغبة تربط بالحاجة بربط لا تصوري يجعل إشباع الحاجات إشباعا لرغبات مرتبطة بها، هذا الرباط اللاشعوري هو المسؤول عن كثير من المفارقات والإشكاليات التي تثار عن علاقة الحاجة والرغبة.
4- من الفرد إلى المجتمع.
لقد تناولت ميلاني كلاين إشكالية الحاجة والرغبة من وجهة نظر فردية غير سوسيولوجية، وربطت الإبداع بالتسامي الذي هو في جوهره تحوير لإحباط طال رغبات فردية من "أم غير متفهمة"، وهذه الأطروحة في جوهرها تتناقض مع بعض الأطروحات السوسيولوجية والانتروبولوجية، فرالف لنتن مثلا يرب الرغبة والحاجة وكيفية إشباعها بما هو اجتماعي، ويصنف الحاجات إلى ثلاثة أنواع بيولوجية واجتماعية ونفسية وهي كلها خاضعة لما هو اجتماعي ومقولبة ضمن المجال الثقافي، ومنه فالمجتمع والثقافة يحددان شكل إشباع الحاجة وأنماط تصريفها.
لقد أشرنا فيما سبق إلى أن الثقافة والفن هي وليدة الرغبة الطامحة إلى تجاوز الحاجة، لكن مالينوفسكي يرى العكس، ويقول إن المجتمع وكل منتجاته هي نتاج لحاجات بيولوجية، فالحاجة إلى التناسل هي التي أدت إلى الزواج وليس العكس، ونضيف على نفس المنوال، أن الحاجة للأمن هي التي خلقت المنازل، والحاجة للراحة هي التي أنتجت الموسيقى.
إن إشباع الرغبات وتحديد موضوعاتها يخضع لمجموعة من الميكانيزمات النفسية والاجتماعية، هذه هي الخلاصة المبدئية التي يمكننا الخروج بها حتى الآن من خلال التركيب والتوفيق بين رأي ميلاني كلاين ورأي رالف لنتن، ولكن هل الرغبة تخضع فقط لما هو نفسي واجتماعي، أم أن هناك عوامل أخرى تتحكم فيها؟



لهذا التساؤل عدة إجابات مختلفة أولها هي إجابة أفلاطون، فهذا الأخير يجعل من الرغبة شهوة لا عاقلة ويجب إخضاعها للعقل والإرادة والتدبر، أما الإجابة الثانية الممكنة فهي إجابة شوبنهور الذي يجعل من العقل مجرد خادم للرغبة، فهو يستعمل جميع الوسائل والتبريرات (أفكار، منطق...) لإشباع الرغبة...
خلاصة تركيبية:
إذا تأملنا في كل ما سبق سنجد أن العلاقة بين الحاجة والرغبة هي علاقة جد متداخلة ومعقدة تعقد الإنسان نفسه، فهما يتكاملان ويتناقضان ويتمايزان أحيانا أخرى.
وإذا سلمنا بكون الرغبة هي أحد أوجه التميز الإنساني فإنه من الصعوبة بمكان تحديد مصدر هذه الرغبة والعوامل المتحكمة فيها، هل هي نفسية أم اجتماعية أم عقلية؟ وإذا كنا نؤمن بتكامل المعارف وتعقد الظاهرة الإنسانية فإنه لا يمكننا التضحية بأي بعد من الأبعاد التي يمكن أن تتدخل في تشكيل الرغبة دون أن نضحي بالفهم المتكامل للإنسان.
3- الرغبة والسعادة:
محاولة تعريف السعادة:
يختلف الناس في تمثلهم للسعادة، بين من يقصرها على حسن العيش، من حياة مرفهة، وامتلاك للأموال والثروات، وتلبية كاملة للرغبات، وتشيع لها، وتحقيق للذة والمتعة في مختلف أشكالها وتجلياتها، وهناك من يقصرها على حسن السيرة من حياة كريمة ومعتدلة ومنسجمة، وقد نجد الاختلاف بين الأفراد، فالمريض يرى السعادة في الصحة، والفقير يراها في المال، والوحيد يراها في الأنس والصداقة.



يظهر إذن أن التمثل الاجتماعي يهيمن عليه المعنى المادي، الذي يقترن بإرضاء رغبات وشهوات الجسد، والاستمتاع باللذة والرغبة بكل أشكالها.
وفي لسان العرب نجد: سعد، السعد، بمعنى اليمن والخير، وسعد سعدا فهو سعيد، وسعد فهو مسعود، وهو نقيض النحس والشقاوة، ويكتسب اليمن أي الخير دلالتين: الأولى تشير إلى ما هو مادي محسوس، وتتمثل في الإرضاء والإشباع، أما الدلالة الثانية، فتشير إلى ما هو عقلي، وتتمثل في التدبير.
تتحدد السعادة من الوجهة الفلسفية العامة كحالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للذات، يتسم بالقوة والثبات، ويتميز عن اللذة للحظيتها، وعن الفرح لحركيته، ويبدو من هذا أن المسألة الفلسفية تتحدد عبر مستويين:
مستوى كيفي يتعلق بالطبيعة النظرية والماهوية للسعادة، هل هي مادية ترتبط بكل ما يحقق الإرضاء المادي من رغبات، وامتلاك للخيرات والصحة والنفوذ.
مستوى مجرد يتعلق بكل ما يحقق اللذة العقلية، من معرفة وعلم، أم أنها تتجاوز هذا وذاك لترتبط باللذة الروحية والوجدانية.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس