الفن التشكيلي الكويتي البحث عن الذات2/2. العاطفة.. البحث عن الذات والجذور. لم يمنع ارتباط وتعلق الفنان الكويتي برموز بيئته وتراثه المحليين من التفكير والبحث فيما يدور حوله· فالبيئة هي قرين الحدث اليومي المعاش والتراث الكويتي هو امتداد للحدث والقضية التاريخية للأمة كاملة· ولذلك فهو يسعى بدأب وإصرار للبحث عن ذاته؟ وذاته الخاصة تعني جذوره وأصالته العربية· وكل ما ينصب في وجدانه من أحاسيس ومشاعر يتسرب إلى أعماقه التي هي جزء من تاريخ طويل وعريق من الأصالة العربية· فيخرج هذا الارتباط العاطفي الكبير على شكل رؤية خاصة متعددة الأساليب فنيا تبعا لدور الحالة وتفاعلها بالنسبة له أو للمحيط الذي يتحرك ويعيش فيه. لقد أخذت القضية الفلسطينية ومعانات الشعب الفلسطيني واللبناني حيزا كبيرا من فكر ومشاعر الفنان الكويتي المعاصر كقضايا حية تعاش يوميا لحظة بلحظة· بل أن الانطلاقة والإيمان لهذه الحركة التشكيلية بدأت من خلال هذه المشاعر العربية الصادقة الإيمان بوحدة الأمة العربية فأول معرض تشكيلي أقيم بشكل مدروس ومتكامل كان بمناسبة مؤتمر الأدباء العرب سنة 1958 وكانت جلسات ومناقشات هدا المؤتمر آنذاك مظاهرة قوية للقومية العربية والاتجاه القومي الصحيح وقد رأت معارف الكويت- وهي الراعية لهذا المؤتمر- أن تعطي لهذه المناسبة أهميتها وقررت إقامة معرض للفنون التشكيلية تحت اسم (معرض البطولة العربية) تيمنا بتلك المرحلة الزاهرة من مراحل التضامن العربي· وكفاحه ضد العهود البالية والاستعمار. لقد شاءت الأقدار أن تتزامن بداية تنظيم وبلورة شخصية الحركة التشكيلية الكويتية بالشكل العلمي المدروس مع هذه المناسبة الثقافية والتي كانت محور بحثها صحوة القومية العربية وفي أجواء مشبعة بالتضامن العربي للنهوض والكفاح ضد الاستعمار والتخلف· فـ"سالم الخرجي " و"محمد السمحان " و"محمد الشيباني " و"عبدالله القصار و"سامي محمد" و "عبد الوهاب العوضي " قد ترجموا هذه المشاعر أعمالا فنية رسمت صدق وإخلاص حسهم القومي تجاه قضايانا المصيرية المعاصرة. إن مجموعة "سامي محمد" النحتية (صبرا وشاتيلا) تعتبر من أبرز وأنضج التجارب الفنية التي عبرت عن تفاعل الفنان التشكيلي الكويتي مع الحدث وقد كرش في تشكيلها الفكري والفني جل اهتمامه مظهرا لحظات القهر والمعاناة المأساوية التي يمكن أن تحيط بإنسان أعزل!. وإذا كان "سامي محمد " قد أبرز معاناة الشعب الفلسطيني واللبناني فإن "سالم الخرجي " في أعماله التي تناولت نفس اللحظة الزمنية قد عزز هذا الخط المأساوي في المعالجة ومن أبرز أعماله (الجرح والحجارة - ا لصمت). لقد تناول (سامي والخرجي) هذه القضية من جانبها المساوي الذي ولّد في نفوسنا مشاعر الغضب والتقزز لهذه المشاهد أللا إنسانية ضد شعب أعزل يعيش في كل يوم ألوان مختلفة من صنوف الاضطهاد العنصري والقهر النفسي والجسدي من بينما أبرز "محمد الشيباني " الجانب الآخر للإنسان الفلسطيني في مقاومته للمحتل· فأعماله: (غضب- لا للاحتلال) رمزية مبسطه تسجل ثورة الحجارة تلك الأداة السحرية التي حركت مشاعر وضمير العالم· فهذا النموذج الفني المخرج بعناية وذكاء لمخاطبة العالم الغربي· وهذه المجموعة من الأعمال تشكل خطا مميزا للفكر النضالي والانتماء القومي للفنان الكويتي من أجل تحرير الأرض· وإذا كانت القضايا العربية تمثل جزء من فكر وعاطفة التشكيلي الكويتي فأن قضيته الخاصة أصبحت جزء من اهتمام الفكر العربي والتي تمثلت في المحنة التي عاشها الشعب الكويتي تحت الاحتلال العراقي وما تبع ذلك من مآسي إنسانية غلفت قلوب كثير من الأسر الكويتية بالحزن والأسى على أبنائها الأسرى· ولم يتخلى هذا الفنان عن دوره في رصد جوانب هذه القضية الإنسانية وأفسح لها مكانا في مساحاته اللونية· كما سجل أيضا مشاهد مؤثرة لمقاومة الشعب ا لكويتي للاحتلال. ويقف "محمد السمحان" داخل دائرة خاصة به في تعبيره الفني عن مسيرة المقاومة الكويتية والنضال الفلسطيني أو المعاناة اللبنانية ليشكل بكثير من البساطة التعبيرية الحركة الزمنية لنضال الشعب العربي كما في أعماله (قطعة قمر- القمر البعيد- خيول وحجارة منشورات ومقاومة- معتقل)· وهو قد يتجاوز في بعض الأحيان حدود الهموم العربية ليحتوي الإنسان عالميا· فالفلسفة الفكرية التي يبحث من خلالها صياغاته وإن بدأت من داخل النفس لكنها لم تغفل ارتباطه كجزء من العالم الواسع يؤثر ويتأثر بكل ما يدور فيه!· وهذه الأمثلة من الفنانين والمحاولات التعبيرية ليست هي الوحيدة فلم تخل تجربة فنية خاصة إلا وتناولت بشكل أو بآخر بالتعبير عن هذه المشاعر. لقد بدأ الفنان التشكيلي الكويتي يتجه بفنه وفكره إلى خارج نطاق التسجيل للحدث والمشهد اليومي الملاصق له· فالارتباط الفكري بالثقافات العالمية بشكل عام· والمشاهد اليومية لما يدور خارج الحدود التي يتحرك ويعيش فيها بشكل خاص والتي بسطت سبلها شبكات الاتصال السمعية والبصرية العصرية دفعت به إلى الاتجاه لإيجاد سبل تعبيرية مميزة تمكنه من إيصال فلسفته الفكرية وصياغاته التعبيرية إلى أفراد مجتمعه أو المجتمعات الأخرى· ولا يعني هذا انسلاخه أو ابتعاده عن رموز البيئة بل ظل محافظا على تركيباتها وذاتيتها المميزة· وأعطى في نفس الوقت ذاته وشخصيته الفنية مقدارا من الحرية والحركة داخل إطار العمل الفني مقدرا بذلك أهمية إبراز فكره وفلسفته الخاصة تجاه القضايا الإنسانية والاجتماعية التي يعالجها في صياغاته الإبداعية وجاعلا من هذا الاتجاه نقطة توازن بين الأسلوب التسجيلي والأسلوب الفكري الفلسفي الذي بدأ يتنامى بسرعة توازي تنامي التبادل الفني بين الكويت بمؤسساتها المتخصصة كالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والجمعية الكويتية للفنون التشكيلية ووزارة الإعلام والمؤسسات المشابهة لها في البلدان العربية والصديقة والذي تجلى في صور إقامة المعارض التشكيلية المتبادلة والمشاركة في النشاطات التشكيلية التي تقام في هذه البلدان. ويبرز أكثر من فنان كويتي في تتبع وصياغة هذه الأفكار تشكيليا· ويعتبر الفنان "عبد الله القصار" أكثرهم إيمانا بهذا الاتجاه وأيضا "خليفة القطان "والتي احتوتها كل من مجموعته (البيضة- التفاحة)· وأخيرا مجموعته الجديدة التي تناولت لمحات من التراث الكويتي البحري. أما "حميد خزعل" الذي برزت عناصره كأدوات تعبيرية عن أفكاره الخاصة· وجاءت متوافقة مع صياغاته الفنية للموضوع لتشكل في نهاية الأمر فلسفة رمزية لتلك التحرشات الذهنية التي يصطدم بها أثناء ممارساته اليومية كما في (العتمة- الخروج مبكرا- آخر المحاربين- احتمالات- تحية لأرواح شهداء لارنكا- امتزاج)· ثم النحات سامي محمد· أحمد عبد الرضا· ومحمد الشيباني الذي أهتم بتسجيل بعض القضايا الاجتماعية كما في (العانس- خرافه). وهو سلوك يكشف مدى الاهتمام الذي يوليه هذا الفنان لقضايا قد يجد البعض إحراجا في معالجتها تشكيليا وهو يبدو أكثر إصرارا على التمسك بهذا المنهج في البحث والتحليل في عمله المجسم (لحظة عابرة) عندما تناول برمزية تحتوي كثيرا من الصراحة التي لم نتعود عليها في معالجتنا التشكيلية حتى الآن لعلاقة الرجل بالمرأة!· لكن الشيباني كان أكثر شجاعة في التناول الصريح لمثل هذه القضية الحساسة. من كل هذا نلاحظ بأن أغلب التشكيليين الكويتيين قد تناولوا في أعمالهم أكثر من أسلوب فكري ولذلك فإن أسماءهم تتكرر كلما حاولنا قراءة جانب من جوانب الصياغات الفكرية للتشكيل الكويتي وقد حاولت قدر الإمكان أن أركز بشكل أو بآخر على أكثر الاتجاهات وضوحا في مسيرة كل فنان وهم بالطبع كما أسلفنا نماذج منتقاة للمساعدة على تفهم جوانب الحركة التشكيلية بشكل عام ومركز. النحت الكويتي هذا الطفل اليتيم. التوفيق والمساندة التي خصت بها الحركة التشكيلية الكويتية لم تقتصر على جانب تقني واحد فقط بل شملت كافة الجوانب المختلفة ومن ضمنها (النحت)· لكنه بالرغم من ذلك يقف منزويا حزينا مترددا في الدخول للدائرة الكبيرة التي يحتلها الفن التشكيلي بوجه عام· والأسباب التي تقف وراء الانزواء والتي صاحبت النحت منذ بداية تبلور شخصية الحركة التشكيلية بشكلها المعاصر هو عزوف كثير من " المقتنين " عن اقتناء الأعمال النحتية· ووجود قلة من المشجعين لن يغير شيئا من هذا الأمر· كما أن صعوبة الحصول على المواد الخام وارتفاع أسعارها كالرخام والخشب وأيضا ارتفاع تكلفة صب البرونز الذي يتم خارج الكويت دفع النحاتين الكويتيين إلى الإقلال من إنتاج الأعمال النحتية والاتجاه لمجالات فنية أخرى لإفراغ شحناتهم الإبداعية المميزة من خلالها. ويقف الفنان " سامي محمد" في مقدمة النحاتين الكويتيين بغزارة وتميز إنتاجه الذي برز كأسلوب فني وفكري لفت انتباه المهتمين والنقاد ومن أبرز أعماله (صبرا وشاتيلا- المكبس- الصندوق- محاولة الخروج- إندفاعة - صرخة من الأعماق). كما ويحتل النحات "عيسى صقر" في هذا المجال مكانة خاصة أيضا بأسلوبه المميز الذي وظف له رموز البيئة لإبراز منحوتاته وتأكيد أسلوبه الذي اعتمد الكتلة كأساس لخلق شخوصه وعناصره والتي تحركها لمسات من الخطوط البسيطة. "خزعل القفاص " له بصمته المميزة والمهمة كنحات مبدع اختار أفكاره ومزجها بشيء من الغرابة الفلسفية رغم بساطتها الشكلية والتعبيرية متخذا هو أيضا جزيئات البيئة مجال تتحرك فيه أفكاره مثال (الهامور- تمر وقهوة). يأتي النحات "عبد الحميد إسماعيل " أيضا كأحد أهم عناصر هذه المجموعة وهو أيضا وأن توقف فترة لعدة سنوات لكنه عاد باندفاع كبير ليضيف لمجموعته النحتية بعدا جديدا تمتزج فيه التجربة بواقعية التشكيل بتآلف إبداعي مميز كما في: (السوس- لبنان- امرأة- تكوينات). لقد حاول بعض التشكيليين الرسامين أيضا ولوج هذا المجال بين الحين والآخر برغم وعورة الطريق كنوع من التجربة مثال (جاسم بوحمد- خليفة القطان- عبد الله القصار) وقد يكون "بوحمد" أكثر الثلاثة إهتماما لكن تجربته لم تنل حظها من النضج كمجاله في التصوير. الفنانات التشكيليات الكويتيات. التشكيليات الكويتيات يمكن عدهن على أصابع اليد فهن قليلات بدأن مسيرتهن جنبا إلى جنب مع زملائهم التشكيليين الكويتيين· وقد برزت مجموعة منهن بينما انسحبت أخريات بكل هدوء دون أسباب ملحوظة فالفرصة متاحة في بلد أعطى المرأة حقوقا لم تتاح لمثيلاتها في بلدان أخرى إلا في وقت متأخر وهيأ لها فرص التعليم وممارسة نشاطاتها المختلفة بكل حرية ومساندة على المستوى الشعبي والرسمي. ومن أبرز التشكيليات الكويتيات (موضي الحجي- سعاد العيسى- صبيحة بشارة- ثريا البقصمي- سامية السيد عمر- ليديا القطان- نسرين عبد الله). لقد دارت أغلب الأفكار والمواضيع التي تناولتها الفنانات الكويتيات حول المرأة "فصبيحه بشاره " رسمت المرأة بعاطفة شديدة أبرزت فيها رقتها كمرآه تمارس علاقتها الإنسانية والاجتماعية ببساطة شديدة فمره نشاهدها مستلقية باسترخاء أو أخرى تتحدث لصديقة في جو من الهدوء· وحتى مجموعة أعمالها المميزة التي رسمت فيها تكوينات من مقاطع نباتية- ورود- لم تخل من إحساس أتثوي. "سعاد العيسى" و "ثريا البقصمي " تشكلان خالا واحدا وإن اختلفتا تقنيا· فالحس الزخرفي هو المسيطر على أجواء العمل عندهما وكلتاهما اتجهتا نحو مجال الطباعة في إبراز أفكارهما فنيا. وقد استطاعت "موضي الحجي " بلورة تجربتها الفنية لتخرج بمحصله مميزة وأبرز شاهد على ذلك مجموعتها التكوينية النباتية- سعف النخل- هذا بالإضافة إلى تجاربها الأخرى· وتتميز "موضي " بغزارة إنتاجها وجديته المتواصلة في البحث والتطوير المبتكر لأفكارها وتقنياتها الفنية. وبالرغم قلة عدد الفنانات إلا أن ذلك لم يؤثر على تواجدهن في الساحة التشكيلية وذلك يرجع للإصرار والمثابرة التي يتمتعن بها وهذه خاصية أبرزت أسماؤهن بشكل واضح في محيط الحركة التشكيلية الكويتية بشكل خاص والعربية بشكل عام كفنانات عربيات لهن أساليبهن الفنية ورؤيتهن الفكرية الخاصة. وقد انضمت في السنوات الأخيرة لساحة التشكيل الكويتي العديد من الفنانات· والمتتبع لإنتاجهن يلاحظ جدية مسعى هذه المجموعة لبلورة أسلوب خاص بكل واحدة منهن· والنشاط الملحوظ في العمل وإثراء المعارض السنوية بإنتاجهن.