عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2010, 01:49 PM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: أوراق الورد00الرافعي



وهم الجمال




" وبعد أن تكافأت مقادير نفسه واعتدلت من اضطرابها وأشرف على السلوان ، كتب هذه الرسالة ":

هذه رسالة احسبها برئت في معناها من السلوة والحب جميعا ، وخرجت بموضعها عن الرضا والغيظ معا ، ولم تجئ من برد على الكبد ولا من في الصدر ، فلا يخيل إلي فيها أني أنسكب في نعبيري كما كان يعتصرني هذا القلم في غيرها حنينا وغراما، أو سخطا وموجدة .


أكتبها وقد تكافأ جانبا الحب في نفسي هونا هونا ، واعتدلت مقاديرها شيئا شيئا ، فلا أعتد بسبب تصغر به الحقيقة الكبيرة ، أو تكبر الصغيرة ، أو يجاوز بعنى حده ، أو يقصر بمعنى آخر عن حقه ولا أحجر فيها على كلام صحيح أن يتصرف بقدر بقدر أدلته وبراهينه لما أخشى من سوء موقعه في الحب ، ولا أطلق فيها لكلام مزور أن يتزايد في مغالطته وكذبه لما أرجو من حسن أثره عند الحبيب .


وأكتبها وقد أصبحت أرى وجهها الذي تحمله كالصورة يحملها الحائط ، وعدت أراها هي وأمثالها من الحبيبات كفقاقيع الرغوة في ألوانها وجمالها واتفاخها ..... وفراغها، وصرت أعتقد ان الهول الهائل من النساء الجميلات إن هو إلا كذلك الرعب المخيف من جبال الثلج في القطب لا يمسك الجبل الشامخ بما حوله إلا خيوط واهنة من غزل الماء لو قطعتها نسمة لانهار وانكفأ.


وأكتبها وقد خرجت إلى دنيا الناس وكنت في الحب وإياها كالمنقطع في صحراء ضل فيها ضلال القفر ، واختب مكن خبال الوحشة ، فهو يرى اجتماع اثنين في ذلك التيه وقيامهما معا كأنه تكوين دولة من الدول العظمى ..


************



إن البلاغة التي كتبت بها رسائلي من قبل وما احتلت لها به وما صورت من فنونها ، هي بعينها التي تنتهي في هذه الرسالة إلى أن جمال المرأة الجميلة ليس في ذات نفسه إلا أسلوبا من الخداع ، كالذي يكون في تزويق الكلام وتمويه الحقيقة ببلاغة التركيب ، غير أنه أسلوب حي من لحم ودم ...ثم تزيد المرأة بفنونها تزويرا وتعمية لأن جمالها في صورة أخرى من صوره الكثيرة هو نفسه الرق والاستعباد محببا في خلقة جميلة ليطلب ويعشق . استعباد حي متى بدأ استمر يقوى ولا يضعف . وينمو ولا ينقص ومن هذا كان قيد الجمال لا ينفك أبدا إذا غل به أسيره من العاشق ، بل يكسر كسرا ، ويصبح فيه أمر العاشق من حبيبه كالاستقلال من الأمم المستعبدة : لا يعطي بل يأخذ ، ولا بد فيه من الجرأة والمصابرة والاقتحام وسلاح من الأسلحة أيها كان ، إما حاطما أو مفزعا أو متهددا أو محتالا أو سلاح الرضا أو سلاح الثمن . . . وما غليها لابد من سطوة ينقلب بها الأسير المستعبد إلا أن يكون ملكا بوجه من وجوه التملك في تلك المنطقة الإنسانية السحرية المسماة في لغات الناس بالحبيب . . .

******************


وفكر المحب كالسائل الذي يغلي ، فما دامت ناره من تحته فهو كله لا مقر له بين أعلاه واسفله / وما دام يهدر على فورته فكله في الأعلى وكله في الأسفل وكله بين ذلك ولا قرار له على وضع إلا أن ينكسر وينفثئ .


وكل شيء جميل في الطبيعة تراه يتخذ من هذا الأصل شبها عند متأمله والناظر فيه ، حتى لكأن الجمال يقول للإنسان : إذا أردت أن تسر أيها الإنسان وتبتهج بي فلا تفهمني في نفسي أنا بل في نفسك أنت ولا تأخذني على ما أنا للوجود والطبيعة بل على ما أكون لك ولأغراضك ولا تدعني لذاتي بل غيرني في وهمك وخواطرك ، فإنك إن غيرتني فقد خلقتني وإن خلقتني فقد جعلتني لك .


******************


وعلى ذلك فجمال المرأة المعشوقة إن هو إلا خرافة رجل من الناس وبكونها خرافة عادت لا حقيقة لجمالها وكأن الحب إن هو إلا زيادة شعاع في العين تنظر النفس به نظرا نظرا نافذا إلى موضع لذتها أو فكرها أو هواها ، فإذا خطف هذا الشعاع على من يضيء في وجهه بالحب ، نقل إليه النفس ببقيتها ووهمها جميعا فاختلط على تلك الصورة فهما هناك شيء واحد : الوهم هو اليقين واليقين هو الوهم ، فكل شيء من ذلك الجمال هو عقيدة ثابتة لا موضع فيها لجدل ولا مساغ لنقض ولا محل لرد ، وحينئذ لا يكون أكبر عمل المحبوب في سياسته وتدبيره إلا أن يلم أو يوفق بين عقله هو وبين جنون عاشقه ، وأن يحاول الملاءمة بين حياة الخيال الشارد في إرادة هذا الجنون وبين حياة الواقع الراهن فيه هو ، وبذلك فلن ترى حبيبا إلا هو من محبه بمنزلة الطبيب من مريضه يطب له أو يزيد في علته ، أو يهلكه . . .هذا حين ينبعث ذلك الشعاع فأما حين يخمد فمنذا الذي تراه مطيقا أن يصعد السماء إلى النجم الذي انطفأ ليضيئه كما كان يضيء ؟


************



والطفل يرى في أمه البداية والنهاية جميعا ، لأن طفولته ستار بينه وبين ما وراءها وكذلك العاشق يرى في حبيبته بداية ونهاية معا ، لأن حبه ستار بينه وبين ما عداه ويحصره بين أول وآخر في امرأة واحدة ، أفلا يكفي هذا دليلا على بلاهة العاشق وغرارته وأن الحب كالانتكاس إلى الطفولة في جهة واحدة من جهات النفس ؟

وترى الصغير إذا فارقته أمه نظر حوله ليستشف ما انفصل من آثارها المحبوبة على كل الأشياء التي يفيها حنين نفسه وكذلك يفعل المحب في كل ما مسته حبيبته ، حتى كل شيء عليه لمحة منها . . . حتى ليرى بعض الأشياء يكاد يبتسم له . . . وبعضها يكاد يرنو إليه وبعضها يكاد يتدلل ويصــــد .


**********************



خلقت المرأة لتلد الإنسان ، وهي تلد هذه الحقيقة في الإنسانية ولكن وجهها يلد في الإنسانية الضلالة .

****************


قال الشيطان : أنا لون هذه المرأة الجميلة حين أكون منافقا . . . ولون هذه المرأة القبيحة إذ أكون صريحا . .


قلنا : فلعله لذلك لا تتجمل إلا الجميلة ليتم بها نفاق الشيطان . .


*************************



والسلام عليــــــــــــــــــــــ ـــها



((هذه كانت آخر رسائله في حب صاحبته تلك ))


((لكنه أنشأ بعد ذلك من وحي هذا الحب في ومن ذكرياته يطالعها القراء في وحي القلم ورسائل أخرى بعثها إليها بعد عشر سنين من القطيعة ولم نجد صورة منها فيما خلف من أوراقه ))


أحببتها جميلة لأوجد بها الجمال في معاني ذوقي ، ورقيقة لأسيل منها بالرقة في عواطفي ونزعاتي ، وظريفة لأزيد بها في نفسي طبيعة مرح وابتهاج ومتوازنة لتدخل في طباعي الانسجام والوزن وصحة التقدير وناعمة لتخلص بروحي من خشونة الضرورات القاسية في الحياة ، ومتفترة لألقي من تفترها على بعض أيامي فتنقلب حبيبة بما تمنع وتصد ورشيقة لتهب خيالي سر التوثب والحركة وجذابة لأجد بها المغناطيس الذي يجذبني في الإنسانية إلى مصدري الأعلى .

وأحببتها وهي بجملتها فن وجمال ووحي لأرجع وأنا بجملتي حسن وانفعال وإدراك ..


وكنت كأنما أضرب من الحياة في قفر من المعاني الجافية لا أتوسم نضرة ولا أهتدي إلى حقيقة جميلة ، فأرسلتها الحقائق السامية التي تعشقها نفسي تقول في جمالها : تعالي إلينا من هنا . . .إن الطريق من هاتين العينين .


لا أقول إنه قد وقف نمو الكلمة السحرية التي تزداد وتعظم بتجدد الأيام إذ كل يوم في الحب هو دائما أول حب .


ولا أقول إن ذلك الاسم الجميل قد أنزل على عرش الفكرة التي كانت تملكه الوجود لأنها أملكته قلبها .

ولا اقول عن الذكرى قد سلط عليها النسيان فصفاهها من حوادثها وأيامها .


ولا أقول إن الذي كان في النفس جنونا وعقلا من معاني الحب قد رجع في النسيان كالكلمة المكتوبة على ورقة ، حُبس في الورقة معناها إلى أن يوجد من يقرؤه فيخرجه.

ولا أقول إنها قد بطلت القوة المتضاعفة من الجمال وكانت تجعل كل ما يؤلم من الناس يؤلم منها هي أضعافا ، وكل ما يسر من الناس يسر منها هي اضعافا ، كأن الذي هو إنساني في الخلق ليس إنسانيا فيها .


ولا أقول إنه قد اختفى من ذلك الوجه برهانه الذي كان يقوم بسحره الساحر دليلا مقحما في كل قضايا الحبيبة المتناقضة ، فلا تتوافى وهي متناقضة إلا على نتيجة واحدة هي أنها حبيبة ، مهما تأت أو تدع فليس بشيء منها على هوان .

ولا أقول إنه ليس بين ما تعجب به وما تزدريه إلا رجعة خطوة منقلبة وأنها هي قد خطتها فليست هي بعد ..


ولا أقول إن روضة الحب قد انتهت إلى أيامها المقشعرة التي تظهر فيها كل أشجارها حاملة من اليبس والتجرد إعلان فصل آخر . .


ولكني أقول . . . . . . والسلام عليهــــــــــــــــــــه ا.


******************
منقول
نوووووووووور












آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس