لا تحزنْ ممَّا يُتَوَقَّع
وُجدَ في التوراةِ مكتوباً : أكثرُ ما يُخاف لا يكونُ !
ومعناهُ : إنَّ كثيراً مما يتخوَّفُهُ الناسُ لا يقعُ ، فإنَّ الأوهامَ في الأذهانِ ، أكثُر من الحوادثِ في الأعيانِ .
إذا جاءك حدثٌ ، وسمعتَ بمصيبةٍ ، فتمهَّلْ وتأنَّ ولا تحزنْ ، فإنَّ كثيراً من الأخبارِ والتوقُّعات لا صحَّة لها ، إذا كان هناك صارفٌ للقدرٍ فيُبحثُ عنهُ، وإذا لم يكنْ فأين يكونُ؟!
﴿ َأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44}فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾.
***********************************
نقْد أهلِ الباطلِ والحُسَّادِ
فإنك مأجورٌ – من نقدهمْ وحسدهِمْ – على صبرِك ، ثمَّ إنَّ نقدهُمْ يساوي قيمتك ، ثم إنَّ الناس لا ترفسُ كلباً ميتاً ، والتافهين لا حُسَّاد لهم .
قال أحدُهمْ :
إن العرانين تلقاها مُحَسَّدةً
ولا ترى لِلِئَامِ الناسِ حُسَّادا
وقال الآخر :
حَسَدُوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيَهُ
فالناسُ أعداءٌ لهُ وخصومُ
كضرائرِ الحسناءِ قُلْن لوجهِهَا
حسداً ومقتاً إنهُ لذميمُ
وقال زهيرٌ :
مُحسَّدُون على ما كان من نِعَمٍ
لا ينزعُ الله منهمْ ما له حُسِدوا
وقال آخرُ :
همْ يحسدوني على موتي فوا أسفاً
حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ
وقالُ الشاعرُ :
وشكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تجدْ
ذا سؤددٍ إلا أُصيب بحُسَّدِ
لا زلت ياسِبط الكرامِ محسَّداً
والتافهُ المسكينُ غيرُ محسَّدِ
سألَ موسى ربَّ أنْ يكفَّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : (( يا موسى ، ما اتخذتُ ذلك لنفسي ، إني أخلقُهم وأرزقُهُمْ ، وإنهم يسبُّونَنِي ويشتُموننِي )) !!
وصحَّ عنهُ r أنهُ قال : (( يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : يسبُّني ابنُ آدمَ ، ويشتمني ابنُ آدم ، وما ينبغي له ذلك ، أمَّ سبُّه إياي فإنهُ يسبُّ الدهر ، وأنا الدهرُ ، أقلِّبُ الليلَ والنهارَ كيف أشاءُ ، وأما شتمُه إياي ، فيقولُ : إنّ لي صاحبةً وولداً، وليسَ لي صاحبةٌ ولا ولدٌ)).
إنكَ لنْ تستطيع أن تعتقل ألسنةَ البشرِ عن فرْي عِرْضِك ، ولكنك تستطيعُ أن تفعلَ الخيرَ ، وتجتنب كلامهم ونقدهم .
قال حاتمٌ :
وكلمةِ حاسدٍ منْ غيرِ جرْمِ
سمعتُ فقلتُ مٌرّي فانفذيني
وعابوها عليَّ ولم تعِبْني
ولم يند لها أبداً جبيني
وقال آخرُ :
ولقدْ أمرُّ على السفيهِ يسُبُّني
فمضيتُ ثَمَّة قلتُ لا يعنيني
وقال ثالثٌ :
إذا نَطَقَ السَّفيهُ فلا تُجِبْهُ
فخيرٌ مِنْ إجابِتِه السكوتُ
إنَّ التافهين والمخوسين يجدون تحدِّياً سافراً من النبلاءِ واللامعين والجهابذةِ .
إذا محاسني اللائي أُدِلُّ بها
كانتْ ذنوبي فَقُلْ لي كيف أعتذرُ؟!
أهلُ الثراءِ في الغالبِ يعيشون اضطراباً ، إذا ارتفعتْ أسهمُهم انخفضَ ضغطُ الدمِ عندهم ، ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ{1} الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ{2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ .
يقولُ أحدُ أدباءِ الغَرْبِ : افعلْ ما هو صحيحٌ ، ثم أدرْ ظهرك لكلِّ نقدٍ سخيفٍ !
ومن الفوائدِ والتجاربِ : لا تردَّ على كلمةٍ جارحةٍ فيك ، أو مقولةٍ أو قصيدةٍ ، فإنَّ الاحتمالَ دفنُ المعايبِ ، والحلم عزٌّ ، والصمت يقهرُ الأعداء ، والعفو مثوبةٌ وشرفٌ ، ونصفُ الذين يقرؤون الشتم فيك نسوهُ ، والنصفُ الآخرُ ما قرؤوه ، وغيرهم لا يدرون ما السببُ وما القضيةُ ! فلا تُرسِّخْ ذلك أنت وتعمِّقهُ بالردِّ على ما قيل .
يقولُ أحدُ الحكماءِ : الناسُ مشغولون عني وعنك بنقصِ خبزِهم ، وإنَّ ظمأ أحدِهم ينُسيهم موتي وموتك .
بيتٌ فيه سكينةٌ مع خبز الشعيرِ ، خيرٌ من بيتٍ مليء بأعدادٍ شهيةٍ من الأطعمةِ ، ولكنه روضة للمشاغبة والضجيج .