عرض مشاركة واحدة
قديم 03-20-2010, 09:17 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ضوء خافت

الصورة الرمزية ضوء خافت

إحصائية العضو








ضوء خافت غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الحكمة من عدد زوجات الرسول

والسر في ذلك إخواني الكرام ربما يرجع إلى أن الإنسان محكوم بقوانين الله التي لا تتبدل ، وقد طالب الله عباده المؤمنين بعبادته وضمن لهم أرزاقهم باليسير من السبب وأقسم على هذا الطمان ، ولكن الإنسان عكس القضية فاشتغل بما ضمنه الله وأقسم عليه وأهمل ما طلبه منه، فكأن بذلك السلوك شاك في ضمان الله قسمه.. ضعيف اليقين بما أمره به الله... ومن هنا يختل التوازن النفسي للإنسان.. فيتركه الله لنفسه التي ترديه في أوحال الفاقة والشكوك!!!.
كذلك من الحكم الغاليات في هذا الباب اقتداء نساء العالمين بزوجاته- صلى الله عليه وسلم- في إيثارهنَّ الدار الآخرة وما يحبه الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- علي نعيم الدنيا الفاني، وصبرهنَّ واستعلائهنَّ على الزينة الزائلة وشظف العيش ، وكذلك في دماثة أخلاقهنَّ- حتى تعاملهنَّ فيما بينهنَّ كضرائر، اللهم إلا النذر اليسر والذي لايكاد يذكر على الرغم من عددهنَّ..
فمن المعلوم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد اختار لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف- لاعجزاً عن حياة المتاع، فقد عاش حتى فتحت له الأرض- وكثرت غنائمها،وعم فيؤها، واغتنى حتى من لم يكن له من قبل مال ولا زاد ! ومع هذا فقد كان الشهر بل الشهران يمضيان ولا توقد في بيوته نار، هذا مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا، ولكن ذلك كان اختياراَ لاستعلاء على متاع الحياة الدنيا، ورغبة خالصة فيما عند الله، رغبة الذي يملك ولكنه يعف ويستعلي ويختار..ولم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مكلفاً من عقيدته ولا من شريعته أن يعيش مثل هذه المعيشة التي أخذ بها نفسه وأهل بيته، فلم تكن الطيبات محرمة في عقيدته ولا شريعته ، ولم يحرمها على نفسه حين كانت تقدم إليه عفواً بلا تكلف، وتحصل بين يديه مصادفة واتفاقاً،لا جرياً وراءها ولا تشهياً لها، ولا انغماساً بها.... ولم يكلف أمته كذلك أن تعيش عيشته التي اختارها لنفسه، إلا أن يختارها من يريد، استعلاء على اللذائذ والمتاع، وانطلاقاً من ثقلها إلى حيث الحرية التامة من رغبات النفس وميولها.
وكان نساء النبي-صلى الله عليه وسلم-نساء من بشر، لهنَّ مشاعر ورغبات البشر، وعلى الرغم من فضلهنَّ وكرامتهنَّ وقربهنَّ من ينابيع النبوة الكريمة، فإن الرغبة الطبيعة في متاع الحياة ظلت حبة في نفوسهنَّ، فلما أن رأينَ السعة والرخاء بعدما أفاض الله على رسوله وعلى المؤمنين راجعن النبي-صلى الله عليه وسلم- في أمر النفقة ، فلم يستقبل هذه المراجعة بالترحيب، إنما استقبلها بالأسى وعدم الرضى؛إذ كانت نفسه-صلى الله عليه وسلم- ترغب في أن تعيش فيما اختاره لها من طلاقة وارتفاع ورضى؛متجردة من الانشغال بمثل ذلك الأمر والاحتفال به أدنى احتفال، وأن تظل حياته وحياة من يلوذون به على ذلك الأفق السامي الوضيئ المبرأ من كل ظل لهذه الدنيا وأوشابها.
هذا من جانب ومن الجانب الآخر يظهر لنا حقيقة حياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والذين عاشوا معه واتصلوا به،وأجمل ما في هذه الحقيقة أن تلك الحياة كانت حياة إنسان وحساة ناس من البشر، لم يتجردوا من بشريتهم ومشاعرهم وسماتهم الإنسانية مع كل تلك العظمة الفريدة البالغة التي ارتفعوا إليها، ومع كل هذا الخلوص لله والتجرد مماعداه، فالمشاعر الإنسانية والعواطف البشرية لم تمت في تلك النفوس ولكنها ارتفعت، وصفت من الأوشاب، ثم بقيت لها طبيعتها البشرية الحلوة، ولم تعوق النفوس عن الارتفاع إلى أقصى درجات الكمال المقدر للإنسان.
وكثراً ما نحطئ نحن حين نتصور للنبي-صلى الله عليه وسلم- ولنسائه بل ولصحابته-رضوان الله عليهم أجمعين- صورة غير حقيقية، أو غير كاملة ، نجردهم فيها من كل المشاعر والعواطف البشرية، حاسبين أننا نرفهم بهذا وننزهم عما نعده نقطاً وضعفاً!.
وهذا الخطأ – إخواني الكرام-يرسم لهم صورة غير واقعية، صورة ملفعة بهالات غامضة لا نتبين من خلالها ملامحهم الإنسانية الأصيلة-ومن ثم تنقطع الصلة البشرية بيننا وبنهم- وتبقى شخوصهم في حِسِّنا بين تلك الهالات أقرب إلى الأطياف التي لا تلمس ولا تتماسك في الأيدي! ونشعر بهم كما لو كانوا خلقاً أخر غيرنا... ملائكة أو خلقاً مثلهم مجرداً من مشاعر البشر وعواطفهم على كل حال!، ومع شفافية هذه الصورة الخيالية فإنها تبعدهم عن محيطنا، فلا نعود نتأسى بهم أو نتأثر، يأساً من إمكان التشبه بهم أو الاقتداء العملي بهم في الحياة الواقعية، وتفقد السيرة بذلك أهم هنصر محرك، وهو استجاشة مشاعرنا للأسوة والتقليد، وتحل محلها الروعة والانبهار-اللذان لا ينتجان إلا شعوراً مبهماً غامضاً سحرياً ليس له أثر عملي في حياتنا الواقعية – ثم نفقد كذلك التجاوب الحي بيننا وبين هذه الشخصيات العظيمة- لأن التجاوب إنما يقع نتيجة لشعورنا بأنهم بشر حقيقيون- عاشوا بعواطف ومشاعر وانفعالات حقيقية من نوع المشاعر والعواطف والانفعالات التي نعانيها نحن، ولكنهم هم ارتقوا بها وصفوها من الشوائب التي تخالج مشاعرنا. وحكمة الله واضحة في أن يختار رسله من البشر ، ولا الملائكة ولا من أي خلق آخر غير البشر، كي تبقى الصلة الحقيقية بين حياة الرسل وحياة أتباعهم قائمة؛ وكي يحس أتباعهم أن قلوبهم كانت تعمرها عواطف ومشاعر من جنس مشاعر البشر وعواطفهم ، وإن صفت ورفت وارتقت... فيحبونهم حب الإنسان للإنسان، ويطمعوا في تقليدهم تقليد الإنسان الصغير للإنسان الكبير العظيم..
-يتبع-







آخر مواضيعي 0 أراك
0 مقتطفات من كشكول .. متجدد
0 قلم وبضعة أوراق
0 تعلمت منك
0 السفر الشارد
رد مع اقتباس