عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2008, 04:19 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفنون التشكيلية في العالم العربي (3)


كما ذكرنا فقد بدأ الاهتمام بالفنون التشكيلية بمفهومها المعاصر والحديث مع ضوابط وتنظيمات وتخطيطات

المستعمرين تحكمه مقايسهم الجمالية.. بل قد تتعدى ذلك إلى اعتبار الشرق بكل ما فيه من تراث فني غني متخلفا بالقياس مع فنون الغرب وهو أمر نرفضه تماما قد يكون ظاهر الأمر بالنسبة للمستعمرين مختلفا عن فهمه الحقيقي لقيمة الشرق.
ومنذ عهد الدولة العثمانية وفتحها باب ورود الكفاءات والخبرات الغربية في مجالات الثقافة والتربية والاقتصاد والإدارة والاعتماد عليها في إنقاذ سيطرتها وسلطانها لم يتمكن الفنانون من التخلص من الخضوع لهذه الضغوط وتتابع السنوات وتصبح المنطقة العربية تحت ظل الانتداب والاحتلال من دول أوروبا والتي عملت على تجزئة الثقافة والتربوية على المجتمع ولم تتمكن الشعوب العربية بثوراتها التحررية المتتابعة من التخلص من هذا الإرث المفروض عليها بالرغم من حصولها على الاستقلال وعندما ظهرت مدارس تعليم الفن اعتمدت على مدرسون غربيون كانوا يعدون خلفائهم من أبناء الوطن وقد حملوا لواء أساتذتهم وفنونهم وثقافتهم وحتى فلسفاتهم التعليمية ومناهجهم التربوية ولم يسمح لهم بالالتفات أو الاهتمام بالتراث العربي لتدارسه وسبقوهم لدراسته باعتباره لا يتعدى حدود الصناعات الحرفية دون التأكيد على قيمته الفنية وما يحمله من جذور وأصول لها أصالتها وقوتها وتطورها والتي كان من الممكن في هذه المرحلة من أن تكون بداية طريق جديد لظهور هوية فنية وشخصية عربية متميزة.. ولكن فات هذا الزمان وما زلنا نسمع ونقرأ أن ما فات والعودة قد تكون تأخير واجترار لا مرد له معتمدون في آرائهم على نظريات غربية كانت تحكمها استمرارية تطورية لا تتوائم أو تتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا فخير لنا أن نتمسك بأصول لنا من أن نجري وراء غيرنا لاهثون تابعون دون هوية أو شخصية وهذا في مجال الثقافة والعلوم الإنسانية ناسين أن تاريخ حضارة الإنسان في أي مكان من الأرض هي ملك للإنسانية وان شعوبنا كانت مركزا لحضارات عظيمة دفعت وأعطت وأدت إلى حضارات الغرب التي ورائها الآن 00 لست أدعو إلى رجوعية مسطحة إلى الماضي فهي عودة محددة الدفع 00 ولكنني أدعو إلى وقفة ثقة في تراثنا نمسك بأصوله لنعبر بها نحو مستقبل جديد نصنع نحن أبجدياته وهويته.


ويأخذنا هذا الحديث إلى مفهوم الأصالة وأنا لن أتطرق إلى الآراء التي تحدثت عن هذا الموضوع ولكنني سأوضحها من وجهة نظري00 فليست هناك دعوة إلى الأصالة أو إلى التراث فالأصيل والحقيقي لا يحتاج دعوة والفنان المبدع الصادق يحق ذاته دون حاجة إلى نبش الماضي فهو جزء منه أدرك ذلك أو لم يدركه قد تأخذه تيارات دخيلة فتبعده عن أصوله ولكنه عندما يعود إلى مجتمعه والى ضوابطه الاجتماعية الحياتية وتقاليده وروابطه، وكلها أمور ترتبط بمزاجية خاصة وبحاجات عاطفية وجمالية تختلف من مجتمع لاخر حسب تاريخه وتراثه الحضاري - فانه سوف يدرك أن ذلك اقرب الى نفسه يحقق له التوازن والانضباط باعتباره جزء من كل هو مجتمعه وعشيرته والإنسانية قاطبة بعد ذلك 0 لم يتمكن الفنانون الرواد من فهم حقيقة المرحلة التي كانوا يعايشونها واندفعوا وراء التقليد وان كنا نستشعر في أعمالهم درجة من الصدق قد لا تتعدى معالجتهم لمواضيع محلية والاهتمام بطبيعة بلادهم وبيئتهم وأنا ضد وضع مخطط لكيفية الخروج من الأزمة فهو اتجاه نحو المنهجية المحدودة التطبيق فالفنان المبدع 00 طاقة وحرية وصدق ينفر من الدفع حتى لو كان بالنوايا الطيبة.
أن قيامنا بمحاولة تتبع حركة الريادة في الفن التشكيلي في عالمنا العربي لا بد وان تأخذ في الاعتبار مفهوم لغة الشغل في التعبير المبدع عند الفنان رافضين فكرة مجالات الإبداع الفني العربي لا يمكنها أن تتعدى حدود الصناعات والحرفية إلى اعتبارها لغة مجردة لها مذاقها الخاص والتي يمكنها أن تخاطب الإنسان في كل مكان محملة بكل ما وصل إليه الإنسان العربي المعاصر من معرفة وثقافة وعلم واجد نفسي مضطراً بالبدء بمصر باعتبارها اسبق من غيرها في الدخول في مرحلة البحث عن الذات في مجالات الفنون التشكيلية.


لم تبدأ حركة الريادة في الفن التشكيلي المصري الا متأخراً بالقياس لدول الغرب وذلك كغيرها من الدول العربية حيث لم تتعدى الأشكال المزدهرة حين ذلك حدود الصناعات الحرفية في صعيد مصر ودلتاها والموروثة عن الأجداد وذلك في النسجيات وصناعة الأدوات المنزلية الفخارية والمعدنية وفنون العمارة الشعبية في الوجه القبلي والنوبة بتقاليدها وقواعدها المعمارية المرتبطة إلى حد ما بدرجة من النقاء المتصل بنفس هذه الأصول في التاريخ القديم ومع إنشاء مدرسة الفنون الجميلة 1908 بدأت أنشطة الفنون التشكيلية بنتاجات طلاب هذه المدرسة (1910-1912) وخريجها والتي لم تتعدى في ملامحها الأساسية حدود المدارس الفنية الفرنسية والإيطالية تأثرا بأساتذة هذه المدرسة وتوجيهاتهم وحتى برعاية جمعية محبي الفنون الجميلة والتي أنشأت في هذه الفترة وقد كان من أهم فناني وخرجي هذه المرحلة الفنان النحات محمود مختار والمصورون محمد حسن ويوسف كامل وراغب عياد .. وبالرغم من أن موضوعاتهم كانت مأخوذة ومستلهمة من البيئة المصرية إلا أنها كانت تؤدي بأساليب غربية قد نستشعر في بعضها إحساس طبقي ولكنه في النهاية ذو مذاق جديد ورؤية متميزة اقرب إلى المصرية من مثيلاتها في أعمال المستشرقين وغيرهم من الفنانين الأجانب والذين كانوا ينافسونهم في المعارض المختلفة.
ولم تحرم الإسكندرية من حركة الريادة في مصر 00 وقد تميز فنانوها بانتماء وأصالة اكثر وضوحاً ونقاء، وتمت تجاربهم في أحضان هذه المدينة العريقة ذات الطبيعة المميزة والأحياء العتيقة والتاريخ القديم فكانت نتاجات فنانيها الرواد اكثر انتماءاً ومن أهمهم محمود سعيد ومحمود ناجي وجورج صباغ وغيرهم.. ونقلت لنا أعمالهم عادات وتقاليد شعبية متنوعة بألوان بحرية دافئة فجمعت بين التسجيل الذكي والحس التشكيلي الخاص حتى أننا نستطيع أن نقول بوجود مدرسة سكندرية مازالت مستمرة حتى اليوم. لم يكن نصيب سوريا مختلفا عن مصر في حركة الريادة فقد بدأت أيضا متأثرة بالتيارات الغربية وان كانت غالبية مواضيعهم تميل إلى تسجيل التاريخ العربي والتراث والبيئة العربية والإسلامية بمعالجات غربية تنوعت أعمالهم ولكنها احتفظت بمذاق خاص يمكن تمييزه وان كانت اكثر قربا من زملائهم في لبنان وتركيا من أهم روادهم طارق وميشيل كرشه وعبدالوهاب ابوالسعود وسعيد تحسين ثم تبعهم الجيل الثاني من الرواد والذين لم يخرجوا كثيرا عن مسار من سبقهم واصبح طريق القدوة متصلا وحاملا لنفس صفات الرواد بإيجابياته وسلبياته أما في العراق فقد استمرت موجة التأثر بالمدارس الغربية اخذ بمنهج التبعية والافتنان بحركة تطور الفن في أوروبا وان كانت اغلب مواضيعهم تتركز على البيئة وهو الأمر الذي أشرنا إلى أهميته لما يحويه من حنين واضح للطبيعة والتراث والذي أدى بقدر الصدق فيه إلى خصوصية تحمل قلبا عربيا له جذوره الحضارية من أهم روادهم والذين يعتبرون روادا أيضا بالنسبة لبعض البلاد العربية المجاورة لهم الفنان عبد القادر رسام والحاج الموصلي وابنه والفنان جواد سليم ثم فائق حسن والذي اعتبر رائدا للفن الحديث في العراق بعد ذلك حيث كان أهم الفنانين العراقيين الناقلين لأساليب الفن في أوروبا إلى وطنه طبقا لدراسته باكاديمياتها 00 وقد نظم نشاط الحركة التشكيلية هناك من خلال التجمعات والجمعيات الفنية مثل جماعة الرواد وجمعية أصدقاء الفن 1941.


لم نحاول تتبع حركة الريادة في التجمعات العربية أن ندخل في التفاصيل قدر اهتمامنا فيها عن قدوة نأخذ بها وقد يوصلنا ذلك إلى اكتشاف نوع من الوحدة واضحة المعالم مع ملامح إقليمية أقل وضوحا فلبنان مثلا كانت أقرب إلى مدارس الغرب وأكثر المجموعة العربية تأثراً أو خذا بها لاعتبارات اجتماعية وجغرافية، من أهم روادها نجيب يوسف شكري وعبد الله مظهر ونعمت الله المعادي وجمال الفيروني ثم داوود القرم وحبيب سرور وقيصر الجميل وغيرهم.
اشتركت الأردن وفلسطين في ظروف سياسية متشابهة أدت إلى تأخر ظهور حركة الريادة فيها وان كان ذلك لم يمنع من ازدهار أشكال الفن الشعبي والحرفي المرتبط بالبيئة والطبيعة والعادات والتي أخذت مكانها بعد ذلك باعتبارها ملهما ومثيرا لفناني هذه المنطقة من العالم العربي وسعى الرواد كغيرهم إلى معرفة أسرار الفن الغربي الحديث بمراحله المختلفة وان بقيت أعمالهم تحمل روح وطبيعة مجتمعاتهم المتأثرة بتراثهم الشعبي وعليه فان القدوة هنا بالنسبة لفناني اليوم سوف تعود إلى الأصول اكثر من عودتها إلى الرواد.
إذا اتجهنا إلى المغرب العربي فإننا لن نجده أكثر حظا في تخلصه من التأثيرات الغربية والفرنسية والإيطالية والأسبانية بالتحديد فقد لعب الاستعمار دوراً هاما في نقل ثقافة أوروبا إلى تونس والجزائر والمغرب وليبيا فأخذوا بها ولكن ذلك أيضا لم يمنع تواجد ضمني يرتبط بشواهد ودلائل حضارية هي جزء من تاريخ متداخل بين المغرب العربي وعصوره الإسلامية وأوروبا 00 ففي تونس اقترنت أصول الفنون الشعبية والحرفية بمواضيعها وقصصها بتجارب الفنانين ونذكر منهم على سبيل المثال الفنان يحيى التركي حيث كانت مراحل تطور تجربته الفنية ترتبط بمتابعته للزوار من الفنانين الفرنسيين ثم بتوجهه لتكملة دراسته في بلادهم وتتابعت تجارب الفنانين في نفس المسار تتحدث بلغة غربية عن مظاهر الحياة في بلادهم حاملة حنينا وعشقا لم تستطع أن تحمله أعمال المستشرقين من الفنانين الغربيين. عند استعمال لفظ لغة الشكل اجدنى مضطرا لتفسير أن ما وصل إليه الغرب من تطوير لها وتنويع لا يورثها تماما لهم فهي لغة مطلقة ومجردة يمتلك نواصيها كل فنان حر أصيل وأهم وظائفها الناقلة لأحاسيس الفناين هي تبعيتها لمذاجية


جمالية خاصة تعمل مختزنات الفنان بكل جوانبها في تحديد هويتها وتصبح بذلك تعبيراً عن مجتمع بعينه له تاريخ وتطوره 00 قد تختلف التعاملات البصرية التشكيلية بين فنان وآخر في المجتمع الواحد لمجرد تغير مكونات شخصيته المرتبطة ببيئته الجزئية والتي تكون عادة تابعة لهوية شمولية هي لمجتمعه ووطنه ثم تتسع إلى منطقته ثم إلى الإنسانية قاطبة، تقطع استمرارية الاتصال هنا معابر مستمرة بين كل أنحاء الوطن الأم وهو الكرة الأرضية في هذه الحالة.
عند فهمنا لذلك ندرك أن محاولتنا الاقتراب من حركة الريادة في الفنون لا بد وان نكتشف عند تتبعها فكرة الاتصال والتوصيل هذه فتونس والجزائر وليبيا لن تبتعد كثيراً عن المغرب والكل أيضا لن يخرج عن انتمائهم إلى العالم العربي والإسلامي والذي له الفضل في توحيد الكثير من الصفات الاجتماعية والإنسانية لهذه الشعوب.. وتبقى دائما الحرف والفنون الشعبية والصناعات التطبيقية والتي تستطيع أن تنتقل من مكان إلى آخر بسهولة ومرونة لتصبح كحبات مسبحة تتصل في تسلسل منظم 00 لقد كان لاقتراب المغرب من أوروبا واتصالها المباشر مع أسبانيا وفنونها المهجنة مع فنون أوروبا اثر في تميز واضح لتجارب روادها، من أهمهم احمد رباطي الطنجي ومحمد السغيني ومريم مزيان واحمد الشرقاوي والجبلاني 00 وكان فناني الجزائر والآخذين بدرب زملائهم اكثر حيرة عند مواجهتهم محاولة التزاوج بين تراث عربي إسلامي ونهضة غربية فرنسية أتت إليهم ورحلوا إليهم لها تحت ظروف التحرر المميت(( واجه هذا الصراع روادهم محمد راسم ومحمد ازميرلي والفنانة بايه 00 وغيرهم وكان على الفنانون الشبان أن يمسكوا بزمام الصراع تخليص تجاربهم من المزج الذي يخفي جوهر شخصيتهم وهي يعاني منها المجتمع الجزائري بشكل عام.
لقد عانت السودان الشقيقة ما عانته زميلاتها في العالم العربي وجاءت حركة الريادة وتحرير الشخصية الفنية متأخرا بالرغم من كونها تحمل تراثاً شعبيا عظيما ومتميزا والذي كان أحد العوامل الهامة في تطور مدارس الفن الحديث في أوروبا 00 من أهم روادها إبراهيم الصلحي ومحمد شبرين واحمد عبدا لعال وغيرهم.
ننتقل الآن ونحن نتبع رواد الفن التشكيلي في العالم العربي لنأخذ منه القدوة إلى شبه الجزيرة العربية وهي آخر المطاف وهي الممثلة في مجموعة دول مجلس التعاون وقد ذكرت ذلك لان وحدتها أمر منطقي من جميع النواحي وأهمها بالنسبة لنا الناحية الثقافية والفكرية وعاداتهم وتقاليدهم المشتركة والتي تجعل من تجارب فنانيهم مرآة تعكس كل أصولهم الحضارية 00 بدا حركة الفن التشكيلي في هذه البلاد متأخرة عن زميلاتها من الدول العربية ومتأثرة بها


وكانت مجالات ظهورها متمثلة في الأنشطة الطلابية في الخمسينات والستينات 00 لعب المدرسون العرب دوراً هاماً في توصيل معاناة الحركة التشكيلية العربية إليهم بكل ما فيها من تأثرات وقضايا بل ومن مناهج لصقل ا لمواهب الفنية وأصولها الغربية وبذلك فقد دخلوا طريق التمغرب منذ بداية حياتهم التشكيلية الحديثة وهم في الواقع اقل شعوب المنطقة العربية انسياقاً وراء الغرب بسبب عملية التوصيل المهجنة التي قام بها الموجهون العرب ولكنهم لا يدركون ذلك، وكان التحول الاجتماعي المفاجئ سببا في انحرافهم تحت وطئت التطلع إلى الغرب بمزيد من الانسياق 00 وتبعا لان تجاربهم مازالت في طور التكامل يصبح الأمل في التخلص من المؤثرات والأحكام الغربية النقدية قريبا لو لم يندفعوا في صراعات الفنان من اجل إثبات وجوده بين أبناء وطنه.
لقد بدأ نشاطهم في المجالات المدرسية كما قلت ثم بدأ في التحول نحو التخصص والاحتراف بالتدريج ولعبت الدولة ومؤسساتها في مجمعاتهم دورا هاماً في ذلك، جاءت دولة البحرين سابقة لزميلاتها وقد يكون ذلك راجعاً لاختلاف أصول تكوينها الحاضر ثم تلتها دولة الكويت البلد المنظم لتجمعات تشكيلية متعددة ثم قطر فالمملكة العربية السعودية فدولة الإمارات ثم سلطنة عمان 00 ولن أطيل في الحديث عن الحركة في هذه البلاد والتي استطاع بعض فنانيها من الوقوف إلى جانب زملائهم في العالم العربي اليوم متكافئين معهم في مواجهة المتغيرات والظروف التي يواجهها المجتمع العربي من جميع النواحي لتصبح قضية القدوة عامة شاملة فرواد مصر والعراق والمغرب العربي هم رواد الحركة العربية في الفنون التشكيلية وتجنب السلبيات التي وقعوا فيها والأخذ بالإيجابيات أمر مفروض على كل الشباب والأجيال التي تلتهم في عالمنا العربي.
من الواضح إن فناني شبه الجزيرة قد أدخلونا بسرعة في الفن العربي المعاصر ولكن ذلك لم يمنع من وجود رواد واجهوا المرحلة الأولى في نشأة الحركة التشكيلية في بلادهم من أهمهم الأخوين العريفي والمحرقي والعريض وعلي الشيخ بشير في دولة البحرين وتتابعت المحاولات الشابة بعد ذلك.



وجاء الدوسري وأيوب حسين والقطان وطارق السيد فخري والأنصاري من دولة الكويت وجاسم الزيني والملا والكواري بدولة قطر ومحمد السليم بالمملكة العربية السعودية وعبد القادر الريس وغانم الهاجرى وحسين شريف بدولة الإمارات ثم ننتقل إلى سلطنة عمان وهي هنا تسير في ركب الحركة في منطقتها. وكذلك دولة اليمن ونذكرهما هنا لنحمل فنانيها مسئولية العبور نحو المستقبل بدافع من الانتماء إلى تراث عريق في السنوات البكر لمولد حركة تشكيلية معاصرة في بلادهم ونذكر من دولة اليمن الفنان فؤاد الفليح وعلوي طاهر وسالم باذيب وفاروق الجفري وعلى جذافي.
نخرج من هذا العرض السريع المختصر لحركة الريادة في مجتمعنا العربي بعدة نتائج هامة نستعرضها كآلاتي :
أولا : إن روادنا تجمعهم ظروف متشابهة وساروا في طريق واحد ونحو تحقيق شخصيتهم الفنية وان كان ذلك على مسافات زمنية مختلفة وبتفاوت في هذا التحقيق 00 وإذا كان الطريق يكن ممهدا في بدايته ومنجرفا نحو الغرب في مساره فلعلنا نستطيع عند الأخذ بمبدأ القدوة أن نتجنب بعض التعثرات إذا أدركناها.
ثانيا : تشتت طاقاتهم الإبداعية بين ارتباطهم بأصولهم وتراثهم وبين تبعيتهم لأساتذتهم ومدارس واتجاهات الفن في أوروبا وقد نجد لهم مبررا لهذا التشتت فمجتمعاتهم كانت تمر بنفس الصراعات وهم يعبرون عنها بكل الصدق.
ثالثا: واجه هؤلاء الرواد مجتمع تتصارع طبقاته للتظاهر بالتحضر مكتسحة أمامها تاريخها العريق وتراثها الغني دون إدراك لخطورة ذلك في المستقبل.
رابعا : كان مخطط المستعمر حصر الطاقات الإبداعية في إطار الصناعات الحرفية والشعبية دون الاهتمام بتنمية الإبداع الحر المتطور لما يحمله من إمكانية الرفض والثورة على ما يقيد حريته وحرية مجتمعة. وكما يبدو لي فقد أدرك المستعمر المخزون والطاقة المبتكرة التي يحملها فناني المجتمعات العربية المسلمة في قلوبهم وكيف أن ازدهار ونمو هذه الشريحة من المجتمع سوف تكون قوة دافعة نحو الاستقلال الثقافي والفكري وهم يدركون خطورة هذا فقتلوا كل ما يمكن أن يدفع إلى ذلك واحلوا محله ثقافتهم وفكرهم ولكنهم لحسن الحظ لم يتمكنوا من القضاء على جذوره الممتدة في تراب وطنه عميقة عمق التاريخ نفسه وما يملا قلوبهم من أيمان عميق وإحساس بضرورة التمسك بكل ما هو حق وخير فبدأ ينيب براعم جديدة تحتاج إلى الكثير من الرعاية والحماية لتنمو في مناخ فكري وثقافي أصيل ومتطور.
إن تعرفنا على البدايات الرائدة وما واجهته من صعوبات 00 لن يعطينا القدوة التي نحن بحاجة إليها، فظروفهم تختلف عن ظروفنا وغزو الغرب لبلادنا في ازمنتهم كان له دوافعه ومخططاته 000 ولكن غزو اليوم اصبح اكثر تعقيدا وغموضا يتسرب إلى المجتمع بطرق عديدة غير مباشرة قد نجد صعوبة في الكشف عنها أو التخلص منها، وبالرغم



من انهم عاصروا مراحل الاستعمار والانتداب والثورة عليه ولكن ذلك لم يكن ألا سياسيا بالدرجة الأولى 00 أما نحن فنعيش محاولة الاستقلال الحضاري والثقافي والفكري وهي معركة اكثر ضراوة ووحشية بالرغم من ظاهرها الهادي. إن علينا أن نتخلص من فكرة الملاحقة فلن ننال منها إلا اللهث وسنبقى تابعين نشعر بالنقص كلما شاهدنا تجاربهم واقتربنا من ثقافتهم في الوقت الذي نملك فيه تراثا تاريخيا وعقلا وفكرا يمكننا من التفوق عليهم أو على الأقل مجاراتهم ولكن بلغتنا وبأصولنا فكل فن صادق وحقيقي لابد وان يرتبط بجذور إقليمية وهو عطاء أنساني عالمي في النهاية.
وعليه فان لروادنا كل التقدير والاحترام، نأخذ منهم القدوة بقدر حاجتنا وبقدر الصدق في تجاربهم دون أن نغفل حاجات مجتمعاتنا الجمالية والروحية والتي دائما ما كان الفن معطيها على مر العصور. لا بد وان هناك لغة تعبيرية بصرية خاصة بنا يمكننا أن نتخاطب بها ونخاطب بها العلم كلغتنا العربية وفي نفس مستواها التقني ننقل لهم ثقافتنا وفكرنا وفلسفتنا في الحياة والنابعة من أيماننا بخالقنا.. لا أن نزين بيوتهم بفنون اقرب إلى العادات منها إلى القيمة العميقة الأصيلة، فيها من الطرافة والإثارة ما يدغدغ مشاعرهم وينقلهم إلى عالم الشرق بخصوصياته ولزماته من خط واستعمال للرموز الشعبية والتراثية الغريبة عليهم أو بتسجيل مشاهد من حياتنا ليتفاخروا باقتنائها.
فالناخذ قبسا من روادنا يمكننا من العبور إلى المستقبل وبالتصوف والدراسة الدقيقة في جوهر تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وما تبقى منها من مظاهر حقيقية وبإيمان وثقة بالنفس وبروحانياتنا سننظم تصوفنا وسيأتي اليوم الذي تقتنع فيه شعوبنا بأهمية رسالة الفن في الحياة لاستمرارها






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس