عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2010, 12:22 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

ثورة يوليو والتنمية
عبد الناصر وقضايا المجتمع المصرى
لماذا الاشتراكية والتنمية
يقول الرئيس جمال عبد الناصر فى فلسفة الثورة :
" وأنا أنظر أحيانا إلى أسرة مصرية عادية من آلاف الأسر التى تعيش فى العاصمة : الأب فلاح معمم من صميم الريف والأم سيدة منحدرة من أصل تركى وأبناء الأسرة فى مدارس على النظام الإنجليزى وفتياتها فى مدارس على النظام الفرنسى ، كل هذا بين روح القرن الثالث عشر ومظاهر القرن العشرين 00 أنظر إلى هذا وأحس فى أعماقى بفهم للحيرة التى نقاسيها وللتخبط الذى يفترسنا ثم أقول لنفسى : سوف يتبلور هذا المجتمع 00 سوف يتماسك وسوف يكون وحدة واحدة قوية متجانسة وإنما ينبغى أن نشد أعصابنا ونتحمل فترة الانتقال"0
وهكذا وضع جمال عبد الناصر إصبعه على حقيقة المشكلة التى بدأ يتضح فى التسعينات من القرن العشرين أنها تشكل جوهر التنمية ، وهى بناء المجتمع السليم الذى ينتفى فيه اغتراب الفرد ويختفى منه التسلط سواء الملكى بطغيان الملكية المسنودة من الاستعمار 00أو الإقطاعى الذى يستغل الشريحة الكبرى من المواطنين التى تعيش على قطاع الزراعة أو الرأسمالى المحتكر الذى يستغل المستهلك ويفرض على العامل واحد وخمسين ساعة عمل أسبوعيا مقابل أجر لا يتجاوز الجنيهين لا يكفيه هو وأسرته المكونة من خمسة أفراد فى المتوسط 0
وعندما تساءل عبد الناصر عن الطريق كانت الإجابة واضحة :" الحرية السياسية والحرية الاقتصادية
وانتقل بعد ذلك للكلام عن المستقبل فقال :
" قلنا إننا لا نملك المستقبل وحدنا فمن أجل ضمان الحياة السياسية فى المستقبل ذهبنا إلى عدد من قادة الرأى من مختلف الطبقات والعقائد وقلنا لهم : ضعوا للبلد دستورا يصون مقدسا ته وكانت لجنة الدستور
ومن أجل ضمان الحياة الاقتصادية فى المستقبل ذهبنا إلى أكبر الأساتذة فى مختلف نواحى الخبرة وقلنا لهم : نظموا للبلد رخاؤه واضمنوا لقمة العيش لكل فرد فيه وكان مجلس الإنتاج تلك حدودنا لم نتعداها ، إزالة الصخور والعقبات من الطريق مهما يكن الثمن واجبنا ، والعمل من كل نواحيه مفتوح لكل ذوى الرأى والخبرة فرض لازم عليهم ، وليس لنا أن نستأثر به دونهم ، بل إن مهمتنا تقتضى أن نسعى إليهم لجمعهم من أجل مستقبل مصر 00مصر القوية المتحررة 0"
الخطوة الأولى كانت إذن وضع الدستور- دستور يمنع تكرار مآسى الماضى ويحدد معلم مجتمع المستقبل وأعلن جمال عبد الناصر بصفته رئيس الجمهورية فى يناير 1956 دستور الشعب باسم الشعب قائلا :
" نحن الشعب المصرى الذى انتزع حقه فى الحرية والحياة بعد معركة متصلة ضد السيطرة المعتدية من الخارج والسيطرة المستغلة من الداخل 0"
وهكذا جاء الدستور تعبيرا عن إرادة شعبية وتتويجا لكفاح وطنى وليس هبة من حاكم أو منة من قوى خارجية تتستر وراء ما يسمى بحقوق الشعوب وحقوق الإنسان بينما هى تستمد وجودها وبقائها من إهدار حقوق الشعوب 0 وحدد أهدافه بالأهداف التى من أجلها قامت الثورة وهى القضاء على الاستعمار وسيطرة رأس المال على الحكم وإقامة جيش وطنى قوى وإقامة عدالة اجتماعية وإقامة حياة ديمقراطية سليمة 0
ولقد تضمن الدستور عددا من المواد رسمت المعالم الاقتصادية للمجتمع الجديد وهى:
المادة السابعة :" ينظم الاقتصاد القومى وفقا لخطط مرسومة تراعى فيها مبادئ العدالة الاجتماعية وتهدف إلى تنمية الإنتاج ورفع مستوى المعيشة"0
المادة الثامنة:" النشاط الإقتصادى الخاص حر على ألا يضر بمصلحة المجتمع أو يخل بأمن الناس أو يعتدى على حريتهم وكرامتهم "0
المادة التاسعة:" يستخدم رأس المال فى خدمة الاقتصاد القومى ولا يجوز أن يتعارض فى طرق استخدامه مع الخير العام للشعب 0"
المادة العاشرة:" يكفل القانون التوافق بين النشاط الاقتصادى العام والنشاط الإقتصادى الخاص تحقيقا للأهداف الاجتماعية ورخاء الشعب 0"
المادة الحادية عشر:" الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون 0"
المادة السابعة عشر :" تعمل الدولة على أن تيسر للمواطنين جميعا مستوى لائق من المعيشة أساسه تهيئة الغذاء والسكن والخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية 0"
المادة الثانية والعشرون :" العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة 0"
ووفقا للمنهج الذى حدده جمال عبد الناصر صدرت عدة قرارات بعد أسبوع واحد من قيام الثورة وبالتحديد فى 30 يوليو1952 صدرت عدة قرارات استهدفت القضاء على الإقطاع والاحتكار وكان فى مقدمتها قانون الإصلاح الزراعى وتنظيم الإيجارات التى أنهت تسلط الملاك على المنتجين والمستأجرين فى الريف والحضر وحددت بالتالى المبالغة فى التكالب على الملكية العقارية وما يترتب على ذلك من عزوف المدخرات الخاصة على الدخول فى مجالات الإنتاج المثمر وبخاصة الإنتاج الصناعى وتحمل مخاطره 0
أما بالنسبة لرأس المال الأجنبى فقد بادرت الثورة بالاستجابة لنصائح الاقتصاديين من أهل الخبرة الذين كانوا يرون أن قانون الشركات المساهمة (138لسنة1947) – لا يشجع المستثمرين الأجانب لأنه يحرمهم غالبية الملكية فصدر المرسوم بقانون رقم 130لسنة1952بتعديل المادة السادسة من ذلك القانون وكانت تنص على ألا تزيد نسبة رأس المال الأجنبى فى الشركات المساهمة عن 49% فأصبحت تنص على أنه يجب تخصيص 49% على الأقل من أسهم الشركات المساهمة للمصريين عند التأسيس أو زيادة رأس المال ويجوز زيادة النسبة بقرار من وزير التجارة والصناعة بالنسبة للشركات ذات الصبغة القومية وإذا لم تستوف النسبة فى مدة لا تقل عن شهر فى حالة الاكتتاب العام جاز تأسيس الشركة دون استيفاء النسبة – وكان الهدف من هذا التعديل هو اجتذاب رأس المال الأجنبى للمساهمة فى التنمية الإنتاجية 0
ثم صدر بعد ذلك القانون رقم156 فى 2ابريل 1953 الذى حدد أسلوب معاملة رأس المال الأجنبى حيث حددت القنوات الشرعية التى يرد من خلالها ( سواء نقدا أو عينا أو فى شكل حقوق معنوية ) وحدد شروط تحويل الأرباح بما لا يتجاوز 10% بالعملة الأصلية كما أجاز تجاوز هذه النسبة فى حدود ما يحققه الاستثمار الأجنبى من عملة أجنبية كما أجاز إعادة تحويل رأس المال الأجنبى بعد خمسة سنوات بما لا يتجاوز خمس القيمة المسجل بها 0وحددت المادة الثانية فى هذا القانون شرط الانتفاع أن يوجه رأس المال الأجنبى إلى الاستثمار فى مشروعات التنمية الاقتصادية ( الصناعة-الزراعة – التعدين القوى المحركة – النقل – السياحة ) ويبت فى الطلب فى خلال شهور ثلاثة من تاريخ تقديمه تفاديا للإجراءات التشريعية والإدارية الحكومية وتفاديا للتعقيدات وتضارب الاختصاصات بين الجهات المعنية – وفى هذا الصدد أيضا صدر القانون رقم 325لسنة1952 والقانون رقم 324لسنة1953 خاصا بالرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة حول المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج والعوائد وما إلى ذلك وكان الغرض من كل هذا التشجيع العملى على الاشتغال بالإنتاج من أجل التصدير 0
كما صدرت قوانين أخرى أبرزها القانون رقم 430لسنة1953 وقانون الشركات العام رقم26لسنة1954 الذى عدل بالقانون رقم 155لسنة1955 وهى قوانين استهدفت تحقيق توازن عادل بين مبدأ التيسير على المتعاملين والحرية الاقتصادية ومبدأ حماية حقوق المدخرين لحثهم على الإقبال على الاستثمار 0
لقد أردت قاصدا أن أذكر أرقام وتواريخ وأهم عناصر هذه القوانين لسبب هام هو أن يرجع إليها الباحثين لما تحويه موادها من ضوابط وقيود وتسهيلات تحدد المسئوليات والاقتراض وشغل عضوية أو الجمع بين عضوية البنوك المقرضة والشركات وتحديد الحد الأقصى لعضوية الشركات وشروط السن لأعضاء مجالس الإدارات والحد الأقصى لما يحصل عليه أعضاء مجالس الإدارة من مكافآت وعناصر كثيرة أخرى نعيش سلبياتها ومآسيها من بعد منتصف السبعينات حتى الآن 0
لقد حاولت ثورة يوليو منذ اللحظة الأولى إزالة العقبات التى كانت تحول دون المساهمة الجادة لرأس المال الخاص وطنيا كان أم أجنبيا بعد أن قضت على الصيغ الإقطاعية والاحتكارية فى الوقت الذى كانت تبذل جهودها لإزالة ما ظل عالقا بالاستقلال السياسى من شوائب 0وبالمناسبة فعند قيام الثورة فقد كان رؤساء مجالس إدارات الشركات ينقسمون كالآتى:
21% مصريون مسلمون .
4% مصريون مسيحيون.
30% أوربيون .
18% يهود .
8% يونانيون .
11% متمصرون .
ووفقا للتوصيات التى قدمها خبراء الأمم المتحدة وفى مقدمتها التوصيات التى صاغها مجموعة من أساتذة الاقتصاد ضمت آرثر لويس أستاذ الاقتصاد فى جامعة مانشستر البريطانية والبروفيسور تيودور شولتز من جامعة شيكاغو ومعهما أستاذان من الهند وشيلى وكانت أولى التوصيات التى قدمتها هذه اللجنة تحت عنوان " إجراءات التنمية الاقتصادية للدول المتخلفة " هى الحث على دور كبير للدولة يبدأ بإنشاء قطاع عام قوى لاسيما فى مجالات ذات أهمية محورية لدفع التنمية التى يعجز القطاع الخاص الناشئ على توليها ، فأنشئ المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى فى اكتوبر1952 بموجب القانون رقم 213لسنة1952 كهيئة مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء المصرى وكانت مهمة المجلس بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية التى يكون من شأنها تنمية الإنتاج القومى وأن يضع بحث فيما لا يتجاوز عاما واحدا برنامجا اقتصاديا للتنمية يتوخى تقديم المشروعات الأكثر إنتاجا والأيسر تنفيذا والأقل تكلفة لينفذ على مراحل سنوية أقصاها ثلاث سنوات ويشرف المجلس على تنفيذ المشروعات والبرامج بعد إقرار مجلس الوزراء كما حررت إجراءاته من القواعد الروتينية0
ولقد قام المجلس بدور هام فى مختلف مشروعات التنمية التى تمت خلال السنوات الخمس الأولى للثورة فى مجالات الرى والتوسع الزراعى وتكرير البترول وأنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات ودراسة مبدئية لمشروع السد العالى ووضع مشروعات الحديد والصلب ومصنع السماد وكهربة خزان أسوان والكابلات والورق والبطاريات والإطارات والجوت والخزف والصينى وغيرها 00
واستحدثت الثورة مبدأ جديد هو تخصيص نسبة مئوية من نفقات المشروعات للأبحاث والدراسات التى تم منها على سبيل المثال :
حصر وتقويم الاحتياجات والموارد الصناعية – أبحاث الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضى –صناعة السيارات – صوامع الغلال – المقننات المائية – الصرف – زيوت التشحيم – الحوض الجاف والترسانة البحرية – صناعة الورق – كهربة مصر كلها على مدى عشرين عاما 0
وحدث متوازيا مع هذه الأمور كلها توسعا كبيرا فى المصانع الحربية المملوكة بالكامل للدولة والتى دخلت فيما بعد ميادين الإنتاج المدنى كذلك ، ولقد كانت تلك المصانع مدرسة جامعة للكوادر الفنية والإدارية المنتجة حتى اليوم 0
ولتفادى التضارب والإسراف والتعارض ولتوفير الجهد والمال ولتعظيم العائد صدر قرار مجلس الوزراء فى 31ديسمبر1952 يستهدف إنشاء إدارة للتخطيط والتنسيق وأشير فى القرار إلى أن نظام التخطيط والتنسيق تأخذ به الآن كل الدول المتقدمة على اختلاف مذاهبها السياسية وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية – ثم أنشئت اللجنة العليا للتخطيط والتنسيق برئاسة رئيس مجلس الوزراء أو من ينوب عنه وتضم وزير المالية ومقررى اللجان الوزارية للتخطيط وممثلى وزارات الخارجية والحربية والبحرية والإرشاد القومى وثلاثة أعضاء من مجلس الإنتاج – ولها أن تضم مراقبين أو خبراء خارجيين وتعمل فى مجالات أربعة:
*شئون الميزانية والمالية 0
*شئون الإدارة العامة لتحسين الإدارة الحكومية المنفذة ورفع مستوى الكفاية الإدارية 0
*شئون التخطيط لفحص المشروعات والتنسيق بينها ومتابعة التنفيذ وإعداد الخبراء0
*التعبئة العلمية 0
وكل هذا يعنى تعبئة القدرات العلمية والفنية وتوجيهها نحو الإسهام فى خدمة قضايا التنمية والربط بين البحث العلمى والاحتياجات التطبيقية ووضع أهل الخبرة فى خدمة قضايا الدولة0
وعندما أتسع نشاط الخدمات صدر يوم 17 اكتوبر1953 القانون رقم493لسنة 1953 بإنشاء المجلس الدائم للخدمات ليشرف ويرعى النهوض الاجتماعى ويربط بينه وبين برامج التنمية الاقتصادية وكان من اختصاصه السياسة العامة ووضع الخطط الرئيسية للتعليم والصحة والعمران والشئون الاجتماعية والقوى البشرية 0
ولقد كانت إدارة التعبئة العامة والإحصاء ( تتبع وزارة الحربية ) –كان لها مندوبين فى كل من مجلس الإنتاج ومجلس الخدمات مما أفاد فى تمكين هذه الإدارة من جمع المعلومات وإجراء الدراسات المتعلقة بقناة السويس حتى يمكن الاستعداد لتأميمها دون لفت الأنظار وهو ما سأتعرض له تفصيلا فى فصل آخر 0
وكان من أهم أدوات التنسيق فى قطاع الخدمات الوحدات المجمعة التى راعت تكامل الخدمات فى التجمعات السكانية فى الريف فضلا عن حفزها الشباب للعمل فى الريف مع تغطية أوجه النقص فى مجالات هامة كمكافحة الدرن والأمراض المتوطنة ( الإنكلستوما والبلهارسيا ) وتوفير مياه الشرب فى الريف وبناء المساكن والمستشفيات 000الخ0
ولقد كان لتشكيل المؤتمر المشترك من قيادة الثورة والوزراء وهو ما تضمنه الإعلان الدستورى الصادر فى 10فبراير1953 للنظر فى السياسة العامة للدولة أثره فى دفع عجلة التقدم فى كافة المجالات الإنتاجية والخدمية فى تلك الفترة
وفى 13يناير1957 صدر القانون رقم 20لسنة57 بإنشاء المؤسسة الاقتصادية وآلت إليها ملكية أنصبة الحكومة فى رؤوس أموال الشركات المساهمة وتحددت أغراض المؤسسة الاقتصادية فى الآتى :
*تنمية الاقتصاد القومى عن طريق النشاط التجارى والصناعى والزراعى والمالى 0
*وضع سياسة استثمار أموال المؤسسة وتوجيهها فى المنشآت التى تساهم فى رأسمالها
*القيام نيابة عن الحكومة بالتوجيه والإشراف على المؤسسات العامة 0
( يرجع لتفاصيل القانون والقرارات التكميلية والضوابط بما فيها الخضوع لرقابة ديوان المحاسبات 0)
وقامت المؤسسة الاقتصادية فى غمرة أحداث هامة ترتبت على خوض الثورة معركة الإستقلال الإقتصادى سواء باسترداد ملكية قناة السويس فى أكبر وأخطر معركة تأميم لراس المال الأجنبى تخوضها دولة نامية والإصرار على تنفيذ مشروع حيوى للنهوض بالقاعدة الإنتاجية الزراعية والصناعية وهو السد العالى الذى درسه مجلس الإنتاج وأبدى البنك الدولى استعداده لتمويله وكان هذا مكملا للمواقف الصلبة فى وجه الاستعمار سواء برفض حلف بغداد وسياسة الأحلاف عموما أو العمل على تصفيته بدفع حركة عدم الانحياز فى مؤتمر باندونج سنة1955 ، وهكذا اتضح بجلاء أن رأس المال الأجنبى لم يكن فقط مترددا أو يعانى من ندرة بل هو مضاد بطبيعته للتحرر الإقتصادى فالبنك الأهلى كان قائما بأعمال البنك المركزى غير أن سيطرة المصالح الأجنبية عليه جعلته يحجم عن إحدى أهم وظائفه وهى إقراض الحكومة ، لذلك أصدرت الحكومة المصرية فى ربيع 1955 قانونا يلزمه بأن يضع تحت تصرف الحكومة ما فى حوزته من نقد أجنبى ، ولم تكن الرأسمالية المحلية أقل تعنتا فى التعامل مع الدولة فى توجهها نحو التنمية على الرغم من القرارات التى استهدفت تشجيعها وكان أحمد عبود باشا يؤكد سطوته بالتخلف عن دفع الضرائب فقامت الحكومة بفرض الحراسة على شركتى السكر والتقطير وأعيد تنظيم الشركتين فى شركة واحدة تمتلك الحكومة 50% من رأسمالها ، غير أن المواجهة الصريحة مع رأس المال الأجنبى جاءت فى سنة1956 مع العدوان الثلاثى حيث رفضت البنوك تمويل القطن وما أن انسحبت قوى العدوان حتى أعلنت الثورة قوانين التمصير التى شملت البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد وهكذا وجدت الثورة نفسها فجأة مسئولة عن عدد من المنشآت الاقتصادية وبناء عليه صدر قانون إنشاء المؤسسة الاقتصادية 0
لم تكن نشأة القطاع العام ، كما يردد البعض ، على حساب رأس المال الوطنى بل من خلال استثمار عام ومن خلال استرداد الشعب حقوقا اغتصبها الأجانب والمتمصرين نتيجة سوء تصرف ولاة الأمور فى مصر ، وفى ظل امتيازات أجنبية أعفتهم من دفع الضرائب التى كان يتوجب دفعها من أجل إقامة المرافق التى مولها الفلاح المصرى الذى اغتصبت حقوقه 0
ومع نشأة وزارة الصناعة سنة1956 اعتمد برنامج التصنيع الأول فى1957 بعد الحصول على قرض من الاتحاد السوفيتى لتنفيذه وتكونت هيئة السنوات الخمس وتوسعت المصانع الحربية فى الإنتاج المدنى وتم الاتفاق مع الاتحاد السوفيتى على بناء السد العالى وشكلت الهيئة العامة للسد العالى 0
واستمرت الدعوة لرأس المال الوطنى والمحلى للإسهام فى التنمية ولكنها كانت دعوة من جانب واحد لم يقابلها استجابة بل توقف النشاط الخاص عن أعمال الصيانة وزاد أن حاول البعض بطرق غير مشروعة تهريب رؤوس أموالهم للخارج مما ترتب عليه صدور القرارين فى 13فبراير1960 بتأميم البنك الأهلى وبنك مصر وهو ما أتاح للثورة السيطرة على شركات كانت تتولى 20% من الإنتاج الصناعى رغم بقاء ما يساهم به الأفراد فى تلك الشركات 0
وقامت وزارة الصناعة بوضع برنامج خمس سنوات للتصنيع يتكلف 255مليون جنيه ( كان الجنيه يعادل أكثر من ثلاثة دولارات فى ذلك الوقت ) – ويرفع نصيب الصناعة من 11% من الدخل القومى إلى 19% -ووضع البرنامج قواعد للأولويات تضمنت كافة تكلفة المشروع وحاجته من النقد الأجنبى والعائد المتوقع منه وما يضيفه إلى الطاقة الإنتاجية ويستخدمه من عناصر وعمالة وعلاقة المشروع بالمشروعات الأخرى وأهميته للتنمية إضافة إلى الاعتبارات الإستراتيجية 00 وقدر أن تستغرق المرحلة الأولى ثمانية عشر شهرا يليها أربعة مراحل سنوية ، واتضح مما تقدم أن الاهتمام بالتنمية يتطلب نظرة شاملة متكاملة فصدر قرار رئيس الجمهورية رقم78لسنة1957 بشأن التخطيط القومى وأدمج مجلسى الإنتاج والخدمات فى لجنة التخطيط القومى 0
وكان التخطيط الذى لجأت إليه الثورة كأى تخطيط تلجأ إليه دولة نامية هو تخطيط من أجل التنمية وليس بديلا للسوق فى إدارة الاقتصاد 0
وتطورت الأمور حتى وصلت إلى تشكيل 57 لجنة فرعية للتخطيط ضمت صفوة الخبراء المتخصصين من مختلف أجهزة البحث العلمى ورجال الجامعات والفنيين وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزى وآخرين 0
وعقب إعداد المشروع المبدئى لإطار الخطة العامة (1960/1961 – 1964/1965 ) وعرض مشروع الخطة على الشعب من خلال المؤتمر العام للاتحاد القومى فى منتصف 1960 – وكانت الخطة الأولى التى تكاملت الأجهزة التخطيطية وتضافرت القدرات البحثية ومشاركة التنظيم السياسى الجماهيرى مع مراعاة وتنسيق بين خطتى إقليمى الجمهورية العربية المتحدة ( سوريا ومصر ) –وكان الهدف مضاعفة الدخل القومى خلال عشر سنوات
لقد قال جمال عبد الناصر فى هذا الصدد فى خطابه أمام المؤتمر العام للاتحاد القومى يوم9/7/1960ما يلى :
" كان مهما بالنسبة لنا أن تنجح الخطة فى أهدافها لمضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات ، فلقد كان أكثر أهمية أن تنجح الخطة فى أهدافها الاجتماعية ، كان عليها أن تكون أداة إنتاج وفى نفس الوقت كان عليها أن تكون أداة عدل 0
وما كان يمكن أن تكون هناك خطة اقتصادية دون هدف اجتماعى بل لقد كان يمكن أن تؤدى الخطة إلى عكس المقصود منها ، إذا كان الاهتمام يوجه إلى ناحيتها الاقتصادية مجردا من كل وعى اجتماعى 0
كانت الخطة فى تلك الحالة لا تضع إلا أن تزيد الأغنياء غنى ، وتزيد الفقراء فقرا ، وتزيد بالتالى الهوة بين الذين ملكوا الغنى بالوراثة ، وبين الذين لم يمتلكوا بالوراثة غير الفقراء ، وبالتالى يضيع أساس الاستقرار الوطنى الوحيد وهو العدل الاجتماعى 0 كذلك فقد كان مستحيلا دون خطة اقتصادية واجتماعية ، وفى نفس الوقت أن تطور الخدمات العامة كما طورنا وسائل الإنتاج 0 وكان ذلك يستتبع بالتالى أن يقوم القطاع العام بدور حيوى فى التطوير الصناعى ، وأن يقوم التعاون بنفس الدور فى التطور الزراعى ، ولقد بدأ وجود القطاع العام على نطاق متسع فى الصناعة وفى أعقاب الخطوة الرائعة التى تعتبر أبرز مكاسب حرب تثبيت الإستقلال سنة1956 ،وأعنى خطوة تمصير الجزء الأكبر من الممتلكات البريطانية والفرنسية فى مصر 0
وإذا كان التمصير هو بداية أتساع القطاع العام وتقوية نشاطه ، فلقد كان من أهداف الخطة بل وكان أيضا من ضمانات نجاحها أن تزداد قوة هذا القطاع العام الذى يملكه الشعب بمجموعه "0






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس