السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ الذي أحيانا بعدما أماتَنا وإليه النشور، الحمدُ لله الذي أنعمَ علينا بنِعمةِ الحرية بعدَ زمان مِن الظُّلْم والطغيان، الحمدُ لله الذي أنْعَم علينا بميلادِ دولة جديدة كنَّا قد فقدْنا الأمل فيها.
منذ أنْ قامتْ ثورة يوليو عام 1952 م ونحن نرَى جُلَّ الشخصيات العلمية ذات الكفاءة تُغادر هذا البلد، آلاف العلماء والكفاءات والمتميِّزين غادروا هذا البلدَ إلى بلاد الغرْب، وهناك وجدوا مَن يرعاهم ويعمل على الاستفادة منهم أيَّما استفادة، بلادهم تضعُهم بين خيارين إما أن يرْضَوا أن يكونوا مجرَّد أشخاص عاديِّين لا قِيمةَ لهم في بلدهم، وإما أن يَرْحلوا مِن هذه البلدة.
رحَل عن مصر الآلاف ممَّن صاروا اليوم في أماكنَ قياديَّةٍ في الدول الغربية، ولعلَّ ما وصل إليه الدكتور أحمد زويل مِن مكانة في الولايات المتحدة دليلٌ على ذلك، ومِن هؤلاء العلماء الذين فروا من ظُلم الظالمين وطغيان الطغاة إلى حيث يَجِدون مَن يُقدِّرهم، ويرعى أبحاثَهم ويقوم بتنفيذها، الدكتور صبري الشبراوي جرَّاح وخبير الإدارة العالمي، والدكتور مصطفى السيِّد أول مصري وعربي يحصُل على قلادة العلوم الوطنية الأمريكيَّة، التي تعتبر أعلى وسام أمريكي في العلوم، والدكتور عادل صقر، الذي حصَل على أعلى جائزة صيدلانية في الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وكذلك الدكتور فاروق الباز العالم الجيولوجي، والذي شغل منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بُعْد في جامعة بوسطن في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، والدكتور المعتز بالله عبدالفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وجامعة ميتشجان الأمريكية، وكذلك المهندس هاني عازر المصري، الذي أشرف على بناء محطَّة قطارات برلين أحْدَث محطَّة قطارات في العالم... إلخ.
هذه فقط بِضع أسماء لعلماء مِن آلاف العلماء المصريِّين بالخارج، الذين وجدوا في الخارجِ مَن يعرف قِيمتَهم العلمية، ويضعهم في المناصب التي يستحقُّونها على الرغم مِن كونهم أجانبَ عن هذه البلاد.
في الوقت الذي كانتْ ولا تزال بلادنا تَرْزَح تحت حُكم الظالمين، ويسيطر الفاسدون الفاشلون على مقاليدِ الأمور، وتسوء أحوالُ البلاد يومًا بعد يوم، كانتِ الدول الغربية تستفيد كلَّ الاستفادة مِن خبرات أبناء بلدنا، وفى الوقت الذي يُشرِف فيه علماء مصريون على مناهج التعليم الكندية، فإنَّ مناهج التعليم المصريَّة يضعها ويُشرِف عليها أجهلُ أبناء مصر وأفشلُهم، مِن ذوي المصالح الشخصية والأجندات الهدَّامة، التي تهدف إلى جعْل مصر في مؤخرة العالَم؛ كي لا تقوم لها قائمة، وليس أدلّ على ذلك مِن تعطيل مشروع الدكتور أحمد زويل العلمي، الذي كان يهدف إلى إنشاء جامعة تكنولوجية كبيرة ومراكز أبحاث على أعْلى مستوًى، ولكن التقارير الأمنية التي كانتْ تؤكِّد على شعبية الدكتور أحمد زويل وخطره على نِظام الحُكم حالتْ دون تنفيذ هذا المشروع العظيم.
كثيرٌ من الأمور التي يحتاج المرء أن يتكلَّم فيها عن فترة الظُّلم والطغيان، فترة الانقضاض على كلِّ ثروات مصر ومقدرَّاتها وخبرات أبنائها ومؤهلاتهم، لكن لن نَبكي على اللبن المسكوب، ولن ننظرَ إلى الماضي، إلا لنتعلَّمَ منه، ونستفيد مِن الأخطاء السابقة ولا نُكرِّرها، ونتفادى حدوثَها مرة أخرى.
لقدْ زال الظُّلم، ورحَل نظام الفساد، وحان الوقت الذي نوجِّه فيه الدعوةَ إلى كلِّ أبناء الشرفاء أن يَنفُضوا الغبار عن مشاريعهم البنَّاءة وأفكارهم النهضويَّة، لقدْ حان الوقت الذي نطالب فيه أبناءَ مصر في الخارج بالعودة إلى بلادِهم، حان الوقت لعودةِ هذه الطيور المهاجرة، حان الوقت لأن نضَع كلَّ إمكانياتنا العِلمية في خدمة هذا البلد، الذي يحتاج إلى كلِّ جهد طيب، وإلى صاحب فِكر وعِلم؛ لكي يضطلعَ بِدَوْرِه المنشود في بناء مصر الجديدة، مصر القرن الحادي والعشرين.
فليَعرِض الدكتور أحمد زويل مشروعَه مِن جديد، ولتسخر له كلُّ ما يريد مِن إمكانيات، ويسهر هو على تنفيذِ ذلك المشروع، وكذلك مشروع الدكتور فاروق الباز في تعمير الصحراء وتوصيل المياه إلى مساحةٍ كبيرة منها، وليتقدَّم الدكتور صبري الشبراوي بأفكاره الرائعة، ومنها ما عرَضه في كيفية استغلالِ الودائع الموجودة بالبنوك، وكذلك كل عالِم وكل مَن لديه مشروع بنَّاء يستطيع به أن يخدُمَ هذا البلد أنْ يتقدَّم به؛ ليعمَّ الخير، ولنستثمر تِلك الرُّوح الشبابية التي ظهرتْ في ثورة الخامس والعشرين مِن يناير، ولا يعقل بعدَ اليوم أن نترك أصحابَ الكفاءات والخبرات يخرجون لتنتفع بهم الدولُ الغربية في حين أنَّنا في مصر نُريد كل هذه الخبرات.