كيف انتهى من قبل أن يبتدي هل تنطفي الروح و لم توقد ؟
و كيف أنهى السير من لم يرح في دربه المجهول أو يغتدي ؟
وافى من الديجور يحبو إلى كهف السكون النازح الأسود
ألقى به المهد إلى قبره لم يقترب منه و لم يبعد
***
ما باله خفّ إلى موته ؟ هل كان و الموت على موعد ؟
ما أقصر الشوط و أدنى المدى ما بين عهد اللّحد و المولد !
يا من رأى الطفل يعاني الردى و يرفع الكفّ كمن يجتدي !
كأنّه في خوفه ... يحتمي بكفّه من صوله المعتدي !
و كلّما انهال عليه انطوى يلوذ بالثوب ... و بالمرقد
و تارة يرنو إلى أمّه و تارة يلقي يدا في يد
و مرّة يرجو أبا مشفقا و مرّة يرنو إلى العوّد
***
يهوى أبوه لو يذود القضا عنه و تهوى الأمّ لو تفتدي
يا من شهدت الطفل في موته ألم تمت من روعة المشهد ؟ !
***
ياصائد العصفور رفقا به فلم يخض جوا و لم يصعد
أتى يغنّي الروض لكنّه لم ينشق الروض و لم ينشد
طفل كعصفور الروابي طوى ردا الصبا من قبل أن يرتدي
أهلّ في بدء الصبا فانطفى لم يهد حيران و لم يهتد
و نام في حضن الهنا مبعدا عن الأعادي و عن الحسّد
عن ضجّة الدنيا و أشرارها و عن غبار العالم المفسد
تدافع الطفل إلى قبره فنام تحت الصمت كالجلند
ما أسعد الطفل و أهنى الكرى على سكون المرقد المفرد !
***
هنا ثوى الطفل و أبقى أبا يبكي و أمّا في البكا السرمدي
تقول في أسرارها أمّه : لو عاش سلوى اليوم ، ذخر الغد !
لو عاش لي يا ربّ ، لو لم يمت أو ليته يا ربّ ، لم يوجد
***
هل خاف هذا الطفل جهد السرى فاختزل الدرب و لم يجهد ؟
ما باله جفّ وريّ الصبا حوليه و العيش الظليل الندي ؟ !
مضى كطيف الفجر لم يقتطف من عمره غير الصبا الأرغد
لم يطعم الدنيا و لم يدر ما في سوقها من جيّد أو ردي
حبّا من المهد إلى لحده لم يشقّ في الدنيا و لم يسعد
فهاك يا " عبد العزيز " الرثا شعرا حزين الشدو و المنشد
يبكي كما تبكي و في شجوه تعزيه عن طفلك الأوحد .