الموضوع: محمود درويش
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-25-2012, 06:05 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

كلنا موتى منفى
وديع سعادة
كل ما كتبه محمود درويش كان من أجل وطن، ومات بلا وطن.
قبله مات عرب كثيرون من دون أوطان. مات عرب كثيرون في الأحلام الخائبة.
وبعده، وبعدهم، سيموت كثيرون أيضاً في المنافي.
إنها أوطان تلد ناساً كي تنفيهم أوطان أخرى. أو أوطان تلد ناساً كي تنفيهم أوطانهم. أو أوطان تلد ناساً كي يعيشوا في أوطانهم منفيين... لا، إنها المنافي وليست الأوطان!
كل ما حلم به محمود درويش هو الوطن، ومات بلا وطن. مثل درويش حلم كثيرون وكثيرون لا يزالون يحلمون. وكلهم ماتوا ويموتون بلا وطن.
العرب كلهم يحلمون أحلاماً شبيهة بحلم محمود درويش. كلهم يحلمون بوطن. وكما مات درويش، يموتون كلهم الميتة ذاتها. يموتون كلهم في الحلم الخائب.
نادراً ما نرى مواطنين وشعراء وأدباء ومثقفين غربيين يموتون خارج أوطانهم، فلماذا نرى هذا الكم الهائل من العرب يموت في المهاجر والمنافي؟!
فهل الأوطان العربية حلم مستعصٍ؟
هل الأوطان العربية رهينة حلمين: حلم يجهضه الخارج وحلم يجهضه الداخل؟
حلم، إن لم يجهضه الغرباء أجهضه أهل بيته؟
كم من العرب يعيشون في المنافي ويموتون في المنافي؟!
كم من العرب نفاهم الغرباء من أوطانهم؟ وكم من العرب نفتهم أوطانهم؟ وكم من العرب يعيشون في أوطانهم منفيين؟!
... فيا صديقي محمود درويش، أنت وشعبك لستما حالة استثنائية.
كلنا يا صديقي نعيش بلا أوطان ونموت بلا أوطان.
كلنا حلم وطن... وموتى منفى.


تليق بك الحياة
زاهي وهبي
قبل شهرين كان آخر لقاء لي بمحمود درويش. زرته في بيته "العمّاني" برفقة الصديقين الدكتور أسعد عبد الرحمن والمطربة الجليلية (نسبة الى الجليل الفلسطيني) أمل مرقس. ما ان فتح الباب حتى بادرته قائلاً:
- كلما تقدمتَ في السن ازددتَ وسامة وشباباً (وكان أكثر نحافةً مما اعتدته).
- ليس المرء كما تظن يا زاهي، قال لي كمن يضمر شيئاً.
فهمتُ من جوابه أن قلبه عاود مشاكسته، وخصوصاً حين اخبرني أنه ذاهب الى اميركا لإجراء عمل طبي. واتفقنا على اللقاء في بيروت فور عودته.
قلتُ: هذه المرة ستأتي الى بيروت بلا التزامات عامة. لا أمسيات ولا ندوات. سوف ادعوك الى لقاء ثالث في "خليك بالبيت" وستكون الدعوة مجرّد ذريعة لنسهر ونخرج ونصعد الى الجبل. ستكون زيارة لأجل الحياة، مازحته ضاحكاً.
وافق محمود من دون أن يجادلني كعادته في مسألة التوقيت. فكّرتُ: كم تغّير. وكل تغيّر فيه كان دوماً نحو الأفضل. نحو مزيد من الشفافية والرقّة والتواضع.
في جلستنا الأخيرة تحادثنا في أمور كثيرة، ومازحنا قائلاً إننا قاطعناه عن متابعة مباراة كرة القدم من جملة مباريات كأس الأمم الأوروبية. وكانت كرة القدم احدى متع محمود درويش، هذا الشاعر الذي لا يشبه الشعراء الآخرين، لكنه يشبه الشعر الى حد التماهي. حتى بيته كان مختلفاً عن منازل الشعراء. "بيت شعر" اكثر مما هو بيت شاعر. قلت له ذلك. فحدثني عن بيتي وسألني عن رابعة ودالي. وسألته عن أمور كثيرة. وكنتُ كمن يسأل أخاً أكبر.
في طريق العودة اهديت الى أمل مرقس نسخة من كتابي "تتبرّج لأجلي" وأشرت الى قصيدة عنوانها "تليق بك الحياة"، كتبتها قبل نحو خمس سنوات لمحمود درويش. قالت امل: إقرأها لي، فقرأت:
"لا تعتذر عما فعلت/ قم في صيحة الديك/ في صوت المؤذن/ توضأ واكتب قصيدتك/ في الصباح لك أن ترشق الجندي بحجر/ أن تقطف وردة لعاشقة الورد/ أن تجد وقتا لاشيائك الحميمة/ أن تنتقي قميصا ربيعي المزاج/ أن ترفع صوت الموسيقى عاليا/ أن تخفف قليلا وطأة هذا الاحتلال./ لك ان تفعل ما تشاء/ صدّقني يليق بك الصيف/ مثلما يليق بك الشتاء/ إذن.../ لك ان تقاتل/ ولك ان تغني/ أن تطلق غزالة من اسر الخيال/ أن ترجع فتى مفتول الساعد والاحلام/ أن تتغاوى بشيب التجارب والمحن./ لك أن تفعل ما يحلو لك/ لك أن ترى في مدينتي ما تريد/ ولي ان اجعل قصائدك خبز الفقراء/ ليس الحزن ما يجعلك استثنائيا/ ولا الموت المتربص بك عند ناصية الايام/ حبك للحياة جدير بالحياة/ واخطاؤك الصغيرة لا تستحق الاعتذار/ إذن/ لا تعتذر عما فعلت/ وامش كما تشاء/ معتدل القامة
أو سنبلة ملأى/ ناحلاً، مائلاً/ أخضر الابتسامات/ ابتسم لتغيط الجندي المكفهر خلف بندقيته/ غنّ/ غناؤك يعكر مزاج الجنرال/ غنّ
ليس الحزن ما يجعلك استثنائياً/ بل دفاعك الرائع عن معنى الحياة".

•••

سوف يُكتب الكثير عن محمود درويش، ويمتزج الحبر بالدموع، سوف يُكتب عن شعره الذي لطالما اغضب المحتل الإسرائيلي وافزعه، وعن "فلسطينه" التي عشقها حتى الرمق الأخير، وعن نجمته بيروت، عن ريتا وعصافير الجليل، عن حصانه الذي تركه وحيداً، وسرير الغريبة الذي يشتاق دفء قصيدته، وعن أثر الفراشة الذي لن تقدر جرافات الاحتلال على محوه من ذاكرة فلسطين. مثلما سوف يُكتب عن شاعريته وفرادته وتمرّده حتى على شعره وجمهوره.
أما انا فسوف انتظره في بيروت مردداً "تليق بك الحياة" في الحياة وفي الموت الذي في حالة محمود درويش لا يكون كلياً.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس