أنزل القرآن ليكون هدى، ولذلك ذكرت الهداية في " الفاتحة " وفي أول سورة البقرة { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }، وتلاوة القرآن إذا خلت من هذا المعنى فقدت أعظم مقاصدها، فعلى التالي للقرآن أن يستحضر قصد الاهتداء بكتاب الله والاستضاءة بنوره، والاستشفاء من أدوائه بكلام ربه، ولا يقتصر على مجرد تلاوة الحروف: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ } [البقرة:185]. [د. محمد الخضيري]
سؤال يحتاج إلى تدبر: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}[الكهف:74]. استدل بهذه الآية طائفة من العلماء على أن الغلام كان بالغا، واستدل آخرون بنفس الآية على أنه لم يكن بالغا. الذين قالوا: إنه لم يبلغ، فاستدلوا بوصف النفس بأنها: {زكية} أي: لم تذنب، واحتج من قال: إنه بالغ، بقوله: {بغير نفس} فهذا يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس، وهذا يدل على أنه بالغ، وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس. [ابن عطية]
حينما تهم بالنفقة، ثم تغل يدك خشية الفقر؛ فاعلم أن الشيطان قد نفذ المهمة: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}[البقرة:268] [إبراهيم السكران]
في سورة الكهف قال الخضر في خرق السفينة: { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } وفي قتل الغلام: { فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا } وفي بناء الجدار: { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا } فلماذا غير في نسبة الأفعال في كل واحدة؟ في قصة الخضر لما كان المقصود عيب السفينة قال: { فَأَرَدتُّ } فأضاف العيب لنفسه لا إلى الله تأدبا معه، ولأن نفس العيب مفسدة، ولما قتل الغلام قال: { فَأَرَدْنَا } بلفظ الجمع، تنبيها على أن القتل كان منه بأمر الله، وله حكمة مستقبلية، ولأنه مصلحة مشوبة بمفسدة، ولما ذكر السعي في مصلحة اليتيمين قال: { فَأَرَادَ رَبُّكَ } فنسب النعمة لله لأنها منه، ولأنها مصلحة خالصة. (تفسير الخازن)
في قوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} [العاديات:6] قال قتادة والحسن: الكفور للنعمة .[الدر المنثور] وفي هذا تسلية للمرء إذا وجد قلة الوفاء من الخلق، فإذا كان جنس الإنسان كنودا جحودا لربه؛ وهو الذي أوجده وأكرمه، فكيف لا يكون فيه شيء من ذلك الجحود مع سائر الخلق وهم نظراؤه وأقرانه؟
تأمل كيف أن زكريا عليه السلام لم يكتف بطلب الولد بل قال: { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [آل عمران:38]، وقال: { وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا } [مريم:6]، "والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة". [القرطبي]
الجنود التي يخذل بها الباطل، وينصر بها الحق، ليست مقصورة على نوع معين من السلاح، بل هي أعم من أن تكون مادية أو معنوية، وإذا كانت مادية فإن خطرها لا يتمثل في ضخامتها، فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش عظيم: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} [المدثر:31] [محمد الغزالي]
{قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} [الجمعة:11] أطلق العنان لخيالك، واستعرض ما شئت من أنواع اللهو والتجارة التي ملأت دنيا الناس اليوم ... كلها - والله - لا تساوي شيئا أمام هبة إلهية، أو منحة ربانية تملأ قلب العبد سكينة وطمأنينة بطاعة الله، أو قناعة ورضا بمقدور الله، هذا في الدنيا، وأما ما عند الله في الآخرة فأعظم من أن تحيط به عبارة.
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47] من هذا قطعا تعلم أن شأن المعاملة مع الله ومع خلقه عظيم عظما لا يعرف قدره إلا الرجل العاقل، فإن عليها يترتب غضب الله وعقابه، أو رضاه والنعيم المقيم، وشيء هذا قدره لا يتوقف ولا يتردد في بذل العناية به رجل بصير. [ عبدالعزيز السلمان ]
الموفق من الناس من يجتمع له التفكر في آيات الله الكونية، وتدبر آيات القرآن، فالخارج للبر - مثلا - يحصل له ذلك حين يرى آثار رحمة الله بإحياء الأرض بعد موتها، فيذكره بقدرة الله على إحياء الموتى، فيعتبر عندها بقوله سبحانه : { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الروم:50]
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات:40-41] يحتاج المسلم إلى أن يخاف الله وينهى النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه - إذا لم يتسبب فيها - بل على اتباعه والعمل به، فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله وعملا صالحا، و ( مَقَامَ رَبِّهِ ) أي قيامه بين يديه تعالى للجزاء. [ابن تيمية]
{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل:98] وفائدة الاستعاذة : ليكون الشيطان بعيدا عن قلب المرء - وهو يتلو كتاب الله - حتى يحصل له بذلك تدبر القرآن وتفهم معانيه، والانتفاع به؛ لأنك إذا قرأته وقلبك حاضر حصل لك من معرفة المعاني والانتفاع بالقرآن ما لم يحصل لك إذا قرأته وأنت غافل، وجرب تجد. [ابن عثيمين]