عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2009, 11:37 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

وأشار الشيخ محمد الأخضر الى إعجاب الضباط الأتراك به وبشجاعته وبالآراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية عسكرية، وكان قدومه الى معسكرات المجاهدين مشجعاً وباعثاً للروح المعنوية في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطاليا، وكان عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي، وبعد هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد ادريس وقام بواجباته خير قيام وبعد هجرة الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الاخضر، وأخذ في تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبدأ جولاته في أنحاء المنطقة للاتصال بالاهالي وزعمائهم، بل وبالأفراد كخطوة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس الوقت، وقام بفتح باب التطوع للجهاد، فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة وتلهف على مجابهة العدو الغادر، وكانت ترافقه لجنة مكونة من أعيان وشيوخ قبائل المنطقة (البراغيث، والحرابي، والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم وكان من بينهم ؛ بوشديق بومازق حدوث، الصيفاط بوفروة، محمد بولقاسم جلغاف، حمد الصغير حدوث، دلاف بوعبدالله، محمد العلواني، سويكر عبدالجليل، موسى بوغيضان، الغرياني عبدربه بوشناف، عبدالله الخرساني، عوض العبيدي، رجب بوسيحة، رواق بودرمان، كريم بوراقي ، قطيط الحاسي، وغير هؤلاء من علية القوم، فزار أغلب منطق الجبل والبطنان، وكان سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م) وما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذه ويطمئن للنتائج حتى قرر الالتحاق بسمو الامير في مصر ليعرض عليه نتيجة عمله ويتلقى منه التوجيهات اللازمة

كما أشار الشيخ محمد الأخضر الى إعجاب الضباط الأتراك به وبشجاعته وبالآراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية عسكرية، وكان قدومه الى معسكرات المجاهدين مشجعاً وباعثاً للروح المعنوية في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطاليا، وكان عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي، وبعد هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد ادريس وقام بواجباته خير قيام وبعد هجرة الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الاخضر، وأخذ في تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبدأ جولاته في أنحاء المنطقة للاتصال بالاهالي وزعمائهم، بل وبالأفراد كخطوة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس الوقت، وقام بفتح باب التطوع للجهاد، فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة وتلهف على مجابهة العدو الغادر، وكانت ترافقه لجنة مكونة من أعيان وشيوخ قبائل المنطقة (البراغيث، والحرابي، والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم وكان من بينهم ؛ بوشديق بومازق حدوث، الصيفاط بوفروة، محمد بولقاسم جلغاف، حمد الصغير حدوث، دلاف بوعبدالله، محمد العلواني، سويكر عبدالجليل، موسى بوغيضان، الغرياني عبدربه بوشناف، عبدالله الخرساني، عوض العبيدي، رجب بوسيحة، رواق بودرمان، كريم بوراقي ، قطيط الحاسي، وغير هؤلاء من علية القوم، فزار أغلب منطق الجبل والبطنان، وكان سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م) وما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذه ويطمئن للنتائج حتى قرر الالتحاق بسمو الامير في مصر ليعرض عليه نتيجة عمله ويتلقى منه التوجيهات اللازمة.


سفره الى مصر

سافر في شهر مارس 1923م الى مصر بصحبة علي باشا العبيدي وترك رفقائه عند بئر الغبي حتى يعود إليهم، واستطاع اجتياز الحدود المصرية وتمكن من مقابلة السيد ادريس بمصر الجديدة ، وكان عمر المختار عظيم الولاء للسنوسية وزعمائها وشيوخها وظهر ذلك الولاء في إقامته بمصر عندما حاول جماعة من قبيلة المنفة وهي قبيلة السيد عمر المختار، وكانوا قد اقاموا بمصر، أن يقابلوا السيد عمر للترحيب به، فاستفسر المختار قبل ان يأذن لهم بذلك عما أذا كانوا قد سعوا لمقابلة الأمير عند حضوره الى مصر، فلما أجاب هؤلاء بالنفي معتذرين بأن أسباباً عائلية قهرية منعتهم من تأدية هذا الواجب رفض المختار مقابلتهم قائلاً: (وكيف تظهرون لي العناية وتحضرون لمقابلتي وأنتم الذين تركتم شيخي الذي هو ولي نعمتي وسبب خيري. أما وقد فعلتم ذلك فإني لا أسمح لكم بمقابلتي ولا علاقة من الآن بيني وبينكم).

فما إن بلغ السيد ادريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من أبناء قبيلته حتى أصدر امره بمقابلتهم فامتثل المختار لامره.

حاولت ايطاليا بواسطة عملائها بمصر الاتصال بالسيد عمر المختار وعرضت عليه بأنها سوف تقدم له مساعدة إذا ماتعهد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازي أو المرج، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف ايطاليا، وأن حكومة روما مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الاولى في ليبيا كلها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتع بمكانتها عند ايطاليا في طرابلس وبنغازي، وإذا ما اراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئاً ويقطع علاقته بادريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهد حكومة روما بان توفر له راتباً ضخماً يمكنهّ من حياة رغدة، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتم كل شيء بدون ضجيج تطميناً لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الاهالي بالاقلاع عن فكرة القيام في وجه ايطاليا، وقد أكد عمر المختار هذا الاتصال وهو في مصر لما سئل عن ذلك وقال: ثقوا أنني لم أكن لقمة طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغير من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإن الله سيخيبه، ومن (طياح سعد) إيطاليا ورسلها هو جهلها بالحقيقة. وأنا لم اكن من الجاهلين والموتورين فادعي أنني أقدر أعمل شيئاً في برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤسهم ويدعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، انني أعيذ نفسي من أن أكون في يوم من الايام مطية للعدو وأذنابه فأدعوا الأهالي بعدم الحرب ضد الطليان، وإذا لاسمح الله قدّر عليّ بأن أكون موتوراً فإن اهل برقة لايطيعون لي امراً يتعلق بإلقاء السلاح إنني أعرف أن قيمتي في بلادي إذا ماكانت لي قيمة أنا وأمثالي فأنها مستمدة من السنوسية.

لقد استمرت عروض الايطاليين على عمر المختار حتى بعد رجوعه للبلاد وحاولوا استمالته بالمال الطائل، والمناصب الرفيعة ، والجاه العريض في ظل حياة رغيدة ناعمة ولكنهم لم يفلحوا ، لقد كان عمر المختار رجل عقيدة، وصاحب دعوة ومؤمناً بفكرة استمدت اصولها وتصوراتها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، ويفهم جيداً معنى قول الله تعالى:
{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً} (الاسراء ، الآية ).

وحين خرج السيد عمر المختار من مصر قاصداً برقة لمواصلة الجهاد اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنه قد بلغ من الكبر عتيا وان الراحة والهدوء ألزم له من أي شيء آخر وأن باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعم حركة الجهاد في برقة، فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً فاصلاً فقال لمحدثيه: (إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي لأن ما أسير فيه إنما هو طريق خير ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكها، وكل من يحاول ذلك فهو عدو لي).

كان عمر المختار يعتقد اعتقاداً راسخاً أن ماكان يقوم به من الجهاد إنما هو فرض يؤديه وواجب ديني لامناص منه ولا محيد عنه ولذلك أخلص في عمله وسكناته واحواله وأقواله لقضية الجهاد في ليبيا وكان يكثر من الدعاء لله تعالى بأن يجعل موته في سبيل هذه القضية المباركة، فكان يقول: (اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة) ، وأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب وقال: (لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي والموت أقرب الى من كل شيء فإني أترقبه بالدقيقة).

وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهاد، ويسافر الى الحج قال : (لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي وان ثواب الحج لايفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة).

وقال: (كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه، وليس لغرض اشخاص وإنما هو لله وحده).

إن هذه الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات تاريخنا المجيد نابعة من فهم عمر المختار لقوله تعالى:
{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لايستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين`الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم`خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} (سورة التوبة، الآيات 29، 20،21).

ومن فهمه لأحاديث رسول الله : (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

ولقوله : (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد).

إن هذه الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، كانت المنهج العقدي والفكري الذي تربت عليها كتائب المجاهدين وقادتها الكرام الذين تربوا في احضان الحركة السنوسية.

تم الاتفاق بين الأمير ادريس وعمر المختار على تفاصيل الخطة التي يجب أن يتبعها المجاهدون في جهادهم ضد العدو الغاشم المعتدي على اساس تشكيل المعسكرات، واختيار القيادة الصالحة لهذه الادوار، وأن تظل القيادة العليا من نصيب عمر المختار نفسه وزوده الأمير بكتاب الى السيد الرضا بهذا المعنى وتم الاتفاق على بقاء الامير في مصر ليقود العمل السياسي، ويهتم بأمر المهاجرين ويضغط على الحكومة المصرية والانكليزية بالسماح للمجاهدين بالالتجاء الى مصر، ويشرف على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر، ويرسل الارشادات والتعليمات اللازمة الى عمر المختار في الجبل واتفق على أن يكون الحاج التواتي البرعصي حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد، وبعد ذلك الاتفاق غادر عمر المختار القاهرة، وعند وصوله الى السلوم وجد بعض رفقائه في انتظاره، فأخذ الجميع حاجتهم من المؤن الكافية لرحلتهم الى الجبل الأخضر وغادروا السلوم الى برقة.

وحدث في أثناء وجود عمر المختار أن اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركتين كبيرتين في بير بلال والبريقة في ذي القعدة 1341هـ/ 1923م ، فأنتصر المجاهدون على الطليان في معركة بير بلال بقيادة المجاهد قجة عبدالله السوداني واستشهد كل من المهدي الحرنة، والشيخ نصر الأعمى وغيرهم، وقد ساهم في هذه المعركة صالح الاطيوش، والفضيل المهشهش وكانت نفقات المجاهدين في هذه المعركة على حساب الفضيل المهشهش ووقعة معركة البريقة بعد بير بلال بأربعة أيام واستشهد فيها من أبطال الجهاد ابراهيم الفيل.

ومع هذه الانتصارات إلا أن الطليان استطاعوا احتلال اماكن للمجاهدين في برقة، وزحفوا على معسكر العواقير بموقع البدين وبعد معركة شديدة كبدت الطرفين خسائر فادحة انسحب المعسكر الى اجدابية واستمر الزحف الايطالي يلاحق المجاهدين حتى اشتبك مع طلائع معسكر المغاربة في الزويتينه؛ ولم يطل الدفاع عنها حتى احتلها الطليان وواصلوا زحفهم الى اجدابية حيث احتلوها في (ابريل 1923م).


معركة بئر الغبي

كانت عيون ايطاليا تترصد حركة عمر المختار في عودته الى برقة ولكنها فشلت في اللقاء به قبل أن يصل الى رفاقه وما كاد يصل الى بئر الغبي حتى فؤجئ بعدد من المصفحات الايطالية وإليك أحداث المعركة كما رواها عمر المختار بنفسه: (كنا لانتجاوز الخمسين شخصاً من المشايخ والعساكر وبينما تجمع هؤلاء حولنا لسؤالنا عن صحة سمو الامير، وكنا صائمين رمضان وإذا بسبعة سيارات ايطالية قادمة صوبنا فشعرنا بالقلق لأن مجيئها كان محل استغرابنا ومفاجأة لم نتوقعها، وكنا لم نسمع عن هجوم الطليان على المعسكرات السنوسية، واحتلالهم اجدابية، فأخذنا نستعد في هدوء والسيارات تدنوا منا في سير بطيء فأراد علي باشا العبيدي أن يطلق الرصاص من بندقيته ولكنني منعته قائلاً: لابد أن نتحقق قبلاً من الغرض ونعرف شيئاً عن مجيء هذه السيارات كي لانكون البادئين بمثل هذه الحوادث وبينما نحن في أخذ ورد وإذا بالسيارات تفترق في خطة منظمة المراد منها تطويقنا، وشاهدنا المدافع الرشاشة مصوبة نحونا فلم يبق هنا أي شك فيما يراد بنا فأمطرناهم وابلاً من رصاص بنادقنا، وإذا بالسيارات قد ولت الادبار الى منتجع قريب منا وعادت بسرعة تحمل صوفا، ولما دنت منا توزعت توزيعاً محكماً وأخذ الجنود ينزلون ويضعون الأصواف (الخام) أمامهم ليتحصنوا بها من رصاصنا وبادرنا بطلق الأعيرة فأخذ علي باشا يولع سيجارة وقلت له رمضان ياعلي باشا منبهاً إياه للصوم فأجابني قائلاً: (مو يوم صيام المنشرزام).

وفي أسرع مدة انجلت المعركة عن خسارة الطليان وأخذت النار تلتهم السيارات إلا واحدة فرت راجعة، وغنمنا جميع ماكان معهم من الأسلحة).

واستمر المجاهدون في سيرهم حتى بلغوا الجبل الاخضر ووصلوا الى زاوية القطوفية (مكان معسكر المغاربة) وقابلهم صالح الاطيوش والفضيل المهشهش، ووقف عمر المختار على تفاصيل معركة البريقة وحال المجاهدين ثم واصل سيره الى جالو مقر السيد محمد الرضا ليبلغ التعليمات التي أخذها من سمو الامير.

وبعد اللقاء بين عمر المختار والسيد الرضا اتفقا على تنظيم حركة الجهاد وإنشاء المعسكرات في الجبل الاخضر واقترح عمر المختار على الرضا أن يرسل ابنه الصديق الى معسكر المغاربة عند صالح الاطيوش ومعسكر العواقير بقيادة قجة عبدالله السوداني، وهي معسكرات قريبة من بعضها ثم غادر عمر جالو الى الجبل الاخضر وشرع في تشكيل المعسكرات للمجاهدين ، وأنشئت معسكرات البراعصة والعبيد والحاسة، فاختار الرضا حسين الجويفي البرعصي لقيادة البراعصة، ويوسف بورحيل المسماري لمعسكر البراغيث والفضيل بوعمر لمعسكر الحاسة وأصبح عمر المختار القائد الأعلى لتلك المعسكرات.

وبدأ الجهاد الشاق والطويل واستمر متصلاً ومن غير هوداة حوالي ثمانية اعوام.

وكانت عامي 1924م، 1925م قد شاهدت مناوشات عدة ومعارك دامية، ووسع المجاهدون نشاطهم العسكري في الجبل الاخضر ولمع اسم عمر المختار نجمه كقائد بارع يتقن اساليب الكر والفر ويتمتع بنفوذ عظيم بين القبائل وأخذ العرب من أبناء القبائل ينضمون الى صفوف المجاهدين وبادرت القبائل بإمداد المجاهدين بما يحتاجون من مؤن وعتاد وأسلحة، وكان لقبائل العبيد، والبراعصة، والحاسة والدرسة والعواقير وأولاد الشيخ والعوامة، والشهيبات والمنفا والمسامير أكبر نصيب في حركة الجهاد.

كان معسكر البراغيث هو مركز الرياسة العامة ومقر القائد العام عمر المختار: وهو النواة الاولى وحجر الاساس لمعسكرات الجبل الاخضر الثلاثة وكان عمر المختار يلقب بنائب الوكيل العام، وكان السيد يوسف بورحيل يعرف بوكيل النائب وهكذا فقد تنظم الجهاز الحكومي في هذه المنطقة الواسعة بتشكيل المحاكم الشرعية والصلحية وإدارة المالية (المحاسبة، والارزاق وجباية الزكاة الشرعية والخمس من الغنائم) واستمر التعاون بين هذه المعسكرات الثلاثة وفروعها في السراء والضراء وأخذت تقوم بحركات عظيمة ضد العدو وشن الغرة عليه في معاقله؛ كما كانت تتصدى لزحفه عليها، فتهجم حيناً ، وتنسحب حيناً آخر حسب ظروف الحرب.

أصبح تفكير إيطاليا محصوراً في برقة التي لم يتمكن الطليان منذ زحفهم على اجدابية سنة 1923م من احتلال مواقع تذكر عدا مدينة اجدابية ولذلك اهتمت ايطاليا ببرقة وانحصرت مجهوداتها في الفترة الواقعة بين سنة 1923م وبين 1927م على معسكرات عمر المختار الذي لم يخرج يوماً من معركة إلا ليدخل في معركة أخرى.

وفي 1927م وقع الوكيل العام السيد رضا المهدي السنوسي في الأسر بطريق الخديعة والخيانة والغدر وسقطت مناطق برقة الحمراء والبيضاء تدريجياً.

كانت قيادة الجيش الايطالي في برقة قد بدلت وتولى أمرها لتنفيذ الخطة الجديدة التي تستهدف ضرب الحصار على حركة الجهاد في الجبل الاخضر (ميزتي) كما استبدل والي بنغازي الايطالي (مومبيلي) بخلفه الجنرال (تيروتس) وهو من زعماء الحزب الفاشيستين وزود الجنرال ميزتي بعدد كبير من الجنرالات وكبار الضباط وأركان الحرب لمساعدته وفي نفس السنة تقدمت القوات الايطالية من طرابلس بقيادة الجنرال غرسياني فاحتلت واحة الجفرة والقسم الاكبر من فزان واشتبكت قبائل المغاربة بزعامة صالح الاطيوش وقبائل اولاد سليمان بزعامة عبدالجليل سيف النصر، ودور حمد بك سيف النصر، وبعض اللاجئين الى تلك الجهات من قبائل العواقير بزعامتي عبدالسلام باشا الكزة، والشيخ سليمان رقرق، ودخلت هذه القبائل في معارك بجهات الخشة وكان الغلبة فيها للجيش الايطالي الزاحف فالتجأ المجاهدون الى منطقة الهاروج من الصحراء ومن ثم اشتركوا مع العدو في معارك عنيفة منها معركة الهاروج، ومعركة جبل السوداء، ومعركة قارة عافية وكان من بين من حضروا هذه المعركة الاخيرة السيد محمود بوقويطين أمير اللواء وقائد عام قوة دفاع برقة في زمن المملكة الليبية المتحدة، والسيد السنوسي الاشهب.

كانت القيادة الايطالية حريصة على الاستيلاء على فزان فخرجت في اواخر يناير 1928م قوتان .. احدهما من غدامس والاخرى من الجبل الاخضر، وكان الجيش بقيادة غراسياني والتحم المجاهدون مع ذلك الجيش في معركة دامية استمرت خمسة أيام بتمامها، انهزم فيها الطليان شر هزيمة فتقهقروا تاركين مالديهم من مؤن وذخائر ثم مالبث أن خرجت قوة اخرى قصدت فزان مباشرة، فعلم المجاهدون بامرها بعد خروجها بثلاث أيام وانسحبوا الى الداخل، حتى اذا وصل هذا الجيش الجديد الى مكان يقع بين جبلين يعرفان بالجبال السود انقض المجاهدون على الطليان وأرغموهم على التقهقر، فعمل قواد الحملة الى الفرار بسياراتهم تاركين وراءهم الجيش ، الذي وقع أكثره في قبضة المجاهدين، فأستأصلوهم عن آخرهم، وعندئذ لم يجد الطليان مناصا من أن يجددوا محاولتهم ، فخرجت هذه المرة قوات عظيمة من جهات متعددة غير أن الطليان ما لبثوا ان انهزموا في هذه المعارك وتركوا وراءهم غنائم وأسلابا كثيرة ، وجدد الطليان المسعى وخرجوا من الجفرة في 30 فبراير 1928م بجيش كبير وزحفوا على زله واحتلتها في 22 فبراير وواصلت القوات الايطالية سيرها واحتلت آبار تقرفت في 25 فبراير واستمرت العمليات وانتهت باحتلال مراده، واصبحت زلة وجالو، واوجله ومراده تحت سيطرتهم، ومما ساعد الطليان على احتلالهم لتلك الواحات سقوط الجغبوب قبل ذلك في ايديهم، وسياستهم الرامية لتفتيت الصف بواسطة بعض عملائهم وكان الطليان يبذلون الأموال والوعود لزعماء القبائل، لوقف القتال وقد نجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً.

كان احتلال الجغبوب ، جالو، اوجلو، وفزان وغيرها من الواحات قد جعل عمر المختار في عزلة تامة في الجبل الاخضر ومع هذا ظل عمر المختار يشن الغارات على درنة وماحولها حتى أرغم الطليان على الخروج بجيوشهم لمقابلته ، فاشتبك معهم في معركة شديدة استمرت يومين كان النصر فيها حليفه وفرّ الطليان تاركين عدداً من السيارات والمدافع الجبلية وصناديق الذخيرة والجمال، ودواب النقل.

وكانت القبائل تتعاون مع قائد حركة الجهاد تمده بالرجال، والمؤن والمعلومات وعلى سبيل المثال كان حامد عبدالقادر المبروك من شيوخ قبيلة المسامير يمد المختار بالمعلومات المهمة دون تأخر، ويشارك في عمليات الجهاد مع أبناء قبيلته بدون علم الطليان ويرجع من كتبت له الحياة إلى موطنه ويستشهد من يستشهد وكان زعماء القبائل التابعة للحركة السنوسية يجمعون الاعشار والزكاة ويمدون بها حركة الجهاد بالرغم من وجود الكثير منهم تحت السلطات الإيطالية، وخصوصاً من كان في المدن كبنغازي، والمرج، ودرنة، وطبرق وغيرها، وكانت وسائل مد المجاهدين بأموال الزكاة والأعشار تتم في غاية السرية وعجزت المخابرات الإيطالية عن اكتشاف اللجان الخاصة بالدعم المالي للمجاهدين، ومن وقع في أيدي السلطات الإيطالية كانت عقوبة الإعدام وكانت الغنائم تمثل مصدراً مهماً لتمويل حركة الجهاد في فترة عمر المختار، ومعظم الغنائم تم الحصول عليها في المعارك التي تمكن فيها المجاهدون من هزيمة الإيطاليين مثل معركة الرحيبة في مارس 1927م وقد وصف حافظ إبراهيم هذا المصدر في أبياته الشعرية فقال:




حاتـم الطليـان قـد قلدتـنـامنـة نذكرهـا عامـاً فعامـا
أنـت أهديـت إلينـا عــدةولباسـاً وشرابـاً وطعـامـاً
وسلاحـاً كـان فـي أيديكـمذا ملال فغدا يفـري العظامـا
أكثروا النزهـة فـي أحيائنـاوربانا إنهـا تشفـى السقامـا
لست أدري بت ترعـى أمـةمن بني الطليان أم ترعى سواما
وقال الأستاذ أحمد كاشف ذو الفقار:
يـآل رومـة تطلبـون أمانيـاًختالـة أم تطلبـون منـونـا
جئتم تجرون الحديـد ورحتـمبحديدكم فـي اليـم مغلولينـا
ورقصتم فيه سكارى فارقصوافي الليلة السـوداء مذبوحينـا
لكن استفزكم صليـل سيوفكـمفلقـد تبـدل زفـرة وأنيـنـا
إلــــــى أن قــــــال:
هاتوا الذئاب إلى الليوث فخمسةمنهم أبـادوا منكـم خمسينـا
واستجمعوا حيتانكم ونسوركـمفالصائدون هنـاك مرتقبـون
واستكثروا الزاد الشهي فإنكـموسلاحكـم والـزاد مأخوذينـا
لم يبق منهم معسر أو أعـزلبعد الذي غنمـوه منتصرينـا
واستكملوا المدد الكبيـر بفتيـةسيقوا إلـى الهيجـاء هيابينـا
أحسبتم بطحـاء برقـة حانـةلكم وغزو القيـروان مجونـا




وكانت كل عائلة قد أخذت على عاتقها تزويد مجاهديها بما يلزم من شؤون وملابس، ترسله شهرياً إلى الدور (المعسكر).

وكان الأمير ادريس يتحين الفرص لتزويد المجاهدين فقد ذكر الأشهب بأن قافلة وصلت للمجاهدين قادمة من مصر وكان فيها سليمان العميري (من قبيلة أولاد علي) وبو منيقر المنفى (من رفاق عمر المختار) يحملان رسائل من سمو الأمير وكانت القافلة محملة بالأرز والدقيق والسكر والشاي وبعض الملابس، وكان الطيب الأشهب موجوداً في معسكر المجاهدين وقت وصول القافلة وقد ذكر صاحب كتاب حياة عمر المختار بأن قافلة استطاعت أن تخرج من السلوم محملة بمختلف العتاد والمؤن قاصدة معسكر المجاهدين في الجبل الأخضر، فعلم الطليان بذلك وأرسلوا سياراتهم المسلحة لتعقبها، ولكن المجاهدين صمدوا لهم، وأطلقوا رصاص بنادقهم على العجلات فتعطلت السيارات، وعندئذ انقض المجاهدون على القوة الإيطالية فأبادوها عن آخرها وكان ذلك في عام 1928م. وكان المجاهدون يستفيدون من تلك المصادر ويقومون بشراء حاجيات المجاهدين من الأسواق في المدن والقرى، ويشترون مايلزمهم من المؤن، والأسلحة ويجمعون المعلومات عن تحركات العدو العسكرية، كل هذه الأعمال يقوم بها أتباع عمر المختار وبمساعدة سكان المدن والقرى الذين يخفون المجاهدين في بيوتهم ومخيماتهم، وكان المتطوعون يتدفقون على معسكرات الجهاد، وكانوا يعتمدون على أنفسهم في توفير السلاح ووسيلة الركوب والتموين، وكان نظام الأدوار (المعسكرات) يتميز بالآتي:

1- يلتزم كل دور بتوفير التموين اللازم لأفراده، فهم بالإضافة إلى اشتراكهم في عمل واحد هم أبناء عشيرة واحدة مترابطة، ويوجد بالدور أشخاص، مكلفون بجباية الزكاة وجمع الأعشار، وهؤلاء يقومون بعملهم بناء على تكليف كتابي من عمر المختار وهم بدورهم يجرون اتصالات (كوشان) بقيمة المبالغ والأشياء التي استلموها.

وعين لكل دور رئيس إدارة يشرف على تموين الدور من حيث التوزيع والتخزين والتدبير وتسلم الأموال والتبرعات التي تصل لقيادة الدور، فقد عين عمران راشد القطعاني رئيساً لإدارة دور البراعصة والدرسة وعين التواتي العرابي رئيساً لإدارة دور العبيدات والحاسة، وعين الصديق بو هزاوي مأموراً للأعشار ويتبع عمر المختار مباشرة وعين داود الفسي رئيساً لإدارة دور العواقير.

2- يقوم كل دور بتعويض الشهداء من المقاتلين بآخرين من قبائلهم وهكذا لايتأثر الدور كثيراً لفقد الشهداء، فبعد كل معركة يتم حصر الشهداء وإلى أي القبائل ينتمون ثم يرسل إلى كل قبيلة العدد الذي يجب أن تعوضه عن شهدائها، وإذا لم تجد العدد المطلوب تدفع لقيادة الجهاد 1000 فرنك عن كل شهيد لكي يجند بها العدد اللازم.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس