عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2010, 11:45 AM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: فوضى الحواس من روايات الكاتبة: أحلام مستغانمي


حتى إنني صدقت أن بإمكان رجل أن يغادر دفاتري, ويضرب لي موعدا خارج الورق.
من الواضح الآن أن ذلك كان ضربا من الجنون.
في لحظة من الخيبة كدت أهم بمغادرة القاعة, والهروب من هذا الجو الموبوء الذي وضعت نفسي فيه, لولا أنني تذكرت أن السائق لن يحضر قبل انقضاء ساعة. وأنني لم أتمكن من متابعة الفيلم الذي تقول لافتة عند مدخل القاعة إنه حصل على عدة جوائز عالمية.
وهكذا عدت لأتابع الفيلم, محاولة تجاهل ما يحدث حولي.

كان الاستاذ يلقي درسا في كيفية فهم الشعر, حسب ما جاء في مقدمة الكتاب المعتمد للتدريس. والتي كتبها أحد كبار المراجع المختصة في النقد. شارحا فيها كيف يمكن تقويم قصيدة, ومقارنتها بأخرى, معتمدين على خط عمودي وآخر أفقي, يلتقيان ليشكلا زاوية مستقيمة, على كل خط فيها درجات نقيس بها عموديا المعنى, وأفقيا المبنى وهكذا, بإمكاننا أن نكتشف ضعف الشاعر أو قوته بين قصيدة وأخرى ومقارنته بشاعر أو بآخر , حسب مقاييس حسابية دقيقة.

وبينما كان الطلبة منهمكين في رسم خطوط عمودية وأفقية على دفاترهم, ناقلين ما يكتبه الاستاذ على السبورة, إذ به يتوقف فجأة ويمحو كل شيء, ويفاجئهم قائلا:
- طبعا.. ليس هذا صحيحا. لا يمكن أن نقيس الشعر طولا وعرضا وكأننا نقيس أنابيب معدنية..
اندهاشنا, انبهارنا, انفعالنا, هو الذي يقيس الشعر. أمام قصيدة, النسا يغمى عليهن, والآلهة تولد. والشعراء يبكون كأطفال.
من يقيس دموعنا, فرحنا, وكل ما يمكن أن تفعله بنا قصيدة؟
أتدرون لماذا نقرأ أو نكتب الشعر؟ لأننا جزء من الإنسانية. كيف يمكن أن نقيس إنسانيتنا بمقاييس حسابية؟ مزَّقوا كل ما كتبتموه على دفاتركم!
يصمت قليلا ثم يضيف:
- ولا بأس أن تمزقوا أيضا هذه المقدمة!
ينظر إليه الطلبة متسائلين عن مدى جدية ما يأمرهم به. ولكن أمام إصراره, لا يملكون إلا أن يقتلعوا الصفحات الأولى من الكتاب, ليكون كتابا لا مكان فيه لشيء عدا الشعر.
أثناء ذلك, كان يمر أمامهم بسلة المهملات, طالبا بعد آخر, يجمع الأوراق الممزقة, بشيء من الغبطة التي وحده يدرك سببها.
إنه لم يعطهم درسا في فهم الشعر. وإنما درسا في فهم الحياة وشجاعة في التشكيك في كل شيء حتى ما يرونه مكتوبا في كتب مدرسية تحت توقيع اسم كبير.
وخاصة الجرأة على تمزيق كل ما يعتقدونه خاطئا, وإلقائه في سلة المهملات!

لا أدري إلى أي مدى تجاوبت القاعة مع هذا المشهد الجميل, وهل وجد فيه البعض ما يبرر مواصلة تمزيقه للكراسيّ.
أما ذلك الرجل الجالس أمامي فكان منهمكا في البحث عن قلم وورقة ما كاد يعثر عليهما, حتى راح يكتب شيئا, توقعته خاطرة يسجلها على ورقة.
لم أقاوم فضول استراق النظر إلى ما كتب, مصطنعة حركة تقربني إلى الأمام.
ماذا لو كان يكتب شيئا بنية ان أطلع عليه؟ فلقد لاحظ وجودي خلفه وتجسسي عليه.
وقبل أن ألمح على الورقة رقما, من الأرجح أنه رقم هاتفيّ, شعرت أن شيئا قد وقع مني. وتحسست أذني, وإذ به قرطي قد سقط أرضا.
انحنيت لأبحث عنه, مستعينة بشعاع ضوء قادم من الشاشة, وإذ بولاعة تشتعل على مقربة مني, ورجل ينحني ليضيء لي المكان.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس