وبعد : فإن هذه الأدلة القاطعة على صحة حدوث الافتراق في الأمة ، ابتلاءً وفتنة وأنه من سنن الله التي لا تتبدل ، وأن الافتراق كله مذموم ، وعلى المسلم أن يعرفه ، ويعرف أهله ، فيجنب مواطن الزلل )) [1].
وطالما أنَّ الاختلاف والافتراق واقع لا محالة لإخبار النبي ( r ) بذلك ، وشهود الواقع بهذا !! فهل يعني هذا أنه يجوز لنا أن نركن إلى هذا الواقع المرير ويختار كل واحد منا حزباً يتحزب به و ينتمي إليها ، و طائفة يتقوقع فيها ؟!! بحجة أنَّ النبي ( r ) قد أخبر بذلك !!
الجواب : لا , فليس هذا هو مراد النبي ( r ) من أخباره بحديث الافتراق ، ولا يدل عليه لا من قريب ولا من بعيد ، وإنما مراده ( r ) تحذير أمته من إتباع سبيل الهالكين من الأمم السابقة وسلوك مسالك الإختلاف والافتراق الوعرة .
بدليل التهديد والوعيد الشديدين لمن يتبع طريقـاً غير طريق النبي ( r ) وطريق أصحابه ( رضوان الله عليهم ) ، قال تعالى } وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً { [النساء : 115] .
فإذا كان الأمر على هذا النحو من الأهمية والخطورة فما علينا إذن إلا أن نبحث عن الفرقة الناجيـة من بين هذا الكم الهائـل من الفرق الهالكة ، كالذي أيقن أنَّ العمر محدود وإذا جاء الأجل فإنه لا يقدم ولا يؤخر ، ولكنه في الوقت نفسه عليه البحث عن أسباب النجاة إن أُصيب بخطر يهدد حياته .
إذن مراد النبي ( r ) من إخباره بافتراق أمته تحذير ووعيد من الاختلاف والافتراق ووجوب اعتزال تلك الفرق والأحزاب عند وقوعها وعدم وجود جماعة للمسلمين تجمعهم ، وأمام يقودهم ، بدليل حديث حذيفة بن اليمان ( رضي الله عنهما ) .
فعن حذيفة ( رضي الله عنه ) قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .
( 19 ) الافتراق مفهومه أسبابه وسبل الوقاية منه : 12 ، للشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل