نظراتها.... أكتب إليك يا حبيبت كتاب عيني ، إذ أكتب عن نظرتك السحرية التي أجد لها في قلبي معرض فن كامل من صور المعاني الجميلة فإن نظرة الحب تقع موقعها في العين وحقيقة معناها في القلب ، كأختها قبلة الحب :هي في الفم وحلاوة طعمها في الفكر.. أتدرين يا حبيبتي كيف أراك ، إن في عيني من أثر حبك ما جعل في نظري قوة خلق معنوي تريني كل شيء من فوق معانيه...كأني خلقت فيه جمالا أو معنى ، أو خلقت فيه القدرة على أن يسمو في روحي ويرتفع بها فوق ما هو في نفسه وحقيقته وعلى الجملة فكأني أسبغ الفن على المادة ، فإذا كل شيء يُرى هو في عيني شيء ألبس مجازا أو استعارة أو نحوهما مما يحقق فيه مع صنع مادته عمل فكري وخيالي.. في نظري من أثر حبك حس من الفكرة ، فهو نظر وتقدير معا والأشياء لديه مادة وعبارة سواء ، والإدراك به حقيقة وخيال جميعا، وبكل ذلك فالجمال في نظري جمال في نظري جمال من ناحيتين: حسنه في ذاته ...وحسنه في خيالي الذي يجعله أسمى من ذاته. ولو أردت مثلا أضربه لقلت لك : خذي جمالين في معنى واحد فإني أنشأت حديقة زهر .ولكني لا أقول لك أنت غرست حديقة بل أقول لك غرست الفجر.. ومن ذلك يبدع لي الحب فكرة عنك لو هي كانت في خاطر ملك من الملائكة يمر بها في السماوات لما زادت ولا ارتفعت عما هي في نفسي ولو دخل بها الجنة....بهذه الفكرة أراك وفيك الجمال النسوي كله فإذا نظرت إلي غيرك لم أر فيها إلا شخصها هي حسبه..( هامش حسب :فقط والهاء هاء السكوت للوقوف على الكلمة) كذلك أراك بحس الشاعر الذي يضيف دائما إلى الحياة والطبيعة زوائده وفنونه ، ولكني اراك أيضا بحس الطفولة التي تضيف غليها الحياة والطبيعة دائما مثل تلك الزوائد والفنون فما احسبني رأيتك مرة إلا وكأني رأيت فيك اول أنثى وكأنما الحب هو بدأ الدنيا مرة ثانية من أولها ، أي ولادة خيالية : إن لم تولد بها الأشياء في أشكال جديدة فبألوان جديدة ، أي زخرفة الوجود كله ونقشه لعين العاشق بجمال المعشوق كأن الوجود بيت قد طلي ونقش وزخرف لأنه ستدخله عروس الحب! وانظري الآن يا حبيبتي صور نظراتك من قلبي فإن لها بعثات من ورائها بعثات وفيها المعاني من تحتها المعاني.. فهذه نظرات تمتد تأمر تشعرني قوة سلطانها كأنها تقول :أريـــد...أريــد...ثم لا يرضيها الرضا فكانها تقول أريد منك أكثر مما أريد... ونظرات تجيء تشعر النفس قوة سحرها فلا تتفتر بها عيناك حتى أرى الحياة وقد ملأت وجهك بفن من الأنوثة الساحرة كأنما ابدعته لك خاصة.. ونظرات من عين ساجية ساكنة الطرف كأنها تقول لي : إن نظراتي إليك بعض أفكاري فيك... ونظرات بتقطع الطرف بيني وبينك فيها ..كأنها تقول لي أفهمت .... ونظرة طويلة صارمة لها سيماء قاض محقق تبحث فيّ عن توكيد لتهمة أو براءة! ونظرات من عين تسال متجاهلة وقد شطرت بصرها كأن فيها فكرين أحدهما يقول أعرفك والآخر يقول لا أعرفك... ونظرات الحبيبة لألآت بعينيها كأنها تقول لقلبي أنت جرئ كالفراشة ...ولكن على الشعلة المحرقة . ونظرات الجميلة المزهوة كأن فيها شيئا أعلى من أرواحنا يوضح لمحات من الجمال الأزلي .. ونظرات الضاحكة اللعوب تنفر وتتدلل كأنما تقول لي : إنها تحس أفكاري تداعبها وتلمسها . ونظرات الخفرة الحيية التي كأنما تحاول أن تخفي سر قلبين تحت كسرة طرف ضعيفة... ونظرات أراها محدجة كما تنظر من روعة وفزع حين لا فزع ولا روعة ،فأعلم أن الجمال يهاجمني بسلاح خوفه.. وهذه نظرة _نظرة واحة _يقول من يعرف أساب معاني الحب :إنها ربما كانت أخت القبلة ....فهي قصيرة لا ينفتح بها الجفن حتى ينطبق.... وهذه نظرة طويلة قوية في جذبها ، فربما كانت أخت العناق.. وهذه نظرة يجشع فيها بصر لأن تهمة لك من عيني التقت مرة باعتذار لي من عينك . وهذه نظرة من معنيين تحتمل كليهما إساءة الدلال إلى وإحسانه علي .. وهذه نظرة بين اللقاءين (لقاء الغضب ولقاء الرضا)تجذب في قلبي الخوف والأمل بمقدار واحد...... تلك يا حبيبتي صور نظراتك في معرض قلبي وتقابلها هناك الصور الأخرى التي لا تريدين أن أصفها لك ،،،لأنها الصور المسكينة ....صور أحلامي....