الموضوع: محمود درويش
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-25-2012, 06:06 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

مسيح جديد
محمد علي شمس الدين

لستُ أدري الى اين ذهب محمود درويش. هل عاد ليسلك تلك الرحلة التي وصفها في "جداريته"؟ هذا الشاعر مات اكثر من مرّة. لقد مات كثيراً حتى أمات الموت. وإنني اعرفه. أعرف أنه لم يكن يخاف من الموت. ولكنني أنا كنت أخاف عليه وما كانه. لأن رحلة الغامض لعلها اكثر رعباً من رحلة الشهادة.
دخل هذا الشاعر في معركة شرسة مع بدائل الموت منذ فتح عينيه في مكان هو فيه وليس فيه، له ولا يملكه. وعلى زمان أنشب في عينيه اشرس مخالب التاريخ. منذ تلك اللحظة ومحمود درويش يدافع الموت بعينيه كطفل يدافع الوحشة بصفاء نظرته، بالبراءة.
لستُ ادري اين هو الآن محمود درويش. أيواصل العذاب؟ أيلقي قصائده هناك على غيمة، حيث ليس ثمة من جمارك، ولا كلاب سلطة، ولا قتلة. أم أنه، وهذا ما لا اريده، يواصل العذاب؟ إني أخاف.
آخر مرة رأيته فيها، كنا في القاهرة، في الملتقى الأول للشعر العربي والعالمي. قرأنا في أمسية واحدة. وحين جلسنا في المقهى حدّقتُ في عينيه. اكتشفتُ شيئاً لم اكن اعرفه فيه. قلتُ له: "يا محمود، ما زال شكل وجهك شاباً، ولكن الحظ أن لك حاجبين أشيبين تماماً. لماذا حاجباك أبيضان الى هذا الحد؟". كان يستر حاجبيه بنظارتيه ولم اكن قد تفرّستُ في عينيه قبل ذلك. دخلتُ في بئر عميقة من ذاك الشغف المجنون بالحياة والحرية، في غابة.
كان محمود درويش يكاد يدافع عن قاتليه، وشعره يقول ذلك. كان قد انقسم في آخر شعره اثنين في جسد واحد: القاتل والقتيل. وكان القتيل يبكي قاتله، لأن نبض الشعر عند محمود تجاوز الوطن نحو دراما الإنسان بذاته. وأنا على العموم لم أكن منحازا كثيرا الى شعره السياسي ولكنني كنت شديد الانحياز الى جداريته، هذه الجدارية العجيبة التي دخل فيها الشاعر دخولاً في ذاته، بعدما زار الموت وعاد منه. لم يتكلم عن وطن، ولم يتكلم عن فلسطين. تكلم عن رحلته العجائبية، وأحببته جدا هنا. لقد زار آخر من الشعراء الكبار الموت وعاد منه اول مرة، هو نزار قباني. ولكنه لم يكتب بعد هذه الزيارة أثرا يشير إليها.
محمود غلب الموت بالموت. إنه مسيح جديد.


في كامل أسطورته
شوقي بزيع
يصعب على المرء، مهما أوتي من قوة اللغة وبلاغتها، أن يتفحص ملامح مثل هذه اللحظة، وهي تغرق في سديمها المبهم وتتشكل خارج كل ما يمكن الكلام أن يرسمه من معالم وإشارات. اللغة الآن عمياء وكسيحة، وهي تخوض أقصى امتحان لها أمام غياب شاعر أحبها ووهب لها حياته وروحه وشغاف قلبه. هل كان ينبغي لمحمود درويش ان يغيب لكي نكتشف في ضوء غيابه كم نحن هائمون الآن على وجوهنا وأقلامنا وكلماتنا، وكم المساحة الشاغرة التي خلّفها وراءه لا يمكن أحداً أن يردمها من بعده؟ لعله بعودته الى احشاء التراب الأم يخفف عن نفسه وعنّا هذا العبء القائم على ردم الهوّة بين امومة اللغة وأمومة الأرض. كانت الكتابة عنده على جمالها رديفة النقصان، وكان يريد في ضوء المنفى أن يستعيد فلسطينه المشغولة بالكلمات. وربما كان يريد أن يوفّر على الشعراء عناء الوقوع مثله في فخ البلاغة، ولذلك بدا كسيزيف راغباً في حمل الصخرة وحده على كتفيه.
محمود درويش هو من بين القلّة يغيبون في كامل أسطورتهم. ذلك انه لم ينفق جسده ونضارة وجهه كما فعل الآخرون، ولم يمت عجوزاً ولا شيخاً. مات وقصيدته أيضاً في أوج ريعانها. فهو لم يقبل كما فعل كثيرون سواه أن يقتات من فضلات أعماله السابقة. بل كان يؤثر أبداً أن ينقلب على نفسه وأن يحوّلها الى ساحة عراك مستمرة بين الممكن والمتخيّل، وبين المتحقق والمحلوم به. لعله من بعض وجوهه يستعيد تجربة المتنبي بامتياز، فإذا كان الثاني قد أنصت الى كل الأصوات التي سبقته مستوعباً كل ما تناهى إليه من مساقط شعرية سابقة عليه، من امرئ القيس وحتى ابي تمام، فإن محمود درويش قد فعل الشيء نفسه مصغياً الى نبض الحداثة الشعرية ومتلقفاً أصواتها المتعددة ليعيدها الى الحياة بشكل مختلف، ولتهضم قصيدته كل ما تلقفته من نسغ الكتابة محوّلاً إياها كما الشجرة الى ثمار ناضجة وبعيدة عن الأصل.
وإذا كان لمدينة أن تشعر بالثقل في هذه اللحظات، فهي بيروت بالذات، لأن محمود درويش كان جزءا من المعنى الذي ابتكرته لنفسها على مدى العقود الأخيرة. كان جزءا من مختبرها اليومي الذي واجهت به تحديات العصر وقيم الحداثة والذي انفجر في ما بعد تمزقات وشظايا وحروبا اهلية. تماما كما انفجر جهد محمود درويش بعدما ضاق ذرعاً بشياطين اللغة التي سكنته. وإذا كان لكل منهما صليبه، فلكل منهما قيامته ايضاً. وهي قيامة ليست ناجزة في أي حال، بل علينا نحن، كل من زاويته، ان نذهب بها حتى نهايتها الأخيرة.


إلى اللقاء بعد قليل بعد عامين وجيل
رامي الأمين

كان ذلك في معرض بيروت الدولي للكتاب في العام 2007 حينما كان محمود درويش يوقّع كتابه "كزهر اللوز أو أبعد" في جناح "دار رياض الريس للنشر". يومذاك، تقدمت إليه برفقة ناشرة كتابي "أنا شاعر كبير" لينا كريدية، حاملاً باكورتي الشعرية بين يديّ. أخذت لينا الكتاب من يدي وقدّمته إلى محمود درويش. قالت له: "هذا الشاب الصغير، شاعر كبير"، ثم قلبت الكتاب بين يديه لتريه ما كتب على الغلاف الخلفي.
كان يضع رجلاً على رجل، ويبتسم، حينما راح يقرأ بهدوء جميل المقطع المكتوب على الغلاف، وكان فيه: "أنا شاعر صغير/ لذا يحق لي ما لا يحق لكبار الشعراء/ من هنا، أستطيع أن أموت باكراً على سبيل المثال/ أو أن اتوقف عن النمو/ ويحق لي أن اسرق مقطعاً من قصيدة "ريتا والبندقية" لمحمود درويش/ لأن الصغار لا يحاسبون على أفعالهم السيئة/ ولأن الله يحبهم/ ويكره محمود درويش...". قرأه كاملاً، ثم رفع نظره إليّ وابتسم وقال: "هناك سوء تفاهم هنا، من يكره الآخر، أنا أم الله؟".
ضحكنا كلنا، أنا، لينا كريدية ورياض الريّس الذي كان جالساً إلى جانب محمود درويش. قلت له إن الشعور ربما يكون متبادلاً. قبل أن يقلب الكتاب ويرى العنوان، قال إن العنوان يجب أن يكون "أنا شاعر كبير". وابتهج عندما أصاب.
أعاد إليّّ نسخة الكتاب، فكتبت عليها إهداءً: "إلى محمود درويش، الله لا يحب الشعراء الكبار لأنهم يقارعونه". وهو كتب لي إهداءً على نسخة من كــــتابه "كـــــزهر اللـــوز أو أبعد": "إلى الشاعر رامي الأمين، بالمزيد من التقدم والنجاح". ما عناني في إهدائه، أنه أعطاني صفة الشاعر. شعرت كأني انتزعت اعترافاً من شاعر كبير بأني أنا شاعر وكان هذا يكفيني ويزيد.
عندما ورد خبر موته على التلفزيون شعرت بهول انتصار الله الدائم والحتميّ على الشعراء. عندما مات نيتشه كتب مناصرون للكنيسة: "نيتشه قد مات"، في ردّ على عبارته الشهيرة "الله قد مات". وفي ذلك الردّ من السخرية والألم ما يفوق القدرة على التحمّل.
ورد خبر آخر على الشاشات يقول إن محمود درويش لم يمت بعد، وإن حالته حرجة في المستشفى في تكساس. لكني كنت أعرف أن الرهان على بقائه على قيد الحياة كان خاسراً، مثل رهاننا على الإنتصار على فكرة الوجود.
فعلها ومات. لم ينتصر، ولم ينهزم. مات وحسب.
وعلينا، نحن الشعراء، أن نكتب كي نحرسه من "هواة الرثاء"، وأن نقول له كما كان يقول للشهداء عندما يذهبون إلى نومهم: "تصبح على وطن" يا محمود درويش. سلّم لنا على ممدوح عدوان ومحمد الماغوط وبدر شاكر السياب. وإلى اللقاء، "بعد قليل... بعد عامين وجيل...".

هيئات سياسية وثقافية
نعت "حامل ذاكرة فلسطين"

ابرقت امس شخصيات سياسية وهيئات ثقافية الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس معزية برحيل الشاعر محمود درويش. كما تلقى مسؤولون فلسطينيون اتصالات مواساة من سياسيين، على رأسهم رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، نوهوا بمساهماته الشعرية لفلسطين ولبنان.
وأعلنت ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الحداد ثلاثة أيام، على ان تقبل التعازي في دار نقابة الصحافة اللبنانية اليوم الاثنين وغداً الثلثاء وبعده الاربعاء من الرابعة عصرا حتى الثامنة مساء.
• رئيس مجلس النواب نبيه بري ابرق معزياً الى عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز دويك المعتقل في اسرائيل، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون. ومما جاء في البرقية: "بعد محمود درويش ستصبح يوميات الحزن الفلسطينية استثنائية بالألم والمرارة والأمل. معا سنواصل الحلم الفلسطيني، ومعا سنفتح بوابات العيون على شمس فلسطين المضيئة على تلال الكرمل ويافا وجبل الزيتون ودائما القدس. الشعراء لا يموتون لنا الرحمة ولفلسطين العزة".
• وزير الإعلام طارق متري اتصل بممثل "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان عباس زكي، وابرق الى عباس معزياً "بمن رحل به قلبه، بعيدا منا". و
نعى متري الراحل واصفاً اياه بأنه "فلسطيني بالاختيار الحر، وله انتماء الى بيروت، بالاختيار أيضا، يبحث فيها عن طفولة جديدة ودور لا يغلق عليه أو يضيق. ولم يغب عنه مرة، أن سلام لبنان حق له، وحرية فلسطين حق لها، وأن طريقنا الى السلام والحرية واحد. وواحد هو السعي لكي نستحق حقنا".
• وزير الثقافة تمام سلام ابرق الى وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني ابو دقة معزيا. واعتبر ان "الشعر الفلسطيني سيؤرخ لفترة ما قبل محمود درويش وما بعد رحيله. فقد كان عملاقا نسج الكثيرون على منواله في العقود الماضية". كما اتصل سلام بزكي مواسياً.
• النائب سعد الحريري ابرق الى عباس معزيا بـ"حامل ذاكرة فلسطين وقضيتها، الذي رفع راية ضد النسيان في أصقاع العالم كما حمل قضية لبنان الذي عاش فيه، وكتب فيه وعنه، وبخاصة عن عاصمته بيروت أجمل وأروع نصوص الصمود في وجه العدوان والظلم".
• ممثل "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان عباس زكي نعى "شاعر الوطن والشعب، عاشق فلسطين، زين شبابها، قصيدتها الأبدية، ومغنيها الأجمل(...)، والصوت الفلسطيني الموحد العصي على الإلغاء والتبديد المتمسك بزيتونة القدس، و زهر اللوز في الجليل، وكرمل حيفا، وتراب البروة في عكا".
كما نعى الراحل: "تيار المستقبل"، و"اتحاد الكتاب اللبنانيين"، و"الحركة الثقافية اللبنانية"، و"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، والمكتب الثقافي لحركة "امل" والـ"المؤتمر القومي العربي" و"الحزب التقدمي الاشتراكي".






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس