عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2009, 11:38 AM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

أراد المجاهدون أن يقطعوا حجة الطليان فاتفقوا على أن يحضر اجتماع بنغازي السيد الحسن رضا السنوسي، وكان عمر المختار مقتنعاً بعدم جدوى الاجتماع ولكنه اضطر مكرهاً، وعاد الحسن يحمل شروطاً إيطالية مجحفة فرفضها عمر المختار والمجاهدون، وكتب المختار إلى نائب الوالي يخبره برفض الشروط الإيطالية جملة وتفصيلاً، ويلفت في هذه الرسالة نظر الحكومة الإيطالية إلى الشروط السابقة التي تسلمها المارشال بادوليو من السيد عمر نفسه وقطع على نفسه عهداً بالإجابة عنها بعد دراستها إذ لايوجد سبيل لحل المشكلة بدونها، وطلب عمر في نفس الرسالة تحديد موعد لمقابلة الجنرال سيشلياني نائب الوالي، وفي حالة الرفض أو عدم الإجابة يكون السيد عمر المختار في حل مما قيدته به آداب المجاملة في انتظار نتيجة المفاوضات وسوف تعود الأمور لما كانت عليه، وكان جواب إيطاليا هو أنها على استعداد ولاداعي للإنذار بإعادة الحرب.

لما ذهب الحسن بن الرضا إلى بنغازي تأثر ببعض أقوال الليبيين التابعين للحكومة الإيطالية وقبل أن يوقع على شروط الصلح التي خالفت ماطلبه المجاهدون، فلما رفض عمر المختار تلك الشروط عز على الحسن أن ينقض المختار كلمته وانفصل بجماعته من البراعصة والدرسة، وكانوا يبلغون حوالي الثلاثمائة واتخذ مكانه في غوط الجبل وهو مكان قريب من مراكز الطليان في مراوة.

كان عمر المختار بجانب إيمانه الراسخ واسع الأفق عالماً بواقعه مدركاً لما يجري حوله متابعاً له وقد كان ذلك أكبر عون له بعد الله على صحة مواقفه وقوتها التي فرضت الاحترام على اعدائه قبل أصدقائه، وما أعظم أن يجتمع الإيمان والفقه بالواقع، وما أقبح أن يتفرقا، ولئن كان هذا واضحاً جلياً في كل المواقف التي خاضها عمر المختار رحمه الله وآرائه التي قالها إلا إنه يتجلى كأوضح مايكون في إدراكه لعدم جدوى المفاوضات السياسية.


النداء الأخير

خاطب السيد عمر المختار المجاهدين وأبناء شعبه قائلا: فليعلم إذاً كل مجاهد أن غرض الحكومة الإيطالية إنما بث الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، ولكن بحمد الله لم توفق إلى شيء من ذلك. وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطالية شريفة، وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية وإن مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قومية تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه . فهيهات أن يصل الطليان إلى غرضهم مادامت لنا قلوب تعرف أن في سبيل الحرية يجب بذل كل مرتخص وغال، ثم ختم المختار هذا النداء بقوله: (لهذا نحن غير مسؤولين عن بقاء هذه الحالة الحاضرة على ماهي عليه حتى يتوب أولئك الأفراد النزاعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم ويسلكوا السبيل القويم ويستعملوا معنا الصراحة بعد المداهنة والخداع. وقد نشرت بعض الصحف المصرية هذا النداء في 2 يناير 1929م. من كان عبداً لله يستحيل أن يرضى بأن يكون عبداً لحكومة ظالمة كافرة أو لدنيا أو مال أو لهوى، فأكثر الناس أحراراً وتحقيقاً للحرية على مفهومها الصحيح ذلك العبد الذي رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد e نبياً ورسولاً.

غدر وخيانة

لقد نقضت الحكومة عهودها وغدرت بالمجاهدين وكان السيد حسن الرضا أول من ذاق مرارة غدرهم، فقد غادر المعسكر في غوط الجبل جماعة من عائلة عريف وانتهز الطليان هذه الفرصة فطلبوا من الحسن أن يتقدم بالدور إلى ناحية مراوة وأجاب الحسن رغبتهم وعندئذ سيرت الحكومة قوة كبيرة على الدور لجمع الأسلحة من أتباعه بدعوى أن رجاله قد (غزوا) بعض الأهلين في مراوة. وأبدى الحسن ورجاله معارضة شديدة، ولكن معارضتهم هذه سرعان ما أكدت للطليان - على حد قول هؤلاء - أن الدور كان مركزاً لدعاية سنوسية خطيرة، وأن حل الدور قد بات لذلك أمراً لامناص منه ولامحيد عنه، وكان مما جعل الطليان ينقلبون على الحسن أن امتنع في المدة الأخيرة عن إجابة رغبتهم عندما طلبوا منه الانتقال إلى بنغازي، وعلى ذلك فقد اشتبكت القوات الإيطالية مع الدور في قتال عنيف ذهب ضحيته كثير من المجاهدين ووقع الباقون في أسر هذه القوات وفي 10 يناير 1930م قبض الطليان على الحسن نفسه وساقوه أسيراً إلى بنغازي ثم مالبثوا حتى نفوه إلى جزيرة اوستيكا ثم إلى فلورنسه بعد ذلك. وقد بقى الحسن منفياً بهذه المدينة الأخيرة حتى وفاته في عام 1936، وبعد ذلك اندلعت المعارك بين المجاهدين والطليان في الجبل الأخضر وكانت الطائرات الإيطالية تلقي قذائفها على معسكرات المجاهدين ونشطت عمليات الطليان العسكرية بعد أن غدروا بالحسن وهاجموا دور المجاهدين في وادي مهجة (28 يناير 1930) وألقت الطائرات قذائفها على العرب، وانتشرت المعارك في منطقة الجبل حتى أقفلت جميع الطرق.


تعيين الجنرال غراسياني حاكماً لبرقة ونائباً للمرشال بادوليو الحاكم العام

كان الجنرال غراسياني عند قومه معظماً ومقدماً وقد قام بأعمال عسكرية في فزان شنيعة للغاية واستطاع أن يقضي على حركة الجهاد في فزان بدخوله غات في 25 فبراير 1930م وكان نصرانياً حقوداً على الإسلام والمسلمين لم يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة.

بعد بقائه في ليبيا لمدة تسع سنوات متتالية وبعد احتلاله الغاشم لفزان، دعى إلى إيطاليا لتشريفه وتكليفه.

ذكر في مذكراته وداعه لطرابلس فقال: (وداعاً طرابلس أرض آلامي وعذابي، غير انه تبقى في روحي، وداخل نفسي ذكريات كل حجر مرتفع في جبالك، وفي صحرائك الواسعة، ولكن لن ينطفئ أبداً ألمي وعذابي من أجل افريقيا وأنت ياطرابلس.

وفي روما كانت تنتظرني الاحتفالات التي يطمع كل جندي مخلص أمين يحظى برضا وتصفيق الزعيم الدوتشي (موسليني) .. وقد نلت هذا وصفق الزعيم ومجلس الأمة الإيطالي لي في جلسة بتاريخ 21/3/1930م، هذا الاحتفاء وهذا الرضا، كان أعظم مكافأة في حياتي، فلقد جددت في نفسي حب العمل والتضحية في سبيل الواجب الكبير الذي ينتظرني في ليبيا بجسم متعب في الأعمال التي تحملها في الماضي، ولكن بالروح والقلب الحريص والحاضر للعمل.. وبعد أن استلمت التعليمات العليا سافرت على السفينة إلى برقة .. ويوم 27/3/1930م وصلت بنغازي التي غادرتها سنة 1914م خلال الحرب العالمية الأولى وكانت رتبتي ملازم أول في الجيش الإيطالي.

إن التعليمات التي صدرت عن رغبة الزعيم الدوتشي، وقسمت ونظمت من قبل صاحب السيادة دي بونو (والفريق) الماريشال بادوليو، بيتوا فيها تصميم الحكومة الفاشستية القضاء المبرم على الحركة الوطنية (الثورة) مهما كلف ذلك وبكل الطرق والوسائل لأنها القضية البرقاوية.

والتعليمات هي:

1- تصفية حقيقية لكل العلاقات بين الخاضعين وغير الخاضعين من الثوار سواء في قاعدة العلاقات الشخصية أو الأعمال والحركات التجارية.

2- إعطاء الخاضعين أمناً وحماية ولكن مراقبة لكل نشاطاتهم.

3- عزل الخاضعين عن أي تأثير سنوسي ومنع أي كائن منعاً باتاً من قبض أي مبالغ من الأعشار والزكاة.

4- مراقبة مستمرة ودقيقة في الأسواق وقفل الحدود المصرية بكل صرامة بحيث تمنع أي محاولة تموين لقوافل العدو (أي المجاهدين).

5- تنقية الأوساط المحلية التي توجد بها عناصر تدعي الوطنية ابتداءً بالمدن الكبيرة وخاصة بنغازي.

6- تعيين عناصر غير نظامية من الطرابلسيين لكي يكونوا قوة مضادة للمجاهدين وتعني بتطهير الأقليم من كل تمرد أو ثورة.

7- حركة دقيقة وخفية لكل قواتنا (الطليان) المسلحة في المنطقة لخلق جو مذبذب ضد كل (الأدوار)، والمعسكرات، والضغط عليها حتى تتكبد الخسائر وتشعر بأن قواتنا موجودة دائماً وفي كل مكان مستعدة للهجوم.

8- الاتجاه السريع للاحتلال الكامل لكل أراضي مستعمرة الكفرة.

هذا هو جزار ليبيا غرسياني الذي جاء محملاً لتنفيذ الأوامر السالفة الذكر من أسياده في روما الكاثوليكية الفاشستية الميكيافلية.

ومنذ عودة غراسياني إلى بنغازي، بدأ نائب الوالي الجديد يضع هذا البرنامج موضع التنفيذ من غير إبطاء معلناً إنه سوف : (يتبع بكل إخلاص تعاليم الدولة الفاشستية ويسير على مبادئها، لأنه وإن كان قائد من قواد الجيش وأحد الرجال العسكريين إلا أنه يدين بمبادئ فاشستية محضة ويعلن هذه الحقيقة بكل وضوح وصراحة تامة).

كان الجنرال غراسياني معروفاً بالعجرفة والطيش وبالجبروت الوهمي، وكان أول عمل قام به في الدوائر المدنية بعد وصوله هو إستبدال غالب الموظفين الإيطاليين بآخرين ممن يتمتعون بثقته عندما كان يعمل في طرابلس، كما جاء بقائد جديد للكربنير (الضابطية) هو الكولونيل كاستريوتا، وبالجنرال نازي ليكون مساعده الأول في القيادة العسكرية، واستعان بعصابة من المدنيين قد أخذوا ينفذون أهدافه الشريرة وأفكاره الشاذة بكل الوسائل ومن هذه العصابة الكمندتور موريتي (السكرتير العام) الكمندتور أجيدي متصرف لواء بنغازي، ثم بدأ زيارته للمناطق الخاضعة لنفوذ إيطاليا وكانت السلطات تجمع لاستقباله جميع الأهالي بما في ذلك النساء والأطفال والعجزة، فيخطب فيهم متوعداً ومهدداً، وكان يستفتح خطاباته الطائشة بقوله (صموا أفواهكم وافتحوا آذانكم) ليلقى الرعب في نفوس المستضعفين الذين استسلموا وخضعوا لإيطاليا وكان قد ألقى كلمة تهديدية في جموع حشدتها السلطات في موقع (البريقة) إستهلها بقوله (ما أنتم إلا مثل سيجارة موقودة من الجانبين تلتهمها النار من هنا ومن هناك حتى تصبح رماداً وهاهو ذا أنا أولع السيجارة من جانبي ويوقدها عمر المختار من جانبه حتى يؤتى عليكم).

وقال في خطاب ألقاه من شرفة قصره في بنغازي (تحت يدي وتصرفي باخرة تقف في الميناء وبأقل إشارة مني تنقل كل من أرى من الصواب نقله إلى إيطاليا وهذا أخف مانعاقب به) وفي خطاب تهديدي آخر قال: ( عندي لكم ثلاثة حالات، الباخرة الموجودة في الميناء، وأربعة أمتار فوق الأرض - مشيراً إلى أعمدة المشنقة - ورصاص بنادق جندنا - مشيراً إلى القتل رمياً بالرصاص) ، لقد قام غرسياني وحكومته بحشد المجهودات الضخمة للقضاء على عمر المختار بالصورة التي كلفت الخزانة الإيطالية في سنة واحدة مالا يقل عن النفقات التي تتكبدها دولة عظيمة لمجابهة دولة تماثلها في عدة سنوات.

فقد قال السنيور فيتيتي وكيل وزارة الخارجية في حديث له مع سماحة مفتي فلسطين الأكبر الأستاذ محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين، وقد أورد سماحته هذا الحديث في مذكراته التي أخذت تنشرها جريدة أخبار اليوم، قال وكيل وزارة الخارجية المذكور: حقاً أن ماوقع في ليبيا سبب لنا متاعب كثيرة فعندما كانت السياسة الايطالية تتأثر في الماضي كثيراً بالسياسة البريطانية قبل عهد الفاشيست خدعتنا انكلترا وفرنسا فاستولت على أغنى وأغلى أقطار أفريقيا، وأغرتنا باقتحام ليبيا عام 1911م، فلم نجد فيها رغم الجهود المضنية والخسائر الفادحة في الأنفس والأموال غير الرصاص والرمال، ولم نجن من ذلك إلا بغض العرب ومقت المسلمين لنا.


المحكمة الطائرة

لم يمض على وصول غراسياني سوى ايام قلائل حتى أنشاء ماعرف في تاريخ الاستعمار الايطالي الاسود باسم المحكمة الطائرة (ابريل 1930م) ، كانت تلك المحكمة تقطع البلاد على متون الطيارات وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشست وكانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة وتصدر احكامها وتنفذ في دقائق وبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أن تغادر الموقع الذي انعقدت فيه لتنعقد في نفس اليوم بموقع آخر، وفتحت أبواب السجون في كل مدينة وقرية ببرقة وانتزعت الأموال من المسلمين بدون مبرر، ونصبت أعواد المشانق في كل من العقيلة، وجدابية، وبنغازي، وسلوق، والمرج، وشحات ودرنة، وعين الغزالة، وطبرق، ولأتفه شبهة وأقل فرية يصدر حكم الاعدام وينفذ في حينه شنقاً أو رمياً بالرصاص، وكان مما قتل شنقاً او رمياً بالرصاص في مدة لا تزيد عن شهرين من استلام غرسياني مقاليد الحكم في برقة؛ المشايخ بحيح الصبحي، على بويس العربي وابنه عبدربه بوموصاخ، خيرالله هليل، محمد يونس بوقادم، علي حميد ابوضفيرة، إثنان من قبيلة سعيد أشقاء حمد الرقيق، وهؤلاء من منطقة جدابية، ثم محمد الحداد وابنه بنغازي، وعبدالسلام محبوب من الاخوان السنوسين، سليمان سعيد العرفي (المرج) ، وخمسة عشر شخص بينهم الشيخ سعيد الرفادي (عين الغزالة وغيرهم كثير).


عزل المجاهدين ووضع القبائل في معسكرات الاعتقال الجماعية:

بدأ غراسياني ينفذ سياسة عزل الاهالي الخاضعين عن المجاهدين ، وشرع في جمع الاخوان السنوسيين من شيوخ الزوايا وأئمة المساجد ومعلمي القرآن بها مع ذويهم جميعاً، وكل من تربطه بأحد هؤلاء أية صلة، وكذلك بمشايخ وأعيان القبائل، وبكل من يربطه أي نوع من أنواع الصلات بأحد المجاهدين او المهاجرين، جيء بهذه المجموعات يساقون الى مراكز التعذيب ثم الى السجون ولم يشفع في أحدهم سن الشيخوخة الطاعنة، او الطفولة البريئة أو المرض المقعد، او الضرر الملازم، وانشئت معتقلات جديدة في بنينه والرجمة، وبرج توبليك وخصص غراسياني مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء، والمقرون وسلوق في أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال والنفي والتشريد والتعذيب لجميع سكان منطقتي الجبل الاخضر والبطنان بصورة جماعية، وبغير سكان هذين المنطقتين ممن تحوم حولهم أية شبهة، او تلفق ضدهم اقل فرية، وأمر بنقل قبائل هاتين المنطقتين المذكورتين الى هذه المعتقلات الخاصة بهم ثمانين ألفاً، وماهي في الحقيقة إلا مقابر يدفن فيها الاحياء وأداً ، فخصص معتقل العقيلة والبريقة لقبائل العبيدات والمنفا، والقطعان ، والشواعر، والمسامير،... ولبعض عائلات الاخوان السنوسيين بما في ذلك سكان الجغبوب، ولبعض من سكان مدينتي بنغازي ودرنه، واسند حكم هذين المعتقلين لممثلي الظلم والجبروت والوحشية الفظيعة لكل من كسوني، باريلا (غير باريلا متصرف المرج).

وخصص معتقلاً المقرون وسلوق لكل من قبائل البراعصة والدرسا والعرفا والعبيد وأتباعهم وشطر كبير من عائلات الاخوان السنوسييين الذين سبق أن أبعد غرسياني رجالاتهم الى ايطاليا أو فرقهم بين السجون المختلفة، جيء بهذه القبائل التي بلغ تعدادها الثمانين ألف نسمة يساقون زمراً الى المعتقلات المذكورة، فمنهم من جاءها عن طريق البحر حيث حشروا بالمراكب حشراً ومنهم من جاءها عن طريق البر بعد أن أتت إيطاليا على جميع المنقولات حرقاً بالنار، كما أحرقت الزراعة ومحصولاتها، وأهلكت الحيوانات فيما عدا ما استعملته للنقل، وأحيط القسم المساق عن طريق البر بجنود من الصوماليين والاريتريين ليتعقبوا كل من يتخلف عن المساقين الى حتفهم، ويرمى المتخلف بالرصاص ، وكان الرامي غير مسؤول عن عمله هذا، وأصبحت جميع مناطق الجبل والبطنان هلاكاً تلعب فيه الرياح.

لقد اراد غراسياني الانتقام من القبائل التي اثبتت الايام انها نعم العون للمجاهدين بعد الله، فجمع النواجع المنتشرة في منطقة الجبل الاخضر في أماكن احاطها بالاسلاك وحدث في تلك المعتقلات الجماعية مالم يصدقه بشر ولا خطر على بال انسان يعقل، لقد اشتدت المحنة واعتدى الايطاليون على الابدان والاموال والاعراض في تلك المعتقلات ولقد قام الباحث يوسف سالم البرغثي بدراسة متميزة سماها المعتقلات والاضرار الناجمة عن الغزو الايطالي وذكر فيها تفصيلاً محزناً، ووثائق تاريخية من أفواه من عاش تلك المرحلة العصيبة التي مربها شعبنا المظلوم.

لقد وصف مراسل جريدة ألمانية زار معسكرات الموت التي جمع فيها غراسياني أكثر من 80 ألف نسمة فقال: إن الانتقادات التي يوجهها الآن الفرنسيين والانكليز الى خطة الفاشيست في برقة، موجهة في الدرجة الاولى الى التدابير التي اتخذها الجنرال غراسياني لإجلاء 80 ألف بدوي عن اراضيهم ، دون أن يرعوا حالة هؤلاء البدو الروحية، أو يلاحظوا تأثير مثل هذا القيد والحصار فيهم، ولا يجوز لأحد أن يخرج من نطاق الحصار إلا في النهار، بشرط أن يرجع الى مكانه قبل أن يخيم الظلام وكل واحد من رؤساء القبائل مسؤول عن اتباعه فرداً فرداً.

يجب أن نقول أن الحالة السيئة للغاية تفوق كل تصور ، فان معدل الاموات من الأطفال يبلغ 90% وأمراض العيون التي ينتهي اكثرها بالعمى كثيرة جداً ومنتشرة ويكاد لا ينجو احد من الامراض، أما غذاء هؤلاء المساكين، فالأحسن أن لا نتكلم عنه بالمرة، ومن الطبيعي أن نرى هؤلاء يتألمون أشد الألم، وفي الدرجة الاولى من هذه الاسلاك الشائكة ، رمز الاسر، ورغم تلاصق الخيام ، وشدة تقاربها ببعضها، فإن حصرها ضمن اسلاك شائكة ، يجب ان نعتبره من المتناقضات الغريبة التي لايتصورها العقل.

إن ماارتكب في العقيلة والبريقة وغيرها من المعتقلات من جرائم جعل المناضلين في العالم يصرخون وينددون بالاستعمار الفاشيستي في ليبيا فقال عبدالرحمن عزام يصف حالة المعتقلين ويلفت الأنظار إليهم: (يبحثون عن اخبار الاندلس وكيف اجرى الاسبانيون بالمسلمين هناك ومالهم والاندلس والامور جرت في القرون الوسطى فأمام أعينهم طرابلس الغرب فليذهبوا ويشاهدوا باعينهم في هذه الايام فضائح لاتقل عما جرى بالاندلس).

وعبرّ غراسياني نفسه عن المأساة التي كانت اكبر من قلبه القاس فقال: (لقد نتج عن هذا كله ان اكثر الناس هاجرت ونزحت الى مصر وتونس والسودان تاركة وراءها اهلها وذويها...فاني حاسبت نفسي وضميري.. الامر الذي جعلني لم أنم هادئاً اكثر الليالي) ويقول مبرراً جرائمه البشعة لانستطيع انشاء حاضر جديد اذا لم نقض على الماضي القديم).

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس