(14) نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن قِلَّة الرِّجَال وكَثْرَة النِّسَاء:
أخْرَجَ البُخَارِيّ في صَحِيحه:
حَدَّثَنَا مسدد؛ ثَنَا يَحْيَى؛ عن شُعْبَة؛ عن قَتَادَة؛ عن أَنَس قال [ لأُحَدِّثَنَّكُم حَدِيثَاً لا يُحَدِّثكُم أحَد بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يَقُول: مِنْ أشْرَاط السَّاعَة أنْ يَقِلّ العِلْم، ويَظْهَر الجَهْل، ويَظْهَر الزِّنَا، وتَكْثُر النِّسَاء ويَقِلّ الرِّجَال حتى يَكُون لخَمْسِين امْرَأة القَيِّم الوَاحِد ].
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، أخْرَجَه الشَّيْخَان.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم؛ حَيْثُ نَجِد الوَاقِع تَمَامَاً كَمَا أخْبَر صَلَّى الله عليه وسَلَّم، فإنَّ العِلْم قد بدأ يُرْفَع (بقَبْض العُلَمَاء كَمَا في حَدِيث آخَر) وفَشَا الجَهْل في النَّاس حتى أصْبَح الدِّين غَرِيبَاً، وشُرِبَت الخُمُور حتى لَمْ يَعُد شُرْبها قَبِيحَاً؛ بَلْ أصْبَح نَوْع مِنَ التَّفَاخُر والتَّبَاهِي، وقَلّت نِسْبَة وِلادَة الذُّكُور وكَثُرَت نِسْبَة وِلادَة الإنَاث، ويَسِير الأمْر عَلَى ذَلِك إلى أنْ تَكْثُر النِّسَاء في صُورَة أكْبَر؛ فيَكُون الرَّجُل الوَاحِد قَيِّمَاً عَلَى خَمْسِين امْرَأة؛ مُتَوَلِّيَاً أمْرهنّ كَمَا تَنَبَّأ النَّبِيّ الصَّادِق صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم.
قال الحَافِظ ابْن حَجَر [ قَالَ القُرْطُبِيّ: في هذا الحَدِيث عَلَم مِنْ أعْلام النُّبُوَّة، إذْ أخْبَر عن أُمُور سَتَقَع فوَقَعَت خُصُوصَاً في هذه الأزْمَان ]، وقال الحَافِظ ابْن حَجَر أيْضَاً [ أمَّا كَثْرَة النِّسَاء فسَبَبه أنَّ الفِتَن تَكْثُر، فيَكْثُر القَتْل في الرِّجَال لأنَّهُم أهْل الحَرْب دُونَ النِّسَاء ]، وقال أبُو عَبْد المَلِك [ هو إشَارَة إلى كَثْرَة الفُتُوح، فتَكْثُر السَّبَايَا، فيَتَّخِذ الرَّجُل الوَاحِد عِدَّة مَوْطُؤات ]، قال الحَافِظ ابْن حَجَر [ وفيه نَظَر لأنَّه صَرَّح بالقِلَّة في حَدِيث أبِي مُوسَى فقال (مِنْ قِلَّة الرِّجَال وكَثْرَة النِّسَاء)، والظَّاهِر أنَّهَا عَلامَة مَحْضَة لا لسَبَب آخَر، بَلْ يُقَدِّر الله في آخِر الزَّمَان أنْ يَقِلّ مَنْ يُولَد مِنَ الذُّكُور ويَكْثُر مَنْ يُولَد مِنَ الإنَاث، وكَوْن كَثْرَة النِّسَاء مِنْ العَلامَات مُنَاسِبَة لظُهُور الجَهْل ورَفْع العِلْم ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
انْظُرُوا في الشَّوَارِع وفي المُنْتَزَهَات، وفي أمَاكِن العَمَل العَامَّة والخَاصَّة، انْظُرُوا لعَدَد مَقَاعِد الطَّالِبَات في الجَامِعَات، وإلى عَدَد مَدَارِس البَنَات في المَرَاحِل المُخْتَلِفَة، انْظُرُوا لَهُنَّ على الإنْتَرْنِت وفي غُرَف المُحَادَثَة والمُنْتَدَيَات، انْظُرُوا لَهُنَّ في الجَمْعِيَّات الخَيْرِيَّة والأهْلِيَّة الخَاصَّة والعَامَّة، انْظُرُوا في أيّ مَجَال وفي أيّ اتِّجَاه، سَتَجِدُوا نُبُوءَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم تَحَقَّقَت، ومازَالَت تَتَحَقَّق إلى يَوْم القِيَامَة، ورَغْم ذَلك مَازِلْنَا نَجِد مَنْ يُشَكِّك في صِدْق هذا النَّبِيّ وصِدْق رِسَالَته وإحْكَامها وصَلاحِيَّتهَا لكُلّ زَمَان ومَكَان، والكَارِثَة أنَّ بَعْضهم مِنَ المُنْتَسِبِين إلى الإسْلام، فاللَّهُمَّ ارْحَمْنَا.