أما بعد :
فإن الداعية ليس له حقل واحد
لا يعمل إلا فيه ، بل حقول
متعددة ، وميادين مختلفة
، ومنابر شتى فالدعوة
لا يحدها حد ، ولا يحصرها حصر ، ولا يقيدها قيد. إن الدعوة
تجري في دم الداعية ، يقولها كلمة ، ويصوغها عبارة ، وينشدها قصيدة ، ويدبجها خطبة ،
وينقلها فكرة ،
ويؤلفها كتابا ، ويلقيها محاضرة .
إنها قد تكون مع النفس
محاسبة ومراقبة ،
وتكون مع الأم برا
وحنانا ، ومع الأب شفقة
ورحمة ، ومع الابن
تربية وأدبا ، ومع الجار
إحسانا وبرا ، ومع المسلم مصافاة ومودة ، ومع الكافر دعوة وحوارا .
فهذا إبراهيم الخليل
يتلطف بأبيه (ِ يَا أَبَتِ )،
وهذا نوح ينوح على أبنه )
يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا)(هود: 42)
وهذا مؤمن آل فرعون يعطف على قومه : (ِ يَا قَوْمِ) وهذا مؤمن آل يا سين ينادي وهو في الجنة : (َ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)(يّـس: 26).
إن الدعوة هم لازم ، وواجب
دائم ، فهي معك في
السيارة ، وفي الطائرة ، وفي
السفينة ، وفي النادي ، وفي الجامعة ، والمزرعة ، والمتجر . .
قد تدعو بسيرتك أكثر من
كلامك ، وتدعو بصفاتك
أعظم من خطبك ، وتدعو بخلقك أحسن من محاضراتك .
ليس للداعية وقوف ، سجن يوسف
فدعا في السجن ، وطرد نوح
فدعا في السفينة ، وحوصرا محمد
فدعا في الشعب ، وطوق فدعا
في الغار ، وطردا فأنشأ دولة .
انتظرونا .....