عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2008, 12:20 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: على بوابة الوحي


(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)


نحن نقص عليك فدع قصص غيرنا ، ولا تلفت إلى قصص سوانا ؛ لأن قصصنا هو الحق الصريح والعلم الصحيح ، قصص تسكب في النفس نهرا من النور ، وفي الضمير وابلا من الرشد ، قصص ليس كقصص البشر الذي يعتريه ضعف النقل ، أو شذوذ الغرابة ، أو جموح الخيال ، أو مخالفة المعهود ، ومناقضة سنة الكون .
يروى في بعض الآثار أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ، لو قصصت علينا ، فأنزل الله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) وقالوا : لو حدثتنا فأنزل : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث) وقالوا : لو وعظتنا ، فأنزل : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) .
إن في عالم المعرفة اليوم آلاف القصص بكل لغات البشر ، ولكنها عرضة للتحريف والتزييف والزيادة والنقص ، ثم إنها ليست قطعية في ثبوتها ولا دقيقة في نقلها مع ما يكتنفها من تهويل وتضخيم وتكلف وافتعال ، فبعضها لا حقيقة لها إلا في عقول مصنفيها ، وبعضها له أصل ولكنه أضيف إليه أضعافا مضاعفة من المبالغة حتى مسخ الأصل وشوه ، وبعضها ثابت لكن قدم بأسلوب فاتر وعرض بعرض مشلول .
أما هذه القصة وأمثالها من قصص القرآن فيكفيها سموا وجلالا ورفعة أن الله هو الذي يقصها على عبده المصطفى وحبيبه المجتبى صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ) تنبيه على الاتجاه إلى مصدر المعرفة ومنبع الحقيقة ، والمسلم يتلقى علمه وثقافته من هذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خافه تنزيل من حكيم حميد . وما أدري كيف يصلح شأن أمة تستورد قصصها من مروجي المكر ، وساسة الخداع ، وسماسرة الرذيلة ، وكيف يهتدي جيلها وهو يطاله زبد تلك الأقلام الكافرة بربها ، العاقة لفطرتها ، المتنكرة لمبادئها ؟ *!
ولن نقص عليك قصصا فحسب بل أحسن القصص ، ويرى بعض أهل العلم أن أحسن القصص هنا هي قصص القرآن كله ، فقصصه بالنسبة لعامة القصص أحسن قصص وأوثقها وأجملها وأكملها .
ومن أهل العلم من قال : بل المقصود بأحسن القصص قصة يوسف ؛ لأنها مذكورة في السياق المقدم لها بهذا الاحتفال والتنبيه .
وإن قصة يوسف أحسن قصة بالنسبة لما يماثلها في غرضها ومعناها ، بل كل قصة في القرآن أحسن وأجل من مثيلاتها في غير القرآن ، وقصة يوسف أحسن قصة ، لأن فيها مقاصد الهداية ومعاني الإصلاح وأسرار الفلاح ما يفوق الوصف .
فقصص الناس إما قصة بطولية تهيج النفس الغضبية على الاعتداء وطلب الثأر وحب الانتقام بلا ضوابط ولا أصول ، وإما قصة غرامية تشعل الغريزة وتحرك كوامن الشهوة بلا رادع من تقوى ، ولا وازع من عفاف ، ولا حجاب من صيانة ، وإما قصة غابرة بلا ثقة من ناقل ، ولا اطمئنان إلى صدق ، ولا مراعاة للحقيقة .
قصة يوسف فيها دروس تربوية ترتقي بالنفس في سلم الفضيلة ، وتصعد بالروح في معارج الكمال .
في القصة كيف تكون خاتمة من آمن بالله ، وصدق معه ، وأخلص له ، وصبر على أمره ، ودعا إليه ، وجاهد في سبيله . وفي القصة نهاية المكر ، وعاقبة الكيد المحرم ، والحسد المؤذي ، وفيها انتظار الفرج وحسن الظن بالله ، والفأل الحسن والاستكانة إلى موعوده ، والرضا بأمره ، والسكون إلى اختياره ، والاطمئنان إلى جميل صنعه .
وفيها جلال التقوى ، وجمال العفة ، وحسن مراقبة الله ، وإيثار طاعته والانتصار على النفس الأمارة بالهوى الجارف والشباب المجنح .
في قصة يوسف رؤيا تفسر ، وأحلام تعبر النبي صلي الله عليه وسلم وأمثال تضرب ، وعظات تطرق ودروس تلقى .
في القصة قميص يلطخ بدم ، وقميص يقد من دبر ، وقميص يلقى على الأعمى فيرتد بصيرا .
في القصة رجل يتهم بامرأة ، ورجل يتهم بسرقة ، وذئب يتهم بقتل ، وفيها طفل يصارع الحياة ، وإخوة يغلبهم الحسد ، وأب يبرح به حب ابنه ، وبئر يلقى فيها غلام ، وقافلة تبيع العبيد ، وملك يغفل أمور القصر ، وامرأة يغفلها هواها ، وزنزانة تستقبل داعية ، وشيخ كبير يذهب البكاء ببصره ، وقافلة تعبر الصحراء لطلب المعاش ، وصواع الملك يختفي ، ومحاكمة وشهود ، ومفاجآت ليست في الحسبان .
كل موقف يختم بحبكة ، وكل مشهد ينتهي بقفلة ، وكل رحلة فيها عبرة .
وفي القصة آهات ودموع ، وتفجع وشكوى ، واتهامات وحقائق ، ومكائد ودسائس ، وإهباطات وانتصارات ، وفيها وحشة غائب ، وفرحة لقاء ، وحزن وفرقة ، وسرور اجتماع ، وإسمال فقر ، وهالة ملك ، ونفس أمارة ، ونفس مطمئنة ، نبوة وسلطان ، وحرية ورق ، ونساء وخدم ، حاشية ومستشارون ، وشباب وشيوخ ، بيع وشراء .
قميص من عالم اللباس ، وامرأة في دنيا النساء ، وذئب وسبع بقرات في ارض الحيوان ، وصواع من قسم الأواني .
طفل يقفده أهله ، ويكيده إخوانه ، ويبكيه أبوه ، ثم يباع في سوق الرقيق ، ثم يدخل الخدمة في القصر ، ثم يعيش النكبة في السجن ، ثم ينعم بالملك ، ثم يحضى بجمع الشمل وتمام الأمر وكمال الأمنية ، ثم يموت .
المشاهد تلاحقك أينما اتجهت ، الصور تملأ ناظريك حيثما التفت ، يثب قلبك مع كل مشهد ، ويقفز مع كل حركة .


(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس