عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2009, 08:21 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سيرة مختصرة للأئمة الأربـعة .. أبو حنيفــة وملك والشافـعي وابن حنبل




كيف لنا أن نستفيد من سيرة الإمام الشافعي





كيف لنا أن نستفيد من سيرة الإمام الشافعي ونقتدي بها؟



سؤال هام يطرح عندما نتحدث عن حياة شخص اشتهر في زمنه وبرز بين معاصريه وبقي أثره العلمي ومنهجه الفقهي على مدى قرون عديدة من الزمن.وبالطبع فإنه لا يمكن أن يكون له هذا الدور في حياته وأن يكون له هذا الأثر بعد رحيله ، إلا إذا كان مميزاً في العديد من الصفات وإلا إذا كان يتمتع بشخصية سارت على أسلوب يمكن أن يكوِّن معالم في الطريق تهدي الكثيرين يستفيدوا من محطات حياته وسيرته ومواقفه.
الإمام الشافعي– رحمه الله– وقد مرت ذكرى وفاته منذ فترة وجيزة، فقد توفي يوم 30 رجب 204، أي أن وفاته مرت عليها 1221 سنة وما زال هذا الرجل يذكر بكل خير وسيبقى رمزاً لكثير من العناصر الحياتية التي تؤدي إلى النجاح والبروز والتفوق العلمي.

وعندما نتكلم عن الإمام بهذا الأسلوب، ولا يخرج كلامنا من منطلق التعصب له والمبالغة في مدحه، فكل ما يمكن أن نتحدث به ويتحدث به غيرنا إنما ينطلق من واقع هذا الرجل بل ربما يقصر الكلام عن أن يفيه حقه، أو أن يحيط بأبعاد منهجه وفكره وربما يكفي أن نقول أنه ما دام لهذا الإنسان ذلك الأثر بعد تلك السنين معناه أنه كان إنساناً غير عادي بحياة غير عادية وسيرة غير عادية.

والغير اعتيادية هذه معناها: التفوق والعظمة والتقدم وكل ما يمكن أن يعبر عن هذه المعاني من ألفاظ.
لن نتكلم اليوم عن سيرة حياته، فقد سبق لزملاء كرام أن تناولوا هذا الجانب، وكذلك لن نلجأ إلى التغني بعظمة منهجه العلمي وإنجازاته الأصولية والفقهية وأهمية دوره في هذا النطاق، فقد تعددت محاضرات هذه السلسلة التي درست هذه النواحي.

ما سنقوم به هو تناول المحطات الأساسية في سيرته ومواقفه وبعض الشيء من مناهجه العلمية، لتحليل هذه المسائل وإبراز معانيها وكيفية استفادتنا منها بهذا العصر.ذلك أن عظمة الإنسان تكمن في أن أفعاله ومواقفه وأقواله تبقى مشعلاً يضيء الطريق ودليلاً يهدي إلى العلم والحق.

برزت في سيرة الإمام الشافعي محطات هامة وأساليب حياتية معينة تدل على معانٍ كبيرة، سنحاول أن نركز على المبادئ التي حكمت مسيرته لنحدد بالتالي النقاط التي يمكن لنا أن نستفيد منها من حياة هذا الإمام الكبير.



- التميز بين متفوقين:
عناية الإنسان بما أعطاه الله من مواهب والعمل على تنميتها ليتسلم مراكز أو مقامات هامة في الحياة وليكون مؤثراً في المجال الذي يتقنه أي أن يكون متميزاً وبارزاً وليس مجرد مخلوق يعيش على هامش الدنيا، هذه القضية هي مطلب إسلامي أساسي على المسلم أن يعمل له، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب المؤمن المحترف، وقال: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، وقال: حسنوا هيئاتكم حتى تكونوا شامة بين الناس.

إذن هي توجيهات هامة في الحياة فدور المسلم هو القيادة وكونه قدوة يفيد الآخرين ولا يكون مجرد أمعة تابعاً لا دور له، إيجابياً غير سلبي، متقناً غير فاشل، وإلا فكيف يكون شامة بارزة بين الناس ينظر إليه بكل احترام وتقدير.

هكذا كان الإمام الشافعي رضي الله عنه، بل لم يكن تميزه عادياً، بل كان متميزاً بين متفوقين. لقد عاش الإمام في القرن الهجري الثاني وهي الفترة التي شهدت استقراراً في دولة الإسلام وامتداد سلطانها وازدهار الحياة فيها، حتى كان هذا الزمن هو زمن إحياء العلوم ونهضة الفكر ومن أزهى العصور التي امتد أثرها لما بعدها من أزمان، وظهرت فيها مجموعة من العلماء الكبار في شتى العلوم التي انطلق أكثرها في ذلك الوطن من أصول وفقه وحديث رواية وتدويناً ثم ازدهار كبير في علوم الحياة عن طريق الترجمة والإبداع في الجديد من العلوم.

في هذا الجو الممتلئ بالعلم والعلماء والمتفوقين عاش الإمام رحمه الله فاستفاد من جميع الثروة العلمية المتوفرة، وبقوة تطلعه وجهده وبتوفيق الله له خرج على الناس بآرائه ومذهبه ودوره في حل المشكلات الجانية للمسلمين في ضوء القرآن والسنة. فأن يبرز الإنسان في هذا الجو العلمي المتميز معناه أنه كان متميزاً ومبدعاً على درجة عالية من التميز والإبداع، وإلا لما كان لنوره أن يسطع بين هذه المشاعل الكبرى.
وهكذا هو المسلم الحقيقي على ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم محترفاً متقناً شامة بين الناس.




2- مسألة فقر الحال ودافعية التعلم:
لا شك أن الفقر مانع أساسي من الحصول على متطلبات الحياة وحاجات الإنسان، بل ربما يكون سبباً من أسباب سوء الخلق والدين والجهل والتخلف وكثير من مفاسد الأمور خصوصاً وأن النبي صلى الله عليه وسلم سوّى بين الكفر والفقر في الاستعاذة منهما: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر.

وفي الوقت نفسه يمكن للمرء إذا حسنت نيته وصلح عمله أن يتجاوز صعوبات الفقر ومعوقاته، بل ربما يكون له دافعاً لتغيير وضعه إلى الأفضل والمحاولة المستمرة للتغيير.

والإمام الشافعي نشأ يتيماً فقيراً، فقد توفى والده وهو في عمر لا يتجاوز العامين، وآثرت أمه أن تعود به من غزة حيث سكنت العائلة إلى مكة المكرمة حيث يمكن لها أن تحصل له على سهم من بيت مال المسلمين، إلا أنه عاش عيشة الفقراء، فقد كانت أمه لا تجد ما تعطيه إلى المعلم. ولكنه في هذا الجو القاتم والعمر المبكر بدت عليه مظاهر الذكاء وعلامات النبوغ التي ساعدته في التعلم مجاناً عندما تعرف عليه معلم الكتاب الذي قبله في تلامذته دون أجر تقديراً منه لذكاء الصبي وقدرته الفائقة على الحفظ.

واستمر حال الفقر معه حتى عندما شب وتردد على العلماء للأخذ عنهم فقد كان لا يجد ثمن الورق الذي يدون عليه ما يتعلمه، فيعمد إلى التقاط العظام والخزف وشيء من الأحجار ليكتب عليها، وكان هذا نتيجة شغفه الشديد بالتعلم، الذي حول العوائق السلبية إلى ايجابيات دافعة وعناصر الضعف إلى منشطات القوة وقد روي عنه أنه قال: ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة، ولقد كنت أطلب ثمن القراطيس فتعسَّر عليّ.




3- القوة النفسية والحرص على معالي الأمور:
إن التفوق العلمي ومكارم الأخلاق ومعالي الأمور قضايا كبرى في الحياة يتطلع إليها الناس ويسعون إليها وقليل منهم من يدركها ذلك أنها تحتاج إلى نفسيات خاصة تلتقي فيها الجرأة والحرص مع القوة النفسية، يساعدها العقل الرصين والنسب الرفيع، وكل هذه العناصر هامة تؤهل المرء للوصول إلى المقامات العليا.
والإمام الشافعي كان يجمع كل هذه الأمور والعناصر الضرورية التي تجعله يتجه إلى معالي الأمور، فقد كان ذو حرص شديد على التعلم عند كبار العلماء ويتمتع بجرأة واضحة في التعامل معهم، وقصته مع الإمام مالك عندما ذهب إليه في المدينة معروفة، في الوقت الذي كان الإمام مالك ذا شهرة طبقت الآفاق يتناقل الناس كتابه الموطأ بحرص شديد ويرددون آراءه الفقهية، فكانت جرأة الإمام سبباً في قبول الإمام مالك له للأخذ عنه.

وكذلك كانت جرأته في قول الحق ما أنقذ حياته عند الخليفة هارون الرشيد عندما حيكت له مؤامرة خلال عمله في نجران.
هذه الناحية النفسية عبر عنها الإمام نفسه شعراً فيما روى عنه:


أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب وفيضي آبار تبريز تبراً
أنا إن شئت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبراً
همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى الذلة كفراً
وإذا ما قنعت بالقوت عمري فلماذا أهاب زيداً وعمراً

هذا الشعر يتضمن وصف القوة النفسية لصاحبه وهي قوة هائلة ومصدر من مصادر السكينة والسعادة، والتي إن عاشها الإنسان فلن يذل لمخلوق ولا يحني رأسه إلا لربه، وهذا هو الرضا الحقيقي.



- قضية إتقان اللغة كأساس للانطلاق العلمي:
معرفة أصول اللغة وإتقانها والتمكن من الآداب شعراً ونثراً أدوات أساسية لانطلاقة علمية صحيحة تؤهل صاحبها للسير في طريق العلم ضمن ضوابط ومؤهلات رفيعة تمكنه من الفهم والتحليل والجدل. أدرك الشافعي هذا الأمر فبدأ يتردد منذ صغره على البادية وبقي فترة لدى قبيلة هذيل التي كانت أفصح العرب، وكان لهذا الأمر أثر في فصاحته وبلاغته فيما يكتب، وقد اعترف معاصروه بقدرته اللغوية حتى أن الأصمعي وهو من أئمة اللغة قال: صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس.




5- الرحلة في طلب العلم:
الرحلة إلى مناطق متعددة أسلوب في تلقي العلم شاع ابتداءً من منتصف القرن الأول بدأه أصحاب الرواية للحديث النبوي الذين حرصوا على تلقي الرواية من رواتها الأساسيين طلباً للسند العالي، ثم انتقل هذا الأسلوب إلى كل ما يتعلق بالطلب العلمي في سائر الفروع وذلك لأن الأسفار تفتق الذهن وترهف الحس إضافة إلى ما تعطيه من معرفة بالعلماء والعلوم مع التعرف على أحوال الناس في شتى المجتمعات وهذه من لوازم الفقيه في معرفة الناس ودخائل المجتمعات وإدراك المشاكل ليتمكن من وصف الحلول بناءً على معرفة الواقع.

والإمام رحمه الله أثناء أخذه للعلم كان مكثراً من الرحلة في طلب العلم زائراً كل المدن التي أصبحت مراكز علمية، يلتقي الناس حول علمائها لينهلوا من علمهم، وهو الذي ما زال ينتقل حتى استقر به الأمر في مصر... ولا شك أن هذه الأشعار أعطته من الخبرات والرؤى الشيء الكثير وأمدت علمه الواسع بإضافات كبيرة.


- تعدد المصادر العلمية للتكوين العلمي المستقل:
شهد القرن الهجري الثاني ظهور مدرستين في الفقه الإسلامي، مدرسة الرأي في العراق والتي كان من ائمتها إبراهيم النخفي وحماد بن سليمان وأبو حنيفة النعمان وتلامذته كأبي يوسف ومحمد بن الحسن. أما مدرسة الحديث في الحجاز فقد كان من أئمتها في القرن الثاني الإمام مالك والليث بن سعد وابن شهاب الزهري.

كان الجدل والنقاش مشتعلاً بين المدرسين في مجال استنباط الآراء الفقهية، إلى جانب عدد كبير من المذاهب الفقهية.

والشافعي في هذا الجو لم يلتزم مدرسة بعينها فقد تلقى الفقه والحديث على شيوخ تباعدت آرائهم وتخالفت مناهجهم فجمع فقه أكثر المذاهب المعروفة في عصره، فبرع في مدرسة الحديث في المدينة آخذاً على مالك ومدرسة الحديث في العراق آخذاً من محمد بن المحسن، وفقه الليث بن سعد في مصر وفقه الأوزاعي، وكان ابن عباس مثله الكامل.

روى عن تسعة عشر من كبار المشايخ: 5 من مكة و6 من المدينة و4 من اليمن و4 من العراق.

كوَّن الشافعي من كل ذلك بقوة ذهنه وتمكنه من العلوم مزيجاً فقهياً محكماً تلاقت فيه كل النزعات متعادلة متآلفة فقدم للناس مذهباً فقهياً استمر حتى اليوم وكان أول من دوَّن في علم أصول الفقه.

هذا يعلمنا أن التنوع في الأخذ عن العلماء يساعد على كثرة العلم وتفتح الذهن وتوسع العقل لإدراك الخلاف ومعرفة الأدلة، وهو المساعد الأساسي على الاستقلال العلمي وإيجاد النقاط التي تجمع بين المتخالفين. لذلك نجد أن الشافعي له مكانته عند أهل الحديث وكذلك عند أهل الرأي.
لم يكن ليتهيأ هذا الإبداع العلمي في تكوينه لمذهبه أو في كتابته لأصول الفقه إلا بواسطة هذا المنهج الذي اتبعه في عدم التقيُّد بمدرسة فكرية واحدة بل لا بد من التعرف على الجميع وأخذ العلم أين وجد ولا يهم الوعاء الذي يحمل العلم بل المهم هو العلم الذي في الوعاء.




7- فهم الواقع وإيجاد الحلول:
بقي الشافعي يتنقل ما بين مكة وبغداد ناشراً علمه ومذهبه وكتبه، إلا أنه رغب أخيراً في الابتعاد عن مركز الخلافة وأمور السياسة، وانتهز دعوة والي مصر له ليرحل إلى هذه البلاد التي كان ينتشر فيها مذهب الإمام مالك.

رحل إلى مصر يرافقه بعض تلامذته وتسبقه شهرته وتقدير العلماء له وبدأ بإلقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فأقبل عليه الناس وقصده الكثيرون من خارج مصر، وبذلك تعرّف على واقع جديد في مصر يختلف في كثير من المسائل مع الواقع الذي عرفه في الحجاز والعراق، مما ألجأه إلى إصدار أحكام وفتاوى في مصر خالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق، وهناك ألف كتابه الأم الذي هو إعادة نظر في كتاب سابق له كما أعاد النظر في كتابه الرسالة المتضمن مساهمته في علم أصول الفقه ونصرته للسنة النبوية.
معنى هذا أن على الفقيه المجتهد أن يعرف واقع مجتمعه والتعرف على السائر فيه وأن يحاول ضمن ضوابط القرآن والسنة أن يجد الحلول لمشاكل المجتمع ومسائله، كما وأنه في حال تعرفه على واقع جديد مخالف للسابق عليه أن يعيش هذا الواقع الجديد ويبحث له عن الحلول الفقهية غير متمسك بآرائه القديمة. فالفقيه عليه أن يعثر على الحلول الشرعية لا أن يقيد الناس بأحكام لا تتآلف وأوضاعهم.
هكذا كانت عظمة الإمام الشافعي الذي وضع مذهبه الجديد في مصر وطلب من الناس ألا يأخذوا إلا به ويتركوا ما كان قد قال به في السابق.

وهكذا كانت عظمته وتفاعله مع قضايا المجتمع، حيث أدرك مهمة الفقيه المجتهد وقام بهذا الدور خير قيام رحمة الله عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .




بسم الله الرحمن الرحيم
( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )
صدق الله العظيم


اللهم إرحم أمي و لا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها
واغفر لنا و لها و لسائر المسلمين يارب العالمين







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس