عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2010, 04:05 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: كتاب البيع وسائر المعاملات - بن جبرين - شرح كتاب بن حنبل


الخيار





الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: فصل: والشروط في البيع ضربان: صحيح: كشرط رهن، وتأجيل ثمن، وكشرط بائع نفعا معلوما في مبيع كسكنى الدار شهرا، أو مشترٍ نفع بائع كحمل حطب أو تكسيره، وإن جمع بين شرطين بطل البيع.

وفاسد: يبطله، كشرط عقد آخر من قرض وغيره، أو ما يعلق البيع كبعتك إن جئتني بكذا، أو رضي زيد.

وفاسد: لا يبطله، كشرط إلا خسارة، أو متى نفق، وإلا رده ونحو ذلك.

وإن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ.

فصل: والخيار سبعة أقسام:

خيار مجلس، فالمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما عُرْفا.

وخيار شرط، وهو أن يشترطا أو أحدهما مدة معلومة.

وحرم حيلة، ولم يصح البيع، وينتقل الملك فيهما لمشترٍ، لكن يحرم.

ولا يصح تصرفٌ في مبيع وعوضه مدتهما إلا عتق مشتر مطلقا، وإلا تصرفه في مبيع، والخيار له.

وخيار غبن يخرج عن العادة لنجش أو غيره، لا لاستعجال.

وخيار تدليس بما يزيد به الثمن كتصرية وتسويد شعر جارية.

وخيار غبن وعيب وتدليس على التراخي ما لم يوجد دليل رضا إلا في تصرية فثلاثة أيام.

وخيار عيب ينقص قيمة المبيع كمرض وفقد عضو وزيادته.

فإذا علم العيب خُيِّر بين إمساك مع أرش أو رد وأخذ ثمن.

وإن تلف مبيع، أو أعتق ولده ونحوه تعين أرش، وإن تعيب أيضا خير فيه بين أخذ أرش ورد مع دفع أرش، ويأخذ ثمنه.

وإن اختلفا عند من حدث فقول مشترٍ بيمينه.

وخيار تخيير ثمن، فمتى بان أكثره أو أنه اشتراه مؤجلا، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع نصفه بقسطه، ولم يبين ذلك فلمشترٍ الخيار.

وخيار لاختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في قدر ثمن أو أجرة، ولا بينة، أو لهما حلف بائع، ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، ثم مشترٍ ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا، ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، وبعد تلف يتحالفان، ويغرم مشتر قيمته.

وإن اختلفا في أجل أو شرط و نحوه، فقول نافٍ، أو عين مبيع، أو قدره فقول بائع.

ويثبت للخلف في الصفة، وتغير ما تقدمت رؤيته.

فصل: ومن اشترى مكيلا ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه.

ويحصل قبض ما بيع بكيل ونحوه بذلك مع حضور مشترٍ أو نائبه، ووعاؤه كيده، وصبرة ومنقول بنقل، وما يتناول بتناوله، وغيره بتخلية.

والإقالة فسخ تسن للنادم.

فصل: الربا نوعان.


--------------------------------------------------------------------------------

بدأ بالشروط، وجمعها شرط، وفي اللغة العلامة، ومنها قوله تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أي: علامات الساعة، وفي الاصطلاح عند الفقهاء، الشرط: إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة، ويتضح بالأمثلة التي تأتي -إن شاء الله-، وذكر أن الشروط في البيع نوعان: نوع صحيح، ونوع باطل، والباطل ينقسم إلى نوعين: نوع يبطل العقد، ونوع يبطل الشرط وحده، وذكروا أن الذي يصح ثلاثة أنواع:

الأول: شرط مقتضى العقد.

والثاني: شرط البائع.

والثالث: شرط المشتري، فنعرف قبل ذلك أن الشروط الأصل أنه صحيحة، ودليل ذلك الحديث المشهور قوله -صلى الله عليه وسلم-: المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحلَّ حراما، أو حرَّم حلالا فدلَّ على أن الشروط كلها معتبرة إلا إذا خالفت الشرع.

مثال: شرط مقتضى العقد، وهو لم يذكر هنا لو اشترط شرطا لا أهمية له، كأن يقول: اشتريتُ منك الثوب بشرط أن ألبسه، أو أهديه، أو لولدي، واشتريت منك الدابة بشرط أن أتمكن من حلبها، أو من ركوبها إذا كانت مركوبة، أو من ذبحها إذا كانت مما يؤكل، واشتريت منك الدار بشرط أن أسكنه، أو أُجَرِّه، أو أُسْكِنَ فيه أولادي، كل هذا لا حاجة إليه؛ لأنك إذا ملكته فلك التصرف، إذا ملكت الكتاب فلك أن تسجله، ولك أن تقرأ فيه، ولك أن تعيره لمن يقرأ فيه، ولك أن تبيعه، ولك أن تورثه من بعدك، فقد ملكته، وإذا اشتريت الثوب فقد ملكته؛ فلك أن تلبسه، ولك أن تكسوه أحد أولادك، أو من تريد، ولك أن تبيعه، أي: دخل في تصرفك.

هذا النوع الأول يسمونه شرط مقتضى العقد؛ لأن العقد يقتضي ملكية المشتري للسلعة، ويقتضي ملكية البائع للعوض، الثمن الذي بذلته للبائع قد دخل في ملكه، هذه الدراهم ثمن هذا الثوب، أو الكيس قد ملكها، فله حرية التصرف كيف يشاء.

أما من شروط البائع، فالبائع قد يكون محتاجا للسلعة، يقول: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهرًا، يعني: أنه بحاجة إلى سكناه هذه المدة، أو سنة -مثلا- فله ذلك، بعتك السيارة بشرط أن تبقى معي خمسة أيام، أنقل عليها رحلي، أو نحو ذلك، فهذا شرط له فيه مصلحة، إذا قال: بعتك الكتاب بشرط أن أستعيره منك لمدة خمسة أيام، أقرأ فيه أو نحو ذلك، فيشترط البائع منفعة في المبيع، وتكون تلك المنفعة مباحة، أما إذا كانت لا تباح فلا يجوز.

فلو قال: بعتك الأَمَة بشرط أن تمكنني من وطئها شهرًا أو يوما لا يجوز؛ وذلك لأنها لما انتقلت من ملكه حرم عليه وطؤها كعتقها -مثلا-، وكذلك أيضا الشروط التي فيها شيء مما يدخل في الحرام، ومنه إذا قال: بعتك الشاة بشرط أن تقرضني مائة، فإنَّ هذا قرض جرَّ نفعًا؛ فيكون ربا لما ورد في بعض الأحاديث كل قرض جرَّ منفعةً فهو ربا فهذه الشروط باطلة.

الشروط التي من قبل المشترى، إما صفة في المبيع، وإما خدمة من البائع، فالصفة مثالها أن يقول: اشتريت منك العبد بشرط أن يكون كاتبا، فإن هذه الصفقة تزيد في قيمته، والأمة بشرط أن تكون بكرا، والدابة بشرط أن تكون هملاجة، أو ذات لبن، فهذا ونحوه مما فيه مصلحة، مما فيه منفعة للمشتري؛ لأنها إذا فقدت ثبت له الخيار، فإذا اشترى الدابة ولم يجد فيه اللبن استحقَّ ردَّها، أو -مثلا- وجدها شرودا، وقد اشترط أن تكون هملاجة يعني: مذللة، فإن هذا أيضا يفوت عليه منفعة، وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع له فيها منفعة، كذلك أيضا من الشروط التي للمشتري إذا اشترط على البائع خياطة الثوب أو تفصيله.

اشتريت منك قطعة هذه القطعة القماش بشرط أن تُفَصِّلَها أو تخيطها، فإن هذا فيه مصلحة للمشتري.

كذلك -أيضا- من الشروط التي للمشتري إذا اشترط على البائع خياطة الثوب، أو تفصيله، اشتريتُ منكَ هذه القطعةَ القماش بشرط أن تفصِّلها، أو بشرط أن تخيطها، فإن هذا فيه مصلحة للمشتري، اشتريت منك هذه الحزمة بشرط أن توصلها إلى المنزل، أو بشرط أن تُكَسِّر هذه الأعواد أو هذا الحطب، ذلك -أيضا- فيه مصلحة للمشتري.

وهكذا إذا اشترط عليه حمل الكيس، اشتريتُ منك هذا الكيس بشرط أن تحمله إلى سيارتي، أو إلى بيتي، ولا شك أنه يزيد في الثمن مقابل أجرة إيصاله؛ وذلك لأن العادة أن هناك قيمتين قيمة الكيس، وأجرة إيصاله إلى المنزل، فمعلوم -مثلًا- أنك إذا اشتريت كيسين، كيس ستحمله أنتَ، والكيس الثاني سيحمله البائع معك إلى منزلك الذي يبعد -مثلًا- عن المستودع هذا يبعد عن -مثلًا- نصف كيلو، لا شك أنه سيزيد عليك الكيس الذي يحمله، ولكن يعتبر هذا شرطًا، يعني: اشترطت أن يحمله، والحاصل أن هذه شروط صحيحة.

ثم قالوا: إن جَمَع بين شرطين بطل البيع، وقد أشكل هذا الأمر؛ لأنه ورد في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ربح ما لم يضمن وعن شرطين في بيع، لا شرطان في بيع فهذا الحديث أشَكل على كثير من العلماء، فتوقف كثير منهم، وتورعوا عن هذه الشروط، ورد -أيضا- حديث بلفظ نهى عن بيع وشرط، ومع ذلك الصحيح أنها تجوز الشروط التي من مصلحة البيع.

وقد ثبت في الصحيح أن جابرًا باع جمله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، واشترط حملانه إلى المدينة أي: اشترط أن يحمل رحله، وهذا شرط في مصلحة البائع جابر، فهو دليل على جواز الشرط، أي: جنسها إذا كان فيها مصلحة، والشرع لا ينهى عن شيء فيه مصلحة، وليس فيه مضرة، فإذا جاءنا هذا الحديث: لا شرطان في بيع نلتمس له صورة تنطبق عليه، فيحمل على شرطين باطلين؛ وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط

ويراد بكتاب الله شرع الله، أي: كل شرط مخالف لشرع الله فهو باطل، فعلى هذا إذا قال: اشتريت منك الدابة بشرط أن تكون هملاجة ولبونًا فهل هذان شرطان؟ الصحيح أنه جائز، الهملاجة: المذللة، واللبون: ذات اللبن، والمعنى أنها يشترط فيها صفة فيها منفعة، صفة ينتفع بها هذا المشتري، فلا محظور من ذلك.

وكذلك على الصحيح لو قال: اشتريت منك هذا القماش بشرطين: أن تفصله، وأن تخيطه، فهذا من مصلحة المشتري، ولا محظور في ذلك، خلافًا لما فهمه كثير من الفقهاء، وكذلك لو قال: اشتريت منك الحطب بشرط أن تحمله، ثم تكسره، فهذان -أيضا- من مصلحة المشتري؛ وذلك لأنه قد يشق عليه حمله وتكسيره، فله في ذلك مصلحة، ولا محظور في ذلك..

فعلى هذا كيف يحمل حديث لا شرطان في بيع ؟ يحمل على أن المراد: الشرطان الفاسدان اللذان ينافيان مقتضى العقد، كأن يَشترط -مثلًا كما سيأتي- أن لا خسارة عليه، أو يشترط أن الولاء له، أو ما أشبه ذلك، شروط تنافي مقتضى العقد، يمكن أن يدخل في ذلك -أيضا- الشروط الربوية التي توقع في المحظور من الربا ونحوه.

والحاصل أن هذا النوع، أو هذه الأنواع شروط صحيحة سواء كانت شروط مقتضى العقد، أو شروطا من البائع كسكنى الدار شهرًا، أو حملان البعير إلى موضع معين، أو من المشتري كحمل الحطب وتكسيره، وخياطة الثوب وتفصيله، وكذلك صفات المبيع ككون العبد كاتبًا، أو خصيًّا، أو مسلمًا، والأمة بِكرًا، والدابة هملاجة أو لبونًا، وهكذا الصفات في المبيع.

أما الشروط الفاسدة فمنها: شروط تنافي مقتضى العقد، وهذه تفسد العقد، فإذا قال -مثلًا-: بعتك الكتاب بشرط ألا تقرأ فيه، ولا تبعه، ولا تُعِره، ولا تمكِّن أحدًا يقرأ فيه، ماذا أنتفع به، وما حاجتي فيه؟، بعتك البيت بشرط ألا تسكنه، ولا تؤجره، ولا تسبله، ولا تبعه، هذه شروط تفسد العقد، وهكذا بقية أنواع الانتفاع؛ لأنك -مثلا- ما اشتريت الثوب إلا لتلبسه، أو لتهبه، أو لتبيعه، فكيف يمنعك من ذلك ؟! ما اشتريت -مثلا- هذا الطعام إلا لتأكله، أو لتتصدق به، أو تطعمه ضيفك، أو أهلك، فكيف يشترط عليك منعك من ذلك؟ هذا ينافي مقتضى العقد.

كذلك -أيضا- من الشروط ما يبطل الشرط، ويصح العقد، مثَّلوا بما ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، والولاء لمن أعتق ورد ذلك في قصة بريدة لما شرط أهلها أن الولاء لهم، وهم ما أعتقوها، الولاء لمن أعتق فإذا قال: بعتك العبد بشرط ألا تعتقه، ولا تستخدمه، ولا تبعه، أو بشرط أنك إذا أعتقته فلي الولاء، فمثل هذا شرط باطل، العقد صحيح والشرط باطل.

وهكذا في الرهن لو قال: اشتريت منك -مثلا- هذه الأكياس، ورهنتك هذا السلاح بشرط أنك لا تبعه إذا حَلَّ الدَّيْن، أو قال -مثلا-: إذا حلَّ الدَّين، ولم توف فالسلاح لك، هذا كله شرط باطل، البيع صحيح، والشرط باطل، ماذا يفعل، يبيعه إذا جاء الدين، ويستوفي دينه من ثمنه، وبقية الثمن لصاحبه، ورد في الحديث لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه هذه أمثلة لهذه الشروط ما يصح منها، وما لا يصح.

ننتقل بعد ذلك إلى باب الخيار، وهو في اللغة: التخيير بين شيئين، إذا قال -مثلا-: اختر هذا وهذا، عند الفقهاء طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الرد.؛ وذلك لأن البيع قد يقع في حال عجلة، في هذه الحال قد يندم المتعاقدان، فإذا ندم كان في إمكانه الرد، وإذا مضت المدة لم يتمكن من الرد؛ فلذلك شُرِع الخيار.

ذكر أنه أقسام، ولكنه ذكره ثمانية:

القسم الأول : خيار المجلس، أي: مكان موضع العقد، سواء كانا جالسين، أو واقفين، أو راكبين أو ماشيين، ما داما مجتمعين، فإن الخيار ثالثٌ لكل منهما، دليله قوله -صلى الله عليه وسلم-: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخيِّر أحدهما صاحبَه، فإن خير أحدهما صاحبَه فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا فقد وجب البيع فسبب ذلك أنك -مثلا- قد تشترى السلعة، ثم يتبين لك أنها عندك، فتقول: لم يحصل تفرق، فخذ سلعتك، وردَّ دراهمي، أو -مثلا- تبيع السلعة، ثم يتبين أنك بحاجة إليها، فتقول: رد علَيَّ سلعتي، وخذ دراهمك، فإني لا أستغني عنها، فهذا سبب شرعية خيار المجلس، وهذا مما جاء به الشرع، ولم يكن معروفًا قبل الإسلام إلا أنهم كانوا إذا تبايعوا، وتعاقدوا، فإنه قد يندم أحدهما، ويطلب الإقالة.

فالحاصل أن في هذا دليل على شرعية هذا النوع، وكذلك -مثلا- في كل عقد من العقود التي في معنى البيع، مثاله: إذا جئت -مثلا- بجنيه، وطلبت من الصيرفي تحويله إلى دراهم، فقال: أشتريه منك بخمسمائة وخمسين، ثم سَلَّم لك قيمة الجنيه، ثم تذكرت أن فلانا يشتريه بستمائة فندمت، وقلت: رد علَيَّ جنيهي، وخذ دراهمك، نحن لا نزال في المجلس، يلزم ذلك يرده عليك.

وهكذا الإجارة لو استأجرت من المكتب دارا بعشرة آلاف لمدة سنة أو نصفها، وبعدما سلَّم لك المفاتيح قبل أن تتفرقا، وقد أعطيته الأجرة أو نصفها تذكرت أنك مغلوب، وأنه يوجد فلان أرخص منها، وأنها لا تساوي إلا ثمانية، ندمت، وقلت: رد علَيَّ دراهمي، وخذ مفاتيح دارك لا حاجة لي فيها، يصح ذلك، وهكذا -أيضا- العكس لو أن صاحب الجنية ندم، وقال: أنا اشتريت منك الجنيه بخمسمائة وخمسين، وأنا أعرف أنه غالٍ، لا أريده، رد علي دراهمي، أو أنا بحاجة إلى دراهمي، ولا حاجة لي بالجنيه.

وكذا صاحب البيت إذا أجر بعشرة، ثم بعد ذلك تذكر أنه يساوي اثني عشر، فقال: ندمت لا أؤجره بهذا رد علَيَّ مفاتيحي، وخذ دراهمك، ندم بعدما تم العقد، يجوز ذلك، وهكذا يكون في السَّلَم، وهكذا -أيضا- في الشركات، وهكذا في الصلح الذي هو بمعنى البيع، وما أشبهها، هذا النوع خيار المجلس متى يحصل لزوم البيع؟

بالتفرق أي: بالأبدان، أي: أن يتفرقا، فإذا اشترى -مثلا- كيسا، وحمله على سيارته، ثم ركب سيارته، ومشى -مثلا- عشرة أمتار، ثم ندم، ورجع، وقال: خذ كيسك، لزم البيع، لا يتمكن؛ وذلك لأنه حصل التفرق، وكذلك لو ندم البائع بعدما ركب المشتري سيارته، ومشى عشرة أمتار أو نحوها ندم البائع، وأدركه أو اتصل به هاتفيًا، وقال: ندمتُ رد علَيَّ أكياسي لا يستطيع، وجب البيع.

إذن: التفرق هو التفرق بالأبدان، هذا هو الصحيح، ثم خالف في ذلك المالكية والأحناف، وتكلفوا في رد هذا الحديث، فالإمام مالك رده بأنه مخالف لعمل أهل المدينة، وقال: لا أعرف أحدًا يعمل به في المدينة، وفي مشائخنا، وقد خالفه كثير من العلماء في زمانه وبعده، وذكر ابن أبي ذئب أنه حديث مشهور، وأنه معروف موثوق معمول به في البلد، وابن أبي ذئب من علماء قريش من أهل مدينة، فعرف بذلك أن هذا الدليل كونه مخالفا لعمل أهل المدينة غير صحيح.

كذلك أتباع مالك الذين قلَّدوه، وتمسَّكوا أنه ليس هناك خيار مجلس، تكلفوا في صرف الحديث عن ظاهره، فقالوا: المراد بالتفرق التفرُّق بالأقول، ولا شك أن هذا خلاف الواقع؛ وذلك لأنهما قبل الأقوال لا يسميان متبايعين، الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيعان" فقبل أن يقول: بعني، وقبل أن يقول: بعتك هل يسميان بيعان؟ فهذا صرف للنص عن ظاهره، كذلك -أيضا- يقال: أعذارهم عن هذا الحديث غير سديدة، ولا عذر عن العمل بهذا الحديث.

أما القسم الثاني من أقسام الخيار: خيار الشرط، إذا اشترط لهما، أو لأحدهما مدة معلومة ولو طويلة، فإنه لازم، ولا بد من تحديد المدة، فيقول -مثلا-: اشتريت السيارة بعشرين ألفا، ولي الخيار، أستشير مدة يوم أو يومين أو أسبوع، اشتريت منك البيت، ولي الخيار مدة شهر أبحث عن جيرانه -مثلا-، وأبحث عن صفاته الخفية، عن أسسه -مثلا-، وعما فيه من عيوب، فلي الخيار هذه المدة، إن شهرا -مثلا- أو نحوه، يصح ذلك، لا بد أن يحدد فيقول: شهرا هلاليا، أو أسبوعًا.

وكذلك -أيضا- قد يكون البائع هو الذي يشترط، بعتك الدار، ولي الخيار شهرًا، أبحث هل أجد سكنًا بثمنها أم لا؟ فيكون له الخيار مدة شهر أو أسبوع… يسمى هذا خيار الشرط، يصح لكل واحد منهما، فيقول -مثلا-: بعتك السيارة بعشرين ألفا، ولي الخيار لمدة أسبوع، فيقول: اشتريتها، ولي الخيار مدة عشرة أيام، في هذه الحال لو ندم البائع، والمشتري يريدها، فإنها ترد، لو ندم المشتري، والبائع يريد التنفيذ، فإنها ترد، من ندم منهما، وطلب فسخ البيع، فإنه يستحق ذلك، ثم يصح في البيع.

ويصح في الصلح الذي هو بمعنى البيع، ويصح في السلم وفي الإجارة: إذا قلت -مثلا-: استأجرت منك هذه الدابة، ولي الخيار يومًا أو أسبوعًا جاز ذلك، فإن ندمت في هذه المدة، وإلا لزم العقد -عقد الإجارة-، في هذه المدة -مدة الأسبوع- ونحوها المِلْك للمشتري، ومع ذلك لا يتصرفان في هذا المبيع، لا يتصرف المشتري ولا يتصرف البائع، يمكن أن يجوز للبائع إذا شرط أن يسكنها له ذلك مع أن له الخيار، ويمكن أن للمشتري يتصرف، فيركب السيارة -مثلا- للتأكد من سلامتها، ولمعرفة سرعتها، أو لمعرفة ما تحمله، أو -مثلا- يجرب الدابة إذا كانت مركوبة، يجربها ماذا تحمل؟ ويجرب لبنها ماذا يكون؟ هل فيها لبن كثير أم لا؟

يصح ذلك، له أن يلبس الثوب ليقيسه أو ما أشبه ذلك، في هذه المدة لو انهدمت الدار، فإنها من ضمان المشتري؛ لأنه الذي اشتراها في هذه المدة، وأجرتها في هذه الأيام إذا كانت تؤجر يومًا فإنها للمشتري، البائع قبض الثمن فلو جعله في سلع، وربح فيها في هذين اليومين أو في هذا الأسبوع، فالربح للبائع في هذا الثمن؛ لأنه قبض على أنه مِلك له، فالمِلك في العين للمشتري وله أجرتها، ولو -مثلا- ولدت الشاة التي فيها خيار، فإن الولد يكون للمشتري ويدفعها في البيع، وله أن يحلبها -مثلا- في هذه المدة؛ لأنه يعلفها، والخراج بالضمان... إلى آخر ما يتعلق بذلك.

أما النوع الثالث من أنواع الخيار وهو خيار الغَبْن ، الغَبْن يمكن أن يكون له ثلاثة أسباب:

أولًا : تلقي الركبان فيشتري منهم ويغلبهم، لهم الخيار، إذا نزلوا إلى الأسواق، فرأوا أنه قد غبنهم.

والثاني: الجهل بالسلع يأتي -مثلا- إلى صاحب الدكان، فيقول: بكم هذا الثوب؟ بكم تبيعه؟ فيقول: كم تبذل؟ فيقول: عشرة. فيقول: لا أبيعك. فيقول: أحد عشرة. فيقول: لا. فيقول: اثنا عشرة. فيقول: لا، ولا يزال يزيده، يعتقد أنه صادق، ماذا يسمى هذا؟ المسترسل الذي لا يحسن أن يماكس، ومنه -أيضا- لو زاد عليه البائع، بعض الباعة يعتقد أن كل واحد يماكس، فإذا جاءه الجاهل قال: السلعة بعشرين، الثوب -مثلا-، هذا القائل يشتري منه بعشرين، ولا يماكسه، ولا يراجعه، ثم يتبين أنه باع الذي قبله بأحد عشر، أو باثني عشر، أو بخمسة عشر، فيقول: زاد علي الربع أو الثلث فلي الخيار.

الصورة الثالثة: زيادة الناجش إذا عرض -مثلا- السيارة للبيع بالمزاد العلني، وإنسان يرغبها، فجاء إنسان لا يريد شراءها، ولكن يريد نفع البائع، وجعله يزيد عليك، كلما قلت -مثلا-: عشرة آلاف، قال: بأحد عشرة. فإذا قلت: باثني عشر. قال: بثلاثة عشر. فإذا قلت: بأربعة عشر. قال: أنا أشتريها بخمسة عشر، وهو لا يريدها، وإنما يريد زيادة الثمن لنفع البائع، فإذا تبين للمشتري أنه غبن، وأن سبب الغبن زيادة هذا الناجش، فإن له الخيار، ويقول: عرفت أنها لا تساوي هذا، وإنما ظننت أن هذا الذي يزيد صادق، وأنه عازم على شرائها، وتبين لي أنه ما أراد إلا إغرائي، ونفع البائع.

هذه ثلاث صور، يعني: تلقي الركبان، زيادة المسترسل، وزيادة الناجش، هذا هو الغبن، يمكن أن يكون هناك غبن يسير، إذا كان الغبن -مثلا- 5%، أو 4%، وما أشبه ذلك بتسامح في مثل هذا، أما إذا كان الغبن الثلث، أو الربع، أو شيئا كثيرا -مثلا- لا يتسامح فيه، يعني: ألف -مثلا- في السيارة، وهي لا تساوي -مثلا- إلا أربعة آلاف، فزاد بألف، أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا كله مما ينافي المصلحة، ومما ينافي النصيحة، الواجب أن البائع ينصح للمشتري، ينصح للمشترين، ويبين لهم الحقائق، ولا يغلبهم.

كثير من الباعة يأخذون أموالًا لا تحل لهم بهذا، الواجب أنه يبيع على هذا، وهذا سواء، يأتيه -مثلا- العارف بالسلع، فيقول: له بكم هذه العمامة؟ يعرف أنه عارف، فيقول له: بعشرين ما يزيد عليه، ثم يأتيه الجاهل فيقول: بكم هذه العمامة؟ فيقول: بأربعين. فيقول: أسقط عني، فيقول: أسقط عنك خمسة، وإذا رآه -مثلا- ** قال: أسقط عنك أو عشرة، فيبيعها بثلاثين، يبيعها هذا للحاذق العارف بعشرين، وهذا الآخر بثلاثين، فيكون قد أضرَّ بهذا الجاهل، الواجب أن يسوي بينهما، وأن ينصح لهذا الجاهل، وهكذا يكون في جميع السلع.

أما النوع الرابع: خيار التدليس، التدليس هو إظهار السلعة بمظهرٍ غير ما هي عليه، مثَّلوا بثلاث: كتصفيف شعر الجارية وتجعيدها، وجمع ماء الرحا، وإرساله عن عرضها، ومثلوا -أيضا- بالمصراة التي جمع لبنها في ضرعها يسمى هذا تدليسا، وهذا يعتبر غشًا إذا أظهر السلعة بمظهر حسن، وباطنها غير حسن، يحدث هذا كثيرًا، ويسمى غشًّا، داخل في الغش.

فثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على بائع طعام -بر- فأدخل يده، فأصابت بللًا، ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابتها السماء. -يعني: المطر- قال: هلا جعلته أعلاه كي يراه الناس؟ من غشنا فليس منا اعتبر هذا غشًّا، يعني: كان عليه أن يجعل العيب ظاهرًا، أما إذا كان المتندي باطنا، فإذا جاء يكيل أدخل الصاع حتى يأخذ من ذلك الرطب، ويجعله في المكيال، ولا يتبطن فيه اعتبر هذا غشًّا وتدليسًا.

وكذلك -مثلا- إذا جعل أعلى الزنبيل شيئا جيدا من القهوة -مثلا- أو من الهيل، وأسفله رديء، فإنه يعتبر هذا -أيضا- غشا؛ لأنه إذا جاءه الجاهل أخذ له من الأسفل ليخلطه ويلتبس عليه.

كذلك -مثلا- بائع اللحم الذي يبيع بالوزن، إذا أظهر اللحم الأحمر أمام المشتري، وأخفى عنه العظم، أو العصب، وإذا جاء ليزن أخذه، وجعل هذا من أسفل، لا شك أن هذا يعتبر -أيضا- تدليسًا، وكل هذا واقع كثيرًا.

مررت مرة بالذين يبيعون الأعلاف، وإذا عندهم أعلاف قد بقيت خمسة أيام، وقد يبس أعلاها، أمَّا وسُطها فإنه لا يزال نديًّا، فإذا هو يحل الخيط عنها، ثم يأخذ اليابس الذابل، ويجعله في الوسط، ثم يجعل الشيء الندي الذي لا يزال رطبًا نيئًا من الأعلى، فنصحته وقلت له: هذا غش. فقال: ما هذا غش، هذا أمام البائع وأمام المشتري، يقول: فقلت: فإن المشتري لا ينظر إلا إلى هذا الظاهر، ويعتقد أنه جميعًا سواء، فقال: هذا كله أمامك، ثم قال: إن -مثلا- هذا **المشكل عليك إذا تحسس أسفله، فإنك تفك خياطته التي في الوسط، وتجعل الأسفل في الوسط أليس هذا غشا؟ فقلت: ليس كذلك؛ ذلك لأنه الرطب الذي يشتري لا بد أنه يقلبه، فيعرف أنه رد أسفله إلى أعلاه بخلاف هذا.

فالحاصل ينتبه لمثل هؤلاء، يبيعون الفواكه -مثلا- كالطماطم، فيجعلون الأعلى صالحًا، وكذلك الذين يبيعون التفاح أو نحوه يجعلون أعلاه صالحًا، وأسفله رديئًا إذا كان في أسطال أو في كراتين، هكذا باعة الرطب وما أشبهها، لا شك أن هذا داخل في الغش، فإذا عثر على ذلك، فإن له الخيار، إذا تبين أنه قد دلَّس عليه، فإن له الخيار.

الفقهاء مثلوا بتسويد شعر الجارية إذا كان يبيع جارية، يعني: أمَة قد ابيض شعرها من الكبر، فيسوده حتى يتوهم من يشتريها أنها شابة، هذا -أيضا- غش، أو يجعده، والتجعيد هو أن تعالج كل شعرة إلى أن تنعقد على أصلها، الشعر الجعد هو المتعقد، يوهم أنها شابة أو نحو ذلك.

كذلك جمع ماء الرحا وإرساله عند عرضها، الرحى قديما: حجر يركب على حجر، ويجعل القمح في وسطه حتى تدور وتطحنه، الذي يدور بها هو الماء، يجعلون في هذه الرحى خروق، خرق هذا فيه خشبة في لوح، وخرق أمامها لخشبة في اللوح وهكذا، وهذه الألواح لها أطراف في وسط الماء، الماء الذي يمر مع هذا المجرى، يعني: مع الساقي يمر فيرفع هذا اللوح، فإذا دفعه شيئًا استدارت الرحى شبر كذا شبر، ثم جاء اللوح الذي بعده، فيدفعه الماء، فاستدارت كذا شبر إلى أن تستدير، فإذا كان جر الماء جيدا، فإن استدارتها تكون بسرعة، تدور بسرعة، فيجمعون الماء -مثلا- في خزان، ثم إذا عرضوها للبيع أطلقوا الماء بقوة، فإذا رآها المشتري، وجدها تدور بسرعة، فيزيد في الثمن، يعتقد أن هذه عادتها، وهكذا مثلوا بهذه الأمثلة، على كل حال لا شك أن هذا كله غش، وأن الغش كثيرًا، أنواعه متكاثرة.

النوع الخامس، القسم الخامس من أقسام الخيار هو خيار العيب: تعريفه: ما ينقص قيمة المبيع كمرض وفَقْدِ عضو وزيادته، هكذا يمثلون، والأمر أهم من ذلك.

العيب: هو ما ينقص قيمة المبيع، فإذا -مثلا- اشترى الثوب، وبعد ما اشتراه وجد فيه خرقًا أو خروقًا استحق الرد؛ لأن هذا عيب، وكذلك إذا اشترى الكيس ثم وجد فيه دابة -مثلا- قد أفسدته، أو وجد فيه أخلاطا من شعير أو نحوه، اعتبر هذا عيب فله رده، أو اشترى بعيرًا، ووجده أعور، أو وجده مريضًا.

كذلك -مثلا- إذا اشترى شاة ووجدها مصراة، أو قد حبس لبنها في ضرعها يومين، أو ثلاثة أيام إلا أن المصراة ورد أن الخيار فيها ثلاثة أيام، وأنه إذا ردها يرد معها صاعين طعام، من تمر أو نحوه عوضًا عن اللبن الذي كان فيها وقت شرائه لها.

فأما إذا كانت مريضة، فإن له الخيار، أو عوراء -مثلا-، أو عرجاء، فإن له الخيار، ها هنا الخيار للمشتري، فإذا وجد في البيت تصدعًا في الحيطان اعتبر هذا عيبًا، وإذا وجد الأرض سبخة، وهو يعتقد أنها طيبية قال: لا تصلح للغرس ولا للزرع اعتبر هذا عيبًا فله أن يردها، هكذا جميع العيوب إذا وجد -مثلا- في الإناء خروقًا، أو وجده متكسرًا، فإن هذا -أيضا- عيب فله أن يرده، فالحاصل أن العيب ما ينقص قيمة المبيع، في هذا النوع -خيار العيب- عرفنا أمثلة.

وذهب بعضهم إلى أن الخيار على التراخي، ولعل الأقرب أنه على الفور، إذا علم المشتري بالعيب، فله الخيار بين أمرين: أن يقبض الأرش، أو يرد المبيع، الأرش: هو قيمة ما بين الصحة والعيب، قيمة ما بين صحيح ومعيب، فيقول -مثلا-: أنا اشتريت الشاة بمائة، وذبحتها لأضيافي، وتبين أن فيها عيبا، مريضة أو نحو ذلك، والآن فاتت كم مائة تساوي وفيها ذلك المرض؟ قال: تساوي ثمانين ريالًا، وأنا اشتريتها بمائة، والفرق الخمس، يرد عليه الخمس.

وهكذا لو ماتت عند المشتري، وتبين أن موتها بسبب المرض، فيقال: كم قيمتها مريضة؟ وكم قيمتها سليمة؟ فينظر الفرق فيدفعه البائع للمشتري، وهكذا لو أمسكه، لو قال -مثلا-: إنى لبست الثوب، وقد استعملته فوجدت فيه خروقًا أو تمزقًا، والآن قد لبسته، كم قيمته صحيحًا؟ قيمته عشرون، كم قيمته بهذه العيوب؟ بخمسة عشر، الفرق بينهما الربع يسمى هذا الأرش، قسط ما بين قيمة الصحة والعيب.

ولا يجوز في هذه الحالة أن يستعمله، وقد عزم على رده، إذا عزم على رده، فإنه يوقف استعماله، فيخلعه إذا كان ملبوسًا، ويوقفه إذا كان -مثلا- مستعملًا،وكان مركوبا، أو كان مشروبا، أو ما أشبه ذلك، وإذا كان قد أكل من الكيس:مثلا- فإنه يتوقف ويقدر ما أكله، ويقول: أكلت منه ربعه أو ثلثه أو ما أشبه ذلك، ولا أريد الباقي، خذه -أيها البائع- لأنك خدعتني فله أن يرده، ويأخذ الثمن، أو يمسكه ويأخذ الأرش.

وهنا يحصل الاختلاف إذا قال -مثلا- البائع: هذا العيب حصل عندك، أنت الذي خرقت الثوب، أو أنت الذي كسرت الزجاج -مثلا- أو تصدع عندك، أو هذه الدابة ما عرجت إلا عندك، وما فقئت عينها إلا عندك، والمشتري يقول: بل هذا قديم، بل هو قبل أن أشتريها، في هذه الحال الحكم هو أنه يحلف المشتري أنه اشتراها وفيها هذا العيب؛ يقولون: لأن الأصل أن العيب يكون قديمًا، ويحلف المشتري أني اشتريتها وفيها هذا المرض، أو فيها هذا التكسر، أو في الجدار هذا التصدع، فثم حينئذ له أن يرده، وله أن يأخذ الأرش، وإذا -مثلا- تلفت العين، فإنها من ضمان المشتري، ويرد البائع عليه القسط الذي بين الصحة والعيب، يعني: الأرش، أرش العيب.

كذلك إذا وجدت قرينة تدل على أن العيب عند أحدهما عمل بها، فإذا كان الجرح يسيل عرف بأنه حدث عند المشتري، وإذا كان -مثلا- بياض في العين عرف أنه عند البائع، وإذا وجدت بينة لأحدهما عمل بها، سواء تشهد بأنه قديم، أو أنه حادث عمل بالبينة، ولا يستعمل اليمين إلا عند عدم البينة، والملك في هذه الحال للمشتري إلا أنه إذا عزم على الرد، فإنه يتوقف عن استعمالها -كما ذكرنا-.

بقية الأقسام، بقي عندنا خيار التقدير، وخيار الاختلاف، وكذلك -أيضا- ما يحتاج إلى حق توفيه نؤجلها، ونستمع إلى بعض الأسئلة.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، إن رأى فضيلتكم -جزاك الله خيرًا- مراعاة لأحوال بعض الأئمة أن يتوقف عن الشرح بعد الآذان مباشرة، ثم يقضي بقية الوقت للأسئلة.

س: هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ، ما حكم ما يتعامل به بعض شركات الألبان وغيرها يجعلون البضاعة عند صاحب التموينات فما باعه فله الربح، وما انتهت مدة صلاحيته تسترجع الشركة ما فسد من البضاعة ؟.

ج: لا بأس بذلك، يجعلوه عنده كأنهم يقولون: إنه وديعة عندك الذي تبيعه هو لك، ونأخذ ثمنه، والذى لا تبيعة يبقى عندك بدون أن تمضي مدته يعتبر كأنه وديعة.

س: وهذا يقول: ما حكم تأجير السيارة الذي ينتهي بالتمليك؟ وكيف ينطبق ذلك على حديث لا شرطان في بيع ؟.

ج: يذكر أن حديث لا شرطان في بيع له عدة محامل، ومع ذلك فإنه قد عمل بظاهره كثير من العلماء حتى أن بعضهم توقف فيما إذا شرط البائع شرطًا، وشرط المشتري شرطًا، فقال: ظاهر الحديث يدخل فيه لا شرطان في البيع ومع ذلك هذه المسألة قد كثر السؤال عنها، الشركات الآن وقعوا في هذا النوع، وأنهم قالوا: نبيعك السيارة -مثلا- بسبعين ألف، تؤدِ إلينا كل شهر ثلاثة آلاف، وإذا انتهت هذه المدة، وأديت السبعين ألف سلمنا لك وثائق السيارة، وقبل ذلك تكون لنا كأنها ملك لنا، وإذا عجزت عن التسليم، أو تركت شيئًا من الأقساط، فإننا ننتزع منك السيارة، وتكون الأقساط التي وصلت إلينا كأجرة عن استعمالك لها، يعبر عن ذلك بأنه تأجير ينتهى بالتمليك.

وسبب ذلك أنهم جربوا أن كثيرًا من الذين يشترون لا يسدِّدون الأقساط في حينها، بل يتراكم عليهم أقساط وتتأخر، فاضطروا إلى أن يأخذوا السيارة، ويقولون: ما وصل إلينا فإنه أجرة عما مضى، وأتوقف إلى الآن، أما لجنة الإفتاء فما أصدروا فيها فتوى صارمة، ولكنهم يفتون أن هذا لا يجوز، يفتون عليه فتاوى شفهية، ويعللون بأنه لا يصدق عليه أنه أجرة ولا أنه بيع.

نحن نقول: إذا كنت محتاجًا إلى شراء هذه السيارة، فإنك تشتريها شراء صحيحًا، وتقول لهم: هي رهنكم، فإنه يجوز رهن المبيع على ثمنه وغيره، وإذا كانت رهنا لهم، وحلت أقساطهم ولم تفِ فإنهم يبيعونها، ويأخذون بقية أقساطهم، ويردون عليك الباقي، فإن الرهن باقٍ على ملك الراهن لقوله في الحديث: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه، وعليه غرمه هذا هو الذي يتمشى عليه الأمر أنه يشتريها، ويجعلها رهنا لهم.

س: أحسن الله إليكم، ما معنى قول المؤلف: "وإن تعيب -أيضا- خُيِّر فيه بين أخذ أرش، ورد مع دفع أرش وأخذ ثمنها"؟.

ج: هو يقول في خيار العيب: إذا عتق العبد أو تلف فإنه من ضمان المشتري، وإن زاد فيه عيب يعني: كان فيه -مثلا- عيب واحد، ثم أضيف إليه عيب آخر فتحققنا أن فيه عند البائع، وعيب جديد عند المشتري، ففى هذه الحالة ليس له إلا الأرش، أرش العيب القديم، وأما العيب الذي حدث عنده فإنه من فعله، لكن لو اختار المشتري أن يرده، ويدفع أرش العيب الذي حدث عنده وقبل ذلك البائع فله ذلك.

س: أحسن الله إليكم، يقول: اشتريت خروفا من بائع أغنام، ولما ذهبت إلى المسلخ وذبحتها وجدت بها مرضًا، وصادرتها إدارة المسلخ، وأعطيت ورقة تفيد بمرضها إلى البائع، فلما ذهبت إلى البائع وأخبرته وأعطيته الورقة قال: تكون قيمتها بينى وبينك، نصفها علي، ونصفها عليك، فما حكم ذلك؟.

ج: إذا كانت لا تصلح للأكل فله ذلك، له الثمن كله، لكن يمكن أنها تصلح لغير الأكل، فالحاصل أنه في هذه الحال ربما أنه ذبحها ووجد أنها لا تصلح للأكل، وأنها مريضة، وأن من أكل منها تسمم أو مرض، وصادرتها البلدية، فالصحيح أنه يرجع بالثمن.

س: أحسن الله إليكم، في بعض الأحيان نشتري الكتب، وبعد ذلك نجد بعض الورقات بيضاء، ويمتنع البائع من استبدال الكتاب، فما حكم ذلك؟.

ج: لا شك أن هذا عيب، وأن عليه أن يقبلها ويبدلها بغيرها من السليم، أو عليه أن يدفع الأرش عن تلك الأوراق البيضاء.

س: يقول: هل يقوم الشيك مقام النقد في القبض والصرف؟.

ج: هذا فيه خلاف، ورجحت هيئة كبار العلماء أن ذلك جائز، وعقَّب عليه أكثر المشايخ؛ وذلك لأن الدراهم تعتبر أوراقا، والشيك -أيضا- يعتبر ورقا، ولو كان الشيك لا يصلح إلا عند البنك، والأوراق تصلح عند جميع البقالات والناس، ولكن لما كان يعتبر وثيقة مأمونة حصل بها القبض.

س: أحسن الله إليكم، يقول: إذا تمت المبايعة عن طريق الهاتف، ثم وضع كل من البائع والمشتري السماعة، وندم أحدهما، فهل يجوز له الرد؟.

ج: لا شك أن هذا شيء جديد، ما تكلم عليه العلماء قديمًا، البيع بالهاتف، والقواعد تقتضي أنه يحصل لزوم البيع بانتهاء المكالمة، بأن يضع كل منهما السماعة من يده بحيث يحصلُ التفرُّق بحيث إنه لو تكلم بعد ذلك من وجهته ما سمعه فينقطع الخيار.

س: أحسن الله إليكم، يقول: إذا أردت بيع سيارة بها عيب، ولم أرد إخبار المشتري بذلك من باب إتمام البيع، فما الحكم مع العلم أني طلبت منه فحص السيارة؟

ج: وهذا يعتبر -أيضا- غشًا، مر بنا جملة نسينا أن نتكلم فيها في آخر الشروط، وهو قوله في ضمان المجهول أنه لا يصح:"إن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ" صورةُ ذلك أن يقول: أشتري السيارة، وإذا كان فيها عيب أو عيوب فلا تلحقني بشيء، أنا بريء من هذه السيارة والعيوب التي فيها، هي أمامك افحصها، ولا تطالبني بشيء مما فيها، هذا معنى شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ، فلا بد أن يوقفه على العيوب التي يعرفه فيها، فيقول: أعرف فيها -مثلا- هذا العيب في العجلات، وهذا العيب في الماكينة، وهذا العيب في كذا، هذا هو الذي أعرف، وإذا كان فيها شيء لا نعرفه، فلا تسألني عما لا أعرف.

فأما إذا علم -مثلا- أن في الماكينة عيبا، فقال: تشتريها على أنها معيبة في الماكينة، ومعيبة في مقدمها، ومعيبة ذيلها، ومعيبة في عجلاتها، ومعيبة في كذا وكذا، وأخذ يعدد، المشتري يعرف أنها ليست كذلك، أنها -ظاهرًا- سليمة، ويعتقد أنها سليمة فيزيد في الثمن، فهذا -أيضا- خيانة، كالذى -مثلا- يعرض شاة فيقول: اشتري هذه الشاة على أنها عوراء وعرجاء ومريضة بمرض كذا، ومريضة بجربٍ، ومريضة بكذا وكذا، يعدد عشرين عيبًا، والمشتري يعلم أنها ليست كلها فيها، والبائع يعرف أن فيها واحدًا من هذه العيوب، فأخفاها عن المشتري يعتبر هذا -أيضا- غشًّا، يستحق أن يردها بذلك العيب.

واجب على البائع أن يخبر بالعيوب التي يعرفها، وأما العيوب التي لا يعرفها فيتنصل منها، ويقول: إن كان فيها شيء فلا أعرفه، فإذا أقدم على ذلك العيب فليس له الرد به، وإذا وجدت عيوب أخرى فله الرد بها، إذا كنت تعرف بها عيوبًا فلا بد أن تخبره، ولو لم يسألك.

س: أحسن الله إليكم، يقول: بالنسبة لخيار الشرط إذا رجع المشتري في بيعه تبعًا للشرط، فهل يقدم للبائع مقابل ما استفاد به من السلعة كما لو استخدم السيارة شهرًا؟.

ج: ذكروا أنه لا يجوز في حالة الشرط أن ينتفع بها أحد منهما -مثلا-، لا يجوز ذلك أن تلبس الثوب، وقد اشترطت الخيار، ولا أن تركب السيارة، وقد اشترطت الخيار، بل لا تستعملها إلا بعد أن تجزم بالشراء، فإذا تصرف المشتري، فإن ذلك دليل على الرضا، فتصرف المشتري يسقط خياره، فإذا تصرف فيها، ثم ردها فللبائع أن يطالبه بذلك، فيقول: أنت سودت القِدر -مثلا-، أو أنت دنست الثوب للبسك له -مثلا-، أو الكتاب بقراءتك فيه -مثلا-، ثم رددته فأعطني أجرته، أو أعطني عوض ما حصل فيه.

س: أحسن الله إليكم، توجد بعض العبارات عند الباعة مثل: قولهم البضاعة التي تباع لا ترد؟.

ج: على المشتري أن يقبلها، وأن يتفقدها تفقدًا تامًا قبل أن يجزم بالشراء، وإذا فحصها ووجدها سليمة أقدم على ذلك، فليس له بعد ذلك أن يردها وقد اشترط عليه؛ لأنه أقدم على الشراء مع علمه بأنها معيبة -مثلا-، ورأى ما فيها من العيوب أو نحوها، لكن قد يقال في خيار الغبن: أنه إذا غُبن غبنًا يخرج عن العادة، فإن له أن يرد إذا كان ذلك مما لا يتسامح فيه.

س: أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ يقول: هل يجوز أن أشتري سلعًا من أسواق أمريكا -مثلا- بواسطة الإنترنت، وأن أبيعها في أسواق اليابان -مثلا- بواسطة هذه الشبكة، وأنا في بيتى لم أسافر، ولم أذهب، فإذا كانت الإجابة بعدم الجواز فما هي المحاذير في مثل هذا البيع؟ وما نصيحتكم فيما قد فعل مثل هذا الفعل؟.

ج: لا شك أن هذا يحدث كثيرًا، وفيه نهي، وأنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يعود التجار إلى رحالهم، ويأتينا في الفصل الذي بعد الخيار ما يحصل به القبض، يحصل القبض بما بيع بالكيل، وما بيع بالوزن وزنًا.. إلى آخره، فنقول: إذا اشتريت السيارة -مثلا- بواسطة الهاتف أو نحوه في دولة، فلا بد أن توكِّل مَن يستلم هذه السيارات ويحجزها، ولا يجوز لك أن تبيعها لا على قريب، أو بعيد حتى تحجز لك وتحاز على جانب.

وكذلك -أيضا- لو اشتريتها بالهاتف في معرض من المعارض في الرياض، فلا تبعها حتى ترسل من يستلمها، من يستلم مفاتيحها، ثم ينقلها من مكان إلى مكان، هذا هو الذي جاء به الشرع، وسبب ذلك أن تدخل في الملكية؛ لأنها قبل ذلك ليست في ملكيتك، بحيث أنها لو تلفت لتلفت على البائع بخلاف ما إذا قبضت، فجعل الفاصل بين انتقالها من البائع للمشتري حيازتها، فقبل الحيازة إذا تلفت فعلى البائع، أو رخصت فعلى البائع، أو غليت فعلى البائع، وبعد الحيازة تدخل في ملك المشتري فله غنمها وعليه غرمها.

س: السؤال الأخير: هذا طلب من أحد الإخوة يقول: أحس برغبة شديدة في طلب العلم، والحضور لدراسة دروس هذه الدورة، ثم أحس بفتور شيئًا فشيئًا حتى أقلع عن الحضور، فما نصيحتكم لي جزاكم الله خيرًا؟.

ج: لا شك أن الرغبات تتفاوت، وننصحك بأن تواصل في هذه الحلقات، وأن تستمر فيها؛ لأنك تحصل على خير كثير، تحصل على فوائد، وتحصل على علوم، وكذلك تحصل على أجر، تذكر الحديث من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة تذكر قوله في الحديث: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع ننصحك بالمواصلة، وإذا أحسست -مثلا- في نفسك بشيء من الكسل أو التثاقل عليك أن تعزم وأن تجزم على المواصلة، وتبتعد عما يعوقك عن ذلك، وتستعيذ بالله -تعالى-، والله المعين، والله أعلم، وصلى الله على محمد.









آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس