الموضوع: منبر المنتدى
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2009, 12:44 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

عنوان الخطبة التفكر في آيات الله



أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالتقوى سبيل المؤمنين، والنجاة في الدنيا والآخرة بها ويوم يقوم الناس لرب العالمين، قال جل وعلا: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

عبادَ الله، عنوان هذه الخطبة: التفكر في آيات الله في الكون.

في عتمة الليل وسحره وفي غلسه وبلجته، إذا أظلم الليل ودَجا، وادلهمّ وسجى، وظهرت آيات من آيات الله كانت الموعظة والذكرى، قال جل وعلا: إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ [آل عمران:190]، دعوةٌ إلى التدبر في الكون وتأمّل مدى دقته وتناسق نواصيه وأجزائه.

عباد الله، إن الخالق عز وجل الذي لا تدركه أبصارنا لم يتركنا هكذا في بيداء الحياة، بل أظهر آياته في كتاب منظور نراه ونحسّ به، وكتاب نقرؤه ونرتّله ألا وإنه معجزة النبي الخالدة، إنه القرآن الكريم بآياته وعظاتة، يعمد إلى تنبيه الحواسّ والمشاعر وفتح العيون والقلوب إلى ما في هذا الكون العظيم من مشاهد وآيات، تلك التي أفقدتها الأُلفة غرابتها، وأزالت من النفوس عبرتها، قال عز وجل: كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَـٰتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلألْبَـٰبِ [ص:29]، وقال: قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ [يونس:101].

يعرض القرآن الكريم هذه الآيات بأسلوب أخّاذ ليعيد طراوتها وجدَّتها في الأذهان، فكأنها تُرى لأول وهلة، يلفتُ النظر على هذه الأرض الفسيحة، وقد سُقيت ورويت بماء الحياة، فتغلغل إلى أعماقها، فاكتضّت أعاليها بالنعم الوافرة من أنهار جارية وأشجار مثمرة وزروع نضرة وجبال شامخة راسية وبحار واسعة مترامية، رفّت في جوانبها الطيور المغرّدة، قال جل وعلا: وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافًا [النبأ:14-16]، وقال تعالى: وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَـٰهَا وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا مَتَـٰعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ [النازعات:30-33]، وقال جل وعلا: فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَـٰكِهَةً وَأَبًّا مَّتَـٰعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ [عبس:24-32]، وقال جل وعلا: أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى ٱلسَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى ٱلأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20].

إن التأمّل في مطلع الشمس ومغيبها، التأمّل في الظلّ الممدود ينقص بلطف ويزيد، التأمل في الخضمّ الزاخر والعين الوافرة الفوّارة والنبع الرويّ، التأمّل في النبتة النامية والبرعم الناعم والزهرة المتفتّحة والحصيد الهشيم، التأمّل في الطائر السابح في الفضاء والسمك السابح في الماء والدود السارب والنمل الدائب، التأمل في صبح أو مساء في هدأة الليل أو في حركة النهار، إن التأمل في كل ذلك يحرّك القلبَ لهذا الخلق العجيب، ويشعر العبدَ بعظمة الخالق تبارك وتعالى، قال جل وعلا: وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ [الشورى:29]، تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:61، 62].

عباد الله، إن الناظر في الكون وآفاقه يشعر بجلال الله وعظمته، الكون كلّه عاليه ودانيه، صامتة وناطقه، أحياؤه وجماداته، كلها خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده، تُسَبّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44].

عباد الله، هذه المجرات المنطلقة، والكواكب التي تزحم الفضاء وتخترق عباب السماء، معلّقة لا تسقط، سائرة لا تقف، لا تزيغ ولا تصطدم، وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:38-40].

من الذي سيّر أفلاكها؟! ومن الذي نظّم مسارها وأشرف على مدارها؟! من أمسك أجرامها ودبّر أمرها؟! قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91]، إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ [فاطر:41].

عباد الله، إن الله تبارك وتعالى خلق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، هذا وضعُ الشمس أمام الأرض مثلاً، ثم على مسافة معينة، لو نقصت فازداد قربها من الأرض لأحرقتها، ولو بعدت المسافة لعمّ الجليد والصقيع وجه الأرض وهلك الزرع والضرع، من الذي أقامها في مكانها ذاك وقدّر بعدها لننعم بحرارة مناسبة تستمر معها الحياة والأحياء؟! صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء [النمل:88].

عباد الله، إن آيات الله في الكون لا تتجلى على حقيقتها ولا تؤدّي مفعولها إلا للقلوب الذاكرة الحية، القلوب المؤمنة، تلك التي تنظر في الكون بعين التأمل والتدبّر، تلك التي تُعمل بصائرها وأبصارها وأسماعها وعقولها، ولا تقف عند حدود النظر المشهود البادي للعيان، لتنتفع بآيات الله في الكون، ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

أما الكفار، فهم عُميُ البصائر غُلف القلوب متحجّرو العقول، إنهم لا يتبصّرون الآيات وهم يبصرونها، ولا يفقهون حكمتها وهم يتقلّبون فيها، فأنى لهم أن ينتفعوا بها؟! يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ [الروم:7]، وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِنَ ٱلسَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [الحجر:14، 15].

عباد الله، وكذا بعض طرق البحث العلمي لن تؤتي ثمارها في معزل عن الإيمان بقطع الصلة بين الخلق والخالق، فهذه الحضارة الحديثة، وإن شعّ بريقها فظهرت أنها تكشف الآيات العظيمة، ثم تقف حيث يجب أن تنطلق، تظهر الأسباب وتسدل الستارَ على ربّ الأسباب، وكأنه لا وجود له، أو لا عمل له، وكأن هذه الأسباب التي يفسّرون بها حصول الكسوف والخسوف والزلازل والبراكين ونزول الأمطار وغيرها كأن هذه الأسباب هي الفاعل الحقيقي، وما عداها وهمٌ، وهذا ضلال بعيد.

أما المنهج الإيماني فإنه لا ينقص شيئًا من ثمار البحث العلمي، لكنه يزيد عليه بربط هذه الحقائق بخالقها وموجدها ومدبّرها ومصرّفها، ليقدر العباد ربّهم حقَّ قدره، وليعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا يستحقّ العبادة إلا هو، ولا يُتوجّه بخوف أو رجاء إلا إليه، ولا يُخشى إلا هو، ولا يذلّ إلا له، ولا يطمَع إلا في رحمته.

إن المزيد من العلم ينبغي أن يقود إلى المزيد من الإيمان القويّ والتقوى.

عباد الله، ماذا لو اختلّ نظام هذا الكون قيدَ شعرة؟! إنه سينهار بكل ما فيه ومن فيه. ماذا لو تصادمت أفلاكه؟! ماذا لو تناثر ما في الفضاء من أجرامه؟! ماذا لو حجِبت عنه عناية الله طرفةَ عين أو أقل من ذلك أو أكثر؟! إننا سنهلك ويهلك كل من معنا، ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُـلّ شَىْء وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ [الزمر:62، 63].

لله فــي الآفــاق آيــات لعــلّ أقلَّهـا هـو مـا إليـه هداكـا

ولعـلّ مـا فـي النفـس مـن آياتـه عجب عجاب لو ترى عيناكـا

والكـون مشحـون بأســــرار إذا حاولت تفسـيرًا لهـا أعياكـا

قـل للطبيـب تخطّفتـه يـد الـردى: من يا طبيـب بطبّـه أرداكـا؟

قـل للمريـض نجا وعـوفي بعدمـا حجزت فنون الطب: من عافاكا؟

قـل للصحيـح يموت لا مـن علـّة: من بالمنايا يا صحيـح دهاكـا؟

يا أيهـا الإنسـان مهـلاً مـا الـذي باللـه جـل جـلاله أغـراكـا؟

سيجيـب مـا في الكون من آياتـه عجب عجاب لو تـرى عينـاكا

ربِّ لـك الحمـد العظيـم لذاتــك حمــدًا وليـس لواحـد إلاَّكـا

عباد الله، ما مرّ معنا من الآيات الكونية وغيرها كثير تحملنا على أن نفرّ إلى ربنا، وأن نغسل إساءتنا، وأن نمحو ذنوبنا.

إن المسلم إذا احتمى بربه واستعان به واستجار به فهو في أعز جوار وآمن ذمار. إن كل شيء إذا خفته هربتَ منه، وإذا خفت الله عز وجل هربت إليه، فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الذاريات:50].

وهكذا يبقى الكون كتابًا مفتوحًا، يُقرأ بكلّ لغة، ويدرَك بكل وسيلة، قال تعالى: تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [ق:8].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما سمعنا من الآيات والذكر الحكيم.

عباد الله، توبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.










آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس