مصر أول من استطلع هلال رمضان.. وأول من أقام موائد الرحمن
** رمضان اكتسب منذ ٤١ قرنا مذاق حضارة ٧ آلاف سنة
طبعت الحضارة المصرية القديمة حضارة السبعة آلاف سنة علي كل جديد ووافد علي أرضالكنانة حتي ولو كان ذلك مرتبطا بالعقيدة الدينية.. هذه الحضارة التي احاطتبالديانة المسيحية ومنحتها الجنسية المصرية ثم اختصت بعد ذلك بروح التوحيد المتأصلةفيها الدين الاسلامي فطبعت شعائره واحتفالاته بطابع مصري مميز ينم عن اعتدالوتسامح وعطف وبر وايمان ممزوج بسرور وتفاؤل بالحياة.
كل هذه المعاني ترجمهاوقائع تاريخية موثقة فهي ليست مجرد عبارات انشائية ففي عهد بزوغ الاسلام علىأرض مصر منذ مئات السنين هناك شواهد تؤكد تأثر المجتمع الاسلامي بالحضاراتالقديمة لمصر.
كان ابو عبدالرحمن عبدالله بن لهيعة الذي كان يتولي قضاةمصر وأول قاضي خرج لمشاهدة الهلال في شهر رمضان وكان القضاة يخرجون وراءهالي جامع محمود بسفح المقطم لرؤية الهلال في شهري رجب وشعبان تمهيداً لشهررمضان.
واستمر القضاة يخرجون للرؤية واعدت لهم دكة عرفت بدكة القضاة عليمكان بالجبل مرتفع عن المساجد وذلك لنظر الاهلة الي أن بني محلها مسجد فىالعصر الفاطمي فصاروا يرصدونه من فوق المنارات .
يذكر باحث التراث الاسلاممصطفي موسي ان احمد ابن طولون يحكي عنه انه زار مسجده وقت بنائه فرأيالصناع يشتغلون الى الغروب في رمضان فقال ومتي يشتري هؤلاء الضعفاءافطاراً لعيالهم؟ اصرفوهم العصر فصارت سنة بمصر ان ينتهي يوم العمل فى رمضانعند آذان العصر، ولما فرغ شهر رمضان قيل له: لقد انقضي شهر رمضان فليعودوااذا الي سيرتهم الاولي فقال لقد بلغني دعاؤهم وقد تبركت به وليس هذا ممايوفر العمل.
ويضيف الباحث التراثي ان الدولة الفاطمية عنيت بهذا الشهرواحتفت به احتفاء لم يسبق ولم يلحق وخصته بحفلات يعد بعضها تمهيداً لحلولهوالبعض لإعلان رؤية هلاله وهي حفلات غنية بمظاهر العظمة شاملة انواع البروالصدقات مما يرفه عن الفقراء ويدخل السرور عليه فإذا اقبل شهر رمضان عهد اليقضاة مصر بالطواف قبل حلوله بثلاثة أيام بالمساجد والمشاهد بالقاهرة ومصر فيبدأونبزيارة جامعة المقسي ثم بجوامع القاهرة والفسطاط ثم بالمشهد الحسيني لتفقد ماتم اجراؤه فيها من اصلاح وفرش وتعليق قناديل.
وتروي سطور تاريخ مصر الفاطميةانه اذا كان أول يوم من رمضان اهتم الخليفة الفاطمي بمهرجان اعلان ثبوت رؤيةالهلال لتحديد بداية شهر رمضان.
يخرج الوالي متحلياً بملابسه الفخمة منباب الذهب وهو أحد ابواب العصر الفاطمي الكبير وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة-وخيولهم بسروجها المطعمة بالذهب والفضة والاعلام الحريرية الملونة وامامه الجندتتقدمهم فرق الموسيقي العازفة بأنغام شجية.
ويسير في هذا الاحتفال تجارالقاهرة وقد تباروا في معالم الزينة المقامة علي حوانيتهم وتفننوا فيها بمايلفت نظر الخليفة فيسير الموكب من بين القصرين الى أن يخرج من باب الفتوح ثميدخل باب النصر عائداً الي باب الذهب.
وفى اثناء الطريق توزع الصدقاتعلي الفقراء والمساكين وفي ذلك لحين يكون قاضي القضاء وكبار الاعيانمتواجدين في مكان مرتفع قرب القلعة يستطلعون الهلال بالعين المجردة وما إن تثبتالرؤية ويبلغ بها الوالي يعود الي قصره ويستقبله المصلون بتلاوة القرآنالكريم في مدخل القصر ودهاليزه وفى تلك الاثناء يقوم الوالي بتوزيع الدنانيروالهدايا ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عادات المصريين فإذا تم ذلك امر أنيكتب الى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان وفى غرة رمضان يهدي الخليفة اليجميع الأمراء وغيرهم من الموظفين وأولادهم ونسائهم اطباقاً مملوءة بالحلويوفي وسط كل طبق صرة بها دنانير ذهبية.
موائد الرحمن
وتروي صفحاتالتاريخ أنه اول من قام موائد الرحمن قصة تقول انه كان في القصر الشرقي الكبيرقاعة أطلق عليها قصر الذهب وقد انشأها العزيز بالله ثم جددها الخليفة المستنصربالله وقد وضع فيها سرير الملك فكان الخلفاء يتخذونها لجلوسهم وأعدوها لإقامةولائم الإفطار في رمضان.
وكان يدعي لهذه الولائم ابتداء من اليوم الرابعللشهر الفضيل الي السادس والعشرين منه العلماء والامراء فإذا جاء وقت الغروب مدتالموائد في هذه القاعة وحليت بالأزهار ونسقت عليها انواع المأكولات والحلوي علىهيئة قصور وتماثيل وتضم المائدة الكنافة والقطايف المحشوة بالدنانير الذهبية ويتصدرالمائدة الوزير او ولد أو اخوه فاذا انتهت المائدة وزعت الأطعمة علي الفقراءوالمساكين وقد بلغت تكاليف نفقات شهر رمضان لمدة 27 يوماً ثلاثة آلافدينار.
ويؤخذ عن الخليفة الفاطمي العزيز بالله انه اول من عمل مائدة فيشهر رمضان يفطر عليها اهل الجامع العتيق ( عمرو بن العاص) وأقام طعاماًفي الجامع الأزهر للدارسين والزوار وكان يخرج من مطبخ القصر فى الشهر الفضيل1100 قدر من جميع انواع الطعام والشراب توزع كل يوم على المحتاجينوالضغفاء.
مدفع رمضان
تنفرد مصر دون غيرها من الاقطار العربية والاسلاميةبانها عرفت مدفع الافطار يمثل اي دولة اخري ومن مصر عرف الآخرونالمدفع.
وترجع قصة مدفع رمضان الى بدايات عهد محمد علي والبعض الآخر يرجعهالي وقت الحملة الفرنسية.
والحقيقة أن مصر عرفت مدفع الافطار قبل ذلك بكثيروتحديداً في زمن الدولة العثمانية ففي عام 859 هجرية كان يدير الحكم فيمصر الوالي العثماني (خوش قدم) الذي تلقي هدية ثمينة من صديق المانيوكانت عبارة عن مدفع رائع فى الشكل والتصميم وساءت الاقدار أن يتم تجربة المدفعفي أحد أيام رمضان فانطلق المدفع اثناء غروب الشمس وسمع اهل المحروسة صوتهفهللوا وافطروا علي صوته واعتبروا ذلك ايذاناً بالإفطار ولما جاء اليوم التاليولم ينطلق المدفع في الافطار غضب المصريون وخرجوا في وفد يضم الشيخوالعلماء والاعيان والتجار الي القلعة لمقابلة الوالي وحثه علي استمرارانطلاق المدفع يومياً فلم يجدوه ووجدوا زوجته الحاجة فاطمة التي تفهمتمشاعرهم ونقلت طلباتهم لزوجها الوالي الذي أمر باطلاق المدفع يومياً وقتالغروب وعرف اهل المحروسة مدفع رمضان باسم مدفع الحاجة فاطمة.
ولما جاءتالحملة الفرنسية وعرف بونابرت قيمة مكانة شهر رمضان عند اهل مصر امر ببناء بطاريةمدفع فوق المقطم واخري في الاسكندرية وانطلق المدفع طوال وجود الحملة الفرنسيةثم تم انطلاق بعد ذلك ليتم انطلاق من جديد فى عهد محمد علي واستمر المدفع يعملبالذخيرة الحية قرب القلعة وظهرت معها المدافع التي تطلق بدون ضرب.
بعد ذلكتم تقل المدفع من القلعة نظراً لتأثير الطلقات علي جدران العقار ولذلك تم نقلالتمثال من ابراج القلعةالي منطقة مدينة الصفا مدفع الحاجة فاطمة خالداًمخلداً علي مدفع رمضان أيا كان نوعه أو هويته.