ثورة يوليو وحزب الوفد
عادت آخر حكومة لحزب الوفد إلى الحكم سنة 1950بأغلبية كبيرة جدا لم تحصل عليها فى أى انتخابات سابقة ، ولم تكن هذه صدفةأو اعترافا بالحق من الملك أو سلطات الاحتلال البريطانى ، لكنها كانتتعبيرا عن إجماع الإرادة الوطنية المصرية على حسم المعركة مع الاحتلالالبريطانى الذى جثم على صدر الشعب المصرى والأرض المصرية لمدة سبعين عاماقهرا واستنزافا .
وفى هذه المناسبة أعلن حزب الوفد أنه أصبح علىالشعب المصرى أن ينتزع حريته واستقلاله بيديه ، وأن الأسلوب التفاوضىالسلمى لا مكان له، ولم يعد هناك أمام الشعب المصرى إلا طرد المستعمربالقوة .
وبعد مفاوضات ومباحثات بين القاهرة ولندن امتدت منسنة1920 إلى سنة 1951، وبلا جدوى أعلن حزب الوفد استجابته لإرادة الشعبالمصرى بإلغاء معاهدة 1936 ثـم معاهدة 1899 التى تنظم العلاقة مع السودان، وشاهدت البلاد مظاهرة شعبية كبرى لم تشهد مصر مثيلا لها منذ عام 1919.
نتيجة لهذا فإنه كان من البديهى أن يقوم حزب الوفد، حزب الأغلبية الساحقة بتعبئة الجماهير وتسليحها لمواجهة قوات الاحتلال ،وبعد التعبئة الشعبية فكان لابد أن تعنى المقاومة بموقف قوات الجيشوالبوليس ، حيث كانت هاتان القوتان دائما بعيدة عن نبض الشارع المصرىومحرومة من لعب أى دور سياسى، وبالطبع كان ذلك مقصودا ومخططا من قبلالاحتلال والقصر؛ وذلك بهدف حرمان الشعب المصرى من ذراعة اليمنى وقوتهالباطشة فى معركته مع الاحتلال وفساد القصر. لهذه الأسباب كان تحديد موقفالجيش مسألة فى غاية الأهمية.. إلا أن كل الظروف كانت مؤاتية لإشراك هاتينالقوتين الأساسيتين لصالح المعركة ، بل أذهب لأبعد من هذا وأقول ضم هاتينالقوتين للمعركة ، فلأول مرة فى تاريخ مصر قام البوليس المصرى بالإضرابالعام تحت ستار مطالب فئوية ، لكنها لم تخلو من المضمون الوطنى .
فى نفس الوقت الذى عاد فيه الجيش المصرى من حربفلسطين، يحمل جراح وآلام أمة بأكملها، وقد تكشفت له كل الحقائق ، وأولهاحقيقة أن المعركة الأساسية والحقيقية فى القاهرة.
وفى اعتقادى أن السبب الرئيسى الذى جعله يتقاعس عنإثبات قدراته وتثبيت قوة الحزب هو أن الباشوات ساورهم قلق شديد مناحتمالات تطور الأمور ، وأن مقاومة مسلحة قد يتولد عنها ـ وهذا شىء طبيعىووارد – ثورة شعبية ، فإذا ما تحقق إجلاء المستعمر بالدماء فستتسرب السلطةوربما الثروة ـ وهذا وارد أيضا – إلى جماهير المقاومة والغلابة من الشعبالمقاتل الحقيقى . هذا إذا تذكرنا أن هذه الفترة كانت حبلى بتيارات تقدميةوصلت إلى صفوف حزب الوفد نفسه ، بقيام جناح متشدد داخله ـ الطليعة الوفديةـ وكان هؤلاء الباشوات الذين اختاروا فؤاد سراج الدين من أبناء الإقطاعالذين لا شبهة فيهم سكرتيرا عاما للحزب ودفعوه دفعا إلى هذا المنصبالمتفرد لتكون مهمته هى تأمين الحزب بالدرجة الأولى وتأمين مصالحالمتحكمين فى أموره . ولم يكن غريبا أبدا أن تنتهى المقاومة إلى كارثة وأنتحترق القاهرة فى 26يناير1952 ، وبعدها بشهور قليلة تقوم ثورة 23 يوليو 1952 .
كانت زعامة الوفد - حزب الأغلبية كما كان يطلقعليه ـ أسرع الزعامات فى القبول بالأمر الواقع الجديد، وكان زعيمه مصطفىالنحاس متواجدا فى الخارج وقت أن قامت الثورة وبعد عودته من المصيف فىسويسرا فى شهر أغسطس اتجه إلى لقاء أعضاء مجلس قيادة الثورة بناء علىرغبته الشخصية، وصرح لمرافقه فى هذه الزيارة ، ـ فؤاد سراج الدين ـ وهو فىطريقه إلى اللقاء ، أنه لا يستطيع أحد أن يقف فى مواجهة الدبابة ، وكانهذا ردا على نصيحة مرافقه من أن أعضاء مجلس الثورة ما هم إلا مجموعة منالشباب الضباط صغار ولا يفقهون شيئا فى السياسة وأنه يجب أن يعاملهم زعيمالأمة من هذا المنظور .
ولكن ذلك لم يكن رأى باقى القيادات فى حزب الوفد ،وفى مقدمتهم فؤاد سراج الدين ومعه بعض الذين كانوا يعبرون عن فلسفة الوفدفى صحفهم ومنهم الأخوان " أبو الفتح ".
ونشير هنا إلى أنه كان قد جرى اتصال سابق بين بعضالضباط الأحرار؛ ومنهم ثروت عكاشة ووجيه أباظة وعيسى سراج الدين وأحمدأنور وآخرين - سواء مباشرة أو عن طريق بعض أقارب هؤلاء الضباط- وفؤاد سراجالدين الذى كان يهيمن على الحزب بهدف تنسيق النشاط الفدائى فى منطقة قناةالسويس فى ضوء الدفعة القوية التى وفرها إعلان النحاس باشا إلغاءمعاهدة1936 ، لكن فؤاد سراج الدين رفض التجاوب مع هذا الطلب مؤثرا عدمالدخول فى مقامرة مع الجيش تجنبا لمزيد من الصدام مع الملك الذى كان يسعىمن جانبه لفرض هيمنته على الجيش ، والتصدى لأية اتجاهات معارضة بداخله 0واعتذر فؤاد سراج الدين عن قبول العروض الوطنية لأن الوفد يؤمن بالملكيةالدستورية .
وبعد قيام الثورة كان العامل الاجتماعى هو الأسرعفى نشوب الأزمة بين الثورة ومختلف القوى السياسية السابقة بما فيها الوفد، فقد مارست هذه القوى ضغوطها على رئيس الوزراء على ماهر الذى كلفتهالثورة مما جعله يتخذ موقفا معارضا لقانون الإصلاح الزراعى ويطرح بدلامنه الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية التى تفرض على من يمتلك أكثر منخمسمائة فدان، بينما كان مشروع القانون يقضى بتحديد الملكية الزراعيةبمائتي فدان إضافة إلى مائة فدان للأسرة على أن يكون للمالك حرية اختيارقطعة الأرض التى يريد الاحتفاظ بها ويتم تعويضه عما يؤخذ منه فى شكل سنداتعلى الحكومة .
وجرت اتصالات مجددة مع فؤاد سراج الدين ضمن ما جرىمع باقى القوى السياسية الأخرى ، وكانت اللقاءات معه تتم بواسطة جمال عبدالناصر نفسه ، لكنه أخذ يماطل ويراوغ ويصر على أفضلية الضرائب التصاعديةوالتى لم تكن تكفى لحل المشكلة الاجتماعية والسياسية فى البلاد ، وأدركجمال عبد الناصر أنه لا مجال للتفاهم مع هذه الفئة، وأنه مجرد إقطاع يضعمصالحه ومصالح الطبقة التى ينتمى إليها فوق أى مصلحة وطنية ، وبينما كانتالاتصالات جارية كان باشاوات الوفد قد اتفقوا مع باشاوات القصر الملكىوأذناب الاحتلال وتكونت فيما بينهم "رابطة الملاّك " ، تتزعمها سيدة وفدية . . . وقادت هذه الرابطة حملة ضارية ضد قانون الإصلاح الزراعى ووصفته بأنه " شيوعية حمراء " !! ، ولم يتدخل فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد ليبدىرأيه فى الحملة أو يعمل على تطويقها 0 وصدر برنامج حزب الوفد فى أغسطس 1952 دون أن يتضمن أى إشارة إلى الإصلاح الزراعى بل كان تعبيرا عن البدائلالتى طرحها سكرتير الوفد ورفضها قائد الثورة ، مما أثبت لقادة الثورة أنملكية الأرض بالنسبة لهؤلاء السياسيين الإقطاعيين تفوق فى رأيهم حريةالوطن وكرامته.
وكان أن أعفى على ماهر من رئاسة الوزارة وتولاهااللواء محمد نجيب ، وصدر قانون الإصلاح الزراعى فى التاسع من سبتمبر 1952 . وحاول الباشا فؤاد سراج الدين أن يتراجع ، ولكن الوقت كان قد فات ،وحاول البعض أن يتلمس الأعذار لتبرئة الوفد ولكن فؤاد سراج الدين لم يجرؤعلى الإنكار ، فقد كانت كل المفاوضات والحوارات مسجلة فى محاضر رسمية .
كان مجال الصدام الآخر مع الثورة متمثلا فى إصرارالوفد على الاحتفاظ بنفس أفكاره وأساليبه السابقة ، والتطلع للمشاركة فىالحكم على أساسها 0 ورغم واقعية النحاس فى تفهم الوضع الجديد إلا أنه كانيتصور أن الوزارة سوف تعرض عليه ، وأن تعيين على ماهر هو مجرد تعيين مؤقت، وقد شهدت الأسابيع الأولى للثورة كما أسلفت جدلا واسعا داخل مجلس قيادةالثورة حول الأسلوب الأنسب للحكم ، وهل يثير تسليم الحكم للأحزاب بعدإجراء انتخابات نيابية وهو اتجاه كان يتبناه جمال عبد الناصر ، أم تواصلالنخبة العسكرية الجديدة ممارستها للحكم حتى يمكن تحقيق كل الأهدافالسياسية والاجتماعية التى جاءوا من أجلها ، وكان الحل الوسط الذى توصلواإليه بعد إعلان عبد الناصر انسحابه هو مطالبة الأحزاب السياسية بتطهيرصفوفها وتنقية برامجها لتتواءم مع الأوضاع الجديدة تمهيدا لدخولالانتخابات بعد فترة انتقالية قصيرة ، ومرة أخرى لم تظهر هذه الأحزاب وفىمقدمتها الوفد أى استعداد جدى لقبول التغيير وركزوا على العكس على الجوانبالشكلية والمظهرية ، وقاد ممثلهم والمعبر عنهم أحمد أبو الفتح حملة صحفيةتنادى بالتعددية السياسية والنظام الحزبى ، وتناول إنذار مجلس قيادةالثورة . . . بكثير من التجريح مما كان له أثره فى النهاية فى إقناع كلأعضاء القيادة الجديدة بمن فيهم جمال عبد الناصر باستحالة تحقيق أهدافالثورة بالتعاون مع نفس القوى التى أفسدت الحياة السياسية فى مصر على مدىالعهود السابقة .
وتحولت المعركة بين سكرتير حزب الوفد وبين الثورة إلى صراع طبقى مستميت أستمر حتى يوم وفاته سنة2000 ،
والكل يعلم أن سكرتير الحزب يعلن دائما أنه لايعترف بالفترة من 23يوليو1952 حتى 28سبتمبر1970 ، وأنها بالنسبة له لاتحسب ولابد أن تحذف !!! ، كما أن الوفد يرى دائما أنه الأمة ، وأن ماعداه دخلاء على هذه الأمة، ولم يحد عن هذه القاعدة منذ أول وآخر حكومةائتلافية اشترك فيها فى أواخر العشرينات .
وحدث أن معظم القواعد الحزبية فى معظم الأحزاب القديمة قد انصرفت عن أحزابها بعد صدامها مع الثورة وانحازت إلى الثورة .
وكان أن انسحبت القوى الحزبية تدريجيا من الحياةالسياسية أمام عاصفة التغيير التى أثارتها ثورة يوليو1952 ، وانتقلت بعضعناصرها إلى منفى اختيارى فى الخارج ، ثم قدمت نفسها أداة طيعة للقوىالاستعمارية المعادية للثورة، وأنشأت إذاعة مصر الحرة بتمويل بريطانياوإشرافها الكامل ، والتى ظلت تدس سمومها ضد النظام السياسى وقيادة جمالعبد الناصر لسنوات طويلة بعد ذلك .
وبعد تأميم شركة قناة السويس واجتياح طوفان حماسجماهير الشعب كله ، حدث أن ذهب وفد من شباب الطليعة الوفدية وعلى رأسهمواحد من أبرزهم هو أبوبكرحمدى سيف النصر وطالبوا زعيم الوفد مصطفى النحاسبإعلان تأييد التأميم وإصدار بيان بذلك يمكن أن يمهد لمصالحة جديدة بينالثورة وزعيم الوفد مباشرة ، لكن النحاس أعلن أنه بصفته الشخصية يؤيدتماما قرار التأميم ، ويؤيد الثورة بوجه عام ، لكنه بصفته زعيم الوفد لابدأن يجتمع بالهيئة الوفدية لكى يصدر عنها البيان السياسى ، واتصل هؤلاءالشباب بسكرتير حزب الوفد فؤاد سراج الدين لكنهم صدموا بمعارضته للفكرةأساسا ورفضه عقد أى اجتماع، بل قام بالتعقيب بتصريحات علنية يؤكد فيها أنقرار التأميم كان خطأ وتهورا ، ولم يعد أحد من شباب الطليعة الوفدية إلىالحزب بعد هذا اللقاء .
لقد كان البعد الاجتماعى هو نقطة الصدام الحقيقيةبين الثورة والوفد ومع سائر القوى الحزبية الأخرى ، ذلك أن هذه القوى كانتتستمد نفوذها السياسى من واقع سيطرتها على النسبة الكبرى من مصادر الثروةالاقتصادية فى البلاد وبخاصة الأراضى الزراعية ، وتعمل على استثمار هذاالوضع فى سبيل فرض هيمنتها على العملية السياسية بالكامل ، يؤكد ذلك نسبةمشاركة ملاك الأراضى والرأسماليين الكبار فى مجالس الوزراء والمجالسالنيابية المتعاقبة ومجالس إدارات الشركات الكبرى إلى جانب سيطرتهم علىالمواقع المهمة والحساسة فى الدولة ومع موجة التغيير التى جاءت بها الثورةوالرغبة فى إعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية بما يكفل استردادالأغلبية المسحوقة لحقوقها فى الثروة والسلطة ، فلم يكن من السهل إقامةتعايش مع هذه القوى التى تعمل فقط للمحافظة على مكتسباتها ومصالحها.
ولا يفوتنى أن أنوه فى هذا المجال عن أنه لم يكنغريبا أن يكون دليل حزب الوفد "ملكى" يؤمن بالملكية وبأسرة محمد علىالكبير . وليس عجيبا أن يكون المستشار الإعلامى والسياسى للحزب صحفى قضىتسع سنوات فى السجن بتهمة الجاسوسية ، وأمضى زهرة شبابه ضد الوفد وسكرتيرهوبنى كل شهرته ومجده فى الدفاع عن الملك فاروق والقصر . كما أنه ليس عجيباأن يكون كاتب الحزب الأول مديرا سابقا لفندق قى سويسرا تملكه المخابراتالمركزية الأمريكية ومديرا سابقا لمحطة إذاعة فرنسية ضد ثورة الجزائر ،وسمسارا ومدير دعاية وترفيه لملوك وأمراء النفط . وبالمناسبة فقد كان مثلاللورد هاو هاو البريطانى الخائن الذى كان يذيع من محطة إذاعة برلين ضدوطنه خلال الحرب العالمية الثانية . فمن أين كان يصرف اللورد هاو هاوالمصرى على إذاعته وهو يقول انه عاش مع أسرته فى الخارج أيام الرئيس عبدالناصر لا يملك مالا ولا جنسية ؟ من أين كان يصرف على إذاعته ونشاطه فىأوروبا ؟
من أين كان يحصل على المال ليعيش فى أفخم فنادق أوروبا بل ويمتلك ابن شقيقته الهارب فندقا فى أسبانيا من ذوى النجوم الخمسة ؟
لم يقل لنا أحد منهم كيف تكونت ثروة أسرة أبو الفتح التى امتلك عائلها أسهما فى شركات كثيرة وساهم فى إنشاء بنك القاهرة ؟
نحن نعلم ، والجميع يعلم أن أحمد أبو الفتح بدأحياته محررا فى صحيفة الأهرام، وباع ما ورثه من أطيان قليلة ليساهم بمبلغعشرة آلاف جنيه لإنشاء جريدة " المصرى " ، وشاركه فى قيامها كريم ثابتباشا أحد خدام الملك فاروق، والصحفى محمد التابعى الذى كان من أصدقاءالملك فاروق أيضا .
تكونت ثروة أبو الفتح من التجارة فى الورق فىالسوق السوداء خلال الحرب العالمية الثانية ولما اشتد عودها ساندتهاإعلانات الشركات الأمريكية والبريطانية .
لقد فوجئ المصريون بالوفد يتحالف بل ويندمج معالإخوان المسلمين وداس على تاريخه. وشن الإخوان المسلمين منذ البداية حرباعلى الوفد وتحالفوا مع كل القوى السياسية ما دامت هى ضد الوفد ـ وحينمااحتج جناح داخل الإخوان المسلمين ونادى بالتعاون مع الوفد طردوا وفصلوا منالجماعة 0 ولم يكن انضمام الإخوان المسلمين إلى الوفد الجديد مجردانتهازية متبادلة فقط ولكن تعبئة لكل قوى اليمين العلمانى والدينى والسلفىفى تنظيم واحد يحمى المصالح الكبيرة والمدن الحرة ويحفظ مصر فى فلك الغربالأمريكى وممالك النفط .
إن ما صنعته ثورة يوليو لم يكن وحيا إلهيا ، لكنهانقلت نبض الشعب إلى ساحة العمل الوطنى، ولم يدع لا الرئيس عبد الناصر ولاغيره من قادة الثورة أنهم هم بداية الحركات الوطنية فى مصر ، لكنهم قالوابأن الثورة هى أداة التحول التى امتلكها الشعب من خلال قواته المسلحةلتغيير واقعه 0
لعلنا كلنا نذكر أن أهم وأبرز شعار رفع قبل ثورةيوليو من جميع الأحزاب السياسية التى كانت متحكمة فى الحياة السياسية، وفىأرزاق هذا الشعب كان مقاومة الفقر والجهل والمرض، وهو ما كان حزب الوفدبصفة خاصة يطنطن به ليل نهار سواء كان يحكم أو كان خارج الحكم، وكان منأشهر الحملات التى قادها هذا الحزب أيضا ما سمى " مشروع الحفاء"، وكانأشهر الأمراض هو البلهارسيا التى تنتقل من الماء إلى الأقدام الحافية ،وكانت مصر تعتمد على محصول واحد هو القطن الذى احتكر زراعته الإقطاع – كانمعظم زعماء الوفد من الإقطاعيين- لصالح مصانع لانكشاير !!.
الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها أخرجت الإنجليز الذينكانوا سيخرجون فيما بعد ، وأن الثورة أممت شركة قناة السويس، وكان عقدهاسينتهى فيما بعد سنة 1968 !!!.
الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها أصدرت قانون الإصلاح الزراعى الذى كان شعارا مرفوعا من قبل الثورة !
الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها نادت بالقوميةالعربية والنحاس باشا شارك فى تأسيس الجامعة العربية، كما نادى النحاسباشا بالحياد فى حرب كوريا فالحياد الإيجابى ليس شيئا جديدا.
والقروض أيام عبدالناصر لم تتعدى مليارين منالدولارات بما فيها قروض السد العالى والتصنيع وتسليح القوات المسلحة ..كل القروض فى عهد الرئيس عبد الناصر كانت قروض لأغراض إنتاجية، ولم تكنقروض لسلع استهلاكية، وتحول الاقتصاد المصرى بناء على ذلك من اقتصاد زراعىإلى اقتصاد زراعى وصناعى 0
الوفد يرى أن السد العالى كان وبالا على مصر، وأنهلا فائدة منه طالما أننا تركنا إسرائيل تصنع القنبلة الذرية وتهدد السد ،بل إن الوفد يرى أن مصر مسئولة عن تنفيذ إسرائيل لخط أنابيب أشدود وإنجازصناعة بتروكيماوية وأسطول تجارى ، وكأن مصر وحدها هى التى تمتلك مفاتيحالسياسة العالمية، ولم يقل لنا الوفد كلمة واحدة عن حماية السد العالىلمصر سنوات طويلة من آثار الفيضانات العالية أو نقص المياه فى حالةالفيضان المنخفض مما كان يسبب كوارث فى كلتا الحالتين 0
الوفد ينظر للثورة بعين واحدة ومن زاوية واحدة،وينكر على الشعب المصرى كفاحه ضد المستعمر البريطانى وضد إسرائيل، وطموحهفى مجتمع أكثر تقدما يستطيع المواطن العادى أن يحصل على كافة حاجاتهالأساسية من تعليم وصحة ومسكن وملبس؛ مما انعكس على ارتفاع نسبة المواليد،وارتفاع مستوى الأعمار للمواطن المصرى دون ما الدخول فى تعقيداتالإحصائيات وغيرها من الكلام الكبير .. بنظرة قصيرة على إنجازات الوفدوإنجازات ثورة يوليو يمكن للفرد العادى أن يحكم على من كان يعد ولا ينفذ،ومن كان يحقق أمانى المواطن البسيط فى حياة كريمة، على أرض وطن حر قوى.
إن هذه العنتريات التى تكتب الآن ليست إلا من قبيلتصفية حسابات .. لا تبدد من رصيد الرئيس عبد الناصر بقدر ما تبدد من رصيدمصر الإسلامى والعربى والإفريقى والدولى. وإن هذه العنتريات فى نظرى هىنوع من السقوط الأخلاقى يقع فيه كل من تعميهم وتغيبهم أحقادهم عن رؤيةالحقيقة، وتسول لهم أنفسهم تشويه الحقائق.
والآن ليس من الصعب الحكم على من أساء إلى من ؟ هلالوفد الذى أساء لثورة يوليو ولمصر والأمة العربية أم العكس ؟ ومن الذىأساء إلى مصر وإلى التاريخ وحتى تراث الوفد نفسه ؟