{ إن شانئك هو الأبتر } [الكوثر:3] من شنآن النبي شنآن دينه، وعلق ابن تيمية على هذه الآية فقال : الحذر الحذر أيها الرجل، من أن تكره شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ترده لأجل هواك، أو انتصارا لمذهبك، أو لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات، أو بالدنيا، فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله.
قال تعالى : {الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى} [الأعلى : 12- 13] كلما أصاب مسلم لفح الحر تذكّر النار التي لا أكبر منها، فإن شدة الحر من فيح جهنم، وكذلك فإنه لا يفر من حر بلاده إلى مصايف يعصي الله تعالى فيها ويفتن أهله وولده، فيكون كالمستجير من رمضاء الدنيا بنار الآخرة، بل كلما ذكّرته نفسه الحر ذكّرها بقوله تعالى : {قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} [التوبة : 81]
من أجمل صفات المؤمنين : استعمال الأدب مع الله تعالى حتى في ألفاظهم؛ فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله : {فأردت أن أعيبها} [الكهف:79]، وأما الخير فأضافه إلى الله بقوله: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك} [الكهف:82]، وقال إبراهيم عليه السلام: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء:80]، فنسب المرض إليه والشفاء إلى الله، وقالت الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [الجن:10] مع أن الكل بقضاء الله وقدره. [السعدي]
لو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره، لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي، والملكان يحفظان عليه ذلك : {أحصاه الله ونسوه} [المجادلة:6] [أبو حامد الغزالي]
{فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} [هود:81] والحكمة من نهيهم عن الالتفات ليجدّوا في السير، فإن الملتفت للوراء لا يخلو من أدنى وقفة، أو لأجل أن لا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فترق قلوبهم لهم. [الألوسي] وفي ذلك إشارة للمؤمن أن لا يلتفت في عمله للوراء إلا على سبيل تقويم الأخطاء؛ لأن كثرة الالتفات تضيع الوقت، و بما أورثت وهناً.
يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء، فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثرا للإجابة، ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس؛ لعلمه أن ربه أعلم بمصالحه منه؛ أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام؟ بقي ثمانين سنة في البلاء، ورجاؤه لا يتغير، فلما ضم بنيامين بعد فقد يوسف لم يتغير أمله، وقال : { عسى الله أن يأتيني بهم جميعا } [يوسف:83] فإياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء. [ابن الجوزي]
إذا رأيت وقتك يمضي، وعمرك يذهب وأنت لم تنتج شيئاً مفيداً، و لا نافعاً، ولم تجد بركة في الوقت، فاحذر أن يكون أدركك قوله تعالى : {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً} [الكهف:28] أي انفرط عليه وصار مشتتاً، لا بركة فيه، وليعلم أن البعض قد يذكر الله؛ لكن يذكره بقلب غافل ، لذا قد لا ينتفع [ابن عثيمين]
{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد : 17] قال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله، احتملت القلوب من الوحي على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فما ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله. [الدر المنثور]
إذا تأملت قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء : 101] وأضفت له قوله تعالى : {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد : 10] تبين لك أن الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا؛ لأنه وعد أهل الحسنى بالإبعاد عن النار، وأخبر أن الصحابة سواء من أسلم قبل الفتح أو بعده موعود بالحسنى. [ابن حزم]
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف : 28] هل تدبرنا لمن وجه هذا الخطاب؟ وكيف أن الذين طولب بصحبتهم أقل منه منزلة! بل وحذره من تركهم طلبا لزينة الحياة الدنيا! إنه لدرس بليغ في بيان ضرورة مصاحبة الصالحين، والصبر على ذلك، وأن الدعوة إنما تقوم على يد من قويت صلتهم بربهم، ولو كان حظهم من الدنيا قليلا! [د. عمر المقبل]
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} إذا كانت الإقامة في القبر مجرد زيارة مع أنها قد تمتد آلاف السنين، فبم نصف إقامتنا في الدنيا التي لا تتجاوز عدد سنين؟ تأمل {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ} [المؤمنون : 113] فيا طول حسرة المفرطين