إن قناعة الدعاة إلى الله بضرورة احتراف الدعوة سبب رئيس من أسباب النصر ، فلا تجدي في هذه العصور محاولات الهواة لمزاحمة المحترفين في مجالاتهم . وقد تصاعدت اهتمامات دعاة الكفر بما يدعون إليه حتى إنه في سبيل ذلك سخروا كل العلوم العصرية لخدمة كفرهم .
أمام هذا البذل الذي يبذله أهل الكفر ، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن من أسئلة : ماذا أعد الدعاة أمام هذا الإتقان في العداء للدين ؟!
إن الجواب الذي يرضي كل منصف أن دين الله تبارك وتعالى يأخذ مجراه في قلوب الناس ويغزو كل الأقطار بتقدير الله وحسب ،
إننا نرى بوضوح كيف أن الغيورين من شباب الأمة يبذلون الغالي والرخيص في سبيل رفعة شأن الأمة ، وكيف أنهم يضحون بأوقاتهم وأموالهم وبكل ما يظنون أن الدعوة تحتاج إليه ، لكنهم يفاجئون أن محاولاتهم الدعوية تذهب أدراج الرياح ومجهوداتهم تصير رهينة أماكنها ، لا لشيء إلا أنهم واجهوا واقعا دعويا صعبا بآلات بدائية وبدون خبرة أو ممارسة سابقة .
تأمل ( مثلاً ) الجهد التربوي الذي يقوم به الدعاة ، إن جميعهم – إلا من رحم ربي – يشكو كثرة مشكلات الشباب وتعقيدها وصعوبة فهم شخصيات المراهقين . ولا شك أن هؤلاء الدعاة سيعانون أكثر عندما يلتزم الشباب بالدين دون أن تحل مشكلاتهم التي تنشأوا عليها في الجاهلية . وقد رأينا كيف أن رواسب التربية الخاطئة التي بدأ التزام هؤلاء الشباب عليها تطفوا سريعا عندما تتعرض تلك الشخصيات لأول محك في حياتها الجديدة ، بل إن علماءنا قد نصوا على أن فساد الانتهاء من فساد الابتداء .
إن مثل هذه الإشكالية في نظري مأتاها من تقصير الدعاة في العلوم الاجتماعية والتربوية ، وقلة مطالعاتهم لكتابات ذوي الخبرة والديانة في هذا المجال ، وأنا أجزم غير شاك أن قطاعا كبيرا ممن يمارسون دعوة الشباب جاهلون بأساسيات العلوم التربوية مما يتعلق بنفسية المراهق ونحو ذلك .
ومما لا شك فيه أن هذه العلوم فيها الغث والسمين ، وأن واضعيها بعضهم ممن لا خلاق له في دين الله تبارك وتعالى ، ولا شك أيضا أننا لا نقصد بالاستفادة من هذه العلوم أن نعتمد قوانينها واكتشافاتها وتجاربها الغضة ، بل المقصود أن يستفيد الداعية والمربي من تلك الدراسات التربوية والنفسية والاجتماعية في فهم النفسية البشرية ، ولا شك أيضا أن الممارسة التربوية قائمة بالدرجة الأولى على براعة فهم الشخصية التي يراد تربيتها واختيار المنهج التربوي الملائم ، وكل ذلك راجع إلا ذكاء المربي في فهم الشخصية التي يربيها ، وهذا الفهم يرجع جزء كبير منه للفراسة التي بعضها كسبي يُجتنى بالخبرة وبالبعض الآخر فطري يُمنح من الله تبارك وتعالى .
وليس على الدعاة من بأس إن هم حاولوا صقل تجاربهم بمثل هذه العلوم والقراءات التي وإن لم يستفيدوا منها في دعوتهم فلا شك أنها ستفيدهم في أمور دنياهم لا محالة .
وفي قضية احتراف خدمة الدين : لا أريد أن أعقد المشاكل أو أن ألزم الدعاة بما لا يلزمهم شرعا ، فإنني لا أماري في أن في شرع الله غنية عن كل شيء ، ولكن شرع الله نفسه قد حض على المعرفة وبارك أهل التخصص وألزم الناس بالرجوع إليهم والاعتداد برأيهم ومشورتهم
أنتــهى ولله الحمد